آراء

كريم المظفر: "شباش" يفشل في إعادة القرم لأوكرانيا

كريم المظفرأختتمت في العاصمة الأوكرانية كييف أعمال قمة ما يسمى ب "منصة القرم" - وهو مشروع يهدف إلى "إعادة" شبه الجزيرة إلى أوكرانيا،  بمشاركة ممثلين عن 44 دولة (بحسب البيانات الأوكرانية)، ببيان تم توقيته ليتزامن مع الاحتفال الذي يستمر ثلاثة أيام بعيد استقلال أوكرانيا،  لم يخرج عن دائرة التوقعات، يتهم بالأساس روسيا بارتكاب "انتهاكات وتقييد لحقوق الإنسان في شبه جزيرة القرم"، و"عسكرة" شبه الجزيرة، و"إعاقة حرية الملاحة" في البحر الأسود وبحر آزوف،  والاخلال " بالتركيبة الديمغرافية لشبه جزيرة القرم "، والاتفاق في القمة على النظر في اتخاذ مزيد من الإجراءات السياسية والدبلوماسية والتقييدية ضد روسيا، "عندما يكون ذلك ضروريًا وإذا كانت الإجراءات الروسية تتطلب ذل .

ومن بين أمور أخرى، مطالبة روسيا بـ "ضمان الوصول الكامل ودون عوائق إلى شبه جزيرة القرم" لممثلي بعثة الأمم المتحدة لمراقبة حقوق الإنسان في أوكرانيا وبعثة المراقبة الخاصة التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في أوكرانيا، وكذلك طُلب من الاتحاد الروسي "ضمان أن تتاح لجميع الأشخاص الذين ينتمون إلى الطوائف العرقية والدينية في شبه الجزيرة، بمن فيهم الإثنيون الأوكرانيون وتتار القرم، فرصة التمتع بحقوقهم بشكل كامل".

القمة جاءت نتائجها متوافقة مع ما أعلنه وزير الخارجية الروسية خلال زيارته لشبه جزيرة القرم الأسبوع الماضي خلال كلمة ألقاها في مجمع تافريدا للفنون، بأن منتدى "منصة القرم" الذي خططت كييف لعقده، هو ليس إلا بمثابة "تجمع ساحرات"، وشبه هذا التجمع بأنه " يوم شباش " وهي كلمة تطلق على اللقاءات الليلية للسحرة، بهدف الاحتفال أو تنفيذ طقوس محددة،  وخلالها يستمر الغرب في رعاية مزاج النازية الجديدة والعنصرية الذي تنتهجه السلطات الأوكرانية الحديثة .

القراءة الأولية من نتائج  القمة من وجهة نظر المراقبين، اثبتت ان (خادم الشعب) الرئيس زيلينسكي، فشل في استقطاب قادة بلدان المواجهة  مع روسيا في الملف الاوكراني، فقد تخلفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي حرصت على زيارة كييف قبل يومين من انعقاد هذه القمة، وترأس وفد FRG على "المنصة" وزير الطاقة بيتر التماير، كما  وتخلف عن الحضور الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، وبلاده عضو رئيسي في قمة الرباعية لتسوية النزاع بين موسكو وكييف، وكذلك الحال بالنسبة للرئيس الأمريكي جو بايدن الذي أكتفى بإرسال احد مستشاريه، ناهيك عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي  ما فتأ  بان يصرح بعدم اعترافه  بالقرم كجزء من روسيا، وفضل إرسال وزير خارجيته، وبالتالي فإن الرئيس الاوكراني ، فقد منذ البداية الأركان التي يستند عليها في نزاعه مع روسيا " لاستعاده القرم "، وهو الهدف الاساس التي انعقدت بموجبها المنصة ، وعلى ما يبدو ان  القادة الغربيون  بايدن وماكرون وميركل ، فقدوا بالفعل الاهتمام بقضية شبه جزيرة القرم، بغض النظر عن الطريقة التي يحاول بها زيلينسكي استرضائهم، ومنحهم أعلى الجوائز لليمين واليسار .

المراقبون الاوكرانيون اكدوا إن "منصة القرم" لمنتدى كييف والأجواء السياسية السائدة هناك تخللتها معايير مزدوجة، وخطاب المشاركين في المؤتمر برمته كان  نفاق وتكهنات، وفي بعض الأحيان انقلب خلاله السحر على الساحر، وكما هو الحال مع الرئيس المجري يانوس أدير، الذي برأيهم "رفع المتمردين" على "منصة الجريمة"، وبشكل غير متوقع على "منصة القرم"، كتبت الصحفية أولغا سكابيفا وبشكل ساخر على قناتها على"  Telegram"  بأنه "حدث خطأ ما"، وقرر الرئيس المجري  بشكل غير متوقع الخروج عن الأجندة "الصحيحة سياسياً" في "برنامج القرم"، والذي تسعى أوكرانيا لتحقيقه، وبدلاً من دعم السلطات الأوكرانية، قرر تذكيرهم بأخطائهم، وبدلاً من اتهام روسيا، قام بتذكير الأوكرانيين بقانون اللغة التمييزي، وذكر أنه لا ينبغي إجبار الناس على عدم استخدام لغتهم الأم وبالتالي الحد من حريتهم، وشدد على انه إذا كان استخدام لغتهم الأم محدودًا، وإذا تعرض أولئك الذين يستخدمون لغتهم الأم للتهديد بالغرامات، فإن هذا "يتعارض مع مُثُل الديمقراطية ولا يفيد الدول الفخارية".

الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلينسكي، الذي تفاجأ بالاتجاه  الذي سارت به  أعمال المنصة التي أرادها ان تكون مصدر دعم له بعد أن تدنت مستوى شعبيته الى أدنى مستوى،  لم يخف فشل " منصة القرم " من تحقيق أهدافها الأساسية، والقى باللائمة على روسيا، فكييف التي كانت تود رؤية المزيد من الرؤساء الأجانب على المنصة، إلا أنهم بحسب تعبير الرئيس الاوكراني في مقابلته مع قناة Ukraina التلفزيونية، بأن أكثر هؤلاء القادة كانوا " خائفين من روسيا "، وشدد على انه لا يريد الإفصاح عن من هو الخائف، وأوربا خائفة، واعتبر ذلك " امرا طبيعيا".

الفرص الضائعة وفقا للمراقبين الأوكران لحل قضية القرم باتت حقيقة واقعة،  ولكن برأيهم أن المواطن الاوكراني وحده من يدفع ثمن وليمة بمثل هذا الثمن الباهظ من عدة عشرات، إن لم يكن مئات الملايين من عملة الهريفنيا " العملة المحلية الأوكرانية "،وفي الواقع، بدون مقطع فيديو موسيقي عن شبه جزيرة القرم مقابل 450 ألف هريفنيا وبدون مكعب وسائط متعددة بقيمة مليون تقريبًا، واتضح بحسب ميخائيل بوغريبنسكي، رئيس مركز كييف للأبحاث السياسية وعلم الصراع،أن الحديث عن شبه جزيرة القرم هو  أمر مستحيل، وفي النهاية، فان لدى البلاد  حملة علاقات عامة جميلة جدًا (باهظة الثمن)، وهو ما يجيده فريق زيلينسكي ، وهذا هو بالضبط ما يحدث، وان منصة القرم ليست أكثر من فيديو موجه بأغاني راقصة، مثل تلك التي تم إعدادها العام الماضي في الميدان بمناسبة عيد الاستقلال.

موسكو بطرفها، والتي شككت بنتائج  " المنصة " منذ بداية إطلاقها، واعتبرت أن المناقشات والبيانات السابقة التي تم الإدلاء بها ليس لها قيمة مضافة - كل ذلك يتلخص في "تكرار الكليشيهات المبتذلة في مكتب التحرير الذي تروج له كييف"، وأوضحت  أنها ستعامل قائمة المشاركين في المنصة باهتمام خاص، وبحسب ما أعلنته ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، فإن "روسيا ستسجل موقف هذه الدول والدول وتستخلص النتائج المناسبة"، وأكدت إن مشاركة بعض الدول في هذا المنتدى على أعلى مستوى وعالي دليل على النهج المسيس للغرب تجاه قضية القرم،  وقالت "القصة الكاملة لهذا التجمع لن تدور حول الحقائق وليست حول واقع شبه جزيرة القرم اليوم،  كل شيء سيركز على العنصر المعلوماتي والسياسي"، في حين  قال السكرتير الصحفي للرئيس الروسي ديميتري بيسكوف،  ان موسكو تعتبر وبشكل قاطع هذا الحدث "غير ودي"و"معادٍ لروسيا" علنًا.

كما أعتبر الروس ان الصورة الوحيدة التي توحي بنفسها عند قراءة البيان الختامي على انها "أن الجبل ولد فأرًا"، وان  البنود المحددة في الإعلان لا تصمد أمام النقد - من اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان إلى عسكرة شبه الجزيرة،  كل هذا ليس صحيحا، وان  بقبول بعض البعثات في شبه جزيرة القرم التي يقتصر تفويضها على أراضي أوكرانيا هي طريق لا يؤدي إلى أي مكان، لأن شبه جزيرة القرم مفتوحة للجمهور، ولكن ، بالتشاور مع السلطات الروسية.

البرلمانيون الروس وصفوا " منصة القرم "  بأنها الأداء الذي، على ما يبدو، كان يُنظر إليها في الأصل على أنها وسيلة لإثارة إعجاب الجمهور المحلي وفيه "لعب المشاركون الدوليون دور الإضافات"، وقال  نائب رئيس مجلس الاتحاد كونستانتين كوساتشوف "ان كييف ستحاول تسجيل هذا الأداء كأصل، على الرغم من أننا جميعًا نفهم تمامًا أنه لا يوجد أصل حقيقي هناك"، ووفقا له، فإن روسيا لن تعقد أي اجتماعات قمة بديلة من أجل إثبات ملكية شبه جزيرة القرم لشخص ما، كما أنها لن ترفض الحوار مع الدول الأخرى بسبب مشاركتها في حدث كييف، وان روسيا لن تترك  الحوار مع العالم بأسره، وستنتقل ببساطة إلى مسارات أخرى، أعمال تجارية حصرية، دون أي تلميح عن الصداقة.

وخلص المحللون السياسيون بدورهم انه تم تصميم منصة القرم كوسيلة لإثارة مشكلة شبه جزيرة القرم بطريقة ما للخروج من النسيان، لكن المسار الذي اختاره فريق زيلينسكي غير فعال تمامًا، مع الأخذ في الاعتبار الإنفاق الضخم من ميزانية الدولة، فهو ضار تمامًا بالأوكرانيين ،  صفر الانبعاثات، التقليدية للحكومة "الخضراء"، وكان هذا مفهومًا قبل وقت طويل من بدء منصة القرم، كان على المرء فقط أن ينظر إلى تكوين المشاركين في الحدث ومهامه، ومرة أخرى، تكاد أوكرانيا تجثو على ركبتيها تتوسل العالم للمساعدة بالضبط بمناسبة عيد الاستقلال، والمثير للسخرية للغاية، الآن، برأيهم انه بالإضافة إلى المال، يطلب زيلينسكي أيضًا إعادة شبه جزيرة القرم.

 

بقلم الدكتور كريم المظفر

 

في المثقف اليوم