قراءة في كتاب

سناء عبد القادر: قراءة في كتاب سنوات التحدي والإصرار لرياض عبد الكريم

يتألف كتاب: (سنوات التحدي والإصرار) لرياض عبد الكريم، من مقدمة المؤلف وتقديم جاسم المطير وعشرة فصول مع خاتمة بعنوان مسك الختام.

أكتب تقييما لكتاب العزيز أبو طيبة ليس من وجهة نظر صحفية أو اعلامية ولكن من وجهة نظرالاقتصاد الصناعي، لأن تنظيم وتصميم وانتاج واصدار الصحف والمجلات والكتب والملصقات والبوسترات..الخ يتطلب خبرة مهنية كبيرة وهذا الذي اكتسبه رياض ليس من العراق فقط ولكن من خلال زياراته الى بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وإطلاعه على سيرعملية تنظيم الانتاج في دور النشر الضخمة في واشنطن في مركز كندي ومطابع الكونغرس وصحيفة الواشنطن بوست ومجلة ناشيونال جيوغرافي في نيويورك وزيارته الى بوسطن، دنفر، شيكاغو، لوس انجلوس أوهايو، وسان فرنسيسكو وكذلك زيارة الكثيرمن ىور النشر والمطابع وتعرفه على أساليب وطرائق العمل في بريطانيا ولبنان ومصروهنغاريا.

لم يدر في خلدي في يوم من الأيام أن أكتب عن سيرة صديق من مدينتي الناصرية التي ولدنا وترعرعنا فيها. كان يسكن في نفس المحلة التي سكنت وولدت فيها ويبعد بيتهم عن بيتنا قرابة 150 مترا ليس أكثر. درست في مدرسة الجمهورية الابتدائية للبنين، في حين درس رياض في المدرسة المركزية للبنين ولكن هذا لا يعني من أن نكون اصدقاء حتى على اختلاف مدرستينا المتوسطة، حيث أكملت متوسطة الناصرية للبنين التي أسست في العام 1963، في حين أكمل رياض متوسطة الجمهورية للبنين.

وعلى الرغم من اختلاف اختصاصينا في الدراسة الجامعية الاولية في جامعة بغداد، اختار رياض قسم الصحافة بكلية الآداب في حين اخترت أنا دراسة الاقتصاد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية (تغير اسمها الى كلية الإدارة والاقتصاد في العام 1969).

يعتبر الكثيرمن الناس أن علم الاقتصاد هو علم جاف ويستند على الرياضيات والاحصاء فقط، ولذلك فهو بعيد عن العلاقات الانسانية والإجتماعية. ولكني أعتقد على العكس انطلاقا من تعريف فلاديمير إيليتش لينين للإقتصاد بأنه ذلك العلم الذي يدرس علاقات الانتاج الاجتماعية أو العلاقاات الاجتماعية في الانتاج. ومن هنا انطلقت وبدأت بدراسة وتتبع مراحل تطور صديقي العزيز أبو الروض كما كان يطلق عليه أصدقائه في العمل.

يتمتع كتابه الموسوم: سنوات التحدي والإصرار باسلوب روائي سلس وغير ممل، إذ يتمتع القاريء بتسلسل الأحداث من سنة الى أخرى وهو في نفس الوقت يعكس تجربته وتدرجه في العمل المهني كاسبا رضا روؤسائه ومرؤوسيه، ومحافظا على رباطة جأشه حينما يناقش مصاعب العمل وهو يقترح حلوله الناجعة ولا يفرضها على الآخرين. وهذا ما نجده اثناء طرحه لآراء عملية صحيحة اثناء عمله مع الدكتور محسن الموسوي والدكتور عبد الرحمن منيف. وهو كثيرا بل حتى دائما ما يفكر مليا حينما يطلب منه ابداء رأيه في موضوع ما يتعلق بتطوير العمل ومناقشة صيغ جديدة لتطوير سير أعمال المطابع وتوفير المواد الضرورية من أحبار وورق وكارتون...الخ. وكذلك ما يتعلق بتوفير أماكن عمل مريحة للموظفين جميعهم سواء كانوا يحتلون درجات وظيفية عليا أو دنيا. وهذه مسائل مهمة انطلاقا من تنظيم وادارة وتخطيط الانتاج الصناعي لعمل دور النشر والمطابع المرتبطة معها بعقود أو التابعة لها بحكم نظام المؤسسات الانتاجية لأن جميعها تساهم في رفع انتاجية العمل للجميع، من مدراء اقسام وموظفين اداريين ومحررين وعمال فنيين...الخ.

الفصل الأول: قصتي مع الشيوعيين

بدأ أبو الروض العمل وهو لايزال طالبا في السنة الثانية بقسم الصحافة في العام 1971 (انتقل رياض من قسم اللغة الانكليزية الى قسم الصحافة الذي افتتح بعد أقل من شهر من بدء الدراسة في قسم اللغة الانكليزية) في جريدة الراصد حيث كان صاحب امتيازها مصطفى الفكيكي ورئيسة التحرير الكاتبة والروائية عالية ممدوح. ويعود الفضل في ذلك الى عزيز السيد جاسم.

عمل رياض بصفة متدرب في قسم الأرشيف وتعرف على جاسم المطير الذي كان يشغل وظيفة سكرتبرالتحرير وقتذاك. ومن خلال التقرب اليه حاول التعرف على أسلوب الكتابة الصحفية، وقراءة كل ما تنشره جريدة الراصد وبقية الصحف والمجلات كونه يعمل في أرشفتها وتنظيم حفظها مع بقية الوثائق المهمة.

تعرف رياض عبد الكريم اثناء فترة عمله في جريدة الراصد على مجموعة من الصحفيين اليساريين ذوي الإتجاه الماركسي مثل ابراهيم زاير وساهرة يعقوب، جمعة اللامي، مؤيد الراوي ورياض قاسم،اللذين تعلم منهم الكثير فيما يخص العمل الصحفي. كان يزور جريدة الراصد عدد غفير من الصحفيين ذوي الميول التقدمية ومنهم من كان ينتمي الى الحزب الشيوعي العراقي.

