أقلام حرة

أقلام حرة

قال البحتري"إن جيد أبي تمام خير من جيّدي، ورديئي خير من رديئه"!!
فليس كل ما يقوله الشاعر جيدا أيا كان مقامه، بل يندر ذلك، ويكون الرديئ أكثر لميل الشاعر إلى النظم في أغلب الأحيان.
فالمديح والهجاء والرثاء والوصف والغزل في معظمها نظم، وربما يكتب الشاعر عشرات القصائد ليصل إلى ما يريد قوله بشعر جيد ومتميز، ولهذا تجد العديد منها تتراكم فيها الأبيات لتصل إلى بيت أو أكثر ممتاز الصياغة والتعبير.
ومما يثير الإستغراب أن معظم النقاد يعممون رؤاهم، فيحسبون ما يكتبه أحدهم رديئ وما يأتي به آخر جيد، ولا يفرقون بين المكتوب ويكون الإسم غالبا.
وبموجب ذلك تسيطر على الواقع الثقافي أسماء معدودة، والأجيال تكون مرهونة ببعض الذين إكتسبوا مقامات معينة، حتى توهمت بأنها لا تستطيع الخروج من أروقتهم المتمادية بالقبض عليهم.
ظاهرة الإرتهان بالماضيات، والذين رحلوا تهيمن على الوعي الجمعي، وتتسيد على مناحي الحياة المتنوعة، فتجدنا في محنة التقيد بما مضى وما إنقضى، وتدخلت عوامل عقائدية وعاطفية في نشاطاتنا فحولتنا إلى موجودات متوحلة بطين الغابرات الشديد اللزوجة.
ولهذا أصبحنا لا نبصر بواقعية وموضوعية، ونتوهم المثاليات المتخيلات، وأمضينا العصور نطارد السراب ونحسبه ماءً فراتا.
فالشعر فيه الجيد والرديئ، والجميل والقبيح، وخصوصا في الزمن الذي تمشعرت به الكتابات، وصارت منثورة على السطور، وتحمل هوية الشعر، بلا ملامح ولا مميزات، فأطلق القول على عواهنه، ونادي أنه الشعر، وهم يؤولون ويدّعون بأنهم يقرأون المبهم الغامض العنيد.
إنه الشعر، فلماذا الكلام الخارج عن سياق السائد المقبول؟
الإرث الشعري للأمة هذيانات، وخربشات على إيقاعات حوافر جمل، ونبضات قلب في خيمة تهزها رياح الصحارى وتغزوها رمال الفلوات.
فاكتب ما هو جديد، ومستورد من بلاد الأجانب الذين يصنعون كل شيئ، ولا نعرف صناعة شيء!!
والرحمة على أساطين الشعر الخالدين في مروج الذوق السليم، ولنصفق لكل متشاعر يحدثنا بمفردات مجتمعات الآخرين!!
***
د. صادق السامرائي

 

علاقة الأرض بالبشر أزلية وذات إيقاع متكرر ومتشابه، وتستعين عليهم بالأوبئة بأنواعها كلما سئمت من كثرتهم، وعلى مدى قرون عديدة حافظت على نسبة بشرية تستطيع أن ترعاها وتكفل حاجاتها للبقاء، وما بلغت أعداد البشر أكثر من مئات الملايين في معظم العصور، وعند إطلالة القرن العشرين كان العدد دون البليونين، وفي الحرب العالمية الثانية كانوا أقل من ثلاثة بلايين، وفي مطلع النصف الثاني من القرن العشرين، تمكن العلم من توفير اللقاحات التي قللت نسبة وفيات الأطفال ومنعت إصابة الكبار، إضافة إلى الثورة الدوائية وفي مقدمتها المضادات الحيوية، فتسارع نمو البشر وإزدادت أعدادهم بإضطراد غير مسبوق، وسيتجاوز الثمانية بلايين.
فهل تتحمل الأرض هذه الأعداد المتزايدة؟
هل ستطعمهم وتسقيهم وتسعدهم وتغنيهم؟
إن للأرض إرادتها وقوانينها وأساليبها للحفاظ على وجودها، فهي لا تغامر بمصيرها، وعندما تتعلق المسألة بديمومة وجودها، فلا تعرف الرأفة ولا الرحمة، وإنما تتحول إلى وحش فتاك.
ويبدو أن إرادة الأرض فاعلة في لا وعي البشر، وهي التي دفعته إلى إبتكار ما يفنيه ويقضى على النسبة العظمى من نوعه.
فالأسلحة ذات التدمير الشامل بقدراتها المتنوعة من النووية وما بعدها، وكذلك القدرات البايولوجية، التي كانت تستخدمها الأرض صار البشر يستحضرها، كما أن العدوانية تنامت، وصار البشر يخشى البشر، مما يعني أن طاقات التماحق أخذت تنبثق وتتفاعل، بعد أن توفرت الأدوات اللازمة لتنفيذ تطلعات البغضاء والكراهية والعدوان الشرس على الإنسان والبنيان.
ومن المرجح أن تعود الأرض إلى ما كانت عليه عند مطلع القرن العشرين، أي أن عدد البشر على ظهرها سيكون قليلا لكي تتحمل أعباء معيشتهم، وسعيهم الآمن فيها.
فكيف ستحقق الأرض هدفها؟
إنها ذات آليات متنوعة ومؤثرة، وستستهدف الهدف بعناصره ليتمكن من تنفيذ إرادتها، أي أنها ستسخر البشر للقضاء على البشر، وهذا ليس ببعيد، فالدنيا قاب قوسين أو أدنى من إطلاق ما يلغيها ويفنيها في لمحة بصر.
فهل ستنتصر علينا الأرض؟!!
***
د. صادق السامرائي
13\8\2022

 

المبدع أكثر تأثراً بما يسمعه وما يقرؤه، ولذلك هو مبدع يحمل مشاعره على رموش عينيه، وينتظر كلمة إنصاف أو كلمة نقد تأتي من مخلص للمبدع والإبداع، ولكنه لا يتوقع أن تأتيه كلمات على غير موعد لتوجع مشاعره، وتوجع أصدقاءه الذين يعرفون قيمته ومكانته في عالم مكتظ بأقلام الرصاص الطائش في بعض الأحيان.
يبدو المبدع اليوم أكثر ابتعاداً عن أخيه المبدع، فالمثقفون والمبدعون بمختلف صنوف الإبداع يعيشون في غرفٍ انفرادية يستنشقون أنفاسهم ذاتها، ويعيدون السلام على أنفسهم كل صباح، وحين يحاول أحد المبدعين – وغالباً من الشباب – أن يوطد أواصر الصداقةِ مع صديق له في الإبداع تجدهما يتحدّثان في كل شيء إلا التمحيص والتدقيق في مقتضيات الإبداع وموجباته، ولربما عُمل على هذا الشيء من الداخل قبل أن يكون من الخارج، فلقد شعرت السياسةُ دوماً أن الإبداع عدوٌّ لها فلجأت إلى تدجينه، أو عزله حتى صار صوت المؤسساتِ الثقافية اليوم صوتاً ناشزاً، وصارت كل كلمةٍ ينطق بها أحد أبناء هذه المؤسسات، تستدعي الهمس حول الأسباب والنتائج والجهات (المختصة) التي وجّهت هذا الكلام.
احيانا - يُكثر المبدعون من الانغلاق على آرائهم، ويكتفون بما تعلموه خلال سنوات دراستهم الجامعية،. فلا يبحث المبدع عن تجارب جديدة سواء في الموضوع أم التكنيك ويكتفي بما هو عليه لتجده بعد فترةٍ قصيرة يقع في مشكلة التكرار الممل والاجترار الواضح في آرائه، وربما يعود ذلك إلى الثقة الزائدة التي يمنحها لنفسه، كما أن الكسل يكون مردّه إلى انعدام الدعم من أي جهةٍ مسؤولة ومختصة لأي خطوة إبداعية مهما كانت أهميتها، ما يورث في قعر نفس المبدع – الحساسةِ أصلاً – شكلاً من أشكال اليأسِ في تحفيز نتاجه وتحريض حسه الإبداعي للهاث وراء المناصب ونيل المكاسب، يدفع بالعملية الإبداعية ككل إلى الخروج من متاهة الغرف المغلقة، ويجعلها أكثر انفتاحاً تجاه نقاء الثقافة ودورها المجتمعي الخالد، يُذكر أنه قد أنشئ سابقاً المجلس الأعلى للآداب والفنون ووضعت ميزانية خاصة لمشروع التفرغ للفنانين، وهناك قلادة الإبداع الذهبية تمنح للأدباء والفنانين والرياضيين والمبدعين، تقليداً أرسته مجموعة الاعلام العراقي المستقل وقناة الشرقية من اجل الاخذ بيد المبدعين الى مبتغاهم وتحقيق غاياتهم، التي هي رافد لديمومة الحياة بطيفها العراقي الوطني الاصيل، وبعيدا عن السياسة وحياة الاحزاب والطائفية، اوجدت هذه القلادة وما يترتب عليها من امتيازات قلادة الابداع الذهبية، لتكريم مبدعين عراقيين ارتبط عطاؤهم بهموم شعبهم وعبروا عن معاناة بلدهم وكرسوا حياتهم للوفاء الى وظيفتهم الابداعية، التي يضطلعون بها لأجل تحقيق أهداف وطنهم النازف واحلام فقراء شعبهم، وتكثر الأفكار التي نستطيع من خلالها إعادة ربط العلاقة بين الفن والإبداع والمجتمع، ويشعر الكثير من شباب العراق بأن مواهبهم وإبداعاتهم تعاني الإهمال من الجهات الرسمية، غير أن بعضهم قرر أن يتحدى هذه الظروف ويخطط لمستقبله دون انتظار دعم الحكومة، ومسيرة البحث العلمي في البلاد بطيئة لدرجة التجمد، خاصة في مجال دعم البحوث والمؤلفات
الإنسان لديه رغبات ومنافسات ومخططات لها هدف في تحقيق التقارب والتعاون والمحبة والقبول بين الآخرين وذلك من خلال الالتزام بالقوانين والأنظمة الاجتماعية، أما إذا تحول التنافس إلى نوع من الانتقام والخصومة والحقد والحسد والنيل من الآخر على حساب تحقيق مصالح شخصية فقط فهذا الأمر لا يعتبر تنافس إيجابي بل يؤدي إلى تفكك الأسر والأفراد وانتشار الآفات، نتيجة عدم وضع حدود معينة تغرض للتعزيز ثقافة الاختلاف الذي تؤدي إلى احترام وقبول الأطراف الأخرى حتى ولو حدث هناك خلاف بين طرف مبدع وآخر من ناحية فكرية، وثقافية، ودينية، وغيرها من نواحي أخرى، الحقد والحسد الناتج عن التنافس السلبي يدمر التماسك الاجتماعي ويقود إلى إثارة العنصرية والعنف النفسي، أن من السهل جدا أن يحمل الفرد في القلب الخاص به الضغينة والأنانية تجاه من يتنافس معه في مجال معين، ولكن من الصعب جدا أن يتحلى بالثقة بالنفس وعدم الخوف من جهة أن يكون شخص عفوي ومتسامح مع من يختلف معه في فكرة أو قناعة، فمن هنا يتفادى الإنسان إشعال الخصومات والنزاعات،، وننصح كل مبدع أن يتعامل بمسؤولية مع هذه الخلافات والمنافسات السلبية، والمقصود بالتعامل بمسؤولية هو أن لا يتم أستخدام أسلوب التسقيط تجاه الطرف المنافس، فإن التنافس القائم على التسقيط وتشويه السمعة يؤدي إلى إثارة الفتن والكراهية بالنفوس البشرية، بمعنى آخر أن الإنسان مطالب بأن يتقيد بالمبادئ والقيم الاجتماعية والإنسانية السامية، وذلك من أجل أن يعطي انطباع إيجابي تجاه البلد أو المنطقة أو القرية التي يعيش فيها، ابعدوا الفساد الثقافي ا لمتسبب في غياب النقد العلمي الموضوعي، وتحويل النظر عن أصحاب المواهب لأجل إرسالهم في بعثات علمية للدراسات العليا لمنحهم مزيداً من الكسب المعرفي لتحفيز إبداعهم، ما يجعلهم رواداً حقيقيين للنهضة الإبداعية فتعود ثقة الجمهور بهم وبفنهم وتعود حالة الاحترام للفن والفنانين والنقد والنقاد، وتكتمل حلقة الوصل بين المبدع والجمهور.
***
نهاد الحديثي

الموجودات تتفرق، وتتعدد وتنقطع عن ذاتها وجوهرها البَذْرَوي وتتحول إلى عدوٍ لمبتدئها، وتنتشر وتغيب وتتحقق وفقا لما فيها من القدرات المدفونة.
وهذا ينطبق على الأفكار والرؤى والتصورات، والعقائد والأحزاب والحركات والأديان، وكل تفاعل جمعي أو فردي في ربوع الحياة.
وعلة ذلك أن الدوران يفرض قوانينه ويؤكد حتميته، وما ستؤول إليه المكوّنات القائمة في وعاء الدوران، وآليات تمازجها وإنطلاق ما فيها من المحتويات المكنونة.
ولا يوجد حزب أو حركة أو دين، إلا وأنجب ما يُعاديه من الطاقات، التي تسعى للتعبير عنه بما يناقض كنه ما فيه من الصيرورات، ولهذا فأن مسيرة المعتقدات إلى تفرق وتنافر وتجاذب وإصطراع، ولن يهدأ لها بال، ما دام الدوران هو القانون المتحكم بالموجودات.
تلك طبيعة ما يدور، ومصير المحصور في وعاء مغلق يتقلب على نار ذات لهب، حيث يتحقق الإنطباخ والطهي المتواصل للعناصر والمواد المتراكمة في الوعاء، مما يؤدي إلى تقديم طبخاتٍ جديدة كل يوم، وبإختلاف الليل والنهار تتأكد حتمية التجدد والتبدل، والتفاعل المتغير في بواطن الأرجاء.
ووفقا لقانون الطهي الأرضي فأن وجبات الأجيال لا يمكنها أن تكون واحدة وبذات المقادير والمواد، وإنما لكل جيل وجباته المختلفة عن الأجيال السابقة واللاحقة، وهذا يعني أن العقل لا بد له من الإعمال لكي تتأكد الرسالة التبدلية، والنهج الطهيوي لكل موجود.
أي أن القبول بوجبة أجيال سابقة تتسبب بتسمم وجودي وتقيؤ حضاري، وأمراض إنهيارية ذات تراكمات تدميرية وتواشجات تخريبية، لأن في ذلك تعطيل للعقل وتدمير للمسيرة الصاعدة إلى كنه ما فيها من المعلومات، والمجهولات والتأينات النفسية والسلوكية والفكرية، مما يحتم المراجعات والمُدارسات والتنقيحات والتحريرات الضرورية للمواكبة والتمسك بحبل السرمد.
وعليه فأن القول بالجمود الذاتي والموضوعي، يُعدّ إنتحارا معرفيا ووأدا عقليا، وخلعا لرأس الحكمة وطمرا لطاقات الكائنات الساعية نحو برهان التداني من علم اليقين، مما يصيب السيل الخلقي بإصطرابات المشية وتعثر المسير، حتى لتتساقط الحياة في حفر تتناهبها الظلماء.
ومن هنا فالإجتهاد من ضرورات البقاء، والقراءة المعاصرة لأي نص من حتميات التلاقح والتناضج والتعاصر، والتواكب مع مفردات الزمان والمكان، وعدم الإنقطاع عن أفياض التداخلات الولاّدة المقتدرة الساعية لإنجابٍ أصيل يختزن إرادة مواليد.
فهل أن العدو الذاتي نافع ومفيد؟!!
***
د. صادق السامرائي

 

