أقلام حرة

أقلام حرة

لماذا تطالب المقاومة بمحاسبته؟

حينما تصدر تصريحات تتجاوز المبادئ الوطنية والأخلاقية باتجاه التموضع الموقفي في منطقة التشارك المصلحي مع العدو فهذا يستلزم رداً أعمق من المعتاد، من خلال استحضار مواقف سابقة في ظروف مماثلة.

هذا سيوسع من آفاق الرد ليشمل مواقف سابقة لسلطة أوسلو التي ينتمي إليها المذكور، لأنه تجاوز الشخصي إلى العام دون مراعاة لشعب يُسْحَقُ تحت جنازير الدبابات.

يتم ذلك على نحو ربط تقرير القاضي ريتشارد غولدستون الذي تم سحبه في ظروف غامضة من قِبَلِ قيادة أوسلو عام 2009، بما صرح به مؤخراً الوزير وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية "المجمدة"، أحمد مجدلاني في قناة الحدث، يوم الأربعاء الماضي، تعليقاً على مستقبل "حماس" ما بعد انتهاء الحرب في قطاع غزة في أن "حماس منظمة إرهابية بشكلها الحالي وبرنامجها الحالي وخطابها السياسي الحالي"، وفق زعمه.

وهو تصريح يتجاوز في يمينيته الليكوديين في حكومة نتنياهو وخاصة أن صاحبه من المفروض انه يقف في صف شعبه الذي يتعرض للإبادة.

وهذا سياخذنا إلى سؤال يتعلق بمجدلاني فيما لو اقتحم بيته مغتصب اعتدى على أهله -لا سمح الله- وسرق ما فيه حتى الكرامة فهل سيقدم للمعتدي راضخاً فنجانَ قهوة مع أرجيلة فاخرة! أم سيقاوم العدو الغاشم حتى الرمق الأخير! نريد جواباً من المجدلاني على هذا السؤال العاصف كي تستقيم الأمور في عقولنا، فهذا خير مثال على هكذا موقف! فهو قد صرح بذلك عبر قناة الحدث واسعة الانتشار، ولم يكن حينها مخموراً؛ بل يقظاً ويرتدي أفخم الأطقم وربطات العنق، ويعني تماماً ما يقول.

من جهتها وفق -قدس برس- أدانت القوى والفصائل الفلسطينية في غزة التي توحدها غرفة عمليات مشتركة تصريحات الوزير في حكومة السلطة الفلسطينية، أحمد مجدلاني والتي يتهم فيها حماس بالإرهاب لأنها -ترتدي اللباس العسكري الكاكي أو المرقط- وتحمل السلاح خارج إطار الشرعية وتدافع عن الشعب الفلسطيني. فيما اعتبرت المقاومة تصريحات مجدلاني "خارجة عن الإجماع الوطني، ويتحدث فيها بلسان الاحتلال".

مع العلم أن السلطة الفلسطينية التي يعمل فيها مجدلاني لم تعد شرعية ناهيك عن كونها تنسق أمنياً مع الاحتلال في الوقت الذي يتعرض فيها الفلسطينيون لحرب إبادة.

فشرعية الرئيس عباس التي يمثلها أمثال مجدلاني تأثرت بشكل كبير بسبب انتهاء عهدته منذ العام 2009 وعِوَض اللجوء للديمقراطية، عبر إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية حرة، أظهر رغبة بتحييد هذا الجانب. بل إن عباس أظهر ميلاً للاستبداد، علماً أن عملية انتخابه والسلطة الفلسطينية نفسها شكلتا تجربة مثيرة للاهتمام في العالم العربي من حيث التحول الديمقراطي، وفقا لما قاله بليغ نابلي الباحث في مركز البحوث الدولية التابع لمعهد الدراسات السياسية في باريس على خلفية الاضطرابات التي عمت الضفة الغربية عقب اغتيال نزار بنات الذي حارب الفساد عبر الفضاء الرقمي مطالباً بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال.

ويذكر أن عباس يتولى السلطة الفلسطينية منذ العام 2005. وقد تم الإعلان عن انتخابات في أوائل يناير 2021 كجزء من مشروع "المصالحة" بين فتح وحماس التي تتولى الحكم في غزة منذ عام 2007، لكن أعيد تأجيلها إلى أجل غير مسمى. وهذا يشكل هدراً مقصوداً للوقت على حساب المشروع الوطني الفلسطيني وخياراته التي اعطبتها السلطة بنهجها الاستسلامي الذي قدمت من خلاله التنازلات غير الشرعية، ما سيدرجها في قائمة الاتهام ربما بالخيانة العظمى أو الإهمال المُبَدِّدْ لحقوق الفلسطينيين ولا نريد أن نقول ب"الفساد" وعدم الكفاءة، وكلها في نظري تهم متكافئة شكلاً ومضموناً.

حينها لفت نابلي إلى أن "الصورة أصبحت واضحة أمام الشعب الفلسطيني بأن عباس لا يتمتع بالشرعية الكافية لتمثليهم، وقد خرجوا للمطالبة برحيله" عقب تصفية بنات في 2021.

وأكد إعلان الفصائل أعلاه على أن حماس تنظيم فلسطيني وطني مقاوم مطالباً بضرورة محاسبة مجدلاني على تصريحاته التي جيرت لصالح الاحتلال، وجاءت خارج سياق النقد والشفافية؛ لتبرر لجرائم جيش الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، والتي تم تصنيفها كجرائم إبادة في سياق الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد "إسرائيل" والمنعقدة في محكمة الجنايات الدولية بلاهاي.

على الأقل حتى تكون محاسبة الوزير مجدلاني عبرةً لغيره من تجار المواقف المجيرة لسردية الاحتلال التي تُسْحَقُ اليوم في لاهاي تحت مطارق القضاة.

من هنا يجيء الربط بين تصريحات الوزير في سلطة اوسلو، مجدلاني، الشاذة، مع تقرير غولدستون حينما يذكرنا بأمثاله من قادة السلطة الذين افشوا مقاضاة "إسرائيل" في الأمم المتحدة عام 2009 حيث قرر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تأجيل التصويت على تقرير القاضي ريتشارد غولدستون، الخاص بتجريم جيش الاحتلال الإسرائيلي في حربه المجنونة على قطاع غزة عام 2008 .

التقرير جاء منصفاً للفلسطينيين وقد أوشك أن يحقق غاياته لولا قرار سحبه المشبوه من قبل سلطة أوسلو في إجراءٍ أثار عاصفة من الأسئلة حول المغزى والأسباب، على صعيدي منظمات حقوق الإنسان التي أدانت القرار، والشعب الفلسطيني الذي أصيب بالخيبة والذهول.

جاء التقرير في أكثر من 600 صفحة، بناءً على شكوى تقدم بها وفدُ السلطة الفلسطينية الذي كان يترأسه آنذاك، مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة إبراهيم الخريشا.

أما لماذا أقدمت السلطة على هذه الخطوة المشبوهة؟ فقد كشفت صحيفتا نيويورك تايمز الأميركية وهآرتس الإسرائيلية أن رئيس السلطة الفلسطينية تعرض لضغوط أميركية للتراجع عن دعم القرار عبر اتصال من وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي دعته إلى رفض ما جاء في التقرير بدعوى أنه سيعمق الفجوة مع "إسرائيل". وحسب الصحيفتين نفسيهما فإن سلام فياض نصح الرئيس عباس بالتراجع عن التقرير خشية عقوبات اقتصادية إسرائيلية وأميركية على السلطة الفلسطينية إذا رفع التقرير إلى القضاء الدولي. وحسب هآرتس فإن "إسرائيل" اشترطت على السلطة الفلسطينية تراجعها عن دعم التقرير الذي يدينها بارتكاب جرائم حرب مقابل السماح لشركة اتصالات فلسطينية بالعمل خلافاً لرفضها السابق. المقصود هنا الشركة الوطنية للاتصالات، حيث ذكرت القناة الرسمية الإسرائيلية آنذاك بأن طارق نجل رئيس السلطة محمود عباس كان من أكبر المستثمرين فيها. فيما اتهمه دحلان بالفساد عبر الفضائيات؛ لكن عباس من جهته أنكر صلته ب"الوطنية"كيلا يتهم بأنها رشوة قدمتها له "إسرائيل"ثمناً لتنازله عن تقرير غولدستون على حساب الدم الفلسطيني الذي ذهب أدراج الرياح.

وعودة إلى تصريحات مجدلاني التي إعادتنا إلى قصة إفشال تقرير غولدستون ، فقد يكون إطلاقها في هذه الأوقات العصيبة يأتي كبالونات اختبار تمهيداً لحرب إعلامية مقبلة ضد المقاومة توطئة لدخول سلطة أوسلو إلى القطاع على ظهور دبابات الميركافا الإسرائيلية بعد أن دمرت قذائف الياسين معظمها؛ ولكن خسئوا فحساب هذه "الشرذمة" -كما يصفها المناوئون- قادم على يد المقاومة كما يفهم من ردها على كلام الوزير مجدلاني المجير للاحتلال، وجرائمه ضد الشعب الفلسطيني الذي لا يؤمن بعد التجربة إلا بخيار المقاومة.

***

بقلم بكر السباتين

19 يناير 2024

المجتمعات تكون وتتحقق بقادتها، وعندما يغيب القائد يتيه المجتمع ويضيع الوطن، ويدخل الشعب في دوامة عشوائية ذات خسرانية عالية.

أمتنا أوجدها قائد لا يزال مؤثرا فيها، وصداه خالد ومتألق في مسيرة الأجيال؟

والعديد من دولنا المعاصرة بلا قائد، مما تسبب بتداعيات ضارة بحاضرها ومستقبلها، ويستثنى من دول الأمة بعضها التي حظيت بقيادات تجسد معاني القيادة الوطنية الصالحة، أما باقي الدول فنسبة قدرات قادتها على التعبير عن معاني القيادة القوية ما بين الغياب التام والتجسيد النسبي لمعانيها.

وبسبب الفراغ القيادي في دول الأمة، فأنها تعاني من العثرات والمعوقات، التي تدفع بها إلى الوراء، وتجعلها في ديمومة تناحرية مع بعضها.

والواضح أن القيادات العقيمة أو المعوقة تتسبب بإنهيارات تفاعلية بين أبناء المجتمع، تصبح متكررة ومؤثرة في مسيرة الأجيال المتعاقبة فمنها ما أن قضت على أنظمتها الملكية، حتى دخلت في صراعات دموية متنامية، وأوجدت أنظمة حكم متماحقة، جعلت دولها تراوح في ذات المكان في أحسن الأحوال، وفي أسوئها تتراجع مئات الخطوات إلى الوراء ، وما تمكنت من بناء آليات قيادية ذات إرادة وطنية وتطلعات إنسانية.

إن الفرق هائل بين القائد الوطني والقائد المتوهم بالقيادة الذي لديه أتباع عاطفيون ومضللون، وفيهم النوازع السلبية التي يجدون فيه ما يسوّغها ويشجعها.

القائد القدير يجمع ولا يفرق، ويبني ولا يهدم، ويستثمر الطاقات الشعبية والوطنية، لتأمين الإرادة والحرية والكرامة الإنسانية لمواطنيه.

القائد القدير يبني أمة ويصنع تأريخا، لا أن يكون أنانيا، نهابا سلابا متمتعا بمردودات الفساد والإفساد ويرفع رايات ما لا يعمل به.

فهل فازت دول الأمة بقادتها؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

كان الحل لمشكلة اليهود وفقا لجابوتنسكي الصهيوني التصحيحي، إحداث تغيير جوهري شامل في ظروف حياة اليهود. وهذا التغيير يتمثل بإيجاد بقعة أرض خاصة وتجميع الأقليات اليهودية المنتشرة في الشتات. أي أن الحل هو حل إقليمي. بعد ذلك انتزاع اعتراف من المجتمع الدولي وخاصة من دول عظمى بهذه البقعة. وكان من المفترض أن يتوفر في هذه البقعة شرط لن يتوفر في أي بقعة أخرى، وهو " قوة جذب لليهود". وقوة الجذب هذه لم تتوافر في أي بقعة عدا فلسطين. فكانت الخيار من حيث "الرابطة الدينية". ولأن جابوتنسكي لم ينشأ في أسرة يهودية ذات تقاليد يهودية دينية لذلك لم تكن تربطه بفلسطين أي رابطة دينية، إلا أنه اختارها لأنه أراد استغلال قوة الجذب تلك"الدينية", والتي بدونها لن يتحقق تجميع اليهود في بقعة واحدة تكون وطنا لهم. وكان اختيار فلسطين أيضا بسبب وجود قاعدة ديمغرافية جيدة لليهود في فلسطين لا تتوافر في أي بقعة أخرى من بقية الخيارات. ونجد ذلك في قول جابوتنسكي" في ارض إسرائيل لدينا ثلاثون مستوطنة وبنك له فروع وأراض بملكية خاصة" ويتابع " من السهل بفضل وجود هذه الأرضية الحصول على موافقة الجهات الدولية على إعطاء عهدة على فلسطين أكثر من أية بقعة أرض أخرى".

ومن هنا فإن مشكلة اليهود كانت قد شكلت مركز وجوهر بالنسبة لرؤية جابوتنسكي الأيديولوجية، فإنقاذ اليهود من الشتات والاضطهاد كان هو الأساس وحتى لو كان على حساب الشعب الأصيل (الفلسطيني) الذي سيكون مصيره القتل أو النفي وفي أحسن الأحوال سيتحول إلى أقلية على أرضه. وهنا نجده يقول " نحن نصر على وجهة النظر القائلة: نعطي من لا يملك شيئاً، ونأخذ ممن يمتلك أكثر من اللازم" فجابوتنسكي يرى أن مطلب اليهود بالسيادة على أرض فلسطين، عادل أكثر من مطلب العرب وحقهم بأرضهم. وهو بذلك يقر بوجود قومية فلسطينية لذلك فقد رأى بأن الصراع لا يمكن حله من خلال التسويات السياسية لأن الفلسطينيين لن يقبلوا بذلك. لذلك سيتم حسم هذا الصراع "بالقوة". هذا الصراع الذي كان جابوتنسكي انتقائيا في اختيار مصطلحاته من أجل كسب تأييد الرأي العالمي، لم يصفه بالصراع الفلسطيني الصهيوني بل نعته بالصراع العربي والشعب اليهودي "المسكين" الذي يبحث له عن بقعة تقيه الموت. قال العربي ولم يقل الفلسطيني حتى يشعر العالم أن هؤلاء اليهود سيكون صراعهم مع كل الشعوب العربية. وبنفس الوقت نجد جابوتنسكي وقد تمسك بفكرة وحدة فلسطين التاريخية الشرقية والغربية بالرغم من سايكس بيكو التي قسمت فلسطين إلى دولتين شرق النهر وغربه. وقد ظل طيلة سنوات عمره متمسكا بوطن مزعوم اسمه " أرض إسرائيل" وهو يرى أنه بهذا يقيم وطنا لليهود يساعد من خلاله على توسيع حدود أوروبا التي يفتخر بأنه ينتمي إلى ثقافتها ويتقزز من ثقافة الشرق الذي طالما نعته بالشرق المتخلف وأن احتلال اليهود له سينعشه ثقافيا ويخرجه من غياهب التخلف. ومن هنا فهو لا يرى أن ما حصل من احتلال لأرض فلسطين التي لا يمتلك اليهود فيها شبرا ظلما بل تحررا لأن مطالب الحركة الصهيونية التي تسعى للتغيير هي الإعمار والتطوير. فتفوق ثقافة غربية على ثقافة شرقية يحتم للأولى الحياة وللثانية الاندثار والموت.

وقد مر في التاريخ القصير لهذه الدويلة اليهودية شخصيات سياسية وثقافة يهودية اعتبرت نفسها وريثة مخلصة لأفكار جابوتنسكي الأيديولوجية وتوجهاته السياسية من أمثال مناحيم بيغن وإسحاق شامير وأرئيل شارون وصولا إلى بنيامين نتنياهو. ومن المعروف أن حزب الليكود الذي ينتمي له نتنياهو يحمل أفكار جابوتنسكي السياسية ويعمل على تحقيقها. والدليل على ذلك ما حصل قبل عملية طوفان الأقصى بأيام حينما عرض نتنياهو خريطة لدولة الاحتلال في الجمعية العامة للأمم المتحدة في خطابه.  

وهو لم يفعل ذلك إلا أنه ورث خريطة الأب الروحي جابوتنسكي التي تدعو إلى توسيع هذه الدولة.

وقد صرح بنيامين نتنياهو في ١٩/ يناير/. ٢٠٢٤ في تصعيد جديد لمواقفه تجاه غزة بأنه" لن يسمح بقيام دولة فلسطينية ما دام في منصبه" وهذه عقيدة جابوتنسكي.وهو بذلك يعيد فكر الثاني التوسعي الاستيطاني.

كما أن حكومة نتنياهو تبنت نفس النظرة التي حملها جابوتنسكي للشرقيين من حيث أنهم متخلفين وحيوانات فنجد وزير الدفاع اليهودي غالانت الذي قال في بداية الحرب على غزة" نحن نحارب حيوانات بشرية وسنتصرف وفقا لذلك".

فالتاريخ يعيد نفسه بأحداثه وأشخاصه بفارق الأسماء والسنوات.