بعد أن أمضى رياض أكثر من تسعة أشهر على عمله في جريدة الراصد يسجل التالي:

" كانت تستوقفني مجلة الإذاعة والتلفزيون التي يرأس تحريرها المرحوم زهير الدجيلي، كنت أجدها الأقرب الى نفسي كونها مجلة نخبوية شبابية مهنية ويعمل فيها خيرة صحفيي البلد" (ص32). ولهذا السبب طرق باب عزيز السيد جاسم مرة أخرى طالبا منه المساعدة في ايجاد عمل له في هذه المجلة التي يرأس تحريرها زهير الدجيلي.

لقد وجد أبو الروض ضالته في مجلة الاذاعة والتلفزيون وكالعادة بدأ العمل في أرشيف المجلة حتى يتعرف على العمل الصحفي في المجلة منذ مراحله الأولى وقراءة كل واردة وشاردة في المقالات والتحقيقات والأخبار وإيلاء انتباهه الى تصميم واخراج صفحات المجلة..الخ ومن ثم يقوم بكتابة تقرير يقدمه الى زهير الدجيلي.

كان يتردد الكثير من الصحفيين على مقر المجلة وهم أكبر سنا وخبرة منه في مجال العمل الصحفي وكان الدجيلي يقدمه لهم على أنه يدرس الصحافة في جامعة بغداد. ولهذا كانوا يكنون له الاحترام.

كان رياض يصغي لجميع محادثاتهم مع رئيس التحرير وفيما بينهم أيضا والتي وجد فيها منفعة كبيرة له وهم يكنون له الاحترام، وهذا بسبب اندفاعه في العمل وتواضعه في نفس الوقت، لاسيما وانه كان في العشرين سنة من عمره. بمرور الزمن توطدت علاقته بهم وصار يحضر جلساتهم ولقائاتهم واتضح فيما بعد بأنهم شيوعيون. والغريب في الأمر بأنهم لم يفاتحوه بأن ينتمي الى الحزب الشيوعي.

ورد في الصفحة 35 ذكر مقهى العباقرة الواقع في بداية شارع السعدون ببغداد (كانت تسمى آنذاك بمقهى المعقدين أيضا كما أتذكر) حيث كانت ملتقى عدد كبير من الشباب ذات الاتجاهات السياسية المختلفة من يساريين وماركسيين وشيوعيين وبعثيين ووجوديين من أنصار الكاتب الفرنسي جان بول سارتر. وكان من روادها الشاعر والأديب فاضل العزاوي الذي كتب بيان مجموعة المجددين الشعرية. كان المقهى تحت مراقبة الامن العراقي ولهذا أصدر الحزب الشيوعي العراقي توجيها لجميع أعضاء وأصدقاء الحزب بعدم الجلوس في هذه المقهى وخصوصا بعد حدوث مشاجرات بين اليساريين الماركسييين والبعثيين في بداية سبعينيات القرن الماضي والتي وصلت الى حد الضرب بالكراسي والتشابك بالأيدي.

في بداية سبعينيات القرن الماضي كان الساحة السياسية والشارع العراقي وشغيلة الفكرواليد مشغولين بمناقشة تشكيل الجبهة الوطنية والقومية التقدمية بين الحزب الشيوعي العراقي وحزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان يقود السلطة ومدى تأثيرها على مستقبل العراق.

وبالتأكيد سوف ينعكس ذلك على ما ينشر في الصحافة العراقية والعاملين في هذا الحقل الثقافي المهم الذي بواسطته يمكن ايصال ما يدور في أروقة البيوتات الثقافية من جمعيات ونوادي ومعارض فنية تشكيلية، وخصوصا وأن تلك الحقبة الزمنية نشطت فيها الحركة الفنية العراقية وتشكلت الكثير من الجمعيات التشكيلية مثل جماعة المجددين وجماعة الأربعة بالإضافة الى الموجودة مثل جماعة الرواد وجماعة بغداد للفن الحديث...الخ

ومن أشهر الفنانين في تلك الفترة الزمنية مثل شاكر حسن آل سعيد، خالد الرحال، خليل العزاوي، ضياء العزاوي، اسماعيل فتاح الترك، فائق حسن، فائق حسين، رافع الناصري، جميل حمودي، نوري الراوي، محمد مهر الدين، محمد عارف، ماهود أحمد، صالح الجميعي، محمد غني حكمت، فؤاد جهاد، حسن عبد علوان، والقائمة تطول.

هذا وبالإضافة الى نشاط الفرق المسرحية في العراق بشكل عام. ومن الفرق المسرحية المشهورة آنذاك فرقة مسرح الفن الحديث وفرقة الستين كرسي والفرقة القومية للتمثيل..الخ. وبالتأكيد أن يتأثر رياض بهدذ الاجواء الثقافية ويتعرف على شخصيات ثقافية عراقية ساهمت في رفع شأن الموقف الثقافي العراقي.

الفصل الثاني: بداياتي الفعلية في العمل الصحفي

بعد مرور أربعة سنوات من العمل في مجلة الاذاعة والتلفزيون وبناء على التقارير الأمنية التي كتبت من قبل أمن الاذاعة والتلفزيون والبعثيين نقل رياض مع جاسم المطير الى مصلحة السينما والمسرح. بقي هناك لمدة سنتين دون عمل سوى حل الكلمات المتقاطعة في الصحف والمجلات التي ترد الى المكتبة.

يلخص المؤلف ابتداءا من الفصل الثاني تجربته العملية في الصحافة واكتسابه الحرفة من لدن وعلى يد كبار الصحفيين وأساتذته في الجامعة. ويذكر عدد من أسماء الإعلاميين اللامعين في مجلة الاذاعة والتلفزيون وكذلك حينما أصدر قسم الصحافة في كلية الآداب بجامعة بغداد صحيفة نصف شهرية بإشراف الأستاذة حميدة سميسم حينما كان في السنة الثانية وكانت تعتبر جزء من متطلبات الدراسة والتدريب، تولى رياض تصميمها والكتابة فيها وتابع طباعتها في مطبعة الجاحظ.