القوة الفاعلة فينا عبر الأجيال ومنذ قرونٍ عديدة، أننا لا نرى الواقع الذي نتحرك فيه، وإنما نتصوره . وهذه الآلية التفاعلية ضاربة في أعماق وجودنا، ويمثلها بوضوح وبتفاصيلها (قيس بن الملوح)، أو (مجنون ليلى)، الذي ما كان يرى (ليلى) على حقيقتها البشرية، وإنما يتصورها.
فليلى العامرية إمرأة عادية، ولم يُذكر بأنها ذات صفات مميزة أو جمال خارق، لكنها في نظر مجنونها شيئ آخر، يمثل روح الحياة وجوهرها.
وما كان يراها بآدميتها، وإنما كما تضفيه عليها خيالاته، فهام بها وإنتهى إلى عواقب الهيام الخيالي.
وهذه التفاعلات تمليها الهرمونات الذكرية في الرجل والإنثوية في المرأة، فتؤثر على العُصيبات الدماغية وتشحنها بما يتسبب بسلوكيات متوافقة معها.
كما أن لها سطوة جينية في صياغة النهاية السلوكية، لمتوالية التواصل ما بين الطرفين المشحونين بالعواطف.
إنها ديناميكية تفرض وجودها على أيامنا، وتتسبب بكوارث وتداعيات على مختلف المستويات والنشاطات، ولهذا تجدنا من أعجز المجتمعات على حلّ مشاكلنا، وأضعفها في مواجهة التحديات، لأننا نحلق في فنتازيا إفتراضاتنا، الناجمة عن تصوراتنا المتحركة في غياهب البعيد.
وهي من أهم الأسباب التي أدّت إلى فشلنا في إقامة نظام سياسي يخدم مصالح المواطنين، ويضع الأسس الصحيحة لإنطلاقة حضارية واعدة للأجيال.
فهل لنا أن نعي ما نتصور، ونتفاعل مع واقع قائم يمتلكنا؟!!
***
د. صادق السامرائي
21\9\2021

 

لعلها من المرات النادرة التى يبدو فيها نائب رئيس الجمهورية السابق خضير الخزاعي صادقا وهو يتحدث عن ما جرى في العراق من انتهاك لسيادته .. حدث ذلك في اخر ظهور للسيد الخزاعي على الفضائية العراقية حيث اخبرنا بكل اريحية انه اخذ موافقة من رئيس السلطة القضائية في إيران من اجل تنفيذ حكم قضائي اصدرته محكمة عراقية .. لا اريد ان ادخل في التفاصيل، فالبعض ربما يتوهم انني ادافع عن الشخص الذي صدر ضده حكم الاعدام، او لا سامح الله يتهمني بالاساءة للقضاء العراقي، لكن السيد خضير الخزاعي هو من اخبر العراقيين انه ذهب إلى طهران برفقة وفد حكومي كبير من أجل الحصول على إذن بصحة صدور حكم إعدام ضد احد رجال النظام السابق .
لم يكن حديث الخزاعي زلة لسان كما سيتوهم البعض، فالرجل كان يتحدث بكل ثقة وهو يرد على أسئلة مقدم البرنامج، وقد اكتشفنا انه استطاع ان يهدي مجاميع كبيرة من العراقيين، فالرجل يخبر مقدم البرنامح ان معظم الذين كان يلتقي معهم يؤمنون بافكاره، والسبب لانه " خوش ادمي "، لكنه بالمقابل رفض ان يعمل طالب ماركس معه، لان الماركسي لا يعجبه .
كنت ضمن الذين كتبوا عن خضير الخزاعي " الخوش ادمي "، داخر الحركة اليسارية، ايام كان وزيرا للتربية وبعدها نائبا لرئيس الجمهورية، فالرجل خطط لفصل البنين عن البنات في المدارس الابتدائية،، وكان أول مسؤول عراقي يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، حين يرى معلمة غير محجبة.. واتذكر كيف خرج علينا ذات مساء ليقول : "انه لا يسعى للمنصب لكنه تكليف شرعي وعليه تنفيذه"، وفي ذلك الوقت حين واجه ترشيحه لمنصب نائب رئيس الجمهورية، اعتراضا من بعض الكتل السياسية رفع إصبعه محذرا الجميع من أن عدم وجوده في المنصب سيجر البلاد إلى مزالق الخطر ويطيح بالعملية السياسية، كان الخزاعي حريصا ان يهدي العراقيين الى طريق الفضيلة اوكيف يمكن اخراجهم من عصور الجاهلية، وقدم لهذا الشعب ذات يوم نصيحة ذهبية عندما قال ان الاحتجاجات والتظاهرات مضرة ولا تجدي نفعا، لان العراق بلد فقير وان الحكومة لا تملك الأموال اللازمة لتحقيق كل ما يصبو إليه المواطنون الذين لو خرجوا كلهم، حسب قوله، فان أي شيء لن يتغير.
حتما لم يتغير شيء نحو الأحسن، لكن احوال خضير الخزاعي تغيرت كثيرا، فالرجل عاد الى بلده كندا وهو يحمل في جيبه راتبا مليونيا، وامتيازات واموال المدارس الحديدية، ومشاريع وزارة التربية الوهمية، وقد اخبرتنا لجنة النزاهة البرلمانية فيما بعد ان مشاريع المدارس الحديدية نهب منها ما يقارب الربع مليار دولار عدا ونقدا. وعاش "الخوش اوادم".
***
علي حسين

إستهلك: إستنفد، أفرغ
مجتمعاتنا لم تنتج أصيلا، وإستحضرت ما أنتجه الآخرون، وتوهمت بأنه يتوافق ومسيرتها المعرفية وإرثها الذوقي والإدراكي.
وإنطلقت مفاهيم غريبة منذ بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، لا تزال بعيدة عن التمثل والقبول والإنهضام، وتحولت الإبداعات بأنواعها إلى كينونات صومعية نخبوية منقطعة عن نهر الأجيال الجاري من منابعه الدفاقة المعطاء.
إستنساخات وإستحضارات لأساليب ونتاجات وليدة واقعها الإبتكاري الصناعي التكنولوجي، المتسارع الإضافات والمؤسس لآليات حياتية تستدعي التناغم معه، ومواكبة كينونته الفيحاء.
أنماط إبداعاتنا المتنوعة أصيبت بوباء الحداثة الضبابية المشوهة البهماء، فغدت تخاطب القلة المتوهمة بالجديد، المعبأ بالغموض والرموز والإبهام الثقيل الداعي للنفور والإهمال، وعدم الرجوع إلى منطلقات الذوق المتوارث السليم.
وتجدنا أمام الإصدارات المركونة على الرفوف أو أرصفة الطرقات، وبعضها في سلال المهملات، وأصحابها يتصورون بأنهم أبدعوا الأصيل، وما سطروه إضطرابات أفكار وهلوسات يراع مألوس، يقبض على وهم الحداثة والتجدد وكأن الإبداع سيل كلمات وركام عبارات.
لو تصفحنا ما يسود على صفحات التواصل الإجتماعي، لتبين أن ما يسمى بالحداثة لا مكان له إلا فيما ندر، وتطغى على المنشور إبداعات متعارف عليها منذ قرون.
فهل يمكن مقارنة ديوان كعب بن زهير أو غيره بما يسمى بدواوين الحداثويين؟
لماذا بقيت دواوين الغابرين، وماتت دوواوين المعاصرين قبل موتهم؟
إنها معضلة الذوق السليم المتوارث المكين!!
***
د. صادق السامرائي

 

يمتاز العراقيون بمهارة التعامل مع المفردة من حيث وضعها في المكان المناسب والمؤثر يضاف الى دقة دلالتها وصواب تشبيهها ، ومن بينها العبارات التي يطلقونها عند مغادرة من هو سيء الاخلاق والسلوك والذي اجبرت الظروف على معاشرته فيقولون وراءه (روحه بلا رده) تعبيرا عن شدة البغض له وثقله خلال وجوده بينهم ، وكذلك في التعبير عن فرحة الخلاص لمثل هكذا شخصية بقولهم (أذب وراه سبع حجارات) أما لماذا يرمي خلفه سبع حجارات فهو أمر يبين به زيادة التفاؤل بعدم اللقاء به مرة أخرى باعتبار الرقم سبعة مبارك في الثقافة الشعبية العراقية ، وحينما يغادر الشخص الثقيل يقال وراءه (دفعة مردي وعصاة كردي) وتستعير العبارة عصاة الكردي لقوتها ذلك ان الرجل الكردي يصعد بها جبال و ينزل سهول فينضرب بيه المثل على القوه . اما الرجل غير المرغوب بصحبته فعندما يعتذر عن مصاحبة الجماعة يقال له (خفة وراحة)، ومن أجل ان لا يلقى أمثال هؤلاء هذه العبارات الشامتة تقوم الكاتبة احلام مستغانمي بتوجيه النصيحة لمن أصبح وجوده ثقيلا وكريه اللقاء:
قل وداعا
حين تشعر ان المكان لم يعد مكانك
وان اللحظة ثقيلة وانت معهم
وللشعراء ايضا حصة في توديع الرجل السيء ، فبعد نكبة الفضل بن مروان على يد الخليفة المعتصم الذي جعله وزيرا لكنه استبد بالأمور وكان الفضل مذموم الاخلاق لذا شمت به الناس حتى قال بعضهم فيه مودعاً:

لتبك على الفضل بن مروان نفسه
فليس له باك من الناس يعرف
*
الى النار فليذهب ومن كان مثله
على أي شيء فاتنا منه نأسف

الكثيرون من الذين دخلوا حياتنا عنوة وعبثوا بمستقبل اجيالنا يستحقون مثل هذا التوديع او حتى لا يستحقون شرف الوداع .
***
ثامر الحاج امين

منذ الصبا ويرددون على مسامعنا: "الجهل والفقر والمرض"، "وحدة حرية إشتراكية "، وغيرها، وأنظمة حكمنا طغيانية ذات غلو، وتوفر للغزاة أسباب النيل من وجودنا الوطني والإنساني، وتدعي بأنه الإستعمار، وهو القوة التي تساندهم وتثبت أركان حكمهم، مقابل الحفاظ على مصالح الطامعين بالبلاد والعباد، وعلى أحسن وجه وتمام.
ترى لماذا دول ثرية ومواطنوها في حرمان وقهر بالفقر والعوز ومعاناة شظف العيش، والتفكير بالهجرة إلى بلاد الآخرين؟
في مجتمعاتنا تسود الإستحواذية العائلية والفئوية والحزبية وتتحكم بثروات البلاد، وتحسبها ملكها المشاع، ولديها حرية التصرف بها، فتجد في بلدان النفط أشخاص أثرياء أرصدتهم بالبلايين الراقدة في بنوك أجنبية، ويعيشون ذروة البذخ والثراء، وهم قلة قليلة تكنز النسبة العظمى من الثروات الوطنية، وعامة الشعب في مآزق الفقر والتضور من قسوة الأيام، حتى أن العديد من أبناء البلدان يسكنون في أكواخ ويعتاشون على مزابل الأثرياء الذين لا يرحمونهم.
وتعقدت الأمور يتشجيع السلوكيات المؤدينة والتحزبات المتطرفة ذات الغلو الفاضح، الساعية إلى التكفير وسفك الدماء وفقا لفتاوى ذوي العاهات النفسية، المتاجرين بالدين القويم، والداعين للتجهيل والحرمان من حقوق الإنسان، التي سينالها المنكوبون في جنات النعيم، والمنبريون يرفلون بالرفاهية ويكنزون الذهب والفضة ويسكنون القصور، ويركبون السيارات الفارهة المصنوعة في بلاد الكافرين، كما يتصورون ويدعون ويضللون ويسوغون الحياة المأساوية للناس من حولهم.
ثلاثيات متنوعة، وما تمكنت الأجيال من التحرر من أصفادها، بل أمعنت في تأكيدها وتطويرها والتفاعل معها على أنها أمر ضروري للحكم وإستلاب البلاد وتخنيع العباد.
تأملوا الرعاية الصحية والتعليم ومستويات المعيشة في بلدان الثراء النفطي، وكيف يتبجح السراق والفاسدون، ويحسبون ما سرقوه رزقا من ربهم الذي يرزق بغير حساب، وهم لا مسؤولية عليهم لمساعدة مَن لو أراد ربه لأطعمه.
الدين تجارة مربحة، والفقر من أهم وسائل الحكم، والجهل من ضرورات السمع والطاعة، والمرض يساهم في منع المواطنين من التفكير بحقوقهم، ويفقدهم القوة على التعبير عن إرادتهم، ولهذا فالثلاثيات تتعدد وتترسخ وتتوالد، ما دامت الكراسي متسلطة، ومؤيدة بالأقوياء من ذوي المصالح المنشودة.
فلماذا لا تتحدثون عن الخير والسعادة الوطنية، أيها المتهكمون؟!!
***
د. صادق السامرائي

 

الذين يكتبون الشعر يعيشون وهْمَ الإتيان بجديد أصيل، وكأنهم يتغافلون عن حقيقة أن الشعراء عبر العصور قد أمعنوا في الإبداع بكل شيئ، وبلغوا ذروة التعبير الجمالي والتصويري والإيقاعي.
وما تركوا للأجيال اللاحقة ما يمكن قوله، فلن تتفوق عليهم في أغراض الشعر المتعارف عليها، ولو تفاخرت بالحداثة وما بعدها وما قبلها، فقد أجادوا بقوة وقدرة لا يمتلكها أبناء عصرنا وما بعده، ذلك لتبدل أساليب الحياة وتوفر الوقت والأجواء اللازمة لذلك الإبداع الشعري الخلاب.
فالتنافس بين شعراء اليوم لا طائل يرتجى منه، ولن يصل الواحد منهم إلى حالة تفترب من أولئك الذين غمروا الحياة بإبداعاتهم الفياضة.
وكأن القرن العشرين، كان خاتمة المطاف، فلن تنجب الأمة في القرن الحادي والعشرين من يستحق تسميته بشاعر، لأن ما يكتب لا يتوافق مع إيقاع الزمان.
البعض يكتب عن الحب ويمزج الأساطير والتراث وغير ذلك من الأساليب، لكنها مكررة ودارجة ولن تضيف شيئا إلى الوعي المعرفي والتذوق الشعري.
فالمشكلة التي يغفلها الذين يكتبون الشعر، أن عليهم أن يتواصلوا مع الأغراض الشعرية، التي يمليها القرن الحادي والعشرين.
أي أن التجديد الحقيقي يجب أن يكون في أغراض الشعر، وليس في الصور الشعرية والإيقاعية والجمالية، فهذه قد أستنفذ مفعولها ودورها، وتصلح للقرن العشرين في خمسينياته وستيناته.
فالبشرية في عصر آخر، على الإبداع أن يستوعبه ويتمثله ويعبر عنه بدقة وإخلاص.
فلا قيمة للكتابة عن الحب وبث العواطف والبوح الإيروكي، وما يتصل به، ولا قيمة للرثاء والعويل والبكاء على الأطلال، والمديح والقديح والغزل بأنواعه.
فالشعر فقد دوره ومعناه وأغراضه التقليدية التي لا زلنا نتمسك بها ونستحضرها.
ويبدو أن الشعر عليه أن يكون وثائقيا، يصور أحداث هذا القرن، وأن يتفاعل بآليات ومهارات، علمية إقناعية ذات قيمة تنويرية تساهم في نقد الوعي الجمعي، بما يعينه على صناعة التيار الثقافي اللازم للمواكبة والتغيير.
أما التوهم بأننا نكتب شعرا لا يقترب منه عصفور، فهذا سلوك هروبي وتزعة لتعجيز الأجيال وإخمادها، وتضليلها بأن العبث إنجاز واللهو جد وإجتهاد.
إن الأمة بحاجة لشعر يفجر طاقات الروح ويبني إرادة التوثب والإقدام، ويكون إيجابيا في بناء النفس المتعافية من آفات وشرور الإذعان والبهتان.
وعلى الشعر ان يكون مسطورا بحروف من نور!!
***
د. صادق السامرائي
9\8\2021