لكن تبقى غزة هي الشوكة في حلوقهم، ودماء شهدائها ستظل اللعنة التي تلاحق كل من كان وراء فورانها الذي لن يتوقف إلا بعد أن يغرق الدولة الظالمة ويقذف بها مجددا نحو التيه ودروب الضياع. وقتها ستقذف أوروبا التي تبجح بها جابوتنسكي وورثته بالانتماء إليها الأحذية المهترئة في وجوههم وتحشرهم في غيتوات وكأنهم حيوانات مريضة، وقد تصب الوقود عليهم في عمليات تحت اسم الوقود المصبوب.

***

بديعة النعيمي

 

هزل خالص

إن الحقيقة التي لا تحتاج إلى حدس أو ظن، أو اعمال خيال، أن الكثير من الاختراعات الخطيرة، التي وضعت الانسانية في ركب التطور، جاءت من رجال "جرد"، لم يخضعوا قط لسطوة" الشعر"، أو يطمعوا في نمائه، فأشد ما يمقتوه، ويزدروه، هو كثافة "الشعر" وغزاراته، فالصلعة مستقرة عندهم، ممعنة في الاستقرار، وهي باستقراها ذلك، انحرفت عن عوامل التحول والتطور أشد الانحراف، فالشعر الذي كان يقبع في فروتها، يصور أجيالا مختلفة من العصور والبيئات، بعض هذه العصور تحث خطاها نحو التطور وتوغل فيه، والبعض الآخر مؤثرا للثبات، وحريص عليه، والسودان مثل" شعور رأسنا"، شديد الاتصال بمعاني الثبات والاستقرار، لذا لم يشهد طوال قرنه المنصرم، أي تحولا أو انتقال، ولعل الأحداث وتتابع الخطوب، هي التي جعلته يأنف من مواكبة الحضارة المادية الحديثة، واستعارة النظم والقيم الجمالية، التي ينظر الناس إليها في الخارج، نظرة حب ورضا واكبار، فشبابه من غير شك، إذا سعوا لتتبع هذه القيم والموضات المتعابقة التي لا حصر لها، والتي تزداد انتشارا وتغلغلا، في طبقات الفئات العمرية الأقل سنا داخل قطرنا المهترئ وخارجه، أضحوا عرضة لأصحاب الاصلاح الاجتماعي،  أو عبث بهم ألسنة قاسية في عبثها، وفي الحق هذه الفئات، ترى أن الحياة القديمة التي عاشها أبائهم، قد انقضت أيامها، لأجل ذلك هم يتبرمون منها، ويثورون بها، ويخرجون عليها، وجيلنا يشهد أطوار هذا الانتقال، ويقبله على كره، ويغض منه على استحياء، فمن أهم مزايا شباب اليوم، أنهم مأخوذين بحميا حياتهم الجديدة، بعد أن تداعت مثلنا العليا في حناياهم، فهم لا يعترفون بها، ولا يحرصون عليها، بل يضيقون بها أشد الضيق وأعنفه، ولعل كل فرد منا، يذكر تلك الخصومات العنيفة، التي وقعت بينه وبين ابنه، أو بينه وبين ابن أخته، في "قصة شعر" عمد إليها هذا  الغر تأسيا بأخدانه، وهو يجهل أن هذه "الحلاقة" من شأنها أن تعيبه، وتجعل الناس على سعتهم وضحالتهم، وعلى تنوعهم واختلافهم، يتحدثون عنه في ايجاز واطناب، ويحوطون "قصة شعره" تلك بالرعاية والعناية، ووالده الذي لا يستطيع أن يدفع العاديات عن ولده، تطاله جلسات الغيبة التي ترتفع عنها كل رقابة، وتسقط دونها كل خشية، سيعرض الابن والده فعلا لمحنة قاسية، وسيجد الوالد نفسه بين اثنتين، أن يدع فتاه الذي يخطر في مطارف الشباب، يفعل بشعره ما يشاء، يقصة ويرجله، بالصورة التي تروق له، ويتحمل هو الأذى في سبيل هذه الحرية التي منحها لولده، أو يكبح هذه النظم والظواهر على انتشارها وشيوعها، ويؤثر ابتعادها عن "خاصته" غير حافل برضاهم أو سخطهم.

أنا أرى من الأفضل أن يلائم بين هذا كله، ويستخلص من وأد شعر ابنه هذا الرحيق الذي تقدمه أشعة الشمس الحارقة للعقول،  فهي تجلو الأفهام، وتدفع الأسقام، كما أن"الصلعة" لا تحوجك إلى هذا الجدال والمراء  العقيم، حتى تقنع ابنك بنجاعة الاحتفاظ بأصولك القديمة، وستدروء عنك  دون أدنى شك مرارة الاخفاق، أو اتخاذ العلل والأسباب لنبذ كل ما هو طارف، ولدك حتما، سيبذل من الجهود الهائلة المضنية، لقطع الصلة بينه وبين أصولك التقليدية، وسيتهافت على الجديد الذي لا تستسيغه أنت وتبرأ منه.

الحل يكمن في اقناع ولدك بمزايا وسحر "الصلعة" التي لم يسمع عنها قليلا أو كثيرا، وقد يبلغ الغلو بالغر أقصاه، فينكر هذه المزايا، ويجحد هذا السحر، ما عليك إلا أن تتحلى بالصبر حينها، وأن تخبره بلغة حانية، وأسلوب لين، أنه ما من عالم ثبت، أو أديب يتخير اللفظ الجزل، أو كاتب محافظا يغالي في المحافظة، إلا وكان "أجهى" وصليعا فاحش الصلع، كما أن أكثر أقطار الأرض المتحضرة، لا تغالي شعوبها في العناية بشعر رؤوسهم، فقد زاروها من هم في سني، ودرسوا في جامعاتها، ونقلوا إلينا الكثير من أنبائها، فالدول الأوربية والغربية، تحتفي حقا بالرجل "الأقرع" وتباهي به لداته وأنداده، لأنه بفكره الثاقب المتقد، فتح الأبواب على مصاريعها، حتى تتقدم البشرية وتتطور، هنا في السودان، ودعنا نواجه الحقائق كما هي، أصحاب الشعور الكثيفة المرسلة، في ثورتهم الظافرة قبل عدة أعوام، ماذا جلبوا لنا غير هذا التغيير المهلك، والعناء الذي لا يضاهيه عناء، لقد طالت هذه الحرب وثقلت وطئتها، وحتى نخمد ثائرتها، ونستعد لنأخذ بأسباب الحضارة من كل وجه، علينا أن نكبر "الصلعة" و"المصلعين" وأن يسعد المرء في هذه الديار بمقدار اتساع "جلحته"، ولعمري إذا تحقق لطائفة أهل "الفروة الجرداء" ما يشرئبون إليه، إذا تحقق فعلا "للملط"هذا التغيير الذي ينفعنا وينفع الناس، لن يفسد اليأس علينا أمرنا، في اتخاذ كاعب حسناء، زوجة وخليلة، نجدد بها شباب قد أزف على الرحيل، ونحتفل بمظاهر هذه الثورة الظافرة التي أهديت إلينا.

***

د. الطيب النقر

 

برز الذكاء الاصطناعي كقوة أساسية للتغيير والتحول في أنماط الإنتاج والاستهلاك ، وأعاد تشكيل هياكل الصناعات وبنيات الاقتصادات وأنشطة المجتمعات في جميع أنحاء العالم.

وبينما تمضي جل الدول المتقدمة جاهدة لتسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي، فقد أصبح إنشاء مؤسسة مغربية متخصصة في المجال أمرًا بالغ الأهمية وخيارا استراتيجيا لا محيد عنه .

إن المغرب، بتاريخه الغني وثقافته المتنوعة، يوجد في وضع متقدم يسمح له باحتضان ثورة تكنولوجية طليعية في مجال الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، للاستفادة الناجعة من إمكاناته ، من الضروري تأسيس أكاديمية متخصصة في هذا المجال. وفي الوقت الحالي، يفتقر المغرب إلى مؤسسة مركزية لأبحاث الذكاء الاصطناعي والابتكار. إن غياب مثل هذه المؤسسة يضع بلادنا في وضع غير مناسب ولائق مع صيتها في المشهد العالمي للذكاء الاصطناعي.

إن من شأن إنشاء الأكاديمية المغربية للذكاء الاصطناعي أن يشكل منعطفا محوريا للبحث والتطوير. ومن خلال تعزيز التعاون بين الأوساط العلمية والصناعية والحكومية، يمكن لهذه الأكاديمية النهوض بالابتكارات والمساهمة في خلق حلول محلية مصممة خصيصًا لتلبية احتياجات بلادنا في هذا الميدان.

أحد التحديات الرئيسية في النهوض بالذكاء الاصطناعي هو الخصاص الواضح في المهندسين المتميزين. ومن المرتقب أن تلعب هذه الأكاديمية دورًا محوريًا في معالجة هذه الفجوة من خلال تقديم برامج تعليمية وتدريبية متخصصة . ولن يؤدي هذا إلى تكوين مجموعة من خبراء ومهندسي الذكاء الاصطناعي المهرة فحسب، بل سيؤدي أيضًا إلى تنمية ثقافة التعلم المستمر والقدرة على التكيف في القوى العاملة.

يمكن للأكاديمية المغربية للذكاء الاصطناعي أن تعمل كمحرك قوي للنمو الاقتصادي من خلال تحفيز الابتكار وريادة الأعمال. وعندما سيغامر الخريجون والباحثون من الأكاديمية بدخول حقول التصنيع والإنتاج ، يمكنهم تأسيس مقاولاتهم الناشئة، ودفع التقدم التكنولوجي، وجذب الاستثمارات الأجنبية، مما سيساهم في نهاية المطاف في الرخاء الاقتصادي وبالتالي المجتمعي.

طبعا هناك تحديات يجب معالجتها إذ يتطلب الحفاظ على إحداث أكاديمية للذكاء الاصطناعي استثمارات مالية ضخمة حيث يعد تأمين التمويل الكافي من الحكومة والقطاع الخاص والشراكات الدولية أمرًا بالغ الأهمية لنجاح رهاناتها.

من جانب آخر ومع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبحت الاعتبارات الأخلاقية أيضا ذات أهمية قصوى. يجب أن تلعب هذه الأكاديمية دورًا هاما في تطوير المبادئ التوجيهية الأخلاقية والأطارات التنظيمية للحماية من سوء الاستخدام والاحتياط من الأضرار المحتملة.

ولمواكبة وتيرة سرعة تطور الذكاء الاصطناعي، يجب على الأكاديمية أن تشارك بنشاط في عمليات التعاون الدولي . يمكن للشراكات مع مؤسسات الذكاء الاصطناعي الشهيرة في العالم والمشاركة في المؤتمرات الدولية والمشاريع البحثية الثنائية والمتعددة الأطراف أن تعزز المكانة العالمية للأكاديمية المغربية وتساهم في التبادل المعرفي والتقني.

إن إنشاء الأكاديمية المغربية للذكاء الاصطناعي سوف يجعل المغرب رائدا إقليميا في مجال البحث والابتكار في هذا المجال. وهذا لن يعزز مكانتنا فحسب، بل سيجذب أيضًا الخبراء والاستثمارات من الدول المتقدمة، مما يعزز التعاون والتنمية على الصعيد المغاربي والإفريقي.

كما ستكون هناك آثار إيجابية على الأمن القومي الوطني، بدءًا من الأمن السيبراني إلى تطبيقات الدفاع عن حوزة الوطن . وتضمن أكاديمية متخصصة في الذكاء الاصطناعي أن يكون المغرب مجهزا لمواجهة تحديات الإرهاب وأعداء الوحدة الترابية والمافيات الدولية للمخدرات والاتجار بالبشر، وحماية المصالح الوطنية في العصر الرقمي.

بقينا أنه سوف تعمل الأكاديمية المغربية للذكاء الاصطناعي التي سنعرفها اختصارا ب MAAI كقوة محورية توجه بلادنا نحو مستقبل يصبح فيه الذكاء الاصطناعي أداة قوية لتحسين مستوى عيش المجتمع المغربي. وبينما تتسابق البلدان في جميع أنحاء العالم لتسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي، فإن الموقف الاستباقي للمغرب في إنشاء أكاديمية متخصصة في هذا المجال الحساس والاستراتيجي يظهر التزامه بالبقاء في المقدمة في السباق التكنولوجي الإقليمي والعالمي.

إن مستقبل النمو الاقتصادي اليوم يرتكز أساسا على حتمية الاستثمار في تطوير الذكاء الاصطناعي. وبالتالي ستعمل الأكاديمية على تأهيل مجموعة من المهنيين والمهندسين المهرة المجهزين لقيادة الصناعات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وجذب الاستثمارات الدولية وتعزيز الابتكارات المحلية. يمكن للمغرب أن يضع نفسه كمركز للبحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يعزز نظامًا بيئيًا نابضًا بالحياة يتجاوز الحدود ويدفع الأمة إلى طليعة الريادة التكنولوجية.

***

عبده حقي

لا يخفى على العراقيين ما كان يمارسه النظام البائد من ممارسات غير قانونية خارج العرف الإجتماعي حيث تصنف في طبيعتها وسلوكها من العنف السياسي على مدى سنوات حكمه الشمولي لجميع أطياف الشعب حيث كان عادلاً ومنصفاً في توزيع الظلم بالتساوي على كل من يعارض سياستهم الرعناء مما خلّف الآلاف من الأرامل والأيتام نتيجة لتحقيق أهداف سياسية بإستخدامه القوة المفرطة لإلحاق الأذى والضرر بالآخرين، فلابد من التمييز بين العنف السياسي الذي يتمثل في الاستخدام الفعلي للقوة المادية من قبل الأنظمة السياسية ضد الأفراد أو من قبل الأفراد ضد النظام السياسي .

وبعد تحرير العراق من براثن الدكتاتورية المقيتة ظهرت بعض السلوكيات المذمومة وقد تكون حالات فردية لا تشكل خطراً على السلم المجتمعي لكن الخطورة الإجتماعية والأخلاقية التي تهدد إستقرار المجتمع هي أن تتحول هذه السلوكيات الى ظاهرة اجتماعية يمارسها عدد كبير من الأفراد، حيث بدأ مفهوم العنف يأخذ مساراً خطيراً ولا يحمد عقباه في المجتمع من خلال تنامي ظاهرة التسليح بين العشائر وضعف سيطرة الجهات الأمنية من أخذ دورها في تحقيق الأمن والأمان وإنعدام مفهوم المحاسبة وتطبيق القانون نتيجة للفساد المستشري في جميع مؤسسات الدولة العراقية وعليه يتم تطبيق المثل القائل (من أمن العقاب أساء الأدب) حيث بدأت ظاهرة إستخدام العنف السياسي تتزايد على مستوى الشارع كوسيلة لتصفية الخصوم من قبل جهات متنفذة في حالة عدم التوافق على الرؤى السياسية التي تنتهجها تلك الجهة أو تهدد مصالحها السياسية المرتبطة بأجندات سياسية، وقد تلجأ القوى السياسية المعارضة أحياناً الى العنف السياسي لتحقيق غاياتها للوصول الى السلطة .

وما يشهده العراق في الآونة الأخيرة من تصعيد سياسي وتقاطع واختلاف في الرؤية السياسية النابعة من المصلحة الشخصية بعيداً عن المصلحة العامة وفرض سياسة الأمر الواقع بانتهاج مفهوم لي الأذرع وإرغام المعارضين على القبول والرضوخ بالرأي دون قناعة قد ترتقي في تعاملها إلى نظير مبدأ الدكتاتورية المبطنة بالديمقراطية المفرطة وتؤدي في نتائجها إلى عواقب وخيمة وتدفع بالعملية السياسية إلى منزلق خطير لتشكيل إمبراطورية الأحزاب المتنفذة المسنودة بميليشيات مسلحة وبدعم دولي خارجي لتحقيق الأهداف التي من أجلها دفعتهم للتدخل المباشر في الأمور الداخلية للدولة والتحكم بمقدرات الشعب دون اعتبار للسيادة الوطنية التي أصبحت حبراً على ورق في البروتوكولات الرسمية والدبلوماسية فقط .

فلابد من الالتزام بالبرنامج السياسي الذي طرحته الحكومة والذي يخدم قطاعات واسعة من الشعب والالتزام بمبدأ الشراكة السياسية الحقيقية والتوافق في القرار السياسي والتوازن في مؤسسات الدولة بين جميع الكتل والأحزاب المشاركة في العملية السياسية خدمة للعراق.

***

حسن شنكالي

- تناقلت وسائل الاعلام المحلية والعالمية، مؤخرا خبر تعرض أحد المقار الأمنية في بغداد إلى استهداف بطائرة مسيرة وأدى إلى وقوع العديد من الضحايا، وقد حمّل الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية قوات التحالف الدولي مسؤولية هذا الهجوم، فيما أعلن لاحقا ناطق باسم الإدارة الأمريكية مسؤوليتها عن هذه العملية.

- وحصل في 3 كانون الثاني 2020 ان تم اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، الذي يعتبر العقل المدبر لأنشطة إيران في الشرق الأوسط، ومعه نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس بواسطة ضربة جوية أمريكية قرب مطار بغداد الدولي، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في حينها مسؤوليتها عنها وقالت إن العملية تمت بـ (توجيهات) مباشرة من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب نفسه.

- تواصل الجارة تركيا بين الحين والأخر مسلسل قصف قرى ومواقع في كردستان العراق، بشن غارات جوية أو بالقصف بالمدفعية، تحت حجج انها مواقع يستخدمها مقاتلو حزب العمال الكردستاني. 

