قراءات نقدية

أيمن عيسى: تداعيات كورونا فى الحقل اللغوى

ايمن عيسىمنذ ظهور فيروس كورونا وتفشيه فى أنحاء العالم، كان لهذا التفشى الأثر البالغ فى ميادين عديدة، وأسرع الباحثون والدارسون يتتبعون آثاره فى عدة مجالات، كان أبرزها الجانب الاقتصادى . بينما لم يتطرق إلا قلة معدودة إلى الجانب اللغوى محاولين البحث فى اصطلاحات تعلقت بانتشار المرض وراجت فى وسائل الإعلام المختلفة . من هنا فإنا نمتد فى هذه الدراسة إلى الكشف عن تداعيات كورونا فى الحقل اللغوى والتداولية الألسنية. وفى إطار ذلك نسهم فى مناقشة بعض الآراء التى كادت أن تفتعل أزمة اصطلاحية دون روية، كما نسهم فى تعرف بعض الفروق اللغوية الدقيقة بين مصطلحات مستخدمة متعلقة بهذه الجائحة .

وتتمثل تداعيات كورونا فى الحقل اللغوى فى هذه المحاور:

1- إلماع كلمات موجودةك

القاموس اللسانى لأى أمة يحوى الكثير من الألفاظ والمفردات، ومن هذه الألفاظ ما ينشط تداوله بحدوث شىء معين يوهج استخدامها على الألسن، ومن ذلك تلك الألفاظ التى نشطت بعد كورونا أو تقيدت بالإضافة إليها، ونشاطها لا يعنى أنها كانت خاملة ثم نشطت، بل يعنى أنها أصبحت متداولة على الألسن أكثر مما كانت عليه، لذلك آثرنا استخدام عبارة " إلماع كلمات موجودة " . وهذه الكلمات هى:

- وباء: الوباء مرض سريع الانتشار ولكن داخل منطقة جغرافية واحدة أو حدود دولة لا يتخطاها، ومهما كان عدد ضحاياه فلا يوصف إلا بأنه وباء، ذلك لأن له حدا جغرافيا وقف عنده ولم يتجاوزه . لذلك نلاحظ حين كان الفيروس لا يزال قيد مدينة واهان بؤرة المرض وحتى فى مرحلة انتشاره فى الصين فقط، كان الوصف المستخدم لهذا المرض فى وسائل الإعلام يقال "وباء كورونا" .

- جائحة: الجائحة مرض سريع الانتشار يتخطى الحدود الجغرافية ويمتد لأكثر من دولة، من هنا حين خرج المرض من حدود الصين وبدأ يعرف ضحاياه فى دول عديدة، اكتسب اصطلاحا جديدا وهو " جائحة "، عندئذ كان استخدام هذا الاصطلاح الذى يعبر عن مدى الفاجعة التى أصابت العالم .

والجائحة فى أصل اللغة هى البلوى تحل بالرجل فى ماله فتجتاحه كله، ويقال سنة جائحة أى جدبة لا ثمر فيها، من هنا كانت جائحة لأنها تجوح بالشىء الكثير فتهلكه . وبناء على هذا الأصل اللغوى ذهب أحد المتحدثين عن اصطلاح جائحة كورونا إلى تخطئة هذا المصطلح، وتقييد كلمة جائحة بما ورد فى الأصل اللغوى فقط وهو هلاك المال أو الثمر، مطالبا باستخدام لفظة " مرض " لأن جائحة إنما هو خطأ لغوى على حد قوله .

ووافر الاحترام والتقدير لكل مجتهد فى الرأى، ولكن تقييد اللفظة بما جاء فى الأصل اللغوى بل وتخطئة استعمالها الجديد، فإنه بذلك يلغى تماما علم الدلالة وينكره، وينكر الاتساع اللغوى ونقل اللفظة من أصل الاستعمال اللغوى إلى معنى جديد . وهذا مبحث أصيل دأب على تناوله القدماء والمحدثون بداية من " مجاز القرآن " لأبى عبيدة، كما أن معاجم عديدة تعرض للكلمة فى الأصل اللغوى وما أصبحت عليه من دلالة جديدة، وأبرزها " أساس البلاغة " للزمخشرى .

