دراسات وبحوث

انحراف عقيدة الامامة والاجتهاد عند الاسلاميين الشيعة

مهدي الصافيان الفكر الحديث المتطور هو الذي يقدم الافكار والاراء والاطروحات المختلفة بطريقة علمية مختصرة تماشيا مع روح العصر الالكتروني، لهذا نحن لسنا معنيين بتقديم شرح مطول عن اسس وبدايات نشوء عقيدة الامامة او الاجتهاد، انما بما تمخض عن نتائج مانطلق عليه انحراف العقائد عند الحركات الاسلامية والطقوسيين الشيعة (وكذلك السنة والجماعة) .

بادئ الامر لابد ان نشرح لماذا اعتبرنا ان الاجتهاد عقيدة، او بالاحرى هي اخطر العقائد في الاسلام بعد وفاة الرسول محمد ص، اذ تحول رجل الدين الفقيه او المرجع او الدجال احيانا الى وكيل مطلق لله عزوجل على جماعته او اتباعه او طائفته، او عموم عباد الله المسلمين، يحلل ويحرم ويفتي وفقا لرؤيته وقناعاته الشخصية التي يربطها بما يسمى الاحكام المستنبطة، هذا الامر لايقتصرعلى المذاهب والفرق الشيعية، انما على جميع المذاهب الاسلامية (التي تنكر باب الاجتهاد او المؤيدة له)، فهي تعمل بالاجتهاد ضمنا، وان انكرت ذلك (حيث تعد اخطر تلك المذاهب على الاطلاق هي الحركات الارهابية السلفية من الوهابية، والدواعش، وجماعة اخوان المسلمين، فهي نتاج ظاهرة الخوارج والاجتهاد في الاسلام)،

فالاجتهاد يعد بمثابة العقيدة الرئيسية المتناقضة احيانا، اي يمكن ان تجد فيها فيها الاراء الباطنية الشخصية، وكذلك الرؤية والمعتقدات والاسس الظاهرة للمجتمع، مع انها مشتقة او نابعة من بقية العقائد، وهنا تكمن اغلب ان لم تكن جميع مشاكل المسلمين، وهي عقيدة الاجتهاد الفردي الشخصي ( اي خارج اطار العمل المؤسساتي او الاستشاري العلمي، او حتى التفسبر القراني العقلي والمنطقي) .

مرة اخرى نؤكد ان الغاية والهدف من هذا الرأي لايتعلق ولايستهدف اثبات او نفي او نقد تلك العقائد، انما هي فقط عبارة عن تحليل علمي منطقي كما نعتقد لتوضيح اسباب توارث ظاهرة الانحراف العقائدي الكبير عند الاسلاميين، وبعض رجال الدين (او عند الفرق المغالية)، وشرح اسباب تراجع اهم المذاهب الاسلامية عقلانية واعتدالا، والذي كان يقارن بأراء المعتزلة وفلاسفة العقيدة والمنطق،

ولماذا تعرضت تلك العقائد المهمة عند الشيعة للتحريف المتزايد، المتجهة او المنحدرة بقوة نحو التقديس المفرط لكل الروايات المنقولة عن ال البيت ع، وجعلها بموازاة القران الكريم او السنة النبوية كما فعل السلفيين السنة، على يد مجموعة من المجتهدين او المدارس الطقوسية العبثية، فالاولى هي مدرسة القبول والتشجيع والاستحسان والتشريع لممارسة الشعائر والطقوس الدخيلة على الاسلام والمذهب (التي لاترد الاحاديث الخرافية والاساطير الطقوسية)، والثانية مدرسة الفكر الاسلامي السياسي الحركي الحاكم،

