أقلام فكرية

نظريات تفسير الإرهاب (1)

علي رسول الربيعيالمقدمة: كانت قد وجهت لي دعوة للمشاركة في حلقة نقاشية تتناول الإرهاب منذ مدة ليس بالقصيرة، تناولت فيها  كمقدمة لمداخلتي وبشكل موجز عن نظريات تفسير الإرهاب، لم تكن مداخلتي مكتوبة  بصيغة نهائية بقدر ما كانت عبارة عن مسـًودات متناثرة. طلب مني زميلي  منذ فترة أن أزوده بتلك المسودات، بحثت عنها فوجدتها، وخطرت لي فكرة أن انشر  شيئا منها. فكانت هذه الدراسة-  المقدمة عن نظريات الإرهاب.

يشير الإرهاب الى أعمال العنف التي يقوم بها أفراد أو جماعات فرعية ما تحت الدولة ضد المدنيين سعيًا منهم لأهداف ايديولوجية. وطبقا لهذا الفهم تطورت سلسلة من المطالب والمعارف حول طبيعة واساب العنف وضرورة الرد عليه والأستجابة له. وقد لاقت تلك الأستجابة قبولا أكاديميا وثقافيا واسعاً، بوصفه تهديدا جديا وخطيرا للمجتمعات الحديثة يقوم به متطرفون. يؤدي الفهم السائد عن الإرهاب – اي قبول تفسير النظرية الأرثوذكسة- " كنظام للحقيقة" في المجتمع وظيفة المحافظة على وجهة النظر العامة المشتركة  السائدة عن هذه الظاهرة.

إن هناك مفهوم وتفسير ونظريات للأرهاب ومن بينها التفسير الفهم الأرثوذكسي للأرهاب وهو ما يعرف تحت عنوان أو النظرية الأرثوذكسية للإرهاب. أن هذه النظرية، هي النموذج الرئيسي والمقاربة الوضعية العقلانية التي تستعملها حكومات الدول في المقام الأول لتفسير العنف السياسي. إنها توظف اساسا تفسير نظري وفهم للأرهاب لكي يتلائم مع برامج الهيمنة أو غيرها، ولكن مع الإبقاء في الوقت نفسه على تمييز صارم بينهما لعدم السماح بإضفاء الشرعية على برامج تكتيكات الإرهاب. يعتبر الخطاب القائم على ثنائية الشرعية/عدم الشرعية، العنف الصادر من غير الدولة أرهاب، بينما يعتبر العنف الذي تمارسه الدولة عنفًا مشروعًا. الطابع الشخصي لهذه المقاربة تجاه الإرهاب يفسر أعمال العنف من وجهات نظر كل من المحرض والمتلقي للعنف على حدٍ سواء، سواء كانت من قبل جماعة أرهابية ضد الدولة أو العكس.

بعيدًا عن وصف الفهم الكلي الشامل والآحادي للعنف السياسي، فإن النظرية الأرثوذكسة في تفسير الإرهاب هي، في الواقع، خطاب نظري تتكون من نصوص رئيسة في دراسات الإرهاب يمثلها منظرين بارزين، تصنيفها وحقلها، كما عند لاكور،[1]، هوفمان[2] ويلكنسون،[3] داخل قواعد حقل العلاقات الدولية، وبقت مهيمنًة في هذا المجال بإحتكارها المطلق لممارسات وسياسات الحكومات لمكافحة الإرهاب.

على الرغم من أن النظرية الأرثوذكسية للأرهاب بوصفها المقاربة النظرية المهيمنة لتفسير الإرهاب، إلا أنها ليس النظرية الوحيدة. وبالفعل، فاذا استعرضنا بشكل موسع الدراسات المتعلقة بالإرهاب، فقد نتوصل إلى تحديد عدد من وجهات النظر المختلفة بشأنه. وعلى الرغم من أن هذه النظريات تستند إلى مستويات تحليل مختلفة فرانكس[4]، إلا أنه من الممكن أن نحدد تمايزًا عامًا بينها لا سيما فيما يتعلق بتفسير أسباب الإرهاب، وهذه هي النظريات كما يلي:

1 – النظرية الأرثوذكسية  في تفسير الإرهاب:

وهي تقدم التفسير السائد لفهم الإرهاب. لا تنخرط هذه النظرية في مناقشة الأسباب الجذرية لأنها تفضل المقاربة من خلال الثنائي القانوني أو الشرعي أو غير القانوني/ أوغير الشرعي لتفسير الإرهاب. إنها تعكس  واقع الفهم الذي يعطي الدور المحوري للدولة. تشكل هذه النظرية أساس السياسات الحكومية لمكافحة الإرهاب. توجد عدة نصوص رئيسية تدعم تفسير هذا النوع من الإرهاب، ومنها نصوص شميد و جونغمان[5]، وويلكينسون.[6] لقد زادحضور وتاثير هذه الجماعة الأكاديمية التي تعبر عن هذه النظرية بشكل ملحوظ منذ 11 أيلول.

