أقلام ثقافية

صناعة الثقافة...

دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع في البصرة

مدينتي نفسها. تقولون أن الحروب قد أهلكتها، نعم هي كذلك. تقولون أن صناعة الخراب قد سادت فيها، نعم هي كذلك –مثلها مثل المدن العراقية الأخرى-، لكن هناك صناعة أخرى، إنها صناعة الكتاب، التي تلتقط صورة للواقع، يبثها صُناع جمالها وثقافتها، ذلك أن الثقافة هي من تشكل هوّية المجتمع، بل وتحدد نجاحه وليست السياسة، إلا أن ذلك لا يعني أن الثقافة ليست بحاجة إلى سياسة، فصناعة الثقافة تعني صناعة أمة، وللمثقف مسؤولية كبيرة في تشكيل هوّية المدينة، وهو ما تحتاجه البصرة اليوم، إنها مدينة فقدت هوّيتها، وأصبحت أشبه بالمدن المخفية، التي تحدث عنها كالفينو .

في خطوة موفقة من الصديق محمد هادي مدير دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع، تم افتتاح فرع جديد للدار في البصرة، وهي خطوة جريئة، لأنها تأتي في عالم تزداد فيه المعلومة ويسوده نقصان المعنى، فضلاً عن أن كل ما يحيط بنا من ظروف مجتمعة سواء كانت صحية، اقتصادية أم سياسية، تدعو للسكون، إلا أن محمد هادي ارتكز إلى الحركة، التي تساهم بصناعة تضفي بُعداً ثقافياً تنعكس آثاره القيمية على الهوية البصرية .

في مقال سابق عن صناعة الكتاب وتسويقه في العراق، طرحتُ مجموعة من الأسئلة: هل يمكن القول إن الكتاب سلعة اقتصادية تتضمن عمليات الانتاج والتوزيع والاستهلاك، وهل يمكن التعامل مع الكتاب بوصفه ظاهرة من ظواهر السوق؟ على نحو يغدو فيه كل عمل ثقافي نتاجاً استهلاكياً، والسؤال الأهم هل يمكن أن تكون صناعة الكتاب من المشاريع الاستثمارية؟

نعم، يمكن أن يكون كذلك، فصناعة الكتاب تعد ركناً اساسياً من أركان صناعة الثقافة، التي تحتاج إلى الاستثمار مثلها مثل أي مشروع آخر. وفي البصرة، توجد مجموعة من المكتبات ودور النشر، التي اثبتت حضورها بدءاً من المكتبة الأهلية والمكتبة العلمية، ودار ومكتبة شهريار التي أقامت فعاليات ثقافية متميزة، فضلاً عن اصداراتها، مروراً بمكتبات: دار الفكر، والمعقدين، والهجان، والصحراء، ولا ينكر الحضور الفاعل لشارع الفراهيدي والمكتبات الأخرى، إلا أن لحضور دار الرافدين في البصرة أهمية، لما يعوّل عليها من مساهمة في تنويع الحراك الثقافي البصري، عبر فعاليات ثقافية جديدة تستقطب جمهوراً أوسع من المتلقين- ليس في صناعة الكتاب فحسب-، تسعى من خلالها إلى بناء قيم تنطوي على مُثل ترتبط بكل ما هو بنّاء للانسان .

 

د. قيس ناصر راهي

في المثقف اليوم