أقلام ثقافية

عبد السلام فاروق: مواكب مصر الساطعة

عبد السلام فاروقشاهدتُ احتفالية طريق الكباش فيمن شاهدها، وانبهرت كما انبهروا. لكننى تساءلت بينى وبين نفسي كغير المصدق: أنحن فى مصر حقاً؟ لو كان هذا حقيقياً فلابد أننا فى مصر المستقبل لا مصر الحاضر!

كل التحية والشكر للهيئة الهندسية ورئاسة الوزراء ووزير الآثار، ومن قبلهم وعلى رأسهم قيادة سياسية حكيمة ممثلة فى الرئيس عبد الفتاح السيسي على هذا المشهد الذى رفع رأس كل مصرى. حقاً ما زلت مبهوراً مأخوذاً بما وصلنا إليه من تطور فى مجال الآثار يشهد عليه القاصى والدانى. وأتوقف هنا قليلاً لأعود مسترجعاً بعض ما أنجزه خالد العنانى فى سنوات قلائل، لأن ما فعله هائل ومبهر، ولأنه يفسر كيف وصلنا إلى تلك القمة من قمم الإبهار العالمى..

مسيرة متألقة

الوزير الدكتور خالد العنانى يستحق الإشادة كواحد من أنشط وزراء حكومة مدبولى حكومة الإنجازات وقهر الأزمات. هو فى مطلع عِقده الخمسينى حاصل على زمالة الدكتوراه من فرنسا عمل رئيسا لقسم الإرشاد السياحى بجامعة حلوان عام 2012 وتولى الإشراف على متحف الحضارة 2014 والمتحف المصري بالتحرير 2015 قبل توليه الوزارة وبدء مسيرة من الإنجازات لم تتوقف إلى اليوم.وقد تم تشريفه بحمل حقيبتى وزارة السياحة والآثار بعد دمجهما فى 2019 بهدف تحقيق التكامل بين عملى الوزارتين.

وفى عهده شهدت مصر أكبر حجم من الاكتشافات الأثرية خلال الأعوام السابقة وكان أكبرها اكتشاف أكثر من 100 تابوت خشبي بسقارة والذي تم الاعلان عنه في فبراير 2020 في مؤتمر صحفي ضخم حضرة أكثر من 400 من وسائل الإعلام المحلية والعالمية، و خلال الثلاث سنوات الماضية حصدت الاكتشافات الأثرية المصرية بسقارة على أفضل 10 اكتشافات في العالم. بخلاف الافتتاحات الأثرية الكثيرة فى مختلف محافظات مصر منها متاحف شرم الشيخ وكفر الشيخ وسوهاج والمنيا والشرقية وقصر البارون وقصر يوسف كمال.

ولعل من أهم ما استحدثته وزارة الآثار والسياحة من أنشطة وفرة معارض الآثار الخارجية المؤقتة التى نجحت فى جذب السائحين والترويج لمصر وآثارها فى الخارج فعلى سبيل المثال معرض الملك توت عنخ آمون حقق نجاحا مبهرا فى مختلف دول العالم وخاصةً فرنسا محطماً رقماً قياسياً من حيث عدد زواره الذى وصل إلى أكثر من مليون و400 ألف زائر!

كل هذا بخلاف جهود الدولة فى استرداد الآثار المهربة للخارج حيث نجح العنانى فى استعادة عدد من القطع الأثرية من مختلف الدول أهمها: الولايات المتحدة الامريكية، وإيطاليا، وسويسرا، لندن، المانيا، الامارات، كندا، الكويت؛ وقد جاء ذلك بالتعاون والتواصل مع مختلف الجهات والسفارات الأجنبية والسفارات المصرية في الخارج، بالإضافة الى تتبع مواقع البيع الإلكتروني وصالات المزادات التي تقوم بعرض القطع الأثرية المصرية لاتخاذ الإجراءات الفورية لاسترداد ما يثبت خروجه من مصر بطرق غير شرعية.