استغلت هاتين المدرستين الكم الهائل من الروايات والاجتهادات القديمة الغير موثقة، اوالتي لم تنال نصيبا جيدا من البحث والتدقيق والتحقيق التاريخي العلمي، حيث جاءت كنتيجة طبيعية لحالة الاضطهاد الذي تعرض له التشيع العلوي، فقد كان ممنوعا وملاحقا ومحاربا من قبل السلطات العباسية، ولم يسمح العمل به اوالافصاح عنه رسميا، لهذا انعدمت شروط واسباب التوثيق التاريخي المطلوبة لتصحيح هذا العدد الكبيرمن الروايات القابلة للزيادة دوما، بقيت مسالة تصديق او رد تلك الاحاديث المروية عن ال البيت ع راجعة الى عقلية المرجع او رجل الدين او المسلم الشيعي عموما، تماما كما حصل مع السنة النبوية، التي هي ايضا تعرضت للتحريف الكبير في عهد مايسمى الخلفاء الراشدين، وعلى طول تاريخ الدولتين الاموية والعباسية، ومن ثم تصاعدت وتيرة الاجتهادات الشخصية او المؤسساتية التقليدية المنبثقة منها او تلك التي جاءت بعدهم، (الحركات الصوفية، ورسائل اخوان الصفا، وعلماء الفقه والفلسفة والفلك، وبقية الاراء والفرق الاسلامية المتعددة)، حيث أدخل عليها مايطلق عليه بالاسرائيليات، وسنة السلف الصالح من الصحابة، مما سمح للنفوس الضعيفة من اتخاذها كوسيلة مريحة لفتح بيوتات او جماعات دينية تتوارث تلك البضاعة او التجارة المربحة (والفاسدة اخلاقيا وشرعيا)، وبالتالي انعكست سلبا على الاجيال المتعاقبة، حتى وصلت الامة الى طريق مسدود لامنفذ فيه، ولامنه الا بصعود ركب الحضارة الانسانية العالمية، او البقاء في نقطة اللاعودة حتى الانهيار والتحلل والاندثار،

ولكن نعتقد ان ارادة الله عزوجل اقوى من هؤلاء الفاسدين، بان يجعل في هذه الامة عقولا مستنيرة تنهض دائما بها عبرالفكر والعلم والاطروحات العقلانية السليمة...

عقيدة الامامة عقيدة طارئة على الاسلام، حصل الاجتهاد فيها بعد وفاة الامام الحسين ع او بطرح المدرسة الفقهية الجعفرية (الامام جعفر الصادق ع)، مع ان الالتباس حول احقية وضرورة خلافة ال البيت ع للرسول محمد ص، من انها تشريع الهي ملزم وفقا للاية الكريمة قال تعالى في سورة المائدة

(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)

وكذلك ماورد في الحديث الصحيح عن اعلان الولاية للامام علي ع في غدير خم، او رواية الخلافة في قريش (الخ.)، هذه القضايا الخلافية تحولت بمرور الزمن الى عقائد متجذرة ومتصلبة، فالمذاهب السنية التي ترفض عقيدة الامامة، هي ذاتها مذاهب امامية متزمتة، تابعة لمؤسسي المذاهب، ولجميع الصحابة والخلفاء الراشدين، فقد اصبح ابو حنيفة، واحمد بن حنبل، والمالكية والشافعية ائمة في عرف اهل السنة، بل ذهبت الوهابية والحركات الاصولية السلفية الرافضة لفكرة الامامة عند الشيعة الى اعتبار كل ماورد عن الصحابة سنة، بمافيهم الطالح او الظالم والمنحرف من الخلفاء الامويين والعباسيين (وكذلك شارب الخمر، والدموي او السفاح) واعتبرت افعالهم وجرائم قطع رقاب المؤمنين والمعارضين والمخالفين والرافضين لظلمهم وانحرافاتهم سنة مارسها الدواعش وغيرهم من الحركات الارهابية الدموية المتوحشة، وهي حالة متطرفة واكثر تقديسا مما يعتقده الشيعة في ائمة ال البيت ع، الذين اتفق واجمع على تقواهم وورعهم وايمانهم وزهدهم المسلمين جميعا، لكننا نركز على حالة شاذة متوارثة في المذاهب الاسلامية، وصلت الى ذروة الانحراف عندما نجحت الثورة الاسلامية الايرانية في اسقاط نظام الشاه، واقامة ثالث اقوى نظام شيعي في التاريخ بعد الدولة البويهية والصفوية، ومن ثم تصاعدت حدة الخلاف بين المراجع الشيعة انفسهم، حول مفهوم وقواعد واسس اقامة النظام الاسلامي (في غياب الامام المعصوم، اي وفقا لعقيدة الغيبة للامام المهدي ع) الشيعي، وكذلك الاجتهاد الخاص بعقيدة ولاية الفقيه، وقد واجه قائد الثورة الايرانية السيد الخميني رحمه الله العديد من الخلافات بقوة مع بقية المراجع الايرانيين وغيرهم (ابرزها خلافات المرجع الشريعتمداري، والشيخ المنتظري، والسيد الخوئي، الخ.)،