والذى يقطع القول فى ذلك وينهى أى خلاف ناشىء، هو القرآن الكريم، فالقرآن الكريم نقل العديد من الألفاظ من المعنى الأصلى إلى معنى آخر جديد . ومن ذلك مادة " وسوس " فالوسوسة فى أصل اللغة هى صوت الحُلى أى صوت تضارب الذهب مع بعضه، فأكسب القرآن الكريم دلالة جديدة للفظة وأصبحت ما يلقيه الشيطان فى النفس، لأن ما يلقيه الشيطان فى النفس له طرب وهوى فى النفس الضعيفة تنجذب له مثلما ينجذب السامع لصوت تضارب الذهب فيلقى أريحية فى نفسه . وغير ذلك كثير من الألفاظ التى انتقلت من أصل المواضعة اللغوية إلى معان أخرى عديدة .

وفضلا عن ذلك وإزاء كل هذا الفتك، أيهما أكثر طاقة دلالية وتعبيرا حقيقيا عن الموقف، " مرض كورونا " أم " جائحة كورونا " . كلمة مرض هى كلمة عامة، الفرد الواحد إن أصابته جرثومة فى المعدة فهذا مرض، والجمع إن أصيبوا فهذا مرض لكن أثره يسمى جائحة، لأنها جاحت بالكثيرين من البشر مرضا وموتا . فلفظة مرض مع أنها عامة إلا أنها متعلقة بالمرض فقط، أما جائحة فهى تشمل المرض وآثاره .

- نازلة: يتضح من المعاجم اللغوية أن النازلة أعلى من الجائحة، فالجائحة إن كانت بلوى، فالنازلة فى المعاجم هى البلوى الشديدة . وقد ذهب واحد من المتحدثين إلى أن الجائحة للفرد والنازلة للجمع، وهذا قول مردود لا نجد له أصلا علميا، فمر بنا القول " سنة جائحة " أى عام مجدب، إذن الجائحة تقع على الجميع مثلما تقع على فرد . الأمر كما توصلنا النازلة أعلى من الجائحة . وهذا هو اللفظ المستخدم فى الشريعة، فيقال " فقه النوازل " ولا يقال " فقه الجائحات " .

ولكن برغم كل هذا الفتك الذى أحدثته كورونا، لماذا يقال جائحة كورونا ولا يقال نازلة كورونا؟

المسألة لا تعدو إطار أثر الإعلام فى توجيه التداولية الألسنية، الإعلام استخدم لفظة جائحة وسارت خلفه الألسن . وعموما فإن لفظة جائحة و لفظة نازلة، يتبادلان الاستخدام من باب المجاز اللغوى، حيث علاقة البدلية والمبدلية .

- أزمة: لمعت كلمة أزمة مضافة إلى كورونا حين بدأت الأخطار الاقتصادية والخسائر الفادحة، فانتشر القول "أزمة كورونا"، ونلاحظ أنه بسماع عبارة أزمة كورونا فإننا نعرف أن المتحدث سيتكلم عن جانب الخسائر الاقتصادية بسبب كورونا .

2- اشتقاق صيغ صرفية جديدة:

وهى صيغ صرفية جديدة اشتقتها التداولية الألسنية من لفظة " كورونا "، وهى:

- نكـُورَن: وهى صيغة كثر تداولها على ألسنة الذين لا يعبأون بهذا الفيروس، فيتصافحون ويتعانقون، فإذا لام عليهم واحد، يقول أحدهم ضاحكا: نكورن مع بعض، أى عادى أن ينقل أحدنا الفيروس إلى الآخر أو نتبادله سويا .

- متكورن: أى مصاب بالكورونا .

- وهناك صيغة صرفية قائمة الاستخدام، وهى صيغة " متفيرس "، إلا أن الجديد فيها هو النقلة الدالية، حيث انتقلت من استعمالها مع الأجهزة الحوسبية إلى البشر أنفسهم، فيوصف بها الشخص المصاب بفيروس كورونا .

ونلاحظ أن هذه الصيغ الصرفية جرت على ألسنة العامة، ومن ذلك فإن تداعيات كورونا فى الحقل اللغوى قد امتدت إليه فى جانبيه الفصيح والعامى .

 

د. أيمن عيسى - مصر

 

 

في المثقف اليوم