أقلام حرة

أقلام حرة

أصعب ما يحدث لكاتب العمود اليومي، أن يتحدث في موضوع يتعلق بأرزاق الناس وطموحاتهم وأحلامهم ومستقبلهم، والأسوأ أن يحاول ملء هذه الزاوية المتواضعة بأخبار نواب الصفقات ومنظري الفشل والخراب، والأكثر إيلاما أن لا يجد المواطن ما يطمئنه على أن البلاد تسير في طريق التنمية والعمران والمشاريع الاقتصادية، وأن تحاصره أخبار الدولار صباح كل يوم .

ماذا يفعل ياسادة كاتب مثل جنابي لا حول له ولا قوة عندما يجد الخراب يحاصرنا من كل الزوايا؟ وعندما يصر نائب وبالبث المباشر على إيهامنا بأن ما تحقق في العراق خلال السنوات الماضية يفوق ما أنجزته دول كبرى؟ .

هل قرأتم مثلي الخبر الصادر عن جهاز مكافحة الإرهاب والذي يخبرنا فيه أن عدد المتقدمين إلى الجهاز بلغ ثمانية ملايين؟.. قد يقول البعض يارجل لا تبالغ، لكن هذا ما حصل والخبر منشور في جميع مواقع التواصل الاجتماعي . ولهذا اسمحوا لي أن أسأل لماذا يلجأ الشباب الى البحث عن وظائف في الاجهزة الامنية والعسكرية ؟ والجواب معروف عند جميع العراقيين، فنحن البلد الوحيد الذي يصر على مكافحة الصناعة والزراعة وطرد الشركات ومحاصرتها .

الناس تعرف جيداً أن ساستنا الأفاضل أبدلوا ملفات مهمة مثل الخدمات والتنمية والصحة والتعليم والبطالة والسكن بملف واحد هو الخطابات الزائفة ففي كل يوم يصحو العراقيون على سؤال جديد؛ هل الحديث اليومي عن انتخابات مجالس المحافظات يمكن أن يعوضهم، سنوات من التخبط والارتجالية والمحسوبية والانتهازية التي مارسها العديد من السياسيين؟، فبدلاً من أن يكون سعي الساسة إلى أن يكون العراق تاريخاً من التنمية والازدهار، تحول على أيديهم إلى سلسلة طويلة من التجارب الفاشلة في الحكم.

اليوم نحن في محنة، ليست الأولى، وقد لا تكون الأخيرة. وأصعب المحن هي المتعلقة بحقوق المواطن في أن يعيش آمناً مطمئناً متنعماً بالخدمات في بلد موازنته عشرات المليارات . البرلمان لم يعالج الأزمة، ولم يوجه دعوة للأكفاء. بل السبب كان دوماً تحاشي التخطيط المستقبلي، والوقوع في دوامات الفشل.

في واحدة من تجارب العالم المزدهرة نقرأ عن تجربة فيتنام التي خاضت منذ عقود حربًا شرسة ضد الأميركان راح ضحيتها مئات الألوف، وماتزال صور المآسي تحتفظ بها هانوي في متاحف خاصة، لكن اليوم تعجّ العاصمة الفيتنامية اليوم بالسيّاح الأميركيين والاستثمارات الأجنبية، وتعد البلد الاول في صناعة الملابس، وانتقلت اليها كبرى الشركات العالمية، حيث سايغون مدينة تفتح ذراعيها للجميع، لكنها لا تنسى أن تحتفل بذكرى أبطالها الذين صنعوا لها المستقبل.

هناك دول تنهض من ركام العدم لتصبح أغنى الاقتصاديات وتتفوق في الرفاهية والعدالة الاجتماعية، ودول تتنافس على ارتفاع نسبة البطالة .

***

علي حسين

الفريق أول البرهان يحتاج فعلا أن يقطع الصلة بينه وبين سيل المفاوضات التي تطعن شعبه في  كبريائه وكرامته، فالشعب الذي يدهشه أولا ثم يؤذيه، تهافت رئيس المجلس السيادي، والقائد العام لقواتهم المسلحة، على تلك المفاوضات التي ينتظرها الدعم السريع وهو جائعا يتضور، لأنها تحقق له أهدافا لم يكن لتحقيقها من سبيل، ولأنها تكفل له أن يسترد أنفاسه، وأن يجلس على تلك المقاعد الوثيرة، التي وضعت عليها الطنافس والوسائد، ليبصر في جزل الجهات المنظمة لتلك المفاوضات،  وهي تستقبل خصمه وهي منتهرة زاجرة، بينما تمنحه هو ألوانا من الرضى والقبول، يظهر الدعم السريع فرحته بالمفاوضات، لأنها تسعفه بتلك المعاهدات والهدن، التي تعينه على أن تنتصب قامتة من جديد، بعد أن  عجز عن المضي في طريقه،  وهي فوق هذا كله، تعيق  الجيش عن تنفيذ مهامه، وتمكن المليشيا المارقة المغتصبة من استئناف مخططها الخبيث، التي أقرته دول الشر، وتواضعت عليه، والمفاوضات التي تقارب العبث وتدنو منه، نجد أن الشعب مقتنعا فيما بينه وبين نفسه، بخطل المضي فيها، ولكن الشعب قليل الحيلة، ويعجز في الكثير من الأحيان، أن يظفر بما يدور في عقل قائده، فالشعب كل الشعب يرى أن الكريهة كان من الممكن ألا تنتهي إلى مثل النتيجة التي انتهت إليها، لو أن الفريق أول البرهان ألقى عصاه، و قبع في مكمنه، وكف عن تلك الرحلات التي لم يتمخض عنها إلا انفصام عروة الانتصار لقواته، فالسودانيون يعنيهم أن تحيا قواتهم المسلحة حياة ملائمة لماضيها التليد، ويأخذهم شيئا من الحزن، وهم يبصرون انتشاء جيشهم بلذة الانتصار، تتحطم أعنتها على صخرة المفاوضات، فقد بات راسخا في أذهاننا، أن مفاوضات الغد التي ينظمها "الايغاد" ستفضي إلى نفس النتائج التي انتجتها مفاوضات منصرمة في دول عربية، وأزعم أن بعض هذه  الدول، الهدف الذي كانت تلتمسه وتسعى إليه في أصل هذه المفاوضات وجوهرها، هو ترجيح كفة الدعم السريع حتى يمضي في قصد واعتدال لتحقيق غايته، كانت كل نتائج المفاوضات في الحق حصرما وزقوما على جيشنا، وعلى شعبنا الذي كرهها وسخط عليها، ولعل ليس من الاسراف أن  نقول، أن الكثرة المطلقة من هذا الشعب الصامد على عرك الشدائد، باتت ترتاب في مغزى هذه المفاوضات التي تمضي بنصيب موفور من انتصارات الجيش، كما أنها تجعله يتورط في ألوان سخيفة من القول، والأدهى من كل هذا أنها تدفعه إلى يأس لا حد له، وتشاؤم عريض.

إذن المفاوضات تفسد مزاج الشعب، وتجعل اعتقاده في قائده يشوبه الضعف والهزال، والبرهان الذي لا يكلف نفسه عناء الحديث إليها، حتى يبعث في نفسها الميل إلى هذه المفاوضات، هناك صفة تدل عليه دلالة واضحة، وتختصر شخصيته اختصارا جليا، فالبرهان يصبح سعيدا سعادة لا تضاهيها سعادة، إذا ظفر بهذا التحدي الذي لا  يرضى عنه، أو يطمئن إليه، إلا إذا جاء من جهة تتمتع بالفطنة والذكاء، فالرجل تعصفه أهواء الذكاء عصفا شديدا، وتستعصى عليه غيرته التي تصحبه حتى تنتهي به إلى الفنادق الفخمة، التي تجرى فيها تلك المباحثات، فهو وإن لم يكن حاضرا في بعضها، فيعنيه أن يظهر حدة ألمعيته، وفرط نبوغه، ولعبة الذكاء التي لا يجد البرهان في السلو عنها سبيلا، يسعى قائدنا الهمام لأن يضحى صاحب المثل الأعلى فيها، وهو مأخوذا بهذه اللذة التي يسعى إليها، ويستعد لهذا السعي في كل جولة تمكنه في شيء من  العسر، أن يظهر ابتهاجه بفوز وفوده التي تترى إلى دول الجوار، وهو لعمري ابتهاج ربما كان أقرب إلى الحزن منه إلى الابتهاج، والشعب الذي كان يجد الخطر كل الخطر بين ثنايا هذه المفاوضات وملحقاتها، لا يستطيع أن يخمد هذا الصوت الحائر في نفسه، فما هي الغاية التي ينشدها البرهان من موافقته الدائبة على اجراء تلك المفاوضات بعد أن لاح خطلها، واتضح أن قوات الدعم السريع لا تلتزم بما جاء في بنودها، فالدعم كان وما زال يقطن في بيوت الناس، وفي دورهم، ومستشفياتهم، ومدارسهم، كما أنه لم يقف ولو للحظة من العدائيات و التدمير الممنهج لمؤسسات الدولة،حتى جعل القنوات العالمية، كلفة باحصاء الوزارات والجامعات التي دمرتها قوات الدعم في رابعة النهار، أو في هدأة الليل، ولا اعتقد أن الناس ستنسى كل الجرائم التي اقترفتها قوات الدعم السريع، بل سيعلنوا إليه أن مثلهم لا يمكن أن ينسى، هم الآن لا يستطيعون أن يبقوا أمام عدوهم اللدود دون أن يجابهوه وينتصروا لكبريائهم الجريح وقد شاهدنا ذلك في أواسط السودان، فقرى الجزيرة تنتظم الآن في مقاومة سيصفق لها التاريخ، رأيناهم وهم يحملون أسلحتهم، وعصيهم، وحرابهم التي تكاد تختنق غيظا وحنقا، وأوباش الدعم السريع وحثالته تفر هاربة من هذا الغضب النبيل، على القائد البرهان أن يذكي من جذوة هذه المقاومة إذن وأن يباركها، وينصرف بالتالي عن تلك المفاوضات التي تهدم ولا تبني، ويعي أن أقوم  الطرق الموصلة لاجتثاث شآفة الجنجويد، هي اطلاق يد الجيش وهيئة العمليات التي ترتعد فرائص الدعم السريع عند سماع اسمها، على الفريق أول البرهان أن يدعم جهود المقاومة الشعبية، وأن يعمل على تسليحها، ثم يرمي بها في ميادين الوغى دون كسل أو تراخي، فهي تواقة مشرئبة إلي ذلك، حتى تسترد كرامتها الضائعة، وتشفي الغليل.

***

د. الطيب النقر 

 

ليت هندا أنجزتنا ما تعد

وشفت نفسا مما تجد،

*

واستبدت مرة واحدة

إنما العاجز مَن لا يستبد،

*

كلما قلت متى ميعادنا

ضحكت هند وقالت بعد غد

شعر لعمر بن ربيعة المخزومي شاعر في صدر الإسلام، ويُقال أن جارية غنّته بمجلس الرشيد بتحريض من أعداء البرامكة فأذكت في نفسه نيران نكبتهم. وهي رواية مشكوك فيها، فالقراءة الموضوعية تؤكد أن البرامكة كانوا يحكمون الدولة العباسية، ويعتمد عليهم الرشيد تماما فهم أنصاره ومربوه وإخوانه وخلانه.

فما بين (170 - 188) كانوا سادة الدولة وقادتها، ويبدو أن الحاشية العربية قد إمتلأت غيضا، فحصل الذي حصل، فالرشيد لوحده لا يمكنه أن يقضي على مئات البرامكة، فلابد من مؤازرة عربية قوية، وهذا ربما ما حصل، وتحقق الثأر في زمن الأمين، الذي أبيد عن بكرة أبيه، فمحقوه وإجتثوا ذريته، وربما يكون لحاجبه الفضل بن الربيع دور في النكبة.

ليس من السهل فهم مسوغات النكبة، ويمكن الإتيان بالعديد من التحليلات التي قد تبدو مقنعة، وليس كل مقنع بصحيح، ومن وجهة نظر نفسية سلوكية، يظهر أن الرشيد كان في واقع غير الذي نقرأه عنه في المدونات ، فالبرامكة هم القادة الحقيقيون والمؤسسون الناشطون لدولة الرشيد، ويتخذون من إسمه وسيلة لمنطلقاتهم العمرانية والعسكرية والإقتصادية، وبلغوا شأوا عظيما في السيطرة والتحكم بأمور البلاد، مما أشعر الرشيد بأن كرسي الخلافة أصبح مهددا، وصورته المسوقة بدأت تتبدد، وأحس وكأنه كان لعبة في يديهم، وبمؤازرة القوى العربية المناهضة لهم في دولته، إنتفض بغتة وقرر القضاء عليهم.

ومن الملاحظ تخبطه في قرارته بعدهم، حتى إنتهى به الأمر بعد أقل من أربعة سنوات من النكبة، أن يعيش معزولا عن ولاة عهده الثلاثة وطبيبه، ليموت في طوس (مشهد).

ومن الأخطاء التي إرتكبها أنه وجد نفسه في محنة ولاية العهد للأمين والمأمون، ورغم محاولاته لتأكيد عدم حصول صراعات بينهما من بعده،، بإضافته لولي عهد ثالث معهما، وكأنه لم يتعظ من تجربته مع أخيه الهادي.

فالواقع يُظهر أن البرامكة كانوا القوة العظمى التي تألق بوجودها، وحال إنتفاء دورهم، إنفرد به الذين حوله، وتآزر معهم ولاة عهده، وكانوا يتحينون فرصة رحيله، فأصابه النكد وأدرك خطأه، فسار وحيدا إلى حتفه، وربما بإهمال متعمد من طبيبه.

ذلك إقتراب من زاوية أخرى لما جرى وكُتب عنه الكثير.

***

د. صادق السامرائي

 

كنا نلعبها بعيداً عن السياسة ونحن تلاميذ المرحلة الابتدائية بعد أن أدركنا شروط اللعبة من معلم التربية الرياضية ونحن في إنتظارالحصة بفارغ من الصبروالشوق اليها، وهاجس الخوف يعلو محيّانا بين هيبة المعلم داخل الصف وزخم الواجبات البيتية وإلإرشادات التي يلقيها مدير المدرسة في الإصطفاف الصباحي على مسامعنا  مفعمة بالتهديد والوعيد، وتبدأ اللعبة بإطلاق الصفارة الأولى لنبدأ بالتسابق حول كراسي بعدد أقل من عدد اللاعبين وأعصابنا مشدودة في إنتظار الصفارة الثانية ليحجز كل لاعب كرسياً بالجلوس عليه وسط صيحات وضحكات وفرح ومرح، وتعاد اللعبة حتى يفوز لاعب واحد بآخر كرسي، دون أن ندرك مديات اللعبة سياسياً في وقتها .

واليوم في عالم السياسة لا يلعبون كما كنا نلعب بعفوية وبراءة غير مبالين بماهية الكراسي وقيمتها ولا كانت تعني لنا سوى مجرد لعبة ترفيهية للترويح عن النفس بعد عناء الدروس الأكاديمية، لكن دهاقنة السياسة وفطاحلها يلعبونها بمكر وخديعة ونفاق من أجل الوصول الى الكرسي بأي ثمن كان تنفيذاً لمبدأ المذهب الميكافيلي (الغاية تبرر الوسيلة)، بعد تعافي العراق من عهد الثورات والإنقلابات العسكرية الدموية، والعملية السياسية برمتها لا تخلو من تسابق للحصول على مكاسب أكبر على حساب المواطنين من خلال ممثليها  بعد تنامي ظاهرة الفساد في جميع مؤسسات الدولة، حتى وصل سعر كرسي البرلمان العراقي المعلن الى مليونين دولار وما خفي كان أعظم، في سابقة خطيرة لا مثيل لها في كل دول العالم التي تؤمن بالديمقراطية والتدوال السلمي للسلطة من خلال إجراء الانتخابات النيابية الدورية، والتمسك بالكرسي ظاهرة فريدة لا يلعبها الا سياسيوا الصدفة ومن فقدوا ثقة الشارع وكأنه ملك متوارث عن الأجداد ليصولوا ويجولوا بالمال العام دون وازع ضاربين بنود الدستور عرض الحائط ليؤسسوا دكتاتورية الديمقراطية التي ينادون بها دون أن يؤمنوا بمفهومها كونها دخيلة على السياسيين العراقيين، ولا يخفى ما يتداوله بعض الساسة من بيع وشراء المناصب السيادية حتى وضعت تعريفة لكل منصب بعيداً عن هموم ومعاناة المواطنين ليقبع السياسيون في وادي والشعب المغلوب على أمره في وادي آخر لا يدري ما يجري خلف الكواليس السياسية  والغرف المظلمة من صفقات مشبوهة .

ليعي مراهقو السياسة معنى المثل العراقي  (لو دامت لغيرك ما وصلت اليك)، فعلام التناحر على أمر زائل لا محالة بعد التسكع في أروقة الدجل والنفاق السياسي  للحصول على مبتغى رذيل يباع ويشترى، كما يحدث في سوق النخاسة من بيع وشراء للذمم والتباهي بها بصورة غير شرعية ليكونوا أسياداً بعد أن كانوا عبيداً، وهل فاقد الشيء يعطيه ؟ .

دعوا الكراسي لأهلها ومستحقيها من الذين نالوا ثقة الشارع بجدارة ومن خلال نتائج الإنتخابات بعيداً عن التزوير، ليتمكنوا من إخماد فتيل الأزمة السياسية المفتعلة ويعبروا بالبلد الى ضفة الأمن والأمان والخروج من عنق الزجاجة الى فضاء رحب من الديمقراطية غيرالمزيفة وإمكانية تشكيل حكومة التوافق والشراكة السياسية التي ينتظرها الشارع العراقي على أحر من الجمر، بعيداً عن المضاربة بالكراسي والمناصب السيادية ...

***

حسن شنكالي

كنا نلعبها بعيداً عن السياسة ونحن تلاميذ المرحلة الابتدائية بعد أن أدركنا شروط اللعبة من معلم التربية الرياضية ونحن في إنتظارالحصة بفارغ من الصبروالشوق اليها، وهاجس الخوف يعلو محيّانا بين هيبة المعلم داخل الصف وزخم الواجبات البيتية وإلإرشادات التي يلقيها مدير المدرسة في الإصطفاف الصباحي على مسامعنا  مفعمة بالتهديد والوعيد، وتبدأ اللعبة بإطلاق الصفارة الأولى لنبدأ بالتسابق حول كراسي بعدد أقل من عدد اللاعبين وأعصابنا مشدودة في إنتظار الصفارة الثانية ليحجز كل لاعب كرسياً بالجلوس عليه وسط صيحات وضحكات وفرح ومرح، وتعاد اللعبة حتى يفوز لاعب واحد بآخر كرسي، دون أن ندرك مديات اللعبة سياسياً في وقتها .

واليوم في عالم السياسة لا يلعبون كما كنا نلعب بعفوية وبراءة غير مبالين بماهية الكراسي وقيمتها ولا كانت تعني لنا سوى مجرد لعبة ترفيهية للترويح عن النفس بعد عناء الدروس الأكاديمية، لكن دهاقنة السياسة وفطاحلها يلعبونها بمكر وخديعة ونفاق من أجل الوصول الى الكرسي بأي ثمن كان تنفيذاً لمبدأ المذهب الميكافيلي (الغاية تبرر الوسيلة)، بعد تعافي العراق من عهد الثورات والإنقلابات العسكرية الدموية، والعملية السياسية برمتها لا تخلو من تسابق للحصول على مكاسب أكبر على حساب المواطنين من خلال ممثليها  بعد تنامي ظاهرة الفساد في جميع مؤسسات الدولة، حتى وصل سعر كرسي البرلمان العراقي المعلن الى مليونين دولار وما خفي كان أعظم، في سابقة خطيرة لا مثيل لها في كل دول العالم التي تؤمن بالديمقراطية والتدوال السلمي للسلطة من خلال إجراء الانتخابات النيابية الدورية، والتمسك بالكرسي ظاهرة فريدة لا يلعبها الا سياسيوا الصدفة ومن فقدوا ثقة الشارع وكأنه ملك متوارث عن الأجداد ليصولوا ويجولوا بالمال العام دون وازع ضاربين بنود الدستور عرض الحائط ليؤسسوا دكتاتورية الديمقراطية التي ينادون بها دون أن يؤمنوا بمفهومها كونها دخيلة على السياسيين العراقيين، ولا يخفى ما يتداوله بعض الساسة من بيع وشراء المناصب السيادية حتى وضعت تعريفة لكل منصب بعيداً عن هموم ومعاناة المواطنين ليقبع السياسيون في وادي والشعب المغلوب على أمره في وادي آخر لا يدري ما يجري خلف الكواليس السياسية  والغرف المظلمة من صفقات مشبوهة .

ليعي مراهقو السياسة معنى المثل العراقي  (لو دامت لغيرك ما وصلت اليك)، فعلام التناحر على أمر زائل لا محالة بعد التسكع في أروقة الدجل والنفاق السياسي  للحصول على مبتغى رذيل يباع ويشترى، كما يحدث في سوق النخاسة من بيع وشراء للذمم والتباهي بها بصورة غير شرعية ليكونوا أسياداً بعد أن كانوا عبيداً، وهل فاقد الشيء يعطيه ؟ .

دعوا الكراسي لأهلها ومستحقيها من الذين نالوا ثقة الشارع بجدارة ومن خلال نتائج الإنتخابات بعيداً عن التزوير، ليتمكنوا من إخماد فتيل الأزمة السياسية المفتعلة ويعبروا بالبلد الى ضفة الأمن والأمان والخروج من عنق الزجاجة الى فضاء رحب من الديمقراطية غيرالمزيفة وإمكانية تشكيل حكومة التوافق والشراكة السياسية التي ينتظرها الشارع العراقي على أحر من الجمر، بعيداً عن المضاربة بالكراسي والمناصب السيادية ...