حقاً هى طفرة هائلة حققتها وزارة الآثار ووزيرها الذكي من خلال مسيرة من إنجازات توِّجت مرتين إحداهما منذ أشهر قليلة عندما شاهدنا الموكب المهيب لنقل المومياوات الملكية من المتحف المصري بالتحرير إلى مكان عرضهم الدائم بالمتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط، وهى المشاهد التى استغرقت بضع ساعات بينما استغرقت استعداداتها قرابة إحدى عشر شهراً ليصبح الموكب لائقاً بهيبة وعظمة الأجداد والحضارة المصرية العريقة، وقد شاركت العديد من مؤسسات الدولة في هذا الموكب وأيضا في تطوير ميدان التحرير وتنظيف وتجميل خط سير الموكب ليخرج بتلك الصورة الرائعة التى رأيناه عليها.

وبالأمس القريب شهدنا احتفالية طريق الكباش بمثابة التتويج الثانى لمسيرة إنجازات العنانى..

طريق الكباش.. طريق الأمل

تعلقت قلوب المصريين بهذا المشهد وتلك الاحتفالية بما تقصده من أبواب رزق نرجو لها أن تنفتح على مصراعيها بانتعاش قطاع السياحة خاصةً مع بدء الموسم الشتوى وميل المصريين والأجانب على حد سواء للإقبال على زيارة مدن الصعيد للاستمتاع بشمس الأقصر الساطعة.

هاهو طريق الكباش يزخر بأضواء الأرض التى عانقت شجيرات الأضواء الملونة فى السماء. طريق النور والأمل. طريق مواكب كبار ملوك الفراعنة واحتفاليات الأعياد مختلفة كعيد "الأوبت" وعيد تتويج الملك كما كان له دور فى حماية الطريق من الجهة الغربية من مدينة الأقصر العاصمة السياسية والدينية فى الدولة الحديثة أيام حكم الأسرة 18. ويحكى التاريخ عن بدء إنشاء هذا الطريق على يد الملك أمنحتب الثالث الذي قام بتشييد معبد الأقصر ولكن النصيب الأكبر من التنفيذ يرجع إلى الملك نختنبو الأول، مؤسس الأسرة الثلاثين.

يبلغ طول الطريق 2750 مترا، وعرض 700 متر، ويصطف على جانبيه حوالي 1200 تمثال، نُحت كل منها من كتلة واحدة من الحجر الرملي، وأقيمت على هيئتين: الأولى تتخذ شكل جسم الأسد ورأس الإنسان باعتبار الأسد أحد رموز إله الشمس، أما الهيئة الثانية فكانت على شكل جسم ورأس كبش وهو رمز من رموز الإله خنوم إله الخصوبة في الديانة المصرية القديمة، والذي قدسوه باعتباره الإله الخالق للبشرية كلها..هكذا تضاء سماء الأقصر فوق طريقها الأقدم احتفاء واحتفالا بإنجازات لا تزال مستمرة..

احتفال أسطورى

انطلقت فعاليات الاحتفالية فائقة الجمال لافتتاح أقدم ممر تاريخي بالعالم يعود لنحو 3400 عام، بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي والسيدة قريننه وسط اهتمام عالمي بهذا الحدث الذي جسَّد مدى التطور الحضارى لمصر قديما وحديثا.وقد تابع هذا الحفل الضخم الأسطوري عشرات الملايين في أرجاء المعمورة . وجاءت تلك الخطوة كتتويج لعمل استمر عدة شهور بعد سنوات من التوقف، وهو يمثل ثاني حدث يعيد اهتمام المصريين بتاريخ أجدادهم الفراعنةـ بعد موكب المومياوات في أبريل الماضي؛ وهو ما يعبر عن حرص الرئيس السيسي، على استعادة الاهتمام بالحضارة الفرعونية بالتوازي مع المشروعات القومية العملاقة الجاري تنفيذها في كل أنحاء مصر في مزج بين إنجازات الماضي والحاضر. لقد تم تطوير الطريق وتحويله إلى متحف مفتوح ومعرض لصور نادرة من القرن التاسع عشر تروي تاريخ معابد الكرنك والأقصر وطريق المواكب الذي يربط بين المعابد وأهم الاكتشافات الأثرية، وصور ومناظر للأعياد والاحتفالات التي كانت تقام في العصور القديمة.. لكأننا نشهد مصر التى نراها فى أحلامنا قد بدأت اليوم مسيرة الغد.

 

عبد السلام فاروق

 

في المثقف اليوم