وخلال فترة العمل في مجلة الاذاعة والتلفزيون تعرف على صحفيين مشهورين في العراق تميزوا بمهنيتهم العالية وخبرتهم الطويلة مثل: زيد الفلاحي وعباس البدري وفالح عبد الجبار ورشيد الرماحي وسؤدد القادري ومريم السناطي وسهيل سامي نادر وزهير الجزائري وحسين علي عجة وغيرهم.

تعلم رياض التصميم من عارف علوان الذي كان يصمم صفحات المجلة. "تطورت علاقتي بعارف وتطور فهمه لي فبدأ يعطيني الموضوعات كي أقرأها وأحضر لها الصور وبعض العناوين الفرعية،كنت أرتاح لعملي معه لأني فهمت كيف يعمل وكيف يفكر لذلك فإن الصور التي أحضرها له من الارشيف كانت مطابقة تماماً لروح الموضوعات ومنسجمة مع خياله الفني" ( ص45).

توسع نشاط رياض الصحفي في الجامعة حتى صار يغطي وبتوجيه من زهير الدجيلي النشاطات الطلابية في جامعة بغداد بالاشتراك مع فاطمة المحسن وسؤدد القادري. ثم توسع نشاطه حتى صار يشمل متابعة نشاطات الإذاعة والتلفزيون بكتابة التحقيقات الصحفية عن جميع الفعاليات والحوارات مع الممثلين والفنانين العراقيين والعرب اللذين يزورون العراق.

أصبح رياض مسؤولا عن تصميم مجلة الاذاعة والتلفزيون بعد عارف علوان الذي غادر العراق. كان رياض يستفاد من نصائح وملاحظات سهيل سامي نادر في مجال التصميم واختيار الشكل المناسب ومما زاد من خبرته هو مشاركته في دورة تدريبية في معهد التدريب الاذاعي حاضر فيها أستاذ ألماني حول سايكولوجية الصورة الصحفية وانتقاء الصورة من حيث الأهمية لمدة ثلاثة أشهر حصل في نهاية الدورة على درجة امتياز(ص50). " كانت دورة مهمة جعلتني أفهم معنى فلسفة الصورة الصحفية قبل أن يبهرني جمالها ونجحت في ما بعد في التعامل مع الصورة من حيث الإنتقاء والأهمية " – هكذا عبر رياض عبد الكريم عن مدى استفادته من الدورة التدريبية (ص51).

تطور العمل في مجلة الاذاعة والتلفزيون من حيث الشكل والتصميم والطباعة في مطبعة متطورة (مطبعة ثنيان) حتى أصبحت تصدر اسبوعيا بعد أن كانت تصدر مرتين في الشهر.

شقت مجلة الإذاعة والتلفزيون طريقها بنجاح في عالم الصحافة العراقية والعربية كونها تنشر مقالات لاتمجد بحزب معين ولا بقائد ما، على العكس من مجلتي ألف باء ووعي العمال. وطرحت مواضيع مهمة عكست فيها مايجري في الجامعة والمجتمع وانتشرت بشكل واسع حتى كانت تطبع وتوزع بعشرة ألأف نسخة اسبوعيا بدون مرجوع (ص55).

وبعد فترة من الزمن اقترح زهير الدجيلي اصدار مجلة تعني بشؤون السينما والمسرح. تمت مفاتحة الكثير من الكتاب والمختصين بالسينما والمسرح عربيا وعراقيا. وقع الاختيار على رياض الذي قام بتصميمها بشكل يلائم مواضيعها وحتى تصدر بشكل جيد في زمن شهد المسرح والسينما مستوى عال. ساهم الكثير من الكتاب والأكاديميين الكتابة فيها مثل يوسف عبد المسيح ثروت وياسين النصير وعبد المرسل الزيدي وأحمد فياض المفرجي وسامي عبد الحميد وغيرهم. كانت المجلة تعني بالواقع المسرحي والسينمائي ونشر المقالات المتخصصة في هذا المجال.

لعب زهير الدجيلي دورا كبيرا في اصدار هاتين المجلتين – الإذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح لما يتمتع به من خبرة صحفية ومهنية ومتفانيا في العمل وتمتع بعلاقات طيبة مع جميع الكادر الصحفي وكان محبوبا من قبل الجميع. ويجزم رياض عبد الكريم بأن زهير أسس مدرسة صحفية قل ما تجد لها مثيل في تاريخ العراق. وكان يحمي ويدافع عن كل من يعمل معه وبالرغم من أن معظم الكادر الذي يعمل معه كانوا محسوبين على الحزب الشيوعي العراقي.

اختتم أبو الروض الفصل الثاني من الكتاب وذلك بأن أصبح يقدم برنامجا اذاعيا من صوت الجماهير، كانت الحلقة الأولى مع الفنان المسرحي يوسف العاني والثانية مع زهير الدجيلي.

والاهم من ذلك هو أنه تم تعيين لطيف نصيف جاسم مديرا للإذاعة والتلفزيون بدلا من محمد سعيد الصحاف. أراد المدير الجديد تبعيث المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون ولهذا اختلف معه زهير الدجيلي وقدم استقالته من العمل.

الفصل الثالث: تجربتي مع الر احل الكبير عبد الرحمن منيف ومجلة النفط والتنمية

يتمحور الفصل الثالث بالعمل مع الدكتور منيف عبد الرحمن في مجلة النفط والتنمية "التي أنيطت مهمة اصدارها الى جريدة الثورة مع تغطية كل مستلزماتها المادية " (ص63) وجاسم المطير الذي رشح رياض له. وعلى الرغم من وجود علامة استفهام على رياض من قبل ادارة المجلة كونه ليس بعثيا وعليه شبهة شيوعية ولكن بعد عمل مسابقة بين المتقدمين الى وظيفة المصمم، فاز الماكيت الذي تقدم به رياض. ولهذا تم تنسيبه للعمل في المجلة. " وتمكن الدكتور منيف من الحصول على موافقة وزير الثقافة للتفرغ وتنسيبي للعمل في مجلة النفط والتنمية ولكن على أن أبقى على تواصل مع مؤسسة السينما والمسرح عندما يقتضي العمل ذلك " ( ص66).