- تابعت شخصيا مؤخرا لقاءا تلفزيونيا أجرته منصة المشهد أجراه الإعلامي اللبناني طوني خليفة مع السيد محمد دحلان، السياسي ورجل الأمن الفلسطيني المثير للجدل، وأحد مساعدي الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. اجري اللقاء في اليوم التالي لاغتيال صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في جنوب لبنان وهو شخصية رئيسية في كتائب عز الدين القسام، الجناح المسلح لحماس، لم تعلن إسرائيل رسمياً مسؤوليتها عن الهجوم، لكن متحدثاً باسم حزب الله، قال لصحيفة واشنطن بوست إن الهجوم نُفذ باستخدام طائرة بدون طيار وثلاثة صواريخ، ملقياً اللوم على إسرائيل. هكذا عرجت أسئلة مقدم البرنامج، على موضوع قوائم الاغتيالات ومن يعدها ومسؤول عنها. لفت انتباهي ان مقدم البرنامج قدم لاحد اسئلته مشيرا الى (...، ... نعرف اليوم ان هناك ثلاث ساحات هي بيئة سهلة لإسرائيل لتنفيذ عمليات الاغتيال وهي العراق، سوريا ولبنان، ...) 

- ينظر الكثير من المفكرين الى كون سيادة الدولة هو مرادف للاستقلال، ولذلك فالسيادة هي حق قانوني لاي دولة مستقلة، لا يمكن انتهاكها وفقا لمواد ميثاق هيئة الأمم المتحدة، كما ورد في المادة الثانية من الفصل الأول (تقوم الهيئة ـ الأمم المتحدة ـ على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها).

- يعرف كثير من رجال السياسة والمفكرين، بان حالة الهيمنة الدولية والنفوذ المتزايد لبعض الدول واستخدام لغة القوة وانتهاك مفهوم السيادة الوطنية للدول الاخرى، والخروج على ميثاق الأمم المتحدة والنظام الدولي القائم على الأمن والسلم الدوليين يعتبر (بلطجة سياسية دولية).

- ان تعتبر دولة ما ساحة سهلة لتنفيذ الاغتيالات على أراضيها، من قبل أطراف دولية أخرى، وفقا لأعمال بلطجة سياسية دولية، دون اعتذار واتفاقات أمنية معلنة، فأن هذا مدعاة لإعادة النظر في مفهوم استقلال وسيادة هذه الدولة أساسا!

- إن السيادة هي أحد المفاهيم الأساسية في علم السياسة، ويعني باختصار وجود في كل دولة مستقلة سلطة نهائية، تعتبر هي العليا في كل الشؤون الداخلية والشؤون الخارجية.

- في تعريفات حديثة تتمثل السيادة الوطنية في قدرة نظام أي دولة في توفير ديمقراطية حقيقية يقوم على مفهوم السيادة الشعبية، حيث يلعب الشعب دورا فعالا في تشكيل سياسة الدولة عبر مزيج من الهيئات التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة، حيث يكون قادرا على اتخاذ القرارات التي توفر حياة كريمة للشعب الذي لديه القدرة على توفير الآمن والغذاء والدواء والأسلحة والقدرات للدفاع عن نفسه.

-  إن نظام المحاصصة الطائفية والاثنية في أي دولة، ما هو إلا انتهاك فظ للسيادة الوطنية!

***

يوسف أبو الفوز

 

حديث الساعة.. حديث اليوم.. حديث الأسبوع وغيرها الكثير، عبارات عادة مايطلقها الناس على المواضيع التي تشغل بالهم، وتكون ذا تأثير مباشر على خصوصيات حياتهم ومفردات يومياتهم. وغالبا ما تأخذ هذه الأحاديث من الوقت هنيهة لتصبح بعدها في خبر كان، او كما نقول (تصير سوالف).

وقد مرت علينا نحن العراقيين كثير من هذه المواضيع خلال الحقب التي مر بها البلد، وهي لاتتعدى كونها حقبة سوداء وأخرى بني قاتم، وثالثة قد يكون لونها على أعلى درجات التفاؤل رماديا داكنا، إذ لاوجود لحقبة بيضاء في تاريخنا الحديث والمعاصر. ولو أردنا سرد المواضيع التي تهم المواطن لاحتجنا الى حديث الدقيقة والثانية واللحظة، لكثرة مواضيعنا وتشعبها وتعقيداتها وشمولها جميع مفاصل يومنا.

فمن حديث الفساد بصنفيه اللذين بدورهما يصنفان الى أنواع كثيرة تنخر الجسد العراقي أيما نخر، الى الحديث عن تدني الخدمات الإدارية والبنى التحتية، الى مشكلة السكن والبطالة الأزليتين، الى عار البطاقة التموينية التي فاق الزيف والتلاعب والسرقات والتحايل بمفرداتها حد العقل والتصور، الى الوضع الأمني الذي عشناه سنوات وهو لم يُبقِ بيتا او عائلة إلا وطالها شره وشرره. أما الطامة الكبرى التي لا يصفها حديث ولا تحتويها نقاشات، فهي غض النظر عن كل هذه الإحباطات والانهيارات من قبل المسؤولين عن حلها وفك عقدها، وركونهم الى موقف المتفرج والخانع، وبدل ان يضعوا أيديهم على نقاط الخلل ومكامن الضعف، وضعوا أياديهم (على خد الترف) ونأوا تمام النأي عن السعي الجاد، لإيجاد الحلول الجذرية والنهائية والناجعة لهذه المشاكل. وما يزيد الطين بلة، تركهم البلاد بلا عصب الحياة وجوهر ديمومة عملها، تلك هي الموازنة، فقد باتت الأخيرة أسطوانة مشروخة يتخذها المسؤولون عن إقرارها ذريعة وأحجية، بل ألعوبة يمررون تحتها مشاريع فسادهم اللامنتهية. والعجب العجاب أن الفساد والزيف والسرقات، هي ذاتها تُطبّق على واردات البلاد من مبالغ التعويضات التي من المقرر ان تصرف الى المنكوبين والمتضررين لاسباب شتى.

يذكرني تكرار الاختلاسات وانتشارها في مفاصل الدولة جميعها، بوزير المالية (ساسون حسقيل) إبان حكومة عبد المحسن السعدون في العهد الملكي، إذ جرى حديث بينه وبين وزير الداخلية ناجي السويدي، والحوار كان على مبلغ (45) دينار ضمن التخمين الاجمالي الذي قدمه ناجي السويدي الى وزير المالية لترميم بناية (القشلة).

قال السويدي: "ياسيد حسقيل لماذا اقتطعت (45) دينارا من الـ (300) دينار المخصصة لترميم بناية القشلة وفق تخمينات المهندس المسؤول؟

أجابه حسقيل: "يا سيد ناجي افندي ناقشت هذه المسألة مع المهندس في موقع العمل، ودار بيني وبينه حديث طويل وتوصلنا الى نتيجة مفادها بأن (255) دينارا تفي بالغرض".

فقال السويدي: "خلف الله عليك ساسون افندي أليس بالإمكان إعادة مبلغ التخمين الى (300) دينار، فالقشلة من المعالم التاريخية لبغداد.

فرد عليه ساسون: "يا سيدنا ناجي افندي ان الحفاظ على المعالم التاريخية في بغداد يجب ان يكون متوازيا مع الحفاظ على المال العام وبعيدا عن الإهدار. لأن الإهدار يجعل من المال (سائبا) والمال السائب يعلم السرقة".

ولا أظنني أضيف حرفا على ماقاله حسقيل سوى قولي: إن ساسون حسقيل يهودي ياساسة العراق المسلمين الصايمين المصلين المزكّين المخمسين الحاجين الطابخين النافخين.

***

علي علي

 

شهد المجتمع اليهودي في دولة الاحتلال منذ بداية 2023 صراعات واستقطابات سياسية واجتماعية حادة على إثر شروع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في الانقلاب القضائي الذي هدف إلى إضعاف السلطة القضائية وإخضاعها للسلطة التنفيذية وما إلى ذلك ،حيث أدى الصراع بين حكومة نتنياهو وحركة الاحتجاج إلى تراجع شعبيته وائتلافه الحكومي.

واليوم في حربها على غزة تتعرض حكومة نتنياهو إلى عدد من التحديات بسبب انعدام ثقة الشارع اليهودي بها،ومن هذه التحديات انهيار قاعدة الأمن التي تعتمد عليها دولة الاحتلال في بقائها. وفشلها في حسم المعركة السريع الذي تعتمده الدولة في حروبها. وتكبدها الخسائر على جميع المستويات سواء على المستوى العسكري أو الاقتصادي،ثم فشل هذه الحكومة في تحقيق أهدافها في غزة من توعد لاجتثاث حركة حماس والقضاء عليها من خلال إغراق أنفاقها. والأهم فشلها وعدم قدرتها على استعادة الأسرى ،بل تعدى الأمر إلى قتل عدد منهم بنيران جيشهم.

وقد شهد حزب الليكود استقالة بعض أعضاءه منذ بداية الحرب من أمثال رئيس المجلس الإقليمي الذي قدم استقالته على الهواء مباشرة من حزب الليكود الحاكم قائلا أن السبب في ذلك هو فشل بنيامين نتنياهو في مساعدة سكان غلاف غزة وحمايتهم من صواريخ حركة حماس.

كما وجه عدد من المحللين وكبار الضباط العسكريين والمتقاعدين نقدا له على شاشات التلفاز بل ومطالبته بالاستقالة فورا وقبل انتهاء الحرب ،ما أدى إلى انهيار القاعدة المؤيدة له ولحزب الليكود وانخفاض المقاعد التي سيحصل عليها في الانتخابات المقبلة.

فهل من الممكن أن تؤدي هذه الإشكاليات جميعها إلى تكرار ما حدث في تشرين الثاني من العام 1995 عندما تم اغتيال رئيس الحكومة من حزب العمل "إسحاق رابين" على يد أحد المتطرفين اليهود على خلفية مفاوضات السلام التي بدأها رابين مع منظمة التحرير الفلسطينية؟ هل سيخرج أحدهم بدعم أحد الأحزاب أو حتى بدافع شخصي ليطلق رصاصة على رأس نتنياهو المتهم بتوريط نفسه في وحل الحرب لأسباب ومنافع شخصية؟

فإلى أين بنيامين نتنياهو؟ إلى الانزواء بعد الفشل الكلي على جميع المستويات والمعاناة مما عانى منه بيغن بعد اجتياح بيروت؟ أم نهاية كنهاية شارون؟ أم الانطفاء النهائي بطلقة طائشة؟

***

بديعة النعيمي

 

قصة الإنسان بدأت برسم اللغة وأصبح من خلالها التواصل والتطور والإبتكار ومنها بدأت الحكاية وتكونت ممالك وابتكرت القوانين والتي جاءت لحاجتها بالسيطرة على الإنسان وتنظيمه بمجتمع مدني تحت لواء قائد يقود زمام الامور فإذا إفترضنا بعدم حدوث هذا التطور والتقدم فتصوري لم تكن هناك إنسانية باقية وحتى لو كانت باقية لم تكن بهذا العدد وبلغت إلى هذا المستوى من التقدم والتحضر فمن منطلق ذلك قالوا إنّ الانسان هوَ محور الكون ‏عرفت الفلسفة عبر تاريخها تعريفات متعددة اختلفت في تحديد معناها كانت جلها قدح وتنقيص من قيمتها وأهميتها من قبيل انها ضرب من الكفر والزندقة والالحاد وتعمل على ترسيخ فكرة نكران الله وعدم الاعتراف بالدين وإنها كلام فارغ لا طائلة منه سوى مضيعة الوقق هذا المعنى المتداول عن الفلسفة ‏وكما تعلمون جيداً إنّ تفّسير المفاهيم والمصّطَلحات يخَتلف من مكان إلى آخر بإختلاف الأمكنة والأزمنة وما لهُ من تأثير في طريقة التعاطي مع الأفكار وتحليله وتفسيره من خلال الحصيلة المعرفية والتجربة الحياتية وهذه سنة الله في خلقه ونتيجة ذلك حدث هذا التطور الإنساني فالمعرفة كلها تراكمية وتتطور وتتغير لتواكب العصر والذي لا يتماشى مع ذلك سينتهي ويندثر وكم رأينا من أمم وحضارات فأصبحت كالهشيم تذروه الرياح فأصبحت نسياً منسيا كأنها لم تكن شيئاً يذكر ‏ وإذا أردنا أن نفهم أي مصطلح أو مفهوم ينبغي علينا أن نعود إلى نقطة البداية ولا يمكن ذلك إلا من خلال العودة للتاريخ ونجمع أكبر قدر من المعلومات للوصول إلى أقرب نقطة تقربنا للحقيقة أو هي الحقيقة بعينها فحتى لو لم نصل إليها فطريقنا إليها جزء من الحقيقة نقرب ونقارب فموضوع اليوم الفلسفة وتاريخها وتطورها ومن أهم المدارس الفلسفية وروادها سنذكرها كالآتي: المدرسة المثالية: أفلاطون المدرسة الواقعية: أرسطو المدرسة التجريبية أو البراغماتية: تشارلز بيرس المدرسة الوجودية: سورين كيركغور المدرسة العقلانية: سقراط، رينيه ديكارت المدرسة الوضعية المنطقية: برتراند راسل، رودولف كارناب. المدرسة الرواقية: زينون، ماركوس، سينيكا، ماركوس أوريلوس. المدرسة العدمية: فريدريك نيتشه، ماكيز دوساد. المدرسة المتعة واللذة: أبيقور، ميشيل أونفراي.

 الفلسفة وجدت حيث وجد العقل فالفلسفة تخضع تحت نطاق العقل والمنطق وبالتأمل في الاشياء وتفسيرها وتحليلها والغوص في أعماقها والاتيان بالحجج والبراهين لفهم الاشياء من جميع الابعاد الفلسفة نتجت عنها اللغات بجميع أشكالها وكينونتها فقبل خلق مصطلح الفلسفة هي كل ما ينتج من افكار تخوض غمارها عقلياً ومنطقياً لتتوافق مع قوانين الطبيعية فالفلسفة وجدت حيث وجد التفكير فكل العلوم والمعارف تراكمية فقصة الفلسفة هي كانت البداية فتفرعت منها شتى العلوم وظل مصطلح الفلسفة في عالمنا الاسلامي عامةً والعربي خاصةً مقرون بتفسير الغيبيات وقد أثير الجدل نحو ذلك وهذه من الاسباب التي تم الهجوم على الفسلفة ولأنها أيضاً تتعارض مع كثير من الافكار والمعتقدات التي لا تنسجم مع المنطق والعقل فلذلك يتم الهجوم عليها وتشويه هذا المصطلح ممن يدعونها ومن يرجع إلى تاريخ الفلسفة سيفهم القصة قبل ظهور أرسطو وأفلاطون وسقراط وفيثاغورث وحتى قبل ظهور اللغة والكتابة فقد وجدت الفلسفة عند وجود العقل فكما يقول رينيه ديكارت أنا أفكر إذن أنا موجود الفلسفة هي تفسير وتحليل الظواهر للوصول إلى ماهية الأشياء ونختم مقالنا بهذه العبارة الرائعة الفلسفة جائت من الإغريقية والتي تعني حرفياً "حب الحكمة والحكمة هنا لم يقصد منها سداد القول وإنما البحث والتأمل لمعرفة الحقائق وماهية الاشياء من حيث هيَ وإلى هنا قد وصلنا النهاية " . انتهى

***

زكريا الحسني

كاتب من سلطنة عمان

ما قامت به حكومة جنوب إفريقيا في رفعها دعوة ضد الكيان الاسرائيلي في محكمة العدل الدوليّة بـ (لاهاي)  سابقة تاريخية وإنسانيّة تُحسب لبلاد الزعيم الثوري الخالد نلسون مانديلا. وهي عدوة عجزت عن القيام بها حكومات أمّة إقرأ ن التي يزيد عدد (غاشيها) عن المليار والنصف. وهو دليل – رغم وجود علاقات دبلوماسية بينها وبين تل أبيب. لقد استطاعت جنوب إفريقيا أن تتجاوز المصالح الاقتصادية وتضرب بها عرض الحائط، وانتصرت للقيّم الإنسانيّة النبيلة، وعلى رأسها نصرة المظلوم مهما كانت جنسيته وموقعه ولونه ولغته وهويته، والوقوف في وجه الظالم مهما كانت قوته وهويّته. لقد عانت جنوب إفريقيا من الميز العنصري (الأبارتايد) عقودا من الزمن، منذ الغزو الاحتلال الهولندي والاستيطان الغربي. وذاق أهلها مرارة التعذيب والتقتيل والتطهير العرقي والإبادة الجماعيّة، وخبروا قساوة الظلم والعبوديّة. فلا غرو أن تُقدم حكومة جنوب إفريقيا، وتكون السبّاقة في المطالبة بمحاسبة مجرمي الحرب الصهيونيّة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة والضفّة الغربيّة.

وما يثلج الجوانح حقا، تلك المرافعة التي أدّها المحاميّة الجنوب إفريقيّة، عديلة هاشم، بكل اقتدار ومهنيّة وموضوعيّة وروح إنسنيّة شفّافة، مقرونة بأدّلة دامغة ووقائع ثابتة، نقلتها كاميرات العالم، وشاهدتها عيون الأحرار عبر كوكبنا الأرضي إلاّ تلك العيون العمياء او الحولاء، وتفاعلت معها الضمائر الإنسانيّة الحرّة، الحيّة إلاّ تلك الضمائر التي رانت الله عليها أكاذيب الصهاينة وأوهامهم وأنبائهم المزيّفة.

