آراء

انور الموسوي: مقاطعات بين المدنية والأديان

انور الموسويهناك صراع يحاول أن يكسبه رجال الدين في مناطق عدة من العالم، هذا الصراع يتحول الى تطرف في اغلب حركاته،ويتعقلن في بعضه.

رجال المتبنيات الدينية يصرون على أن الأنظمة فاشلة التطبيق ويصبون جام غضبهم على النظريات السياسيةالمتوفرة.

الإرهاق الذي تسببه لهم المنظومة المدنية بالعالم بات علني. وأفقدهم الكثير من صوابهم.

ذلك لأن: فشل المنظومة الدينية في ايجاد بديل حيوي وحياتي لتجهيز الانسان المعاصر بالرغبات الحياتية والتطلعاتاليومية،واقتصارها على أبعاد غيبية بيد أن الانسان المعاصر جزءًا اساسياً من عصر النانو، ومتحركًا فاعلًا في سماتالعصر اليومية التي تنحصر ضمن مفهوم مركزي يُدعى " بالحريات ".

لم تحصل المنظومة الدينية بكل أشكالها على نظرية سياسية " متوافقة " لا بالإدارة ولا بالحكم، بل يحدثنا التأريخ عنارهاصات في الحكم " سياسية " مبتعدة تمامًا عن طبيعة الأحكام الدينية النافذة أمثال الحكم البابوي في اوربا والحكمالإسلامي في باكستان والسعودية وإيران...او بشكل اوسع الخلافتين (الاموية، العباسية).

بل قد يتحول الأمر الى تطرف سالب للحياة تمامًا يجذر عناوين متطرفة غايةً بالوحشية والأجرام كما في حركاتالمتشددين الدينيين في كل أنحاء العالم ومنهم التنظيمات "السلفية".

لم تكن مخرجات تلك العناصر على نحو الصدفة ، بل هي مقيدة بالنص الديني (غاية الأمر لو أراد احد المنظرين الذين " يحاولون الاعتدال" يلقون اللوم على من فهم النص والتأويل ويدعون انه فهمه خطأ، أو يضعفون حجية سند الروايات).

وهذا أيضًا اوقع الجميع في فهم نص متعدد وبالتالي تعددت النتائج في التطبيق على البشرية وأدت إلى كوارث منالحروب والقتل وسلب الحريات.

لربما لو أردنا مسامحة بعض النصوص وحملها على محمل (البراءة) خرجنا بنتيجة لا تختلف كثيرًا عن الواقع الذينيرفضه اصحاب تلك الفرضيات والتي هي:

(التحرك ضمن مصالح شخصية بإسم النص الديني) او استغلال بإسم الأديان من قبل البعض.

وهذه تخريجة ستجعل المدافعين عن حدود القدسية للنص في غاية الحرج!.

لأنها ستحيل التفسير الى النظرية الماركسية لسلوك البشرية بكونهم مرتبطون عنوةً بوسائل الإنتاج وإن غايةمحركاتهم الحياتية تنبع من دوافع إقتصادية...

في خضم تضارب وضعف النص الديني العالمي ( بالتأويل، والتفسير، والتطبيق ) لا زالت جميع الحركات مصرة علىأنها جزء فاعل في إنتاج مجتمع " غير مدني " لكنه سعيد!! والى يومهم هذا لم يستطيعوا تلبية ١٪؜ من هذه الفرضيةلمواطن واحد في أنحاء العالم!.

غاية الأمر أن جميع منظري  هذه الحركات يستطيعون أن يقدموا تبريرات وليست نظريات وإن قدموا نظرية فإنها لاتخرج عن حدود النص " المنغلق " كحركة الإخوان المسلمين، وأحزاب ألعالم الشيعي وفرسان الهيكل، وجيش الرب...

في حقيقة الأمر ان هذا الصراع لم يأخذ شكلًا متوازنًا ابدًا على طول مراحل التأريخ، هناك بون شاسع بين [المدنيةالاجتماعية والمدنية السياسية] بمختلف عناصرها، وفارق عميق بين معكسر المدافعين عن النص الديني.

لكون الأول يُتيح واتاح مساحة كبيرة جدًا في فهم الحياة بالشكل الحالي، وأدى الى تقديم "فيزياء مكانية"  أتاحتللبشرية أن تنعم بأشكال من التطور والتنوع والرُقي وتوفير مستلزمات الانسانية التي هي بحاجة ماسة لها، وتتطلعلها حتمًا وفقًا لسيكولوجية البشر والطابع الفسلجي للإنسان. (الأمور هنا ليست بالمطلق بطبيعة الحال إذ هناك اكيدًاإستثناءات).

اما المتحدثون بإسم النص الديني لم يقدموا شيئًا وفقًا لنصهم للبشرية شيء. لسببٍ يكاد يكون جوهري في هذهالتضمينة وهو:- أنهم لا يوجد لديهم شيء ليقدموه على مستوى السلوك الاجتماعي والحريات، ولا على مستوى العلم. غاية الأمر تقديم تبريرات للدفاع عن النصوص، أو تقديم نقد عن هجمات مزعومة ضد الدين!.

اما نظرية تتبنى جانب سياسي او اقتصادي وتطبيق فعلي لا نظري مع  سلوك هادف لخلق فرص عيش منتظمة تتيحللبشرية أن تمارس حرياتها فذلك أمر ابعد مايكون عن الإنتاج الديني.