الا ان سقوط نظام البعث في بغداد بعد٢٠٠٣، واستلام الحكم من قبل الحركات الاسلامية الشيعية والسنية، ودخول تلك الحركات والاحزاب الى معترك المحاصصة والتوافق والفساد السياسي مع بقية المكونات الاجتماعية، من الطوائف والاعراق الاثنيات الاخرى، واستلام حركة اخوان المسلمين الحكم في مصر بعد ثورات الربيع العربي، وبروز ظاهرة التجارة الدينية عبر الاستيلاء على الحكم بأستغلال العواطف والفطرة الشعبية السليمة، المندفعة والراغبة بالعيش في الدولة الاسلامية العادلة (وليست المتوحشة على شاكلة داعش او الفاسدة على غرارنموذج العراق)، وتصاعدة حدة الصراع الطائفي في سوريا، اتضح من خلال كل تلك الممارسات السلبية المفرطة والموغلة في الانحراف والفساد، ان الامرليس له علاقة باخلاق وتدين الافراد او رجال الدين، انما بالمنظومة الاخلاقية الاسلامية العامة، وبعقيدة الامامة او الاجتهاد،

ولعل الحالة اوالصورة الضبابية السابقة عن روابط علاقة التقوى والورع والتدين الظاهري مع افعال رجال الدين اثناء الاختبارات الحقيقية، اصبحت اكثر وضوحا بعد استلام السلطة، وزوال اغلب الاقنعة السوداء عن تلك الوجوه الشيطانية، ليرى الناس كم هي رخيصة حياتهم في عيون هؤلاء المنافقين، وكم هي عميقة الهوة بين الايمان الحقيقي وبين المنافع المادية لهذه الطبقة المتعالية او المتصنعة البعيدة عن قضايا وحاجات المجتمع الاساسية، كونهم جزء من القيادة الروحية المطلوب حظورها دائما في الشارع، لانقاذهم من اية حالات خارجة عن الاسلام كالظلم الحكومي اوالاجتماعي، ومن هنا يمكن فهم لماذا على سبيل المثال لاالحصرالغى حزب الدعوة الاسلامية فكرة او عقيدة فقيه الدعوة، فقد اعتبر مايسمى بقيادات الدعوة انهم ليس بحاجة لهذا الفقيه المجتهد المتسلط، بل هم على دراية ومعرفة كافية بالفقه والتشربع، اي لم تعد الدعوة بحاجة الى فقيه يحلل ويحرم او يجيز العمل او يرفضه،

نعتقد ان الامر ليس بهذه البساطة، انما هي احدى صور او حالات التمرد والفوضى الداخلية للحزب الاسلامي، وكذلك عدم قناعتهم بمفهوم او عقيدة الامامة والاجتهاد، المبنية كما قلنا على روايات غير محققة بشكل علمي رصين، مما ادى الى بروز ظاهرة الاجتهاد الشخصي للقيادات الاسلامية الحركية، والتي تؤكدها الافعال والتصرفات العملية لهذه الشرائح المنحرفة، فهي لم تتمرد لانها استخدمت الحجج والادلة العقلية والنقلية والعلمية لنقض فكرة او عقيدة او مفهوم

الامامة والاجتهاد، بل تمردت من اجل المنافع والمصالح المادية والطبقية (فرجل الدين يعد اكثر الناس وقارا واحتراما في العالم) الشخصية او العائلية والفئوية،