توطدت علاقة رياض أبو طيبة بالدكتور منيف من خلال العمل الدؤوب في اصدار مجلة النفط والتنمية وشكلت السنوات الستة التي جمعتهما معا انعطافة كبيرة في حياته العملية وعلاقاته الانسانية وأثرت على سلوكياته وطباعه. كذلك حرص منيف على أن يكون رياض في معظم لقاءاته وحضوره الندوات والاجتماعات الفكرية والسياسية والأدبية التي تعقد في بغداد ومعارض الفن التشكيلي (ص77).

وفي السنوات الأولى من ثمانينيات القرن الماضي شعر الدكتور منيف بضعف في حالته الصحية بسبب ارتفاع السكري والضغط مما اضطرالى البقاء في البيت ومتابعة أعمال اصدار المجلة من هناك. كان رياض يذهب الى بيته مع التصاميم لعرضها عليه وأخذ الموافقته على نشرها. اثناء زيارة رياض لمنيف لم يتطرقا الى الحرب العراقية الايرانية التي طال أمدها كما توقع منيف الذي ساءت صحته مما اضطره الى مغادرة العراق الى باريس. وهكذا انتهى العمل معه الذي استمر لستة سنوات ولكن بقيت ذكرى تجربة العمل معه والتعلم منه محفورة في الذهن لحد الآن.

يبدأ الفصل الرابع المعنون: مؤسسة السينما والمسرح مرحلة قصيرة لكنها غنية ! بتسريح رياض من خدمة الاحتياط في الجيش في بداية العام 1985، تزامناً مع تعيين الشاعر عبد الأمير معله مديراً عاماً للسينما والمسرح، مستحدثاً قسما للدراسات ترأسه علي ضياء الدين ومعه رياض وجاسم المطير. تكللت هذه الفترة الزمنية بإصدار مجلة شهرية بإسم السينما والمسرح. أتاحت فرصة العمل في المجلة بالتعرف على كبار المخرجين المسرحيين والسينمائيين والممثلين العراقيين ومن الدول العربية. قام رياض بتصميم الكثير من البوسترات والبروشورات للأفلام السينمائية والمسرحيات مع العروض الفنية للفرقة القومية للتمثيل. وكإجراء جديد فقد خصص لكل عمل مسرحي إصدار بروشور وبوستر وكان من واجبات رياض هو تصميم تلك المطبوعات ويشرف على طباعتها لأنها كانت توزع على المشاهدين مجانا اثناء العروض المسرحية (ص86).

"وضمن برامج عبد الأميرمعلة لدعم وإسناد الفرقة القومية للفنون الشعبية التي حققت في ذلك الوقت نجاحات واسعة محلياً وعربياً وعالمياً فقد اقترح إصدار مجموعة مطبوعات ترويجية وتسويقية وبشكل فني يضاهي الأعمال العالمية حيث تم إصدار كتاب مصور تعريفي بالفرقة وشرح أصول الرقصات وقصصها الشعبية والفولكلورية ومجموعة فولدرات إضافة الى تصنيع لوحات ضوئية كهربائية وبقياسات مختلفة توضع في مداخل الأماكن والمؤسسات السياحية" (ص88). وقد تم تحقيق ذلك بمساعدة من المؤسسة العربية للدراسات وبالأخص مديرها الفني حلمي التوني ومديرها العام الدكتورعبد الوهاب الكيالي. سافر رياض الى بيروت ولندن حتى ينجز كل شيء على ما يرام.

يأتي الفصل الخامس من الكتاب تحت عنوان: قمة النجاح وتألق الشهرة في مجلة آفاق عربية ودار الشؤون الثقافية ليعكس المستوى المهني والحرفي الذي وصل اليه رياض من المبادرات واستغلال طاقات العمل المعطلة سواء كانت الطاقات البشرية والطاقات الانتاجية بما فيها المطبعة والجرأة في مجال التصميم وكذلك تعرفه على كوادر فنية ذات خبرة عالية تساعده في انجاز الأفكار التي يريد تنفيذها في اصدارمجلة آفاق عربية وفي دار الشؤون الثقافية التي يقترحها على الدكتور محسن الموسوي مثل ناظم رمزي وفخري خليل والمترجم كامل عويد وفلاح حسن العتابي الخطاط ووائل المرعب وغيرهم من المحررين والكوادر الفنية والإدارية.

واشتمل هذا الفصل على اقامة التعاون المشترك مع الهيئة المصرية العامة للكتاب التي كان يرأسها الدكتور سمير سرحان آنذاك " تقوم الفكرة عىل أساس أن نعطي كتاباً للهيئة وتقوم هي بطبعه وتوزيعه وتغطية النفقات من عائداته بعد البيع، وتعطينا الهيئة كتاباً بالشروط ذاتها، على أن تخضع نصوص الكتب لموافقة الطرفين قبل التنفيذ، وأن لا يكون كتاب الهيئة موزعاً مسبقاً في العراق، ولا كتابنا موزعاً في مصر" (ص121). نجحت التجربة وبلغ عدد الاصدارات 70 كتابا. وهذا نجاح باهر في ذلك الوقت.

ويحتوي هذا الفصل على معلومة مهمة ومفرحة هي أن أبو الروض أكمل دينه ودخل في عش الزوجية والقفص الذهبي بزواجه من نادية كريمة اللواء المتقاعد حسين مصطفى العمري التي بدأت بالعمل معهم في آفاق عربية (ص122). ومن هنا فصاعدا وبعد ولادة المحروسة طيبة سوف نخاطبه بأبو طيبة.

