أقلام حرة

أنور الموسوي: تشرين وخيارات الدولة الحديثة

انور الموسوييبدو أن الحديث عن اسهامات الدولة العميقة قد قل في هذه الايام وتحديدًا بعد زوال حكومة عبد المهدي، بدأت سياقات جديدة تظهر وعلامات في أسوء حالتها هي مشجعة، تتبنى بناء دولة قريبة من فهم الشارع، ومعطيات المرحلة، وتستند إلى محاولة ايجاد حلول.

بصريح العبارة تلك أنبعاثات تشرينية، يجب ان ندرك تلك الحقيقة، إن تشرين حجمت جزء كبير من نفوذ السلطة التي تحاول إبتلاع الدولة، ومكنت لخطابٍ اخر ان يظهر على الساحة السياسية.

مجمل تشرين بعطائها وأهدافها وتضحياتها وشهدائها، هي مصدر منار وقوة وانبعاث لمسيرة وطنية وعقد سياسي. يبدو إنه جديد لو استمر.

لكن نتحدث عن تشرين بأعتبارها ثورة عامة، ثورة شعبية تمثل. الشعب. ولا يمكن ان تنحصر تشرين ضمن مجاميع. وتكتلات ومجموعة متصدية من الناشطين.

هؤلاء تشرينيون نعم. لكنهم يمثلون من أراد السير معهم او خلفهم. اما حصر جميع أهداف تشرين وضمير ألشعب بمجموعة أسست حزبًا او لم تؤسس لايمكن الركون الى هذا المنطق بحالٍ من الأحوال.

لإن قضايا الأمة والشعب تسير بإتجاه افقي واسع ولايمكن للهرمية ان تتبناه. فكل فردٍ من أبناء شعبنا هو تشريني في مطالبه يمثل حجر زاوية في بناء الوطن وإن لم يندمج ضمن ايٍ من المجاميع. المتصدية.

خيارات تشرين الحالية للمتصدين هي خيارات راديكالية بامتياز، بالأمس رفضوا كل شي بلا بديل وحتى اليوم ماضون ضمن إطار المعارضة المطلقة على الرغم من ان كل أهدافهم سياسية وليست مثالية أو عقائدية، وضمن هذا الإطار لايمكن ان تفهم هذه الحركة على انها سياسية. ناضجة لإعطاء برنامج واضح المعالم لمرحلة مقبلة جديدة ذات أفق مطمأن.

دخل بعض قادة تشرين ضمن طوباوية غير مبررة، أو مخيال واسع من التنظير، ظنًا أن أهداف المرحلة قد تتحقق بهذه. السهولة وإن مآلات الاحتجاجات ستؤتي نتائجها ضمن. (المعارضة، والرفض) المستمر.

هذا ليس عملًا سياسيًا ناضجًا وأهم اسباب انغلاقات تشرين.

بالأمس عانت العملية السياسية انغلاق جعل الجميع من القادة البارزين ضمن العملية في حيرة من امره، بفعل أداة. تشرين المنطقية، وحينما تم إيجاد مسار وطني لفك هذا الاختناق لم يستوعب رجال الثورة مكامن الضعف والقوة. لقراءة الحدث بصورة واقعية.

منهم من فهم المسار الديمقراطي والسياسي فاخذ به، ومنهم (ولربما لأجندات) بقي ضمن صفقات الرفض والتحشيد وممارسة اساليب الامس، التي لم تنجح بعد، اذ انتهت كفاءة التعاطف معها.

بصريح العبارة ان الخطأ الأكبر الذي يحوم ضمن فقدان تشرين آمالها في الاستمرار هو بسبب تلك الراديكالية المتبناة

لم يحسنوا الصنع في الاندماج مع اعظم حليف استراتيجي لهم وهو "مقتدى الصدر" ولا حتى مرجعية السيد "السيستاني" كان بالإمكان استمرار تلك الثورة برونقها المعهود وجماهيرها الشعبية لطالما يبقى دعم الصدر لهم (وهو صادقٌ تماماً في دعمه) وبقاء مرجعية السيد. السيستاني ضمن مسار الثورة على الرغم من تأكدي ان مرجعية السيد السيستاني والسيد الصدر لا زالوا يتبنون خطاب تشرين المنطقي والعقلاني المنفتح.

