أقلام حرة

علي علي: التفات والتفاف

ما الفرق - في التقدم التكنولوجي والعلمي- بين العراق وأمم وُلِدت بعده بقرون؟

في أي مربع أو خانة بإمكاننا وضع عراقنا وفق معطيات مسيرته منذ عقدين؟

  قد يستسهل بعضنا الإجابة عن هذين السؤالين، فيما يقف آخرون صامتين أمامهما، إذ أن الخط البياني للتطور في بلدنا ينحدر بشدة مع خط التقادم الزمني، الأمر الذي ينذر بسوء المآل إن استمر الانحدار على هذا المنوال. وبما أن لكل شيء سببا، فإن هناك حتما سببا لهذا التدهور، ولو أردنا حصره بحقبة معينة فمن المؤكد أنها ستكون حقبة الربع الأخير من القرن المنصرم، وتحديدا ما بعد عام 1979، حيث أن معاول التهديم بان تأثيرها بين حروب وحصار فضلا عن التهديم المتعمد، فآلت الأحوال من سيئ الى أسوأ.

  من المعلوم أن بزوال المسبب تختفي الأسباب عادة، وباختفاء الأخيرة تتغير النتائج، فمن المفترض إذن، أن بزوال الصنم تختفي العلل، وباختفاء الأخيرة تنعكس النتائج الى حيث يهوى المسبب الجديد، أي أن المسبب له دور البطولة في مسرح الأحداث والنتائج على حد سواء.

  الذي حدث بعد عام السعد عام 2003 أن دور البطولة تسنمه شخص ثانٍ وثالث وعاشر… إلا أن الطامة الكبرى أن السيناريو بقي ذات السيناريو، والسياسة والنهج تلبسا قواما آخر مع الإبقاء على القطب ذاته يدوران حوله، ولاينكر أن تغيرا كبيرا حدث في سينوغرافيا المسرح، كذلك هناك تغير جذري قام به “الماكير” أما الإكسسوار فقد كان له الحظ الأوفر من يد التغير، فكان لهذه التغييرات -مجتمعة- بهرج وبريق لماع خدع المتفرجين وأغراهم بتأمل نهاية سعيدة للمسرحية. والمتفرجون في موقف لايحسدون عليه، فهم كما يقول مثلنا: “الغرگان يچلب بگشاية”، فراحوا يتابعون المسرحية التي طالت عليهم فصولها، ومازالوا يحلمون ويترقبون بشغف شديد تلك النهاية السعيدة.

  وبالعودة الى خط التطور البياني -خارج المسرح- ولكي لا أتهَم بالتشاؤم، أٌقول أن البلد بدأ يسير بخطى ثقال، مقارنة مع الطفرات العلمية والقفزات التكنولوجية التي استحدثتها بلدان العالم، في حين أن ماضي بلدنا يزخر بما تكتظ به ساحات العلوم والآداب والفنون، فقد ملأ أجدادنا المكتبات بأبحاثهم واكتشافاتهم واختراعاتهم في المجلات كافة، فيما اقترفت الحكومات المتتالية خطأ كبيرا في التعامل مع هذا الكم الهائل من الموسوعات، إذ ظن حكام العراق -السابقون واللاحقون- ان الإرث الحضاري يحفظ في الأدراج والدواليب، وعدّوه كنزا ضموه كملكية خاصة مع التيجان والأموال والقصور والضيعات، ليكون رصيدا يجيّر لحسابهم وحساب عوائلهم وأحفادهم وليس لأبناء هذا البلد. وبذا نهضت شعوب الأمم من حولنا وتنعمت بالرفاهية والحداثة في وسائل العيش، فيما حكام وادي الرافدين -لاسيما الحاليين- تشظوا في نياتهم وغاياتهم الى جهات عديدة، فمنهم من آلوا إلا أن يتعاملوا مع الظرف بانتهازية ووصولية وأنانية، بالتفاتهم الى مصالحهم الخاصة وإعلائها على مصالح البلاد وملايين العباد، ومنهم من تصرفوا بعدائية وضدية، بالتفافهم حول أعداء البلد في الداخل واستيرادهم آخرين من الخارج -وهم كثر-.

 وبين التفاف هذا والتفات ذاك، سجل البلد ومازال يسجل تأخرا في جانب وجمودا في آخر، حتى باتت النسبة والتناسب جامحة في السلبيات، وأضحت الخطوط البيانية في مجالات الحياة تنحدر بالعراقيين أيما انحدار، فيما يعج مسرح يومياتهم بأبطال و(كومبارس) يتبادلون الأدوار في الضحك على الذقون، وسط انعدام متعمد في الرؤية، وتشويش مقصود في الأجواء، لكي تبقى نهاية المسرحية مبهمة، ويخرج المتفرجون كما نقول: (مايعرفون راسهم من رجليهم).

***

علي علي

في المثقف اليوم