قراءات نقدية

سُوف عبيد: قراءة في "المنتصف المُميت" للشاعرة التونسية سهام جقيريم

هذا هو العنوان الذي أقترحه بدلا عن عنوان "المنتصف المميت" للشاعرة سهام جقيريم الصادر قبيل آخر سنة 2023 وهو باكورة قصائدها والشاعرة سهام جقيريم أستاذة متخصصة في اضطرابات التعلم ومولعة بالشأن الثقافي فهي من الأعضاء الناشطين في الجمعية المتوسطية الثقافة والفنون وهي عضو الهيئة المديرة لصالون الربيع الثقافي وهي خاصة من الفاعلين الرئيسيين في تنظيم مهرجان البحر ينشد شعرا الذي يشرف عليه متحديا الصعوبات صديقنا  الشاعر عبد الحكيم الربيعي وبالإضافة إلى هذا وذاك هي  من المساهمين في دورات أيام الطاهر شريعة للصورة والكتاب وفي مهرجان إبداع ذوي المهم ناهيك أنها متحصلة على جوائز عديدة في تونس وخارجها.

أذكر هذه التفاصيل لتأكيك أن الشاعرة سهام جقيريم مولعة بالشأن الأدبي خاصة والهاجس الثقافي عامة مما أكسبها خبرة ومصداقية بين كثير من الرموز الثقافية في تونس فلا عجب أن يحظى ديوانها البكر هذا بتقديم الصديقين محمد الغزي وأحمد الحيزم وهما العلمان البارزان شعرا ونقدا.

من المفيد إذن ولكن في غير هذه المناسبة أن نقرأ متأملين هذين المقدمتين وقد أشادتا بهذه الباكورة من القصائد على سبيل التشجيع فلا عجب في ذلك فالمجموعة الشعرية تنبئ بموهبة تدل  على صدق المعاناة وعمق المكابدة فشكرا للصديقين على دعمهما لأن الأجيال الأدبية بعضها يستفيد من خبرة السابق وكذلك السابق ينفتح على اللاحق فيطور من قناعاته وآلياته الفنية أيضا وما تواصل الأجيال الأدبية بين بعضها إلا مكسب للحركة الأدبية بما فيها من تجدد وتنوع تواصل .

ثمة سواد قاتم يخيم على أغلب هذه القصائد فالحزن والخيبة والشعور بالوحدة واليأس والخذلان جميعا متواترة الحضور في أغلب الصفحات فالشاعرة مثلما كشفت عن نفسها أنها - سريالية الحزن وتجيد إقامة الحداد في كل آن وحين وتسكنها الجنائز وتساعد بكامل أناقتها لإقامة الجنازة الموالية - كما ورد في قصيدة الجنائز امرأة ص66

والشاعرة سهام جقيريم تشعر بالغربة حتى عندما ترى وجهها في المرآة كما ورد في مطلع قصيدة وجهي لم يعد يعرفني حيث تقول

هذا الوجه الذي يطالعني

في المرآة غريب...غريب

لأنه بلا تقاطيع

لا أعرفه لا يعرفني

أين بريق الحياة في أحداقي

ولون الأحمر الصادي

من سلسبيل الرضاب

يرشف  زلاله!

فكأن بعض قصائد هذا الديوان تعبر عن مكابدة ذاتية تركت جرحا ينزف حبرا في كل حرف على الورق!

من دواعي هذه المعاناة الأليمة ما صرحت به فقد تواترت  خيباتها من العلاقات الإنسانية التي كانت تأمل أنها  تقوم على الصفاء والإخلاص غير أنها اكتشفت أنها تخفي أنياب ذئاب مثل قولها في قصيدة سنمار

أنا يا سيدي امرأة

لا أعرف كيف أختار

كيف تميز بين ذئاب الأنام

**

كثيرون قبلك يا سيدي

أقسمت على وفائهم

ذبحوني بخنجر بروتوس

أراقوا دماء الطهر دنسوها

وقدسوا ريش الغراب

إن قصيدة ملح الكادحين

 وقصيدة ولم نلتق

 وقصيدة نيسان خلف القضبان

 وقصيدة مدافن الغرباء

 وغيرها من مثل هذه القصائد تعبر عن وهج التجربة المضمخة في المرارة والأسى والحسرة مع الإحساس الإنساني بمآسي الآخرين وهم يواجهون مصاعب الحياة التي تؤدي بهم إلى المآسي وهم يبحرون في قوارب الموت...

مثل هذه القصائد المثخنة بالألم  تؤكد أن الشاعرة سهام جقيريم تجاوزت مرحلة البدايات والهواية لتخطوَ بثبات على درب الإبداع.. ومن سار  على الدرب وصل.

***

سُوف عبيد ـ تونس

 

في المثقف اليوم