قضايا

لما تكون هناك قطيعة بين المجتمع والدولة؟

انور الموسويأتحدث عن قطيعة ليست حالية، بل سوء فهم ولربما عناد مطبق نتيجةً لأسباب منها سياسي وعقائدي ومنها ايدلوجي خارجي او داخلي.

لا أتحدث عن قطيعة اليوم، بل انفصال دام طويلاً بين فهم الدولة للحياة وفهم المجتع لنفس تلك الحياة، وطرائق تطلعهم نحوها.

من هنا تكون الانطلاقة.

البعد الفكري لإي دولة بالعالم يجب ان يكون مستمدًا من حاجات المجتمع، تطلعات المجتمع، رغبات المواطن، لا أن يكون مبنيًا على اساس ثوابت مفروضة تقادمت بقدم حضارات أنتهت وصارت ركاماً. تلك اول قطيعة.

الثانية فهم الدولة لمجريات العصور ومتابعة تقدم المجتمعات وسياسية التحضر، هي من أهم اسباب تكوين العلاقة الطردية بينها وبين شعوبها ومجتمعاتها، اذ يكون المجتمع ماضيًا في أحلام يود تحقيقها ضمن أساسيات الدول المعاصرة والمجاورة في التقدم والنهوض والرعاية والعمران… الخ والدولة لازالت ضمن مؤسساتها غارقة في روتين استبدال سنوية سيارة او كتاب صحة صدور او معاملة تقاعد.. الخ

أما في قضايا العدالة الاجتماعية والسلم المجتمعي وتحقيق توازن اجتماعي يتسم بالحريات (والانضباط ) وفقًا للقانون. فتلك لها بعدين:

١- إما تضعف الدولة في قبالة الأعراف والعادات الاجتماعية وحتى الطقوس وحينها يضعف القانون تدريجياً فتحل الفوضى والجهل والتخريب والعنف وتزايد التغول الهمجي بين مفاصل الشعوب مع أستهلاك للسلاح والقتل وعدم إحترام خصوصيات الآخرين فتلجأ المجتمعات حتى الراغبة بالتغيير منها الى حماية نفسها بمصدر القوة المتوفر ، فالقانون لم يكتسب قوة السيطرة المفروضة، فيتحول مفهوم الأمان لدى المواطن إلى مفهوم كسبي بالحذاقة وليس ضمن واجب وطني مفروض على الدولة الراعية لهذا المواطن، لتنشطر عندهم بنية المجتمع بين التطلع نحو ما يرونه بدول العالم الاخر  وما توفره بلدان العالم من حريات وخدمات، وبين محاولات حماية أنفسهم من تسلط وتغول البدائيين.

٢- او نحو فهم التطور والتقدم والتحرر ضمن مسارٍ مشوه يؤدي في نتائجه العميقة إلى زيادات في الانتحار والأمراض النفسية والطلاق والتحلل وفهم معكوس لجميع مراحل تطور الشعوب المتقدمة.

وهذا حال الجماعات التي تتمتع بالسلطة  الخارجة عن فهم الدولة ، منزوية ضمن قطيعتها المفاهيمية والايدلوجية ضمن رقعة منغلقة غير مستوعبة حاجات الشعوب ورغباتهم في منحهم مقومات الحياة العصرية، ومنحهم امتيازاتهم الإنسانية وحرياتهم التي يرغبون بها في ممارسة رغباتهم وحياتهم بالطريقة التي يرون انها تلائم توجهاتهم.

تلك القطيعة في فهم أساسيات ورغبات الأجيال ((المتحورة )) جديرة بالملاحظة، فمجتمع اليوم ليس كما هو بالأمس، ولا توجد سلطة بالدنيا تستطيع كبح جماح الإرادة والرغبة بالتحرر التي يحتاجها المجتمع، وإن سكتوا ضمنًا عن التعبير، لكن فسلجة كيانهم عند ابسط اختبار تكشف تلك الرغبة.

