أقلام فكرية

الانطولوجيا الجديدة

raheem alsaidiكعادتي فإنني أتحدث بعجالة عن موضوع يحتاج الى تركيز وتحليل كبيرين، انه افتراض  استشرافي للانطولوجيا الجديدة .وسوف أتجنب التركيز على ثنائيات الوجود والماهية أو عن تفاصيل تعريف الوجود ومقارنته أو تفرعاته أو فهم  الفلاسفة المتعدد له . سواء ذلك المتعلق بالوجود المتعالي لهوسلر أو الوجود النقدي عند هارتمان أو الوجود الأساسي عند هايدكر الذي يفصل بين الوجود والموجود وقد أراد للإنسان أن يكون جسرا لمعرفة الوجود، كما تحدث كل المعاصرين عن ذات المعضلة التي أرهقت أفلاطون وأرسطو إلا أنهم  يعطون للوجود صبغة الذاتية، وأرادوا ان يجربوا طرقهم لتفكيك الطلاسم المتعلقة بمفهوم الوجود، وكان حديث المعاصرين من الفلاسفة متشابكا، أضافوا عليه مسحة الصنعة الفلسفية التي يعتقدون من خلالها ان التوضيح ضياع لهيبة الفلسفة وهي معضلة لا أظنها ستفارق الكثير من الفلاسفة أو المشتغلين بالفلسفة أو المفكرين والمعاصرين الذين يطلسمون كتاباتهم .

لقد ظهر مفهوم الانطولوجيا في الفلسفة بمعنى علم الوجود إلا انه منذ التسعينات أصبح من أهم مجالات البحث العلمي في المعلوماتية الحديثة، حيث عد بوصفه مفهوما تفصيليا (ظاهريا) لتصميم مجال معين. إلا انني أرى بان تصحيف معنى الوجود بهذه الصورة ما هو إلا معالجة سفسطائية معاصرة .

والانطولوجيا Ontology أو علم الوجود، أحد مباحث الفلسفة، وهو العلم الذي يدرس الوجود بذاته، الوجود بما هو موجود، مستقلاً عن أشكاله الخاصة، ويُعنى بالأمور العامة التي لا تختص بقسم من أقسام الوجود، الواجب والجوهر والعرض، بل تعمم على جميع الموجودات من حيث هي كذلك، وبهذا المعنى فإن علم الوجود معادل للميتافيزيقا أو ما وراء، ومع كل هذا فإن الانطولوجيا ذات علاقة وثيقة بمصطلحات دراسة الواقع ولا يجانب بول ريكور الحق بعده السؤال المنصبّ على الوجود من الأسئلة المتجددة .

و كلمة وجود تتوافق مع أشياء حقيقية أي لها كينونة بمعنى انها ليست خيالية أو افتراضية، وهي "غير معدومة"بمعنى ان لها أصل او حضور او يمكن التحدث عنها وتعريفها .

والفلسفة اليونانية والإسلامية تحدثت عن الوجود باعتباره مشكلة تحتاج الى حل، اما حديثنا عن الانطولوجيا الجديدة فهو حديث عن إمكانية التناول لهندسة او خارطة الوجود النهائي .

فتناول وتفسير الفلاسفة الطبيعيين اليونان للوجود ومن بعدهم الثلاثي اليوناني المقدس وحتى أفلوطين وغيره، إنما انصب على مشكلة الوجود بكل تفرعاته حتى ان المعرفة أصبحت ملحقا  أو ردة فعل لمعرفة مفهوم الوجود أو وجود الأشياء .

وهكذا نجد المشكلة الانطلوجية حاضرة في الفلسفة الاسلامية كما عند الفارابي وغيره . لكن يندر ان يتحدث الفلاسفة عن عالم مختلف مثل الوجود الأخروي بأغلب التفاصيل او بتنظير لكونه الموطن النهائي، او الحديث عن بناء انطلوجي يمثل المحصلة أو  الغاية، وهو لا يشبه البناء الانطلوجي الذي أراده أفلاطون في عالم المثل أو ذلك الموزع في اليوتوبيات المختلفة التي قال بها الفلاسفة .

وإذا تطلعنا الى مفردة ان علم الوجود معادل للميتافيزيقا، فان هذا يقودنا الى ان ما وراء الطبيعة هو المتمثل بعلم الوجود بحسب أرسطو كما يمكننا الإشارة الى (ما وراء وراء) الطبيعة وهو ما يمكن وصفه بالعالم الآخر أو عالم الحياة الثانية أو عالم ما بعد الموت.