عرفت البشرية عبر مراحل متعددة من تاريخها السياسي فنون عديدة من وسائل التعذيب التي استخدمها الطغاة على مدار التاريخ، حيث تفنن الطغاة والسفاحون باستخدام وسائل القتل والتنكيل والتمثيل بضحاياهم، ومن أقبح هذه الوسائل هو الخازوق الذي يمثل أشنع وسيلة تعذيب وإعدام عرفها العالم والتاريخ والتي ابتكرتها الأنظمة الشريرة لمعاقبة خصومها او الذين يختلفون معها في الرأي، والخَازُوقُ عبارة عن عمودٌ مدبَّب الرأْس، كانوا يُجِلسون عليه المذنبَ في الأَزمان الغابرة، فيدخل في دُبره ويخرج من أَعلاه، ويذكر المؤرخ الإغريقي هيرودوت أن الملك الفارسي داريوس الأول قام بإعدام حوالي 3000 بابلي بالخازوق عندما استولى على مدينة بابل ومصادر اخرى تذكر ان العثمانيين استخدموا الخازوق بكثره لدرجه انه الان يعرف باوربا والغرب بالعقاب التركي، كما تشير المصادر الى أن سليمان الحلبي أحد طلاب الأزهر الذي قتل الجنرال كليبر عندما غزا نابليون مصر أعدمه الفرنسيون بالخازوق وتشير ايضا ستيفاني دالي في كتابها "أساطير من بلاد ما بين النهرين" ان استخدام الخازوق يعود إلى زمن بعيد جداً فقد ورد ذكر الخازوق في شريعة حمورابي ففي رسالة جوابية موجهة إلى الملك زمري-ليم من أحد القادة بأنه وضع مخافر الشرطة بحالة طوارئ للقبض على أحد المتهمين، وأنهم سيضعونه على خازوق ، وقد دخل الخازوق ساحة الأدب فكتب محفوظ عبد الرحمن مسرحيتة " حفلة على الخازوق " وكذلك الكاتب السوداني عثمان كنون كتب روايتة " تل الخازوق" ولا عجب أن يبقى الخازوق لصيق الذاكرة العربية فنجده حاضراً حتى في الأمثال، فيقولون في مصر والشام: "مثل مرزوق، يحب العلو ولو على خازوق"، اشارة الى صغير الشأن الذي يطلب الوجاهة بكل الوسائل. " . ويقول المثل الشعبي العراقي "الجلوس بين خازوقين راحة "و يضرب هذا المثل لإرتياح الإنسان بين تعذيبين كما يقال للشخص المتورط في قضية كبيره انه " أكل خازوق " كما ان الشعر لم يغفل بشاعة الخازوق ففي معرض رده على اغنية فيروز (الان الان وليس غدا .. اجراس العودة فلتقرع ) يقول الشاعر نزار قياني يائسا معتبرا هزيمة حزيران 1967 بأنها (خازوق دق بأسفلنا .. خازوق دق ولن يطلع) .

والعراقيون خلال نصف قرن ذاقوا انواعا متعددة من الخوازيق الجبارة وليس بالضرورة ان يكون الخازوق هو الوتد المدبب انما الخوازيق السياسية هي الأبرز في تاريخه والأكثر ايلاما .
***
ثامر الحاج امين

أتلقّى بين الحين والآخر رسائل من اصدقاء اعزاء، يلومونني فيها على اصراري الكتابة عن تقلبات السياسيين والعابهم، وكنت اواجه بهذا السؤال: ألا تمل من ملاحقة شطحات مشعان الجبوري، وطلات عالية نصيف، وقفزات محمد الحلبوسي، واصرار نوري المالكي ان يمسك خيوط البلاد بيده حصرا؟ وصرخات عتاب الدوري، لماذا لا تتفرغ لهويتك الحقيقية ملاحقة الكتب والكتاب .

أنا ياسادتي الأعزّاء، مجرّد كاتب مطلوب منه يومياً أن يملأ هذه المساحة بكل ما هو غريب وعجيب في بلاد الرافدين في زمن الديمقراطية، ورغم أن البعض، "مشكوراً"، يتهمني بأنني "لا يعجبني العجب"، لكني ياسادة أحاول أن أبحث في هذا العجب لأنقل لكم كيف ان رئيس البرلمان " الثوري محمود المشهداني " يتبجح انه وجماعته مجرد " مقاولين تفليش" . ولاجل عيون هذا المقاول الشاطر اخبرتنا النائبة حنان الفتلاوي أن رؤساء الكتل تحولوا الى سيطرات..من لا ينتخب المشهداني لا يمر . ومن حسن حظ هذا الشعب ان عرف اخيرا ان النائبة الفتلاوي تحمل خصلات ثورية، وبسبب هذه الثورية الزائدة قررت التوقف عن برنامجها التوازني، والسبب لان الوضع في العراق تحسن واصبحنا نعيش في نعيم .

سيرد البعض متهكّماً، وماذا بعد يارجل؟ لماذا تصرّ على تذكيرنا بـ"النوائب"،، فما الذي سيجنيه الناس من برلمان سيُعيد إلى مسامعهم الخطب نفسها وستمتلئ شاشات الفضائيّات بمعارك تاريخية، لكن رغم كل هذا الأسى، هناك خبر مشرق، النائب مثنى السامرائي، خرج علينا بنظرية جديدة، خلاصتها أنّ العراق في وقته الحالي بحاجة إلى عقل اقتصادي، ولان السيد السامرائي له خبرة " بالاقتصاد " فانا اضم صوتي الى صوته وارشحه لكي يتولى شؤون البلاد المالية، وأتمنى أن لا تتهموني باني اسخر من قامة اقتصادية، لا تقل اهمية عن صاحب نظرية " الدولره " حمد الموسوي .

وانا استمع لحديث النائبة الفتلاوي عن سيطرات الديمقراطية العراقية، تبيّن لجنابي أن الديمقراطية ليست كما بشّر بها أفلاطون، وصاغ مفاهيمها وأسسها أرسطو، فنحن حتى لحظة ظهور السيدة الفتلاوي لا نعرف أي نوع من الديمقراطية نبغي وأي ديمقراطية سنصدِّر للبشرية، ففي الديمقراطيات الحقيقية السياسي الفاشل، يعترف بفشله ويذهب الى بيته معتزلاً السياسة، بينما في ديمقراطيتنا فإن صوت السياسي نذير بساعات النحس.

للاسف هناك من يريد ان يمارس مهنة " قطاع طرق الديمقراطية "، فهم يتصورون أن الديمقراطية هي خطف اصوات النواب، وتعبئة الجماهير، هناك فارق بين الديمقراطية عندما يستخدمها رئيس كاداة لمصلحة حزبه، وبين الديمقراطية كفضاء مهمتها خدمة جميع الناس

***

علي حسين

 

في نهر الحياة الجاري، وسلطة الدوران، وما يمليه تعاقب الليل والنهار، لآيات واضحات وأدلة بينات، على أن التجديد هو المعبر الأصدق عن إرادة الحياة.
التجديد يشمل كافة النشاطات والإبداعات، ولكل جيل دوره في مسيرة التغييرات المفروضة على الموجودات.
الكتابة بأنواعها تتجدد.
والشعر أبو اللغة يتجدد، ولكن كيف يكون ذلك؟
فالشعر العربي له تأريخ طويل ومعايير ثابتة، وأساليب وألفاظ متبدلة تدل على عصره.
ولهذا يكون الفرق واضحا بين الشعر الأموي والعباسي والأندلسي، وشعر القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين.
وللشعر ثوابت تدل على أنه شعر، وتشير إلى لغته وما فيها من ضوابط وإلتزامات، فأسلوب تأليف الجمل وتراكيبها وتفاعل العبارة مع الفكرة وما يشير إليها، وبهذا يمكن وعي الجمال وتذوق روعة التعبير باللغة.
أي أن اللغة فيها مشتركات تدل عليها وتؤكدها وتدعيها متحدية عوامل التعرية والإنقراض.
وهناك ما يتوافق مع سلطة الدوران التي تحكم الموجودات بالتغيير لكي تبقى وتعاصر وتتواكب مع مكانها وزمانها، لأن الشعر مرآة بيئته الذاتية والموضوعية، وحتى الشاعر يجد ما كتبه قبل سنوات غير ما يكتبه الآن، أي أنه يتجدد في قدراته الشعرية، وتتحسن ألفاظه ومفرداته وتتواصل مع الواقع الذي هو فيه، لأن الشعر خطاب ولا بد له أن يكون مفهوما من قبل المخاطب به، لا أن يكون مصدر إزعاج وتنفير وتشويش.
ومسيرة الشعر العربي فيها العديد من الثورات التجديدية، وستبقى روح التجديد سارية فيه.
ومن أهمها إختيار الألفاظ المتناسبة مع العصر، والمعبرة عن عناصره بوضوح، والتفاعل مع الأغراض المتوافدة إليه،
فأغراض الشعر تتجدد وألفاظه كذلك، ولا يصح المساس بكينونته وعلاماته الفارقة، التي تميزه عن صنوف الإبداع الأخرى.
ويمكن مقارنة تجديد الشعر بتجديد الموسيقى.
فللشعر ألفاظ رشيقة تناسب عصره!!
***
د. صادق السامرائي

 

لا ريبَ أنَّ الغارمَ الولهانَ بلسانِ الآباءِ والأجداد، لا يَرى فلاةَ الحياة إلّا بحدقاتِ لسانِ الضَّاد. ولقد زرتُ المُتحَفَ العِراقيَّ في بَغداد، لأستَنشقَ عبقَ الأمجَاد، ولأستَمتِعَ بألقِ الأسياد. ولقد أتحفتُ نفسي واستمتعتُ بزيارته بإسعَاد. وبينما أنا في بطنِ المُتحَفَ بإسهاد، إذ نادى في خاطري صوتُ مُناد؛
"إنَّ فتحَ الميمِ في كلمةِ "مَتحَف" هو فتحٌ خاطئٌ شائعٌ، لا فطنةَ فيهِ ولا فيهِ رَشاد، ولقد فَتَحَتهُ معاجمُ لغوية معاصرة للعِباد، كمعجمِ الرائد والوسيط واللغة العربية المعاصر، وأذاعَت به بلا اعتداد. ثمَّ هروَلَت من ورائها مؤسساتٌ ودوائرُ شتَّى بانقياد، وقد ظنُّوا بها معنىً لمستودعٍ للقىً أثرية من دهورٍ غابرة في الآماد". ونَسوا أن "مَدخَل" بفتحِ الميم هو مصدرٌ ميمي لفعلٍ ثلاثيٍّ "دَخَلَ"، بينما "مُدخَل" بضم الميم هو مصدرٌ ميميٌّ لفعلٍ رباعيٍّ "أدخَلَ"، وليسَ في لسانِ الضَّادِ اجتهاد، وليس فيهِ "قلْ كما تشاءُ يا أبا مُقداد، ودعِ الضَّبطَ ووالرَّبطَ وحسنَ السِّداد، لأنَّ لسانَ الأفرادِ على ما قالَ حتماً سوفَ يعتاد، فعلامَ الإنضباطُ بتَطَرفٍ والإرتباطُ بذي أوتاد".
كانَ ذلكَ هوَ الموجزُ، وإليكمُ تفصيلُ ما في الأنباءِ من حصاد:
إن "مُتْحَف" على وزن مُفعَل بضم الميم، وليس "مَتحَف" بفتحها، لأنَّهُ مصدرٌ ميمي ظرفي (مكان) من فعلٍ رباعيٍّ "أَتْحَفَ"، واسمُ مفعولهِ "مُتحَف"، ولأنهُ ما أتى من فعلٍ ثلاثيٍّ "تَحَفَ" وأصله "وَحَفَ" لأن تاءهُ مبدلة من واو. ونحنُ نعلمُ أنَّ المصدر الميمي من الفعلِ غير الثلاثي يُصاغُ كاسمِ مفعولهِ، على وزن فعلهِ المضارع، مع إبدال حرف المضارعة ميماً مضمومة، وفتح ما قبل الآخر، كقولنا؛ مُدخَل من أدخلَ، ومُلتقى ومُقام ومُنعطف، وفي التنزيل الحكيم: { رَّبِّ أدخِلنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وأخْرِجنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ }.
ثمَّ إنَّا نعلمُ كذلكَ، إن كانتَ فاء الفعل الثلاثي واواً، فالمَفْعِل منه بكسر العين مطلقاً، أي سواء به المصدر أو الظرف نحو: وَعَدَ يَعِدُ مَوْعِدًا، (... وإذا الفا كان واواً بكسر مطلقا حصلا) كما قالَ "بَحْرَقُ" في كتاب" فتح الأقفال وحل الإشكال بشرح لامية الأفعال المشهور بالشرح الكبير" لجمال الدين محمد بن عمر المعروف ببَحْرَقَ (٨٦٩ - ٩٣٠ هـ) بتأصيلٍ رفيعٍ وتفصيلٍ بديع. وإذاً، فقد لزمَ أن يكونَ المصدر "مَتحِف" بفتح الميم وكسر الحاء وليس "مَتحَف" بفتح الميم والحاء كليهما، وذلكَ شائنٌ ولا يُقال، بل إنَّهم قالوا؛ مُفْعُل ومُفْعَل بضم الميم، مع ضم العين أو فتحها: " مُنْخُل ومُنْخَل " و" مُنْصُل ومُنْصَل " للسيف، وهذا مما يستعمل وأوله مضموم، ومما ضُمَّ من هذا الفن أوله " مُسْعُط " و" مُدْهُن " و" مُكْحُلة " ولا يقال فيه غير ذلك.
وقد جاء في معجم لسان العرب في معنى التُّحْفةِ: ما أَتْحَفْتَ به الرجلَ من البِرِّ واللُّطْف والنَّغَص، وكذلك التُّحَفة، بفتح الحاء، والجمع تُحَفٌ، وقد أَتْحَفَه بها واتَّحَفَه؛ قال ابن هَرْمةَ: واسْتَيْقَنَتْ أَنها مُثابِرةٌ * وأَنَّها بالنَّجاحِ مُتَّحِفَه قال صاحب العين: تاؤه مبدلة من واو إلا أَنَّها لازمةٌ لجميع تَصارِيف فعلها إلا في يَتَفَعل. يقال: أَتْحَفْتُ الرجل تُحْفةً وهو يَتَوَحَّفُ، وكأَنهم كرهوا لزوم البدل ههنا لاجتماع المِثْلين فردوه إلى الأَصل، فإن كان على ما ذهب إليه فهو من وَحَفَ، وقال الأَزهري: أَصل التُّحْفةِ وُحْفةٌ، وكذلك التُّهَمَةُ أَصلها وُهَمَةٌ، وكذلك التُّخَمةُ، ورجل تُكَلةٌ، والأَصل وُكَلة، وتُقاةٌ أَصلها وُقاةٌ، وتُراثٌ أَصله وُراثٌ.

إنتهت نشرةُ أخبارِ الضاد، وشكراً لحُسنِ إصغاءٍ جميلٍ متوقدٍ وقَّاد، وأظنُّ أنَّ ما في أنبائِيَ مِن حَصاد، هو خيرٌ وأفضلُ مِن أخبارٍ
هَوسٍ بازدياد، عن طغوةِ الحكَّامِ بتجبُّرٍ وعنادٍ بارتِداد، وعن غفوةِ "برلمانيينَ" سذَّجٍ أوغاد، وكذا عن أهلِ وترٍ وطَربِ لا يعرفونَ
ما العزَّةُ ولا قدحُ الزِّناد، هم ومَن يستثمِرُهُم من ورائهمُ من فاجرٍ قَوَّاد. بيدَ أنَّهُ لا تثريبَ ولا حرجَ من إنصاتٍ بإرصاد، لأخبارِ أهلِ الرياضةِ البريئةِ من كلِّ فساد، شرطَ أن تتشاغَلَ بأخبارِ بطولاتٍ كرويةٍ لما في أوربا وأمريكا من بلاد، وأن تتناقلَ أخبارَ بطولاتٍ عن دوراتِ "الأولمبياد"، لا أن تتناولَ أخبار مباراةٍ بينَ "الوكرةِ القطري" و"أم درمان" السُّوداني، ولبئسَ المضمارُ ذاكَ، ولبئسَ ما فيهِ جياد، ولا شكَّ أنَّ أخبارَهمُ أخبارٌ تُفَتِّتُ الأكبادَ، تُدهِنُ الوجهَ بالسَّواد، وقد تجلطُ الفؤاد. فحَذارِ حَذارِ يا أبا مُقداد، من انكبابٍ في تهي دُنيا على أخبارِ رياضاتِ العربِ بتفاعلٍ ووداد، وكفى مل ينتظرُكَ في الآخرة من سوءَ مُنقلَبٍ وبئسَ المهاد.