و ممّا جاء في مرافعة المحامية الجنوب إفريقية عديلة هاشم، عضو الفريق الجنوب الإفريقي في محكمة العدل: " غزّة التي تُعدّ واحدة من أكبر الأماكن كثافة سكانية في العالم، هي موطن حوالي 2.3 مليون فلسطيني نصفهم تقريبا أطفال. خلال  96 يوما الماضيّة خضعت غزّة لما وُصف بأنّه واحدة من أشدّ حملات القصف في تاريخ الحرب الحديثة. الفلسطينيّون في غزّة يُقتلون بأسلحة وقنابل إسرائيليّة من الجوّ والبرّ والبحر، كما أنّهم معرّضون لخطر الموت الفوري، بسبب الجوع والعطش والأمراض، نتيجة للحصار المستمّر من قبل إسرائيل، وتدمير المدن الفلسطينيّة وعدم كفاية المساعدات المسموح بها للوصول إلى السكان الفلسطينيين، واستحالة توزيع هذه المساعدات المحدودة أثناء سقوط القنابل "

لعلّ العالم الغربي المؤيّد للصهاينة تأييدا مطلقا، وعلى رأسه الولايات المتّحدة الأمريكيّة وانجلترا، يستفيق من رعونته، ويستعيد وعيه، ويثوب إلى رشده، ويضع الحقيقة في موضعها. وإنّه لمن مصلحة العالم الغربي أن يدرك – قبل فوات الأوان – الخطر الذي تمثّله الإيديولوجيّة الصهيونيّة على شعوب العالم جمعاء. ويعي العقلاء أنّ الفكر الصهيوني لا علاقة له بالملّة اليهوديّة – الموسويّة، ولا بالإبراهميّة التي تروّج لها بعض الأقلام لثقافيّة الغربيّة والمنابر السياسيّة، بهدف ترسيخ فكرة التعايش السلمي في الشرق الأوسط، وترجمة فكرة حلّ الدولتين على مبدإ الأرض مقابل السلام . وهي أفكار يوتوبيّة ومساع فاشلة سلفا، لأنّ قائمة في نيّتها وغايتها على تصفيّة القضيّة الفلسطينيّة، وعلى رأسها إخماد روح المقاومة في نفوس الأجيال الفلسطينيّة ، إضافة إلى زرع ثقافة النسيان وإعدام الذاكرة والاستسلام للأمر الواقع.

لقد عرّت الهجمة الشرسة على أهل غزّة الوجه الحقيقي البشع للصهيونيّة العالميّة - التي يريد الغرب وأذنابه من المطبّعين العرب والمطبّلين - وهو وجه عمل الغرب وسعى بكل الوسائل الماديّة والمعنويّة والأخلاقيّة إلى تجميله في غرف الزيف والخداع، وتقديمه للعالم في صورة أفلاطونيّة مثاليّة. وإنّه لمن المؤسف حقّا أن يصدّق العقل الغربي الأوهام والأساطير والتقاريرالزائفة  ويتغاضى ، بل يتعامى عن تصديق صور المجازر المروّعة والإبادة الجماعيّة في غزّة الأبيّة. إنّ صهاينة القرن الواحد والعشرين قد أطهروا للعالم - بقصد أو بدونه – أنّهم على استعداد تام لتدمير البشريّة وتعجيل يوم القيامة  بحجّة حقّ الدفاع عن النفس. فقد ألقت طائراتهم الحربيّة المصنّعة في الولايات المتصنّعة الأمريكية ودول الغرب، آلاف الأطنان على رؤوس السكان الأبرياء ؛ من الأطفال والرضع والنساء والشيوخ، ثم يأتي قادة الصهيونيّة إلى وصف جيشهم بأنّه أكثر أخلاقيّة في العالم. فكيف كان سيفعل بأهل غزّة لم يكن كذلك، كما زعم قادة الكذب والتزييف ؟ إنّه، فعلا، كما قالت العرب قديما (شرّ البليّة ما يضحك)، وإنّه لضحك مؤلم لوطأة المأساة الفظيعة.  إنّهم يكذبون كيّ يصدّقهم الغافلون، عملا بمقولة غوبلز (اكذب، اكذب حتى يصدّقك الآخرون).

لقد أفحم فريق الدفاع الجنوب إفريقي بالدلائل الدامغة والحقائق الثابتة المدعمة بالصور والمشاهد، الفريق الصهيوني، الذي ظهر مرتبكا، قلقا، ضائعا كجرذ في بالوعات  لندن العتيقة.   أمام هيئة المحكمة الدوليّة، لكونه لا يملك، في ملّفه، ما يمكن أن يغطّي شمس الحقيقة، و ينفي جناية الإبادة لجماعيّة والتطهير العرقي في غزة. وهو الذي أضاع محاميّه البريطاني بعض أوراقه وهو في الطريق إلى المحكمة للمرافعة، واختلطت عليه العبارات والجمل والكلمات. إنّه لمنظر يترجم ما وصلت إليه الفلسفة الغربيّة المتطرّفة والمتعجرفة.

إذا لم تسمّ الهجمة الصهيونيّة على الفلسطينيين في غزّة من جيش الهجوم الصهيوني - وليس جيش الدفاع كما يزعمون – إبادة جماعيّة، فما هي الوصفة المناسبة والتسميّة العادلة لها ؟ إذا لم يكن الحصار العسكري والمادي على غزّة ؛ قطع مواد الماء والكهرباء والدواء والغذاء، ومنع دخولها من المعابر المعلومة، كمعبر رفح، إذا لم نسمّه هذا كلّه إبادة جماعيّة ، فما هي التسميّة اللائقة به ؟ فإذا لم نسمّها كذلك، نكون قد ارتكبنا جناية لغويّة، مصطلحيّة. مفهوميّة. لقد تعوّد الفكر الغربي المتطرّف على تزييف هويّة الآخر، وسلب حقوقه اللغويّة، ومحو حسناته، وإلصاق السيّئات به. إنّ الشرق - في نظر الغرب – هو منبع التطرّف والإرهاب والكراهيّة، وهو مصدر الشرّ والتهديد. بينا الحقيقة أنّ الغرب هو المعتدي الحقيقي على الشرق. وهو الذي قام بتهجيرالصهاينة  وبعض اليهود المغرّر بهم إلى فلسطين، وبثّ فيهم روح العداوة للعرب والمسلمين والنصارى الفلسطينيين. وصوّر لهم فلسطين أرضا للميعاد، وجنّتهم الموعودة.

و الحقيقة، أنّ غباء الصهاينة وطمعهم وخبث سرائرهم، أعمتهم عن إدراك المغزى من وعد بلفور، وهو تهجير اليهود من أوربا والتخلّص منهم، بعدما أثخنوهم تعذيبا وقتلا وإبادة. وها هم الصهاينة يرتكبون، بكل عنجهيّة ورعونة، الإبادة التي تعرّض له أسلافهم  بعد سقوط الأندلس وأثناء الحرب العالميّة الثانيّة على أيدي الصليبيين المدعومين بالفكر الكنسي المتطرّف.

حسنا، لنفترض أنّ حماس منظّمة إرهابيّة ودمويّة، وأن الفلسطينيين القاطنين بقطاع غزّة كلّهم إرهابيّون، هل هذا يبيح لقادة الجيش الصهيوني " الذي يوصف بأنّه جيش دفاعيّ أكثر أخلاقيّة في العالم " أن يمارس الإبادة الجماعيّة ويحوّل غزّة إلى محرقة أشدّ اضطراما من المحرقة النازيّة.

ولنفترض أنّ أهل غزّة وحوش حيوانيّة - كما نعتهم أحد أعضاء مجلس الحرب الصهيوني – و قطعان من الذئاب والثعالب، هل يبيح ذلك قتلهم وإبادتهم بالشكل الوحشي. إنّه لمن العجب العجاب أن يرتكب الصهاينة جرائمهم الفظيعة على مرأى من العالم، الذي يتشدّق بالحريّة وحقوق الإنسان والحيوان.

إنّ منطق القوّة الضاربة والعنجهيّة والساديّة والاستعلاء، هو الذي يزجي أساطيل الولايات المتحدة وغلمانها الغربيين  في خوض غمار البحار والمحيطات البعيدة عن مياهها الإقليميّة وأراضيها، وكأنّها تمتلك تفويضا من شعوب الأرض كلّها. ولا أدري كيف يسير هذا التناغم بانسجام بين الجمهوريّة الديمقراطيّة الأمريكيّة من جهة والصهيونيّة من جهة أخرى، بين الحريّة والاستبداد، بين حقوق الإنسان والإبادة الجماعيّة. هل أصيب الغرب بالعمى أمام هذا الجنون الصهيوني؟ أم أذهب عقله سحرة فرعون؟.

إنّ ادّعاء الصهاينة بأنّهم ساميّون، لا أساس له من الصحّة، ولا تؤيّده سلوكاتهم وأخلاقهم وجرائمهم في حق الشعب الفلسطيني منذ أكثر من سبعة عقود. إنّ الساميّة براء من الصهاينة، بل ما أبعد هذا الكيان الصهيوني عن الملّة اليهوديّة، الموسويّة، والعرق السامي. هل من شيّم السامييّن إبادة الأطفال والنساء والرضع الحدّج والشيوخ والمرضى والأسرى؟ هل من أخلاقهم قنبلة البيوت والعمارات الآهلة بالسكان ليلا ونهارا، ودون أدنى تمييز، بحجة محاربة الإرهاب؟ إنّ مناظر الضحايا المقطّعة أجسادهم، تهت الركام، والمبعثرة أشلاؤهم يمينا وشمالا، ليدمي القلوب، ولو كانت من حجر. إنّه دليل دامغ على مقدار الحقد والبغضاء والكراهيّة التي يكنّها الصهاينة للجنس البشري. لقد فاقت درجة الجنون. وأذهلت أحرار العالم شرقا وغربا جنوبا وشمالا . والسؤال الذي سيبقى عالقا، إلى أن يثبت العكس: هل يمكن أن يعيش الشرق الأوسط والعالم في سلام وطمأنينة وتعاون في ظلّ فلسفة دمويّة رعناء ؟ إنّ للحروب أخلاق، مهما كانت دوافعها وغاياتها، إلاّ هذه الحرب على غزّة، فقد تجرّدت من كلّ خلق إنساني، وبدت وكأنّ مضرمي نيرانها، من الصهاينة صمٌّ، بكمٌ، عميٌ، قد فقدوا عقولهم وعواطفهم وبصائرهم.

وأخيرا أجدّد التحية لدولة جنوب إفريقيا، ولفريقها القانوني الذي أبدع في مرافعته، وأظهر للعالم صورة ناصعة  للإنسانيّة الحقّة، التي لا يقف في وجهها البعد الجغرافي ولا الاختلاف الإثني والإيديولوجي والديني. إنّها آية من آيات التراحم والتكافل والمواساة.

***

علي فضيل العربي – أديب وكاتب جزائري

 

ان صمت الانظمة العربية عن كل هذه المذابح التي تقترفها دولة الاحتلال الاسرائيلي؛ يشكل مثلبة كبيرة. ان لم اقل انها تقع في مسار اكثر من كونها مثلبة؛ فالأنظمة العربية تتدخل كوسطاء بين المقاومة والكيان الصهيوني وكأن الامر ليس له علاقة بمستقبل  اوطانهم وشعوبهم، اضافة الى ما يربط فلسطين بالأمة العربية من وشائج التاريخ واللغة والمصير المشترك، والى ما هو ذو صلة بهذا كله. ان ما حدث في السابع من أكتوبر؛ قد هشم كما يقول السنوار؛ اسطورة الجيش الاسرائيلي الذي لا يقهر؛ فقد قهرته صولة فرسان المقاومة. ان الكيان الاسرائيلي لا يختلف في مجازره هذه، عن ما قام به الغرب وامريكا؛ فكلاهما قاما بالمذابح على مر كل تاريخهم، في فيتنام وفي امريكا اللاتينية وفي العراق وفي افغانستان، وقبلهما بقرون من الزمن؛ قام الامريكيون الاوائل؛ بتصفية الهنود الاحمر تقريبا، تصفية كاملة، لم يبق منهم او من ناجا منهم من المجازر والمذابح الامريكية، الا بضعة آلاف. الغرب الاستعماري هو الاخر قام بكل ما لا يمت باية صلة الى الانسانية، من محارق ومجازر ومذابح خلال سيطرتهم الاستعمارية في القرن العشرين. لقد بنى الامريكيون والغربيون بصورة عامة تطورهم وتنمية بلدانهم على دماء الشعوب؛ كي يستمروا في نهبها واخاضعها لهم، عبر دمى قاموا بصناعتها. لذا ليس غريبا؛ ان تدعم امريكا دعما حقيقيا، وايضا البعض من الدول الغربية؛ الكيان الصهيوني في ما يقوم به من قتل شامل لكل الفلسطينيين في القطاع، لم تقم به حتى النازية. فهي ثقافة استعمارية امريكية وغربية واسرائيلية؛ مترسخة في وجدان وضمائر وعقول المسؤولون في امريكا والغرب. لقد عمل الغرب وامريكا خلال عدة عقود، وبالذات خلال العقدين الاخيرين؛ على ترسيخ ثقافة الهزيمة في الوجدان العربي، وعلى بث روح القبول بالممكن الذي تمنحه له هذه القوى الاستعمارية. لكن رغم كل هذا، جاهدت وناضلت الشعوب العربية خلال القرن العشرين، نضالا داميا من اجل حريتها وسيادة اوطانها، لكنها كانت قد اصطدمت بجدار من الخنوع والانبطاح الذي مثلته؛ الكثير من الانظمة العربية. هذه الانظمة حاربت، او للصحة والدقة، الكثير منها وليست كلها؛ قد حاربت وقاتلت هذا النضال بكل من لديها وفي امكانياتها من قدرة قوة، بالإنابة عن القوى الاستعمارية؛ تثبيتا لأركان نظامها. فقد كانت ولا تزال هذه الانظمة هي من تقول لشعوبها؛ من ان امريكا لا يمكن مقارعتها فخيوط كل اللعبة الاقليمية والدولية بيدها. ان هذا يعني تماما؛ ان على هذه الشعوب ان تقبل بما تريد امريكا لأنها هي الاقوى في العالم؛ اذا ارادت هذه الشعوب ان تعيش بسلام واستقرار؛ بمعنى عليها ان تكون او ان تقبل بخضوع الانظمة التي يفترض بها؛ ان تمثلها وتمثل مصالحها؛ وبالتالي فقدان القرار السياسي والاقتصادي المستقلين، وما يجر هذا على الوطن من تكسير اعمدة السيادة، وعلى الشعوب من فقر وغيره الكثير جدا. السابع من اكتوبر حطم هذه المقولات وهذه الثقافة تحطيما كاملا، مهما كانت نتائج الحرب التي تشنها اسرائيل على القطاع وعلى كل الفلسطينيين؛ فأن تداعيات السابع من اكتوبر سوف تكون كبيرة جدا وواسعة وعميقة على الاوطان العربية وعلى القضية الفلسطينية. من المؤلم في اتجاه الركوع امام ما تريد وتطلب امريكا؛ ان تقوم البعض من الانظمة العربية، في المفاوضات التي تجري وراء الستار، وفي الغرف المظلمة؛ وتنفيذا للحلول التي تتقدم بها امريكا لإيقاف اطلاق النار في القطاع؛ منها على سبيل المثال وكما تقول بها التسريبات؛ ان تغادر قيادات المقاومة القطاع الى خارجه، الى احدى الدول او الى دول اخرى، ونزع سلاحها. الا يعني هذا؛ ان هذه الانظمة اولا؛ لا تمثل شعوبها، فهذه الشعوب واقصد بها الشعوب العربية هي داعمة ومساندة بقوة للمقاومة، وترفض كل طروحات امريكا والكيان الصهيوني، وثانيا تنطق بلسان امريكا واسرائيل، بالإنابة عنهما، وبالضد من إرادة شعوبها، وثالثا تقدم طوق نجاة للكيان الصهيوني ولنتنياهو. اسرائيل التي وفي ظل مجازرها هذه؛ تعاني من انقسامات داخلية، ووضع اقتصادي يسير نحو الاسوأ على الرغم من الدعم الامريكي له، كما ان الاثمان باهظة على هذا الكيان الصهيوني. أما من الجانب الثاني فان نتنياهو هو الأخر يخشى من العواقب التي تنتظره بعد انتهاء حربه على الفلسطينيين، وما سوف يتعرض له من محاكمة قد تقود او تدفع به الى السجن. عليه فانه يصر على الرغم من ان كل الخبراء العسكريين والاستراتيجيين الاسرائيليين؛ يقولون من ان اسرائيل سوف تخسر هذه الحرب، حتى لو استمرت لعدة شهور، وان المقاومة سوف تنتصر، يقول هؤلاء الخبراء، ان اسرائيل حتى لو افتراضا يقولون تمت خسارتها عسكريا، فان المقاومة قد ترسخت في عقول وضمائر الفلسطينيين، اكثر عمقا واتسعا، مما هي اصلا مترسخة ليس في القطاع فقط، بل حتى في الضفة الغربية، ويضيفون مع ان هذا لن يحدث؛ فإسرائيل تتكبد يوميا خسائر كبيرة في الجنود والمعدات، وتحرج حلفائها الامريكيون، وتضعهم في مربع يخسرون خططهم الدولية المتعددة فيه، ان استمرت هذه الحرب على الشكل والمسار الذي تسير فيه من قتل عشوائي. الامريكيون لا يعارضون حرب المجازر الاسرائيلية هذه، بل يريدون من اسرائيل ان تخفف اشتعالها؛ حتى بلوغ اسرائيل لأهدافها. في هذا الاتجاه تنحصر الإرادة الامريكية في ايجاد مخرج لوقف اطلاق النار بالطريقة، سابقة الذكر في هذه السطور، بالاستعانة ببعض الانظمة العربية؛ في انضاج هذه الحلول التي تضمن لإسرائيل تحقيق اهدافها، وتقديمها على طبق من ذهب للكيان الصهيوني. لأول مرة؛ تكون امريكا واسرائيل في وضع صعب، وتفقدان الامساك بخيوط اللعبة والسيطرة على كرتها المنزلقة على اراضي لزجة، بعد السابع من اكتوبر. امريكا تحاول بجهد جهيد على الاحتفاظ بالإمساك والسيطرة على مداخل ومخارج الصراع على عدة جبهات في العالم؛ في اوكرانيا، وفي تايوان، وفي بحر الصين الجنوبي، وفي المنطقة العربية. ففي حرب اوكرانيا؛ بدى بوضوح، ان امريكا على طريق خسارتها هذه الحرب لصالح روسيا. ان هذا التطور اذا ما تم او واصل تطوره حتى المحطة النهائية، في تحقيق روسيا اهدافها من غزوها لأوكرانيا؛ تكون عندها الخسارة الامريكية، خسارة استراتيجية. ان هذا هو ما يفسر، اضافة الى عوامل أخرى، في الداخل الامريكي، وفي الفضاءات الدولية، وفي المنطقة العربية؛ الضغط الامريكي على البعض من الانظمة العربية، بالمساعدة، في ايجاد طريقة، لتسكين المجازر الصهيونية، تسكينا جزئيا وليس تاما، إنما لصالح اسرائيل. اسرائيل هي الأخرى ايضا تعرضت بعد السابع من اكتوبر الى ازمة وجود؛ هناك في الداخل الاسرائيلي، انقسامات افقية وعمودية، في الاحزاب والقوى السياسية، والطبقة الحاكمة، وفي المجتمع الاسرائيلي، الذي تعرض الى اهتزاز الشعور بالأمن والامان لدى السكان، وترسخ في عقولهم ونفوسهم من أنهم يعيشون حياة قلقة تفتقر الى الاستقرار، بل تسود فيها الفوضى والاضطراب وعدم اليقين من المستقبل لهم ولعوائلهم وابناءهم واحفادهم. ان ما قامت به المقاومة الفلسطينية، من ملحمة تاريخية في طوفان الاقصى؛ سوف تكون لها، تأثيراتها على القضية الفلسطينية، وعلى الوطن العربي، وعلى العالم.. في الختام اتقدم بالتحية والتقدير والامتنان لأبطال المقاومة الفلسطينية في غزة، وفي اليمن (حركة انصار الله) وفي غير اليمن. اقول: ان المنجز التاريخي كلما كان كبيرا، لجهة التحولات الكبرى، كانت التضحيات جسيمة..