اذن مالعلاقة بين انحراف الحركات الاسلامية الشيعية، وعقيدة الامامة والاجتهاد، سنحاول بأختصار شديد توضيح انشقاقات المفاهيم والمعتقدات المتذبذبة،

فقد كانت على سبيل المثال لا الحصر اراء السيد محمد حسين فضل الله (فقيه الدعوة الروحي، الذي يقول انا بالطبع اكثر وعيا من شيوخ الطائفة بحكم المرحلة العصرية المتطورة حاليا) في مايخص عصمة الائمة مختلفة وخارجة عن التقليد السائد لدى مراجع او المدرسة الحوزوية الشيعية، ولكنه بقي الى حد ما داخل دائرة الحذر الشديد في الافصاح عن رأيه بهذا الموضوع المعقد والشائك، وكأنها عبارة عن تلميحات وتسريبات فقهية خفيفة، يراد منها فتح بصيص ضوء خافت في هذا النفق المظلم الذي دخلته الامة منذ قرون، وهكذا استمرت حالة الانعتاق التاريخي من الروابط او القيود المذهبية المتوارثة عند جميع المذاهب الاسلامية، ظهرت مدرسة اخرى اكثر جراة في التنظيراو التحديث الاسلامي الفقهي، كانت ولاتزال اكثر وضوحا وتنظيما وتحليلا وعقلانية من كل ماطرح سابقا، بفكر وابحاث السيد كمال الحيدري، الذي تعرض جراء اراءه وافكاره وتفاسيره المنطقية الى نفس الهجمة المتخلفة الشرسة التي واجهها ولايزال وهو في قبره السيد فضل الله،

هذه المنافذ والفضاءات او الفسحات المحدودة التي يراد لها ان تفتح طريقا للتنوير من بين هذا الكم الهائل المتراكم من التعمية المذهبية المتعمدة، الموجهة بقوة مفرطة من قبل تجار الدين ضد كل من يحاول ان يرجع الامور والقضايا والاجتهادات والتأويلات الدينية او المذهبية الى لغة العقل والمنطق السليم، مع ان الاصوات المتحررة من تلك القيود بدأت بالتزايد والتفاعل مع لغة العلم والمعرفة والحداثة الكونية...

وبالتالي يمكننا القول ان هذه العقائد المتأرجحة تسمح وفي جميع الاديان والطوائف بمرونة كبيرة لرجال التحريف والتزييف والتدليس من استغلالها لتمرير اجنداتهم الخاصة، وعادة ماتكون مصالح شخصية واجتماعية وعائلية، ولهذا توارثت بعض البيوتات الدينية تلك المهنة المربحة، فدليل عدم ايمان الاسلاميين بتلك العقائد هو الفساد واعتماد الرأي الشخصي كأحد وسائل الافتاء والتشريع، كظاهرة الحيل الشرعية، او قاعدة الضرورات تبيح المحظورات، فالاجتهاد بحد ذاته يعد احد اهم الوسائل الثقافية الاسلامية المتغيرة، وبالتالي ادى بالتدريج ومع التطور العلمي والتكنولوجي الى فتح افاق التفكير الاسلامي العام، حتى بات بأمكان كل شخص ان يدعي الاجتهاد، وتقديم نفسه على انه عالم او مفكر او باحث او مرجع اومفتي (الخ.)، يمكن بسهولة ان يعرض نفسه على من يشتري تلك البضاعة، ليكون له موقع في القنوات الفضائية او الجامعات والمراكز والمؤسسات التكفيرية او الطائفية،

اي ان الامر ليس له علاقة بعقيدة راسخة لها مبادئها وشروطها واخلاقياتها وحججها وادلتها الشرعية، انما عقيدة مركبة ومتناقضة تسمح لهم بالتوسع طولا وعرضا فيها، وقد احرجهم كثيرا راي الدكتور الشحرور الذي يقول لايحق لاحد ان يحرم او يحلل، فالحرام لايأتي الا من عند الله وحده سبحانه وتعالى، بينما نحن نجد ان الحرام اصبح كالسلسلة المترابطة، او كالغزل الكثيف الذي صنع سجادة التحريم الارضي، فقد الحقت المذاهب الاسلامية العديد من المحرمات، وفقا لعقيدة الاجتهاد بالحرام االمذكور في القران (وكذلك عبر الاستنتاج من القصص والاحداث القرانية)، فصار الاجتهاد اشبه بالسيف المسلط على رقاب المسلمين (ذاك يكفر، وهذا يقول بموت المسلم ميتة جاهلية)، ان هذه العقائد الغير مثبتة قرأنيا بشكل واضح وصريح، تعطي اثارا عكسية لمن يتمسك بها ظاهريا،

