قراءات نقدية

طارق بوحالة: الدراسات الثقافية ومفهوم المظلة

طارق بوحالةتعد الدراسات الثقافية مجالا نقديا ومعرفيّا ظهر تحديدا في العالم الأنجلوفوني في ستينات القرن الماضي عندما تأسس مركز برمنغهام للدراسات الثقافية المعاصرة (1964) من قبل مجموعة من الباحثين والنقاد الثقافيين يمثلهم "ريتشارد هوغارت" و"ستيوارت هول" اللذين ترأسا المركز على التوالي. وكان  المركز يصدر أوراقا بحثية تختص بموضوعات الثقافة والثقافات الهامشية وكذا الصراع بين الرسمي والهامشي وموضوعات أخرى لم تكن للدراسات الأدبية تهتم بها في ظلّ الحدود التي رسمها حراس المعتمد الأدبي (canon).

وقد سُبق ذلك بجهود الناقد الثقافي الإنجليزي ريموند ويليامز باكتشافه أنماطا ثقافيّة كانت سائدة، وذلك حين كان يساهم في تعليم الكبار في أربعينيات القرن الماضي، وقد خصصت هذه الدروس لتعليم الكبار الذين كانوا عمالا في الشركات الصناعية والمؤسسات الإنتاجيّة.

وشاع هذا النوع من التعليم في "المدارس الثانوية وتعليم الكبار وخارج جدار الأقسام الجامعيّة، وضمت قائمة الشخصيات المهمة في الموجه الأولى منها، التي تناولت بالكتابة الجادة ثقافة الطبقة العاملة في فترة ما بعد الحرب، أسماء ريموند ويليامز وريتشارد هوجارت، وقد كتبوا ضد تيار المناهج الدراسية الأساسية في الجامعات المعهودة. بتركيزها على الأدب الكلاسيكي والتقاليد الفكرية العظمى وتألف مشروعهم في الترسيخ لثقافة الطبقة العاملة باعتباره موضوعا للدراسة."(1)

ولم تبق الدراسات الثقافيّة محصورة في بريطانيا، بل شاعت في الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا وأستراليا والهند والصين، وهون كونغ وفرنسا وسويسرا وغيرها من بلدان العالم، حيث تلونت بصبغة خاصة تفرضها في كل مرة طبيعة المطالب المعرفية الشائعة في كل بلد. ومنه فالدراسات الثقافية ليست واحدة في العالم.

وقد بدأ النقاد العرب يعرفون حقل الدراسات الثقافية منذ بدايات القرن الحالي مع مقترح عبد الله الغذامي الذي يعد أول من ذكر عبارة "الدراسات الثقافيّة" في كتابه النقد الثقافي، قراءة في الأنساق الثقافية العربية (2000)، لتتوال بعد ذلك دراسات وترجمات ومعاجم موزعة بين مجالات الدراسات الثقافية والنقد الثقافي والتحليل الثقافي نذكر منها:

- زيودين سرادر وأخرون: الدراسات الثقافية، ترجمة وفاء عبد القادر، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ط/2003.

- آرثر أيزابرجر: النقد الثقافي، المفاهيم الأساسية، ترجمة وفاء إبراهيم رمضان بسطاويسي، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ط-2004.

- إدريس الخضراوي: الأدب والدراسات الثقافية، 2007 وهو كتاب في نقد الدراسات الثقافية.

- سيمون ديورينغ: الدراسات الثقافية، نظرية مقدمة، ترجمة ممدوح يوسف عمران، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ط1، 2015.

- مايكل رايان: الدراسات الثقافية، مدخل تطبيقي، ترجمة خالد سهر، العراق، 2016.

- سمير الخليل: دليل مصطلحات النقد الثقافي والدراسات الثقافية، عام 2015.

- كريس باركر: معجم الدراسات الثقافية، ترجمة الأكاديمي الجزائري جمال بلقاسم، 2018.

- فيصل الأحمر: أفق الدراسات الثقافية، 2019.