***

حسن شنكالي

خدمة للمقاومة، أم كسر لها؟

تزامنا مع اصدار القرار الأممي 2720 الخاص حصريا بإدخال المساعدات الانسانية الى غزة؛ تم تشكيل تحالف دولي بقيادة امريكا؛ لضمان حرية الملاحة في البحر الاحمر، من عدد من الدول الاوربية وغيرها، ودولة عربية واحدة، هي البحرين في حين غاب عنه جميع دول الخليج العربي ومصر والاردن. ان هذا التحالف؛ يثير الشك، في مقاصده واهدافه؛ للتالي: اولا ان حركة انصار الله في اليمن؛ اكدت من انها سوف تستهدف فقط السفن التي وجهَتِها دولة الاحتلال الاسرائيلي، كما ان هذه العملية؛ هدفها هو اجبار اسرائيل والمجتمع الدولي للضغط على اسرائيل؛ بإدخال الوقود والطعام وما هو متصل بهما من اسباب الحياة، بمعنى ان هذه العملية لها هدف محدد ومحدود لسفن الملاحة في البحر الاحمر. ثانيا ان تشكيل هذا التحالف جاء متزامنا مع اصدار قرار ادخال المساعدات الى القطاع؛ مما يقود الى ان الهدف من تشكيله قد انتهى؛ عند الأخذ بنظر الاعتبار هدف حركة انصار الله في اليمن، كما اعلنت الحركة عن اسباب مهاجمتها للسفن المتجه الى الموانيء الاسرائيلية، وقد توقفت هذه الهجمات فعلا، بعد صدور القرار سابق الذكر. ثالثا ان هناك تحالف كان قد سمي في حينه، في عام 2022؛ تحالف المهمات المشتركة 153وقد ضم ما يقارب 40 دولة وايضا بقيادة امريكا، بما فيها دول الخليج العربي ومصر والاردن. ان هذا كله يعني؛ ان هناك ما وراء تشكيل هذه التحالف ما وراءه، سواء الدول التي اعلن عن انضمامها اليه، او التي لم يعلن عنها رسميا المشاركة فيه؟ ان هناك الكثير من التحليلات السياسية؛ التي ترجح؛ ان امريكا او دولة الاحتلال الاسرائيلي او كليهما؛ تخططان او تخطط امريكا في توجه ضربات ربما منتخبة او مفتوحة على حركة انصار الله في اليمن، وعلى ايران، وعلى لبنان. في رأيي المتواضع: لن تهاجم امريكا او دولة الاحتلال الاسرائيلي، لا ايران ولا حركة انصار الله، ولا لبنان في الوقت الحاضر، أما ايران وحركة انصار الله؛ فلن تقوم لا اسرائيل ولا امريكا بمهاجمتهما، لا الآن، ولا في الامد المنظور، والمتوسط والابعد زمنيا من الأمدين؛ وهذا موضوع اخر له شكل مختلف في القراءة.. باختصار؛ ان هذا التجييش الامريكي، الغرض منه التخويف والردع؛ لتمرير التالي؛ اولا اعادة هيكلة وتجديد السلطة الفلسطينية، من خلال الانتخابات؟.. ثانيا انهاء حكم المقاومة الفلسطينية في القطاع؛ بتصفية قياداتها، وتهجير البقية الى احدى الدول العربية، أو احدى دول الجوار الاسلامي، تركيا، او الجزائر مثلا، مع يصاحب هذه العملية من تهجير ناعم لسكان غزة. ثالثا الضغط على الحكومة اللبنانية في المفاوضات التي ربما جارية الآن، أو انها سوف تجري في المقبل من الزمن؛ للاتفاق الذي سوف يكون عنوانه هو تطبيق قرار الاممي رقم 1701الذي صدر بعد انتهاء الحرب الاسرائيلية على لبنان بهزيمة الاولى في عام 2006؛ بدفع قوات حزب الله الى ما وراء نهر الليطاني. والتلويح الاسرائيلي بمهاجمة جنوب لبنان، يقع في هذا السياق، وهو للتهديد وليس للتنفيذ على الأقل في الوقت الحاضر. لكن عندما نقلب هذه الصفحة ونقرأ في الصفحة الثانية المختلفة كليا عن الاولى، نقرأ التالي، أو ملخص قراءة الصحفة، في التالي: اولا ان المقاومة تكبد جنود الاحتلال خسائر كبيرة جدا. في رسالة لحيى السنوار قائد المقاومة الفلسطينية في غزة، الى رئيس واعضاء المكتب السياسي لحركة حماس؛ اشار الى ان جيش الاحتلال الاسرائيلي؛ يتكبد يوميا خسائر كبيرة جدا، في الجنود والمعدات. كما ان المقاومة تحقق يوميا انتصارات على العدو، في كل المحاور. اضافة يقول السنوار في رسالته هذه؛ ان الشعب الغزاوي ملتف حول المقاومة ويقدم لها الدعم والاسناد. ان من  الواجب دعم هذا الشعب؛ من خلال اعادة الاعمار وتوفير كل ماهو ضروري له. وان اي حل يجب ان يتضمن وقف دائم لهذه المذبحة(هذا الوصف مني، لم يرد في الرسالة) مع الانسحاب الكامل من القطاع، واعمار القطاع. هذه الرسالة وفي هذه الظروف تؤكد؛ ان هناك هاجس لدى قائد المقاومة في الذي يجري عربيا وامريكيا؛ من حلول لوضع نهاية لهذه المجازر الصهيونية، قد تكون او تشكل طوق نجاة للكيان الاسرائيلي المحتل ولنتنياهو. عليه فهي نقاط حوار؛ تشكل قاعدة للتفاوض. ثانيا ان المسؤولين اصحاب القرار في الداخل الاسرائيلي، منقسمون في الذي يخص طريقة ادارة هذه الحرب واهدافها في غزة. ثالثا امريكا بايدن على ابواب انتخابات، واي توسع للحرب، بحرب مفتوحة، غير مسيطر عليها، وعلى عدة جبهات، سوف تجعل ادارة بايدن الديمقراطية؛ تخسر مسبقا.. اضافة الى ان امريكا ودولة الاحتلال الاسرائيلي؛ لا قبلَ لهما بتحمل الاثمان الاستراتيجية لحرب على عدة جبهات. رابعا ان الحرب على عدة جبهات سوف يؤثر تأثيرا منتجا على عدة انظمة عربية؛ لجهة تعريتها واحراجها، وبالتالي خلخلة وجودها وسيطرتها.. أما اذا واصلنا القراءة الى الخاتمة، سوف نقرأ؛ الملخص التالي: اولا ان المقاومة الفلسطينية تكبد اسرائيل خسائر باهظة في الجنود والمعدات، وقد اخذت زمام المبادرة والسيطرة في الايام الأخير؛ بدليل الزيادة المضطردة في عدد القتلى، وتدمير المعدات. ثانيا التفاف الشعب الفلسطيني حولها في القطاع والضفة الغربية، دعما وملاذا. ثالثا ان اطالة امد الحرب الاجرامية هذه؛ سوف يقود الى تفجير الاوضاع في الضفة الغربية؛ على غرار الانتفاضة الاولى في عام 1987.رابعا ان استمرار الكيان الصهيوني المحتل في جرائمه يؤدي الى خسائر اقتصادية باهظة في مسارين: - اغلب الجنود كانوا قد تم سحبهم من المصانع وغيرها، مما يقلل الى درجة كبيرة ومؤثرة على الانتاج؛ بفعل تقليل على حد كبير من قوى العمل والانتاج. – اثمان هذه الجريمة الصهيونية باهظة ماليا. خامسا ان المقاومة تقاتل وتقاوم بروح الاستشهاد. التاريخ علمنا ويعلمنا الى الآن او الى الامد القريب؛ ان القتال بروح الاستشهاد كليا، سوف ينتصر مهما كانت قوة وقدرة آلة العدو على التدمير. ان البعض من الدول العربية وبالتعاون مع امريكا، تحاول بالعمل على تقديمها حل مبتسر؛ انقاذا للكيان الصهيوني من مازقه الحالي اولا وثانيا سرقة انتصار المقاومة؛ بتحويل حركة من درب المقاومة الى درب اخر؛ يخدم في المحصلة الختامية، اهداف الكيان الصهيوني. إنما ان هذا التوجه؛ لن ينجح في هذا، بفعل الوعي العميق لقادة المقاومة، والتفاف الشعب الفلسطيني حولها في القطاع والضفة..

***

مزهر جبر الساعدي

 

قبل أن تتحول فضائياتنا إلى حلبة للشتائم والتباهي بنهب أموال البلاد والعباد، وقبل أن تظهر جماعات تحذر من الاحتفال بأعياد الميلاد لأنها "حرامس"، وقبل أن تستفحل الانتهازية واللصوصية ومعهما الخراب والطائفية، وقبل أن يقرر أصحاب "الحل والربط " مطاردة الكاردينال لويس ساكو ..

قبل قرن من هذا الزمان العجيب قرّر أبونا الجليل أنستاس الكرملي أن يجعل من بغداد حاضرة للثقافة والعلم، كان الكرملي الذي لم يخلع ثوب الرهبنة، مصمما أن يختار يوم الجمعة موعداً لعقد جلسته الأسبوعية لما يمثله هذا اليوم عند المسلمين، فبماذا كان رواد المجلس يتحدثون؟ لم يكن هناك حديث عن الاستحقاق الطائفي في توزيع المناصب، ولا عن شعار "حصتي وحصتك"، كان الفكر والثقافة والتعليم هي المهمة الأهم في المجلس، لأنها السبيل لرقيّ البلدان وتقدمها ومن دونها ستدخل الناس في صراعات مذهبية وسياسية، كان العراقيون آنذاك يسطّرون ملحمةً يومية في وجه من يريد أن يغيّر هوية البلاد وثقافتها، من الموصل جاء متّي عقراوي الذي سيصبح عميداً لدار المعلمين العالية، ومن أقصى القرى الموصلية سوف يقدّم المسيحي سليمان صائغ، مسرحيات تروي تاريخ الإسلام، ومن الموصل أيضا جاء المسيحي فؤاد سفر ليصبح سيد الآثاريين. وفي بغداد يكتب المسيحي رفائيل بطي أن العراق هو حاصل مجموع الكرامة والخبز والحرية فحذار من التلاعب بهذا الثالوث.. والعراقي مقدس. ومن الناصرية سينادي المسيحي يوسف سلمان يوسف "فهد" بوطن حر. ومن الكرادة سوف يذهب المسيحي ميخائيل عواد إلى مدن العالم يجمع المخطوطات الإسلامية. ومن كركوك نزلت المسيحية بولينا حسون لتؤسس أول مجلة نسائية، وتشارك صديقتها أسماء الزهاوي ابنة مفتي العراق أمجد الزهاوي في إدارة نادي النهضة النسائية، ومن أربيل جاءت الجميلة عفيفة اسكندر ليصبح اسمها بين ليلة وضحاها على كل لسان. فيما أصرّ الأرمني أرشاك على أن ينقل بعدسته أحاسيس العراقيين ومشاعرهم، وعندما قرر أمري سليم أن يرافق عبد الكريم قاسم في جولاته اختار أن يسمي نفسه الحاج أمري.

قرون وجوامعنا في جنبهن الكنائس مثلما كتب، أحمد حامد الصراف:

وسوف يعيش الشعب في وحدة

عمائمنا في جنبهن القلانس

فيما يكتب العلامة مصطفى جواد:

يا سائراً ووجيب القلب صاحبه

لنا ببغداد من بين القسوس أبٌ

يا أبناء بلدي الطيبين في كل بقاع الأرض وأنتم تحتفلون بعيد الميلاد، لا تنسوا العراق وهو ينظر اليكم طالبا محبتكم .

يا أبناء بلدي سلاماً عليكم وأنتم توقدون شمعة عام جديد، فستظلّ ملامحكم تختلط بملامحنا، كلانا سينتصر في النهاية، وكلانا سيظلّ يتغزل مع ناظم الغزالي بالسمراء العراقية من قوم عيسى.

***

علي حسين

للغربة ثمن كما لكل شيء ثمن ومنها ضرائب تفرض وتثقل كاهل المغترب لابد من دفعها وإن كان لاشعوريا" من خلال الإندماج والانصهار في بودقة المجتمعات التي يعيش فيها الا ما ندر متخليا"عن لهجته المحلية أوتطعيمها بكلمات دخيلة لدرجة إهمال لغة الأم وحتى نسيانها لدى البعض والتي نعتز ونفتخر وننفرد بها نحن الشنكاليون (السنجاريون) ونتذوقها اكثر من غيرنا بالإضافة الى تغيير بعض العادات والتقاليد الإجتماعية التي جبل وتربى الشنكالي (السنجاري) منذ نعومة أظفاره عليها والتطبع عليها ناهيك عن الآهات والحسرات التي لم يتذوق طعمها الاٌ من إغترب عن وطنه لظروف قد تكون خارجة عن إرادته أو لغاية في نفسه أو من أجل البحث عن مستقبل كان يحلم به وبعيدة المنال عنه في وطنه، ولذلك نجد العديد من الشباب في مجتمعنا لا يحلمون سوى بالهجرة خارج الوطن وتذوق الاغتراب بكل ما يحمله من ألم وأمل ، لأنهم سئموا من العيش في وطن أصبحت فيه الحقوق بمثابة أحلام والأحلام مجرد أوهام ، وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل .

لكن أصعب ما في الغربة أن يكون المرء غريبا"في وطنه وأن يترك وراءه كل ملذات الدنيا وحطامها رغما"عن أنفه باحثا"عن الأمن والأمان الذي فقده بين ليلة وضحاها من جراء الهجمة البربرية على أيدي أعتى منظمة إرهابية عرفها الـتأريخ المعاصر والتي شهدتها مدينتنا الحبيبة شنكال (سنجار) لتتحول الى مدينة أشباح لا حياة فيها .

وبعد تسع عجاف خلت بحلوها ومرها وماكادت أن تمر من ثقلها على كاهل أهلنا دون تمييز بالرغم من الكرم والجود الذي أغدق عليهم من قبل حكومة وشعب كوردستان والتي ستبقى في ذاكرة أجيالنا على مر العصور ، لكن حب الوطن من الأيمان وغاية لا يدركها الا من إفتقد وطنه .

فليس الوطن هو الموقع الجغرافي الذي نقيم فيه، إنما الوطن هو القيمة التي تسكن أفئدتنا أينما حللنا وأينما إرتحلنا والوطن هو هويتنا وكياننا الذي نعتز به بين الأمم فلا قيمة للإنسان بلا وطن يحميه ويأوي اليه ويفتخر به بين الناس.

وحب الوطن فطرة ينشأ عليها الإنسان. ويوما"بعد يوم تعود الحياة الى الوطن الأم شنكال(سنجار) وتتعافى من جراحاتها المثخنة وتتنفس الصعداء لتبدأ عجلة الإعمار من جديد لاسيما بعد تحقق الأمان في ربوعها بهمة الغيارى من أبطال القوات الأمنية بجميع تشكيلاتها وصنوفها وبعد تهيئة الأرضية المناسبة للعيش الرغيد فقد حان الأوان للرحيل الى موطن الآباءوالاجداد وطي صفحة النزوح بكل

أوجاعها وآلامها حتى تحتضن شنكال (سنجار) أبناءها بعد ألم الفراق بكل أطيافه وملله ونحله دون تمييز وتعاد البسمة على شفاه الأمهات الثكالى واليتامى والشيوخ والأطفال قبل فوات الأوان والتحلي بالعادات الدخيلة على مجتمعنا الشنكالي (السنجاري) والانجراف وراء الثقافات المزيفة حفاظا"على تراثنا وقيمناومبادئنا التي تحث على التآخي والتعايش السلمي وإحترام وتقبل الآخر كما هو والتي عشناها ولمسناها لسنوات خلت حتى غدت مدينتنا الحبيبة عراقا"مصغرا" لجميع مكونات المجتمع الشنكالي (السنجاري).

***

حسن شنكالي

الى الأحرار والشرفاء

ها نحن على أبواب عام جديد، وقد مرّت على الجرائم الصهيو- امريكية – غربية ثلاثة أشهر من الأبادة الجماعية، والتطهير العرقي، والبشرية في كل مكان تعرف ما يجري على اهلنا في فلسطين، وبالخصوص غزة من جرائم فاقت، ما قامت بها النازية الهتلرية من قتل وخراب ودمار، واليوم نحن نرى، وألكل يرى ما تقوم به أمريكا على أرض فلسطين بأسلحة الدمار الشامل، والأبادة الجماعية لأهلنا في غزة، من قتل الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى، ونشر الخراب والدمار، وكل ذلك  ليمحوا إسم فلسطين من الوجود بأيدي الصهاينة المجرمين ..

فيا أيّها الأحرار في العالم، ويا أيتها الضمائر الحية، ويا أيّها الشرفاء، و يا أيّتها القوى الخيرة، من مثقفين، وكتاب، وشعراء، وفنانين، وأدباء، وتشكيليين .. إرفعوا أصواتكم، أكتبوا عن الجرائم  الصهيو-أمريكية – غربية،

فالأعمال الأدبية والفنية، وكل نتاج إبداعي يحمل بين طيات مضامينه رسالة إنسانية، وهي التي  تسمو ويُكتب لها الخلود، وغير ذلك في مهب الريح، ولا بقاء لها ..

تضامنوا مع أهلنا في فلسطين، وابعثوا كل ما يصلكم من صور وفيديوهات توثق الجرائم البشعة التي يرتكبها الصهاينة بدعم أمريكي مجرم بحق اهلنا في فلسطين من إبادة جماعية راح ضحيتها  أكثر من عشرين ألف وأغلبهم من الأطفال والنساء، أما الجرحى فهم أكثر من خمسين ألف، ما عدى المفقودين، والذين تحت الأنقاض، وما نقوم به هو كحد أدنى في التضامن مع القضية الفلسطينية وأهلنا في فلسطين .

فإلى كل إنسان ذو ضمير حي، وصاحب مبادئ إنسانية، فليرفع راية مبادئه عاليا لنصرة شعبنا المنكوب في فلسطين وغزة بالخصوص، فإن لم ندعم شعبنا في  فلسطين بفضح ما يجري عليه من جرائم، وإبادة جماعية، على أيدي الصهاينة وبدعم أمريكي مجرم، فسيحاسبنا التأريخ، ويلاحقنا بالخزي والعار، وستلعننا الأجيال القادمة ..

وكما يقول أرنستو تشي  جيفارا : " المثقف الذي يلوذ بالصمت  أكثرخرابا من النظام الديكتاتوري والقمعي الذي يمارس القتل ضد أبناء شعبه " .

فنحن وأنتم نشاهد كل يوم على شاشات التلفاز وما يصلنا من صور وفيديوهات لتلك الجرائم التي يندى لها جبين الأنسانية، فلتكن دماء الشهداء  من  الأطفال والنساء تغلي في عروقنا، ولنشعر بآلام الجرحى والثكالى، مثلما نشعر بأطفالنا وأمهاتنا وأخواتنا ..

فرسالة المثقف الملتزم بالقضايا الأنسانية، هي شرفه ووجدانه وضميره الحي الذي يفجر الطاقات الأبداعية في داخله،  من أجل غاية أسمى ومثل عليا، تتصدى لقوى الشر والعدوان والظلم واضطهاد الأنسان وسلب حقوقه المشروعة في العيش الحر الكريم، وبناء الغد الأفضل، وهي  غاية ما يريد ايصاله من أجل الأنسان والعدالة ورفع الظلم والمعاناة عن الأنسانية،  والسعي من أجل غد أفضل تسوده العدالة والمساواة، والأمن والسلم العالميين ..!  

عاشت فلسطين حرة أبية

النصر للقضية  الفلسطينية 

الموت والخزي والعار للمجرمين والقتلة

***

د. ابراهيم الخزعلي

24/12/2023

في زمن التفاهات والفرجة وفي زمن الرأسمالية المتوحشة،، لامكان للمثقف الحقيقي، المثقف اليوم افقر طبقة في المجتمع. إن المثقف الحقيقي أصبح كائناً مهدداً بالإنقراض؛ بسبب طوفان مدعي الثقافة الذين هيمنوا على الساحة الثقافية دون محتوى أخلاقي، على الرغم من أنه يفترض أن الثقافة عالية الأداء والجودة وتتطلب بالضرورة مشتغلين رفيعي المستوى لا أن تتعرض للترهل بسبب اندفاع الأشخاص العاديين ويتصدروا المشهد في مختلف الميادين الفكرية والأكاديمية، وهم مجرد موظفين أضافة، لتهميشهم أعلامياً ومجتمعياً وجعلهم محل سخرية، وفي المقابل دعم الفنانين ونجوم كرة القدم والأعلاميين وكتاب القصص وتصديرهم كنجوم وقادة ونماذج يحتذى بها والاعتماد عليهم في تشكيل وعي شعوبهم، فتكون النتيجة شعوب مسطحه بلا وعي ولا ذاكرة ولا عقل نقدي.،، فالجامعات بعد أن كانت بؤرة إبداعية وثقافية في الماضي، أصبحت مكاناً يضم الأذكياء رفيعي التعليم، وأكاديميين مهنيين، لكنهم بالتأكيد لا يعدون ضمن الطبقة المثقفة المؤثرة في المجتمع.

عندما تقرأ كتاب "أين ذهب كل المثقفين...؟" لـعالم الاجتماع البريطاني "فرانك فوريدي" تشعر انك تقرأ لكاتب عربي يتحدث عن الحالة المأساوية للمثقفين العرب ولكن الظاهرة أصبحت تشمل حتي الدول الليبرالية،

إنه سؤال نابع من هاجسين عميقين: فقدان "البوصلة الفكرية" ومشكلة "التسطيح المؤسسي".

والتسطيح الأجتماعي، معاملة الشعوب كأطفال لا كبالغيين، وتنحصر اهتماماتهم فيما هو مادي ومبتذل)؛ وعليه، نجد أن الساحة خسرت مثقفين تركوا هذة الحياة المادية للبحث عن قوت يومهم بعد إهمالهم،ومنهم  مثقفون يمتلكون الرؤية، والاهتمام بالقضايا العامة.

يجب تطوير الحياة الثقافية في الجامعات والمجتمع، إن الناس يستحقون مناظرة فكرية على درجة عالية من الجودة في المؤسسات الثقافية، بوصفهم أشخاصاً يحملون إمكانات كامنة كبيرة، وعلى قدر من الاحترام والتقدير.

أن يكون المرء مثقفاً يعني أن ينخرط اجتماعياً يصعب على المرء أن يعيش من أجل الأفكار ولا يحاول أن يؤثر في مجتمعه، والأمر لا يتضمن فقط الانخراط في النشاط الذهني الإبداعي، بل أيضاً

افتراض المسؤولية الاجتماعية واتخاذ المواقف اي كانت في المجتمع ...!!

***

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث مصري في الجغرافيا السياسية

ان الحلم بالمدينة الفاضلة مثلما هو متعارف عليه في الثقافة العربية الاسلامة يستدعي بالضرورة رؤية فكرية متناسقة، منهجا ومضمونا، وهذا العمل الفكري التنظيري لا تقوم عقول شغلها الوحيد الغذاء والجنس وجمع المال من كل حدب وصوب، بل هذا العمل الشاق تقوم به عقول راجحة لها من التفكير النقدي والسفر والترحال بين الثقافات ومنجزات الحضارات المختلفة، دينا ولغة وهوية. أن الأجساد الحاملة لعقول راجحة مع الافق البعيد، زمانا ومكانا،، في النظر للاشياء والاشكاليات والمعظلات الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، بامكانها الذهاب بعيدا وصياغة مقاربات لاخراج أي بلد أو امة من الأمم من انفاق الظلام والتخلف والتبعية للدول والامبراطوريات الكبرى المسيطرة في العالم ..و ادخال هذه الشعوب إلى قلب الحضارة المعاصرة عبر آخر منجزات الفكر الحديث وانجازات العلوم والتكنولوجيا.. من هنا، تلج هذه الشعوب مناطق الضوء والاستنارة وتبدأ رحلتها الطويلة من أجل تحقيق الرفاهية والتنمية والتقدم والعدالة الاجتماعية وإرساء مجتمع المواطنة النقيض للمجتمع الرعايا..الأول مركزه حقوق الانسان بكل تعبيراته وسياقاته أما الثاني فلا يعترف بهذه الحقوق الكونية نظرا لغياب هذه الحقوق وكل القيم عن مرجعياته الفكرية وعقيدته السياسية.ان الاباطرة والملوك والامراء والرؤساء، على مدار التاريخ، لم يكن "الانسان"جوهر تفكيرهم واهتمامهم، بل غاب عنهم هذا الانسان المقهور والمغدور والمستغل نظرا لاعتبارهم هذا المخلوق الذي يتحكمون في مصيره هو في النهاية رعية وليس مواطنا حرا . هذه الافكار كتب عنها الكاتبة المفكر المصري والعربي الكبير خالد محمد خالد في كتابه القيم "مواطنون لا رعايا"سنة 1951 قبل سنة واحدة من ثورة الرابع والعشرين من جويلية/اغسطس 1952 التي اخرجت مصر من النظام الملكي إلى النظام المجهوري بابعاده الديمقراطية والإجتماعية. ليس بامكان أي شعب في العالم أن يخرج من نفق الرعايا إلى اضواء المواطنة إلا بالفكر النقدية وابعاد المؤسسة الدينية عن السلطة السياسية والعمل السياسي.

الطموح المسنود بفكر مستنير ورؤية إستشرافية للقادم من الأحداث، يجعل المرء منحازا بالضرورة للغد المتسم بالتغيير وإدخال الحركية والدينامية على مسارات الشعوب الحالمة بالتحرر والإنعتاق وتأسيس الأرضية الصلبة التي تبنى عليها اركان دولة الحكم الديمقراطي والعدل الإجتماعي والتنوير الفكري والثقافي المناهض للظلام نهجا ونسقا ورؤيا.. ما تنتظره الجموع الغفيرة من مكافحي الطبقة العاملة بالفكر والساعد في كل اقاليم العالم، هو الذهاب بالمشروع المدافع بلا هوادة عن الدولة العادلة إلى الأمام بعيدا عن التسرع والشعبوية وحرق المراحل مع الاستفادة من كل تجارب التحرر الوطني التي خاضتها الشعوب الخارجة رغم كل التضحيات الجسام من نير الاستعمار والاستغلال.