وقد اثبت التاريخ ان اغلب الانحرافات والتجاوزات مصدرها رجال الدين والطوائف والحركات السياسية الاسلامية،

حيث يمكن ان تتغير القناعة والفتاوى تبعا للهوى الشخصي او نسبة للاوضاع السياسية والاجتماعية والمادية (الامثلة كثيرة اخرها الاصطفاف الارهابي السني التكفيري ضد الشيعة بعد٢٠٠٣)، وذلك هو اطار الانحراف المقدس (كما حصل عبر التاريخ في الاديان السماوية الاخرى اليهودية والمسيحية)، اي يصبح الانحراف بمرور الزمن جزء من العقيدة المقدسة...

التحليل العلمي لتلك الظاهرة يثبت ان الانسان بطبيعته يعمل على ايجاد المخارج وكسر القيود من اجل التحرر او الانعتاق من العبودية او لمنفعته ومصالحه الذاتية او حتى العامة، فعندما يجد ان الامامة والاجتهاد (عند الشيعة وكذلك بعض الفرق السنية المتطرفة) عقائد قابلة للزيادة والنقصان، سلبا وايجابا، كفتوى استغلال (سرقة) المال العام على انه مجهول المالك، وفق مبدأ ايجاد المخرج الشرعي، اي الحجة والدليل الشرعي المبررة لتلك الافعال المنحرفة عن جادة الحق والصواب او عن اصول الدين وعدالة الخالق عزوجل، قسم كبير من الاسلاميين الذين حكموا العراق بعد٢٠٠٣لم يكتفوا بالفساد المذهبي او العقائدي الشخصي، انما عمدوا الى تشجيع المكونات والكتل والطوائف الاخرى على المشاركة في عملية نهب الثروات وتدمير دواىر القضاء والرقابة والنزاهة والمتابعة والتدقيق، والى زعزعة عقائد المجتمع الدينية، الذين لاينتهون ولايغفلون ان يضعوا دائما فيما بينهم عمامة (غالبا سوداء) رجل الدين كدليل ظاهري يساق للعامة وللمراجع الكبار في الطائفة على ان بينهم فقيه ولايعملون بالاجتهاد الشخصي، فصار هؤلاء هم بمثابة الائمة والمجتهدين الذين يحق لهم الاجتهاد والافتاء بأمور ومصالح المسلمين، لا لشيء الا لترسيخ الحكم العائلي او الاسري، واستغلال الفرصة القارونية التاريخية، التي يعتقدون جازمين انها لن تتكرر ابدا، بغية كسب الاموال وتكديس الثروات الطائلة على حساب الدين والعقائد والمجتمع، فهم يعتبرون في الاصل ان الحقوق الشرعية القادمة من الخمس تذهب بعد وفاة المرجع لاولاده واصهاره احيانا، وهي بحاجة الى ثورة كما كانوا يقولون ذلك من على منابرهم الحزبية في دول المنفى قبل العودة للعراق، وهي دليل على عدم وجوظ قناعة راسخة بعقيدة الامامة او الاجتهاد..