***

مزهر جبر الساعدي      

 

أوهمونا بأن تأريخنا دموي متوحش فتاك، وغرسوا هذا الإدعاء في الوعي الجمعي عبر الأجيال، بينما التأريخ الغربي يمثل أفظع مسيرة دموية عبر العصور، فالدول المؤلفة للإتحاد الأوربي، مسيرتها حروب قاسية على مدى الأيام حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما إستفاقت بعض النخب وقررت أن ترجم التأريخ وتبدأ صفحة حياة جديدة، فكان لها ما أرادت فتقدمت وتطورت في النصف الثاني من القرن العشرين، وأمسكت بزمام القوة والسيادة الأرضية.

وتأريخنا ناصع وفيه من القيم والمساهمات الحضارية ما يدعو للفخر والإعتزاز، وتجدنا نبخس إنجازاتنا العلمية والمعرفية، ونتوهم بأنه دم، ونترجم ذلك بسلوكياتنا المعاصرة المطلوبة لإبعادناعن حقيقتنا ولتدمير جوهرنا الإنساني.

فماذا درسنا في كتب التأريخ المدرسية؟

هل وجدتم فصلا يتحدث عن العلماء ورموز الحضارة؟

ما تعلمناه هو تأريخ الكراسي والسلاطين والحروب والبطولات، التي تعني سفك الدماء وقطع الرؤوس وحرق المدن، وغيرها من السلوكيات الفائقة التخريب.

ألا تساءلنا لماذا يوضع بيننا وبين تأريخنا الحقيقي الزاهي المنير؟

لماذا يكررون البطولات الوهمية، وتحويل البشر الفاعل إلى موجودات خيالية لا تمت بصلة إلى الحياة الدنيا، وكأنهم كينونات ضوئية تمرق بيننا ونبقى نتصورها كما يحلو لنا.

معظم ما كتب عن الخلفاء والسلاطين أكاذيب لترويج السمع والطاعة، وإضفاء الهيبة على الكراسي المستحوذة على السلطة، ولا تزال الحالة كما عهدتها الأجيال تتكرر بآليات أخرى.

ففي تلك الأزمان كان الصوت الإعلامي للدول، المؤرخون والشعراء وخطباء الجُمع، فهل يستطيع الواحد منهم قول كلمة حق؟

علينا أن نتحرر من قبضة الأوهام المحشوة في رؤوسنا، فتأريخنا أبيض، وتأريخهم أحمر وأسود، وقد دفنوه ودنسوا تأريخنا بمفرداتهم الدامية.

أحرقوا تأريخهم وأولعونا بتأريخنا وبديننا!!

فهل صدق المقال؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

اعتادت دولة الاحتلال أن تأخذ بالحسبان عددا من الأسس في سياستها الأمنية ضد أعدائها. وكان امتلاكها لأجهزة استخباراتية متطورة من ضمن هذه الأسس. ومن المعروف أن أهمية هذه الأجهزة تتلخص بتزويد قيادتها بإنذارات سابقة تتيح لها التصدي لأي عدوان من خلال استدعاء قوات الاحتياط وتجهيز الأسلحة بكافة أنواعها وتهيئة الجبهة الداخلية لصد أي هجمات صاروخية في حال تعرضها لذلك.

ولكن ما شهدناه في ٧/ أكتوبر/٢٠٢٣ أثبت فشل هذا الأساس،حين شنت فصائل المقاومة الفلسطينية عملية عسكرية بهجوم صاروخي باتجاه المستوطنات الجنوبية والشمالية والشرقية تزامنا مع اقتحام بري من أفرادها عبر سيارات رباعية الدفع ودراجات نارية بالإضافة إلى طائرات شراعية،حيث سيطروا على عدد من المواقع في مستوطنات غلاف غزة.

ومن الأسس أيضا ما يعرف بالجيش الرادع. وكنت قد ذكرت في مقال سابق بعنوان (الحرب غير المتكافئة) بأن طبيعة وشكل الحروب التي تخوضها دولة الاحتلال تغيرت فهي لا تواجه دولة أو جيشا إنما باتت في حروبها تواجه فصائل مسلحة. وقد مر جيش الاحتلال بمثل هذه المواجهات في غزوه للبنان عام ١٩٨٢ وفقد خلاله قدرته على الردع، حين واجه وحدات صغيرة من المقاتلين. وأعيدت الكره فيما بعد في حروبه جميعها حتى اليوم ٢٠٢٣_٢٠٢٤ في حربه على غزة ،وها هو يفقد ردعه ويتكبد الخسارات على جميع المستويات.

ومن الأسس الأخرى الضربة الاستباقية. وقد كانت ناجحة في حروبها السابقة مثل حربها على مصر ٥٦ وحرب الأيام الستة. أما اليوم فقد فشلت في كسب الضربة الاستباقية لأنها كانت من نصيب الفصائل الفلسطينية كما ذكرنا.

ومن الأسس التي تعتمد عليها دولة الاحتلال في ربحها للمعارك الحرب السريعة. فهي ملزمة أن تكون لديها القدرة على الحسم السريع لأي حرب تخوضها. ذلك لأنها تقوم باستدعاء الاحتياط وتجنيدهم ،الأمر الذي من شأنه التأثير على اقتصادها ،لذلك فإنه لا يجب أن تطول أي حرب أكثر من عشرين يوما.

واليوم دولة الاحتلال تخطت المائة يوم في حربها على غزة ،ما يعني أنها قد أضافت فشلا آخر وانهيار في أساس تعتمد عليه في منظومتها الأمنية.

وهناك أساس آخر وهو تدمير صواريخ الخصم قبل وصولها إلى أهدافها لكننا رأينا كيف فشلت القبة الحديدية جزئيا في التصدي لصواريخ المقاومة الفلسطينية.

أما الأساس الاخير فهو لجوئها إلى استخدام السلاح النووي وهذا ما لم تجربه دولة الاحتلال بعد ولا زال استخدامه في ضبابية التوقعات.

***

بديعة النعيمي

 

كان يُفترض أن يكون عمود الصفحة الأخيرة من جريدة الصباح لهذا اليوم الثلاثاء من حصة الكاتب الساخر الكبير حسن العاني، لكننا سنقرأ بدلاً من قطعة أدبية ساخرة خبراً عن رحيل فيلسوف البسطاء، ولا أعرف ما الذي كان حسن العاني سيكتب لو عاش يوماً آخر في ظل كوميديا الديمقراطية العراقية التي وصفها ذات يوم بأنها:

" أتاحت فرصة ذهبية لرسم صورة مشرقة، وخير دليل على ذلك أن المسؤول يمارس الديمقراطية حيث يكتفي بمشاهدة التظاهرات والاعتصامات، وسماع طلبات المتظاهرين، ولم ينفذ منها طلباً واحداً، لأن مهمته الرئيسة هي المشاهدة والاستماع فقط " .

يرحل حسن العاني ليسدل الستار على مرحلة مهمة من فن الكتابة الساخرة، والنابضة بالحياة ، والمشبعة بالوطنية ، ونفتقد واحداً من دراويش الصحافة الذين اختلط عندهم الواقع بالحروف ، فلم تكن هناك حدود فاصلة بين لوحة الحياة التي ظل يعيشها بكل مصاعبها، ولوحة الكتابة التي أراد لها أن تكون صادقة ومعبرة.

منذ أن ترك مقاعد التدريس ودخل أبواب صاحبة الجلالة ، وحسن العاني يحمل العراق على كتفيه الهزيلتين، وكانت وصيته الأخيرة في آخر مقال نشره الثلاثاء الماضي تحمل هماً عراقيا خالصا :" كل مواطنٍ من أبوين عراقيين بالتولد، يجب أنْ يعبّرَ عن انتمائه العراقي عبر أية وسيلة لخدمة شعبه والنهوض ببلاده، بغض النظر عن بساطة تلك الوسيلة أو الخدمة، طالما كانت النوايا إيجابيَّة" . كانت الحياة بالنسبة له ورقة بيضاء يرحل خلالها مع هموم الناس، رحلة ربما تجاوزت النصف قرن، مليئة بالصور الساخرة بالغة الوضوح والمعنى، تمنح صاحبها لقب فيلسوف البسطاء، والناطق الرسمي بعرض همومنا جميعا .

عاش حسن العاني مهووساً بالتفاصيل، وهذا سر اختياره الكتابة الساخرة ، يعلن بشيء من التواضع: " أنا في الحقيقة لم أنتقل من الرواية، أو القصة تحديداً، إلى الصحافة، فأنا لم ولن أتنازل عن هويتي الحقيقية كأديب، وإلى مرحلة عمرية متقدمة.ولي موقف مضاد للصحافة، لكن في العام 1976 عُينت مسؤول قسم في جريدة العراق، وبحكم ذلك العمل حاولت الغوص في الكتابة الصحفية، واستحسان زملاء العمل لما كتبت دفعني للاستمرار بهذا العمل، ليس حباً له وإنما اتخذته كمصدر رزق لا أكثر." ، ورغم هذا فانه اقتحم عالم الصحافة مفعماً بالحيوية ومشحوناً بطاقة خفية، متخذا من الكتابة مغامرة ممتعة برغم مخاطرها.

لم يكن حسن العاني يكتب كي يُضحك الناس، بل كي يذكرهم بما يحيق بهم، ويوصيهم بسخريته المعهودة :" لا تنتظر أنْ يتحقق أي حلمٍ من أحلامك السعيدة في يومٍ من الأيام، ولكن لا تتوقف عن الأحلام لأنها أفضل وسائل الترفيه عن النفس".

***

علي حسين

من المُحتملِ أن يُؤثر السُّلوك الِاستهلاكِي على كُل وجُوهِ حياتنَا، فالكلُّ اليوم يعِيش تحت ضغطِ أن نستهلِك أَكثر، رغم جُنون الأسعار وبِذلِكَ صرنَا سِلعًا في أَسواقِ الِاستهلَاكِ.

ومع انتشار شبكاتِ التواصلِ الِاجتماعِي وسهُولةِ نَشر الإِعلاناتِ حيثُ يتعرضُ المرءُ لِقصفٍ مُتواصلٍ منْ الإِعلَاناتِ حتى يقتنعُوا بِحاجتهِم الحتميةِ لهذهِ السِّلع المُعلنِ عنهَا، ولِشِراءِ مَا يظُنونَ أنهُم يحتاجُونهُ فإِنهُم أمام خِيارَينِ- أولًا:- الهجرةُ خارج الوطنِ أَو يعملُونَ لِساعاتٍ أطول لِكسبِ مزيدٍ من المالِ، ولِكونهِم بعيدِينَ عن أُسرهِم لِسنواتٍ أَو كانُوا دَاخل المُجتمع لِتِلْكَ الساعات المُمتدةِ فإِنهُم يُعوضُونَ غِيابهُم هذا بِهدايا ثمِينةٍ تُكلفُ عِبئًا ومزيدٌ من المالِ، وهُو مَا أسماهُ أحدُ العُلماءِ (بِ تَمدِينهِ الحُب) أي جَعلِ الحُب ماديًّا.،،، إِن هَذَا الِانفِصالَ العاطفِي والغياب الجسدِي عن المنزلِ يَجعل أَفراد الأُسرةِ الواحدةِ غيرَ قادِرِينَ على تحمُّل حتى الخلَافاتِ التافِهةِ،، مما لَا يحتملُهُ العيشُ تحت سَقْفٍ واحِدٍ، لقد أَدى الِانشغَال بِالحُصولِ على مزِيدٍ مِنْ المالِ لِشِراءِ مَا يظنُّ أنهُ ضرُورِي لِتحقِيقِ السعادةِ إِلى عدمِ وجُودِ وقتٍ لِلحوَار والتفاهُم والمُشاركةِ والتعاطُفِ.

إِذنْ فسيادةُ المُجتمع الِاستهلَاكِي قد أَدى إِلى أَمرَينِ: أَولهُما ذُبُولُ التكافُلِ الإِنسانِي في المُجتمعاتِ مدنِية ورِيفِية، والثَّانِي:- اضْمحلَال قِيم التراحُم والتشارُك في الأُسرة فالعولمة الِاستهلَاكِية أَصبحتْ تحديًا أخلَاقِيًّا. فَبعد غِيابٍ طويل مِن رَبِّ الأُسرة، وعودتُهُ يحدثُ خِلافٌ لِأن الأَبَ كانَ عِبَارةً عن آلَةٍ ماديةٍ لِسعادةِ الأُسرةِ فقطْ فيحدثُ انفِصال بين الزَّوجِ والزَّوجَةِ بعد هذا العُمر الطوِيلِ وقد أَشار إِلى ذَلِكَ [عالمُ الِاجتِمَاعِ البُولندِي زيجمُونت باومان] في كِتابةِ (الأَخلَاقِ فِي عَصرِ الحدَاثةِ السَّائلةِ \"حيثُ إِن مفهُوم المسؤُوليةِ الذي كان في الماضي مُرتبطًا بِالوَاجِبِ الأخلاقِي والِاهتِمام بِالآخر، ارتبط اليوم  بِتحقِيقِ الذاتِ، فأَصبحَ الِاستِثمار في الذاتِ هُو مشرُوع الفردِ الوحِيدِ. هُنا قامت السُّوقُ الِاستهلَاكِية بِتجريدِ مفهُوم التكاتُف الِاجتِماعِي الذي يُعززُهُ الوُجود المُشترك مِنْ قِيمتهِ. وإِذا كان العُلماء فِي الماضِي يروْنَ أَن المُجتمع بِدعةٌ اختُرِعتْ لِجعلِ الِاجتماعِ الإِنسانِي المُسالِم مُمكِنًا لِكائِناتٍ أنانِيةٍ بِالوِلادةِ، فإِنَّ الحدَاثةَ السائِلَةَ جُعِلت منْ المُجتمعِ حِيلةً لِجَعلِ الحيَاةِ الأنانِيةِ قابِلَةً لِلتحقِيقِ لكائِناتٍ أَخلاقِيةٍ بِالوِلَادةِ، وذلِكَ بِالحدِّ منْ المسئُولياتِ تجاهَ الآخرِين.