لا سبيل لاحداث أي تغيير متجذر في مسار التاريخ، دون النهل من قيم المواطنة والفكر الإجتماعي المدافع عن بهاء العدالة ومقاومة التفاوت الطبقي والتمييز الظالم بين الفئات والأجيال والحهات والأعراق والطوائف...هنا وهناك.

الغد، تصنعه العقول المستنيرة المنتجة للفكر التحرري المستقبلي والسواعد المؤمنة بالوطن الحر والإنسانية التقدمية.

***

البشير عبيد / تونس

- كاتب مهتم بقضايا الفكر التنويري وإشكاليات المشهد السياسي العربي والنزاعات والصراعات الإقليمية والدولية.

 

انها عبارة نخبوية أو لنقل  اختصاصية تُستخدم في نطاق ضيق بعيدا عن فهم العامة لأنها ملتبسة   على الفهم العام وكذلك لأنها لاتمثل حاجة ماسة الا لمن يريد الزيادة في المعرفة لذلك فإنها بتقديري تعد من العلم النافع لمن يريد الزيادة ولايضر من لايريد...

الجذر

الجذر في اللغة هو الأصل، فجذر الشيء أصله وجذره، وفي تعبير اخر يُعتب الجذرُ هو المَصدر، فالصوت مصدره الوَترْ، والضوءُ مصدرهُ القمرْ، والنهرُ مصدرهُ المطرْ، والجذرُ جذرٌ للشجرْ

والسيرُ يحدوهُ الأثرْ.. على أن ذلك كله مرتبطٌ بحدود الإدراك او بمعنى أدق محدودية الادراك للأصل أو للمصدر بما يتناسب مع القدرة الموضوعية وهي تناسب أدوات الإدراك مع حدود الموضوع بما هو متاح لا بما هو مُتعذر

مثال

الضوء.. جذره الموضوعي القمر، وهذا هو المُتاح الموضوعي لتوصيف القمر على أنه مصدر الضوء لأن حدود الإدراك مرتبطة ومتوقفة على القدرة وهي حدود النظر الذي يرىٰ الضوء صادرا عنه لاعن غيرهِ ولكن مع تطور أدوات الإدراك بإضافة الادوات المساعدة (التكنولوجيا) تعرفنا على أصل اخر لهذا الضوء وهو الشمس وتبين أن القمر ليس إلا حلقة إمداد وان الشمس هي الجذر، وسيبقى ذلك يمثل حقيقة موضوعية إلى أن نتعرف ربما على بُعد آخر يُغير مفهوم أصل الضوء ومصدره وجذره.. اذن نحن أمام مفهوم عام متحرك غير مستقر الا بمعرفة النقطة التي تتفرع عنها الاعداد الأولية والثانوية كما يُعبَر عنها في علم الرياضيات والتي تبدأ بالعدد - 1 - والذي كل مايسبقه سيكون سالبا فهو الموجب الأول والذي يعتبر عددا أوليا ولايعتبر عددا أوليا في نفس الوقت ذلك أن له عامل واحد بينما باقي الاعداد الأولية لها اكثر من عامل فالعدد - 2 - مثلا له عاملان هما - 1 و 2 - وهكذا باقي الاعداد الأولية، لذلك فأن العدد 1 يعتبر عددا مُتفردا ولأنه كذلك فإنه مشترك موضوعي لباقي الاعداد وهو الركيزة الأساسية للحساب حيث أن خط الاعداد يسقط بدون العدد -1 - ولكن هل يعني ذلك اخراج العدد - 0 – من معادلة التأثير الرياضي، أم أنه أيضا من مخرجات العدد - 1 - ؟ لأن الصفر عددا سالبا عندما يكون مجردا عن العدد - 1 -

ولايدخل في خط الاعداد الواقعية الا عندما يأتي بعد العدد - 1 - برفقته أو برفقة عدد آخر.. لذلك فأن المؤكد الوحيد والجذر الأول والصادر الاول هو الواحد الأحد الذي ليس له ماقبله فالصفر الذي يسبقه سالبٌ لاقيمة له (عدمٌ ) إلا أن اقترن به أو بما صدر عنه..

الأصم..

الأصم في اللغة هو من يعجز عن السمع. بمعنى أنه محجوب أو ممنوع بمانع عن السمع لخلل في آلة السمع أو أنه ممنوع من السمع بمانع خارجي، لذلك تسمى سدادة الزجاجة بالصِمام لأنها تُغلق الزجاجة وتمنع التسرب من والى الزجاجة فهي صِمام الامان بمعنى المانع.

كما أن صمام الأمان يُطلق على من يمنع الأذىٰ فيصنع اماناً.. من هنا نفهم البعد الدلالي لمصطلح الجذر الأصم في العقائد وهو: الأصل العقائدي الآمن.

الله اعلم وأحكم

***

فاضل الجاروش

 

الحمد لله سيجد كاتب "حاقد" مثل جنابي، أن سوق الكتابة الساخرة سيزدهر في العراق خلال السنوات القادمة، وسأحاول أن أنافس عمنا حسن العاني شيخ الساخرين، الباحث عن النكتة كيفما تقلبت به الظروف وتغيرت به الأحوال، فبعد أن حصدت شقيقة عالية نصيف أعلى الأصوات في بغداد، وتمكنت شقيقة ناهدة الدايني من أن تحصل على كرسي مجلس محافظة ديالى وبأعلى الأصوات أيضا .. فيما بشرنا أربعة محافظين بأنهم حصلوا على أعلى الأصوات في محافظاتهم بعد أن حولوا هذه المحافظات إلى مدن تنافس سنغافورة وأبو ظبي وتجعل من طوكيو مجرد زرق ورق أمام محافظة المثنى .

ولأن فصول المهزلة لا يمكن لها أن تتوقف فقد نصحنا السيد فائق الشيخ علي مشكوراً بأن نتمسك بمحمود المشهداني، والأسباب كما شرحها لنا السيد فائق، تتعلق بخبرة المشهداني في إدارة سوق البرلمان .

وسنجد في انتخابات مجالس المحافظات مشاهد كوميدية ساخرة يقف المرحوم الفرنسي موليير عاجزاً عن مجاراتها .. تخيل جنابك أن إحصائية مفوضية الانتخابات تخبرنا بأن " 600 مرشح صوت له أقل من 10 ناخبين" والأكثر كوميديا وجود 40 مرشحاً لم يصوتوا لأنفسهم، وكانت نتائجهم صفر .

والحمد لله مع وجود مشعان الجبوري لا أعتقد أنّ هناك من يصاب بالملل، وهو يتابع أخبار غزواته الفضائية، المواطن يشاهد كل يوم المساخر التي تحدث في دهشة وألم وقلق، ويعتقد مثلما تحاول بعض الفضائيات إيهامه، بأنّ هناك مؤامرة يقودها من يمتهنون الكتابة الساخرة على العملية السياسية، ونحن نتفق معهم، نعم هناك مؤامرة، لكنها هذه المرة ليست على العراق ولا على المواطن العراقي المسكين، وإنما على مضحكات تجربتنا الرائدة في الديمقراطية، وآثار هذه التجربة على حياتنا، فبعد 20 عاماً من الموازنات المليارية، استيقظنا على خبر مفرح يقول أصحابه إن اليابان قررت إقراضنا مبلغاً وقدره " 300 " مليون دولار، في الوقت الذي كان بامكان الدولة العراقية أن تقترض هذا المبلغ من السيد نور زهير وهو يتمتع بمبلغ يتجاوز الألفين ونصف الألف مليار دولار عداً ونقداً .

قبل أن تمتع عزيزي القارئ نظرك بأسماء أعضاء مجالس المحافظات الذين عادوا ظافرين إلى مجالسهم، ارجوا ان تعرف ان جنابي لا يصر على التعريض بمرشحينا الفائزين " الأفاضل"، فما يجري هو تجاوز فــن السخرية بمراحل كبيرة

من المؤسف ألّا يظهر في ايامنا الساخرة هذه كاتبا بحجم حسن العاني الذي تنبأ قبل اعوام طويلة بان هذه البلاد ستتحول يوما ما الى "خان جغان". كتب هذا قبل ان يسمع باسم عالية نصيف بالتاكيد .

***

علي حسين

ولاية نهر النيل مترفة في جدها إذن، وماضية في تعبئة الحشود التي تتداعى إليها في دعة وخفة، هي حريصة على الا يبلغ العدو منها ما يريد، وفي ظني أنها قد وفقت توفيقا  عظيما في ارسال رسالتها الضافية لخصمها، فخصمها منذ أن تلقى تلك الرسالة، يعيد قراءتها بين الفينة والأخرى، وهو يسعى أن يلم بموضوعها وغرضها، فشكل الرسالة وصورتها ، جعلت هذا العدو الذي قنع بتلك الحياة الصاخبة التي يعيشها الآن، يفكر ويطيل التفكير، في مآلات تلك الرسالة التي حطت على بريده في رشاقة وعجل، هي رسالة لا أكثر ولا أقل، وضعتها ولاية نهر النيل أما بصر الدعم السريع، رسالة هادئة، واثقة، مطمئنة، تخبره فيها في وضوح وجلاء، بأنه سيعجز عن المضي في طريقه الذي اعتاد أن يسلكه،  وأنها ستتصدى إليه، وتأخذه بيمينها لتهوي بها على رأسه فتدميه وتشجه، إذا صمم أن يخوض غمار تحديه معها، هي واثقة إذن من انتصارها عليه، وهو يعلم أنه يحتاج إلى الالحاح على شيطانه، ويطلب منه الأناة والرفق، وشيطانه هذا شديد السخط على هذه الولاية، شديد البغض لها، لذا لم يحفل بذلك الرجاء، أو يذعن له، فهو لا يفكر إلا في التبر الذي تعلوه رمال تلك الولاية،  وفي انسانها الذي أظهر الصمود والتمرد، والشيطان الذي فقد رشده أو كاد، يرفض أن يستأنف رعاعه العمل بعد حين، عليهم إذن يضعوا الخطط، ويعدوا العدة لغزو هذه الولاية التي عرف السودان بأسره حماستهم وهدفهم الذي التصقوا به التصاقا، لقد اعتزمت ولاية نهر النيل والولاية الشمالية، جز هامة الدعم السريع ثم العودة لمضاربهم التي لا اثم فيها ولا ريب، وفي الحق أن قوات الدعم السريع تعلم أن  ولاية نهر النيل والولاية الشمالية تلتمس نزالهم، وأن جيشهم لم يعد بحاجة لمن يعينه بعد  أن انكب كل الناس في العمل، وتهافتوا على حمل السلاح، صونا لعروضهم، وحرصا على ممتلكاتهم، وحماية لمدخراتهم، لقد فهمت الولاية الشمالية وولاية نهر النيل الدعم السريع كما لم يفهمه غيرهم من الناس، والدعم السريع السادر في غيه، والممعن في ضلاله، يعلم أن هؤلاء الناس مستعدون للجهاد والتضحية، وأنهم كذلك ثائرين ساخطين عليه، ولكنه يجهل حتما أنهم جميعا واقعين في الاثم لا محالة، لأنهم ما زالوا ينتظرون مقدمه عليهم، هو يعلم أن أصوات الجيش المنكرة التي تجعله يقضي الليل كله خائفا مضطربا، قد التف حولها الناس، كل الناس في الولايتين، ولكنه يجهل أن الجيش والناس معا لذتهم التي لا تعادلها لذة، أن يطوي الله لهم الأرض، ويسخر لهم الريح وما شاء الله من قوى الطبيعة، حتى يصلوا إليهم في أماكنهم التي يتواجدوا فيها، فيحتدم الصيال، وتطير الرقاب، وتنقشع المعركة التي تنتهي حقيقتها التي لا تكلفنا عناء أو مشقة، فقوات "الدعم الصريع" قد منيت بهزيمة ساحقة، وأنها باتت عرضة للضحك والاشفاق، وأن كماتها الذين لم يكن هاجسهم مطلقا جلب الديمقراطية وتحقيقها، بل جمع طائفة من الحديد ممثلة في سيارات الدفع الرباعي بعد أخذها عنوة من أصحابها، والتنحي وتفريقها في زوايا الغرب ودول الجوار.

انسان الشمال الذي لا أريد أن اتخذه موضوعا لهذا المقال، لست في حاجة أن أوضح كيف تستهدفه قوات الدعم السريع، فالأحاسيس التي ملأت نفسها، والمشاعر التي تطبعت في مدارج حسها، هي بغض الشمال، وكلما ينتمي لانسان الشمال بصلة، ولعل التاريخ يحملهم على أن يجتهدوا في اذكاء هذه الأهواء الخطرة،  والتماهي مع هذه العواطف المنكرة،التي تعبث بحنياهم الصدئة الماقتة للقبائل النيلية، فقبائل الشمال التي إذا تحدثت لا تعرف إلا أن تصف الأشياء كما هي، في تاريخ المهدية القريب، كانت حقيقة محبة ومجلة للامام المهدي، وكارهة مسرفة في كراهيتها لخليفته الذي آلت إليه الأمور من بعد المهدي الإمام، فخليفة المهدي لم يكن يجد من يكفكف من غلوائه ويرده إلى العدل، وقبائل الشمال التي لا تعنو إلى قهر، أو تطمئن إلى غضاضة، فاضت على ما حولها تبرما وسخطا، فأطلق خليفة المهدي جنوده عليها من غير حساب، على ضوء ذلك نستطيع أن نزعم أن قبائل الشمال قد أسبغت على بعض القبائل التي تعود جذورها للب النزاع قناعاتها الخاصة، وأخذت تمعن في الاستخفاف بها،  القدح عليها، وبالمقابل أضحت قبائل الغرب تزدري قبائل الشمال، وتدمغهم بتهمة التعاطي والتزلف للمستعمر، ومما زاد الأمور ضغثا على ابالة، أن القبائل النيلية المعتدة بأصولها العربية، لا تتحرج من أن تستعمل في قواميسها ألفاظا تمجها القبائل الأفريقية، بل حتى القبائل العربية في غرب السودان وتنفر منها نفورا عظيما، فقبائل الشمال قانعة بأن جرثومتها تعود إلى منبتا مؤصل، ومجدا أصيل، وهي مع هذا كله لا تكتفي بهذه القناعة التي نعتقد أن الخطل يشوبها من كل مكان، بل تزعم أن القبائل العربية في غرب السودان، لم تصب العروبة إلا قليلا، وقبائل الشمال مترفة في هذا الزعم، مغالية فيه، وفي الحق أن مزاعمها السخيفة تلك قد مست حياة القبائل كلها، وجعلتهم يتحاورون طول النهار، وإذا أقبل الليل في تباهي قبائل الشمال بأصولهم، وزعمهم بأن أرومتهم تعود لعروبة محضة، وهي لعمري مزاعهم تتناقض مع لونهم الكالح، وشعرهم الأكرد، وقبائل الشمال التي تسرف في عدم الاكتراث لتشكيك القبائل الأفريقية في عروبتها، قد جمعت مع مغالاتها في التهكم والطعن على القبائل، طامة أخرى، ولا أدري ما هو ذنب الشمال إذا كانت النظم السياسية المختلفة، هو من هيأ لها قيادة من عنده، فالشمال سبق غيره من أقاليم السودان في المعرفة والاستنارة، ولم يكن هناك ما يعيقه عن  الحركة، والمضي قدما في الحياة العقلية التي استبق فيها غيره استباقا عظيما، فقد ضاقت مصر القريبة جغرافيا منه بطلابه، فالشمال لم يكن  في حاجة إلى حادثة من الحوادث حتى يقف على حقيقة العلم، والثمار التي يمكن أن يجنيها منه، لم يكن الشمال يجهل نفسه، أو يجهل حضارته التي لا يكاد البعض يتبينها، أو ينصرف عنها ويزهد فيها، لم يتورط الشمال فيما مضى في شيء من الاثم حينما اعتلى المناصب العليا في الدولة، ونحن نجد له العذر في ذلك، ولكن الآن بعد أن استأنفت كل أقاليم وقبائل السودان الصلة بينها وبين العلم، من المعيب  أن تظل الرتب الرفيعة حكرا عليه، والدعم السريع الذي يتهم الشمال بأشنع التهم، ويصدح باتهاماته تلك في عنف وقسوة، ساخط على الشمال وأمه وأبيه، لأنه اعترض سبيله، ووقف حجرة عثرة أما مخططه، ويتحمل الشمال أيضا إلى حد كبير ما تعرض له الدعم السريع من أخطار.

***

د. الطيب النقر

 

تستمر الحرب الاسرائيلية على الفلسطينيين في غزة، وتقترب من اتمام الشهر الثالث، دون أن تلوح بارقة امل في وضع حد لهذه المجازر التي ترتكبها دولة الاحتلال الاسرائيلي، على الرغم من التنديد العالمي بها. عجزت الامم المتحدة في ايقاف هذه المحارق، كما عجز ايضا، مجلس الامن الدولي في اصدار قرار، يلزم اسرائيل بالتوقف عن هذه الابادة. ان هذا يشكل بحد ذاته؛ ادانة للنظام الدولي، الذي يعمل منذ اكثر من ثلاثة عقود، والى الآن؛ وفقا للقواعد والمعايير الامريكية، وليس وفقا لقواعد وقوانين النظام الدولي، التي تم وضعها، على ما فيها من ظلم ودكتاتورية القوى الدولية، العظمى والكبرى، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. لقد وقفت امريكا كما هو ديدنها مع اسرائيل، بكل ما تمتلكه من قوة عسكرية، واقتصادية واعلامية وثقل سياسي في المحيط الدولي. استخدمت مجلس الامن الدولي لصالح اسرائيل، او لحمايتها، عبر مقعدها الدائم فيه. فهو أداة وآلية لضبط ايقاع العنف والحرب الدوليين، أو العمل على ايقافها في الفضاءات العالمية؛ لكنه، لم يتمكن من ايقاف؛ اغلب الحروب والصراعات في المعمورة؛ لأنها حرب انابة عن هذه الدولة العظمى او تلك الدولة العظمى؛ الا باتفاق هذه القوى الدولية.  فقد عطلت امريكا؛ اصدار قرار من مجلس الامن الدولي، يلزم اسرائيل بوقف مذابحها هذه في القطاع؛ باستخدامها حق النقض الفيتو قبل عدة ايام؛ واحالة دون تمرير قرار بهذا الخصوص، ثم عادت مرة اخرى وحولت مشروع القرار الاماراتي، الى مشروع لصالح اسرائيل؛ بعد ان تمكنت من افرغ اصل المشروع من محتواه ومضمونه، اذ، عطلت طرحه لعدة مرات، كانت خلالها تتفاوض مع دولة الامارات العربية في تعديل فقراته، حتى صار الى ما صار اليه. لقد كان هذا القرار في صلب ما هو فيه، من فقرات، جميعها لصالح الحرب الاسرائيلية على الفلسطينيين في غزة. فلم يتضمن اي فقرة تشير الى وقف الحرب، بل اشار القرار بدلا من وقف الحرب؛ الى تهيئة الظروف السياسية الى وقف مستدام للحرب الاسرائيلية، اضافة الى فقرات اخرى هي في المحصلة لصالح الحرب الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني على غزة. ماذا تعني تهيئة الظروف والاوضاع لأبرام اتفاق وقف الحرب؟ تعني تماما؛ افساح الطريق والزمن لإسرائيل في انجاز مهامها كما هي تقول عنها في القطاع، اي ان تستمر اسرائيل في الابادة والاجرام. ان هذا يشير وفي اهم واخطر ما يشير اليه؛ ان هناك اتفاق بين اسرائيل وامريكا في الذي تقوم به اسرائيل من حرب اجرامية. اما القول الذي يتردد باستمرار؛ من ان امريكا بايدن على خلاف مع اسرائيل نتنياهو ما هو الا خداع وكذب من اوله الى اخره. ان امريكا لا تدعم اسرائيل فقط، بل انها شريكة لها، في هذه الجرائم. ربما ان هناك خلاف في نوعية الحرب لجهة اتساعها، وفي شكل وطريق ادارتها، اما اساسها ومنطلقاتها واهدافها؛ فهي امريكية اسرائيلية بلا ادنى شك. دولة الاحتلال الاسرائيلي، ربما تخطط ان تدير غزة لفترة انتقالية، هذا حسب المخطط الاسرائيلي، وليس حسب حركة الواقع، بما فيه؛ من مقاومة بطولية؛ سوف تفشل هذه الخطط حتما. جيش الاحتلال الاسرائيلي يدفع في كل يوم يمر كلفة باهظة في الافراد وفي المعدات وفي الاقتصاد، بالإضافة الى اهتزاز الامن داخل اسرائيل، الذي سوف يؤثر على حس الاطمئنان والأمان الذي كان يشعر الاسرائيليين به، قبل طوفان الاقصى. امريكا تقول من انها لا تريد ان تتوسع هذه الحرب اي ان تظل بين اسرائيل والمقاومة الفلسطينية، إنما في حقيقة الهدف الامريكي من هذا؛ هو تمكيَن اسرائيل؛ لتنفرد في حربها الاجرامية على القطاع. لكن عندما اخفقت اسرائيل او قد منيت بالخسارة في حربها هذه؛ بدأت كل من اسرائيل وامريكا، محاولة جر اطراف اخرى، الى هذه الحرب، مع حرصهما على ابقاءها تحت السيطرة، وليس حرب مفتوحة؛ في لبنان وفي البحر الاحمر؛ للتغطية على فشل الحرب الاسرائيلية في تحقيق اهداف حكومة الحرب الاسرائيلية المتطرفة والعنصرية والمجرمة، هذا اولا وثانيا؛ لخلط الاوراق وصرف الانظار عن مذابح اسرائيل، وثالثا؛ الضغط على حزب الله، عبر الحكومة اللبنانية وحكومات اخرى عربية وغير عربية؛ للانسحاب الى شمال الليطاني. قبل ايام اعلنت اسرائيل من انها سوف تشكل لجان في شمال القطاع للأشراف على المساعدات الانسانية التي سوف تدخل الى القطاع؛ تطبيقا للقرار الأخير سيء النية في المنطلق والأداة والهدف، هذا هو المعلن؛ أما الذي لم يعلن؛ فهو ربما تمهيد لإدارة اسرائيل لشمال غزة مع فصل الجنوب عنه، او لاحقا زحف هذه اللجان إليه. في رأيي ان هذه التحركات لها اهداف اخرى؛ هي غير ما معلن ومكشوف عنه. لذا ان قرار مجلس الامن الأخير؛ سوف يمنح اسرائيل فرصة لتنفيذ هذه الاهداف في الزمن الذي تريده او الذي هي قادرة عليه، ربما لعدة اشهر اخرى، ولكن بطريقة اخف واقل وطأة وكلفة واثمان على اسرائيل. في الختام اقول: ان دولة الاحتلال الاسرائيلي؛ سوف تخسر حربها الاجرامية هذه، وسوف يكون الانتصار للمقاومة الفلسطينية..

***

مزهر جبر الساعدي

 

الدراسات والبحوث العلمية المنشورة في المجلات العلمية العالمية من الدول العربية قليلة أو غائبة، مصر نشرت دراستين، ومنشور واحد لكل من الإمارات والسعودية ولبنان والكويت والأردن، بينما تركيا نشرت (26) دراسة، وإيران (9) دراسات.

لم يحصل على جائزة نوبل بالعلوم إلا (أحمد زويل) من مصر.

فالمشاركة في المعارف العلمية للدول العربية تكاد لا تذكر، ويُقال أن إسبانيا ترجمت كتبا في سنة واحدة أكثر مما ترجم العرب في ألف سنة.