بعد عمل حثيث وجهود مضنية واستخدام الطاقة التصميمية لمكائن الطبع والتنضيد والتصحيف من أجل انجاح رغبة الدكتور محسن الموسوي بالمشاركة في مهرجان المربد الذي يقام في النصف الثاني من شهر تشرين الثاني 1986 أثمرت جهود العاملين في آفاق عربية ودار الشؤون الثقافية باصدار 500 كتاب. كان هذا حدثا ومنجزا كبيرا في ذلك الوقت.

" أذكر ماقاله الدكتور سمير سرحان رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب وهو يتجول بالمعرض برفقة حلمي التوني المدير الفني لمؤسسة الدراسات العربية اللبنانية - عندما أخبرني دكتور محسن يوم أمس إن المعرض سيضم 500 عنوان، حصيلة إنتاج أقل من سنة اعتبرت ذلك خرافة، لكن واقع الحال الذي أشاهده الان يمثل معجزة حقيقية -، وأيده حلمي التوني بقوله » معجزة فعلا، سألت الدكتور سرحان عن حجم إصدارات الهيئة، فأجاب 200 كتاب هو أعلى ماوصلنا إليه في السنة " (ص128).

ومما زاد في خبرات الأخ أبو طيبة العملية وعمق تجربته المهنية هو مشاركته في عدة دورات تدريبية واستطلاعية وورشات عمل في العديد من بلدان العالم: الولايات المتحدة الأمريكية – لمدة شهرين، متنقلا ما بين وشنطن، ونيويورك، ودنفر وشيكاغو ولوس أنجلس وأوهايو وسان فرنسسكو. حيث اطلع على أساليب العمل والمطابع..الخ. وكذلك ألمانيا، بريطانيا، هنغاريا، لبنان، مصر والمغرب.

الفصل السادس: التوجه للقطاع الخاص وتأسيس مطبعة إبداع

بدأ رياض بالتفكير في تأسيس مكتب للتصميم والخدمات الصحفية حينما كان يتهيأ للتقاعد من الوظيفة الحكومية. وهذا ما قام به، إذ أطلق على المشروع اسم إبداع للتصميم والطباعة. استأجر مكتبا في شارع السعدون وقام بتجهيزه بحاسبات الكترونية ومكاتب للتصميم. (ص156). ومن الأشخاص اللذين اعتمد عليهم أبو طيبة في عمله هم هيثم فتح الله وهو ابن صاحب مطبعة الأديب فتح الله اسطيفان عزيزة وكنيته أبو ليث. " كان هيثم الأقرب الى اختصاصى وتفكيري وكان يتفهم أفكاري في التصميم التي تحتاج إلى قدرة بارعة أثناء التنفيذ في مرحلة التصوير وغالباً ما كنت أدخل معه الاستوديو أثناء تنفيذ صفحات المطبوعات، فهو في الواقع يمتلك خبرة كبيرة ولديه طرائق غير تقليدية في العمل وهذا ماميزه عن باقي المصورين الطباعين" (ص158).

كان أول عمل مشترك مع هيثم هو تصميم غلاف رواية" اللعبة " للراحل يوسف الصائغ وبعد ذلك تصميم الطبعة الثالثة لغلاف رواية " شرق المتوسط " للراحل عبد الرحمن منيف ثم المصمم والفنان الراحل ناظم رمزي وكذلك مريوش أبو رمزي. صاحب مطبعة أسفار. كان أول عمل لمشروع ابداع هو طلب من جاسم المطير صاحب المكتبة العالمية بتصميم وطباعة القرآن الكريم بقدر 30 ألف نسخة (ص160).

بعد صدور أمر إحالة رياض على التقاعد، تفرغ للعمل كلياً في مكتب إبداع، وبعد إنجاز طباعة القرآن الكريم، حصل عىل موافقة رسمية تجيز له التعامل مع منظمات الامم المتحدة العاملة في العراق، فقام بإبرام عدة عقود لتصميم وطباعة الكثير من المطبوعات،مثل اليونسيف، الصحة العالمية، برنامج الامم المتحدة، منظمة كير، ومنظمة اللاجئين. ولجودة الطباعة والتصميم انتشراسم إبداع بين هذه المنظمات الأمر الذي أدى إلى زيادة التعاقدات وتوسع حجم العمل (ص 165).

أن نوعية ونزاهة العمل والانتاج ساهما في انتشار اسم ابداع واقامة علاقات اجتماعية وطيدة مع الكثير من المؤسسات الاعلامية والصحفية، أدى كل هذا الى اتساع العمل والتعاون مع مطبعة الأديب بإقامة وحدة انتاجية صغيرة تقوم بطباعة السكرين اليدوي بمساعدة كبير طباعي مطبعة الأديب أرشد أبو سعد الذي كان يملك خبرة كبيرة في هذا المجال وادخال العنصر النسائي في العمل الانتاجي بعد تدريبهم لفترة قصيرة.

هناك ظاهرة موجودة في العالم وهي الحسد والغيرة وأخذ نسبة من الأرباح والمنافسة غير الشريفة. وهذا الذي حدث مع أبو طيبة في عقد مناقصة طبع لمنظمة اليونسيف والذي فاز مكتبه به. فجأة يرن عليه جهاز الهاتف من طرف المخابرات ويطلبون حضوره الى مكتبهم. وحينما أراد أن يعرف السبب جاوبوه بأن هذا ليس حديث في الهاتف. اتضح الأمر ان المخابرات أرادت ان يرسي العقد على مكتب تابع لهم ولذلك عليه أن ينسحب من المناقصة حتى ترسي المناقصة على المكتب التابع للمخابرات ولكنهم وعدوه بأنهم: "نضمن لك إحالة المناقصة لك بالسعر الذي قدمته، لأننا نريد ضمان استمرار التعامل مع هذه المنظمة، حينها لم يكن أمامي من خيار سوى الموافقة طالما ضمنت حقوقي التي كان يمكن بقوة وبطش هذا الجهاز أن يصادرها كما يمكن أن يصادرني أيضاً بتهمة كيدية". استلم رياض المبلغ المتفق عليه من الجهة التي قامت بتنفيذ العقد (ص166).