أَصبحنَا نعِيشُ فِي مُجتمع ماديٍّ مُجردٍ مِنْ الأخلاقِ.

*** 

محمد سعد عبد اللطيف - مِصر

انحنى طفل في سن الرابعة بكل حنو على أخيه الأصغرفي الثانية من عمره الراقد على أرض المستشفى يلقنه في هدوء شديد شهادة أن لا إله إلا الله، محمد رسول الله، كان الصغير يحتضر وهو غارقا في دماء تسيل من كل عضو فيه ويكاد لا يرى أحدا، عيناه زائغتان لأعلى ولا يكاد يسمع من صوت أخيه الذي ما زال يواصل بصبر جميل تكرار تلقينه الشهادة، طغى صراخ الوجع وتعالى بكاء الألم في كل أرجاء قاعات العلاج مع وصول أطفال أبرياء آخرون غيره، ضحايا ومصابون يتوافدون وآخرون ممزقين وأشباه جثث محمولين على أكتاف آبائهم، دماؤهم تقطر على الأرض وهم لا يدرون بأي ذنب يقتلون.

توثق دماء الرضع والأطفال ضحايا الإجرام الصهيوني رسالة للعالم أن قضية غزة صارت مسألة عزة،وستكون دماؤهم مدادا لآبائهم لمواصلة كتابة شهادات تاريخية جديدة على قتل أبنائهم صغاراوهم لا يدرون لمقتلهم سببا. سيبقى طيف أرواحهم يمثل أمام أعين المجرمين يعذبهم في الحياة ويؤرقهم في الممات ويتبعهم في الموقف العظيم بأي ذنب قتلوا .

لم يعد أمام أطفال فلسطين أفاقا ليحلموا لأنهم لا يتوقعون أن يعيشوا طويلا، بل لم يعد لهم رجاء لغدهم لأن يشعرون بالموت يترصدهم في كل وقت وفي كل حين، وأن رحيلهم القريب عن الدنيا وأصبح مسألة وقت فقط يحسب بالساعة ليس أكثر وما يزيد عن ذلك فهو فضل ونعمة من الله له الحمد وله الشكر، سقف آمالهم في الحياة أصبح منخفضا جدا، وأنه لم يعد لصغارهم في الدنيا ما يبكون عليه، لم تمنحهم الأيام الفرصة للتعبير عن وطنيتهم، ولكن قضت إرادة الله أن يكونون سعداء وقد اختارهم مبكرا إلى جواره وسيكونون فرحين بما آتاهم من فضله الواسع .

".. وبشّر الصابرين.." كلمات طيبة لآية كريمة من لدن العزيز الحكيم لعباده المؤمنين، عمق معناها ترياقا للنفوس المفجوعة في رحيل أبنائها الصغارالذين لن يدخلوا الجنة إلا مع والديهم مهما كانوا .. هذا جزاء عظيم لمن صبروا على قضاء الله تعالى وقدره وصابروا إلى حين يأتي اليوم الذي يشفي فيه المولى عز وجل صدور قوم مؤمنين، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

***

صبحة بغورة

من خلال الكتب يتكلم التاريخ وبموتها يصمت..

عندما اجتاح المغول مدينة الحضارة الأولى بغداد بقيادة هولاكو خان أقدموا على حرق بيت الحكمة والذي يحوي الكتب القيمة في مختلف المجالات، كما ألقوا الكثير من الكتب في نهري دجلة والفرات وفتكوا بالكثير من أهل العلم والثقافة، فأخرسوا جزءا طويلا ومهما من التاريخ.

ولأن اليهود هم مغول وبرابرة هذا العصر فقد كادوا للكتب والمؤلفات الفلسطينية فبعد قيام دويلتهم على أنقاض أهلها الشرعيين، أقدموا على إبادة أكثر من ٢٦٣١٥ كتابا في شكل جديد وفتاك للتعامل مع الأملاك الحضارية. وامتازت هذه الأشكال بهدم منهجي للحضارة والكتب والمكتبات، وهذا الهدم لم يكن عن عبث أو أنه غير مقصود، بل نستطيع القول أنه نتاج مبرمج للاحتلال والشراسة السياسية وجزء لا يتجزأ منه.

ففي بداية حزيران من العام ١٩٥٧ عبر مدير قسم مستودعات الكتب اليهودي للسيد سلمون مدير قسم المعارف العربية في ذلك الوقت عن أسفه جراء عدم السير قدما في" إبادة الكتب العربية.. وفي غضون ذلك انتهت مناقصة المحاسب العام لبيع نفايات الورق ولذلك تستطيع السير قدما" انتهى قوله..

 وهنا وردت كلمة إبادة الكتب وهي كلمة بربرية تغتال ذاكرة شعب بل حضارته وتاريخه. وهذا ما سعت وتسعى إليه دولة الاحتلال لإلغاء الآخر وإحلال شعبا آخر لا جذور له مكانه.

واليوم في حربها على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ دمر القصف اليهودي البربري أكثر من ٧٠% من المكتبات العامة والخاصة في القطاع. فمثلا قام العدو بقصف مكتبة بلدية غزة ولم يسلم أي من كتبها أو مقتنياتها التاريخية من القصف. حيث كانت المكتبة مؤلفة من ثلاث طوابق تضم عددا كبيرا من الوثائق التاريخية ومجلدات تحتوي على صحف فلسطينية قديمة. كما تم تدمير الأرشيف المركزي للمدينة التابع لبلدية غزة والذي كان يحتوي على وثائق تاريخية مهمة جدا يتراوح عمرها ما بين مائة إلى مائة وخمسين عام. كما أقدموا على قتل عشرات علماء ومفكري القطاع.

كما لا نستثني المدارس بمكتباتها ومستودعاتها التي تحوي آلاف الكتب سواء التعليمية منها أو تلك التي تمثل جميع المجالات سواء الأدبية أو الفلسفية وغيرها. فنقلا عن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية قالت بأن قصف طائرات الاحتلال أتى على ٢٨١ مدرسة حكومية و ٦٥ مدرسة تابعة لوكالة الغوث (أونروا). وبذلك يكون قطاع التعليم بمكتباته وكتبه أحد ضحايا الإبادة لهذه الحرب.

فإذا افترضنا إعادة إعمار المكتبات والمدارس، كيف سيعاد ما أبيد من كتب إلى رفوف المكتبات الجديدة؟.

***

بديعة النعيمي

 

أتابع المقالات التي يكتبها المفكر السعودي توفيق السيف في جريدة الشرق الأوسط، وكنت ومازلت مغرماً بكتابه "رجل السياسة: دليل في الحكم الرشيد " الذي يثير من خلاله الأسئلة عن مفهوم السياسة وعلاقة المواطن الفرد بمجتمعه، وآليات الحكم الرشيد.

في المقال الأخير الذي نشر قيل أيام بعنوان " صناعة الكآبة " يناقش مقالاً نشره الصديق إياد العنبر بعنوان " العراقيون في 2024: بين التشاؤم والأمل " حيث يرى توفيق السيف أن دور النخب والمثقفين، تقديم أفق للمستقبل بدلاً من الاستغراق في التشاؤم والبكاء على الأطلال ".

ربما يمكنني أن أزعم أنني أكثر من طالب بإشاعة التفاؤل، وكنت أسخر من الذين يشيعون الكآبة وأحاول من خلال هذه الزاوية المتواضعة بث الأمل في نفوس العراقيين. ولكن ماذا نفعل ياسيدي ونحن نعيش مع ساسة ومسؤولين حولوا مؤسسات الدولة إلى سيرك كبير يستعرضون فيه مهاراتهم في الضحك على عقول الناس، وكان آخرها ما حدث في الجلسة الأخيرة للبرلمان، وكيف نُصب مزاد بيع كرسي رئيس البرلمان.

منذ سنوات والمواطن العراقي المغلوب على أمره لديه مشكلة أساسية مع ما يقوله الساسة والمسؤولون عن الفساد والإصلاح، وتراه يضحك في السر ويتجهم في العلن كلما شاهد مسؤولاً سابقاً أو حالياً يذرف الدمع على حال العراقيين، ويطلق الزفرات والآهات على أحوال البلاد والعباد، والأموال التي سلبت في وضح النهار. فالمواطن المتشائم مثل حالي يعرف جيداً أن القضية لم تعد مجرد تفاؤل وإصلاح، بل إخراج العراق من دوامة الفشل والانتهازية والطائفية، وقد أعطيت نفسي مثل أي مواطن عراقي أكثر من فرصة أتفاءل فيها وانتظر ما سيفعله السادة المسؤولون الأفاضل، وكنتُ مراهناً نفسي على أنّ البعض منهم سيخلع "معطف" الطائفية، ويرتدي ثوب رجل الدولة، ويبدو أنّ المتشائم ينتصر كل مرة، مثلما اخسر الرهان كلما راهنت على مسؤول عراقي.

أعرف جيداً ياسيدي أن على الكاتب والأكاديمي والمثقف أن يضيء شمعة بدلاً من أن يلعن الظلام، وأعرف أن من المؤسف أن لا يكون لدى الكاتب ما يكتبه للقرّاء سوى التشاؤم والسخرية من الأمل، ولكنني سأترك "المتشائم " جانباً وأتمنى على أحزابنا التي تخوض معركة كسر العظم من أجل كرسي رئاسة البرلمان أن تخبرنا ماذا ستختار: السعي إلى المستقبل أو الإصرار على التبرّك بالماضي، نظام سياسي يعتمد على الكفاءة والنزاهة أم نظام يصفّق للمحسوبية والانتهازية؟

هذه الأسئلة وغيرها تشغل بال معظم العراقيين المتشائمين مثل جنابي، الذين يدركون أنّ صناعة الفشل لا تقلّ خطراً على العراق من صناعة الإرهاب، مثلما يدركون ان صناعة الفرح والتفاؤل تحتاج الى ساسة ومسؤولين يرون ويسمعون ويقرأون هموم الناس جيداً.

***

علي حسين

من البديهي تأثر اللغات وهي قديمة قدم الإنسان ولولاها لبقي كباقي الحيوانات دون أن يحدث أي تغيير في حياته والتي تعد وسيلة التفاهم بين أفراد المجتمع في جميع ميادين الحياة على مر السنين ببعض المصطلحات الدخيلة عليها نتيجة

الاختلاط والتداول والتعامل معها دون قصد حتى غدت من اللغة الأم لا سيما بعد تأثر المجتمع بعالم التكنولوجيا وعصر العولمة والانفتاح على القرية الصغيرة (العالم) من خلال الشبكة العنكبوتية ليتباهى البعض بإستخدامها كظاهرة حضارية أو ثقافة دون معرفة مدياتها وتأثيرها في المستقبل على لغة الأم عبر الأجيال والتي قد تكون في مهب الريح حيث تعتبر اللغة هي الهوية التي يفصح عنها الفرد تبعيته بمجرد أن ينطق بها لكن تطعيمها ببعض المصطلحات وتبديل بعضها وتداولها بشكل يومي حتى باتت تتردد على ألسنة الشباب من باب التفاخر وتناسي بعضها بقصد قد يؤدي إلى تفكيكها لتشكل بعد حين لغة ركيكة غير مفهومة لدى البعض من المحافظين على لهجتهم المحلية فلكل قوم لغته الخاصة وعلى سبيل المثال لا الحصر عندما طرق سمعي لمصطلحي (ترند وهاشتاغ) إندهشت وتحيرت حتى بحثت عن معانيهما في القاموس ومثلها (لايك) و(بيج) و(كومينت) و(بوست) و(مسج) و(سيرج) و(كوبي بيست) وغيرها كثير فهذه معاناة البعض من المثقفين فكيف بالبسطاء من أهلنا؟

عليه ينبغي على الآباء والأمهات وانطلاقا”من الوازع الإخلاقي والإجتماعي الحفاظ على اللغة التي تفوهت بها ألسنتنا منذ الأيام الأولى من طفولتنا البريئة وعدم السماح بالتلاعب بها بأعتبارها من الموروث الشعبي والأصالة التي تميزنا عن غيرنا ولا تحتاج الى تحديث أو تطعيم أو إعوجاج في اللسان كما يفعله بعض الدخلاء المحسوبين وفي حالة تمازجها مع لغة أخرى فالأفضل التكلم بلغة جديدة وتعلمهاكي نأمن شر القوم كما يقال حيث نجد صعوبة وحرج بين وسط أفراد من مجموعة لغوية أخرى لا نجيدها ولا حاجة لإختلاط لغتنا بكلمات بعيدة كل البعد عن ثقافتنا وحضارتنا وأخص بالذكر اللهجة الشنكالية التي نتفرد بها ونتذوقها ولا يجيد لكنتها الاٌ الشنكالي الأصيل وما أعذبها وأجملها بين اللهجات لذا لابد من الحفاظ عليها في صيغتها وقالبها الذي تعلمناه وعدم إنصهارها في لهجات أخرى فكل أمة تفصح عن روحها في الكلمات التي تستعملها وتحافظ عليها جيلا بعد جيل.

***

حسن شنكالي

أمضينا أكثر من قرن ننادي بشعارات وأهداف متنوعة، وبعد تلك المسيرة المشبعة بالحروب والأحداث، وصلنا إلى ما دون خط الشروع.

فلماذا؟

البعض ما عاد يرى جدوى كلمة الأمة، والوحدة والمصير وغيرها.

لقد عصفت بفكرنا حقيقة واضحة دامغة مفادها، أننا حولنا القوانين إلى نظريات، والممكن إلى غير الممكن، فتوجهنا نحو واقع قائم وحولناه إلى نظريات نصوغ منها أهدافا وشعارات.

فالعرب أمة واحدة منذ أن وجدوا وحتى بدايات القرن العشرين، وعندما أخذوا ينظّرون ويقلبون المخروط على رأسه، بدأت تسير بقوة من الوحدة إلى التجزأة، ومن التفاعل الإيجابي الشامل بأركانه الإقتصادية والثقافية والعسكرية، الى التفاعل السلبي الشامل، فأصبحت كل دولة منعزلة عن الأخرى، والسفر بينها متعسرا، وكان أسهل، وكذلك إنسياب التبادل التجاري والثقافي، أي أنها مع الزمن إزدادت عزلة عن بعضها، بموجب نظرياتها التي تنقل الواقع إلى خيال.

فالوحدة بمعناها العملي كانت قائمة وفاعلة، فأريد لها أن تكون نظرية، ولكي تكون كذلك يجب إجتثاثها من الواقع، فنحن نريد نظرية الوحدة ولا نريد الوحدة، ونظرية الحرية لا الحرية، وتحقق لنا ما أردنا.

فلماذا اليأس والقلق على المستقبل، إننا نستطيع تحقيق ما نريد،، إننا لم نصب بخيبة أمل كما نتوهم، لأننا حققنا ما نريد، فالسياسة حققت غاياتها، والدول طموحاتها، ومضينا من الحقيقية الملموسة إلى الحلم البعيد والمفقود دائما.

فلم نؤسس لشيئ غير موجود، وما سرنا في طريق واضح وهدف مرسوم، لكي نصاب باليأس والخياب.

فلنتأمل ماذا فعلنا، أ لم تكن فلسطين حقيقة حية بأيدينا فنقلناها إلى حلم بعيد، يستدعي سفك الدماء والحروب والخسائر والتصحيات، وكان العرب أخوة متحابين ومتداخلين، وتربطهم علاقات إجتماعية وعائلية ومصالح مشتركة وتبادلهم التجاري على أحسنه، وباقي العلاقات ومنها السفر الحر بين الدول.

لقد كانت وعاشها آباؤنا وأجدادنا، وتمتعوا بحرية الحركة، وحجوا لبيت المقدس، وبعد قرن صارت أهدافنا أن يكون ما كان.

ولهذا فلا يحق لنا أن نسمي ما جرى في القرن العشرين هزيمة وخسران، لأننا حققنا مشاريعنا وطبقنا نظرياتنا.

نعم حققنا ما نريد، وما نحن عليه اليوم إرادتنا الحقيقية الفاعلة فينا، ومنذ إبتداء النصف الثاني من القرن العشرين، فأصبحت الوحدة من أبعد الأحلام، لأن الأدب الثوري أغرق الساحة بالمعاني الرومانسية للوحدة، وكأنها لا تكون إلا بنظام سياسي واحد، ورئيس دولة واحدة، والتي لا تتحقق مع واقع الوجود الإنساني في الأرض.

فدولنا المختلفة تعبر عن الوحدة عندما حكامها يتفقون في آرائهم ومواقفهم إزاء الأحداث والمستجدات ويتفاعلون بإيجابية أكثر فيما بينهم، إقتصاديا وعلميا وثقافيا.

أما الطلبات الخيالية، والأهداف الرومانسية المنثورة على الورق فغير ممكنة وفقا لمفردات الواقع، والعوامل الفاعلة فيه ضمن فترتها التأريخية، فلكل حالة زمنية شروطها وأولوياتها وقوانينها، أما إذا جرّدنا الحياة من عامل الزمن، فأن مقاييس الخطأ والصواب ستضيع.

إن أبسط ميكانيكيات الوحدة هو التفاعل الإيجابي ولا معنى لها بغير التفاعل، أما أن ننادي بغير ذلك، فسلوكنا لا وحدوي منذ البدء.

فكيف نقول اننا فشلنا في تحقيق الوحدة، وما خطونا خطوات وحدوية على الإطلاق، فما كانت تجاربنا وحدوية حقيقية وإنما خيالية ووهمية .