النشاط العلمي العربي يبدو إتكالي وخالي من طاقات وقدرات التفعيل الذاتي، والثقة بالجد والإجتهاد، والإيمان بالعقل، فكأن الأمة مصابة بالعُقم العلمي ، وتبدو وكأنها مقعدة ومندسة في هشيم الغابرات.

الأمة حولت عصورها الذهبية إلى عصور دموية دامعة حزينة، ذات نشاطات نواحية ولطمية.

فالمفكرون والفلاسفة ينوحون وينعون ويحسبون بأنهم ينجزون شيئا نافعا ومفيدا للأمة.

وجامعاتنا بكلياتها العلمية صامتة، وأساتذتها لا يقدمون أصيلا، ويملأهم الخوف والتردد، فيستصغرون جهودهم ويعتاشون على جهود الآخرين، ولا ينظرون في تراث الأمة المعرفي، ولا يعملون على إحياء تطلعات السعي العلمي الجاد.

فأين الكتابات العلمية والبرامج والدراسات، أين القوة اللازمة للحياة المعاصرة؟

إن جهد أبناء الأمة يُراد له أن يكون محصورا في الأدب والدين، ولا يجوز للأمة المنيرة المنورة أن تسطع على الدنيا، لأنها ستنطلق نحو آفاق السماء الإشراقية.

فلماذا لا يؤمن أبناؤها بالعلم ضرورة للحياة الحرة الكريمة، ويمعنون بآليات الهروب نحو السفسطات الأدبية والإسهاب في سكب طاقاتهم بعبثية على السطور، وكل منهم يدّعي بأنه الفارس المقدام وحامي الحمى والماجد الهمام، وما قدموا سوى النزيف الفتاك .

أمة العلم عودي إلى جوهرك العلمي لكي تكوني!!

***

د. صادق السامرائي

 

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام ١٩٩١ وتشكل عالم أحادي القطبية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وتربعها على عرش العالم تحكمه بالتهديد تارة وأخرى بأسلحة متقدمة صنعت بنفط عربي ثم بقواعد على مرمى البصر. وفي المقابل دعم كامل لدولة الاحتلال التي تتوسط قلب الوطن العربي.

بعد أن نكّل الفلسطينيون بهذه الدولة خلال الانتفاضة الأولى عام ١٩٨٧ استثمرتها منظمة التحرير الفلسطينية وسعت من خلالها إلى إقامة سلام مع دولة الاحتلال. وكان وقتها إسحاق رابين رئيسا للحكومة،فمنذ وصوله إلى الرئاسة شرع في تنفيذ خطوات من أجل تسوية نهائية مع العالم العربي. فكان ما سعى إليه من خلال أوسلو التي رفضها المتطرفون من اليهود. فكان من نتائج الرفض اغتيال رابين وصعود اليمين بقيادة بنيامين نتنياهو سدة الحكم. ومنذ تسلمه رئاسة الدولة كان قد انشغل عن متابعة النمو الاقتصادي وباقي الأمور المهمة لدولة الاحتلال بنشوة القوة والثقة بالنفس والانفراد بالآراء. ففي جلسة الافتتاح للكنيست عام ٢٠١٦ ألقى خطابا قال فيه انه( في هذه السنوات تحديدا فيما الشرق الأوسط ينهار كله من حولنا ،جعلنا إسرائيل دولة عظمى ليس دولة عظمى عليا.ولكن دفعنا مكانتنا قدما بشكل كبير كقوة عالمية في مجالات كثيرة جدا ومفتاح الأمن والازدهار واحد وهو قوتنا والقوة هي الأمل والأمل نابع من القوة).

والسؤال الذي يطرح تعقيبا على ما قاله نتنياهو هل قوة هذه الدولة نابعة منها ام أن هناك طرف خارجي سبب لهذه القوة؟

الإجابة التي لا تخفى على أحد انه ومنذ ولادة دولة الاحتلال والولايات المتحدة الأمريكية هي سبب هذه القوة،اي قبل وصول نتنياهو إلى رئاسة الحكومة. اما الخطر الذي يواجه هذه الدولة الآن لا يكمن بدول الطوق ولا من غيرها لأن معظمها قامت بالتطبيع معها إنما يكمن الخطر أنها باتت تقاتل منظمات إسلامية على راسها منظمة حماس في غزة وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن.

فعلى مستوى حماس وبقية الفصائل الفلسطينية في غزة نجد أن دولة الاحتلال قد تكبدت خسائر وصلت إلى مليارات الدولارات وليس أدل على انهيار هذه القوة المزعومة ما قامت به دولة الاحتلال عندما سحبت لواء النخبة جولاني بعد انكساره على أعتاب أسلحة المقاومة الغير متكافئة مقارنة مع أسلحة العدو وذلك أثناء المعارك البرية التي تورط بها في قطاع غزة والآن لا يعرف كيف يخرج منها بحفظ ماء الوجه الذي اندلق تحت أقدام كمائن مقاتلي القسام وبقية الفصائل.

والسؤال الموجه لنتنياهو بالذات. هل باتت القوة التي ينتشي بها تكمن في الاستقواء على المدنيين الأبرياء بصواريخ غادرة وقنابل محرمة يسقطها جبن ضباط وجنود الاحتلال من الجو؟ هل باتت القوة في ارتكاب ما ارتكبه جيشه ولا يزال من مجازر؟ هل قوته تكمن في مقارعة جثامين الشهداء ،فمرة يسطو عليها وأخرى يتركها لسباع الارض تنهشها في شوارع غزة المدمرة؟ ولصالح من يرفض وقف إطلاق النار ؟ لصالحه؟ لصالح أمريكا؟ أم ماذا؟

وأخيرا هل باتت نشوة القوة والتمسك بالكراسي من سيكسر عنق الاحتلال؟ هل هذه النشوة التي يعاني منها نتنياهو وكيانه الهش ستهوي بهم نحو قاع الشتات من جديد؟

***

بديعة النعيمي

ناكة وعكرها البين واعمى بصرها

تمشي بتوالي النوك وآنه بأثرها

هناك مفردات، أظن بعضها مسموعا حد الملل، لتكرارها على مسامع العراقيين، منها على سبيل المثال لا الحصر: الضيم، العوز، الفقر، الفاقة، كذلك القمع والقهر وغمط الحقوق، والنفي والتشريد والسجن والموت.

ومافتئ العراقيون يرتّقون فتقا هنا أو شقا هناك، لعل عراقهم يستقر ويهنأون بخيراته التي بددها سلاطين وحكام، كانت لهم صولات وجولات في سدة حكمهم. فمنذ عام 2003 حتى لحظة كتابة هذا المقال، اتخذت المفردات آنفة الذكر حيزا كبيرا في يوميات العراقيين، وزاد عليها ذاك العام مفردة السقوط، وقطعا كل سقوط يعقبه واحد من اثنين، إما نهوض او تداعيات في السقوط. والذي حدث آنذاك ومازال يحدث، لايمكن إخضاع تسميته الى قاعدة او قالب واحد يصلح لكل التفسيرات، إذ كلٌ يفسره حسب ما يظنه واقعا، او نزولا على ما يتمناه، او طبقا لما تملي عليه مصلحته، لذا فمنهم من يشيد بالانجازات التي حصلت رغم ضآلتها، ومنهم من يتذمر من سوء الحال وبؤس المآل، ومنهم من لاحول ولاقوة ولارأي لديه، بعد أن تسلل القنوط إلى داخله.

ومن المفردات المستجدة الأخرى، مفردة (التغيير). والتغيير يأخذ من المعاني الكثير، ومن الصور أكثر، والعجيب الغريب في ساسة العراق الجدد أنهم مشغولون بالتغيير، ويحتكرون ماهيته، كما يقدرونه تقديرا على مقاساتهم وأهوائهم وأمزجتهم، في حين أن المواطن قبلهم بحاجة ماسة إلى التغيير، لكنه يهيم في وادِ، وهم يعمهون في غيهم في وادِ غير ذي ضمير ووطنية وإنسانية. فيغمض لهم جفن ويهدأ لهم بال ويرتاح لهم ضمير وتقر لهم عين، وهم على علم بملايين الأفواه الفاغرة التي قلما تكتمل لديها النعم الثلاث في يوم واحد، وآن واحد وآنية واحدة، تلك النعم هي (الريوگ والغدا والعشا).

وإنه لمن المؤكد ان أصحاب الأمر والنهي والبت والحكم القابعين تحت قبب مجالسنا الثلاث، على دراية بأعداد المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر بألف درجة، ولم تصلهم رائحة أمل حتى لو حصل ألف تغيير. فالتغيير في نظر المواطن هو النقلة النوعية، في جوانب حياته التي مل من تردّي أوضاعها يوما بعد آخر وعاما بعد عام، وأتعبه ضنك العيش، وهو في بلد يفيض نهراه خيرًا وعطاءً، وأرضه مدرارة سطحا وجوفا بما تحلم فيه بلدان العالم، ومع كل هذا لم يلمس أي تغيير من الذي يسمعه منذ عام 2003. إذ يصطبح بالقلق ذاته، ويمسي بخيبة الأمل عينها، وهذا دأبه في حياته منذ الربع الأخير من القرن المنصرم.

وبدخول الديمقراطية والانفتاح في ذاك العام (المفترج) حل التغيير بكل ماأوتي من قوة، ولكن، باتجاه لم يكن بالحسبان، إذ شمل التغيير أشياء غير مرغوب بها، حيث طفت على السطح شخوص لاتنتمي إلى أعراف البلد وقيمه ومثله، ومازاد الطين بلة أن زمام الأمور ودفة السفينة بأيديهم، وفوق هذا التغيير وذاك، ما تطرحه لنا أشجار مجالس الدولة التشريعية والتنفيذية والرئاسية من جديد الثمار المنبوذة، إذ لم نعهد من كبير أو صغير دخل تحت قبب هذه المجالس إلا تغيير السير، وجعله عكس ما يشتهي المواطن وضد تياره ومصلحته، في حين أنه لايطالب بغير حقوقه.

فهل هناك في الأفق مايطمئن المواطن بالوجه المشرق لمفردة التغيير؟ أم ان التغيير في العراق يعني النكوص والتقهقر والخسارة والضياع، في زمن يسعى سكان المعمورة نحو حياة الرفاه عدوا وجريا وقفزا وتحليقا!

***

علي علي

اللعب الآن أصبح مكشوفاً، الجميع يكشفون أوراقهم على مائدة المصالح والمغانم وأصبح القانون في جهة والذين يتغنون به في الفضائيات والخطب الانتخابية في جهة أخرى، وحولهم ائتلاف مكون من المقربين والانتهازيين.

فيما آخرون يستعجلون قطف ثمار مهرجان مجالس المحافظات الكوميدي، فيما عدد من السياسيين وجدوا ضالتهم في الديمقراطية التي فسروها على أنها حماية لمصالحهم واستغلال لثروات البلاد، وإشاعة الخراب والجهل والانتهازية . ولهذا كان لابد لهذه الديمقراطية أن تظهر إلى الواجهة وهي تحمل عصا غليضة تهدد بها كل من تسول له نفسه الاقتراب من قلاع السياسيين الحصينة .. ففي لفتة كوميدية تنتمي إلى واقعنا السياسي تلقى الكاتب والباحث والشخصية الوطنية غالب الشابندر بلاغاً من المحمكة للحضور أمامها بعد أن قرر صاحب كتلة " السيادة " خميس الخنجر مقاضاته . لم أصدق الأمر عندما أخبرني غالب الشابندر بذلك وتوقعت أن الأمر مجرد فكاهة يطلقها الرجل لتلطيف الأجواء، لكن التبليغ الذي تسلمه الشابندر يقول إن ساستنا " الأكارم " يعتقدون أن من حقهم نهب ثروات البلاد، وإثارة النعرات الطائفية، واستغلال السياسة لمصالحهم الشخصية، وإشاعة الفوضى، وبيع المناصب، لكن ليس من حق شخص مثل غالب الشابندر أن يوجه لهم انتقاداً، او حتى نصيحة .. فكيف تسنى " للعميل" غالب الشابندر أن يتجاوز الخطوط الحمراء ويتحدث عن رمز سياسي مثل خميس الخنجر .. كيف استطاع هذا العميل الشرير أن يخدعنا كل الوقت ويقنعنا بأنه مع العملية السياسية، ومن انصار التجربة الديمقراطية العراقية التي تحسدنا عليها معظم شعوب العالم ؟ كيف تسنى لهذا الرجل الذي يقترب من عامه الثمانين ولايملك في عراق اليوم راتبا تقاعديا، أن ينال من نزاهة ساستنا التي حفروها بحروف من ذهب في سجل العمل المخلص لخدمة الأقارب والأحباب، وفي جهودهم لتحويل أموال العراقيين إلى ودائع في البنوك الأجنبية وإلى قصور ومنتجعات وشقق فاخرة.

غالب الشابندر،أحد القلائل ممن نجوا من طاعون التلوّن والانتهازية، وهو بضميره اليقظ وعفويته المحببة يُقدّم لنا كلّ يوم درساً تحليليّاً لما يمرّ به العراق بكلّ جرأة وشجاعة نادرة، وبدلاً من أن تبادله هذه الأحزاب القابضة على مصائر العراق، الحجّة بالحجّة وتردّ على خطاباته، راحت تسخر منه وتُفبرك القضايا المغرضة عنه، الشابندر يخرج كل يوم ليرفض المصير البائس الذي وصل إليه العراق، معلناً أن السير في هذا الاتجاه يعني، ببساطة، أنه لن يكون هناك أثر للمستقبل، لأنّ السير في هذا الطريق يكرّس قاعدة البقاء للانتهازي والفاشل وعديم الكفاءة والمتلوِّن، وهو بأحاديثه يستفزّ جماعة " ما ننطيها "

***

علي حسين

إن الشخصية العراقية وعلى مر العصور لها ميزتها الخاصة المتفردة عن أقرانها من الشعوب العالم فهي شخصية فريدة في نوعها التفكيري ونمط سلوكها في المجتمع المعقد والمتعدد الأعراق والأديان والمذاهب لن تنقاد بسهولة من قبل كل من تسلط على حكمها حيث كانت صعبة السيطرة كثيرة التمرد والنفور والتذمر على واقعها السياسي والاجتماعي كان تأريخ  شعبها ذو سجل وافر من الثورات والتمرد والفتن والانقلابات التي أرهقته وأرقة حكامه فأن شخصية العراقي تجمع كثيرا من التناقضات المختلفة في السلوك والتفكير وطبيعة العيش نتيجة الحروب التي توالت على حكمه فقد أكسبته التمرد والتنمر والتسلط والزهو بنفسه والاعتزاز بحضارته وموروثه التاريخي الذي ساد به العالم القديم وقدم له الحضارة أما في السنين الأخيرة من القرن الماضي تحولت الشخصية والنفسية العراقية إلى منحنيات مختلفة عما كان عليه من طيبة قلب وعفوية ودرجة عالية من الوعي الثقافي والأدبي والحضاري والمعرفة والإبداع التي جعلت منه في مصافي العالم المتحضر حيث أصبح شخصية أكثر منها دموية وعنيفة في أسلوب التعامل مع الآخرين نتيجة الحروب التي زُج بها العراق على مدى أكثر من ستة قرون مضت وأكثر تسلطا في مجتمعه ومحبا للقيادة قليل الوفاء في الفعل والقول ضيق الأفق قليل الصبر وأقل ارتباطا بوطنيته وعراقيته  ودينه وعقيدته التي كان يتمتع بها الفرد العراقي التي طالما قدم لها مواكب من الشهداء الزكية الدماء من خلال حروبه دفاعا عن الأرض والعرض والدين آخرها حروب عام 1948- 1967-1973 وآخرها  عام  2003أن هذه المتغيرات هي نتاج إفرازات الحروب التي فُرضت على العراق في حقب متتالية من تاريخ الشعب العراقي سببت له تعقيدات في تركيبة نفسية المجتمع وألقت بظلالها على سلوكية الفرد حيث أبتعد بها عن شخصيته القديمة  التي كان يعرف بها سابقا  أما الآن أصبح أقل وهجا لهذه الخصائص في نفسيته بواسطة خططا عدوانية مرسومة له بإستراتيجية معدة لهذا الشعب الذي أرق الأعداء حيث جعل منه سريع الغضب إنسان وصولي بشتى الطرق والوسائل على حساب أهله ومبادئه فقد المصداقية في تعامله داخل مجتمعه وهذه النظرة ليست برؤية التعميم بل أصبحت الطاغية وظاهرة مجتمعية تسود الأكثرية وهذه الصفات الجديدة عليه سببت تداعيات خطيرة في حياته وأسلوبه في العيش مع نفسه ومجتمعه وأثر تأثيرا واضحا في تدمير المجتمع والأسرة بالذات منها حب النفس والذات والمخادعة والمراوغة مع الآخرين والتستر بالدين كغطاء شرعي ديني لتمرير شخصيته الجديدة ونفوذه الاجتماعي والمادي فقد شاءت دول العالم صاحبة القرار السياسي في قيادة شعوب العالم الجديد والمتفردة أن ترسم ملامح الخطط التدميرية لهذا الشعب للأخذ به إلى هذه المنحدرات للسيطرة على عقليته ونفسية وتدميرها لتنفيذ مشاريعها في المنطقة من العالم والأمة العربية خصوصا والعراق بالذات وفق منظور مبين لها لما يمتلكه العراق وشعبه من مقومات خاصة تعرفه هذه البلدان.

***

ضياء محسن الاسدي

تبنى العلاقات الدولية على المصالح المباشرة أو غير المباشرة بين مختلف الأطراف في شكلها الثنائي أو المتعدد الأطراف، ومسألة أولوية المصالح على الحسابات السياسية والاقتصادية محل جدال كبير، فقد تحدد الحسابات المسبقة مصير هذه المصالح إما أن تعتمدها أو تلغيها وذلك وفقا لتقدير حجمها وطبيعتها بناء على تقييم القدرات الذاتية والإمكانيات التي يمكن توفيرها لتحقيقها .

هناك مقولة شائعة في مجال السياسة الخارجية والعمل الدبلوماسي والعلاقات الدولية " المصالح تتصالح" وهو كذلك فعلا، ومن الأشكال المتطورة من هذه المصالح المتصالحة علاقات التعاون الثنائي، علاقات الشراكة المحدودة، اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية، والتحالفات، وتتعدد وتتنوع المصالح على حسب طبيعة مجالاتها، السياسية، الاقتصادية، الأمنية والعسكرية.. وتمثل الأطر القانونية لتأسيس هذه العلاقات التجسيد العملي لها في اتفاقيات تتضمن جملة التزامات موثقة وملزمة للأطراف الموقعة عليها، تحدد حقوق وواجبات كل طرف بما يحقق الغاية منها.

 تستند غالبا المصالح إلى وجود قواسم أساسية كافية ويمكن أن تعتبر من قبيل الأرضية المناسبة لصياغة توافق قومي، أو تقارب مذهبي واندماج ايديولوجي، وذلك من أجل ضمان بلوغ مستويات عالية من التنسيق بين الدول في المواقف السياسية أولتجسيد مظاهر حيوية من التكامل الاقتصادي، أو تطوير القدرات العسكرية من خلال التدريبات والمناورات المشتركة وتبادل التجارب والخبرات وتنظيم الندوات والمؤتمرات والدورات التكوينية والتثقيفية في المجال الأمني والعسكري التي تحكمها خلفية مذهبية مشتركة.

أصبحت القضايا الدولية الحساسة لا تطيق الانتظار أو التأجيل فسرعان ما تتأزم العلاقات وتبرز التحذيرات ثم التهديدات، والتصعيد حتى التلويح بالقوة العسكرية، وتلعب طبيعة المواقع الجيوـ استراتيجية لمختلف الأطراف المتحالفة دورا هاما في رسم معالم وآفاق التعاون وتحديد الأدوار في إدارة الصراعات، وفي الغالب والأعم أن تكون هناك قوة سياسية ـ اقتصادية ـ عسكرية كبيرة هي التي تدير سيناريو الأحداث، ولسنا بعيدين عن العالم العربي الذي تشرذمت فيه قوى نابعة منه تحت عباءات وعمائم وصارت حركتها كدوران الإلكترونات حول النواة كلما كانت مداراتها قريبة من النواة كلما كانت أشد، ولكنها ستكون بذلك قد رهنت إرادتها وربما مصيرها بالطرف المحوري، الحاصل الآن أن ثمة من يشتّم طبيعة المواقف ويدرس نقاط الضعف ليحدد واجبات الأطراف الحليفة معه بالشكل الذي يضمن التنسيق فيما بينها ويحقق التكامل لها في منطقة تحيطها ثلاث بحار ويجمع بينها قاسم مذهبي واحد .يمتلك الطرف الأقوى حاسة شم كبيرة لتحديد مواقع الأزمات وأماكن الاضطرابات، ويتمتع برؤية واسعة تستند إلى جهود رصد ومتابعة جيدة لمختلف التحركات، وعليها يتم رسم حدود وحجم التدخل، ويضع لها صيغ الشعارات المناسبة لرفع الحرج وضمان الاستقطاب الشعبي حوله، لقد وجدت القوى المدارية عوامل بقائها في دعم القوة المحورية، ووجدت القوة المحورية في الأطراف المدارية عيون لها تمثل امتداد طبيعيا لبصرها. هكذا طبيعة المصالح عندما تتصالح.

***

صبحة بغورة

(مهداة لمن عبد الصنم الأكبر وأصحاب الأخدود)

وأنا راقد في نومي أشاهد محرقة غزة على شاشة تلفازي الكبيرة، لوح لي بيده المخضبة بالدماء، وقد زينت بحروف عربية، ربما يكون خط كوفي أو الجليل أو المغربي أو المطبعي. ما استطعت أن أعرف منه سوى أنه خط يد كتبت اسما على دراعها " وريث الرنتيسي "، دراع شظية من جسم طفل غزاوي اعترض بيده قنبلة أمريكية تزن 5000 طن من المواد شديدة الانفجار، قائلا لها: هل تخيفني يا خسيسة الصهاينة النازيين الفاشيين الداعشيين؟ كيف لك ذلك وأنا طير من طيور الجنة؟ كيف تخاف طيور الجنة وقد شرفها الله بالشهادة والطفولة معا؟ وأنا أتحداك أن تنالي من روحي المجاهدة. ألا يعلم الصهيوني الغاشم والأمريكي الهمجي؛ من رماني بها أنه جبان بكل اللغات والحروف والخطوط والألوان؟

وأنا أصغي بكليتي الجوانية لتلك الإشراقة الملائكية، كدت أسأله لو لم يبادرني بالسؤال:

ـ أيها الراقد على سرير الجهل، الملتحف بملاءة حرير لم تصنعها لنفسك؛ قل لي كيف حالك، وقد قلت لك أني بخير وألف خير؟

ـ هل أعجبتك مشاهد انفجار جسمي، وسمو روحي؟ ألا ترى أجنحتي الأربع التي كسانيها الله للمعراج السماوي؟

ـ قل لي وأنت النائم الحالم بنتوءات حور الدنيا: هل أنت من شيدت صرح الخوف في ذاتك ورعيتك؟

ـ أنا حي بين أشلائي، أستجمع أنفاسي للرحيل عنكم حيث الشهيد أبي وأمي وأخي وأختي وكل أسرتي وعائلتي ورفاقي وأصدقائي وناس حارتي ووطني، والمجاهد الذي يحميني ويدافع عني؛ فهل حضرت اليوم للرحيل معي، وأنت تحمل بندقية ورغيف خبز لي؟

ـ أيها النائم الحالم بكل القصور والوقود والبخور؛ ما رأيت من بين الجنود رجال الله؟ أكنت نائما منغمسا في التحريض على أطرافي وأحشائي؟

ناجيت نفسي وأنا أفكر فيما قال من شواهد العيان وحقائق الأيام ودسائس الأغنام؛ لكن، ربما أردت وأنا أشاهد تلك الصور التي مرت أمام عيني مستيقظا، القول بالأنعام أو بالنعام. لم أعد أتذكر لأني كنت حينها كالثمل في حانات الأعراب شاربا شرب البعير؛ لا يميز بين الحقيقة والوهم، أو بين الماء والسراب. تائه كالسحاب وهائم كالذباب. والمهم؛ أن لا شيء يهمني سوى ذاتي ونفسي من كل هذا الحضور الباهت وتلك الأسئلة الكوابيس. فلم أعد إلى وعيي إلا مجيبا:

ـ يا حبيبي " وريث الرنتيسي " أنا حضرت إلى عالمي من أنثى، وأحن للأنثى، وأنام في أحضان الأنثى، وأطلب أنثى عندما أرقص مع الأنثى، وآخرتي حور عين أنثى. وفائضها قصر ومال ويخت وطائرة وعسس وخدم وحشم ورقص وطرب وغناء ثم فناء. فلما أحرق نفسي في أتون قوتي، وملذاتي في ضعفي. فلا تحاججني؛ بل، " إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ". حينها سمعته يرد همسا بل جهرا في أذني: " قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ".

