أقلام حرة

علي علي: الموازنة للخلف در

"اكذب اكذب حتى يصدقك الآخرون ثم اكذب أكثر حتى تصدق نفسك".. جوزيف غوبلز وزير الدعاية الألمانية إبان حكم هتلر.

(الأمثال تضرب ولاتقاس) مثل يمر دوما على مسامعنا في محافل عدة، ونردده بدورنا ونستشهد به في محافل عدة أيضا، غير أنني لا أظنه يصح في كل الأحوال، ولا ينطبق على كل المواقف، فكما أن هناك أمثالا تضرب وتقاس، وأخرى تضرب ولاتقاس، هناك ثالثة لاتضرب ولاتقاس البتة. ومن الصنف الأخير الأمر الذي ينطبق على الألعوبة أو الأضحوكة التي مافتئت رئاستا المجلسين التشريعي والتنفيذي، تمارسانها كل عام على العراقيين الطيبين حد السذاجة، تلك هي ألعوبة الموازنة العامة، فجسدت مثلنا القائل: (يومية هزي رطب يانخلة).

فقد ذهبت موازنات أعوام ماضية هباءً منثورا، ولم تثمر كل الصيحات والمطالبات والتظاهرات التي نادت من خلالها شرائح الشعب كافة، بسرعة قراءتها وإقرارها لينعم بها المواطن، وقد تداعت بسبب تأخير إقرارها كثير من مصالح الناس، وها نحن على مشارف منتصف السنة، ومازالت الموازنة في مخاض عسير، لاتلوح أية بارقة أمل بقرب موعد ولادتها.

فإن صح التعبير، فإن الـ (طبخة) ترسل من قبل المجلس التشريعي إلى لدن مجلس النواب، لتمر بطور القراءة -وما أطوله من طور- وقطعا ستكون قراءة تفصيلية وتمحيصية وتحليلية وتصحيحية، وهنا يصح ويقاس ويضرب المثل القائل: (لگمة الشبعان على الجوعان بطيّة)، إذ ستأخذ القراءة الأولى ردحا من الزمن، يدفع ثمن التأخير والمماطلة فيها المواطن وحده، وإذا كُتب لها -الموازنة- الوصول الى دفة القراءة الثانية، فهذا يعني (جيب ليل واخذ عتابه)، وبالتالي يدفع المواطن نفسه ثمن العتابة، وكذلك يتأمل آناء الليل وأطراف النهار إقرارها، والحديث يطول إذا كانت هناك قراءة ثالثة ورابعة وعاشرة.

وهذا يذكرنا بالماضي القريب، إذ بنظرة سريعة على اجتماعات مجلس النواب في "صولاته" السابقة، نرى ان إرجاء المناقشات وتأجيل القراءات هو "سُنة" متبعة لدى رئيس المجلس وأعضائه، وأهم ما يسوفون بمواعيد قراءته ويماطلون بإقراره هو قانون الموازنة، غير آبهين بالمطالبات والتظاهرات الشعبية الواسعة التي تخرج بين الحين والآخر، من اجل الضغط على البرلمان والكتل السياسية لإقرار الموازنة. كما يذكر المواطن جيدا كيف أهملت حملات جمع التواقيع أكثر من مرة، من اجل حث الكتل المتنافرة والمتناحرة، على إدراج الموازنة في جدول أعمال جلسات مجلس النواب ولكن، كان كل هذا نفخا في رماد. والأدهى من هذا تنحى بعض الكتل إلى الابتعاد عن كل ما من شأنه الإسراع بقراءة الموازنة، كمقاطعة جلسات البرلمان، أو المطالب التعجيزية بغية تأخير إقرارها، ولم تنفع فقرات النظام الداخلي لمجلس النواب، والتي تنص على محاسبة المتخلفين عن حضور الجلسات بعقوبات شتى، وكالمعتاد.. كان النفخ في رماد أيضا، ورحم الله الشاعر عمرو بن معد يكرب حين أنشد:

ولو نارا نفخت بها أضاءت

ولكن أنت تنفخ في رماد

الصورة اليوم في رئاسة مجلس النواب الحالي -علاوة على رئاسة مجلس الوزراء- هي الصورة ذاتها، والرماد هو الرماد ذاته، ولن ينفع النفخ فيه، مادام النصاب لايكمله إلا الأشخاص الذين كانوا سببا في عدم إكتماله بالأمس، ومادام المال العام والثروات التي تدعم الموازنة، نزلت في جيوب الفاسدين من المسؤولين عن إكمالها وإخراجها للتطبيق، ومادامت الأعذار والتبريرات جاهزة تسوغ التلكؤ فيها، كتدني سعر الدينار العراقي، وتذبذب سعر النفط وغير هذا وذاك كثير، تكون الموازنة وفق المعطيات هذه، أشبه بحليب العصفور، لانراه حتى في الأحلام.

***

علي علي

في المثقف اليوم