إن إرادة الأمم والشعوب تكون، ولا توجد إرادة مهما كان نوعها قد حملتها الأمم والشعوب وعملت من أجلها إلا وكانت أو تحققت، فلننظر إلى التأريخ بعين العقل وندرك قوانينه ولا نتصورها.

ولا أريد ان ألغي الإرادة الطامعة بالأمة ودورها.

لكننا نحمّل الغير أسباب كل شيئ ونعفي أنفسنا من كل شيئ، ولهذا نصف أنفسنا دون قصدٍ على أننا دمى ومجتمع من البشر الآلي.

لا أحد يستطيع قهر الشعوب إن لم تمكنه الشعوب من نفسها، ولا يوجد في التأريخ شعب مغلوب إلا وقد مكن غالبه منه، ووفر له الأسباب والظروف اللازمة لتحقيق إرادة الطامع فيه.

وموضوع العداء، حالة قائمة ما دامت الحياة، ولا يمكننا أن نتصور الحياة نزهة، وغيرنا يضمرون الحب لنا.

إن الحياة تفاعل ما بين الشعوب، وكل شعب لديه رغبة في إمتلاك ما لدى الشعب الآخر، وكل قوي يطمح إلى فرض سيادته وإظهار قوته وأثرها، والذي يريد أن يكون عليه أن يعرف كيف يتعامل مع كل القوى والأطراف، ويستنفر ما فيه من قدرات الحلم، والسياسة والحكمة والعقل لكي يحافظ على وجوده القوي ودوره المؤثر في الحياة.

ولنا في صيرورة الإسلام وسياسة محمد أعظم دروس والعبر، فقد ترعرع الإسلام في بيئة محبطة فيها الأعداء من كل جانب، لكن محمد بحكمته وسياسته إستطاع أن يشق طريقه وسط أعدائه ويحتويهم جميعا، وهذا دليل على أن الصيرورة ممكنة في وطن الأعداء وليس بوجودهم وحسب.

إن تفسيراتنا كانت تبريرية إسقاطية وما أقل تحليلنا العلمي الدقيق، وهذان الإتجاهان لا يزالان بؤثران، وهما آلياتيان دفاعياتان للنفس البشرية لا تعبران عن درجة عالية من النضج الفكري والعاطفي.

إن الإسقاط والتبرير من أكبر العيوب التي رافقت الفكر العربي على مدى قرن من الزمان، وتم إستخدام التأريخ والدين ليطلقا وجهات النظر، وأضيف إليها العدو المتصور والحقيقي، حتى صرنا نكتب وكأننا في بطن الحيتان، أو في أعماق المخاطر وأتون الهلاك، وفي هذا إسفاف في التضخيم ومجانبة لمفردات الوافع، وإنغماس في رؤانا التي تأخذنا إلى حيث تشاء الأهواء والتهيؤات.

وإنا جعلنا النور نارا في ديارنا!!

***

د. صادق السامرائي

12\6\1998

إن الحروب التي خاضتها دولة الاحتلال ابتداءً من الانتفاضة الأولى عام ١٩٨٧ لا تصنف من ضمن الحروب التقليدية فهي لا تشبه من حيث الشكل والطبيعة الحروب التي خاضتها في ٤٨ وما تلاها من حروب كالعدوان الثلاثي ٥٦ على مصر ولا حرب الأيام الستة ٦٧ ولا حرب ٦٨ ولا حتى حرب أكتوبر ٧٣. فحرب الانتفاضة ٨٧ وما تلاها عام ٢٠٠٠ الانتفاضة الثانية والتي لم تتوقف فعليا إلا عام ٢٠٠٥ ثم حروبها الستة على غزة ابتداء من عام ٢٠٠٨ وانتهاء بحربها الأخيرة ٢٠٢٣ كانت مختلفة في شكلها وطبيعتها فهي ليست بين دول وبالتالي ليست بين جيشين. فالدولة التي تشارك هي دولة الاحتلال والجيش هو جيشها وقد يشاركهم جنود من جيوش أخرى مثلما يحصل اليوم في غزة حيث يشارك جنود أمريكان وفرنسيين ومرتزقة من شتى أصقاع الأرض وفي الطرف المقابل المقاومة الفلسطينية بفصائلها.

ومن هنا لو نظرنا إلى طرق الحرب ووسائلها لوجدناها مختلفة عن الحروب الأخرى فالقوة غير متساوية ولا متكافئة لا من حيث عدد المشاركين ولا في نوعية وكمية الأسلحة المستخدمة. كما سنجد أن هناك هناك مساس بالمدنيين ومساكنهم والمستشفيات وغيرها من المؤسسات والبنى التحتية التي لا يحصل المساس بها في أي حرب متكافئة.

واليوم في حربها على غزة نجد دولة الاحتلال كجيش بكامل معداته وأسلحته المتطورة مقابل حركة حماس بذراعها العسكري وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى بأسلحتها المتواضعة. بهدف معلن لدولة الاحتلال وهو القضاء على حماس. لكننا نجدها تفرض العقوبات الجماعية التي ترتكب بحق المدنيين وتعوض عن عجز جيشها في تحقيق أهدافها بارتكاب المجازر دون التفريق بين بشر أو حجر أو حيوان. كما انها حرب ليس من السهل إنهاؤها، بل ان دولة الاحتلال لا تريد إنهاء هذه الحرب بل وخرقت القوانين التي تسمى بالدولية ولم تحترم قوانين حقوق الإنسان بارتكابها ما لم يرتكب في أي حرب أخرى. كما أن تدخل بعض القوى الدولية في مثل هذه الحروب كما تدخلت أمريكا وغيرها.

وكون دولة الاحتلال الوحيدة التي لم تعلن إلى يومنا هذا حدودا رسمية لها ،فإن قضية اليهود لم تنتهي كونها تتعلق بأهداف توسعية وتحقيق الدولة الكبيرة التي يحلمون بها والخالية من أي عرق آخر غير اليهودي لذلك فإن حروبها لن تنتهي وستبقى تصارع على البقاء حتى وهي تلتقط أنفاسها الأخيرة. وأخيرا وبما أنها حرب غير متكافئة،هنالك سؤال يطرح نفسه..هل استخدام قوة عسكرية أكبر في قطاع ضيق ومكتظ وإبادة سكانه جلب الانتصار لدولة الاحتلال وهل حققت أهدافها؟

 ما يحدث في غزة أجاب، وكانت الإجابة" لا" فبالرغم من كل الفظاعات التي ارتكبتها إلا أنها لم تحقق أهدافها ولم تنتصر فهذه طائرة إف ١٦ لم تهزم المقاوم الفلسطيني ولا الميركافا استطاعت الصمود أمام مسافة صفرهم.

***

بديعة النعيمي

هناك مثل سائد في مجتمعنا العراقي، يصور حالة الحرج واللابد والحتمية في اتخاذ قرار ما على عجالة، يقول المثل: "الحديده حاره".

اليوم نمر بظرف ليس لنا فيه متسع للوم والتقريع او المحاسبة، وإن أنصفنا الحكم والرأي فإن ماوصل إليه بلدنا، بوضعه على شفا حفرة من نار، فإننا جميعا قد أسهمنا بإيقادها، وليس حكومتنا وساستنا وحدهم، كما أن كشف حساباتٍ وإثارة ملفات ونشر غسيل قديم ماعاد لها جدوى، إلا إذا كانت الجدية في تصحيح المسار هي نقطة الشروع فيما نمضي فيه.

وكما للأعمال أولويات، كذلك للمشاكل والمصائب أولويات أيضا، ولحلولها قطعا أكثر من أولويات ودرجات اهتمام قصوى، نشترك في صياغتها على النحو الأمثل والوجه الأكمل. وكلنا مسؤولون عن النتائج كيفما كانت، وليس لنا مناص من المواجهة الحقيقية -وإن كانت صادمة- مع الأمر الذي وقع والذي واقع لامحالة. وليس من مصلحتنا التهرب بعيدا، او الانزواء جانبا أمام ماتفرزه لنا الأحداث ومايستجد منها يوميا. وإن فرزنا العراقيين من حيث الولاء والانتماء للوطن، فهم على صنفين، صنف يمتلك مستمسكات رسمية بيروقراطية لا تعدو كونها حبرا على ورق، لاتنم بصلة إلى الولاء والانتماء الصادق إلى الدولة كوطن أم. والصنف الثاني، هم المجنسون بهوية عراقية بصمتها فصيلة الدم، وهم يستنشقون هواء العراق ويرتوون من ماء نهريه، ولهم امتداد روحي خالص من جذوره قلبا وقالبا، جوهرا ومظهرا، وكما نقول: (من الوريد للوريد). وكما أن الصنف الأول كثيرون، فإن الصنف الثاني كذلك، غير أن الصورة العامة تحكمها قاعدة: (الساية تعم). أو كما يقول مثلنا: "اثنين يبخرون وعشرة..."

وبذا فإن ثقل مسؤولية تصحيح المسار، يعوَّل على حمله العراقيون المنتمون روحا إلى تراب وطنهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر سأبين بعضهم في السطور التالية:

- الذين يستنشقون نسمات مدنهم بملء صدورهم وكأنها عبق من ريح الجنان، ولايستبدلونها بهواء بلاد غير بلادهم.

- العراقيون الذين تمتد جذورهم مع امتداد حضارات سومر وأكد وبابل وآشور، فيلتصقون بتراب الأرض المعطاء على مر العصور الغابرة واللاحقة.

- العراقيون الذين يجري في عروقهم دم لايستغنون عنه، كما هم لايستغنون عن الماء الذي يجري في أحضان دجلة والفرات.

- العراقيون الذين لاينام لهم طرف إذا مس شر او ضرر شبرا من محافظات عراقهم.

- العراقيون المتألمون لما حدث بالأمس ومايحدث اليوم على أرض وطنهم، والشاكون لأنفسهم عن سوء ما جناه رعاع خونة محسوبون على العراق والعراقيين، وهم لاينتمون اليه من قريب او من بعيد، كما يقول شاعر:

وددت لو يسـتعيد الدهر دورتــه

ولو لحظة من زمان الأمس تسـترق

ماذا سأشكو على الأوراق من ألـم

أقــل شـكـواي لايقـوى لـه الورق

نحـن انتمينـا الـى تاريخنـا بدم

وآخـرون علـى تاريخهـم بصقـــوا

إنه من غير المعقول أن يستوي الأعمى والبصير، ومن غير المستساغ ان يتساوى المحب للخير والجمال، مع الذين في قلوبهم مرض ولا يفقهون شيئا عن معنى الجمال وأشكاله وألوانه، فهم صم بكم عمي عن كل ماله صلة بالحياة.

هؤلاء الظلاميون هم الذين لايرون في دوران الأرض غير الصداع و(دوخة الراس) ولايرون في النجوم الزهر غير ضوء آفلٍ، ليس له في قاموسهم أي معنى، فيما يراها الطيبون الخيرون لآلئ تضيء صفحة السماء، فتبعث في نفوسهم التأمل في جمال الكون وعظمة صنيعة الخالق. اليوم نحن جميعا مطالبون بالوقوف أمام من يودون إرجاع عقارب حضارات العراق الى الخلف، وليس لهم من الحب والجمال والحياة الكريمة من شيء، هم بأسماء عديدة فمنهم؛ "الداعشي" ومنهم "الطائفي" ومنهم "السارق" ومنهم "الفاسد" ومنهم "المزور" ومنهم "المرتشي" وأغلبهم يشغل منصبا قياديا في مؤسسات البلاد، ويتوجب علينا جميعا مواجهتهم ما استطعنا.

***

علي علي

 

في هذه الأيام، لو وضعت أصبعك بشكل عشوائي، على أي مكان في خارطة العالم، ستجد هناك مهاجرون ولاجئون وصلوا اليه من العراق. لا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد اللاجئين والمهاجرين من العراق، لكن منظمة الهجرة العالمية (IOM) تقدر العدد بأكثر من مليونين، ممن تركوا بلدهم في العقود الأخيرة، وبدأوا حياة جديدة بعيدا عن سمائهم الأولى في دول الجوار ومختلف البلدان الاوربية ومنها فنلندا.

ارتبطت الهجرة في العراق أساسا بطبيعة الانظمة الحاكمة وسياساتها المباشرة. إذ شهد العراق موجات هجرة كبيرة في ثمانينات القرن الماضي بسبب من الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988، واستقر اغلب العراقيين في تلك الفترة في دول الجوار، مثل إيران وسوريا وتركيا والأردن وحتى بعض دول الخليج والسعودية، على آمل حصول تغيير ما في بلدهم والعودة أليه، لكن بعد فشل انتفاضة الشعب العراقي في اذار 1991 ، التي حاولت الحكومة الإسلامية في ايران التدخل في مجرياتها، فقمعت الانتفاضة بشكل دموي ووحشي من قبل نظام صدام حسين بتسهيلات من الادارة الامريكية، التي خافت من إمكانية قيام نظام موال لإيران، فتولدت أيامها قناعة عند العراقيين، من ان نظام صدام حسين سيعيش فترة أطول، فبدأت موجة هجرة من دول الجوار العراقي نحو البلدان الاوربية. وحصلت لاحقا موجات هجرة أخرى من بعد الغزو الأمريكي للعراق 2003، ومن ثم بعد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والحملات العسكرية لتحجيمها والقضاء عليها. في كل هذه الهجرات، كان هم وهدف العراقيين الأول والدائم هو البحث عن سقف آمن. ربما في فترة العقوبات الاقتصادية، التي فرضت على العراق، والتي استمرت من عام 1991 حتى الإطاحة بنظام حكم صدام حسين يمكن اعتبار الأسباب الاقتصادية أحد العوامل لهجرة العراقيين، لكن عموما، كانت الحروب، حروب صدام الداخلية والخارجية والسياسات البوليسية القمعية، هي في صدارة الأسباب التي تدفع بالعراقيين لترك بلدهم وتحمل المخاطر والمجازفات وصرف مدخراتهم لأجل الوصل لبلد آمن.

هذه الأيام، مع ازمة الحدود ما بين روسيا وفنلندا، ووصول اعداد متزايدة من اللاجئين الى نقاط العبور على حدود فنلندا الشرقية، اشارت الاخبار الرسمية الى وجود عدد ليس قليل من العراقيين ما بين راكبي الدراجات بغرض طلب اللجوء والحماية الدولية، ونشرت وسائل الاعلام الفنلندية لقاءات مع بعضهم، وان مرور سريع لأي متابع لوسائل التواصل الاجتماعي، لمواقع بعض من هذه الأسماء، سيجد ان احوالهم الاقتصادية في العراق كانت جيدة، بل وبعضهم يعيش حياة باذخة، إذن... لماذا يتركون كل هذا ويتحملون أخطار السفر ومجازفاته في البرد والثلج ويقصدون بلدا مثل فنلندا، بعيدا تحت سماء القطب؟

تبين دراسة لمنظمة الهجرة العالمية (IOM) نشرت في شهر آب الماضي، ان فنلندا وألمانيا هي أكثر البلدان الاوربية تفضيلا بالنسبة للمهاجرين العراقيين للاستقرار فيها، بسبب ما معروف عن البلدين من استقرار سياسي وطبيعة الأنظمة والقوانين فيها، وتشير نفس الدراسة الى ان أسباب الهجرة من العراق في الفترة الأخيرة تكمن في (عدم الاستقرار الاقتصادي والأمني والسياسي وغياب العدالة الاجتماعية في البلد). يشير الدستور العراقي الحالي، الذي اقر عام 2005 بعد سقوط نظام صدام حسين، بأن العراق الحالي جمهورية برلمانية ديمقراطية فيدرالية، وفيه نظام التعددية الحزبية، لكن الواقع المعاش ان الحكومات المتعاقبة، التي شكلتها قوى الإسلام السياسي، المدعومة بإشكال مختلفة، من قبل جمهورية ايران الإسلامية والولايات المتحدة الأمريكية، قامت على أساس نهج المحاصصة الطائفية والاثنية، مما ساعد على انتشار الفساد في كل مفاصل الدولة العراقية نهجا وممارسة، وأعتمد مبدأ تقاسم السلطة والثروة، فتعطل الدستور عمليا، وغاب مبدأ المواطنة والهوية الوطنية، وتم تفتيتها الى هويات دينية ومذهبية وقومية ومناطقية، مما عزز منظومة الفساد والفاسدين واستمرار ظاهرة سرقة المال العام وغياب سلطة القانون وبروز سلطة الاحزاب التي تملك اذرعا مسلحة (ميلشيات)، فارتفعت نسبة البطالة بين الشباب، مع الانتهاك المستمر من قبل قوى المليشيات للحريات العامة والشخصية، ترافقا مع غياب العدالة الاجتماعية، مما كان سببا في اندلاع احتجاجات واعتصامات كانت ذروتها في انتفاضة تشرين عام 2019 ، التي عمت العاصمة بغداد واغلب المدن العراقية، احتجاجا على تردي الأوضاع في البلاد. وجوبهت الانتفاضة الشعبية بعنف شديد من قبل قوات الامن العراقية ومليشيات الاحزاب، ونشط القناصة لاغتيال المحتجين وكانت النتيجة استشهاد حوالي 740 شخصاً، وفي حينه حدثت موجة الهجرة الى أوروبا، حيث وصل الالاف منهم الى فنلندا.