ما أنا بفاسقّ طبعا! وإنما هو الغسق الذي أرداني غسقا بالتطبع، وما بينهما مشترك، أنت لن تدركه حبيبي لصغر سنك. وعندما تكبر ستدري أني ما كنت إلا طالب سلامة لا ندامة. فلسفة حياة أدركتها منذ قيل لي: أن هنا بأسا شديدا، ونارا وحديدا، والعم سام وقرده ني. وهناك بلادة وغباوة وجهل وفقر وحوف ومهانة ومذلة، وقاموس إنسان مبتذل، ممسوح الكلمات والأوراق والألوان. يراجع فيه أساطير السيوف والقوافي الخوالي من كل الأحداث والزمان. يتوسده عندما ينهال علي الضرب والزلزال، ويستفيق على قراءة العودة والانبطاح، وما بينهما تراتيل التطبيع وأناشيد سفر الإبراهيمية في معبد البهيمية.

هكذا؛ أجدك يا عمي المغمى عليه؛ ليس لك مني شيئا لأنك لست أنا وأنا لست أنت؛ نحن في نهجين متوازيين باتجاهين مختلفين. أنت من الأعلى إلى الأسفل، وأنا من الأسفل إلى الأعلى، وشتان بين الاتجاهين. لذا؛ ما رأيتك تجمع أشلائي، ولا تقرأ آي القران، ولا تنادي بقتال، بالتحرر، بالنار. فأنت مستسلم خائر القوى تحت الأقدام. فلا تزايد علي بقرارات الهوان.

أنا مازلت أكتب أسماء الشوارع والأزقة في المخيمات والمدن بدمي ولحمي وأطراف جسدي، وأنتصب حارسا للأرض والدور والمباني والأكفان أمام العدوان، وأحارب الجيش المهزوم الخائف من حياتي وأرواح الشهداء مثلي، ونفائس المجاهدين العائدين من محراب الصلاة والدعاء والقنابل، من أوقعوا الصهيون البربري في شرك القتل والفناء والبكاء. ونصبوا له المقاصل والرماح فوق وتحت الرمال، وحفروا له القبور، وختموا له جواز العبور إلى نار الخلود بالمداد والردم والشمع على التابوت، وقراءة أسفار موسى وشروح التلمود على مسامع من أتى إلى غزة غازيا فارتمى على بطنه مسافرا إلى المقابر عبر المعابر.

أيها النائم بين الصوف والحرير، بين الترف والنعيم، بين الجنس والشراب اللذيذ؛ ألا ترى نومي بين البنادق والقنابل، بين الخنادق والأنفاق، بين أشلائي وأحشائي، بين التراب وأنقاض غرفتي، بين دفاتري وسجل اسمي، بين ألعابي ولعابي، بين الساحات والمدارس، بين المساجد والكنائس، بين الهلال والصليب؟ ألا ترى معي أني ناديتك في اليوم ألف مرة ومرة؟ أني راحل بكل التراب إلى التراب! وما أبقيت لك من الرجولة إلا صورة الذكر في قطيع النعاج! وما أدراك ما النعاج؟ عشب وشعير وتبن، وحلب زينة حظائر، بيع وشراء ونقود في جيب المزارع الجبار، وذبح على أعتاب معابد الكلام في المحافل: لك حق الوجود إن عبدت الصنم الأكبر وأصحاب الأخدود، وما لك وجود إن رفعت الصوت بالتنديد والوعيد؛ وما سمعت صوتك من قبل مرتفعا في الحشود!؟ وما أعتقد وأنا أواسي أشلائي وأنقاض وطني، وأناجي سماء مجدي؛ أنك برافع رنين جرس الدار، ودمدمة الطبل. فأنت أضعف وأجبن أن تفعل ذلك كما قيل لي على مصعد السماء، ومعراج الشهداء.

فلما تناديني وأنت بعيد عني بعد السماء عن الأرض، بعد الجهاد عن الاستسلام، بعد العربي عن الأعرابي؟ فأين أنت من محرقتي؟ أغلقت كل الحدود، وجيشت كل الحشود في وجه الشجب والتنديد لكل الشعوب، وشيدت كل السدود متاريس دفاع عن غاصب جاءني بالطائرات وأطنان القنابل، وفتش كل شيء على أعتاب بابك ومنازل جيشك؟ فلماذا تناديني مع كل هذا الخنوع والبرود؟ فلا تناديني، فاليوم يومي إما نار وحديد وقتال أو استشهاد على تخوم الجنة والمعبود، فما أنا سوى طائر في سماء الخلود، أكتب على جدران بيتنا وبقايا الوطن أني هنا حي فوق التراب وتحت التراب، بالنصر أو الشهادة، وباليتم والعزة أعود، وربي المعبود من جلدي يولد الضيف وأبو عبيدة والسنوار وهنية وكل القادة وأترابهم المجاهدون في ساحة الوغى من جديد حتى تحرير الأرض والقدس والقيامة والإنسان. فلا تناديني فأنت لست مني فجلدتك من جلدتهم، فلا تسأل عني فإني بخير وألف خير، فخبرني عن حالك أنت النائم فوق الوهم وتحت الوهم، وما الوهم سوى سراب ضمآن.

هكذا رأيته في يقظتي ورآني في منامه، سابحا في السماء، يضيء الأرض بنور طفولته وبسناء شهادته، وأنا خائف مرتجف من شهب تساقطت على أطراف جسدي، ودائرة وجودي. عجبا لطفل فلسطيني رجل قبل تبيان ذكورتي، وسقوط رجولتي عند أعتاب حروف وجودي المشيد بأحرف: أل الشمسية، وتاء التوبة عن عروبتي، والطاء عنوان طاعتي، والباء باء البقاء في عبودية سيدي، والياء حرف لين في هويتي: التردي، والعين عين الانبطاح والذل والهوان. والباقي رتق للحروف ينادي ألف استفهام واستفهام ...

ثم أردف وهو يدلف باب الحسرة علي: هل عرفت أنك جبان جبن من أجبنك بالطائرات والقنابل والأساطيل؟ فأنت من طينة من أتته طير أبابيل في الفجر بشر مستطير، فتاه من يومه على وجهه يستنجد بالذي يحميه من النشأة إلى يوم الفناء. فهو؛ كالذي تعرفت عليه في ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ١ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ٢ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ٣ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ٤ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ٥﴾، وجمع كل أشلائه في كيس أبيض بياض شهادته، وارتفع ممسكا أيادي أطفال غزة من سكنوا الديار والخيام والساحات والمدارس والكنائس والمساجد والخلاء والوطن، وتشاركوا الحياة والشهادة معه إلى السماء، وقد حامت بهم طيور الفردوس الأعلى، تبشرهم بالحياة في جنة النعيم على ترتيل (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) ... وأما أنا فقد استيقظت على ضحك وقهقه أحبائي بني صهيون وبني أمريكان لبلل أصاب سروالي، وربما تغوطت فيه لكثرة انبطاحي ...

***

عبد العزيز قريش

فاس في: 22/12/2023

بدأت فكرة القبة الحديدية في أعقاب حرب تموز ٢٠٠٦ حينما أصدر وزير الدفاع (عمير بيرتس) الأوامر بتصنيعها بهدف تشكيل درعا من الصواريخ متوسطة المدى. ويقال بان أوامر تصنيعها جاءت مدفوعة كرد على حرب لبنان. بينما نفى خبراء يهود في دولة الاحتلال ذلك الخبر حيث رجحوا أن الهدف هو الصواريخ القادمة من الجبهة الجنوبية (صواريخ حماس).

والقبة الحديدية عبارة عن منظومة دفاعية ضد الصواريخ قصيرة المدى تصل تكلفة الصاروخ الواحد حوالي ٥٠ ألف دولار، وأن الولايات المتحدة الأمريكية شريكة في إنتاج هذه المنظومة. ويقول الباحث الاستراتيجي (رؤوين بدهتسور) (أن القبة الحديدية على الرغم من نجاحها في إسقاط العشرات من الصواريخ التي أطلقت من غزة إلا أن اختبارها الحقيقي يكون إذا أطلقت آلاف الصواريخ على التجمعات السكنية الإسرائيلية فإن نسبة إسقاطها لهذه الصواريخ سوف تهبط ولذا في إطار حرب شاملة فإن القبة الحديدية لن تستطيع ولن تكفي لأسباب اقتصادية وللكمية الكبيرة من الصواريخ التي يملكها (حزب الله وحركات المقاومة الفلسطينية) التصدي لهذه الصواريخ وستنكشف الجبهة المدنية مرة أخرى ولن تستطيع القبة الحديدية حمايتها كما فعلت هذه المرة التي تميزت بإطلاق عدد محدود من الصواريخ لم يتجاوز المئات يوم) ويقصد الباحث ب (هذه المرة) الحرب على غزة ٢٠١٢ التي تسميها دولة الاحتلال ( عمود السحاب).

وفي الحرب الحالية على غزة ٢٠٢٣ لاحظنا أنه ومن خلال ما نشر على وسائل التواصل وشبكات التلفزة أنه ما ان تطلق المقاومة رشقة صاروخية حتى تطلق صفارات الإنذار في مدن دولة الاحتلال ويفعل فورا نظام القبة الحديدية ،لكن سقوط صواريخ المقاومة على هذه المدن مثل مدن غلاف غزة وتل الربيع والقدس وصفد وغيرها وإلحاق الأضرار المادية والبشرية يعلن الفشل الجزئي لهذه القبة ،حيث ان نظام القبة يستطيع اعتراض ما نسبتة ٩٠% غير أنه لم يعترض الكثير من صواريخ المقاومة وهو ما وصفه الخبراء بالأمر الغريب.

كما تناولت وسائل الإعلام خبرا في بداية الحرب مفاده أن المقاومة اطلقت خلال يومين ١٠٤ صاروخ من قطاع غزة وأن مضادات القبة اعترضت ٢٢ منها فقط، حيث سقط ما يقارب ال ٥٠ صاروخا في مناطق مفتوحة في دولة الاحتلال. وقد نقلت ذلك هيئة البث لدولة الاحتلال عن الجيش (بيانات اعتراض القبة الحديدية قيد التحقيق).

وهذا يثبت فشل القبة الحديدية كما قال الباحث (رؤوين بدهتسور) في قدرتها على تلقي هذا الكم من الصواريخ.

***

بديعة النعيمي

 

الأديان تتقدد ولا يوجد دين على وجه البسيطة لم تصبه الإنشطارات الأميبية المتواصلة، ففي كل دين تنشأ مذاهب وفرق وجماعات وفئات ومدارس ورؤى وتصورات، والعجيب في أمر السلوك البشري، أن الصراع بين أبناء الدين الواحد  بإنشطاراته المتناحرة يكون أشد وحشية وقسوة وشراسة من صراع أبناء الدين مع أبناء دين آخر.

ومن الصعب تفسير هذا السلوك التماحقي الفتاك الذي عصف بالأديان، والأمثلة كثيرة ومتكررة، وفي الديانة المسيحية ما لا يحصى من الحالات التماحقية المرعبة ما بين الكاثوليك والبروتستانت، وكذلك في الديانات الأخرى.

ومسيرة الإسلام فيها العديد من التفاعلات القاسية ما بين أبناء الدين الواحد ومنذ بدايات الدين.

ولا تزال الصراعات ما بين فرق الإسلام  المتنوعة في ذروتها، وبين آونة وأخرى تظهر فرق وجماعات تدّعي بأنها تمثل الدين وتريد إبادة الآخرين لأنهم من الكافرين والمتآمرين والخارجين عن الملة أو الجماعة، وتهمة الزندقة معروفة في تأريخ الإسلام.

ويبدو أن الأديان في جوهرها العميق، ربما  تعزز نزعات الغابية المتوحشة عند البشر، وتحرره من المسؤولية وتميت الضمير، لأنها وكأنها تمنحه التفويض الإلهي لإرتكاب الآثام والخطايا، لأنه ينفذ أمر ربه الذي يعبد، وبما يقوم به يتقرب إليه، ويؤكد صدق إيمانه وقوة إنتمائه للدين بقتل إبن الدين الذي لا يرى مثلما يرى.

ولعبة الفرقة المحظوظة موجودة في جميع الأديان، وتتسبب بتماحق أبناء الدين الواحد، فكل فئة أو فرقة تدعي بأنها ستفوز بجنات النعيم وغيرها إلى الجحيم، وعليها أن تقتل غيرها، لأنها هي المنزهة المنصورة المؤيدة الموعودة بالجنان، وغيرها ستلتهمه النيران، وهي من نسج الغيوب ولا دليل قاطع عليها، فالغيب سلطان وبموجبه تتصارع الأديان ، وتتهاوى بنيان الدين بتدمير الأركان، فكأن الدين قتّال شديد لإبن الدين بعد إخراجه من كينونته الإنسانية، ووصفه بالمروق والعدوانية فيكون قتله من الإيمان السليم!!

فقل عاش قناع الدين!!

***

د. صادق السامرائي

 

ان المنظومة الرسمية العربية؛ كان بامكانها تماما، طبقا لإمكانياتها؛ ان تكون قوة دولية ذات وزن في موازنة العلاقات الدولية؛ يحسب لها ألف الحساب. إذ اغلب واهم الممرات البحرية والبرية وما إليهما، على بحارها واديم ارضها، اضافة الى ان انها غنية ليس بالنفط والغاز فقط، بل بالمعادن والثروات الأخرى الموجودة تحت هذه الارض، اضافة الى  حجم سكانها، الذي تجاوز ال 400مليون نسمة، وجغرافيتها القارية.  لكن اي من هذا، لم يكن لها وجود، بل ان العكس، كان الصحيح. فقد ظلت المنظومة الرسمية العربية خلال اكثر من قرن؛ تعقب خطوات هذه الدول العظمى او الكبرى. ان الانظمة التي حكمت ولاتزال تحكم الدول في المنطقة العربية؛  لم تستخدم وتفعل هذه الامكانيات، او هي لم تريد اصلا،  او لم تبذل جهدا كافيا وخلاقا ومبدعا، كما بقية الامم على وجه الارض؛ التي كانت يوما ما، ليس ببعيد عن الوقت الحاضر؛ تعاني من الفقر والجوع والحروب الداخلية، والاحتلال والسيطرة الاستعمارية، لكن انظمتها لاحقا بعد التحرر من الاستعمار والاحتلال، وانتهاء الحرب الاهلية؛ بذلت كل جهدها واستثمرت جميع امكانياتها؛ لتكون دولة عظمى واخرى كبرى، الصين والهند. لقد كانت الارض العربية، فريسة او ميدان لتدخلات القوى الدولية الكبرى في العالم، والقوى الاقليمية المجاورة، ليس الآن فقط، بل قبل الآن بعدة عقود ان لم اقل اكثر كثيرا. هذه التدخلات كانت ولاتزال لصالح مصالح هذه القوى الدولية والاقليمية، وليس لمصالح الشعوب العربية واوطانها، باستثناء مصالح هذه الانظمة التي كانت، القديم منها والجديد؛ تثبيتا وترسيخا لحكمها. صحيح ان الامبريالية العالمية ودولها الاستعمارية، كانت ولم تزل  قد خلقت وتخلق الى الآن؛ الكثير من العراقيل والمطبات، والكثير من المؤامرات، لكن هذا كله لا يعفي هذه الانظمة من مسؤوليتها التاريخية في ضياع كل فرص التطور والتنمية ووحدة الصف سواء داخل كل بلد عربي او على صعيد وحدة الصف العربي في مواجهة هذه القوى الاستعمارية الامبريالية، بل ان مسؤولية هذه الانظمة هي مركز الثقل في نجاح هذه التوغلات في الجسد العربي سواء على صعيد الوطن الواحد او على صعيد جميع الاوطان العربية؛ فهي انظمة اما دكتاتورية مستبدة، او انظمة ثيو قراطية، او انظمة دكتاتورية ثورية ومستبده؛ تقاتلت ايديولوجيا وسياسيا ومخابراتيا مع بعضها البعض؛ إنما هي جمعيها، في النهاية، تقع في ذات الخانة. لقد حكمت هذه الانظمة ولم تزل تحكم الشعوب العربية بالحديد والنار وبالسجون وتكميم الافواه، مما قاد الى الفشل والاخفاق بفعل مفاعيل الحاكم العربي؛ في تأسيس قاعدة مجتمعية واسعة افقيا وعموديا، سياسية وثقافية وفكرية؛ تنهض بهذا التفاعل والانفتاح والتطور؛ بفتح طرق ومسارات لكل هذا، بمشاعل التنوير، الذي يشكل رافعة لتطور الدول العربية وشعوبها. لقد ظل المتنورون خلال اكثر كثيرا من نصف القرن العشرين، والى عقود القرن الحادي والعشرين المنصرمة، حتى الآن؛ يحملون المصابيح، وهم يدورون بها في الازقة والدروب، خوفا من البصاصين، وبطشهم في ليل العتمة العربي؛ كي يضيئوا للشعوب؛ المسار الى الحرية والحقيقة والتطور الحق وليس القشور التي بها، المخادعون والمأجورون؛ خدعوا ويخدعون بها الشعوب العربية حتى اللحظة في تخادم مصلحي ونفعي تبادلي بينهم وبين عروش سلاطين العرب. أن المتنورين من القوى السياسية الحية، او من حملة الافكار والرؤى المهتمة بنهوض وتطور الشعوب والاوطان العربية، الذين حملوا على اكتافهم وعلى طرف لسانهم وبأقلامهم وبأذرعهم في ميادين النضال والكفاح؛ هموم الناس والاوطان؛ قد كبلت تحركاتهم بأصفاد الحاكم العربي على مدى زمن امتد لأكثر من ثلاثة ارباع القرن والى الآن. ان هذا قاد حكما على ان يكون هناك بون شاسع بين النظام الحاكم والشعب. ان هذا هو من دفع الأغلب من الأول؛ للبحث عن الدعم والحماية؛ من القوى العظمى  من ثورة الشعب. ان هذا الدعم والحماية ليس بلا ثمن بل ان الاثمان فيه باهظة جدا، على صعيد السيادة والقرار المستقل في الاقتصاد والسياسة وما هو ذو صلة بهما. ان الاغلبية المطلقة من الحكومات العربية؛ أخضعت شعوبها وهي تخضعها الى الآن؛ لمقتضيات هذه اللعبة الدموية والمدمرة، للوطن والشعب، القديمة، الجديدة. ان هذا كله يجعل هؤلاء الحكام يبحثون لهم، عن ملاذ أمن، لهم ولنظامهم، من غضب الشعوب يوما. بدلا من ان يتصالح هؤلاء مع شعوبهم؛ بفتح طريق الحرية والتطور لهذه الشعوب، التي، ان تم لها هذا الطريق فهي الضمانة والحامية للنظام وللوطن وللشعب ايضا، وليس القوى الاستعمارية سواء الدولية او الاقليمية. لكنهم ظلوا الى الآن؛ يحتمون من انفجار شعوبهم تحت القواعد التي تحمل كراسي عروشهم؛ بالقوى الاستعمارية الامبريالية؛ من انفجار ثورات شعوبهم عليهم، ومن اطماع الجوار في ارضهم ووطنهم. هذه القوى الدولية لها مصالحها التي هي في المنطلق والنهاية والاهداف؛ تخدم شعوب هذه القوى الدولية، وتخدم ايضا في تلازم متوازي؛ خططهم في المنطقة العربية وفي العالم، على حساب مصالح دول وشعوب المنطقة العربية، وحتى جوارها الاسلامي. هذه الطريقة في تعامل الاغلبية المطلقة من الانظمة العربية مع شعوبها ومع القوى الدولية والاقليمية؛ ليست وليدة اليوم، بل انها، كان قد مضى عليها ما يقارب القرن من الزمان، ولا تزال الانظمة تعمل بها على الرغم من كل النكبات وضياع فرص التطور؛ حتى صار الاغلب الاغلب من النظام الرسمي العربي الذي يحكم الاوطان العربية؛ يستعين بالقوى الاستعمارية الامبريالية، سابقا وحاليا؛ طلبا للحماية  ودرء الاخطار المحدقة بها، وبأوطانها وشعوبها. لقد تصارعت الانظمة العربية مع بعضها البعض، بصورة واضحة ومكشوفة مرة ومرات بصورة خفية وسرية، لكنها في الحالتين ظلت في صراع مستمر؛ مما نتج عنه حكما انعدام الموقف العربي الموحد في مواجهة التحديات.

***

مزهر جبر الساعدي

في مخيلة كل منا صورا "رائعة من الذكريات على شكل شريط سينمائي يمر كلمح البصر كلما أعدنا تشغيل زر الذاكرة للماضي الجميل الذي عشناه في ثنايا مدينتنا الحبيبة شنكال (سنجار) في كل زقاق وحارة ومحلة وشارع حتى غدت جزءا "لا يتجزء من حياتنا بعد أن ذقنا مرارة الغربة وآهاتها لأننا عشنا في كنف مدينة ضربت أروع صور التعايش السلمي والتعاون والإلفة والمحبة والإخاء بين جميع مكوناتها دون تمييز .

ليت الزمن توقف وتحطمت عقارب الساعة عند تلك اللحظات والساعات عندما تدخل سوق شنكال (سنجار) ينتابك شعور مفعم بالفخر والإعتزاز بإنتمائك الى أروع مدينة كونها تشكل عراقا "مصغرا" بتنوعها الإجتماعي من خلال ما يصادفك الإيزيدي والمسيحي والمسلم والكوردي والعربي مع حفظ الالقاب والتقدير لجميع عشائرنا الأبية من كل حدب وصوب لتشكل لوحة فسيفساء رائعة كحديقة غناء متنوعة الأزهار بتعدد الوان الطيف الشمسي متعايشين متحابين يجمعهم حب الوطن ويفتخرون بشنكاليتهم (سنجاريتهم) كل حسب طريقته .

ليت الزمن توقف عند تلك الأيام التقليدية للحياة الساذجة والمتينة بعلاقاتها الإجتماعية والتي إتسمت ببساطتها وعفويتها وصفاء النيات ونقاء القلوب المليئة بالمحبة بعيدة عن عصر العولمة والفضائيات والتكنولوجيا والثقافة المزيفة والتي عاثت في الأرض الفساد من خلال الإستخدام السيء لمواقع التواصل الإجتماعي من قبل البعض في الوقت الحاضر .

ليت الزمن توقف كي لا نشهد جرائم عصابات داعش الإرهابية من خوارج العصر التي أثخنت جراحات أهلنا وأخذت مأخذها من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ في سابقة لم يشهدها التأريخ المعاصر في بشاعتها على أيدي أعتى منظمة إرهابية تحت يافطة الدين والدين براءمنهم كبراءة الذئب من دم يوسف وأتمنى أن نمحو تلك الصفحة السوداء من ذاكرتنا على أن تظل صدى جرائمهم وصمة عار في جبين الإنسانية على مدى الدهر وتبقى شنكال (سنجار) في أبهى صورها المستمدة من عبق ماضيها الزاخر بتأريخها والحضارات الإنسانية التي عاصرتها وإمتدت لأكثر من ثلاثة آلاف سنة خلت والتي زرعت في نفوسنا تلك العادات والتقاليد الإجتماعية التي نحسد عليها وتوارثناها جيلا"بعد جيل .