واعتقد ان وصف ذلك العالم بالانطولوجيا الجديدة، يمثل دعوة حقيقية وجادة للتواصل مع العالم الآخر (مع المتخوف منه) (وليس المسكوت عنه فقط ).

وهذا العالم او الوجود الجديد هو محصلة :

1. تغيرات في البيئة (الجغرافية) وتأثيرها على البيئة الاجتماعية والنفسية وعلى التنوعات الإنسانية المستندة على البيئة .

2. تغيرات في التاريخ (توقف سجلات الفعل الإنساني المعتمد من العالم الانطلوجي القديم )

3. تغيرات في قواعد العلوم بتأثير البيئة الطبيعية والمعرفية وسواها .فسوف تتغير قواعد علوم عديدة كانت تعتمد على تشكلات البيئة المتعارف عليها اليوم، وسوف تُستحدث علوم جديدة .

4. تغيرات في قواعد الفهم العام أو الإنساني العام ومنطقه الذي يألفه، كما في المنطق وبشكل خاص في قواعده العامة التناقض والثالث المرفوع باستثناء الهوية  وتغيرات في المقولات، وفي الجوهر . فالمقولات لن تكون تلك القواعد التي قاسها أرسطو وفق رؤيته للوجود الذي يفهمه فلا المكان أو الزمان أو الإضافة أو سواها ستبقى في القوانين الانطلوجية الأخيرة، فهناك تغيرات في الطبيعة (الزمان والمكان ) والحركة والأنات

5. تغيرات في قواعد السلوك المألوف نوعا ما، ففي الوجود النهائي توجد تغيرات في قواعد علم الاجتماع والنفس .

تمتاز الانطولوجيا الجديدة بكونها القالب الذي تجتمع فيه الذوات والهويات المختلفة فهي الموضوع الذي يجمع الذوات، وتمتاز بأهمية الموضوع، فالحديث عن الجانب الذاتي الفردي (عن بعض الذوات ) سوف يحجم أو يضمحل الى حد ما، ويبرز الموضوع باعتباره غاية ومصير .

ان الحديث عن العالم الآخر بعده وجودا نهائيا أو ان أمكننا وصفه بالانطولوجيا الجديدة،انما يتماشى مع فكر وفلسفة أولئك الذين يميزون بين الوجود والماهية ويعطون الأولوية للوجود، فالعالم الآخر أو الانطولوجيا الجديدة انما هي محض وجود وفق الصورة العامة، اما ماهيتها أو ماهية ذلك العالم والتي لم تتحقق لديهم، فيمكن القول جدلا ان لا أهمية لها وفق اعتبارات اننا سجلنا إيماننا بتفاصيل وجود مختلف عنا وعن عالمنا الأرضي – الحالي – الراهني – الموقت – الجزئي – النسبي .

ولا اخفي اعترافي بالمحاولات المعاصرة التي جرت لإقامة «علم وجود جديد» على أساس مثالي موضوعي في القرن العشرين ويكون موضوع الأنطولوجية الأشياء نفسها، إلا ان هذا لا يعني ان الفكرة مستنسخة من تلك الجهود التي كانت رد فعل إزاء انتشار التيارات المثالية الذاتية

كما والأنطولوجية المتعالية الظواهرية عند هوسرل والأنطولوجية النقدية عند ن.هارتمان، والأنطولوجية الأساسية عند هيدغر، بل يعني الحديث عن عالم مختلف الوجود، والقواعد، يقترب من وجودنا الذي نعيشه بقدر توغلنا بهذا الوجود الراهني، ان الانطولوجيا الجديدة تركض إلينا بنفس السرعة التي نتحرك بها إليها، ولم يخبرنا المليارات من الناس من الذاهبين الى تلك الانطولوجيا الجديدة عن تفاصيل مهمة نحن بحاجة إليها، وبحسب البحث العلمي فان المدونات الدينية تعطينا خرائط عديدة لذلك الوجود المختلف (والتي لا يجب ان نهملها بأي حال من الأحوال، لأنها قد تكون البوابة السحرية التي نشاهدها في السرديات المتجسدة(الأفلام) والتي تقودنا الى عالم لم نره أبدا، وهو عالم خلاب، يعيق جماله الخوف من مصيره، آمل ان هذه المحاولة والتي سبقتها أربع محاولات للخوض في غمار ما يعتبره البعض ترفا أدبيا أو فكريا، وهو العالم الانطلوجي القادم ستعطي ثمرها بعد حين .

 

د. رحيم الساعدي

 

 

في المثقف اليوم