2-  النظرية الراديكالية في تفسير الإرهاب:

تتضح هذه النظرية بعض الأحيان في الدراسات التي تفسر الإرهاب من منظور الإرهابي نفسه إلى حدٍ كبير. تُشكل هذه النظرية مبررًا للعنف والدفاع عن الأسباب التي يعتبروها جذرية جذرية وبنيوية. لقد تم التعبير عن هذه النظرية عند كتّاب، مثل كامو، [7] وفانون[8]، و ماركس و إنجلز،[9]و قطب.[10]

3 - النظرية المعتدلة في تفسير الإرهاب:

إنه حقل فرعي تطور سريعًا ولا سيما  في العقود الأخيرة، ولكنه لا يزال يعبر عن مقاربة محدودًة في دراسات الإرهاب، ومنشغلة في الأسباب الجذرية. إذًا، هو اتجاه يحاول تفسير وفهم جذور الإرهاب المرتبط بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية والبنيوية فضلًا عن الاسباب السياسية، ويشتمل أيضًا تطور مجال الدراسات النقدية للأرهاب. ومن أمثلة الدراسات في هذا الحقل بيرمان،[11] بيورغو[12] كرينشاو،[13]؛ ديلا بورتا.[14] 

4- النظرية النقدية في تفسير الإرهاب

يُستعمل مصطلح النقد هنا بمعنين. الأول، المعنى العريض للمصطلح الذي يعني الوقوف بشكل محايد وأخذ مسافة من الوضع أو الحدث القائم، والأستفهام عن ماهو متداول بالمعنى العام المشترك، والمعرفة المقبولة، وطرح أسئلة عميقة حول كيف يكون الوضع الحالي وكيف يُحافظ عليه. الثاني، يشير الى المقاربة القائمة على أدوات ورؤية النظرية النقدية وتوجه النظرية الإجتماعية نحو النقد والتغيير الإجتماعي ككل، والذي يرتبط بما يعرف بمدرسة فرانكفورت. تشترك المقاربة النقدية - العريضة والضيقة- في عدد من الوعود والالتزامات الرئيسة، وتشمل على التساؤل المستمر واستنطاق الأفتراضات المسلم بها بما في ذلك مطالب أو مزاعم المعرفة المقبولة بشكل واسع، جمع وتحليل المعطيات الأولية، والحساسية تجاه مسائل المعرفة والسلطة، ولاسيما فهم أن المعرفة تعمل دائما لصالح شئ ما ولي  محايدة ايديولوجيا. بالأضافة الى قبول أن الباحثين يأتون معهم بمجموعة من المواقف وافكار مسبقة متجذرة في سياقاتها الخاصة، والتزامات اخلاقية تجاه حقوق الأنسان والتقدمية السياسة التي تهدف الى تحسين شروط الحياة للأفراد والمجتمعات.......

 

 الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

...........................

[1] Laquerur, W., Oxford University Press, 2000

[2] Hoffman, B., Inside Terrorism, London,Indigo, 1999.

[3] Wilkinson,P., Terrorism and the Liberal State , London, Macmillan.1977.

[4] Franks,J., Rethinking the Root of Terrorism, Basingstoke, Palgrave Macmillan,2006.

[5] Shmid,A. and Jongman, A., Political Terrorism: A GUIDE TO Actor, Authers, Concept,Data Bases, Theories  and Literature, Oxford, North Holland, 1988.

[6] Paul Wilkinson,Terrorism Versus Democracy,Routledge; 3 edition , 2011.

[7] Camus,A, The Rebel,3rd edn , London , Penguin, 2000.

[8] عن العنف البنيوي عند فانون أنظر دراستنا المنشورة في صحيفة المثقف.

Frantz Fanon, The Wretched of the Earth, Penguin Classics; New Ed edition  2001.

[9] Marx and Engels The Communist Manifesto,  Penguin Classics; Reprint edition, 2014.

[10] سيد قطب/ معالم في الطريق، مكتبة وهبة، 1964.

[11] Berman, p, Terror and liberakism, London, Norton&co Lid, 2003.

[12] Bjorgo, T, The Root Causes of Terrorism, London, Routledge, 2005.

[13] Crenshaw,M, Terrorism in Context, Pennsylvania,Pennsylvania State  University, 1995.

[14] Della Porta,D, International Social Movement Research,Greenwich, Connecticut, 1992.

 

 

في المثقف اليوم