أقلام حرة

صادق السامرائي: التوثيق بالشعر!!

عندما نتساءل كيف يُكتب التأريخ، نحتار في الجواب، لأن المكتوب لا يمثل الحدث، وإنما يتناوله وفقا لرؤية الكاتب، وما إنعكس منه فيه أو عليه، ولا يوجد تدوين لحدث مطابق له بالتمام.

والذي يعترض على ما تقدم عليه أن يكتب ما يحصل في أيامه، ليرى كيف ستكون المسافة بين ما حصل وما دوّنه عنه.

لكي تعرف كيف كُتِب التأريخ عليك بكتابته، وتدوين أحداثه الجارية في مكانك وزمانك.

ولهذا فأن تعدد مصادر الكتابة عن أي حادث تجعلنا في محنة الإقتراب العلمي المنهجي، للوصول إلى إستنتاج قد يكون أكثر قربا من حقيقة ما جرى، لكنه لن يتوصل إلى جوهرها.

ما يحصل إبن مكانه وزمانه وحسب، والمكتوب تعبير وتأكيد لما تمخض عن الحدث وليس الحدث نفسه، ومن هنا، فنسبة الصدق في الكتابات التأريخية متباينة، وربما ضئيلة، لأنها تتعرض للتصورات والتحليلات والرؤى المعبرة عن الرغبات.

فالمدوَّن التأريخي يمثل ما يعتمل بالكاتب بسبب الواقعة أو الحدث، ولا يمكن لقلم أن يحيط علما بما كان، ولا يستطيع إستيعاب حالة يكون.

الذي مضى إنقضى، والكتابة عنه تكون بمداد الماضي الذي يزدحم بما ليس فيه.

ولكي نقرأ بموضوعية أكثر، لا بد من الإطلاع على الشعر في زمن الحدث أو حوله وقريب منه، لأن فيه صور ذات قيمة إدراكية ومعرفية تساهم بالإقتراب العلمي الأصلح.

فالتوثيق بالشعر، رغم ما عليه من تساؤلات، يقرّب الصورة ويطرحها بمنظار آخر، خصوصا عندما يكون واقعيا ومباشرا، لا ممعنا بالرمزية والتخيلية والغموض، وإضفاء مفردات المديح وإخراج الحدث عن واقعيته وأخذه إلى آفاق مبهمة.

التدوين بالشعر أرسخ وأكثر مصداقية من التوثيق بالكتابة العادية المتعارف عليها، وفي واقعنا المشوش، لا تترك الأحداث ما يمثلها إلا بالشعر الصادق الأمين، بما يسعى إلى ترسيخها في مسلة الأيام.

وربما أي كتابة توثيقية ستكون ضعيفة لإختلاط الآراء، وتنوع التصورات، وتأجج العواطف والإنفعالات، ولهذا فأن التاريخ الحقيقي مزيف ومحجوب!!

فهل في الشعر جواب قريب؟!!

***

د. صادق السامرائي

29\7\2021

في المثقف اليوم