بعد العمل في منظمة الاسكوا التابعة للأمم المتحدة في عمان بالاردن لفترة قصيرة، قفل أبو طيبة عائدا في منتصف العام 1996 الى بغداد. وهنا طرأت فكرة في رأسه وهي التعاون مع أخيه الصغير محمد في تأسيس مطبعة ابداع. وطالما أن محمد توجد لديه خبرة تجارية وسبق وأن عمل في الصحافة وتصميم مجلة النفط والتنمية بعد أن تركها رياض. استأجر رياض بناية في الشارع الواقع في كرادة داخل ومقابل ساحة كهرمانة. وبدأ بترميمها وتصليحها حتى تناسب العمل ومن ثم بنقل وشراء ماكنة الطباعة وأدوات العمل. وكالعادة فقد حرص رياض على أن تكون جودة العمل ونوعية المطبوعات وتنفيذ العمل بدقة حسب المتفق عليه مع الزبائن والمؤسسات التي تطبع عندهم مثل منظمة كيرالاسترالية ومجلة عشتار التي ترأست تحريرها زميلته من أيام الدراسة في جامعة بغداد مريم السناطي.(ص173).

توسع العمل في ابداع بعد أن شاع اسمها من حيث المهنية والحرفية والنوعية والدقة في مواعيد انجاز المطبوعات في العام 1999 مما حدى برياض وأخيه محمد بشراء ماكنتي طباعة "سولنا وميللر" لإنجاز الاتفاقيات المبرمة مع الصحف والمجلات (ص175).

كان وفاة والدة ووالد رياض صدمة قوية له مما اضطره للغياب عن العمل لمدة شهر تقريبا والسكن مع عائلته في دارأبيه لمواساة اختيه (ص177ٍ).

عاد رياض وأخيه محمد الى العمل وتمكنا من الحصول على عقد طباعي كبير من منظمة الصحة العالمية. وحينها قررا توسيع الطاقة الانتاجية بشراء ماكنة طبع جديدة ومعداتها وكذلك توسيع مكان العمل وذلك بإيجار بيت مجاور قاموا بتصليحه وترميمه ونقلوا قسم التنضيد والتصميم والمونتاج والتصوير إليه. كما اعتمد رياض اسلوب التنمية والتطوير انطلاقا من الموارد المتاحة والمتحققة من العمل وليس عن طريق القروض أوالتمويل المالي من جهات مختلفة لأن هذا يؤثر على استقلالية دارالنشر. كما أن احتساب تكاليف الانتاج بشكل صحيح معتمدا أساليب الجدوى الاقتصادية كان يوفر له 20% من القيمة السعرية (ص178).

وبسبب ظروف الحصار على العراق وظروف المعيشة الصعبة قامت بعض المطابع بطباعة النقود المزورة والكتب الممنوعة والهويات والجوازات المزورة...الخ من الطرق غير المشروعة في الاحتيال على الرقابة الحكومية. لم يقوما الاخوان رياض ومحمد بهذه الاعمال بسبب الحفاظ على سمعتهما والتعرض الى العقاب القانوني.

ينتهي الفصل السادس من الكتاب بالإشارة الى تصعيد الاعلام الأمريكي في نهاية العام 2002 والتحضير لغزو العراق. ظروف العراق الاقتصادية تتدهور مع شحة المواد الغذائية وانخفاض حركة النقل بنسبة 80% والهلع والخوف منتشرعند جميع الناس وفي كافة محافظات العراق (ص179).

الفصل السابع: آذار 2003، سقوط نظام قمعي وولادة نظام ميت

تبدأ في هذا الفصل مرحلة جديدة من تاريخ العراق السياسي والاقتصادي والاجتماعي ولهذا اطلقت تسمية " العراق الجديد" على هذه المرحلة من قبل الاحزاب التي سيطرت على ادارة البلاد.

يكتب رياض في مذكراته بأنه ما أن حل العام 2003 حتى توقف كل شىء وركن الناس في بيوتهم بانتظار ساعة الصفر. قرر رياض في نهاية شهر شباط ايقاف العمل واغلاق المطبعة والتوجه نحو مدينة هيت بالسيارات،عائلته مع عائلة أخيه محمد وعائلة أخته وزوجها.

بدأت الحرب في اليوم الثاني من وصولهم الى هيت، حيث بدأ القصف الجوي في 19 آذار 2003 واالهجوم البري في 20 آذار من نفس السنة. مكثوا في هيت حوالي الشهرومن ثم قرروا العودة الى بغداد حيت سكنوا في دارهم بالداووي في المنصور. حالة يرثى من الخراب والدمار في بغداد وفلتان الوضع الأمني وحتى المروري حيث تطوع عدد من الناس وشرطة المرور اللذين عندهم نخوة على شعبهم ومدينتهم التي يرثى لها من جميع الجوانب بتنظيم السير في بغداد، أتذكر ذلك جيدا من القنوات الفضائية العالمية والعربية. أما توفر الماء والكهرباء فلا يوجدان. كان الناس يذهبون الى نهر دجلة لجلب الماء وفي الليل يشعلون الشموع. قام الناس بوضع جذوع النخيل في مداخل الطرق والأزقة حتى لا تدخل العصابات الاجرامية لنهب البيوت كما تحدث لي أخي المرحوم سعد وماعانت منه منطقة الأعظمية والكثيرمن مناطق بغداد.  

عاود رياض نشاطه العملي بعد استتاب الأمن في بغداد وتمكن من الحصول على عقود طباعة وتصميم كان أولها عقد طباعة الدفاتر الامتحانية من منظمة اليونسيف، وثانيها حصل اتفاق عىل طباعة جريدة العدالة التي كان يرأس تحريرها آنذاك عادل عبد المهدي، وكان إصدارها إسبوعياً. جرى اصدار سبعة أعداد ومن ثم بعدها تم تأسيس مطبعة خاصة بها وانتقلت اليها، كانت التجربة الأولى في طباعة جريدة سياسية صحفية (ص187).