الذي حصل انهم فقدوا التوازن المنطقي عند فك العقد الاجتماعي بين تلك الأطراف المؤثرة، بينما المنطق كان يذهب بالاتجاه الذي دعونا له، من تشكيل حكومة ومحاسبتها ومتابعتها وتشخيص الأخطاء عندها وايضًا مطالبتها ضمن إطار شرعي ودستوري بتمكين أهداف " تشرين " هذا هو المنطق العملي للقضية كان في حينها، ولا منطق اخر يؤدي الى فوضى ومجهول كما لمسناه في دولٍ كثيرة حينما أصرت على استبدال منظومة الحكم بأخرى، فقط لإنها سئمت فساد الأولى فجاء نظام حكم اخر، اطغى منها وافسد والشواهد في ذلك كثيرة

اليوم تشرين المتوفرة على الساحة ضمن الناطقين باسمها (الحاليين) تشعر بأنهم أكثر انسدادًا من العملية السياسية نفسها، أكثر تطرفًا من أحزاب سياسية لطالما انتقدنا ادائهم للبلد.

خطر نرجسية المتحدثين اليوم لا يقل خطرًا عن واقع البؤس الذي نعيشه، صبيانية التفكير وتطرف المواقف يجعل منهم (ثورة معزولة) عن المحيط الدولي والداخلي.

فلا مبعوثة الأمم المتحدة يثقون بها، ولا حكومة الكاظمي التي تحاول ان تحقق بعض الأهداف يرضون عنها، على الرغم من هشاشة تلك الحكومة لا لأنها ضعيفة لكن :- (لإن الحلفاء المدنيين كالعادة تخلوا عنها كما هو ديدنهم مع اصدقائهم ) ولأن خصوم هذه الحكومة المُستهدفين من قبلها شنو عليها حربًا معلنة.

تشرين اليوم بقادتها (الانفعاليين) سوف لن يقدموا شيئًا اذ هم ممانعين أكثر من "الممانعة" نفسها.

وهذا امر مضحك حينما تقرؤه " مدنيًا " سوف لن تحظى تشرين بمزيد من الدعم الدولي هكذا، ولا التعاطف الداخلي الشعبي لو اصرت على انتهاج سياق الاغتراب الذي تود ان تعيشه بمزاجها، ستفقد الحلفاء والأصدقاء عند اول صفقة سياسية، وستدخل إنتخابات بلا جمهور انتخابي!.

وستعارض تلك الانتخابات بنسبة أقل مما دعونا اليه في إنتخابات ٢٠١٨.

لعلي أفهم حراجة موقف البعض من هذا المقال لأنهم يسيرون وفقا لتعليمات لا اعرف مصدرها! لكني اضع هنا متبنيات سياسية واقعية، تهدف الى مخاطبة الآخرين، والذي اعني بهم من يفهم المعادلة او يحاول فهم المعادلة

كمًا إن الحديث بهذا الشكل على تشخيص الأخطاء لا يعني ان الأهداف قد تحققت وإن الظروف تغيرت نحو الأحسن، ولايمت الأمر بصلة للتوقف عن المطالبة بالحقوق والمراقبة. واحداث تغيير، بل لجعل الأمور في نصابها الحقيقي، وتمييز عقلي بين خطاب تشرين المبتعد عن الواقعية، وخطاب تشرين الواقعي، الذي لا زال موجود في نبض الأمة والجماهير ولازال غير منفك عن أهدافه وتطلعاته ولا زال محتفظًا بأهدافه وطموحاته الوطنية ضمن رؤية لا تفقده الحلفاء ويمضي ضمن توطين علاقات متوازنة لدول العالم ويطلب المساندة الإنسانية له من الوطنيين والمصلحين.

تشرين فكرة في ضميرنا جميعًا والفكرة ليست حكر بإسم احد، وليست منقوصة المرونة حتى يتم اختزالها واستلابها مناحد واعطائها لأحد.

تشرين امتياز شعبي جماهيري عام لا يحق لأحدٍ فيه اعطاء الصفة لأحد او سحبها من احدٍا اخر تشرين والثورة شعب.

 

انور الموسوي

 

في المثقف اليوم