إن تلك الإشكالية باتت تخلق جانبًا زبائنياً فقط لدى الأنصار للنص الديني وجانبًا غيبيًا عقائدياً.

الجانب الزبائني هو المحرك الأجدر في الانضمام اذ يتيح توفير علاقة " نفعية " لسد نقص الاحتياجات المادية لدىالأفراد وعند توفير تلك الضرورة الحياتي تجد المدافعين منهمكون في التصدي!.

وبالتالي فأن فلسفة الأمر ستحيلنا الى نفس نظرية المحركات الاقتصادية والمادية في السلوك البشري، إذ لم نصنع شيئًاسوى الإيهام بالفاعل الروحي بآنه هو المحرك لا غير.

اما الجانب العقائدي فهو يكاد يكون متولد من الجانب الزبائني لا أكثر.

لكن هذا ايضًا ليس مطلق التعميم فهناك إستثناءات ايضًا.

أصبح اليوم الدفاع عن النص والدعوات إلى إرجاع البشرية حيث النص الديني (وإن كان معتدلًا) يأخذ شكلًا ضعيفًا بلمهزومًا، وهذه الحقيقة لم تأتي من هجمات ضد الأديان او مؤامرات كونية كما يتشبث بها المغردون.

هي حقيقة بنيوية في طبيعة النص نفسه، اذ هو غير قابل للمسايرة والتعميم، وصناعة دولة ومجتمع متطور. ولإثباتذلك تلاحظ مجتمعات العالم المتقدم حينما غادرت الكنسية ما ذا حصل لها؟ وحتى المجتمعات والسياسات التي تتمسكبالسمة الرسمية في دستورها بالنص الديني أنها غادرت هذا النص ضمنًا ضمن سلوكيات مجتمعاتها وسياساتها بلاإفصاح او تصريح علني لكن تلاحظ ذلك من خلال طبيعة سياستها وسلوك مجتمعها المدني.

بينما المجتمعات والسياسات التي أصرت على البقاء ضمن بؤرة النص الديني (مسيحي ،أسلامي، يهودي) تلاحظ أنسمة التشدد هي الأرفع في تعاطيها مع الاخر، ولم تمضي بخطوة واحدة نحو التقدم والنهوض وصناعة مجتمع مرفه أونظامي.

اذ لم تحقق لرعاياها أدنى مقومات الرفاهية ولم تحقق تقدمًا في السياسة والاقتصاد وغيرها.

يبدو إن الصراع بين المدنية والدينية بدأ يآخذ شكلًا مختلفًا الآن عن ذي قبل، اذ كانت المدنية والعلمانية متهمة بكونهامستوردة من الغرب، اما اليوم اتضحت القضية انه صراع بين التقدم والتأخر، بيد في حقيقة الامر ان لا صراع جذريبينهم، (فالمدينة العلمانية) تحترم تلك الخصوصية وتحافظ عليها وتجعل لها مساحة مناسبة لها، لكنها لا تسمح لهابشغل أكثر من مساحتها تلك،أي هي تفسر حجمها الحقيقة وتضعها به، وهذا التفسير هو ما ولد هذا الصراع، اذ لم يرقذلك لدعاة الحاكمية المطلقة ومجموعات لا حكم إلا لله...كونهم يوهمون أنفسهم والناس بأنهم الناطقون باسم الربوالفاعلين الأساسيين لتطبيق رغبة الرب على الأرض (مجرد ادعاءات) تحولت إلى قضايا معاصرة!.

لا احد يستطيع تقديم هذه الحقيقة على اساس عقلاني منطقي بصورة صريحة لكنها تبقى حقيقة.

هذا من زاوية اما الزاوية الاخرى المنيرة لجانب النص الديني وتطبيقاته وانفعالاته على سلوك المجتمع فهي :- لا تتعدىالجانب الروحي السامي لدى الافراد، جانب فردي شخصي يتسامى الأنسان فيه نحو الرب، نحو عالم أخر، عالم غيبي لمنشهده وهو واقع، يعمل على نحت ذاته وفقًا لعبادات ومعاملات وطقوس لإيصال روحه الفانية لمرضات الرب من خلالأعماله الصالحة، وتلك فضائل حقيقة لا يمكن انكارها فلسفيًا بالمطلق.

وهي سلوكيات نافعة، وغاية مؤدية لخلق فرد فضائلي نقي مقدمًا أعماله الصالحة لأجل الغيب وحيازة مرضات اللهتعالى.

وتلك حقيقة لا يمكن ان تنفك ايضًا عن سلوك البشرية، لكنها اختيارية، غير تابعة لا لفرسان الهيكل، ولا لجنود الربواحزاب الفرض القسري على الحياة...

هو سلوك طوعي إختياري لا يمكن ان يتم بالفرض والإكراه وصناعة التشدد، وبطبيعة الحال وعلى الرغم من سموهفهو:- غير صالح بالمطلق لصناعة دولة، ولا تقديم نظرية سياسية، ولا رفاهية دنيوية لبشرية جمعاء ولا خلق فرص عيشمتقدمة مع الاخذ بنظر الاعتبار طبيعة اختلافه من دين الى دين اخر ومن جماعة الى جماعة أخرى اذ هو ايضًا غيرمتوافق عليه ومحل تهجم وخلاف بين الاوساط المشتغلة ضمن هذا الإطار، وتبقى تلك السلوكيات فردية بحتة غير قابلةللتعميم أو الفرض والشمولية.

 

انور الموسوي

٢١/٣/٢٠٢١

 

في المثقف اليوم