قراءة في كتاب

طارق بوحالة: جائزة نوبل للأدب تحت مجهر الدراسة والتحليل

2867 هاجر بكاكريةتنخرط دراسة الباحثة والأكاديمية الجزائريّة "هاجر بكاكرية" الموسومة بـ: إشكالات جائزة نوبل للأدب، "نجيب محفوظ أنموذجا" الصادرة عام 2015، عن دار الثقافية للنشر/ تونس  في مساءلة أهم الأسئلة والإشكالات التي تواجه جائزة نوبل للأدب منذ إنشائها عام 1901، والسعي إلى الإجابة عن كيفية منح هذه الجائزة، وهل تم ذلك انطلاقا من خصائص أدبية شفافة تخضع  لمبدأ الاستحقاق،  أم أنها  تستند إلى خلفيات أخرى غير أدبية؟

ومن أجل الإجابة عن هذه الإشكالية فقد اختارت الباحثة تجربة ونموذج الروائي المصري نجيب محفوظ، الحاصل على جائزة نوبل للأدب في نسختها لعام 1988، ليكون بذلك " مفاجأة للعالم العربي، ويثير جدلا كبيرا وتوجه له اتهامات وشكوك، ليخلف بذلك آراء توزعت بدورها بين فريقين مختلفين.

-الفريق الأول يرى أن الجائزة هي بمثابة الاستحقاق والتكريم لنجيب محفوظ وهو صاحب التجربة الروائية المتميزة والفريدة من نوعها، لهذا فإنه يستحق أن يكون في قائمة الكبار.

- ويُرجع الفريق الثاني هذا الفوز إلى مسوغات وأسباب غير أدبية، انطلاقا من مواقف نجيب محفوظ السياسية والدينية التي ضمنها في أعماله الروائية. والتي قد تكون أبرز أسباب الفوز.

وتستهل الباحثة هذه الدراسة بمدخل تأسيسي تعرض فيه أهم القضايا المتعلقة بجائزة نوبل للأدب، وتناقش الإشكالات البارزة التي تواجهها هذه الجائزة، وعلاقة العرب بها، مما يطرح بدوره قضية استحقاق المبدعين العرب،وقيمة أعمالهم الأدبية .

وقد ناقشت الباحثة في دراستها أهم العوامل التي لها علاقة بمنح جائزة نوبل لنجيب محفوظ، وذلك بالعودة إلى حيثيّات هذا التتويج عام 1988، وكذا علاقة أعماله بالسينما، وهل يمكن لها أن تكون من الأسباب الجوهرية في حصوله عليها، وهو الذي كانت له إسهامات في كتابة "السيناريوهات لعدد من أبرز الأفلام التي تم إنتاجها خلال فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي" ص 126

غير إن الباحثة هاجر بكاكرية ترى أن "الشهرة ليست من الأسباب التي مكنت نجيب محفوظ من الجائزة لأن شهرته كانت محليّة ولم تتجاوز العالم العربي شعبيّا، ويؤكد ذلك ما جاء في خطابه يوم تسليمه الجائزة، حيث عقب عن عدم معرفته لحظة إعلان اسمه مقرونا بالجائزة." ص 132

وتشتغل هذه الدراسة على رواية "أولاد حارتنا" إحدى الروايات المثيرة للجدل بهدف الكشف عن بعض الملامح الفنية والموضوعاتيّة التي دفعتها لأن تكون من أعمال نجيب محفوظ البارزة والتي أنجزت عنها دراسات نقدية عديدة. وترى هاجر بكاكرية أن لجنة نوبل قد أثنت على أعمال نجيب محفوظ وغزارة إنتاجه وعطائه المستمر رغم بلوغه سن السابعة والسبعين وركزت على تصويره للبيئة المصرية والاهتمام بتفاصيلها...ص 186

تتوصل الباحثة إلى جملة من النتائج منها أن ترجمة أعمال نجيب محفوظ إلى اللغات العالميّة قد جعلته ينال حظا وافرا بين القراء خاصة باللغتين الإنجليزية والفرنسية. كما إن أدبه الروائي قد وجد من يحتفي به خارج الحدود خاصة بعد أن تمت دراسته ضمن منجز الآداب الشرقية في جامعات عالمية بارزة، مما أسهم في لفت الأنظار إليه. وتذكر الباحثة نماذج عن هذا الاهتمام منها: "ماجستير قدمها فليب ستيوارت عن رواية أولاد حارتنا في جامعة أكسفورد، وقد كانت قبل فوزه بالجائزة عام 1988. ودكتوراه لبليد ماتياناهو قدمت في جامعة كالفورنيا، 1971 ودكتوراه منى نجيب ميخائيل  عن أدبه قدمت في جامعة ميتشيغان عام 1972...." ص 296

ولم تكتف الباحثة بالعودة إلى الأعمال الروائية لنجيب محفوظ فحسب، بل استحضرت خطابه الذي ألقاه بمناسبة الحصول على الجائزة عام 1988، وهو خطاب يدخل ضمن مراسيم التتويج والذي يُظهر أن نجيب محفوظ لم يكن ينتظر فوزه هذا، مما يستدعي فرضيّة أنه لم يكن يكتب من أجل الجوائز كما يفعل الكثير من المبدعين. وهو ما استبعدته الباحثة في قولها: "نعتقد أن جائزة نوبل كانت من اهتمامات نجيب محفوظ وعمل على الحصول عليها حتى وإن رفض التصريح بذلك، وأبى النقاد أن يضعوه في خانة الساعين للجوائز." ص 298

يبقى هذا الكتاب من الدراسات القليلة والفريدة في المنجز العربي المعاصر،  ويكمن تفرده في كونه قارب موضوعا متجددا، يثير في كل عام نقاشات بين النقاد والمبدعين والمهتمين بجائزة نوبل للأدب. وأنه اشتغل على النموذج العربي الوحيد المتوج بها إلى حد الساعة، لهذا فإن هذه الدراسة تثير إشكالية جوهرية ترتبط بقيمة الأدب العربي ضمن خارطة الأدب العالمي، وما هي الأسباب الظاهرة والخفية للفوز العربي الوحيد بهذه الجائزة.

 

د. طارق بوحالة

 

 

في المثقف اليوم