ليت الزمن توقف حتى لا نعيش عصر الديمقراطية المزعومة والمستوردة من خارج الحدود ولا نشهد المضاربات والصراعات السياسية على مدى السنوات العجاف من تأريخ العراق بعد عام 2003 والتكالب على المناصب السيادية وتقاسم الكعكة بين المشاركين في العملية السياسية وتفشي الفساد في مؤسسات الدولة الهزيلة والشعب يعاني الويلات من سوء إدارة الدولة من أجل مصالحهم الشخصية ضاربين مصلحة الوطن عرض الحائط وكأن الشعب في واد والحكومة في واد آخر.

وختاما"أقول كما قال الشاعر العباسي أبو العتاهية

فيا ليت الشباب يعود يوما

فأخبره بما صنع المشيب

***

حسن شنكالي

يكاد ينقضي عام 2023 مخلفا مآسي إنسانية حملتها أيامه غصبا وكرها، ونخشى أن تلقى تداعياتها وانعكاساتها على العام الجديد 2024 دعوات الفلسطينيين والعرب أجمعين  وصلواتهم من أجل السلام  تصدح عاليا في جهات الأرض الأربعة ، الأعناق مشرئبه طمعا والعيون تتطلع أملا أن يكون هناك اتفاقا لإسكات صوت إطلاق نار البنادق و دوي المدافع والصواريخ، وأن تكون هناك فرصة لسماع الابتهالات وقرع أجراس الكنائس ترحيبا بالعام الجديد .

خريف هذا العام كان خريف الغضب، خريف الصرخات المكتومة النابعة من الصيحة المبحوحة تقاوم الألم خريف أبطاله رضّع وأطفال، لا يدرون بأي سبب قتلوا، لم يشأ القدر أن يعيشوا ويكبروا ، بل اختارهم العلي القدير الذي يحي ويميت شهداء إلى جواره عسى أن يكونوا شفعاء لأهلهم في يوم الموقف العظيم .

رنات أجراس الكنائس مختلفة باختلاف المناسبات والظروف ، وعند سماعها يدرك المسيحيون نوع المناسبة التي تدق من أجلها الأجراس، وهي قد تكون رنات " الفرح"في الأعياد والأحداث الهامة ، وهناك رنة "الموت " وهي دقات بطيئة متقطعة كي يعلم المسيحيين أن هناك من توفي ، كما تدق أجراس الموت في بعض الأحداث الأليمة والظروف الحزينة، وكثيرا ما كانت اللجنة الإعلامية المنبثقة عن هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير قد أعلنت إسنادها للأسرى المضربين عن الطعام وإنذارا من كافة أبناء الشعب الفلسطيني إلى العالم من خلال قرع أجراس الكنائس مع إطلاق التكبيرات في الجوامع للتدخل والتحرك لإنقاذ الأسرى وتوفير الحماية لهم بسبب خطورة أوضاعهم الصحية والعمل السريع لمنع الجريمة بحق الأسرى المضربين.

ــ هل ستقرع أجراس الكنائس حقا مع حلول العام الجديد؟ وأي الرنات يمكن أن نسمع؟  أرنة الفرح زهوا بانتصار مبين؟ أم رنة الموت فرحا بالشهادة؟ ستقرع الأجراس للذين تتجدد في عيونهم أنباء الأسى من أجل أن يتجدد الأمل في يوم يغترفون فيه من زيت الحقول المبارك ما يطهر أوجاعهم ويلين حناجرهم فينطق الحق المدفون.

كفاح الحركة الوطنية الفلسطينية لا يعرف التفريق الديني والمذهبي بين أبناء الشعب الواحد، لقد ارتفع صوت الآذان " الله أكبر " من داخل الكنائس بصوت الرهبان، وامتزجت أجراس الكنائس بالتكبيرات تحديا وثباتا للمقاومة.

ليست عيون فيروز وحدها كانت ترحل إلى القدس كل يوم، فعيون مليار ونصف مسلم وعربي ترنو للأرض المقدسة والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وتشتاق لأن تدور في أروقة المعابد وتعانق الكنائس القديمة وتمسح الحزن عن المساجد

***

صبحة بغورة

 

نحن نعترف بأن خطط الجيش ومنهجيته في إدارة الحروب، أدق من أن نحيط بها، وأشد غموضا من أن نظهر عليها، فاستراتيجية قواتنا المسلحة، وطرق تعاملها مع عربان الشتات، ليس من شأننا أن نفهمها، أو نكلف أنفسنا مشقة فهمها، ففهمها وتوضيحها يحتاج منا إلى عناء  كثير، ونستطيع أن نذهب إلى أكثر من هذا فنزعم، أن الجيش الذي لم يوقد نيران هذه الحرب، أو يشعل فتيلها، يسؤه تدخلنا السافر في شؤونه، كما يسؤه حملات الشك والازدراء التي تلوكها ألسنة شعبه في شغف واهتبال، والتي تغمز قناته وترتاب في صدقه وبلائه، وفي مقدرته على هزيمة أعدائه، إن قواتنا المسلحة بجميع نعوتها وأطيافها، تقرأ كلامنا المنظم الذي نرسله من غير حساب، فكل من جلس على الأرض، وحركة شفتيه، ينتقدها ويمعن في لومها وعتابها، ويستهجن تباطؤها في حسم الأمور، لقد اعتادت كتائب جيشنا على مثل هذا الحديث الشائن، رغم أنها هي التي تخوض حربا ضروسا مع عربان الشتات، وتتصرف في فنونها ببراعة منقطعة النظير،دون أن تلتفت إلى رفاقها وأترابها من الدول العربية ليتحفوها بعطايا المنن، ورفد النوال، كما أنها لم تلفتت أيضا، للشيطان الذي يمول  تحركات هذه الجيوش الجرارة، ويغدق عليها في كرم حاتمي وسخاء لا يضاهيه سخاء، عساها تحقق له أمانيه التي دونها خرط القتات، يتحرك هذا الشيطان بقامته الطويلة، في بهو قصره المنيف، وهو يترقب الأخبار التي تصله من مكان بعيد، لتخبره بدحر هذا الجيش، وكسر شوكته، فهذا الجيش العنيد، هو من يقف عقبة كؤود دون تحقيق أماله، وبلوغ أهدافه، فأحلامه التي نخشى عليه من أهوالها وعقابيلها، لم يحصد منها إلا ضروبا من الخيبة، وألوانا من الوعود بانتصار وشيك، ورغم ضخامة الانفاق، وعظمة الحشود، تطاول العهد، ولم يحقق من مراميه غير أطياف، فهو لم ينتهي بعد كل هذا البذل، إلا حيث  هو الآن من ترقب وانتظار، فموئل الفتنة، ومؤجج الحروب، لم يحصد من بيادقه التي يحركها، وحممه التي يقذفها تجاه شعبا طيب مغلوب على أمره، إلا هذا الشجى والاخفاق، وهو على كل هذا يكره أن ينبئ أحدا بما هو فيه من لوعة وأسى، ويؤثر أن يزدرد شجاه وفشله، ويصدق تلك الوعود، فالشيطان أشد ما يكون شوقا إليه، هو أن يضع يده على خيرات السودان، فيستولى على ما في بطونه من  ذهب ومعادن، و يحوز ما على أرضه من زرع وضرع وخزائن، لقد دمر هذا الشيطان بيوتا قائمة، وشوارع منظمة، ومسرحا عتيق، وحضارة لا عهد له بها، من أجل أن يجعل السودان مختزلا في سياج وثغر ومزرعة، ورغم ما صنعه هذا الشيطان، ما زال يجد من بعض قيادتنا الاحتياط في تحدثها إليه، واللين في معاملتها له، وهو الأمر الذي يثير عندنا الغموض والابهام.

وفي الحق أن قواتنا المسلحة التي تقاتل بفرقها وألويتها عددا من الدول- وليس في قولنا هذا أي اغراق أو مبالغة- دون أن تجد في ذلك مشقة أو عنفا، قد اتصلت الصلة بين فرقها  وفيالقها، وبين الهيجاء منذ عقودا خلت، حتى ضاقت الهيجاء بهذه الفرق وهذه الفيالق، وتبرمت من طول صبرها، وشدة احتمالها، ولكنها على هذا كله، لم تجد في كثير من الأوقات شيئا من الانصاف، فهناك العديد من شرائح شعبها مزورة عنها كل الازورار، بل تجد لذتها واغتباطها عند خسارتها لجولة من الجولات، فهي صادقة النفس والعاطفة في بغضها، ولا تبتغي إلا أن تراها ضعيفة هزيلة، وقد انقطعت الصلة بينها وبين الظفر والانتصارات، وبغض مثل هذه الناجمة لقواتنا المسلحة يمكننا أن نتحدث فيه ونطيل الحديث، واقر في وضوح وجلاء بأنه سيكون حديثا مملا رتيب، فهذه الطائفة من الناس تتدعي في ثقة واطمئنان، أن هذه القوات التي تذود عنها الآن، لا تتبع إلا لفلول المؤتمر الوطني، وحاضتنها  الحركة الإسلامية السودانية، هذا الافتئات يصدر من فئات مترفة في تفكيرها وشعورها، بأن الحركة الإسلامية السودانية، هي مصدر كل شر، وهي وحدها تتحمل كل مشاكل السودان وأزماته، هذه الجماعات والكيانات السياسية والتي حظها من الخطل والعي، يفوق حظها من العقل والاتزان، قد اتخذت من نسج الافتراءات حرفة لها، فهي تجلس إلى الناس من حين إلى حين، لتخبرهم بأن هذا الجيش الذي يدافع عنها الآن بساعد مجدول، وعضد مفتول، ما هو إلا صنيعة إخوانية، كما أن المنافسة شديدة بين هذه الفرية، وفرية أخرى يجب أن نعطف عليها، ونضحك منها،  ونغرق في الضحك، أن "كتائب البراء" التي تجاهد كتفا بكتف مع الجيش السوداني، ما هي إلا أنموذج جديد لقوات تشابه في صورتها وهيئتها مع قوات الدعم السريع، وأن غايتها التي تنشدها "كتائب البراء"هي عودة قواعدها الإسلامية إلى الحكم، ورغم أن قوات الدعم السريع التي خرجت عن كنف الجيش، وباتت تنازعه شرف قيادة أرض النيلين، قد تفرقت أهواء الكيانات السياسية حيالها تفريقا عظيما، وتفاوتت موافقهم ما بين الهجوم عليها حينما كانت منضوية تحت لواء البشير، والجلوس إليها في شره لا يعدله شر، عندما ظنت هذه الكيانات أن راية الدعم السريع سيكون لها شأن، لقد نسيت هذه الأحزاب السياسية أو تناست أن كينونة الجيش ونواته، قد تشكلت من كل بقاع السودان، وأن القبائل والأعراق قد أخذت بحظوظها منه، وأن هذه المعمعة التي نعيشها هذه الأيام، قد كشفت عن دخائل كل حزب، فالقوات المسلحة لم تجد في ظل هذه الظروف التي تحيط بها، ردءا لها أو نصير غير أبناء الحركة  الإسلامية، الأمر الذي يوحي بأن الحركة الإسلامية تحب السودان لا كما هم يحبون، وتسعى لرفعته كما تريد لا كما هم يريدون.

***

د. الطيب النقر

 

كان في الماضي القريب يوجد شخصية الكاتب العمومي، أو ما يعرف بالعرضحال، يملك أسرار القرية أو الحي في المدينة، وكان يعرف أسرار القرية حتى القاع الخفي ويعرف أقنعة الناس جِيدًا. فكان العرضحال له صور كثيرة في المصالح الحكومية فيجلس أمام هذه المصالح، ويكتب لمن لا يجيد القراءة والكتابة من الأوراق المطلوبة لهم للجهة الحكومية، مقابل أجر رمزي، وخاصتَا

أمام الشهر العقاري والسجل المدني، والمحاكم وأقسام الشرطة، وجوازات السفر، فكان "الكاتب أو العرضحال" في القرية له دور كبير حيث كانت الغالبية من السكان من (الأميين) لا يجيدون القراءة والكتابة، فمنهم من كان يعمل في مواسم الحصاد بأجر رمزي، للكتابة علي أكياس القطن وعبوات الأرز والقمح قبل وزنها، وكانوا عبارة عن مساعدين للكاتب العمومي في الجمعيات الزراعية،، في هذه المواسم،، وكان هناك أشخاص متخصصون في كتابة عقود الشراء. والشراء والشراكة علي تربية الحيوانات.

وكتابة قائمة عفش الزواج. حتي الآن مقابل أجر رمزي، وهناك متخصصين في كتابة الشكاوى والبلاغات والتظلمات، كما كنا نسمي البعض' بأن قلمه يدخل السجن"، ومنذ أكثر من ثلاثة عقود كان يجلس أمام الشهر العقاري في مدينتي المنصورة "العرضحالجي" ويضع وردة فوق قميصه ومجموعة من الأقلام من الحبر في الجيب العلوي، وبدأت تتلاشى هذه المهنة رغم أن مهنة الكاتب من المهن المهمة في العصر الفرعوني، فكان الكاتب في (المرتبة الرابعة) بعد فرعون، ومع نهاية القرن الماضي أصبح لمهنة المحاماة بدِيلًا عن الكاتب العمومي في كتابة العقود والشراكة حتى التظلمات والبلاغات بالطرق القانونية، ومع دخول ثورة المعلومات والاتصالات والتعاملات عن طريق شبكات الإنترنت، كشفت عن الأمية الجديدة من الطبقات المتعلمة، في عدم إمكانياتهم في التعامل مع الحداثة الجديدة، وقد استغل ذلك بعض المكاتب جهل العوام حتى من الطبقة المتعلمة. وقد ظهر ذلك بوضوح في حجز مواعيد للتطعيم ضد وباء كوفيدا 19، وفي جميع بعض المصالح التي طبقت الحجز والمواعيد عبر شبكات الإنترنت، ظهر العرضحالجي الجديد في صورة مودرن، في فتح مكاتب للحجز حتى وصل سعر تقديم خدمة الحجز أكثر من/ "10 الألف جنيه/ في حجز مواعيد لتقديم أوراق عقود العمل في قنصلية دولة مثل إيطاليا، حيث تم توظيف بعض الشباب لمراقبة روابط السفارات في فتح ساعات للحجز، وفي الوقت الحالي يستغلون جهل البعض من لديهم رعايا من العالقين في قطاع غزة بتقديم أوراق لرعايهم مقابل 60 ألف جنيه. علمًا أن وزارة الخارجية تتلاقي الطلبات مجّانًا في" إدارة شئون القنصليات وخدمة المواطنين علي مدار ال24 ساعة" تحت رعاية (السفير إسماعيل خيرت)، لقد كشفت هذه المشكلة عن تدني الوعي لدي طبقة عريضة عن الأحداث الجارية بالنسبة للعالقين على معبر رفح من الرعاية المصريين. حيث لا تستطيع مصر بفتح المعبر إلا بموافقة الجانب الإسرائيلي بعد تلقي أسماء العالقين من القنصلية المصرية في" رام الله" وابلغها للجانب الإسرائيلي بعد مراجعه الأسماء قبل الموافقة، وكان تصريح من النائب/سمير غطاس عضو مجلس الشيوخ المصري في لقاء متلفز منذ اسابيع. ومنذ يوم 7 /من أكتوبر حتى الآن لم يتم السماح لهم بالعودة، فكيف لنصاب أن يستغل جهل البعض على أنه يقوم بتسهيل المهمة وكأنه دولة داخل دوله...؟!

وفي نفس السياق كشفت هذه الأشياء من وجود طوابير أمام مكاتب للإنترنت في مدينتي المنصورة إمام مستشفيات جامعة المنصورة،، لحجز مواعيد للكشف الطبي عن ظاهرة انتشار الأمية في جميع المهن والتخصصات من حملة مؤهلات عليا، لقد كشف دور العرضحالجي الجديد سوء عورات كثيرة داخل المجتمع. ومع الاحترام لحفنة مثقفين، فالمثقف منتج معرفة ومشروع بديل، وليس عنصر سكون أو ولاء لغير الحقيقة، أن يشير إليها نحن بلد لا نفرق بين المتعلم وبين المثقف .وبين الاختصاصي وبين المفكر، ونسمي كل من يضع وردة فوق قميصه او بادج وقلم حبر في الجيب العلوي وحذاء يلمع وكتاب تحت الإبط، نسميه مُثقفًا، كما كنا نسمي العرضحالجي بأن قلمه يذبح الطير، مع أن العرضحالجي، أو الكاتب العمومي، كان رجُلًا بَسِيطًا لا يعرف الجشع ولا يستغل أمية البعض، ويقوم بدور جليل

وخدمي في بعض الأمور، نحن ثقافة مجترة بلا إنتاج معرفة،، وسياسة بلا ثقافة.

عندنا الكثير من العرضحا لجية والقليل جِدًّا من المثقفين، وفي زمن التفاهات والفرجة والتهريج، يختفي المثقف ليتصدر المشهد الجاهل النصاب وعندما تنهار الدول يكثر المنجمون والشحاذون والمنافقون والمدعون والكتبة والقوالون والمغنون النشازون والشعراء الناظمون. والمتصعلكون وضارب الودع والفنجان والمندل، وقارعوا الطبول والمتفقهين ، وقارئي الكف والطالع والنازل والمتسيسون والمداحون والهجاءون،، وعابرو السبيل والانتهازيين.

تتكشف الأقنعة ويختلط ما لا يختلط، يضيع التقدير ويسوء التدبير، وتختلط المعاني والكلام ويختلط الصدق بالكذب والجهاد بالقتل. ليكشف لنا من يقوم بدور العرضحالجي في عصرنا عن تدني مستوى التعليم والثقافة،، وانتشار الأمية الثقافية السطحية حَقًا إن أخطر من الجهل الادعاء بالمعرفة.

***

محمد سعد عبد اللطيف

 كاتب وباحث مصري في الجغرافيا السياسية

 

لكي لا يُساء فهم المقال، فهو إقتراب سلوكي نفسي بحت من التأريخ بمتوالياته المأساوية، ومحاولة للفهم والإدراك لرموزنا الأجلاء!!

ولابد من العودة إلى الأساسيات التي إنطلق منها، فالمقال ليس معنيا بالإنجازات، ويركز على نظام الحكم الذي بقي متأرجحا حتى اليوم، وبسبب إنعدام الرؤية الواضحة الراسخة، تمكنت الفردية والإجتهادات الشخصية من مسيرة الحكم في بلاد المسلمين.

فالخلفاء الراشدون الذين هم الأعرف بالشرائع وجوهر الدين، لرفقتهم لنبيه وأخذهم الدين من منبعه، لم يضعوا دستور حكم تمضي عليه الأجيال، ولم يجدوا حلا لعلاقة الدين بالدولة، أو كيف يكون الحكم في دولة الدين.

فلم يأتوا بصيغة عملية لمعنى "وأمرهم شورى بينهم "، "وإذا حكمتم فاحكموا بالعدل"، وغيرها من أمّهات الأفكار التي بموجبها يكون الحكم ، واعتبروا القرآن هو الدستور، وتركوا الأمور لإجتهادات فردية وتأويلات أدّت إلى تداعيات مأساوية دامية.

هذا الإخفاق تسبب بقتل ثلاثة منهم، ولو إستمر حكم الخليفة الأول أطول لربما كان مصيره القتل أيضا، لكنه توفى مبكرا وحكم أقل من ثلاث سنوات.

وعند وفاة النبي لم يكن للمسلمين دستور حكم مدني واضح ، فنهضت القبلية والإجتهادات الشخصية والتأويلات المتضاربة، وبرزت إنشقاقات وتناحرات قاسية بينهم، بل بين الصحابة أنفسهم الذين صاروا يتقاتلون.

وفي زمنهم إزدحمت المدينة بأولادهم وما عرفوا حلا لها، مما تسبب بتصارعات حامية بينهم، لطلب السيادة والحكم والرئاسة أيا كان نوعها.

فتوسع دولة الإسلام أيقظت نوازع الرغبات الدفينة ومنطلقات الغنيمة، فهم يريدون الإغتنام والقيادة والإقتحام، لكنهم في المدينة يقيمون، ومع بعضهم يتجادلون ويتخاصمون .

وهذه الحالة أدّت إلى تداعيات تواصلت بعد إنتهاء فترة حكمهم، وكانت مروعة ودامية ولا علاقة لها بالدين، وإنما حروب إنتهكت فيها الحُرمات.

ووفقا للإجتهاد ولما هو متعارف عليه آنذاك، بدأت فكرة التوريث، التي كانت سائدة في أنظمة الحكم من حولهم، وأضافوا إليها البيعة، وإنطلقت عندما تولى الخلافة الحسن بعد مقتل أبيه في الكوفة، ولو أنها أعتبرت بيعة، ولا دخل لعلي بها، لكنها ظهرت بثياب التوريث، ومضى على نهجها معاوية وفقا للمنطق القبلي التناحري بين الأمويين والهاشميين، فأرادها توريثا.

ومنذ إنطلاق نظام الحكم بالوراثة وحتى اليوم، والعرب والمسلمون في مضطربات الحكم الفردي الخالي من الثوابت الدستورية والأهلية التي تحمي الدولة وحقوق المواطنين، فكلٌّ يحكم على هواه ومنطواه، وبسبب ذلك تأكد الضعف وما تمكنت الأمة من الإرتقاء إلى جوهر ما فيها من الطاقات والقدرات.

فتراكمت الأخطاء والخطايا في مسيرة دولة الدين، وما أعقبها من دول وحكومات معاصرة، إدّعت الدين.

ولا يزالون عاجزين عن كتابة عقد إجتماعي يصون كرامتهم وعزتهم، ويحافظ على وجودهم القوي الأبي المكين.

وبموجب ما تكرر وترسخ في الوعي الجمعي، صار الحاكم أو السلطان يمثل الزمان، ولهذا قالوا " إذا تغير السلطان تغير الزمان"، مما يشير إلى عدم وضوح نظام الحكم، وفقدانه للثوابت والأسس والمنطلقات الراسخة.

 ترى لماذا لم يتقدم أي من الخلفاء الراشدين برؤية واضحة، ولا بصورة دستورية وشرعية، لبيان أسس ومنطلقات الحكم وثوابته التي على المسلمين إتباعها؟

لماذا تقيّدوا بالبيعة وبإجتهادات لم تفلح في المنظور البعيد؟

الخلفاء الراشدون، لو نظرنا إلى نظام حكمهم لتبين أنه فردي يرتكز على مفهوم الخليفة صاحب الصلاحيات المطلقة، والإجتهادات التي تدعو لطاعتها وتمثلها، والبعض يرى كان نظاما ديمقراطيا.

وفكرة الخليفة من الخطايا التي لا تزال فاعلة فينا، لأنها تطورت وإكتسبت معان وتوجهات ما كانت تقصدها في بدايتها، لكنها صارت تعني نواب الله أو الحاكمين بأمره، فتعدت معنى النبوة، فالخليفة طاعته واجبة، وإن كان بلا إيمان ولا فهم بسيط لمعنى الدين.

ويبقى المسلمون يتصارعون في دوامة مفرغة مبهمة، لا توجد فيها صورة واضحة لمعنى الخليفة، ولا يترتب عليها دستور حكم ذو قيمة إنسانية معاصرة، وما تعنيه في جوهر ترجمتها هو الفردية المقدسة والطغيان والإستبداد والقول بالسمع والطاعة، وهو ديدن الكراسي التي سفكت دماء المسلمين، وربما يكون المسلمون هم الذين قتلوا من المسلمين أكثر مما قتله منهم أعداؤهم مئات المرات، فمسيرتهم مفعمة بقتلهم لبعضهم، ولا يزال المسلمون أعداء المسلمين، وتلك مصيبة أمة بدين.

فهل من قدرة على الخروج من هذا المستنقع ؟!!

