أقلام حرة

حشاني زغيدي: قطف ثمار الأخوة

حشاني زغيديفي غمرة الأيام وتقلباتها الجوية استحضرت عطر أيام خالية، كان لي فيها عواطف ندية، وكان لي صحبة أحبهم، جمعتني وإياهم أيام حلوة، كانت أحلى من الماء الزلال، الذي يذهب العطش، ويروي الفؤاد، كانت تلك الأيام كجداول وأنهار، تسقي المروج؛ لكن المودات الجميلة لا تدوم بحال، لأن هزات الزمن وتغيرات أحواله، تذهب نضارة وبريق تلك المودات.

فمن شوق اللقاء، جلست مع صحبي، نسترجع أيامنا الحلوة، نسترجع عشرة عمرنا طويلة.

ضمني صاجيي إليه ضمة اشتياق، ضمة وصال من يحب .

يقول صحبي يداعب الحنين: "أي أخي،الذي لم تلده أمي، مذ باعدت بينا الأحوال والمشاغل، فارقت أرواحنا أنسها، وغاب طيفها المسلي، فغابت أفراح خرجاتنا في البراري، حيث نقضي أجمل ساعاتها بين كثبانها الرملية ذات اللون الذهبي، كانت أرواحنا تصفو بأوراد وأذكار، كنا نرددها كأصوات الحادي في الفيافي، كنا نتفكر ونتأمل جمال سحر الطبيعة الخلاب، جمال صاغه خالق مبدع..

كنا في أيامها على خير ما يكون الأصحاب، جمال خُلق، سمت روحي؛ يزينه بياض قلوب شفافة، لا غل، لا حسد، لا مراء، لا جدل، كنا في تواد وتراحم كمثل الجسد الواحد؛ كانت أيامنا مزينة بالأخوة الربانية، كنا في نعمة ليست كباقي النعم،، ومنحة وهدية لا تساويها هدايا البشر، عشنا أُلفة أوثقَ رابطتَها خالقُ السماء، فكانت محبة خالصة لوجهه تعالى .

فالأخوة في عقيدة المسلم أوثق عرى الإيمان .

قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم، كمثل الجسدِ الواحدِ، إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائرُ الأعضاء بالسهر والحمى".

تجملت أخوتنا باللطائف ؛ نحفظ العشرة، نرعى الود، نوفي العهد، نحفظ الحقوق والواجبات، فكان الواحد منا يرى أخوته حصنا وسكنا، صحن يقوى به الظهر ويحمى به الجانب، تلك هي سمات صحبتنا يوم ذاك، كانت دفقة حنان موصولة بالسماء، نسعد بها وتسعد بنا.

نبني صرحها بناء قناعة مؤسسة، يحفظها سند وفهم وعمل.

يقول الله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة)

نؤدي حقوقها ونحفظ عهودها، حبا في الله وطاعته، يقويها حرص ومراقبة حتى لا يعكر صفوها كدر وشوارد الأيام .

وما ذهبت تلك الروح الطيبة وما ضعفت إلا حين أصابت الروح غفلة عشناها، وانصراف وسقوط في الوحل.

وفي ختام اللقاء أبرق لي صحبي بالخلاصة العاصمة قال: إن أخوتنا شجرة طيبة، إن عهدناها بالرعاية أشرقت الشجرة بعد ذبول، وترعرعت ونمت بعد هجران، إن وثّقنا صلتها بالمودة، نمت الشجرة الظليلة وأزهرت، ثم أعطت أطيب ثمارها .

 

الأستاذ حشاني زغيدي

 

في المثقف اليوم