أمزحُ وحسب، وتحياتيَ الأخوية لكَ يا أبا مُقداد.
***
علي الجنابي

 

طاقة الكا والبا

طاقة الكا: حضارة مصر القديمة كانت دائما مصدرا للدهشة والغموض لتطرقها بعمق الى فكرة حياة الاخرة
والفكرة تقول ان هناك جزاين او طاقتين في تكوين المرء طاقة تهم الجسد المادي والطاقة الاخرى اكثر من مجرد ان تكون جسدنا المادي فلقد تركت مصر القديمة بصمة لا تمحي على التاريخ بممارساتها الثقافية والدينية، ان مفهوم الكا والبا هما مكونان متكاملان لفهم المصرين القدماء المعقد للروح ولحياة الاخرة كان تصورهم بان روح المرء تتكون من طاقتين طاقة الكا وطاقة البا وان طاقة الكا هي جزء لا يتجزا من هوية المرء وتكوينه والتي تميزه عن غيرة وهي مرتبطة بالقوت وبالازدهار اثناء حياة المرء على الارض وهي طاقة موجودة داخل الجسم . ولقد اكد مفهوم الكا عند قدماء المصريين على اهمية الحفاظ على الجسم من خلال الطقوس و ممار سات الدفن والقرابين.
وكانوا يعتقدون ان الجسم المحفوظ جيدا سيضمن استمرار وجود الكا في الحياة الاخرة مما يسمح للمتوفى بسحب القوت من القرابين والتي تترك في قبره .
2 - طاقة البا
اما طاقة البا فهي الجزء الثاني للروح وتمثل شخصية الفرد ووعيه وخصائصه الفريدة ولذا كان يعتقد بانه قادر التحرك بحرية بين عام الارض وعالم الاخرة فالعلاقة بين الكا والبا علاقة تكافلية تعكس الطبيعة المترابطة للمعتقدات المصرية القديمة حول الحياة والموت ففي حين تتطلب الكا جسدا محفوظا جيدا لاستمرار وجوده في الحياة كانت البا بحاجة الى لم شمله مع الكا لتحقيق وجود متناغم ابدي .
وكان لقدماء المصريين اهتماما دقيقا بالطقوس الجنائزية وممارسات الدفن نابع من مفهوم العميق لطاقة الكا والبا اي لمفهوم الروح لديهم .
***
سالم الياس مدالو

 

إنطلق الكلام على عواهنه في كل حدب وصوب، وتشاجرت السطور على الورق، وتلاحمت على صفحات الشاشات، واندثر القلم وتسيدت إرادة الكيبورد، التي جعلت كل ذي يدٍ يكتب!!
كلمات فارغة إلتصقت حروفها ببعضها عنوة، وبدت محشورة في عبارات تنفر منها.
كيف توافدت وتجمعت كأنها سيول عارمة وغيوم مدلهمة، تقبض على أنفاس الخيال، وتدجج الوجود بالمحال، وتأخذنا إلى كهوف المجاهيل، ومواطن الأحابيل.
إنها نكبة الكلمات المصدوعة بالوجيع المداهم لأروقة الحياة.
أشلاء المعرفة على قارعة طريق الويلات، تفترسها الضباع، وتتقاتل من أجل الفوز بأكثرها، والقتلة يتفرجون على مسرح النكبات.
الأفكار تشتت والكلمات تبعثرت، والرأس في دوامة التشظي والتفاعل مع المضطربات، وكأن النسيان طيف مقيم في مملكة الإنسان.
طارت الباء من رأس البشر، وظهر عاريا لا تستره ورقة التين، وتصاعد من مسامات جلده الأنين، فاحتارت الأقلام وتاهت الأفهام، فما يأتيه جرم وآثام، وينبوع وجيع وآلام.
البشر المحجب بالعواطف والإنفعالات، والمدثر بالأمنيات، والمستحضر للويلات والتداعيات، كأنه السمك المزهور بطعم النهايات.
وترنحت الكلمات كأنها العصف المأكول، والعهن المنفوش، وقالت السطور الويل للعبارات فأنها نيران ومصدر ثبور.
وفار تنور النكبات، والناس سجيره المرهون بالضلال والبهتان المُدان، وتحولت الأبدان إلى عجين، يصنعون منه أنواع المعجنات القابلة للتفتت والضياع، ولا يزال التنور في أجيج وإلتهاب عنيف، وفال قائلهم أريد ألف رغيف ورغيف.
وكل مَن عليها طاح!!
***
د. صادق السامرائي

 

كارل بروكلمان (1868ـ1956) من أشهر المستشرقين الألمان، و كان عضوا عاملاً ونشطاً في أكبر الأكاديميات العلمية في بلده ألمانيا، أو في أوروبا..
اهتم بدراسة التاريخ الإسلامي، وله في هذا المجال كتابه المشهور والقيم تاريخ الشعوب الإسلامية.
كتب المستشرق بروكلمان بإعجاب عن البطل الجزائري الأمير عبدالقادر (أنظر كتاب تاريخ الشعوب الإسلامية ص622ـــ625) أثناء حديثه عن شمال افريقيا في العصر الحديث..
كتب فصلا بعنوان الأمير عبدالقادر يعلن الجهاد. وكتب في مقدمته " وفي هذه الأثناء عمت الفوضى مقاطعة وهران، فاستغلها مغامر شاب يدعى عبدالقادر"..
وهو ربما مثل اغلب المستشرقين لا يستطيعون النفاذ الى صميم الأمور والأحداث، اذ نظر الى الأمير كمغامر أراد أن يستفيد من الظروف التي أعقبت سقوط الجزائر المحروسة سنة 1830، واحتلالها من طرف فرنسا، وليس كانسان وطني أعلن الجهاد دفاعا عن الوطن والدين!..
وتميز الأمير عبد القادر بعدة خصال أوردها الكاتب في ذلك الفصل:
- ابن أحد المرابطين.
- أدى فريضة الحج مرتين، وكان يرغب في الحج مرة ثالثة لكن الحرب شغلته.
- كان تقياً وبارعاً وشجاعاً.
- في سنة 1835 انتصر انتصارا باهرا على الجنرال دي ميشال فعد بطلا كبيرا في شمال إفريقيا، وحامي الإسلام ومنقذه.
- خاض معارك بطولية وعنيفة ضد أكبر جنرالات فرنسا؛ دي ميشال، كلوزيل، دامريمون وبوجو..
- تدريب جنوده على الطريقة الأوروبية في القتال والمعارك..
***
بقلم: عبد القادر رالة

ما نكتبه نظري بحت، وربما أقلامنا من أمهر الأقلام النظرية في الدنيا، وما ننشره لا رصيد له في الواقع. نحلل ونفسّر ونطلق النظريات على عواهنها، وبسبب هذا التحليق في آفاق الرؤى والتصورات، ما تمكنت كتاباتنا من إستنهاض الوعي، وخلق تيار ثقافي له القدرة على الإنجاز الواعد المفيد.

ومعظم المكتوب غير مفهوم، ومبهم على كاتبه، فما أن تخوض في مقالة أو نص، تحتار بالغاية والهدف.

فهل نحن نكتب لأنفسنا؟

وهل لدينا إستعلائية على الناس؟

وهل نهدف إلى تنفير القراء؟

لا تُعرف الأجوبة، لكن القاسم المشترك في النسبة الأكبر مما يُنشر هو التنظير، الخالي من الوضوح والممعن بالتبهيم والغموض، وكأننا نكتب لنهرب من المواجهة، أو نتخذ من الكتابة وسيلة مخادعة توهمنا بأننا نتصدى للواقع، ونحن نحلق فوقه ولا نعيشه.

قرأتُ عدة مقالات هذا اليوم وما خلصت لفكرة نافعة، فالكاتب يستعمل مصطلحات لا يوضحها، ولا يكشف مقاصده فيها، وما يريده من إستخدامها، فإن كان يعرفها، لماذا يفترض أن القارئ يعرفها أيضا؟

كما أن التعقيد في طرح الموضوعات صفة سائدة في المنشور، فما أن تبدأ بأول سطر حتى تصاب بالنفور وتغادر الصفحة إلى غيرها، وعندما تتوالى الكتابات المنفّرة فالرغبة في القراءة تخمد، وبهذا يساهم عدد كبير من الكتاب بطرد القرّاء، وإيهامهم بأن المكتوب لا جدوى منه ولا معنى فيه.

ألا تساءلنا لماذا نقرا؟

وهل فكرنا بمتعة القراءة؟

فهل ما نكتبه يمنح القارئ متعة، ويشده للموضوع الذي نتناوله؟

علينا أن نعيد النظر بأساليبنا الكتابية، ونكون في عصرنا، فالأقلام تعاصر!!

***

د. صادق السامرائي

 

الصيانة تعني الإدامة، بمعنى مقاومة إرادة الزمان والمكان للحفاظ على جوهر الكائن الذي كان.

وكل موجود بحاجة لصيانة، فالمخلوقات تصون نفسها وتديم حياتها ما إستطاعت، ومنها الحيوانات والبشر الذي من المفترض أن يكون عارفا بما يضره وما ينفعه، ويتحاشى المضر ويحتفي بالمفيد النافع المديم.

والأخلاق بمعانيها ومنطلقاتها وتأثيراتها بحاجة لصيانة وعمل دائب لترسيخها وتطويرها، وتواكبها مع عصرها ومكانها والمجتمع الذي تكون فيه، فبدون الصيانة تفقد الأخلاق ملامحها ومعاييرها ومعانيها، وتتحول إلى ما يناقضها ويدمرها.

والبشر أوجد الأديان والمعتقدات لضرورات أخلاقية ولتحقيق الصيانة، وذلك لأنه قد منحها معاني علوية وإرادات سماوية، وأنها ذات صلة بالدين والإله الذي يعبده ويؤمن به، فأوجد الحلال والحرام ووضع الحدود والموانع والمحذورات، التي يتقيد بها المنتمي لأي عقيدة ودين.

والمشكلة التي تواجه البشرية في العديد من المجتمعات أن الصيانة الأخلاقية قد إنتفت، وصار المعنيون بالدين أو المعتقد يتطلعون للمنافع الدنيوية والكراسي والسلطة والحكم، وأنشأوا أحزابا يسمونها دينية للتعبير عما فيهم من الرغبات المطمورة المسوَّقة بدين، والمؤطرة بما يشير إلى دين وهي ضد الدين الذي تدّعيه.

وقد أسهمت نشاطاتهم الشرهة المنفلتة بتخريب الأخلاق وتهديم القيم والتقاليد، التي تتحلى بتقوى الله ومخافة وإحترام حقوق الإنسان وإعلاء شأنه، حتى صار البشر في عرفهم أرقاما وأدوات لتحقيق رغباتهم المسعورة المقنّعة بدين.

ولهذا يتوجب العودة إلى جوهر القيم والأخلاق وصيانتها والذود عنها، والعمل على تطويرها وتوضيحها وتحبيبها لما يتواكب مع العصر بزمانه ومكانه، وأن يتحقق التشجيع على تنميتها وتعليمها وإعتبارها من الأسس التربوية اللازمة لبناء الأجيال الصالحة لصناعة الحياة الحرة الكريمة.

فالأخلاق عماد القوة والإعتصام بالقدرة على رص الصفوف ولمّ الشمل الوطني والنسيج الإجتماعي، الذي يمنح المجتمعات والشعوب الأهلية والقابلية على إنجاز الصالح العام والحفاظ على القيم والمعايير الهادفة إلى ما هو أفضل وأحسن.

وخير الناس من نفع الناس، والدين أخلاق وقيم ومعاني نبيلة سامية وإن "إقرأ" فيه علم!!

***

د. صادق السامرائي

 

ثورة الشعر لهيب الثورة

وبها الشعر نداء القوةِ

كنت في حديث مع أحد الأخوة الصينيين عن الثورة الصينية، وبعد محاورات متكررة أدركت بأنه يربط بين السياسة والشعر، وبين الثورة والشعر، ويرى بأن أشعار الرئيس (ماو) كان لها الدور الأكبر في الثورة الشعبية الصينية والحركة الثقافية الوهاجة التي أوجدت الصين المعاصرة.

فكان حديثه يؤكد دائما على أن الشعر ثورة سياسية ثقافية إجتماعية، وأن القائد الذي يصنع الأمة لابد أن يكون شاعرا.

تعجبت من رأيه وآليات قراءته للتفاعلات ما بين القائد والمجتمع، ودور الشعر في الثورة والحياة.

وكلما إقتربنا من واقعنا يجيبني بأننا بحاجة لقادة شعراء!!

وأقول له: ما أكثر الشعراء في مجتمعنا!!

ويجيب فورا: شعراء وطن وثورة ومحبة وثقافة وتفجير للطاقات الكامنة في أعماق الناس وليس شعر الفنتازيا، أنتم بحاجة إلى شعراء يتحسسون هموم الناس ونبضات آلامهم وأوجاعهم، ويُطلقون الأمل والثقة والقوة والشعور بالقدرة على تحقيق المستقبل الزاهر السعيد.

ونمضي في حوارنا، بين شرقي عربي يرى ما يرى، وشرقي صيني رأى ما رأى وعاش ثورة أوجدته كما يقول من العدم، فقريته القفراء تحولت إلى مدينة معاصرة تؤثر في حياة العالم، بما تنتجه من المصنوعات الضرورية للحياة المعاصرة.

وبعد حوارنا الطويل والمتشعب، تداعت أمامي مسيرة التاريخ العربي ودور الشعر في الحياة السياسية، وتوافدت قصائد الشعراء وأسماؤهم منذ الجاهلية وما بعدها، وكيف أسهموا في صناعة الرؤية السياسية الحضارية.

وتأملت خلفاء الدولتين الأموية والعباسية، وتبين إهتمامهم بالشعر والشعراء، وبعضهم نبغ في الشعر وتقدم، وكأن الشعر رفيق السلطة والقوة والتقدم والبلاء والنصر، وكان لكل خليفة شاعر معروف ومقرب ومتميز في ديوانه.

وقد أكرم القادة الشعراء، وكان الشعر حاضرا ومؤثرا في مسيرة الحياة وراسما للتفاعل الإجتماعي والسياسي، وللقصيدة تأثير كبير في الحياة لأنها تحدد معالم السلوك العام، ولدور الشعر أثر متوهج في الأندلس، وكان بعض السلاطين شعراء بارعين فأرسوا معالم الحضارة والفن والعلم والإزدهار الخلاب.

وفي الدولة العثمانية دور الشعر ساطع في العمارة المنقوش عليها أروع أبيات الشعر والتي تزين آثارهم في إستنبول، ولا زالت قصيدة البردة منقوشة في العديد من البنايات التاريخية.

وفي العصر الحديث لعب الشعراء دورا في السلطة والسياسة لكن القائد الشاعر لم يكن حاضرا.

ومع تواكب العقود والأحداث إنكمش دور الشعر في الحياة العربية وأصبح منزويا في الصحف والمواقع الإليكترونية، وأخذ يتجه نحو التعالي عن هموم الناس وحاجاتهم المتحركة على أديم الحياة.