***

د. صادق السامرائي

الإرهاب في فلسطين لم يبدأ فعليا عام ١٩٤٨. بل إن له تاريخا أقدم بالرجوع عقودا إلى الوراء ففي العام ١٨٩٠ نفذت أول عملية إجرامية بقتل شيخ عربي مغربي. وقبل هذه الحادثة بعقدين استأجر شاب روسي صهيوني يدعى (يتسحاق بن تسفي) شقة في يافا تم فيها تأسيس أول قوة قتالية عبرية أطلق عليها (بارجيورا) كان شعارها (بالدم والنار سقطت يهودا،بالدم والنار تبعث من جديد). تطورت بارجيورا في العام ١٩٠٩ بعد أن أعيد تشكيلها إلى (هاشومير) وهي المستوطنة الأكبر والأكثر عدوانية فبحلول عام ١٩١٢ كانت تدافع عن أربع عشرة مستوطنة يهودية، وكانت تغير على القرى العربية تقتل وتعدم. وفي عام ١٩٢٠ تطورت إلى منظمة الهاجاناه أول عصابة إرهابية صهيونية والتي اصبح يتسحاق بن تسفي زعيما بارزا فيها. بعد ذلك تشكلت في العام ١٩٣١ عصابة الإرغون بقيادة (إرغون زئيفي) بعد انشقاقها عن الهاجاناه وفي الأربعينات أصبحت بقيادة اليميني المتطرف (مناحيم بيغن) ولأن بيغن كان متعاونا مع بريطانيا فقد عارضه البعض وانشقوا ليشكلوا منظمة إرهابية ثالثة أطلق عليها (ليحي). ومن هنا ابتدأت سلسلة الأعمال الإرهابية نفذتها المنظمات الثلاثة ضد العرب في كافة مناطق فلسطين فمن الجليل والساحل إلى النقب ومن يافا وحيفا إلى القدس. كل هذا من أجل إقامة دولتهم المزعومة. ولن ننسى المنظمة الإرهابية (كتائب الليل) التي أنشأها الضابط البريطاني (أوراد وينغيت) بعد انضمامه إلى القوات الصهيونية والتي تؤكد النزعة السادية والتعطش للدم العربي، حيث درب قواته التي نفذت عدة مجازر مثل مجزرة (دبورية) عام ١٩٣٨ ومجزرتي حطين ولوبيا.

وفي نهايات عام ١٩٤٧ نفذت الهاجاناه عدة مجازر ضمن خطط تطهير عرقي بمساعدة عصابتي إرغون وليحي.

وبعد قيام الدولة وتشكيل الجيش الذي كانت نواته عصابة الهاجاناه الإرهابية التي شربت من الدم الفلسطيني تشكلت عدة وحدات للاغتيال وتنفيذ المجازر منها الوحدة ١٠١ التي أنشأها المتطرف شارون وهي الوحدة التي نفذت في خمسينيات االقرن الماضي مجزرة قبيا. والوحدة ٥٠٤ التي تتكون من فريق استخباراتي لجيش الاحتلال نشا بعض أفرادها في الأحياء العربية الفلسطينية مهمتها تجنيد عرب مخبرين لنقل معلومات عن الفدائيين الفلسطينيين بهدف اغتيالهم. وغيرها من الوحدات التي اتسم طابعها بالإرهاب.

واليوم في حربها على غزة ٢٠٢٣ لا زال نتنياهو يحمل راية (بالدم والنار) تجول طائراته سماء قطاع غزة بهدف معلن القضاء على حماس غير أن الهدف المضمر غزة التي يسيل لعابه لضمها إلى خريطته التي يراها كل ليلة في أحلامه تختلط بروائح دم أهل غزة وأشلاء أطفالها مع صوت أزيز الطائرات وأصوات القنابل التي تمده بها الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعي الإنسانية وحماية حقوق الإنسان.

وحلم نتنياهو تئده المقاومة كل يوم وليلة بإيمانها وصمودها ولولا وصيتها أمريكا لما بقيت دولة لليهود.

***

بديعة النعيمي

 

وهل يتم اغتيال نتنياهو من قبل الخصوم؟

إنّ طلب "إسرائيل" مؤخراً للهدنة الإنسانية في قطاع غزة عبر الوسيطَيْن القطري والمصري لا يعبر عن نوايا حسنة، بل هي هدنة لالتقاط الأنفاس بالنسبة لجيش الاحتلال الإسرائيلي المنهك؛ لكن حماس رفضتها لأسباب سنبحث فيها تالياً.

حيث أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلاً عن مسؤولين مصريين، بأن حركة "حماس"، رفضت هدنة مؤقتة عرضتها "إسرائيل" لمدة أسبوع مقابل الإفراج عن أسرى، وشددت على تمسكها بوقف دائم لإطلاق النار.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين في أن "إسرائيل" تسعى إلى إطلاق سراح 40 محتجزاً إسرائيلياً بمن فيهم جميع النساء والأطفال والمسنين الذين بقوا عند حماس. وفي المقابل، تعليق العمليات البرية والجوية في قطاع غزة لمدة أسبوع، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع".

ويبدو أن رفض حماس جاء لسببين:

أولاً:- تحقيق أكبر قدر ممكن من التنازلات الإسرائيلية فيما يتعلق بتبادل الأسرى لأن المفاوضَ الإسرائيليَّ حصر مطالبَه بإطلاق سراح 40 محتجزاً إسرائيليا بمن فيهم جميع النساء والأطفال والمسنين الذين بقوا عند حماس. وفي المقابل، يعلق جيش الاحتلال العمليات البرية والجوية في قطاع غزة لمدة أسبوع، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع".

ولكن حماس تريد الاعتماد على أعداد الأسرى الفعلية لديها في صفقة تبادل يتم التفاوض على تفاصيلها بعد وقف إطلاق النار.

مع الأخذ بعين الاعتبار أنه ليس كل من شملتهم القوائم الإسرائيلية هم من المدنيين، إذْ أن من بينهم مجنداتٌ ومتقاعدون عسكريون، وقد أدرجتهم حماس في قوائم الأسرى العسكريين التي سيكون ثمن إطلاق سراحهم ضمن صفقة كبرى تؤدي إلى تبييض السجون.

وربما تبتغي حماس من ذلك، استثمار الوقت لصالحها، لالتقاط الأنفاس من جهة، ومن ثم الضغط على الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة من قبل أهالي الأسرى الذين خرجوا في مظاهرات عارمة من جهة أخرى.

وهذا يفسر ظهور شريطين بثهما الإعلام العسكري للمقاومة، تضمن الأول ثلاثة من الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى حماس، حيث اعترفت "إسرائيل" في أنهم قتلوا بنيران إسرائيلية صديقة.

وفيديو آخر إحترافي لثلاثة أسرى جنود من كبار السن، اختارت “حماس” الاستعانة بأغنية حزينة بعنوان “لا تتركونا نشيخ” كتب اسمها في بداية الفيديو باللغة العربية والعبرية والانكليزية، وظهر الجنود الثلاثة وهم يطالبون بسرعة الافراج عنهم وعدم تركهم في الأسر، وكان للشريطين أبلغ الأثر في تأليب أهالي الأسرى ضد نتنياهو.

ثانياً:- عدم منح جيش الاحتلال المتوغل في القطاع، الوقت الكافي والظروف الملائمة لإعادة تنظيم وتموضع لواء جولاني الذي تم سحبه من موقع العمليات في القطاع، وفق تصريحات قادة جيش الاحتلال الذي فقد بوصلته.

ويبدو أن رفض حماس لإتمام الصفقة، جاء ليمثل ضربة موجعة للقيادتين السياسية والعسكرية في الكيان الإسرائيلي الغارق في مستنقع غزة.

ووفق المحلل العسكري في قناة الجزيرة اللواء فايز الدويري فإن قرار انسحاب اللواء جولاني يعني في المفهوم العسكري، فقدان ٤٠٪؜ من قدراته العسكرية والبشرية.

ويتكون هذا اللواء الذي يضم قوات النخبة، من أربع كتائب تتوزع ما بين المشاة والإسناد وسلاح الهندسة والآليات.

ويطرح الدويري سؤاله:

ماذا عن بقية الألوية؟

في إشارة منه إلى الفرق الكبير بين عدد القتلى والجرحى في صفوف جيش الاحتلال، إلى جانب زيف الفيديوهات التي يبثها إعلامه العسكري دون تقديم الأدلة البصرية حول إحكام سيطرته على كل القطاع وتحديداً حي الشجاعية، وبين الحقيقة الموثقة التي يصرح بها أبو عبيدة عبر فيديوهات دقيقة ومثيرة للإعجاب.. مع احتساب خسائر جولاني التي تؤكد صدق بيانات المقاومة حول قتلى جيش الاحتلال.

فقد صرح أبو عبيدة أمس الخميس لقناة الجزيرة، بأن الإسرائيليين فقدوا ٧٣٠ آلية عسكرية منذ بداية الهجوم البري؛ وهذا يعني بأن دعاية الاحتلال حول إحكام السيطرة على القطاع وخاصة حي الشجاعية مجرد دعاية فاشلة وتضليل إعلامي للتسويق الداخلي والخروج بانتصار وهمي مستحيل.

ولعل إطلاق ٣٥ صاروخا باتجاه تل أبيب الكبرى خير دليل على ذلك.

وللعلم فموضوع الأسرى وانعكاساته على الشارع الإسرائيلي، واتهام نتنياهو وحكومته المتطرفة بالفشل، وفي أنها المسؤولة عن خسائر "إسرائيل" العسكرية والبشرية والمالية التي تجاوزت فاتورتها العسكرية اليومية 250 مليون دولار، إلى جانب ما خسره الاقتصاد الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر بما يزيد عن 18 مليار، إلى جانب ما يتهم به نتنياهو من قبل معارضيه في أن الحرب التي أغرقت "إسرائيل" في الوحل حدثت لحمايته من المحكمة التي تنتظره منذ زمن.. كل ذلك وضع نتنياهو أمام خيارين:

إما إغراق المركب الإسرائيلي بمن فيه، أو دخول السجن وتوسيع دائرة التهم التي تلاحقه، وهي من العيار الثقيل.

ولكن ماذا لو اجتمعت هذه الأسباب في عقول من خسروا أبناءهم في هذه الحرب التي يتهم فيها نتنياهو بأنها شخصية بينه وبين السنوار؟

الا يعني ذلك بأن احتمالية تصفية نتنياهو على يد معارضين له- كما حصل مع رابين في نوفمبر 1995 بسبب توقيعه على اتفاقية أوسلو- أكثر تصديقاً من قدرة جيش الاحتلال على النيل من السنوار أو شركائه في غرفة العمليات المشتركة. وخاصة أن طوفان الأقصى قلبت كل الموازين الميدانية.

***

بقلم: بكر السباتين

22 ديسمبر 2023

 

البشر يمكنه أن يفقد عقله ويبعده عن الحياة، فتحل محله قوة عاطفية متأسدة تمتلكه لتؤكد فعلها ودورها فيه.

ويتحقق الفقدان العقلي عند البشر عندما يتعرضون لشدائد هائلة وضغوطات فائقة، قد تكون حادة أو مزمنة التأثير، لكنها تخترق البشر وتهز كل خلية في جسمه، وتغرس في أعماقه  إحساسا هائلا من الألم والمعاناة النفسية القاسية، التي تدفع للغضب والفعل القوي المنحرف، الذي يمثل دوامة مدوية من الانفجارات الإنفعالية التي تساهم في إنكباس الطاقات السلبية وزيادة قوة تفجيرها وتأثيراتها التدميرية.

أي أن البشر يتحول إلى قوة فتاكة تدمر نفسه وغيره، ويدخل في معصرة الآهات الطاحنة والويلات المتمكنة والأوجاع الساخنة.

البشر ينسى عقله، ولايمكن لأي عاقل أن يجد دورا للعقل في وقت الثورات النفسية الغاضبة اللاهبة.

ويبقى من بقي في جعبته بعض عقل يتساءل، متى تثوب الأشياء إلى رشدها، ومتى تهدأ براكين الغضب.

من يتأمل وقائع الأحداث والمصائب، يدرك أنها مولودة في أزمنة الفقدان العقلي لمجموعة من البشر في هذه البقعة من الأرض أو تلك.

إن البشر الذي يمر بمآسي متواصلة، تصيبه في صميم وجوده وشخصه وعاطفته، لا يركن إلى عقله، بل يغطس في نار الثأر والإنتقام والتعبير عن طاقاته العدوانية المكبوسة في أعماقه على مدى معين من الزمن.

وحينما يطول زمن الويلات والدمارات ويزداد البشر إختناقا وبؤسا وألما وإحساسا بالقهر والظلم، فسيختزن طاقات إنفعالية بركانية الإقتدار والتأثير، تتفجر حينما تتوفر الأسباب والظروف اللازمة لتخفيف الضغط وتحقيق التنفيس الإنفعالي المطلوب.

ويكون تأثير تلك العواطف والشحنات الغاضبة الكامنة، ضعيفا عندما يتم إزالة الضغط تدريجيا، لكنها تكون ذات تأثير إضطرابي وتخريبي هائل . كأنها براكين هائجة تلقي بحممها على مَن حولها، عندما يكون زوال الضغط مفاجئا وكليا، عندها يتحقق الإنفلات التام والخطر العام، وتتحول الأرض إلى جحيم إنفعالي ملتهب لا يبقي ولا يذر.

وهنا يدخل البشر في مجزرة المآسي والدمارات، التي لايسطيع العقل أن يدركها، بل أن النيران تتفاعل مع النيران، والغضب يؤجج الغضب، والموت يأتي بالموت، والشر يدفع إلى الشر، فتتنامى المصائب وتعم الشرور، ويبقى البشر المضغوط البائس أسيرا مستعبدا بمشاعره وإنفعالاته  الضارة.

وبعد أن تأخذ الأضرار ما تأخذه ويفقد البشر ما يفقد في جحيم الويلات، يدخل في مرحلة مطاردة السراب، والسعي وراء ماء ليطفئ ما أججه من نيران، إذ أفرغ ما فية من طاقات العواطف والإنفعالات التدميرية ووجد أنه لم يكن مصيبا، بل قد تحول إلى مدمن على ممارسة الشرور، التي أخذت منه ما عنده فجاء يبحث عن علاج، وعن مَن يسترجع إليه بعضا مما كان لديه، ولكن هيهات.. هيهات.

وحينما تستيقظ في أعماق البشر بذور الخير والأمل والمثل الحميدة، يجد نفسه في مأزق  آخر ومأساة ذاتية أليمة.

لقد حققت الضحية ضحايا، وزرعت آلاما وأحزانا، وتملكها تأنيب الضمير القاسي وإستعبدها الندم والبهتان، ولا ينقذها من وجع الحياة إلا سلطان الموت الحكيم.

هكذا تصنع البشرية فواجعها ومآسيها، وتنزف دماءها وتقتل أبناءها، وتدمر حضاراتها وتقضي على معنى الإنسان فيها!!

***

د. صادق السامرائي

29\5\2014

يعتبر السياق الديني ملمحا ثابتا في حروب دولة الاحتلال. وليس أدل على ذلك مما كتبه أوفير وينتر قائد لواء جفعاتي في جيش الاحتلال إلى جنوده أثناء الحرب على غزة عام ٢٠١٤ حيث كتب لهم أن (التاريخ اختارنا لقيادة القتال ضد العدو الغزاوي الإرهابي الذي يشتم ويكفر ويلعن إله القوات الإسرائيلية).

وذكر وينتر في أعقاب ذلك ما يدعونه ب (صلاة شيماع) وهي كما يزعمون صلاة يهودية يقسم فيها المصلي يمين الولاء للإله الواحد (اله إسرائيل) تتلى هذه الخرافات التي كتبها الحاخامات في القرن السادس قبل الميلاد من قبل الأرثوذكس والمحافظين حيث يعتبرونها أهم جزء من الصلاة اليهودية.

نستنتج من رسالة وينتر إلى جنوده أن الحرب هي أولا وقبل كل شيء قضية دينية. والباحث في تركيبة جيش الاحتلال والأجهزة الأمنية التي تتولى الحروب سيجد بأنها تركيبة ممتزجة بالتدين التراثي.

والمطلع على أيديولوجية معظم الكتائب والسرايا في ألوية المشاة المختارة مثل جفعاتي وجولاني يجد أنها تتبع التيار الديني. جفعاتي وجولاني يشاركان حاليا في الحرب على غزة ٢٠٢٣ بقيادة نتنياهو اليميني المتطرف والذي يعتبر فلسطين إرثا إلهيا ضمنه الرب لشعبه المختار. والمتابع لخطابات نتنياهو منذ بداية هذه الحرب سيجد أنها تحتوي على فقرات من العهد القديم والتوراة المحرفة بهدف إكساب الحرب الطابع الديني آملا في تحفيز المجتمع الديني في دولة الاحتلال على المشاركة في الحرب ضد حماس.

ومن الأدلة على الأدلجة الدينية للجيش ما حصل أثناء هبة مخيم جنين لمساندة إخوانهم في غزة عندما قام أحد جنود الاحتلال باعتلاء منبر أحد مساجد جنين حيث أدى الصلاة المزعومة( شيماع) (صلاة اسمع يا اسرائيل) وقد أشاد وزير الأمن القومي الإسرائيلي زعيم حزب القوة اليهودية اليميني المتطرف بإقامة جنوده صلاة يهودية بمسجد في جنين.

وبهذا يكون ما يسمى بالدين اليهودي قد تورط في السياسة.

***

بديعة النعيمي

يقف الغزاويون وحدهم في الميدان، بينما يراقب النظام الرسمي العربي ما يجري وكلهم امل في ان تُهزم المقاومة، هذا ما صرح به الصهاينة امعانا في تحقير حكامنا الذين يدعون الشرف والعفة، المساعدات الانسانية يتم ادخالها وفق رغبة الصهاينة عبر معبر رفح الذي يقع على الحدود مع مصر رغم ان المعبر يقع بالأراضي الفلسطينية المعترف بها وفق قرار التقسيم؟!، إنها مأساة شعب سئم حياة الذل والمهانة على مدى ثمانية عقود ،فعمل الغزاويون على حمل البندقية والتضحية بجزء من ابنائهم علّ ما تبقى منهم على قيد الحياة تتغير احوالهم نحو الافضل،وحدهم اليمنيون قيادة وشعبا دون سواهم ،من وقفوا في خندق واحد مع المقاومة، قاموا باحتجاز بعض سفن العدو،  وقرروا منع سفن العدو من عبور باب المندب او تلك الذاهبة اليه او القادمة منه، ما ادى الى انتهاج الشركات المعنية خطوط بحرية بديلة . 

المؤكد انه يحز في انفس الغزاويون  وشرفاء العرب بشان عدم قيام مصر بمساندة المقاومة من خلال  منع سفن الصهاينة من العبور بقناة السويس  اسوة باليمنيين ،لكن الرد سياتي من جهابذة السياسة والقانون الدولي في مصر بان مصر لا تستطيع فعل ذلك لأنها ليست في حالة عداء مع الصهاينة ،هذه حقيقة ،مصر ليست عدوة للصهاينة بل جد متعاونة معهم في مجال النفط والغاز(في عام 2005 وقعت الحكومة المصرية اتفاقية تصدير الغاز المصري للصهاينة  تقضي بان تصدّر إليهم 1.7 مليار متر مكعب سنويا من الغاز الطبيعي لمدة 12عاما). إضافة الى استيراد وتصدير بعض السلع حيث بلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي اكثر من 300 مليون دولار سنويا، اما العرب الاخرين فانهم خانعين منبطحين خوفا على كراسيهم ،ربما خرج ترامب عن العرف السياسي في مخاطبة الحكام العرب وبخاصة الخليجيون عندما قال لهم بانكم لن تستطيعوا البقاء في الحكم لأكثر من اسبوع دون مساندتنا .

 يستضيف الحكام العرب في فنادقهم الفخمة الصهاينة، ويقيمون معهم اوثق العلائق كما انهم على تفاهم تام معهم في مختلف القضايا الدولية ويقدمون لهم المساعدات (الانسانية) في هذه الحرب القذرة ،بينما لا يقدمون أي شيء للفلسطينيين الذين يتضورون جوعا ويعانون البرد الشديد، لقد اثبت الحكام العرب في هذه الحرب انهم ابناء عمومة للصهاينة ولا يمتون للعروبة بصلة، سحقا لهؤلاء الحكام، تبا للشعوب التي لم تخرج على حكامها في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها الامة .

اما عن السيد اردوغان والذي يعتبره بعض (المفكرين) العرب انه خليفة المسلمين وحامي حماهم والذي بدوره يخرج علينا بين الفينة بخطبه الرنانة المؤيدة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وحماية الاماكن المقدسة فإن حجم التبادل التجاري بين تركيا والكيان الصهيوني، بلغ 4.67 مليارات دولار عام 2020، و6.36 مليارات دولار عام 2021.في حين نجد ان ماليزيا قد منعت أي سفينة تحمل بضائع صهيونية من الرسو في موانئها.

لقد سخّر المقاومون في غزة، المساعدات التي تلقوها من شرفاء الامة في شراء المعدات والادوات اللازمة لشق الانفاق، على مدى عقدين من الزمن، والتي اصبحت فخاخا محكمة لاصطياد كل من دخل القطاع ،كما ان القطاع اصبح مقبرة لدباباتهم والياتهم الحائزة على شهادة الجودة من الغرب الاستعماري. 

الشرفاء حفروا الفنادق للحفاظ على شرف الامة وعزتها، بينما الحكام العرب شيدوا الفنادق ليمرغوا بها كرامتهم المسلوبة. فلتحيا الخنادق ولتسقط الفنادق.

***

ميلاد عمر المزوغي

 

يتقلب يوم العراقيين كعادتهم بين ليل مظلم ونهار أكثر ظلاما، وصباح حالك ومساء أشد حلكة، وبين هذا وذاك يأتي بصيص ضوء من كوة أضيق من سم الخياط، لايستشعره إلا القلة القليلة من الناجين سهوا، او المؤجل إعدامهم تحت قبة برلمانهم، أو قبب أخريات يعرف دهاليزها الحكام، تنضوي تحت طائلة المؤسسات التي تميّع حقوق المواطن، وبالتالي يميّع وجوده وكيانه فيكون نسيا منسيا.

ووفق هذا الواقع المعاش، فإن الفصل بين ساحة حرب وموت، وساحة سلم وحياة، ماعاد ممكنا، إذ جثم شبح الموت على كل صفحات الحياة، وخيم الظلام على نهار المواطن بعد أن كان مقتصرا على ليله، مع انعدام أمل الخلاص القريب والرجاء البعيد، ولسان حاله يجسد الدارمي:

أظلم سبع كامات بير الطحت بيه

لادرج واصعد بيه وفوكايه شمات

لم يكن ماتقدم من سطور سيناريو مشهد مسرحي، او فكرة فلم رعب، ولا هو تهيؤات محتضر، او هلوسة مجنون، أو خربشات معتوه، إنما هو قراءة سريعة لواقع مرير يعيشه أكثر من أربعين مليون شخص، يشغلون مساحة (437,072) كم مربعا، اشتركوا جميعهم باقتسام القلق والخوف من الحاضر ومن المستقبل على حد سواء، كما تقاسموا ضنك العيش والسعي وراء الرزق باحثين عنه، لاهثين وراءه في أضيق منافذه، وكانت لهم الحصة الأكبر من التهجير القسري والسفر المحتوم الذي ماكانوا يختارونه إلا كحلّ وحيد، وخطوة لامناص من اتخاذها منطلقا الى دول مشارق الأرض ومغاربها، تاركين أهليهم ووطنهم الذي نشأوا وترعرعوا فيه، لعلهم يجدون ضالتهم هناك في أمنهم وعيشهم.