خلال تلك الفترة الزمنية توالى تأسيس أحزاب ومنظمات سياسية كانت تطبع منشوراتها المختلفة الغرض شملت مطبوعات دعائية وبرامج سياسية وفولدرات تعريفية وترويجية عند رياض وعند الإطلاع على محتواها وجدها فارغة المعنى والمحتوى ولا تعبرعن طموحات الشعب العراقي الحقيقية.

من أهم فقرات هذا الفصل هو اصدار صحيفة الوفاق الديمقراطي في مطلع العام 2004 وهي صحيفة إسبوعية سياسية منحازة للوطن والشعب، رئيس التحرير صالح عمر العلي وبمشاركة عدد من الصحفيين العراقيين المعروفين (ص190). وكذلك صدور مجلة تواصل التي تصدرها هيئة الاعلام والاتصالات شهريا، كانت سلوى زكو حينذاك رئيسة للتحرير (ص196). والحدث الثالث والمهم أيضا هو فوز دار ابداع في العام 2005 بمناقصة مطبوعات المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات وهي أول إنتخابات تجري في العراق بعد العام 2003 (ص200). كان عبء العمل كبيرا، فبعد تصميم كافة الملصقات والبوسترات والفولدرات والكتيبيات...الخ وتوفير كافة مستلزمات العملية الانتاجية من الورق والكارتون والأحبار...ألخ، بدأ العمل ليلا ونهارا في ثلاثة مطابع. وحتى اضطرا رياض ومحمد المبيت والنوم في المطبعة لعدة أيام من أجل الانتهاء من هذه المهمة على أحسن ما يرام. وبعد الانتهاء من هذا العمل المضني سافر رياض مع العائلة الى سوريا حيث قضيا هناك شهرا كاملا للراحة والاستجمام (ص203).

في نهاية العام 2005 انتشرت حوادث التفجير في بغداد أكثر من بقية مدن العراق، إذ دخل العراق في معمعة الحرب الطائفية التي استمرت لأكثر من سنتين وأصبح الانسان لا يشعر بالأمان بسبب حوادث القتل والاختطاف وطلب الفدية. أصبح الانسان اذا خرج من داره متوجها الى العمل أو للتسوق أو لأمر ما كان عليه أن يفكر بالعودة سالما الى البيت بسبب حوادث التفجير التي انتشرت في العاصمة بغداد.

الفصل الثامن: العودة إلى الكتابة والهرب من الاختطاف.. أو القتل!

اشتدت الأوضاع سوءا في العراق وخاصة في بغداد، فالحرب الطائفية مستعرة وعلى قدم وساق كما يقول المثل العربي وخصوصا بعد اعلان النتائج الانتخابية وتشكيل البرلمان..الخ.

" انتشر القتال في الشوارع وأصبحت مناطق عديدة في بغداد ساحات للمعارك مثل العامرية، الأعظمية، حي الجهاد، حي الجامعة، أبو غريب، اليرموك " (ص206). وكذلك كان القتال في مدينة الشعب القريبة من حي القاهرة ببغداد وأطراف بغداد في الطارمية التي كانت قوات الشرطة والجيش يخافون من الدخول اليها لتواجد قوات المقاومة فيها. وكما حدثني أخي المرحوم سعد بأن جثث القتلى كانت منتشرة في شارع الامام الأعظم في منطقة النصة أو راس الحواش التي كان الأمريكان يخافون منها، الى أن توصلوا الى اتفاق مع وجهاء أهالي الأعظمية بأنهم سوف ينسحبون منها. قام أهالي الأعظمية بدفن القتلى في حديقة تابعة لجامع الامام الأعظم أبو حنيفة النعمان وسميت بمقبرة الشهداء.

وبسبب هذه الظروف التي يمر بها البلد من الطبيعي أن يقوم رياض بإيقافل العمل في المطبعة والمكوث في البيت وقضاء الوقت بمتابعة الأخبار والرسم والتصميم. وكان نادرا مايخرج من البيت إلا في حالة التسوق من الأماكن القريبة من السكن ومشيا على الأقدام خوفا من المفخخات التي تنفجر فجأة.

كما واجه الأمريكان مقاومة عنيفة في شارع حيفا حيث كان أبو طيبة وعائلته يسكنون في احدى العمارات والتي كان يطلق عليها اسم المشربيات لأن تصميمها يشبه المشربية. استخدم الأمريكان شقة أبو طيبة لحمايتهم بعد أن كسروا قفل الباب وعاثوا بالبيت كما شاؤوا. " كل زجاج البالكونات والشبابيك محطم، معظم الأجهزة الكهربائية قد أصابها الرصاص. وكذلك أجهزة التبريد،المكتبات الخشبية التي كانت تحوي كتبه نقلت إلى واجهة البالكونات والشبابيك لإستخدامها سواتر للحماية كما يبدو، بعد أن رميت الكتب عىل الأرض بطريقة بشعة ما أدى إلى تمزق وتلف معظمها، معظم التحفيات قد سرقت..الخ (ص208).

قام مريوش أبو رمزي صديق رياض بترتيب "موعد مع أحد أعضاء الجمعية الوطنية لغرض مقابلته وشرح معاناة أصحاب المطابع وكيفية إيجاد آلية لتوزيع حصص طباعة كتب التربية بطريقة منصفة" (ص209). وبعد شرح الطرق الملتوية وتقديم الرشاوي...الخ. قال لهم: " سنحل كل هذه االمشاكل إن شاء الله، لكن أريد منكما أن تعدوا لي قائمة دقيقة بأسماء أصحاب المطابع من السنة ومايقابلهم من الشيعة، لكي نعمل عىل جعل الامور متوازنة وننصف إخواننا الشيعة بعد تعرضهم لظلم صدام، في وقت كان الطرف الثاني منتفعا منه !!. " (ص209). خرج الرجلين مندهشين من كلام هذا الرجل الطائفي حتى النخاع.