عقيدة الخلافة عند اهل السنة، والامامة عند الفرق والمذاهب الشيعية، جعلت النظر والافتاء والتشريع عبر تلك العقائد من الامور التقليدية اليسيرة، اي ان ظهور او وجود تلك المذاهب تعد بحد ذاتها دليل على وجود انبثاق عقيدة متوارثة هي الاجتهاد، حيث ساق اهل السنة حسنات متفاوتة للمفتي في جميع الاحوال، سواء كانت فتواه صحيحة او خاطئة، وهكذا فعل الطقوسيين والمتطرفين الشيعة مع من لايؤمن اولايقلد مرجعا معينا، او يعترض على عقيدة الامامة التي تجدها عند بعض الفرق الشيعية مجرد قشرة مذهبية سميكة ليس لها علاقة بافعالهم وطقوسهم وتأويلاتهم، فهؤلاء ياخذون الروايات ثم يعاملونها على انها اية قرانية مقدسة، تبدأ

عقولهم المريضة بتفسير وتأويل وتوسيع دائرة الحديث ليصبح كأنه اية من كالكتاب الاسلامي المقدس، تحت قاعدة السنة النبوية الشريفة وسنة ال البيت ع المعصومين، او اراء الصحابة ااي السلف الصالح لواجبة الاتباع، مما ادى الى مايطلق عليه في عرف الحوزات الدينية بتزاحم المراجع فيما بينهم، واسموه بتحاسد العلماء، وهو ايضا دليل اخر على انهم لايتمسكون بعقيدة الامامة انما بالاجتهاد، ومن ثم ظهرت مرحلة اخرى من الاجتهادات والالقاب كلقب شيخ الطائفة او المرجع الاعلى او اية الله او روح الله ) الخ.)، هذه المؤسسات العريقة الممولة ذاتيا بشكل جيد واحيانا خاريجا، فالحقوق الشرعية، واموال الخمس ليست اموالا عادية، بل وصلت في عهد المرجع الخوئي رحمه الله الى ملايين الدولارات مع عدة مشاريع وابنية واستثمارات، حتى قيل ان له اموال لايعلمها في بعض دول الخليج (وقد تم مصادرة البعض منها لعدم وجود متولي شرعي او وكيل قانوني عنها)،

هذه الاموال تجمع مايسمى بحاشية ووكلاء المراجع، وهذه الفئة تعد من اخطر الفئات في تاريخ الاسلام والمجتمعات الانسانية،، اي فئة حاشية الخليفة او الملك او رئيس الجمهورية او المسؤول الحكومي او رجل الدين، وقد استولت على الحكم في اكثر من مرة في تاريخ الدولة العباسية (كما في عهد السلاجقة والمماليك، الخ.)، المغالطات الفقهية كثيرة ومتشعبة، ولكنها وصلت الى مرحلة لايمكن السكوت عنها، اذ بات تمويل الحزب او الحركة الاسلامية من اللجان الاقتصادية (مافيات الفساد وعصابات سرقة المال العام)، فلا يشترط رجل الدين الفاسد ان يعرف مصدر الحقوق الشرعية والتبرعات والهدايا، معتبرا وفقا لقناعاته الفقهية ان تلك اموال ستصرف في سبيل الله، بعد ان تمر بمراحل متعددة من الاستقطاعات والتقسيمات الشخصية والاسرية (تحت قواعد فقهية متعددة، سهم الامام، والعاملون عليها، والاقربون اولى بالمعروف)، عمليات تلاعب وخداع وكذب على النفس وعلى الاخرين، تصل تصرفات وافعال وحالات البعض منهم حد الانحراف عن الاسلام تماما...