كما نعثر على دراسات عربية تتبنى النقد الثقافي والتحليل الثقافي نذكر منها:

-عبد الله الغذامي: النقد الثقافي، السعودية، 2000.

-عز الدين المناصرة: النقد الثقافي المقارن، الأردن، 2005.

- محسن جاسم الموسوي: النظرية والنقد الثقافي، العراق 2005 .

- حفناوي بعلي: مدخل في نظرية النقد الثقافي المقارن، 2007.

- عبد القادر الرباعي: تحولات النقد الثقافي، الأردن 2009.

- يوسف عليمات: جماليات التحليل الثقافي، الأردن 2004.

- أحمد جمال المرازيق: جماليات النقد الثقافي، الأردن، 2009.

- بشرى صالح موسى: بيوطيقا الثقافة، العراق، 2011.

- سمير الخليل: النقد الثقافي: من النص إلى الخطاب، العراق. 2013

- حسين القاصد: النقد الثقافي رؤية جديدة. 2021

وهناك دراسات عربية تتبنى مقترح السرديات الثقافية وأهمها:

- نادر كاظم: الهوية والسرد، البحرين، 200

- محمد بوعزة: سرديات ثقافية، المغرب، 2014.

- محمد الشحات: سرديات بديلة، مصر، 2014،

- ادريس الخضراوي: الرواية العربية وأسئلة ما بعد الاستعمار، المغرب،

- رامي أبو شهاب: الممر الثالث، فلسطين،

- تأويل المتخيّل السرد والأنساق الثقافية. عبد القادر فيدوح ،  الجزائر، 2019.

- وحيد بن بوعزيز: جدل الثقافة، 2018.....

- فاضل عبود التميمي: دراسات ثقافي : في الرواية والرحلة والمقالة: 2020.

وهناك إشكالات معرفية ومنهجية تواجه النقد العربي المعاصر، وأهمها الخلط بين الدراسات الثقافية والنقد الثقافي كما اقترحه الناقد السعودي عبد الله الغذامي، مما أثار جدلا كبيرا،  فالبعض يرى أن المنجز العربي قد عرف نشاط الدراسات الثقافية من خلال كتابات كثيرة حتى قبل نشأته في الفكر الغربي.

من جهة اخرى تم سجن النقد الثقافي في عباءة الغذامي. برغم وجود مصطلح النقد الثقافي ما بعد البنيوي عند الناقد الأمريكي "فنست ليتش"، ومنه وجب التحرر من ربقة هذه النسخة الغذامية التي  سرعان ما تخلى عنها حين انتقل إلى الكتابة في موضوعات غير أدبية، منها الثقافة التلفزيونية، و"القبيلة والقبائلية، والفقيه الفضائي، خطاب ما بعد الصحوة، والجنوسة النسقية...

ويمكن المقارنة بين الدراسات الثقافية والنقد الثقافي، بإضافة إلى أنهما ليس مجالا معرفيّا واحدا. فهناك فرق جوهريّ مفاده  أن الدراسات الثقافيّة أوسع من النقد الثقافي على مستوى المباحث والموضوعات المدروسة، فهي تدرس الثقافة بمختلف أنماطها على أنها خطابات ونصوص دالة مختزنه لأنساق مختلفة، والأدب أيضا ليس إلّا جزءا من هذه الأنماط الثقافيّة، أما النقد الثقافي بمفهوم ما بعد البنيوي الذي شاع في الدراسات الأكاديمية فيهتم بالخطاب الأدبي على أنه يخترن أنساقا ثقافية، أي أن الموضوع هو النص الأدبي وليس الثقافة كما هو شائع.

يجمل الناقد العراقي سمير الخليل في معجمه "دليل مصطلحات الدراسات الثقافية والنقد الثقافي" (2015) مجموعة من الفروق أهمها:

"1- الخطاب في النقد الثقافي يكون جماهيريّا ومقبولا ومستهلَّكا على الأغلب، بيّنما الدراسات الثقافيّة لا تميّز هذا عن ذاك، فقد يكون الخطاب نخبويا وليس جماهيريا، ولكنها تقَوضه وترفض سياقاته وأنظمته بقوة.