أما الذين ارتأوا البقاء داخل حدود العراق تحت مطارق العيش القلق، والخوف المستديم، والموت المداهم على الأبواب، كانوا قد شكروا الله كثيرا قبل عشرين عاما، حين انقشع عنهم مسبب كل هذه المعاناة، إذ انفتحت أمامهم أبواب الأمل على مصاريعها، وظنوا أن الحلم في العيش الهانئ الرغيد في بلدهم آن له أوان التحقيق، لكن، أتت الرياح بما لايشتهون، فصاروا يرددون صباح مساء:

رب يوم بكيت فيه فلما

صرت في غيره بكيت عليه

اليوم، يعود العراقيون من جديد إلى مضغ آلامهم على أضراس نخرها اليأس من التغيير، التغيير الذي لم يبق من مسامير نعشه إلا مسمار واحد، لعله الفسحة التي لولاها لضاق عيشهم حد إزهاق الأرواح، بعد أن تكالبت على أرزاقهم وخيرات بلادهم، حكومات وشخوص التصقت بكراسي التحكم، واستقتلت من أجل الربح والريع والمردود والمنافع والأخذ، واختفت من قواميسهم مصطلحات الإيثار والتضحية والعطاء، وهم يحتمون دوما بأغطية جاهزة، منها دينية ومنها عشائرية وأخرى مناطقية، فضلا عن الحزبية والكتلوية والإقليمية، وفي كل الأحوال هم متشبثون بكراسيهم لامحالة، وجسدوا مثلنا القائل: (أعمى وجلّب بشباج الكاظم)

نعم، هذه المعطيات رغم قسوتها، باتت حقيقة واقعة على أوسع نطاق في مفاصل البلاد، وقد يرسم بعض العراقيين صورا جميلة لقادم الأيام، متوسمين بفرسان الأحلام الجدد الذي سيعتلون صهوة المناصب تشريعا وتنفيذا، عاجلا بالانتخابات المبكرة، أو آجلا بمواعيدها المنصوص عليها دستوريا، أن يأتوا لهم بـ (الذيب من ذيلو) وظانين أن حكامهم الجدد سيجعلون الشمس تشرق عليهم من الغرب، لتنير جانبهم الذي بات مظلما وأضحى كذلك طيلة عقود.

غير أن الحقيقة المرة واليقين المؤلم، هو إيمان معظم العراقيين أن رسمهم هذا من وحي الخيال، وهو لا يجدي نفعا ليكون واقعا ملموسا، فهم يعيشون حاضرهم، على أطلال ماضيهم، دون التطلع إلى مستقبل أفضل بعدما أضحى سرابا.

***

علي علي 

العقل يرى ولكي يرى لا بد من الضياء ، وضياء العقل لا تراه العيون، والبصائر تتوضأ به، وتدرك ما فيه من الأنوار.

ضياء العقل ينث أنوارا كونية وشعاع إدراك فياض يكشف غطاء الخفاء.

ضياء العقل برق يومض في دياجير التفكير والخيال المصدح في مدارات الإنكشاف والإهتداء إلى عين اليقين.

ضياء العقل، وهج الوحدادية وإطلاق جوهر الموجودات وإعادتها إلى أصلها المشترك.

ضياء العقل، نور يلد نورا، وإشراق يسطع في عوالم البحث عن كنه الغيوب، وجمان الدراية الواعية الخانسة في قيعان الدجى العميق.

ضياء العقل، بسملة بلسان الوهم الدفاق من أنوار العالمين الناطقين بإسم الرحمن الرحيم الرؤوف العطوف المنان الكاشف للغيوب.

ضياء العقل، يأخذنا إلى عوالم وما أوتيتم من العلم إلا قليلا، ويمنحنا طاقة البحث عن معارف في مدارات علوية.

ضياء العقل، طاقة كونية وإرادة صيرورة إنسانية سامية محلقة في فضاءات العروش العلوية، المتساقية من فيض الفيوض الإشراقية.

ضياء العقل، درة الذات المنبثقة من رحم الوجود المطلق، التي تترنم بآيات التواصل والتنامي والإرتقاء إلى طاقات كن.

ضياء العقل، صوت الحق المصدح في أرجاء الوجود، الباعث لصدى الكينونات الكبرى في ميادين التفاعلات الساعية لمجد الهداية ونكران البداية المعبأة بطاقات السرمد البعيد.

ضياء العقل، يفيض بأفئدة الموجودات الحية، الكانزات لإرادات معناها وفحوى إنبثاقها من ذات بذورها المتشوقة لمروج العلاء السعيد.

ضياء العقل، سطع في ديجور المتاهات البشرية، فأوجد سبلا للتعبير من رسالة المخلوقات، على مسرح الحياة الساعية إلى إبتداء جديد.

ضياء العقل، يجلو الرؤى والتصورات وتمويه الأضاليل والأباطيل، وينقي الإنسان من الشوائب والأوضار.

فأين العقل وأنوار يعقلون؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

نحن شعب لا نحسن الاختيار!! كل الشعب والجياع يتطلع لتشييع الوجوه الكالحة من الخط الاول والنواب والمحافظين، ونساءل الله أن يهدي الكتل السياسية والحكومة المركزية إلى اختيارالاكفأ والنزية وبدون محاصصة في المناصب السيادية والمهمة، لكنهم عودوناعلى اختراع أكاذيب، ثم محاولة تحويلها إلى واقع هدفه اغراقنا بالفشل والخيبات والازمات، هم طبقة فاسدة بلا انتماء للوطن، ويحتمون بالحصانة الوظيفية ضد الفساد، يلبس بعضهم عباءة الفضيلة ليداري الرذيلة، ولكنّ روائح فسادهم الكريهة ملأت أروقة مؤسسات الدولة، وتسربت منها إلى الشوارع والأقضية والنواحي والمدن، وتحوّل بعضهم إلى مصيبة وقعت على رؤوس الناس البسطاء، يحتمون بالمناصب والوجاهة الاجتماعية والسطوة في الوقت الذي يشتكي فيه المواطن من البيروقراطية القاتلة، وانتشار الفساد المالي والإداري وتفشي الرشوة والمحسوبية.

نحن شعب نعشق التناقضات في حياتنا، نحن العراقيون اباة، نحب الحياة، ونعشق الجمال، نتزوج، وننجب ذكورا واناثا، ومع ذلك يحلو لنا التحرش بالنساء، نصلي ونصوم ونؤدي طقوس العبادة ولكننا نشرب الخمر، ونلعب دور (الفتوة) وننسى كل ذلك حال خروجنا من الجامع والمسجد، نبيع الفضيلة بارشاداتنا لاولادنا وعوائلنا، ونرتكب الخطايا واحدة تلو الاخرى، ندرس وننجح، ولكن بدون قناعة لكثرة العاطلين، ندعو الرجال للتزوج من الارامل والمطلقات والعوانس، ولكن دون ان ندرس تكاليف الحياة وعمق ماساة غلاء المعيشة وخوفا من الزوجة الاولى ام العيال!!، وفقدت الثقة بين الرجل والمراة في حرم الجامعة ودوائر العمل، لكثرة الهمز واللمز—والفتاة العزباء باتت تخشى الزواج خوفا من النصيب والفال السيء!!نحن نغضب دائماً، وتتوتر أعصابنا، احيانا لاتفه الاشياء، نغضب بسبب الاختناقات المرورية في التقاطعات، لكننا نضع أعصابنا في ثلاجة عندما تتكرر أمام أعيننا المشاهد المؤلمة لظاهرة تسول الأطفال في التقاطعات المرورية، ونغضب أشد الغضب لمنظر امرأة تتسول، ولا نغضب لمنظر طفل لا يرتدي حذاءً،

نستصعب تسديد ما بذمتنا من ديون، ونستكثر دفع الحد الأدنى لمن يستحق المساعدة من الفقراء والمحتاجين، لكننا نستسهل دفع الرشوة لمن يطلب منا ذلك، من دون أن نحتج أو نغضب أو نرفض، نتمادى في عرقلة سير المركبات، وربما نجبرها على تغيير مسارها، أو نمنعها من الحركة حتى لو كانت المركبة سيارة إسعاف تنقل مصابا إلى المستشفى، أو عربة إطفاء في سباق مع الزمن لإخماد النيران المشتعلة وسط الحي، نعيش في عصر يهتم فيه بعض أصحاب المواقع العليا بمظهرهم لا بجوهرهم، فنراهم كيف يتلاعبون بتضاريس وجوههم، يضعون الأقنعة التنكرية لتغطية ملامحهم الحقيقية، يتخذون ماكياج الوقار الزائف كبطاقات ترانزيت لعبور بوابات النصب والاحتيال، أو لاستغلال سذاجة الناس وطيبتهم، تمهيداً لتحقيق مآربهم الدنيوية، ونيل المناصب والدرجات الرفيعة، فانحصرت أدوات التظاهر بترديد بعض العبارات المشفرة، والكلمات المنمقة، وإظهار الشدة والصلابة المفتعلة وقت الضرورة ووقت الحاجة، والتمسك بالقشور إلى درجة المبالغة في استعراض صور نمطية منسوخة من قوالب كاريكاتيرية متناظرة، حتى صار من المألوف مشاهدة الكثير من هذه النماذج المتخشبة، من الذين أساءوا للناس وللحياة بحركاتهم المصطنعة وكلامهم البغي.

نحتل موقع الصدارة بين أقطار كوكب الأرض في استيراد هذا الكم الهائل من أجهزة الهواتف النقالة بشريحة أو بشريحتين، بعدسة أو بعدستين من باب التباهي والوجاهة والإسراف، فانشغلنا بهواتفنا من الصباح إلى المساء، وتعالت جدران العزلة بيننا، ولم نعد نتحدث مع بعضنا البعض حتى تحت سقف الأسرة التي تجمعنا، استوردنا من السيارات الحديثة فوق طاقة شوارعنا الاستيعابية، حتى تكدست عندنا بأعداد وأحجام وموديلات لا تخطر على بال الجن الأزرق، لكننا لم نفكر في يوم من الأيام ببناء معمل واحد لإنتاج قطع الغيار، ولم نخطط لتصنيع بعض الأجزاء الصغيرة في السيارة كالمصابيح والإكسسوارات الخارجية والمقاعد الداخلية، عندما نسافر خارج البلاد نتصــــــرف وكأننا ملائكة غادرت أسوار المدينة الفاضلة لنعلن للعالم عن التزامنا الروحي والأخـــلاقي بالأعراف والأنظمة والقوانين المرعية في البلـــــدان التي نزورها، لكنــــــنا سرعان ما ننقلب على أنفسنا ونعلن تمردنا على كل الأعراف والتقاليد والأنظمة حالما نعود إلى بلادنا، فنلجأ إلى ممارسة هواياتنا الفوضوية في البيت والسوق ومكان العمل، ويحلو لبعضنا العودة إلى العصور البدائية في التصرف وفي الأخلاق والسلوك، ليس المهم ما نحمله من ذكاء ومواهب ومهارات ومؤهلات وقدرات علمية وإدارية ومهنية حتى نتبوأ المراكز التي تليق بمؤهلاتنـــــــــــا الأكاديمــــــــية والمهنية، المهم هو كيف نستفيد من ذكائنا في التسلل إلى أفكار جهـــنمية جديدة نقفز بها نحو الغاية والمراد لنتغلب على من هم أكفـــــأ منا وأقدر وأقدم وأكثر إبداعاً وإنتاجية، فالغاية تبرر الوسيلة في معظم حاجاتنا وتطلعاتنا، وبات باستطاعتنا تحقيق المزيد من الكسب والربح وفق قفزات بهلوانية وحركات زئبقية، إنها التناقضات العجيبة الصارخة والازدواجية الرمادية المخيفة في القول والعمل والتمظهر، اجتاحتنا مثل هبة ريح عاتية جافة وقاسية وليس بها ندى ولا هواء عليل.

***

نهاد الحديثي

إن الحقيقة التي نميل إليها كل الميل، أن الناس شغوفة مفتونة بسبك الشائعات، التي تتخذ منها ألوانا مختلفة في ظل ضجر الحروب وصروفها، وغاية بعض الناس في حياكة كل هذه الأكاذيب والترهات، التي نسمعها فنظهر اغتباطنا منها أو امتعاضنا، أن يثيروا في دواخلنا خوف وخشية، أو سرور وابتهاج، فالناس في جهاد متصل، بين رفض تلك الشائعات، أو قبولها والاطمئنان إليها.

وصياغة الشائعات في أوقات الشدة والكرب، خليقة منا بالعناية والدرس، وواهما من ظن، أن حبك الأراجيف ليس فيه شيء من العجب، ولا من الغرابة، فالناس تختلق الافتراءات في كل أطوارها، ولكن في الحق، يأخذنا شيئا من الاعجاب والدهش، حيال بعض الشائعات التي تمت صنعتها في قوالب رصينة، توحي بأن مبتدعها قد حمل نفسه بضروب المشقة والعناء، تلك هي الشائعات التي تأنس إليها النفس، لأنها لم تشعر بأنها تضللها، أو تروم خداعها، ورغم أن تأليف الشائعة و بلورتها، لا يقضي فيها صاحبها ما يقضيه كل كاتب مجيد، في كتابة مقاله المترع الضاف، الذي يضيف إليه ويحذف، حتى يثق في معانيه الجيدة، ولفظه المختار، وأسلوبه الجزل، إلا أن حظها من الشهرة والانتشار يفوق ما سطره يراع  حتى الجاحظ السيال، ومما لا يند عن ذهن، أو يلتوي على خاطر، أن هناك من  الشائعات ما يسرف الناس في الحفاوة بها، والثناء عليها، لأنها رقيقة المزاج، قوية الحس، بعيدة الغور، أليس ذلك دليلا على أن صاحبها قد جد وعمل حتى تخرج شائعته بهذه الصورة من الحرارة والصدق؟ وفي الناحية الأخرى، نجد شائعات  غثة هزيلة، بل هي غاية في السماجة  والكلال، لأن صانيعها لم يسبغوا عليها  تلك الصور الجميلة، التي تجعل الناس يرددونها في شغف وهيام، وما يجعلني أيها العزيز الأكرم، أرفع حاجبي من الدهشة، أن الآلة الإعلامية الجبارة، التي تخدم أجندة الدعم السريع في أرضنا التي تركض فيها المصائب، وتتسابق إليها النكبات، ورغم درايتها بطبيعة الإنسان السوداني الهشة والعاطفية، والمامها  بطبيعة المجتمع الذي تسري فيه الاشاعات بصور سريعة، إلا أنها رغم كل ذلك فشلت فشلا ذريعا، في جذب الناس إليها، فجزء كبير من شرائح المجتمع السوداني، لم تنطلي عليها تلك الشائعات التي تطلقها مراكز ضخمة في محيطنا الأقليمي في بذل وسخاء، وغايتها التي تنشدها، أن تكون الغلبة لصالح جماعة  "محمد حمدان دقلو" الشهير "بحميدتي" نائب الفريق أول عبد الفاتح البرهان قبل عهد قريب، ولعل السبب في ازورار الناس عن"طلس الدعامة"، أن تلك الأ باطيل لم ينضجها فكر، أو تصاحبها روية، فكيف لمن كان له حظا من نهى أو حصاة، أن يصدق تلك البيانات التي أذاعتها أبواق الدعم السريع قبل تمكنها من عبور كوبري حنتوب، واحتلالها الهش لمدينة "ود مدني" في وسط السودان، والذي لن يدوم طويلا، فالمعارك تدور رحاها الآن،  فقد ذكرت الأجهزة الاعلامية لقوات الدعم السريع قبل عدة أيام كذبا وافتراءا  أن قواتها الباسلة قد فرضت سيطرتها على مدينة "ود مدني"  وعلى مطارها الصخاب الذي تضج أركانه بالحركة والاضطراب، والقاصي والداني في السودان يعلم أن مدينة "ود مدني" هذه لا يوجد بها مطار في الأساس، وقد ظفر مطار مدني المزعوم هذا بسخرية الناس وتهكمهم، فقوات الدعم السريع التي عرفت بانهماكها في العجلة، وعدم التبثت، تجهل مدنها ونجوعها، ولعل العلة في ذلك، أن معظم "كماتها ومقاتليها الأشاويس"، قد قدموا من دول الجوار.

***

د. الطيب النقر

 

كان دريد لحام مدرسا للكيمياء عندما قرر أن يستبدل المعادلات الكيميائية بقبقاب خشبي، ليدخلنا معه الى عالم الكوميديا الغرائبية، حيث وجه انظارنا واسماعنا الى المصائب التي تحيط بنا من خلال دراما ضاحكة وحادة وسياسية في نفس الوقت

كنت قبل مدة اشاهد مقطعا قديماً يظهر فيه غوار الطوشي وهو يجلس الى احد زبائن الحمام، حيث يخبره ان اسرة احد سكنة الحارة ستقيم دعوى ضد المختار، والسبب ان جناب المختار كان يتحدث مع سكان الحارة عن متانة الوضع واستقراره وعن الرفاهية التي يعيشون فيها، لكن المواطن المسكين ما ان سمع هذه الكلمات حتى مات من الضحك.

وجنابي غص بالضحك ايضا وهو يقرأ ما كتبه بعض المدونيين في مواقع التواصل الاجتماعي يحذرون فيه من أن تتحول بغداد إلى مدينة سنية. مدونون ومطلقو شعارات طائفية، ومشعلوا حرائق خرجوا يتباكون على بغداد لأن قائمة محمد الحلبوسي حصدت أعلى الأصوات، وأخذ البعض يكرر جمل مملة عن التضحية وإرادة الشعب، عبارات مستهلكة، فقدت صلاحيتها للتأثير على المواطن العراقي.

يتباكون خوفاً على بغداد من قائمة الحلبوسي، ولم يسألوا أنفسهم: ماذا قدمت مجالس المحافظة على مدى السنوات الماضية لاهالي العاصمة ؟، وكيف أن الأحزاب التي استولت على مجلس محافظة بغداد، حولت بعض مناطق العاصمة إلى إقطاعيات خاصة بها. ولهذا اتنمى ان لا تسألوا لماذا تصر معظم الأحزاب للسيطرة على العاصمة بغداد، وكيف أن البعض لا يزال منزعجاً لأن كتب التاريخ تقول إن أبا جعفر المنصور بنى مدينة بغداد.

في مرات كثيرة يعاتبني بعض القرّاء لأنني أكتب بإعجاب عن مدن مثل دبي وسنغافورة وطوكيو، والآن اسمحوا لي أن أكتب مدن قريبة منا تحولت إلى مدن تضاهي مدن أوروبا، ونقرأ في الأخبار أن العراق يتقدم بدرجة واحدة على جيبوتي في مؤشر جهوزية نظامه الحكومي للذكاء الاصطناعي. اما الدولة التي تصدرت فهي الإمارات العربية المتحدة في المركز الاول عربيا ، والـ 18 عالمياً، فيما جاء العراق في المرتبة الـ13 عربياً والـ133 عالمياً.. وربما يقول البعض وهو محق؛ ما لنا والذكاء الاصطناعي ونحن نعيش مع عقول تستطيع أن تشتري وتبيع المناصب في وضح النهار.

دائماً ما أشير إلى المرحوم جان جاك روسو.. لان صاحب العقد الاجتماعي يرشدنا إلى أن الأمم لا تزدهر في ظل ساسة يعتقدون أنهم وحدهم يعرفون مصلحة البلاد.. فالازدهار والتنمية والعدالة لا مكان لها في ظل خطابات طائفية ومتحيزة يعتقد اصحابها انهم وحدهم يملكون القوة والحزم، يخيفون الناس، عادلون في توزيع العطايا والمنح على مقربيهم، وعادلون أيضا في توزيع الظلم على الناس.. أدركت الشعوب أن الحل في دولة مؤسسات يديرها حاكم إنسان يحب وطنه.

***

علي حسين

العبارة اعلاه، احدى مقاطع النشيد الوطني الليبي ابان الحكم الملكي، حكومة المنتصر ابرمت اتفاقيات مع حكومة جلالة الملكة وحكومة الولايات المتحدة، بإنشاء قواعد عسكرية في شرق البلاد وغربها، لأقت تلك الاتفاقيات او المعاهدات غضبا شعبيا تم قمعه، وكانت الحجة هي حماية الدولة الفتية من الاطماع الاجنبية، وتدريب جيشها حديث التكوين وجلب الاسلحة، واقامة بعض البنى التحتية، وذلك يتطلب ميزانية لا يمكن توفيرها بسهولة، حيث لم يتم اكتشاف النفط حينها، وبالتالي فان عقود ايجارات تلك القواعد تفي بالغرض.

مع تغير نظام الحكم، تم في العام 1970 الطلب الى الدولتين بإنهاء الوجود العسكري بالبلاد، وتم (الجلاء او الاجلاء) لم نعد في وارد المعنى الحرفي للكلمة بقدر النتيجة وهي مغادرتهم الاراضي الليبية، كما ان الحديث عن عدم رغبة الاطراف في التجديد للاتفاقيات اصبح غير ذي جدوى .

على مدى عقد من الزمن، لم تتوقف زيارات القطع البحرية لمختلف الدول المتدخلة في الشأن الليبي، بعضها زيارات بروتوكولية، واخرى تقوم بتوريد مختلف انواع الاسلحة والمرتزقة لأطراف النزاع المحلية، بل تتواجد قواعد عسكرية لدول أجنبية، تساعد هذا الطرف او ذاك وترسم له خطوط حمر بدماء الشباب الليبيين العاطلين عن العمل، لأجل المحافظة على مصالحها، لقد اصبحت البلاد مسرحا لصراع اقليمي ودولي يتم تنفيذه عبر عملائها بالداخل.

لقد فرط الاحفاد في ميراث الاجداد المتمثل في الوحدة الوطنية، والدولة المستقلة التي كانت نتيجة للكفاح المسلح ضد من توالوا على اغتصاب الوطن ونهب خيراته. ترى ما هو شعور الوطنيين الاحرار وهم يقفون لتحية العلم ويعزف النشيد الوطني الذي من ضمن فقراته (لن نعود للقيود.. قد تحررنا وحررنا الوطن)؟؟.

نشعر بالذل والمهانة وخيبة الامل التي اوصلنا اليها ساستنا، أحفاد المتاجرين بدماء ابناء الوطن على مر تاريخنا الطويل المليء بالبطولات. كما اننا نقف مشدوهين عندما نشاهد مزدوجي الجنسية وهم يؤدون التحية للراية التي في سبيل الحصول على جنسيتها باعوا رايتهم الاصلية ،ويغادرون الوطن عند الشعور بأدنى خطر يداهمهم، بعد ان اغترفوا من الخزينة العامة ما يروجون بانه من حقهم .

منذ اكثر من 12 عاما وساستنا الميامين يجتمعون بخارج الوطن وليس بداخله، لان بعضهم لا يامن الذهاب الى بعض مناطقه، وذلك تلبية لأوامر اسيادهم والايقاع بينهم ،فعن أي استقلال يتحدث هؤلاء ،نعم ليبيا لا تزال تحت الفصل السابع وساستها مرتهنين للخارج، يهرولون الى سفراء الدول المتدخلة في الشأن الليبي لتلقي التعليمات، بدءا برئيس الحكومة مرورا بمحافظ البنك المركزي وانتهاء بوزير الاقتصاد، نعم كل هؤلاء يعملون لصالح الدول الاجنبية وليس لصالح دولتهم، وذاك ثمن بقائهم في السلطة. المؤكد انهم سيحتفلون بعيد الاستقلال في الرابع والعشرون من هذا الشهر/ ديسمبر، كباقي السنوات، لأنهم وطوال مدة بقائهم في السلطة لم يعملوا شيئا جيدا يمكن ان يحسب لهم ،حتى المشاريع التي اسموها عودة الحياة(بعض الطرق والميادين) لم تعمر الا بضعة اشهر ،حيث كشفت الامطار مدى فسادهم ونهبهم المال العام واعتباره غنيمة.

من العار ان يختزل تقرير مصير الشعب الليبي في خمسة اجسام اثنان جيء بهما عبر لجنة الـ75 المرتشية. واخرون صلاحيتهم منتهية، إنهم ببساطة يريدون الاستمرار في السلطة ولا يريدون اجراء الانتخابات وان تشدقوا بها .

***

ميلاد عمر المزوغي

 

في المثقف اليوم