لازالت جميع السلطات المتعاقبة غير مستوعبة او غير مكترثة بأن الاجيال الصاعدة والماضية تعيش في صراع محتدم ، صراع مفاهيمي وصراع نفسي بين الموروث والقدم، وبين استلهام الحداثة والتعايش معها، هذا الصراع يولد انفجارات عظيمة في بنية المجتمعات لو لم يتم استيعابه وفهمه لأنه يخلق تناقضات (يفسرها البعض  على انها نهايات  الزمان) والحقيقة ليست كذلك  بل هو  توليد  لمردود عكسي تماماً بجري الصراع بينه ضمن الأضداد ليولد منظومة حداثوية جديدة حتمًا شاء من شاء وابى من ابى، اما لو جرى قمعه والاستعاضة عنه بمفاهيم مفروضة قسرية،  ضمن احكام مسبقة " دينيًا وعقائديًا " سيتجه نحو الازدواجية، والتصنع، وماحال مجتمع بأكمله يصاب بتلك الطامة؟ تخيل حجم الكارثة والتي هي واقعة بعضاً منها  ضمن مسار مرئي غير مخفي على الجميع، فكيف ونفس السلطة المباشرة بالتنفيذ لازالت ضمن مخيال الماضي ومصرة على أنها على حق، على الرغم من ملايين الأدلة التي أثبتت عقم تلك النظرية وفشلها ضمن جميع مستويات الادارة، ابتداءًا  من الفن والذوق العمراني المستهلك، والمحاولات الخجولة في إعادة ترميم الوطن والهوية الوطنية الضائعة، وليس انتهائًا في استباحة الدماء وعدم الاكتراث بأهمية الروح الإنسانية، وفرض القوانيين المقيدة لحركة وحرية البشر وتصدير رغباته في ممارسة متعته و إلى ضياع فرص التقدم التكنلوجي والاقتصادي.. الخ

كيف لا يحصل الانفصام ، وكيف لا يتولد الإرباك والازدواجية بين ادعاء شيء وممارسة شيء اخر تماماً.

وكل يوم تصر فيه السلطة على أحقية معتقدها تحصل قطيعة موازية بينها وبين فئات المجتمع، واغتراب مستمر بين إرادة السلطة وتوجهاتها وبين المجتمع ورغباته وتطلعاته وممارسة حرياته وحياته بالشكل الذي يراه جميلًا من وجهة نظره.

واجب الدولة دومًا ان توفر لكل شيء، شيء محاط ومحمي بالقانون. ولكل رغبة وتطلع وممارسة سياق قانوني يحمي المواطن} لايقمعه ويهينه.

لن تُحل هذه القطيعة ابدًا مادام الفكر في الرياسة هو نفسه، اذ يستمر هذا الانفصال حتى يتم استبدال فكرة قيادة الدولة بفكرة "مدنية " ، قائمة على اساس التعددية المذهبية والفكرية وتحقيق كامل الرغبات للمجمتع الواسع والمختلف، ولن يتم ردم هذه القطيعة إلا بدولة تجعل شعار الولاء للوطن والهوية الوطنية هي معيار الخدمة للبلد، ولا تشظي الأفراد الى انتماءات متعددة، فالدولة ليس لها دين، الدولة عقيدتها " وطن ومواطن فحسب" ولن تنتهي تلك القطيعة حتى يتم التأسيس لدولة عصرية متحضرة تماماً تخلو من انبعاثات الماضي والخيال الغيبي او التعامل وفقًا للأعراف، تتعامل بطريقة واقعية مع شعوبها لا تعاملهم بطرائق غيبية!. كما ان الاساس الذي تنبثق منه الدولة ذات الرابطة بينها وبين شعوبها يكون قائم على توفير المستحقات المدنية للشعوب، واخذ الواجبات الوطنية من تلك الشعوب، لتصبح المعادلة متوازنة.

لن توفر الايدلوجيات السائدة اي فكرة لبناء دولة ولا فهم شعب او جيل او أجيال متعاقبة، لذلك سوف لن تنجح في استيعاب شعبها ولا ردم فوهة التباعد هذه وستستمر تلك القطيعة وسط فوضى للمفاهيم وحاجة ماسة لممارسة الرغبات داخل قعر مغلق من التقييد  العرفي والعقائدي وممارسة خفية لجميع حاجات البشر ضمن السر " المسموح به " لتتولد تلك القطيعة من رحم الازدواجية ومحاولة التكتيم على الإخفاقات وعدم الإذعان والاعتراف إن كل شيءٍ قد تغير ولابد ان تتغير السياسية معها وفقًا لحماية حقوق المواطن وحرياته.

 

انور الموسوي

 

 

في المثقف اليوم