2- النقد الثقافي يتعامل مع نسق مضمر ما ورائي لا يظهر على سطح النص أو الخطاب، بينما تهتم الدراسات الثقافية بظواهر ثقافيّة لها حضور في الخطاب أو النص وفيها نسق ظاهر ومنها ما ورائية الدلالة المنسجمة مع السياق الثقافي الكامن في الخطاب، وهذا في رأيي أهم فرق بينهما. بمعنى أن الدراسات الثقافيّة تبحث عن حضور ثقافي في النص أو الخطاب وقد تقوضه أو تحلله أو تصنفه أو تدعو إلى رفضه في بعده المعرفي أو الثقافي أو التاريخي أو السياسي أو الاجتماعي. أما إذا اختلف البعد الماورائي مع الخطاب بنسقه الثقافي فذلك يعني دخوله في عناية النقد الثقافي. وباختصار فإنّ الدراسات الثقافيّة تتعامل مع الماورائي إذا كان مطابقا للخطاب الحامل للنسق الثقافي المرئي فيه.

3- الدراسات الثقافية تشبه النقد الثقافي في مواجهة الخطابات المؤسساتية وتفكيكها، ولا تستجيب لها بل تهتم بالمهمل والمهمّش والمقصى في الخطاب بوصفه شعبياً.

4- تهتم الدراسات الثقافية بالسياقات الثقافية المنتجة وأبعادها المعرفية والفلسفية والاجتماعية والتاريخية بينما النقد الثقافي لا ينشغل بذلك كثيراً..."(2)

ويحتاج الباحث العربي في مجال الدراسات الثقافية إلى وعي خاص بجملة من القضايا الأساسية أهمها أن الدراسات الثقافية تتبنى مصطلح المظلة، فهي تشمل كثيرا من الخطابات والمجالات المعرفية التي يوحد بينها سؤال الثقافة، ويمكن أن تجمع هذه المظلة الموضوعات الآتية:السياسة والصناعة الثقافية، الجغرافيا الثقافية  ودراسات المناطق ، الجنوسة، الإيديولوجيا، الهوية، الحياة اليومية، النجومية والموضة، السينما، الدرسات ما بعد الكولونيالية،وغيرها من المباحث العديدة.

تركيب:

هناك جملة من القضايا التي نقف عندها حول موضوع الدراسات الثقافية في المنجز العربي أهمها:

1- وجوب توحيد المصطلح خاصة داخل الدراسات الأدبية، حيث مازلنا لم نفصل نهائيا في استعمال مصطلحا واحدا والذي بقي يتأرجح بين الدراسات الثقافية والنقد الثقافي.

2- وجوب العمل في مجال الدراسات الثقافية بعقلية جماعية، لأن هذا المجال عبر تخصصي يحتاج إلى جهود متخصصين كثر حسب التخصصات التي تجمع بينها الدراسات الثقافية. ويكفي أن نذكر مركز برمنغهام للدراسات الثقافية ببريطانيا ومركز هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكية.

3-وجوب مغادرة عباءة عبد الله الغذامي نهائيا، لأن النقد الثقافي ليس هو عبد الله الغذامي، الذي قدم مقترحه النقدي الذي لا يعني بالضرورة هو النقد الثقافي كما نشأ عند الغرب.

4- عدم حصر الدراسات الثقافية في مداخل منهجية مجاورة مثل مدخل ما بعد الكولونيالية، وهو السائد كثيرا في المقاربات العربية ذات توجه السرديات الثقافية.

 

د.طارق بوحالة - الجزائر

....................

الهوامش:

- تيم إدواردز وآخرون: النظرية الثقافية، ترجمة، محمود أحمد عبد الله، المركز القومي للترجمة، القاهرة، ط-2012،  ص131.

2- سمير الخليل: دليل مصطلحات الدراسات الثقافية والنقد الثقافي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2016، ص194.

 

في المثقف اليوم