الخلاصة ان عقيدة الخلافة او الامامة عند السنة والشيعية ادت الى اشاعة ظاهرة الاجتهاد حتى في مقابل القران والسنة النبوية (هناك الكثير من الحدود المبتدعة كقتل شارب الخمر او الملحد والمرتد او المراة الغير محجبة او المتبرجة او الرجم عند الحركات الاسلامية المتطرفة السنية والشيعية غير موجودة في القران الكريم ولم تمارس في عهد الرسول محمد ص)، وصل الحال ان يمارس العديد من المفكرين والمثقفين الاسلاميين دور الفقيه والمفتي او المجتهد، ولا نسجل اعتراضنا على تلك الحالة اذ لايشترط وكما نعتقد بمن يستطيع ان يفهم اسس التفسير والتأويل القراني ان يجتهد في بعض المساءل الدينية الغير معقدة، ليس من اجل ممارسة دور الفقيه في المجتمع، انما في سبيل فهم الدين وقواعد واصول الاسلام الصحيح، والتمييز بين الفكر الاسلامي الصالح وبين الارهابي الفكري المتطرف او الاستبداد الديني، وهي حالة طبيعية كونية لما وصلت اليه الحضارة الانسانية الالكترونية، من مستوى عال من التقدم العلمي والمعرفي، فأصبح فهم الانسان لاموره الدينية اكثر نضوجا من العقود او القرون السابقة، وبات التوثيق الالكتروني واسلوب التحليل الرياضي العلمي لحركة الارض والنجوم والكواكب والبحار والمحيطات والرصد المناخي والبيئي الخ.، متاحا للجميع، ومن خلال عالم الالكترون يمكنك تجميع الاحداث والوقائع والقصص والروايات والعهود والازمنة والعصور لمعرفة صحة هذا الراي او ذلك الحديث، مع ان العقل صار احد اهم معايير التصديق والتصحيح والتوثيق الديني العلمي للسنة النبوية، او الاحاديث المروية عن الصحابة او ال البيت ع، فوصية الرسول محمد ص بعرض احاديثه على القران للتأكد من صحتها من عدمه هو تصريح ضمني بأن السنة النبوية هي القران الكريم وليس كما يفعل الدواعش او الطقوسيين المغالين في عصمة وقدسية روايات ال البيت ع، اي بمعنى لاتوجد سنة للنبي الاكرم غير القران الكريم والفرائض التي وضحها في عهده (الصلاة والصوم والحج والزكاة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والاعنال الانسانية الصالحة)، اما ان يجد المجتمع الاسلامي نفسه غارقا في الفتن الطائفية، والاجتهادات الشخصية، التي ادت به الى ان يبقى في اطراف الكرة الارضية ثقافيا وعلميا وحضاريا، او ينهض بكل قوة لبناء دول متقدمة في جميع المجالات تفصل الدين عن القرار والادارة والتنمية والثقافة والابداع وحرية الانسان وخصوصا المراة عن البرنامج الحكومي او السياسي العام للبلد...

لقد طحنت فتوى الجهاد الكفائي ابناء الطبقات المحرومة من مجتمع العشوائيات، والطبقات الملتزمة بعقيدة الامامة او الاجتهاد، بينما تلاعب ومارس النفاق والخداع والانحراف عنها السياسيين الاسلاميين وبعض رجال الدين، تحت باب انهم لايقلدون او لايتبعون لهذا المرجع او ذاك، بقي اغلب هؤلاء المرائين المتلونين هم واولادهم ينهبون ثروات الشعب دون رادع قانوني او وازع اخلاقي او ديني، يستمدون شرعية افعالهم من فساد عقيدة الامامة والاجتهاد عندهم، فهم يعتقدون انفسهم بمثابة ائمة او مجتهدين قادرين على استنباط الحيل الشرعية، ليس بحاجة الى اراء او فتاوى او اوامر مراجع الدين، مع انهم يتعمدون ان يظهروا امام المجتمع بجلباب التقوى والتعظيم لرجال الدين او المراجع، ولسانهم لايتوقف عن ذكر الروايات والاحاديث الواردة عن ال البيت ع، بينما افعالهم وتصرفاتهم وسرقاتهم التي اوصلت الناس الى حالة اليأس، مرددة عبارات او هتاف بأسم الدين سرقونا الحرامية، وهذا اكبر دليل على انتشار قصص فسادهم بين المجتمع..بل حتى في اعتراض ونقد بعض رجال الدين الشرفاء على تصرفات هؤلاء المنحرفين، تجد انهم يذكرون دائما ان هذه الزمرة منحرفة عن طريق ال البيت ع، اي معنى انها لاتؤمن بتلك العقيدة

..هذه العقائد بحاجة الى اعادة فهم وبحث وتحليل قرأني، كي تصبح ملزمة شرعا للجميع دون استثناء بما فيهم مراجع الافتاء، او ان تتغير عقائدهم بالعتماد على القران الكريم والعقل والعلم لاستنباط الاحكام والاخلاقيات الانسانية العصرية..

 

مهدي الصافي

 

في المثقف اليوم