صار الشعر نخبويا ونشاطا خارجا عن نهر الواقع، ومحلقا عاليا في فضاءات الخيال والإمعان بالتأملية والإنفلات من قبضة الناس.

فأصبحنا نتحدث عن لوحات جمالية وصور فنية وكيف يتم رسم حالة ما بالكلمات، وما هي إلا خروج عن تيار الحياة ونهر حقيقتها.

وانفصل الشعر عن السياسة خصوصا في العقود القليلة الماضية، وصار الشعر في وادي والسياسة والناس في وادي إلا ما ندر.

ويبدو أن الثورة الناهضة أعادت إرتباط الشعر بالسياسة، ومنحته طاقة التفاعل مع الجماهير وتأثيره في صناعة السلوك.

وأخذنا نشاهد مجتمعات تفجر فيها الشعر المعبر عن تطلعات الجماهير، والراصد لمعاناتهم وحاجاتهم وتطلعاتهم الإتسانية الحرة الديمقراطية الأصيلة.

ويبدو أن عزل الشعر عن السياسة يؤدي إلى تداعيات كبيرة، وإعادة التفاعل ما بين الشعر والسياسة ينير الدروب ويحقق ثورة حضارية ذات قيمة إنساتية.

وأراني أتفق مع الأخ الصيني، على أن الشعر ثورة سياسية تصنع الحياة الأفضل للأمة، فالقائد الشاعر يمتلك آليات الإبداع الحضاري الصحيح، لأنه يرى ما وراء الأفق فيصنع قصيدة الحياة مثلما صنعها ماو!!

إنما الشعر يبوح المنطوي

لا تقل شعرا بنهجٍ ملتوي

*

صدق الشعر وخاب المدّعي

بكلامٍ ولسانٍ فوضوي

***

د. صادق السامرائي

 

دُنيوي فانٍ

رُوحّي خالد

في بعضٍ من  مراحل الحياة، يشعر الإنسان بالسكون يسري داخله، وضجيج خارج كيانه يسمعه من رهبة الكون وعظمته. فترات طويلة ربما تدوم سنوات بين خفوت وتأجج،  فرح وحزن،  غضب وتسامح، اقتراب وابتعاد. حالة تشبه مايسمى الإنفصال، إنفصال عن كل ماهو مدرك إلى ماهو أسمى وأعمق إلى اللامدرك غالباً تكون فيها بين يدّي الخالق يتبعها  لفحات من نور تفتح  بابك الباطني إلى هيكل نفسك المقدسة هي حالة ليست إنكار لوجود الجسد الذي هو امتداد لذات الروح نستمد منه طاقة الحياة.

هذه الطاقة الحركية هي نظام كوني سُمّي بالفيزياء ترددا وبالكيمياء عنصرا وعند الخالق قوّة روحية باطنية.

 قول لطاغور: الحياة الروحية هي أساس الكمال الإنساني ومصدر الطمأنينه النفسية.

حين يسقط الجسد من سهام الغدر  لن تنفعك حبة الدواء بل قوتك الذاتية فهنا يكون الجهاد بأن تكمل الطريق بمحبة ولا تبالي. فمن كذب عليك هو  كاذب. من سرق مالك هو سارق. من غدرك هو الغدار.

الأخلاق الكريمة لا تزول هي أقوى من الكلام والردود... ابتعد عن أرض ليست أرضك ولن يداوي جراحك إلآك. ولا تهين عقلك بل افعل كل شيء بحب عظيم من أقوال القديس يوحنا السلمي:

لا أنظر إلى تحت، بل اتطلع إلى فوق إلى محبة أبي الذي في السماء.

***

راغدة السمان – أستراليا

نَحنُ لَا نَزرعُ الشَّوك ولكن نحصدُهُ، تساقطت علينا أوراق الخريف، معلنة انتهاء فصول الحياة في خريف بدأ مُبكّرًا . بالشقاء والوجع من شَدَّة نزيف الدم علي . بُقعةٌ . جغرافية،كل شيء بَشعٌ وقبِيحٌ وصِراعُ وجُنُونُ السَّاسه حتي جُنُونُ الأسعار.

فأسرعت قلوب تنبض بسرعة البرق فنتفض جسدي، وتساقطت اوراق الخريف الذابلة حولي الراقده من. بُؤسٌ وجنون ما يجري ويحدث من قتل وخراب ودمار في زمن الإجرام والتسلط تحل اللعنة على البشرية من غضب الأرض من التغيرات {المناخية والكوارث الطبيعية والأوبئة} شعور باليأس وانا اقرأ وثائق "استخباراتية مَسربَةٍ " عن سيناريو اعداد للضربة الجوية الإسرائيلية لإيران من "البنتاجون" وتصريح (جو بايدن) عن وجود بصيص أمل عن وقف الحرب بعد استشهاد "يحيي السنوار هل استشهاد رجل بعد عام من الدمار كان هو الرهان علي وقف الحرب ..!! ".ورؤية نتنياهو" مابعد الحرب بالنسبة لقطاع غزة وجنوب لبنان وموضوع الاسري لدي جبهة حماس،وتصريح لسفير أمريكي عن شرق اوسط جديد وصراع جيوسياسي- استراتيجي يمتد حتي جنوب بحر الصين الجنوبي المتنازع علية بين دول الجوار، جن جنوني وانا اواجه الحقيقة بالحقيقة، ونحن لاحول لنا ولاقوة فيما يجري من أحداث وترتيبات أمنية لشكل المنطقة من توازن القوة، ولكن بشاعة المشهد وقباحة الأحداث التي. تجري من حولنا في هذا الوطن المنكوب بسبب. اطماع المجرمين في : الثروة والمال والسلطان وجريهم كالوحوش المفترسه جعلت الكراهية والحقد والشر يتسللون إلى نفسي ويحتلون كياني ووجداني ويبسطون سلطتهم علي فأسرعت ابحث عن بقايا فتات حب من مخلفات الآمس القريب الذي تبدل فجأة وتغير وصارأَسودًا كارِهًا للحياة فلا الشمس تضيء الكون من حولي باشعتها كعادتها ولا النسمات تنعش جلدي و بدني كل شيء بشع وقبيح في عالم الذئاب ..،، في مشهد عظيم خرج "الرئيس الكوبي: مع المتظاهرين ورتدي الكوفية الفلسطينة مع ملايين في العاصمة "هافانا"ضد الإبادة الجماعية،رغم اننا في بلدان عربية حرمنا التظاهر حتي ارتداء الكوفية الفلسطينية،الرئيس الفينزويلي يتهم "نتنياهو" بالوحش،والابشع من هذا كله وفوق إجرام هؤلاء حكام الرعاع السفلة من مجرمي الحرب وكذبهم .يستكبرون ويتعالون ويفترون على المستضعفون في الأرض ويطلقون عليهم حيوانات مفترسة من . دون أن يروا عوراتهم وبأنهم هم المفترسون الذين يأكلون لحوم بعضهم البعض ميتة ولا يكتفون بل يسلخون عن هؤلاء الحيوانات جلدهم ويقطعون لحومهم ويتلذذون بأكلها لم يستطع ضوء النهار الذي حضر بجلالة قدره أن يبدد بشاعة الحياة التي نعيشها بل أضاف على قبح الليل الذي مضى بشخير الخامدين النائمين من الأشرار أي كانوا صهاينة وعرب الظالمين أصواتهم التي انبعثت من جديد واستيقظت بالتهديد والوعيد وبالويل والثبور وعظائم الأمور وبرغم وهن وضعف شيوخ ونساء واطفال غزة أمام جبروت يقطع الجثث اوصال ويمزق العيش وقفوا صامدين بقوة عظيمه وتحدوا كل المصائب من ويلات الحرب والجرائم امام شاشات العالم إلي رسالات نعايا تعدد اسماء الأموات من الكبار والصغار. وغيرت من قبح سحنتي العبوس ورتبت شكلي المبعثر المريض بعد أن نفضت عني شبح الموت الواقف لي بالمرصاد وانتفضت ثائر في وجه اليأس القاتل وبدأت يومًا جدِيدًا في زمن المسخ بالقلم لفضح جرائمهم بالمرصاد في زمن الاجرام والتسلط تحل اللعنة على الناس أجمعين فَتوبًا لكُم جميعًا ايُّها الأشرَارُ الذين زرعتم في بلاد الإسراء والمعراج الشوك، وبدلتم ايام عمر النساء والشيوخ والاطفال الي جحيم من هدم وتهجير وقصف وقتل،وزرعتم الشوك ولكن نحن نحصده هذة الآيام وزرعتم الحقد والكراهية بمقتل "السنوار: فكتب روايتة من داخل معاقل سجونكم . "الشوك والقرنفل" .لتصبح عنوان للآجيال ..!!

***

محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث مصري

 

الكتابة معضلة حضارية في المجتمعات المتوهمة بالنهوض، والمتورطة بتصورات التقدم والنماء، وهي تنحدر إلى وديان الدمار الشديد.

الكتابة ربما إنحراف سلوكي أصاب مجتمعات الأمة بالإنهيار والإندثار والركض وراء خيط دخان.

فكم من الأقلام تكتب؟

وكم من الأوقات تستهلك لمجالسة الورق أو الشاشة، في عصر وفّر أدوات الكتابة السهلة، فصار الجميع يكتبون ويسطرون رؤاهم في كلمات.

مَن دق باب الكلمات، وشق صدر العبارات، وإمتطى السطور، وأجهز على اليراع المسكين، وجلده بسوط الغفلة والحسرات، وما فيه من المطمورات السيئة؟

إنها لعبة التخدير، فالكتابة كالدواء الذي يُحقن في الأوردة ليمنع الشخص من الشعور بالألم، فيعبث به المشرط وهو في عدم شعور بالوجع.

وما يحصل في واقعنا المعرفي يشير إلى أن المعاناة القاسية والمكبوتات الشرسة دفعت البشر للبوح والترويح عما فيه، ليشعر بأنه يستطيع الإنتصار على ضعفه وغياب القدرة على الإنجاز المفيد.

ولهذا فالكتابة تحولت إلى إنجاز، فالقول العمل، وخير ما يقوم به الشخص أن يكتب ويكتب، فالدواء كتابة والحياة كآبة، إن إختفت فيها الكتابة!!

ومضينا نكتب لنهرب من واقع نعجز عن مواجهته والتأثير الإيجابي فيه، فالكراسي متأسدة على الحياة وتفعل بالأوطان ما تشاء، والمجتمعات تختصرها الأفراد والفئات، والدين طوائف، والديار تشظت، وتورطت بتدنيس الساميات، والتهليل للفساد والعاديات.

فهل لنا أن نكتب بأفعالنا لا بأقلامنا؟!!

" ومن طلب العلوم بغير درس...سيدركها إذا شاب الغراب"!!

***

د. صادق السامرائي

 

يُعتبر التراث الشعبي ليس مجرد قصص قديمة أو عادات متوارثة، بل هو خلاصة التجارب التي عايشها الأجداد وأسهمت في بناء المجتمع. إدراج هذا التراث في المناهج الدراسية يُعتبر من أهم الأدوات لترسيخ قيم التعاون، الشجاعة، والعمل الجماعي، تلك القيم التي ساعدت المجتمعات على مواجهة التحديات عبر العصور. بتعلم الأجيال لتلك القيم، يكتسبون القدرة على التكيف مع التغيرات المعاصرة مع الحفاظ على هويتهم الثقافية،،، وتعليم الأجيال الجديدة عن التراث والموروث الشعبي أحد الأسس الضرورية لتعزيز الهوية الوطنية وصون الثقافة المحلية من الاندثار. في ظل التطورات السريعة والتأثيرات الثقافية العالمية، يبرز دور التعليم في نقل هذا الإرث الثري للأجيال القادمة، مما يعزز ارتباطهم بجذورهم ويجعلهم أكثر فخرًا بتراثهم،

إن تعليم التراث يلعب دورا أساسيا في تربية أجيال قادرة على التفاعل مع العالم الحديث، مع الحفاظ على هويتها الثقافية والجذور العميقة. مضيفا “من خلال تدريس التراث، نعلم الطلاب كيف كانت الحياة في الإمارات قبل النهضة الاقتصادية والتطور التكنولوجي، وكيف أن تلك الفترة التاريخية أسهمت في تكوين ملامح الدولة الحديثة، كما تلعب الأنشطة التعليمية خارج الفصول، مثل زيارة المتاحف والمواقع التاريخية، دورًا هامًا في تقريب الطلاب من ماضيهم بشكل ملموس وتفاعلي. هذه التجارب العملية تسهم في تعزيز فهم الطلاب للتراث وتجعل التعلم تجربة أكثر إثراءً.

 إن النظام التعليمي اليوم يركز بشكل كبير على التكنولوجيا والابتكار، وهو أمر مهم بلا شك، لكن يجب ألا نغفل عن أهمية تعزيز القيم التراثية. من الضروري أن يجد الطلاب توازنا بين التعلم التقني والحفاظ على هويتهم الثقافية. وهذا يتطلب من القائمين على التعليم تطوير برامج دراسية تربط بين الحداثة والتراث، وتقديم محتوى تعليمي يجعل الطلاب قادرين على التفاعل مع عالم متغير دون فقدان هويتهم،، يجب أن يكون للمعلمين دور محوري في هذه العملية. إعداد المعلمين يجب أن يكون جزءا أساسيا من أي إستراتيجية تهدف إلى دمج التراث في التعليم. المعلمون هم الجسر بين المعلومات والطلاب، وإذا لم يكونوا مجهزين بشكل جيد لتقديم التراث بأسلوب مشوق وتفاعلي، فإن الجهود المبذولة في تطوير المناهج قد لا تحقق النتائج المرجوة. لذلك، يجب توفير دورات تدريبية للمعلمين تركز على كيفية تدريس التراث بأسلوب يتناسب مع التحديات والفرص التي يقدمها القرن الحادي والعشرون.

المعلمون، بدورهم، هم العمود الفقري لهذه العملية التعليمية. إعدادهم بشكل جيد لتدريس التراث بطرق مبتكرة وتفاعلية يُسهم في جعل هذا المحتوى أكثر جاذبية للطلاب، مما يضمن بقاء هذه الثقافة حية في أذهان الأجيال القادمة،، فلا يمكن حصر الهوية الوطنية في كتب التاريخ والدراسات الاجتماعية فقط، بل يجب أن يتم دمج عناصر التراث في جميع المواد الدراسية. فعلى سبيل المثال، في دروس العلوم، يمكن للمعلمين توجيه الطلاب لاستكشاف تأثيرات البيئة الصحراوية والمناخ على الحياة ، وكيف استطاع الأجداد التكيف مع هذه الظروف. في دروس الأدب، يمكن دراسة الشعر النبطي كجزء من التراث الأدبي ،وكيف يعبر هذا النوع من الشعر عن قيم المجتمع وأفكاره.

في النهاية، يعد تعليم التراث الشعبي أداة قوية لتعزيز الانتماء الوطني، فهو ليس فقط إحياء للماضي، بل هو أيضًا بناء لجسور تواصل بين الأجيال والحفاظ على الهوية الوطنية في ظل عالم متغير.

***

نهاد الحديثي

نشأنا كمواطنين متفاعلين منتمين لوطن واحد، لا نفرّق بيننا على أي سبب مهما كان، وما تداولنا في أحاديثنا موضوعات  تخص الإنتماء لأي شيئ، فما تساءلنا عن المذهب والطائفة والدين، كنا كيان واحد متماسك.

زميلي محمد يسألني قبل أعوام: عملنا سوية لعدة سنوات فهل تعرف لأي مذهب أنتمي؟

وأحتار بالجواب.

نتزوج ولا نسأل عن إنتماء الزوج أو الزوجة لأي مذهب.