بعد خروجهم من الاجتماع وافتراقهم تعرض مريوش أبو رمزي الى عملية خطف من قبل جهة غير معروفة. وبعد تدهور الوضع الأمني في البلد بسبب الصراعات السياسية والطائفية قرر رياض وعائلته السفر الى الاردن في منتصف شهر حزيران من العام 2006.

الفصل التاسع: الغربة في زمن يقتل فيه وطن

أهم أحداث هذا الفصل (ص214-239):

- الوصول مع العائلة الى عمان عاصمة الأردن الشقيق بخير وسلام وانبهاره بتطور المدينة من النواحي العمارنية واتساعها وتنظيمها.

- كتابته المقالات الصحفية العديدة التي تعكس حالة العراق المتدهورة من جميع النواحي: السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والتي لاقت استحسانا كبيرا من قبل القراء لأنها عبرت عن الوجع العراقي وهو يعتبر ذلك واجبا وطنيا يجب أن يقوم به.

- بدأ برسم لوحات تعبر عن ألمه وحزنه اتجاه ما يجري في الوطن العراقي.

- انتقال محمد أخ رياض من سوريا الى الأردن والحصول على عقود طباعة كتب وتجهيز وزارة التربية بحاسبات الكترونية لوزارة التربية العراقية.

- انعقاد المؤتمر التأسيسي للمجلس العراقي للثقافة في عمان بالاردن في الربع الأول من العام 2007 بمبادرة ورعاية من ابراهيم الزبيدي. حضرالمؤتمر الكثيرمن الشخصيات العراقية والعربية المعروفة في الاوساط الفكرية والثقافية والأدبية وكان أبو طيبة من ضمن المدعويين.

- إجراء عملية القسطرة لشريانين في القلب مع زرع شبكة في كل شريان

- التعرف على جواد البولاني (أبو مصطفى) وزير الداخلية في مكتب عامر أبو الحكم.

- اعجاب جواد البولاني وأعضاء حزب الدستور الذي ينتمي اليه البولاني وعامر أبو الحكم بالمقالات التي يكتبها وينشرها أبو طيبة في موقع كتابات الذي أسسه ويديره اياد الزاملي.

- العمل في مقر حزب الدستور بالمنصور بصفة مستشار اعلامي وتغطية الحملة الانتخابية لجواد البولاني.

- العمل مع فيصل الياسري في قناة الديارالتي يملكها الياسري على اعداد برامج دعائية لقائمة ائتلاف وحدة العراق التي قام البولاني بتشكيلها.

- لم يتمكن البولاني من الفوز ولاحتي بعضوية مجلس النواب العراقي بسبب تصريحه بأنه سيكون رئيس وزراء العراق بعد الانتخابات.

- أمضى رياض خمس سنوات في اعداد وتقديم برنامج " صورة عن قرب " من قناة الديار حاور فيه رؤساء كتل وأحزاب وشخصيات أكادميية مستقلة. كانت أول حلقة في التاسع من شهر تموز 2012. وكذلك برنامجين: "حوار الديار" و"من قلب الحدث ".

- عمل بصفة سكرتير تحرير صحيفة " الصباح الجديد".

- في منتصف العام 2018 تعرض الأخ أبو طيبة الى أزمة قلبية حادة أدخل على أثرها الى مستشفى البيطار وتم زرع جهاز نابض لعضلة القلب. ولهذا السبب غادر رياض بصحبة زوجته وابنته ميسة بغداد الى عمان للراحة والنقاهة وحتى يكون تحت رعاية العائلة. وكان هذا في شهر كانون الأول من نفس السنة.

الفصل العاشر: بعض من كتاباتي في قضايا الوطن والأمور الحياتية

يختتم أبو طيبة كتابه في الفصل العاشر الذي يكرسه لمختارات من مقالاته القصيرة ولكنها ذو وقع كبير على القارىء حيث تعكس أهم مشاكل الشعب العراقي منذ بداية الاحتلال الأمريكي للبلاد وحكمه من قبل قوى سياسية جاءت مع المحتل لتقود البلاد نحو نفق مظلم ومصير مجهول ونظام محاصصة طائفية مقيتة. أن العراق في مهب الريح وفي أزمة اقتصادية وسياسية واجتماعية وحتى أخلاقية ولايمكن الخروج من هذا النفق إلا بزوال هذه الفئات التي تسلطت على رقاب الشعب العراقي وهي فئات البروليتاريا الرثة.

الخاتمة

عجبتني الجمل التالية من الخاتمة وهي تعكس ملخص وعصارة تجربة الانسان وكفاحه في الحياة حيث يقول العزيز رياض:

" أدركت أن رحلة العمر الطويلة قد انتهت، ولم يبق أمامي إلا رحلة قصيرة لا أعراف كم ستطول، فقد مضى زمن لم يكن للندم فيه وجود، وزمن قادم، أأمل أن يكون للعمر فيه وجود، لقد احتواني خريف العمر، لكنني مازلت أعيش ربيع الأماني، وما تبقى، أتمنى أن يكون عمرا مضافا لسعادة زمن مضى ".

أطال الله في عمرك صديقي العزيزأبو طيبة.

بعض الملاحظات البسيطة التي لا تقلل من قيمة الكتاب:

بعض الملاحظات البسيطة التي لا تقلل من قيمة الكتاب:

- شيوع خطأ نحوي، مثلا في عام 1980. من الأفضل أن تكون في العام 1980 (مضاف ومضاف اليه). وهذا الخطأ النحوي متكرر في عدة صفحات.

- فجأة في عام 1917 غاب الحافظ عن العراق دون علمي. (ص236). الصحيح هو فجأة في العام 2017.....الخ

- جملة في صفحة 283: التي تعلمتها في وهي في (ص283.). الصحيح: التي تعلمتها وهي في..الخ

- سنوات التحدي والإصرار

- رياض عبد الكريم

- عدد الصفحات: 306،

- سنة النشر 2020،

- طباعة ونشر شركة الأديب عمان – الأردن.

- توزيع مكتبة النهضة العربية بغداد

***

د. سناء عبد القادر مصطفى

في المثقف اليوم