الإختلاط المذهبي شائع في مجتمعنا، والعديد من الأصدقاء والأقارب  تزوجوا من غير مذهبهم، بل من الأكراد فالكل أبناء وطن واحد.

أحد الزملاء قال لي بأن صديقه ذات يوم هاتفه مازحا: عليك أن تطلّق زوجتك لأنها من غير مذهبك، وفقا للفتوى!!

مَن الذي أوجد هكذا تفاعلات؟

لم نعهدها قبل (2003)، إنها دخيلة ومستوردة لتدمير المجتمع وتحقيق المآرب فيه، وبمعاونة أبنائه، والطامع فيه يحدث نفسه قائلا: " سعيد مَن إكتفى بغيره"!!

هذا الشرخ المجتمعي المرسوم لتأمين الضعف وإستنزاف الطاقات، والإرتهان يالتصارعات البينية والإلهاءات اللازمة لنهب الثروات، وتوجيه الأنظار بعيدا عن حقوق المواطن، وقيمة الإنسان.

أين كنا، واين أصبحنا؟!!

مجتمعات الدنيا فيها تنوعات دينية وإثنية لا تعد ولا تحصى، وتعيش بالفة وسلام ومحبة معتصمة لوطنها الذي لا تفرط به، فهو وعاؤها الجامع الذي يضمها ويحافط على مصالحها.

أي دولة غربية فيها من كافة الأجناس البشرية وتعيش متآخية، لأن الدستور الوطني يجمعها والقانون ينظم حياتها، ولا شيئ فوق الوطن والقانون.

فلماذا التشرذم والأضغان؟!!

و"حب الوطن من الإيمان"!!

***

د. صادق السامرائي

ليس هناك وجه للمقارنة بين القومي والديني إذا ما أردنا أن نخلص الى نتائج موضوعية غير مبتورة أو ناقصة من حيث الخلاصات في المدلول والمعنى.

يظل القومي قومياً كهوية يصعب نكرانها، ليس لدى العرب فحسب، إنما لدى عموم قوميات شعوب العالم .. والدين هو الآخر يصعب اختزاله، لأن الدين لله والوطن للجميع .

الاحزاب القومية، أساساً ليست كلها متساوية من حيث المنطلقات الفكرية، وإن بعضها يؤمن بمقومات قومية   واقعية ومنطقية، وبعضها الآخر موسمي تشظى خلال عقود سالفة كانت تؤمن بهوامش مفاهيم وطنية أو محلية أو شخصانية فهي في المحصلة احزاب تبخرت ولم يعد لها وجود منذ الستينيات.

اما الاحزاب الدينية فمنطلقاتها تختلف جذرياً عن الاحزاب القومية، فهي عالمية لا تعترف بالحدود ولا تعترف بالوطنية ولا حتى بالقومية إنما بحكومة عالمية.. وهذا حلم مستحيل تحقيقه ووجودها بات معرقلاً لمنظور التقدم والتطور.. بينما الدين لا يحتاج الى وسيط بين الانسان وربه سبحانه وتعالى .. وعلى هذا الاساس فهما، الاحزاب القومية والاحزاب الدينية ليست متشابهة ابداً.

كما ان الاحزاب القومية ليست كلها متساوية او متشابهة كما اسلفنا، من حيث المنهج والمنطلقات الفكرية والمعطيات، فهي لا تبخس قيمة الوطن، فقد اثبتت نتائج حكم بعض الاحزاب عن تأسيس هياكل ودعامات اقتصادية وصناعية وتعليمية وصحية وتعليمية وتربوية وعسكرية عريقة اثبتت كونها (إنموذجاً) يرفض الغرب والصهيونية ظهوره في وسط معتمات المنطقة فأسقطها حفاظاً على مصالحه وأمنه وتطلعاته الإستراتيجية في العالم,

فالتحليل العلمي يشترط الموضوعية والاحاطة وليس الإختزال، وبدلاً من التساؤل : ماذا أنجزت الاحزاب القومية وماذا حققت الاحزاب الدينية - بهذا العموم -؟ كان ينبغي التساؤل لماذا اخفقت الاحزاب القومية؟ هل لأنها عاجزة ام انها تعاني اختلالاً مبدئياً أو عقائدياً ؟ او ان هناك اشكاليات جيو- سياسية مضادة منعتها من النجاح في اطار أللآءات الثلاث (لا وحدة  ولا اتحاد ولا تقارب عربي) إنما تكريس (التجزئة ومفاهيم دويلات المدن والتشرذم)؟

إن شروط البحث العلمي الموضوعي وضع النقاط على الحروف بطريقة ممنهجة، وليس مختزلة تشكل اطاراً للفهم المشوش.

فمن الصعب تقبل القول (إن هدف الاحزاب - بهذا الإعمام - النيل من الأمة وترقيدها وتحويلها الى عصف مأكول) إنما الصحيح لماذا لم يدع الغرب الأمة واقطارها تنجز وتتطور وتأخذ مسارها التاريخي في التحديث والنهوض؟، من يخلق للأمة صراعاتها ؟ ألم يكن الاستعمار البريطاني - فرق تسد - والاستعمار الفرنسي - فرنسة المجتمعات ؟ كما ان الشعارات التي رفعتها هذه الاحزاب سرعان ما اجهضتها قوى خارجية دولية واقليمية متحالفة وقوى محلية تعمل لصالح الخارج .. وهذا الأمر قد تم إختزاله ايضا ومن الصعب معرفة السبب، هل هو كلام عام ينطوي على شيء من التهكم او ينطوي على غائية مرصودة لا تمت للوطنية والقومية بصلة؟

وكما قال احد المعلقين الكرام (لماذا السعي الى تجريد المنطقة من عروبتها واسلامها في الوقت الذي تتعرض الى ابشع هجمة صليبية حاقدة .. لماذا ؟)

ليس من الصواب خلط الاحزاب القومية ؟ وليس من الصواب الصمت على تهميش الدين بإسم الاحزاب الدينية المشبوهة.!!

***

د. جودت صالح

27 اكتوبر 2024

 

دول الدنيا فيها المخيفة وأكثرها الضعيفة، والتفاعل بينها ديدن المسار التصارعي فوق التراب منذ الأزل.

فالقوي يأكل الضعيف، والتأريخ يحدثنا عن إنفراد قوى ما في الهيمنة إلى حين، بعد أن ينهكها التوسع والإمتداد التسلطي على غيرها، إذ تستنزف قواها وتخور قدراتها  لتفترسها قوة ناهضة تتحين الفرصة للفتك بها.

وهذه دائرة تصارعية مفرغة، ما تعلمت البشرية مهارات وآليات التحرر من قبضتها وسطوتها القاهرة.

ويبدو الواقع الأرضي المعاصر في مرحلة صعود قوى وهبوط أخرى، والقول بتعدد مراكز  السيطرة لا يتوافق  وإرادة الدوران  ومعطيات التأريخ.

فلا بد من قوة واحدة، تنفرد بالهيمنة إلى أن يحين أجلها الموعود.

فكل قوة إلى صعود  وإلى هبوط في ذات الوقت، فالقوة تنجب عناصر وآليات إضعافها منذ إنطلاقها.

ولا توجد قوة في التأريخ  لم تأكل نفسها بنفسها، وتتفتت بعد أن تستنفذ عمرها، وهذا ديدن الإمبراطوريات بلا إستثناء.

والجديد المعاصر أن التغيرات متسارعة، وأعمار القوى المتنفذة آخذة بالإختصار، فالقوة التي كانت تهيمن لقرون ، لا تمتلك فرصة البقاء لبضعة عقود، وأية قوة ناهضة لن تتجاوز معدل عمر البشر المعاصر.

ولن تجد قوة تتجاوز القرن بهيمنتها على غيرها، وذلك قانون الآن المبيد!!

***

د. صادق السامرائي

16\4\2024

 

كانت الحرب الأهلية من أعنف الحروب في الصين في العصر الحديث. اذ شهدت البلاد فوضى وخراب بعد سقوط أسرة تشينغ الملكية سنة 1911 م...

استمرت الحرب الأهلية حوالي الأربعين سنة، على مرحلتين، لم تتوقف إلا أثناء الاحتلال الياباني للصين في الثلاثينات من القرن الماضي...

في سنة 1913 م أعلن الزعيم صن يات سن قيام جمهورية الصين...

وكان صن يات سن متفتحا على الشيوعيين، اذ كان معجبا بالثورة الروسية فرأى أن لا مانع من التعاون مع الشيوعيين الصينيين، لكن بعد وفاته سنة 1925م، تسلم السلطة تشان كاي تشيك، الذي انتهج سياسة العداء ضد الشيوعيين لينفجر صراع عنيف ودموي ومدمر بين الطرفين...

ورغم التدابير العنيفة التي انتهجها تشان كاي تشيك ضد الشيوعيين ابتداء من 1928 م إلا أن ماو تسي تونغ استطاع الفرار الى الجنوب وتأسيس حكومة مستقلة في مقاطعة شانشي في جنوب الصين ـ، واعتمد ماو على الريف والفلاحين..

غزت اليابان الصين سنة 1931م، فاحتلت منشوريا في الشمال، وبسبب تزايد الخطر الياباني وتهديده لبكين، وجه الشيوعيون نداء لتشان كاي تشيك لتناسي الخلافات والاتحاد لمواجهة الخطر الياباني الجدي والوشيك...

وبعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية سرعان ما عاد الصراع بين الشيوعيين وتشان كاي تشاك من جديد، وبطريق أعنف، الشيوعيون يساندهم الاتحاد السوفيتي، وتشان كاي تشاك تدعمه الولايات المتحدة وأوروبا واليابان...

واستطاع الشيوعيون بقيادة ماو تسي تونغ إنزال هزائم كبيرة ومتتالية بقوات تشان كاي تشيك في الشمال والشرق، وفي سنة 1949م سرعان ما عبرت القوات الشيوعية الجنوب، فاحتلت نانجينغ، وقويتشو...

وفي الفاتح أكتوبر من نفس السنة، أعلن ماو تسي تونغ من بكين قيام جمهورية الصين الشعبية، بينما فرت قوات تشان كاي تشيك الى جزيرة تايوان تحت حماية الأساطيل الأمريكية...

***

بقلم: عبد القادر رالة

 

عندما كنت أتجول في آثار سامراء، أتساءل كيف تحولت القصور الجميلة الباهية إلى خرائب وأطلال خاوية؟

وأحتار بالجواب!!

فمن خرب قصور بني العباس.

ومن خرب الجامع الكبير؟

مَن ومَن ومَن؟

هل أن المسير إلى الأعلى يحث قوة تدفع إلى الأسفل؟

هل أنها قوانين فيزيائية أم تفاعلات كيميائية تؤدي إلى نتائج مخيبة؟

يبدو أن السلوك البشري في معظمه يخضع لمعادلات تفاعلية ذات عناصر متنوعة داخلة فيها.

وكيمياء النفس البشرية أو نفس المخلوقات عموما، تعبر عن تفاعلاتها الكيميائية بنتائج سلوكية متنوعة، والمشترك الفاعل فيها جميعا، أن هناك عوامل مساعدة لإدامة التفاعل، وعندما يغيب دورها يتباطأ التفاعل وتتناقص النتائج وتترك فتتسبب بتكوين عناصر مضادة لها، شأن أي حالة ساكنة يأكلها ما فيها.

إنطلقت إرادة بني العباس بعنفوانها المعبر عن خلاصة مكنوناتها وما بلغته من ذروة الإبداع والتفاعل العقلي مع الحياة، فأشرقت أنوار المعارف والعطاء الأصيل، فكانت سامراء الرمز المادي الممثل لتلك القدرة والقوة والعزة والكبرياء، فالعمارة فيها ترمز لدولة ذات هيمنة وسطوة على مساحات شاسعة في عدد من القارات.

فكان شروق الإرادة ساطعا منذ النشأة وحتى مقتل المتوكل (247) هجرية، حيث بدأت شمسها بالأفول، وتميل نحو الغروب محفوفة بالدماء والدموع.

فما حصل في سامراء من تفاعلات خضعت لقوانين الكيمياء والفيزياء، وإنتهت معادلاتها إلى نتائج سلبية أزالت ما كان شامخا، وحولت البناء إلى ركام.

فآل العمران المهاب إلى أطلال وخرائب، وتأكد أن ما عليها فان، إذا لم يتعهده بالإدامة إنسان!!

"دور الخلائف عافها سمارها...وتقطعت أسبابها تقطيعا

درجت بساحتها الحوادث وانبرى...خطب الزمان لها فكان فظيعا"!!

***

د. صادق السامرائي

الأحزاب القومية تبخس قيمة الوطن وتحسبه وسيلتها للوصول إلى أهدافها الخيالية، والأحزاب الدينية لا تعترف بوطن وتؤمن بأمة لا حدود لها.

وهما حالتان متشابهتان وإن تباينت المنطلقات والتوصيفات، لكنهما بأخذان المجتمعات إلى دروب الفشل والخسران.

ماذا أنجزت الأحزاب القومية؟

وماذا حققت الأحزاب الدينية؟

لو تأملنا الدعوات القومية وأحزابها منذ بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، لوجدناها قد باءت بفشل ذريع في بضعة عقود من تسنمها السلطات في عدد من بلدان الأمة.

وكذلك الأحزاب الدينية منذ النصف الأول من القرن العشرين، وخصوصا بعد الحرب العالمية الأولى، فعلت ما فعلته في المجتمعات التي نشطت فيها، ووصلت إلى خاتمة بائسة، ولا تزال في مسيرة التدمير والإحتراب.

ماذا بعني ذلك؟

يمكن القول أن مصدرها واحد، وهدفها النيل من الأمة وترقيدها وتحويلها إلى عصف مأكول.

فهل وجدتم إنجازا يستحق الذكر ويمكن للأجيال أن تبني عليه؟

التماحق ديدنها، وكل أمة تلعن أختها، ودئرة الصراعات المفرغة لا تهدأ، وما نتج عنها تداعيات مريرة وويلات كثيرة.

فهل هذا ما سعت إليه؟

وهل أنها بمستوى شعاراتها وأهدافها المعلنة، أم أنها كانت تخادع وتنافق، من أجل البقاء في سدةالحكم لأطول فترة تستطيعها؟

يبدو أن هدفها الكرسي والإستحواذ على الثروات، وما طرحته على الناس مجرد كلام فارغ، محتواه  ضياع.

تحية لصديقي الذي كانت تنتابه نوبات ضحك عارمة كلما قرأ شعارا مكتوبا على لافتة!!

والإستلاب قائد مأمون!!

***

د. صادق السامرائي

 

هذه الايام ماليزيا مشغولة بأخبار مرض باني نهضتها الحديثة مهاتير محمد بعد أن ادخل الى المستشفى، الرجل الذي يقترب من المئة عام كان قد خسر قبل سنوات مقعده في البرلمان وتعرض لهجمة من المعارضة، لكنه لم يخرج على جماهير بلاده ليعلن أن هناك مؤامرة عالمية ضده، وانه احق بالكرسي، ولم يحاول ان يحرض انصاره، بل قرر ان يعتزل العمل السياسي وقال للمقربين منه : "لا أرى نفسي ناشطاً في العمل السياسي حتى أبلغ من العمر مئة عام، أهم شيء هو نقل خبرتي إلى القادة الشباب".

لا تزال صورة الطبيب مهاتير محمد وهو يبتسم تسرق الأضواء من صور معظم سياسيي بلاده، ولا يزال اسمه يشعر كل الماليزيين بكل ألوانهم وأطيافهم وقومياتهم بالاطمئنان للمستقبل، سحر العالم بتواضعه، وصلابته، عندما قرر ذات يوم، أن ينهي التخلف في بلاده، ويضع ماليزيا في ركب البلدان الصناعية، بعد أن كانت تستورد كل شيء تقريباً، وقبل أن يرحل عن كرسي رئاسة الوزراء كان قد وضع خططاً تنموية استمرت حتى عام 2020، تاركاً وراءه إرثاً اقتصادياً وسياسياً .

السياسي الذي أصدر عام 1970 كتاباً بعنوان "معضلة المالايو" انتقد خلاله شعب المالايو واتهمهم بالكسل، فوصفته الحكومة آنذاك بالرجل الساذج، لم يتوقف عن الحلم بالتغيير، بائع الموز الذي استطاع دراسة الطب في سنغافورة، والشؤون الدولية بجامعة هارفارد، عشق السياسة، وأتقن أصولها، وقرر أن يبدأ رحلته معها عام 1964، وليصبح عام 1981 رئيساً للوزراء في بلد كان يبلغ سكانه ثلاثين مليوناً، 70 بالمئة منهم يعيشون في فقر دائم، كل ما فعله وهو ينقل شعبه من الفقر إلى الرفاهية ان يذكرهم بالعمل الجاد، يسخر من المعجزات فيكتب: "ما حدث أبعد ما يكون عن المعجزة لقد حدث النهوض نتيجة للعمل الشاق والإيمان بالحلول العملية والواقعية والاعتراف بالسوق كقوة من قوى النمو والتعليم والانفتاح مع الأفكار ".

سيقول البعض لماذا تستشهد بتجارب الشعوب الاخرى، السنا نموذجا حياً للديمقراطية، بدليل ان السيد نوري المالكي رغم مغادرته منصب رئيس الوزراء منذ عشر سنوات، لا يزال يتحكم في مؤسسات الدولة، هل تريد ديمقراطية اكثر من اصرار التحالف التنسيقي على التحكم في كرسي رئاسة البرلمان رغم ان المحاصصة البغيضة منحته للسنة، لكن الاطار التنسيقي " مشكورا" مصر على ان لا بديل عن محمود المشهداني .

يعاني كاتب مثل جنابي من مشكلة عميقة مع البيانات التي تصدر في الغرف المغلقة، ولا أعرف ما إذا كنا نعيش عصر الأفذاذ كما قال المشهداني، فما معنى ان نعيد الى المنصب رجل ظل يصر على ان لا علاقة له بما يجري من فشل سياسي ما دام " يقبض المالات "

***

علي حسين

 

معظم التأريخ لم يدون في حينه، بل أن المدون منه مكتوب بعد وقت طويل من حدوثه، وربما بعده بقرون، والقليل من التأريخ المسطور خطته الأقلام في وقت قريب من حدوثه.

والمؤرخون المعروفون لم يشهدوا أحداث ما دونوه، بل كتبوا ما تناقلته الأجيال وشاع بينها.

فهل كل ما دونوه صحيح؟

والمشكلة أن الذي يقرأ المكتوب بعد عدة قرون، يضفي رؤيته على ما يقرأ، وكأن الأحداث حصلت وفقا لمقاييس العصر الذي هو فيه.

أي أن أكثر قراء التأريخ يقطعون الحدث عن مكانه وزمانه، ويستحضرونه في الواقع المعاصر لهم، مما يتسبب بقراءات منحرفة وخائبة.

فلا يجوز النظر إلى ما كان بعيون ما يكون الآن.

البشرية اليوم – رغم ما يحصل – أرقى مما كانت عليه قبل قرون.

البشرية تتقدم وتمتلك أدوات وآليات غير مسبوقة، فهل يصح أن نطبق ما عندنا على ما كان قبلنا؟

لابد من الإقتراب الموضوعي والعلمي المنطقي المحايد، بعيدا عن النوازع المطمورة في دياجير النفوس.

ويمكن القول أن النسبة الأكبر من المصادر التأريخية المعتمدة ليست محايدة، بل تغرف من ينابيع العطايا والأموال التي تغدق على أصحابها، وأكثرها تكون هدايا لمقتدر جوّاد، واسألوا الجاحظ عن كتبه المهداة إن كنتم لا تعلمون!!

***

د. صادق السامرائي

 

السلبية ما نتميز به  في سلوكنا ورؤانا وتصوراتنا وإقتراباتنا، وهذه الآلية الإدراكية تتحكم في الكثير من عاداتنا وإستجاباتنا لبعضنا البعض.

فعندما نقوم بأي نشاط لا نرى ما هو إيجابي فيه، ونحصر رؤيتنا بما هو سلبي وحسب، ونبني على ذلك إستنتاجات  ومواقف وتصرفات محكومة بالسلبية الصرفة، وينطبق ذلك على وجودنا الثقافي والسياسي والإجتماعي.

وينعكس في كتاباتنا وأشعارنا وأدبنا بأنواعه، فمعظم ما نأتي به تعبير صريح عن السلبية العاصفة فينا.

فحينما يزورنا أحدهم، أو نقوم بزيارة لبعضنا، لا نتحدث بعد الزيارة عن الإيجابيات وما سرّنا وأبهجنا فيها، ونأخذ بالكلام عن النواقص والعيوب وما لا يُرضينا.

وعندما نواجه أنفسنا بالقول أن هذا سلبي، نغضب وننكر ذلك.

وفيما يتعلق بنشاطاتنا الأخرى، فنحن لا نقيّم الإيجابي فيها، ونضع السلبي أمام أنظارنا، ونبني عليه الكثير من الحالات الضارة.

ومن الواضح أن أي شخص مهما يفعل من جديد وجيد  فمن الصعوبة أن نراه، ونقر أكثر بالسلبية  ونضخمها ونحسبها ما يقوم به.

وهذا يعني أننا ننظر بعيون السوء لكل ما يعنينا في حياتنا ومحيطنا وتفاعلاتنا.

فعين السوء هي المهيمنة على بصيرتنا وتفاعلاتنا مع الآخرين والمحيط.

ولهذه النظرة أسباب كثيرة ومتفاعلة ومكرسة بالتكرار، ففقدان قدرات إظهار الإيجابية تحقق السلوك السلبي، لأنه النتيجة الحتمية  لما نراه ونتصوره، فالذي فينا ينعكس على ما حولنا تماما وبتأثير متفق معه.

فعندما يكون منظارنا سيئ فلا نرى إلا السوء، وعندما يكون جيدا سنرى الجيد.

وبما أننا في الغالب نميل إلى العاطفة والإنفعال الساخن، فأن العقل أسير ومرهون ومقيّد بما تمليه  العواطف والإنفعالات  السلبية المتراكمة في أعماقنا والمرشدة لسلوكنا العام والخاص.

إن وعينا لهذه العاهة السلوكية الإجتماعية الضارة، يحقق فينا  قدرات الوعي الإيجابي، والإقتراب الحضاري الناجح من الحياة.

فالإيجابية تعني الأمل والثقة والقوة والقدرة على التواصل والتفاعل المثمر والعطاء.

وبدون الإيجابية لا يمكن للشعوب أن تكون وتتطور، ولا يستطيع الإنسان المسكون بالسلبية أن يأتي بما هو نافع وطيب.

لذا يكون من الواجب الوطني والإنساني والحضاري أن نتحرر من السلبية بأنواعها، ونعمل سوية لتحقيق الإيجابية في رؤيتنا وسلوكنا الإجتماعي والسياسي والثقافي والإنساني.

فالإيجابية حضارة وإنتصار، والسلبية خراب وإنكسار!!

***

د. صادق السامرائي

 

أبحث في الأخبار ومجادلات الساسة عن موضوع لعدد اليوم، وربما عن فكرة أقنع بها القارئ المحاصر باخبار الموت والفجائع، والصمت العالمي، في كل يوم تواجه بهذا السؤال الأزلي: لماذا تكتب عن فلان وتستثني"علان"، لماذا أنتم معشر الكتاب تناصبون النائبة "الشجاعة" العداء، فيما تغضّون الطرف عن نائب يحرض على متظاهري الناصرية؟!

ماذا نكتب ياسادة في بلد يرفع سيف القانون في وجه حرية التعبير، ويعتبر الحديث عن الفساد والمفسدين رجساً من عمل الشيطان، في موسوعته الكبيرة لمحات اجتماعية من تاريخ العراق يروي علي الوردي نقلا عن مؤرخ تركي: أن صحفياً في إسطنبول وجد مقالاته كثيراً ما تمنع من قبل الرقابة، فذهب إلى مدير الرقابة يسأله عن الحدود التي يستطيع أن يكتب فيها من دون أن تُمنع مقالاته، فأجابه المدير بأريحية قائلاً: "تستطيع يا عزيزي أن تكتب في كل شيء"، ولمّا أبدى الصحفي استغرابه من هذا الجواب، أخذ مدير الرقابة يوضّح له المقصود من عبارة "كل شيء" وقال له: "طبعاً! عن كل شيء سوى، الحكّام والحكومات الأجنبية الصديقة والثورة والاضطرابات والفوضى والحرية وحقوق الشعب والسياسة الخارجية والسياسة الداخلية والدين والتفكير الحر والسلطات وحريم السلطان والوطن والأمة والقومية والنواب والشيوخ والدستور والمؤامرات ومدحت باشا ونظمي بك والسلطان مراد والإصلاحات وموسم الجراد وبعض المواضيع الأخرى المتصلة إلى حد ما بهذه المواضيع".

يخبرنا الكاتب التركي الحائز على نوبل أورهان باموق انه بدأ حياته صحفيا، ضاربا بعرض الحائط بنصيحة والديه اللذين حذراه من السجن أو الموت مشردا في مهنة تقلق السلطات حتى الديمقراطية منها.. فكيف وأنت في إسطنبول التي تصحو كل صباح على خطاب جديد من خطابات الجنرالات؟، يكتب باموق: "إن الأسوأ هو الخوف.. ألاحظ أن الجميع خائفون وهذا ليس طبيعيا حرية التعبير تدنت حتى أصبحت في الحضيض" .

ماذا يفعل بعض اللذين يلبسون رداء المدنية ويوهمون انفسهم انهم كتاب مع درس باموق هذا.. سيضحك البعض من سذاجتي ويقول ياسيدي ان هؤلاء يجيدون التعلّق بأذيال المسؤول والسياسي، ويصمتون على ما يجري من انتهاك لحرية الشباب المحتج في ذي قار، بل البعض منهم يحرض على استباحة دماء هؤلاء الشباب .

هل تنفع حكاية علي الوردي مع كاتب عمود مثلي يرى أنّ البعض لا يريد للعراق أن يعبر هذه الكيانات التي يسميها عشّاقها أحزابا وكتلا سياسية، من أجل العيش دولة يشعر فيها الفرد بالحرية والكرامة والامان، لا يصطاده مدون " قابض " بالدولار في مواقع التواصل الاجتماعي ليتهمه بالخيانة، ولا يساومه نائب"مخادع" يتعشى مع الفساد ليلا، ويرتدي ملابس النزاهة امام الفضائيات.

***

علي حسين

يا ليتنا نعرف أجدادنا ولا نتخيلهم، ونضفي عليهم ما لا يمت بصلة إليهم، ونخرجهم من آدميتهم ونتوهم بأنهم الملائكة، أو الهابطون من السماوات القصية.

ما يحصل في واقعنا المعرفي، إسقاطات تخيلية عليهم، وتحويلهم إلى موجودات لا يمكن الوصول إلى مقامها، وتحقق إضفاء القدسية المبالغ بها عليهم.

فلا يجوز أن تتساءل أو تثير موضوعا لا يتوافق مع المنطق نحوهم، لأن الكثيرين سيعتبرونه إعتداءً غاشما وسيكيلون التوصيفات القاسية عليك، ويحسبونك من أعداء الأمة والدين.

أ ليسوا بشرا؟

لماذا التوهم بأنهم غير ذلك، ويتوطنون الساميات التي لا قدرة لدينا للوضول إليها؟

إن ما جاء به الأجداد، يمكننا أن نأتي بأحسن منه أو بمثله، ولا يصح في الأفهام الشعور بالدونية والإنكسارية وفقدان القدرات الحضارية الأصيلة.

الأحفاد فيهم الكثير من خصال الأجداد، فالروح متوارثة، والعقلية الإبتكارية الإبداعية تدب في الأجيال، ولا ينقطع حبل الوصال بين السابق واللاحق.

فلا تحسبوا أجدادنا صوامع عالية، وكائنات خيالية لا تتكرر، فلكل زمان رجاله وعقوله، وما تناقلته المدونات فيه الغثيث المرتبط بإرادة الكراسي الفاعلة آنذاك.

فلا يغرنكم المنقول فتحسبونه الصدق المطلق، فالذي كتبه بشر له مواقفه وآراؤه وتطلعاته الدنيوية المعروفة، فليس كل ما دونه صحيح، ونزيه مما فيهم من المطمورات والنوازع المتنوعة.

نحترم الأجداد، ونعتز بما قدموه للحضارة ، ولا نحسبهم نهاية المطاف وذروة الإقتدار الذي لن نصل إليه.

إنها فرية تعويقية، وتوجهات مقصودة للحط من إقتدار أمة ذات رسالة وعقول مستنيرة متفاعلة مع الأكوان البعيدة.

فهل لنا أن نكون مثلهم ونتجاوزهم؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

الذين يتمترسون بالماضيات، ولا يستطيعون التحرر من أصفادها.

وما أكثر الموضوعات المأترخة، التي تحدثك بلسان الغابرات، ولا يعنيها الحاضر والمستقبل، بل تريد إحياء الأموات والترنم بقيادة الأجداث، والإذعان لرؤاهم وما تفتقت به أذهانهم في زمانهم البعيد ، فكيف نكون والغوص في الرميم ديدننا العقيم.

المنشورات معظمها تفوح منها روائح لجثث متفسخة، وأجداث ما بقي منها ما يشير إليها، بعد أن أكلها التراب، وشبعت بها ديدان الأرض وآفاتها في ظلمة بطنها.

كتابات لا تمت بصلة لعصرنا، وتستعمل مفردات غثيثة، وتتسابق المواقع ووسائل الإعلام المتنوعة لنشرها وتسويقها بإندفاعية فائقة، وكأنها تريد الثأر من الحاضر بسيوف الماضي، في زمن ما عاد للسيوف دور مهم، بعد أن توفرت الأسلحة الفتاكة المرعبة.

ما فائدة إجترار ما مضى وما إنقضى؟

هل أنها لعبة تدمير وجود الأمة ومحق هويتها؟

"تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم، ولا تسألون عما كانوا يعملون"

فهل علينا أن نفسر ونؤول ونتبع أدعياء الدين؟

متى نستيقظ ونتنبه ونعالج تحديات حاضرنا بعقولنا الحرة المتفاعلة؟

إنها لعبة تمويتنا، وتقزيمنا، وتقطيع أوصالنا، فالهدف يؤهل عناصره للنيل منه، ويبدو أن الأمة تأكلها طاقاتها وقدراتها الحضارية، وكأننا نفترس وجودنا، ليهنأ الطامعون بنا، ويسعدون بما نقدمه لهم من إنجازات تؤمّن مصالحهم وتحمي مطامعهم، ونحن في غفلتنا عامهون!!

فإلى متى يبقى غبار الغابرات يخنقنا؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

لكل مخترع فعل سوء، فنوازع البشر تميل إلى أمّارة السوء التي فيها، وتخضع لإرادتها، وتسترشد بها لتأمين العمل السيئ المطلوب.

المخترعات معظمها أوجبتها الحاجة وتم تسخيرها لفعل الشر.

لو أخذنا الطائرة – على سبيل المثال -  إخترعها الأخوان رايت في 1903، وبعدها بسنوات إشتركت في الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918) وصارت تلقي بحممها على الناس.

وتجدنا أمام المبتكرات المعاصرة بأنواعها، نواجه إستخدامات شريرة لا تخطر على بال، وتتسبب بخسائر مروعة وفتاكة.

هذه المخترعات تحولت إلى نقمة على البشر، لأن العقول ذات قابليات عدوانية وتوظف قدراتها للإستثمار في الموجودات، التي تطوعها لغاياتها وتطلعاتها الهادفة للإضرار بالآخر.

حتى وسائل التواصل الإجتماعي تحولت إلى وبال على الناس، وتحقق العمل من خلالها لتوجيه الهجمات الإليكترونية على الدول المستهدفة.

فهل ما إخترعناه ينفعنا أم يضرنا؟

من الواضح أن نفعه أكثر من ضرره، لكن العقول تؤهله لتأمين الأضرار عندما تجد ذلك لازما، خصوصا في الحروب والتفاعلات العنيفة بين المجتمعات.

أي أن كل مبتكر يمكن تحويله إلى سلاح!!

وبتعدد المبتكرات تعددت الأسلحة  بدرجاتها التدميرية المتباينة، ما بين البنادق التقليدية والأوتوماتيكية وأسلحة التدمير الشامل.

إنها النزعات العدوانية المطمورة في أعماق البشر، تدفعه للمضي في دروب التفاعلات السلبية القاضية بسفك الدماء والمحق المبيد.

ويبدو أن زيادة المخترعات تتناسب طرديا ما زيادة أدوات الشرور، لتوفر الخيارات والعقول القادرة على تركيبها بما يصنع منها ما يؤذي ويضر.

وبموجب ذلك، فالمخترعات تتنامى والصراعات تتزايد، وتكون أكثر فتكا ودمارا، لأنها تستعملها في أتونها.

فهل بمخترعاتنا سننصرع.!!

***

د. صادق السامرائي

 

ربّ قائلٍ يقول: وما مدرستك الابتدائيَّة، كي تفرد لمئويتها (1924–2024) مقالاً، فلا هي «أم آي تي» ولا «كيمبردج»؟ أقول: نعم، قياساً بالزَّمن والمكان، كانت هكذا، قرية قصية وسط الأهوار، لا شيء غير الماء والبردي، تشكلت مِن 600 جزيرة، عدها الاجتماعي شاكر مصطفى سليم (ت: 1985) في أطروحته «دراسة أنثربولوجيا لقرية في أهوار العراق» (جامعة لندن 1955).

طلب مني أحفاد أحفاد جيل «الأسديَّة» الأول، مشاركتهم لإحياء الذكرى، الأحفاد المحاطون اليوم بطاردات العقل، فكلٌّ صار يملك الحقّ بمنبرٍ ومدرسة، فلم يبق لما قدمته «الأسديَّة» إلا الذِّكريات، لكنَّ نداء الأحفاد للاحتفاء بمدرستهم يُقلل الأسى، مع ولادتهم تحت أهوال الحروب والحملات الإيمانيَّة، وما بعد القولِ قولٌ: «سينهضُ مِن صَميمِ اليأسِ جيلٌ/ مريدُ البأسِ جبارٌ عنيدُ» (الجواهريّ، أبوظبي: 1979).

تأسست الأسديَّة (1924)، حال سقوط المشيخة، بأربع طائرت بريطانيَّة، لم تدون المعركة غير المتكافئة، وكفاني ما قصه والدي، وكان شاهد عيان، وما ذكره الموثق عبدالرّزاق الحسني (ت: 1996) ضمن رسالة نشرها للشيخ سالم الخيّون (ت: 1954) في «تاريخ الوزارات»، فقبيل الهجوم على مشيخته وهدم قصره، اعتُقل بالبصرة، ونفي لسنوات.

عقب المشيخة، وسعت الدولة حضورها، فشيدت مركزاً للدوائر، ومستوصفاً طبياً، ومدرسةً، سميت نسبةً للقبيلة (بني أسد)، وبما أنَّ ما حصل ليس ثورةً، ولا ممارسة انتقام، احتفظ أبناء المشيخة بحظوتهم الاجتماعيّة، فمنهم يُختار المراقب العام للمدرسة، وكذلك رئاسة البلدية فيهم حتَّى انقلاب (1968). بعدها التحقت البنات في صفوف البنين، بلا اعتراض.

طبقت «الأسديَّة» منهج الدَّولة بحزم، في الصَّباح يُذكر اسم الملك، وصورته على الدفاتر، الموزعة مجاناً. كان أسعد الأوقات توزيع «التغذية»: بيض يجلبه التَّلاميذ مِن بيوتهم، البيضة مقابل عشرة فلوس، تُقدم مع بصل أخضر، وحليب، وخبزٍ، مع كبسولة زيت السَّمك. حتّى ذلك الوقت لا توجد هتافات وشعارات، غير رفع العلم، لكنها سنوات، تلاقفت الأحزاب تلامذتها.

عاد أحد تلاميذ الأسديَّة، من المدرسة الرّيفيّة، ليكون مديراً، الأستاذ وحيد الأسدي، ولا أظن أحداً مِن جيلنا وقبله، يسميه بغير «استاد وحيد». كان مهيباً أنيقاً، لا نجرؤ على ملاقاته خارج المدرسة. يقف في الصباح، وكأنه قادم مِن صالون أناقة، ليعلن رفع العَلم، والتَّفتيش على النَّظافة، فإن وجد ما لا يعجبه يقول: «الماء بلاش»! حتّى دارت الأيام، وصار الماء بفلوس، بينما المنطقة كانت أكثر ماءً مما قصده ابنُ جُبير (ت: 614 هج): «سئمت أرضها كثرة الماء، حتَّى اشتاقت إلى الظَّماء» (تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار).

كان معلمو «الأسديَّة» مِن الأديان والمذاهب والأقوام: شيعة، سُنَّة، يهود، مسيحيون، صابئة، وأكراد، تنتهي خدمتهم، ويظلون على صِلة بالمنطقة. لا نتذكر أحداً سأل عن ضمائرهم وانتماءاتهم. خرج مِن الأسديَّة أدباء وكُتاب ومحامون ومهندسون وأطباء، نافسوا ببغداد، بينهم تلميذها ومعلمنا القاص فهد الأسديّ (ت: 2013).

لا أدري ماذا سيقول مَنْ قدم دعايته الانتخابيَّة (2010) بالافتراء: «يريدوننا نترك ديننا، نترك مرجعيتنا، تركوا مناطقنا بلا مدارس»، وقد كذبته اللوحة القديمة في واجهة «الأسديَّة» (تأسست 1924). تسلم أخطر المراكز، ولم يفتح مدرسةً، والأسديَّة منذ تأسيسها تشغل بناءً، بينما كثرت مع إسلامه السّياسيّ مدارس «الأكواخ»، وحصران يجلبها التَّلاميذ من بيوتهم.

عصمتنا «الأسديّة» مِن الخرافة، لذا ظلت عقولنا سليمة مِن الجهالة، خلاف الحال في عهد صاحبنا، صارت المدارس مفرخات للرثاثة، بهتك الحدود بين المدارس والمجالس، فإذا كانت المواهب ترفع أصحابها، صار عدمها الرّافعة.

كانت «الأسديَّة» عند تأسيسها واحدة مِن (221) مدرسة بالعراق كافة (الدَّليل العراقي 1936)، تستحق مئويتها التّذكار، وقد سرني حضورها في ذاكرة الجيل الحاضر، وسرني أنها احتفظت باسمها، وقد تبدلت أسماء جامعات ومعاهد، لتحل محلها أسماء ليس لها فضل في وجودها، بل أضرت بالعراق في معارضتها وسلطتها.

***

د. رشيد الخيّون - كاتب عراقي

 

تعليقات على محاضرة د. حارث حسن حول

الدكتور حارث محمد حسن باحث مجتهد وذكي وتعجبني كتاباته.  قبل ايام ارسل لي صديق فيديو يحتوي على محاضرة للدكتور حارث ويعقب عليها الدكتور حيدر سعيد وهو ايضاً رجل كفوء.

المحاضرة كانت بعنوان:

  "من الهامش إلى المركز: تحولات العلاقة بين الدولة والمرجعية الدينية الشيعية في العراق".

الفيديو يستغرق بحدود ساعة ونصف ولقد استمعت اليه بالكامل.

الذي لفت نظري، هو الاسلوب الذي كان يصف فيه الدكتور حارث السلوك السياسي لتلك الأحزاب  التي شاركت في العملية السياسية بعد العام ٢٠٠٣ حيث كان يتحدث عنها وهي تتصرف في منتهى الأناقة السياسية والتخطيط السياسي الحصيف وتقيّم علاقاتها مع مرجعية النجف ولا تعلن بعضها ولائها لمرجعية قم (او مرجعية طهران كما اسماها الباحث) لكي تحافظ على انتمائها العراقي الخ...

استعرض المناورات العقلانية السلمية للحصول على ادوار اكبر في الحياة السياسية !!

لقد وجدت ذلك غير موضوعي وغير مكتمل الاركان لاننا شاهدنا كيف تتصارع تلك الأحزاب باستخدام ادوات المال والسلاح ووسائل الاعلام !!!

هذه حقائق كبرى والجميع يعرفها:

- كل حزب لديه جناح مسلح

- كل حزب لديه مصادر تمويل كبيرة لايستطيع احد منعه من الحصول عليها.

- كل حزب لديه صحافته ولديه محطات تلفزيونية

- كل حزب لديه مايطلق عليه مراكز ابحاث تنطق باسمه وتبرر سياساته وتروج لاجنداته المختلفة.

- معظم تلك الاحزاب لديها علاقات دولية خارج النطاق الحكومي الرسمي..

- كل هذه الاحزاب تعلن عن اهداف تتقاطع احياناً مع الاهداف الرسمية للدولة.

الصورة البريئة لتلك الأحزاب التي حاول الدكتور حارث تقديمها هي ليست واقعية ولا اعتقد ان ذلك يعود الى جهل الباحث بالوقائع لأن الكل يعرفها ، ولكنها قد تكون نوعاً من المحاباة وتجنب الخلاف معها لاسباب لا اعرفها.

نحن نتحدث عن صراعات ومنافسات سياسية بين احزاب مختلفة ويجب ان نستعرض كل ادوات ذلك الصراع.

قد يرد الباحث بالقول انه كان يتحدث عن علاقتها بالمرجعية تحديداً ، لكنه ذكر بصراحة انها كانت تسعى لاكتساب الشرعية امام المجتمع من خلال اعلانها انها تسمع وتحترم توجيهات المرجعية !!

اي ان علاقتها بالمرجعية ليست ايمانية بالضرورة بل اداة من ادوات الصراع !!

اذن لماذا لاتقدم الصورة الكاملة عن ذلك الصراع؟؟

هل كانت تمتثل بالكامل لتوجيهات المرجعية في مختلف

شؤون الحياة؟

وتلك الاحزاب طالما كانت سياسية وتدخل في ميدان التنافس السياسي فأنه ليس محرماً عليها او معيباً ان تستخدم الادوات المتاحة طالما كان الوضع الراهن يسمح لها بذلك . اذن لماذا التردد في قول كل شيء؟ هل هو خشية تلطيخ سمعتها؟

انها ليست دور عبادة او مدارس للفقه ،بل هي احزاب سياسية ذات طابع او صبغة اسلامية.

***

د. صلاح حزام

من خلال قراءتي للقرآن الكريم  ومن وصايا الله تعالى ورسوله الكريم محمدا صلوات الله عليه وسلامه أن نتدبره بتمعن وأن نعكف على دراسته المستفيضة بمنهجية عالية وعقل متفتح مواكب لكل عصر وزمان لنعلم ما فيه ومراد آياته وأن نعرف مضامينه كوننا نحن المخاطبون العاقلون الذين أرسل إليهم هذا القرآن الكريم وأن نقف على كثيرا من الأعجاز البلاغي والمعرفي والعلمي لآياته التي تخاطب وتستفز العقل البشري الذي حبانا الله تعالى به عن سائر الكائنات الأخرى من خلقه ومن هذه الآيات التي استوقفتني مليا ودعتني إلى التفكر والتمعن بها هي آيات خلق الإنسان وأطواره وخصوصا الكلمتين التي ذكرت في القرآن (الإنسان – البشر) حيث جعلتني أفكر هل الإنسان يختلف عن البشر ومن المخلوق الذي خلق قبل الآخر وهل هناك اختلاف بينهما أو علاقة حيث أن دراسة الآيات القرآنية ومعانيها وإسقاطها على ما يتوصل إليه العلماء  من خلال أبحاثهم ودراساتهم الاستكشافية والعلمية والبحوث البايلوجية قد تتطابق مع مرادها وكلما توغلنا في البحث والدراسة تتكشف لنا كثيرا من صحة الحقائق التي ذكرها القرآن الكريم عن خلق هذا الإنسان المتطور ضمن أطار منظومة معقدة محدثة جديدة النمط والأسلوب الخلقي والمواد التي صنع منها البشر بأمر من الله تعالى وهنا ما يؤكده استفهام الملائكة الكرام عن هذا المخلوق الجديد الذي يختلف على ما ألفوه في الأرض من مخلوقات .

عندما نتحدث عن الكائن البشري نجد بعض الإشارات أو الدلالات في الآيات القرآنية تتحدث عن هذا الكائن  الذي خلق من الأرض كالنبات ضمن الكائنات التي أوجدها الله تعالى على الأرض من الماء ككائن مائي ثم برمائي ثم أنبته في الأرض ثم دب عليها كسائر الكائنات الحيوانية وهو على رأس سلم الخلق كما قال سبحان تعالى (هو الذي أنبتكم من الأرض نباتا) و(ومن الماء خلقنا كل شيء حي) وفي آيات أخرى قال (أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا) حيث أن (ثم) تدل على التراخي لمدة من الزمن أو الفاصل الزمني المعين بين حدث وآخر علمها عند الله فأن خلق البشر من التراب أولا أستغرق وقتا طويلا ليصبح خلقا آخر من نطفة ثم علقة ثم عظاما كإنسان له صيرورة وكيانا بأسلوب جديد وأن كثيرا من الدراسات والبحوث والآثار و الحفريات تصرح أن المدة بين خلق البشر والخلق الجديد المميز بقدرته المعرفية والمحدث جينيا (الإنسان) أخذت حوالي (1.7) مليون سنة حسب التوقعات العلمية وكما قال الحق (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) أن هذا الإنسان خُلق من مزيج مادة التراب والماء وهم عنصران مهمان في الطبيعة ليصبح طين لازب ثم صلصال من حمأ مسنون وأستمر هذا المخلوق في التطور على مدة يعلمها الله تعالى ليصبح علقة ثم مضغة مخلقة وغير مخلقة وهو آدم كأول إنسان (الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ الإنسان من طين ** ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ** ثم سواه ونفخ فيه من روحه.....) ووصفه في الآية الكريمة (أنا أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) كما ذكرنا سابقا أن الإنشاء تدل على الشيء المحدث والمتجدد والمتطور من شيء سبقه في التصوير والكيفية .وقد ذكر الله تعالى كلمة الخلق مسبوقة لخلق البشر وإيجاده على الأرض فأنها تدل بمعنى الأنشاء من العدم حيث يذكر الإنسان كأول مخلوق من البشر من نتاج تطور علمي دقيق وبأيدي خالق علمي وصنع قمة الذكاء طوره على هذه الأرض لغرض ما في الزمان والمكان المحدد له متسلح بالقلم للأشياء والمعرفة والعقل والتمييز الناضج الواعي المكلف بالشرائع والسنن والمدرك لما حوله ولمن سبقه من الخلق يشبهه جسديا ومعاصرا ومتعايشا معه على الأرض أن كلمة الخلق التي سبقت الإنسان هي الابتكار والإبداع أصدق وأدق عبارة تعبر عن الإنسان وفي الختام يبقى هذا رأيا شخصيا وتحليلا وفهما لبعض آيات القرآن الكريم في هذا المجال من خلال تدبرها ووضعها على طاولة البحث والدراسة الذي أمرنا الله بها لفهم القرآن وآياته ومراده ليبقى هذا الكتاب المقدس متجددا في الفهم على مدى العصور تتلاقفه العقول النيرة المتطورة حتى قيام الساعة وليبقى الإسلام ومبادئه وإعجازه متطورا و معاصرا.

***

ضياء محسن الاسدي

في المثقف اليوم