في كل الهجرات، التي حصلت من العراق، كان المهاجر العراقي يبحث عن سقفا آمن، يبحث عن استعادة كرامته المنتهكة من السلطات القمعية والمليشيات، لهذا نجد شباب نالوا التحصيل الأكاديمي العالي في العراق، أو ان أوضاعهم الاقتصادية جيدة، يتركون بلدهم بحثا عن حياة أفضل يستعيدون فيها انسانيتهم، بل ان بعضهم ولأجل ضمان قبوله كلاجئ يضطر لإدعاء تغيير دينه أو يدعي المثلية او حتى البحث عن علاقة زواج غير متكافئة،  وهكذا ما دامت في العراق والشرق الأوسط تحكم أنظمة غير ديمقراطية، وتغيب العدالة الاجتماعية وتنتهك الحريات العامة والشخصية وتقمع حرية التعبير، فان الهجرة من العراق الى أوروبا وفنلندا لن تتوقف. وهذا يضعنا امام أسئلة أكبر، ويلقي على المؤسسات والحكومات الدولية مهمة معقدة ومتشعبة، قد يكون لها حديث آخر!

***

يوسف ابو الفوز

......................

* نص المقال، الذي نشره الموقع الاليكتروني لحزب اتحاد اليسار الفنلندي ليوم الاثنين 18 كانون الأول 2023 عن الهجرة من العراق عبر الحدود الروسية، ترجمه الى اللغة الفنلندية الدكتور ماركو يونتنين أستاذ كرسي دراسات الشرق الأوسط في جامعة هلسنكي. ونشرت طريق الشعب البغدادية استعراضا له في عدد يوم الاحد 14 كانون الثاني 2024 .

لا يعترفون بالهزيمة بل يواصلون تعنتهم وصلفهم وعشقهم للغنيمة.. عرفنا هذه الحقيقة جيدا من دفاتر التاريخ وبامكاننا أن تذهب بعيدا في التفسير وتاويل المقاصد.. وحده الزمن بكل منعطفاته ومفارقاته وكوابيسه كفيل بكشف الالاعيب والمخططات والمؤامرات.. رغم كل شيء سنواصل السير على جمرات الواقع ولا يهمنا انهاك الجسد والذاكرة.. لابد من الخروج من النفق الكبير مهما تكبر التضحيات..

المدافع الجسور عن المشروع الوطني الديمقراطي بافقه الاجتماعي لا ترعبه الاساليب المنتهجة من قبل الخصوم بل تزيده اصرارا على مواصلة الدرب العسير بعزيمة المقاتلين الشجعان وعقيدة المحاربين العاشقين لبهاء المعركة...

لقد اثبتت التجارب عبر كل مسارات التاريخ القديم والحديث والمعاصر ان الشعوب الطامحة للتحرر الوطني والإنعتاق الإجتماعي، لا ترهبهم التضحيات الجسام والخسائر في الأرواح والممتلكات،بل تزيدهم إصرارا وعزيمة على مواصلة المشوار والمسار المضني بإتجاه الحرية،هذه الحسناء الخارقة الجمال والبهاء والنبل الساكنة في ادمغة الأحرار..

ليس خافيا على أحد ان مشاريع التحرر الكبرى التي خاضتها الإنسانية التقدمية، لم تات من فراغ، بل كانت بوصلتها المركزية في المعركة قيم العقلانية والتنوير ومناهضة الظلامية والذهاب بافكار التقدم والمواطنة وعلوية القانون والأفق الإجتماعي للدولة الوطنية إلى الأمام مهما تكبر التضحيات في الزمان والمكان.المهم في المعركة، هو الإيمان اليقيني بمشروعية الصراع مع كل الكيانات المتصادمة مع الإنسان، جسدا وروحا وقيمة مناهضة للاستبداد والإستغلال والتبخيس والسلعنة والتحقير.

يبدو ان الإنسانية في هذه المرحلة التاريخية المفصلية تمر باحلك فتراتها عل الإطلاق، ولعل وحشية المجازر والمذابح التي يرتكبها الكيان الصهيوني الغاصب النازي في غزة، وبايعاز وتشجيع من القيادة السياسية والعسكرية للامبريالية الأمريكية دليل واضح على هذا المسار الغارق في الظلام.

ليس هناك أي افق للخروج من هذا النفق الكبير، سوى التحالف الموضوعي الذي فرضته الأحداث والوقائع بين القوى السياسية والمدنية المؤمنة بقيم التنوير والتقدم والعدالة الإجتماعية وحقوق الإنسان ودولة القانون والمؤسسات لخوض معركة مفصلية ومصيرية مع القوى الإستعمارية بكل رمزية هذه في قاموس الفكر السياسي، هنا وهناك، في كل اقاليم المعمورة. إن المنعطفات التاريخية الكبرى التي حدثت الإنسانية، لم تكن ثمرة صراعات هامشية، بل كانت نتيجة معارك حاملة لمشاريع كبرى في التحرر والإنعتاق ضد خصوم الحرية والعدل الإجتماعي وقيم التقدم وانسنة المجتمعات خارج محددات الدين والعرق والإقليم واللون واللغة والطائفة..

سابقى الإنسانية تدور في دوامة المتاهة، طالما ان القوى المؤمنة بانسنة المجتمعات، لم تتوحد وتتكتل في جبهة واحدة ضد كيانات الإستبداد والإستغلال والعبودية المعاصرة.. الغد تصنعه السواعد والعقول المستنيرة بعيدا عن الظلام بكل تعبيراته.

***

البشير عبيد

كاتب تونسي مهتم بقضايا التنوير وإشكاليات المشهد السياسي العربي والنزاعات والصراعات الدولية.

 

يشتد الصراع بين القوى العظمى والكبرى في العالم؛ اقتصاديا وتجاريا وماليا. وكل يوم يمر؛ تتسع مساحات هذا الصراع، وتتسع وتنتشر وتتنوع معها؛ حروب الوكلاء، في جميع دول ومناطق العالم تقريبا. ان واحدة وليس كلها؛ من اهم السبل للتخلص من الهيمنة والجبروت والغطرسة الامريكية وغزواتها على الدول والشعوب واحتلالها لها؛ هو انهاء، او على الاقل تقليص سيطرة الدولار الامريكي على الاقتصاد العالمي، بما يرافق هذا ويصاحبه حكما؛ من صراعات اقتصادية وما هو إليها. ان هذا التحول يؤدي لزاما الى أحداث توازن في العلاقات الاقتصادية الدولية المتكافئة، والمنفعة المشتركة؛ على اسس العدالة في العالم، وهذا هو ما حاصل الآن تجليا؛ كبداية في هذا التحول المرتقب؛ الذي سوف يكون فيه الصراع العالمي؛ صراع تنافسي في الاقتصاد والتجارة والمال والاعمال؛ وتتسع معه، بالتوازي مساحات الصرعات العسكرية؛ بأذرع وكلاء حروب الانابة. على حساب.. ان هذه البدايات لم تكن او لم تبدأ في الوقت الحاضر، بل انها بدأت منذ عدة سنوات، إنما هي صارت واضحة تماما في الوقت الحاضر؛ من خلال تسارع الدول الكبرى، الصين وروسيا؛ بإقامة تجمعات ومنظمات اقتصادية تشاركية؛ منظمة البريكس، ومنظمة شنغهاي واوراسيا، لكن البريكس تقع في خانة الصدارة؛ لأنها تضم دول عظمى وكبرى، الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب افريقيا. هذه المنظمة في الوقت الحاضر تتدافع اغلب دول الجنوب او الدول ذات الاقتصادات الصاعدة، وحتى غير الصاعدة؛ السعودية وايران والامارات العربية واثيوبيا والسعودية وفنزويلا والارجنتين؛ للانضمام إليها، وقد تم قبولهما كما اعضاء كاملي العضوية في المنظمة مؤخرا. دول منظمة البريكس تعمل وبدفع من الصين وروسيا على ايجاد عملة بديلة عن الدولار في التعامل البيني؛ حتى يتم لها التخلص ولو بعد زمن ما؛ من هيمنة الدولار وبالتالي وبالنتيجة من الهيمنة والتأثير الامريكيين عليها. من الصعوبة بمكان حسب رأي خبراء هذا الشأن ان يتم ولو في المستقبل المنظور التخلص او تقليص هيمنة الدولار على هذه الدول من النواحي الاقتصادية والتجارية والمالية، وحتى الركون الى التعامل بالعملة المحلية؛ امر يجده خبراء الاقتصاد امرا في غاية الصعوبة على الاقل في الوقت الحاضر وحتى في الزمن المنظور، وربما ابعد منه زمنيا. لكن هذه المحاولات سوف تستمر وبقوة في الان، وفي الامد المنظور الى ان يتم لها ولو بعد حين من الان؛ التخلص من سيطرة الدولار على الاقتصاد والتجارة العالميين. من وجهة النظر الشخصية المتواضعة؛ انهاء سيطرة الدولار على الاقتصاد العالمي امرا مفروغ منه، لكن زمن او وقت حدوث هذا التخلص؛ من الصعوبة الكبيرة جدا؛ تحديده زمنيا. من الجانب الثاني ومن وجهة النظر الشخصية المتواضعة ايضا؛ ان التعامل التبادلي بالعملة المحلية لدول البريكس؛ سوف لن ينجح في المقبل من الزمن. ان الذي سوف ينجح هو استخدام العملة الصينية اليوان، كبديل عن الدولار في التعامل الاقتصادي والتجاري والمالي بين دول منظمة البريكس؛ فهي العملة الوحيدة القادرة ان تكون عملة دولية، أما بقية عملات دول البريكس، فليس لها اي حظوظ ان تكون هي العملة البديلة في التعامل التجاري والمالي والاقتصادي لمنظمة البريكس؛ لأن جميعها لا تمتلك قوة اليوان من ناحية الهيكل الصناعي الواسع جدا لجهة الانتاج الصناعي المتنوع والواسع جدا، والذي يغطي جميع الحقول وجميع الحاجات سواء المدنية او العسكرية او غيرهما. ان من المعروف ان الصين هي مصدر القلق الامريكي وليس اية دولة اخرى، بما في ذلك روسيا؛ بسبب مشاريع الصين في العالم وقدرتها اي الصين على تنفيذ ما تخططه على الورق؛ بتحويله؛ الى واقع على الارض، بالاتفاق مع مختلف الدول في العالم؛ ذات علاقة بهذه المشاريع الصينية؛ بما فيها دول منظمة البريكس، سواء اعضاءها المعروفين او الاعضاء الجدد او الدول الأخرى التي سوف تتدافع للانضمام الى المنظمة في المقبل من سنين المستقبل. بالاعتماد على قراءة خبراء الاقتصاد للاقتصاد الدولي.. ان هذا يعني مستقبلا؛ ان هذه الدول ومن خلال المشاريع الصينية، في الحزام والطريق، وغيرها من مشاريع الصين الطموحة الأخرى؛ سوف تحتاج الى اليوان الصيني اكثر كثيرا من الدولار في التعامل مع الصين في الاقتصاد والتجارة والمال والاعمال وما الى ذلك او ما يقع في هذا الاطار من التعاملات الاقتصادية والتجارية والمالية، في جميع حقول سلاسل التوريد للمواد المصنعة في المصنع الصيني الكبير. كما ان الصين هي ايضا سوف تستخدم اليوان في استيراد المعادن والطاقة والمواد الاولية الأخرى من بقية الدول الاعضاء في منظمة البريكس. ان اكتناز اليوان في دول منظمة البريكس؛ لن يظل بلا منافذ للاستخدام والتفعيل، ليس مع الصين فقط، بل ايضا مع بقية دول المنظمة في التبادل التجاري البيني؛ لأن جميعها، سوف تحتاج له في توريد ما تحتاج اسواقها من المواد المصنعة صينيا او في مصنع الصيني الدولي، او من مصانع الدول الأخرى، او غيرها من المعادن والطاقة والمواد التي تحتاج لها الاسواق والمصانع. ان هذا لا يتم الا بعد الاتفاق والتوافق بين دول المنظمة على اعتماد العملة الصينية، اليوان كبديل عن الدولار في التعاملات الاقتصادية لهذه الدول. ان هذه العملية الطموحة، ربما كبيرة جدا؛ سوف يتم الاتفاق عليها، بين دول المنظمة، في المقبل من السنين؛ بالركون إليه، عندما تقتنع جميع دول المنظمة؛ بأن لا طريق هناك للتخلص من سيطرة الدولار الامريكي على اقتصاداتها، الا باعتماد اليوان كعملة بديلة عن الدولار. من هنا، في الوقت الحاضر، وعلى طول هذا المسار الذي سوف يبلغ مبتغاه، ان نجحت دول منظمة البريكس، وبالذات الصين وروسيا، باعتماد اليوان كعملة بديلة عن دولار؛ سوف يبدأ الصراع الاقتصادي التنافسي بين الصين وامريكا بالدرجة او بالمستوى الاساس لهذا الصراع التنافسي على مستوى العالم، او لناحية الواقع الموضوعي وحقيقة هذا الصراع؛ من انه قد بدأ قبل عدة سنوات، بطريقة خفية قبل ان يظهر الى العلن والوضوح في الوقت الحاضر، بما فيه الكفاية.

***

مزهر جبر الساعدي

 

لا يمكن تفسير الهجوم الذي بدأته الولايات المتحدة وبريطانيا فجر يوم الجمعة الماضية على مواقع تابعة للحوثيين في عدة مدن يمنية، عن حرب الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون في قطاع غزة من قِبَلِ جيش الاحتلال الإسرائيلي الغاشم.

حيث أكد قائد القوات الجوية الأمريكية في الشرق الأوسط الجنرال ليكسوس غرينكويتش شن ضربات ضد 60 هدفاً في 16 موقعاً تابعاً للحوثيين، واستخدام أكثر من 100 صاروخ موجه في تلك الضربات.

من جهته أكد عضو المجلس السياسي الأعلى لجماعة "أنصار الله"، الحوثيين، محمد علي الحوثي أن القصف الأمريكي البريطاني همجي وتوعد بالرد عليه.

ويبدو أن خطورة هذا التصعيد مرده ذلك التعامي عن معالجة الأسباب الحقيقة للموقف الحوثي المعلن ضد السفن التي تتجه إلى "إسرائيل" بغض النظر عن جنسيتها.

ففي غزة توجد أسباب الأزمة ويكمن الحل، وهو ما أعلنه الحوثيون بعد اختطاف أولى السفن المتجهة إلى ميناء "إيلات" في 13 ديسمبر 2023 بأنهم سيواصلون "تنفيذ عملياتهم العسكرية ضد العدو الإسرائيلي"، وكذلك "تنفيذ قرار منع السفن الإسرائيلية من الملاحة في البحرين: الأحمر والعرب؛ نصرة للشعب الفلسطيني المظلوم".

الولايات المتحدة من جهتها تصرّ على التصعيد التدريجي في اليمن رغم إدراكها لخطورة ذلك على الملاحة الدولية؛ حتى لو جرّت برعونتها المِنْطقةِ إلى حربٍ شاملةٍ يتحاشاها الجميع.

يأتي ذلك خلافاً لما تدّعيه في أنها لجأت إلى استخدام القوة الرادعة ضد الحوثيين لحماية الملاحة البحرية الدولية في البحر الأحمر، من خلال الضغط على الإرادة اليمنية التي تبنت من جهتها قرار مهاجمة السفن الإسرائيلية نصرة لغزة من أجل تخفيف الضغط عن أهل القطاع؛ وذلك في سياق وحدة الساحات التي تضم أنصار الله الحوثي في اليمن، وحزب الله في لبنان، وفصائل المقاومة في الضفة وقطاع غزة التي تواجه الاحتلال باقتدار في حرب وجودية ضروس لا تبقي ولا تذر.

من هنا اتّخذ جميعُ أطرافِ هذا الصراع جانبَ الحيطةِ والحذرِ؛ بانتظار الردّ الحوثي التصعيدي، الذي من المرجح أن يستهدف السفن في نطاق أوسع إلى جانب قصف إيلات بالصواريخ البالستية.

والغريب أن أمريكيا تناقض نفسها وهي تصرّ على أنها لا تريد توسيع إطار الحرب فيما هي تستمر في دعم "إسرائيل" وتؤلب العالم على محور المقاومة، وتحشد العالم على ضرب اليمن بمشاركة بريطانية، وذلك بعد تأمين التغطية القانونية للهجوم على الحوثيين من خلال الضغط على مجلس الأمن الدولي لاستصدار القرار 2722 الذي يدين الهجمات التي شنها الحوثيون على السفن التجارية وسفن النقل في البحر الأحمر مطالباً بالوقف الفوري لجميع هذه الهجمات.

لذلك تجاوزت أمريكا الأسباب الحقيقية للموقف اليمني المتشدد المربوط بالعدوان على غزة، متذرعة بما دعا إليه القرار أعلاه؛ بتعزيز سلامة السفن التجارية وسفن النقل من جميع الدول ومرورها بأمان عبر البحر الأحمر.

ثم ضرورة مواصلة الدول الأعضاء في التحالف الذي تقوده أمريكا ضد الحوثيين في اليمن ببناء وتعزيز قدراتها، ودعمها لبناء قدرات الدول الساحلية ودول الموانئ في البحر الأحمر وباب المندب بهدف تعزيز الأمن البحري.

ولم تأخذ أمريكا بالحسبان ما نص عليه القرار مشدداً على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية، بما في ذلك النزاعات التي تسهم في التوترات الإقليمية والإخلال بالأمن البحري، من أجل ضمان الاستجابة بسرعة وبكفاءة وفعالية.

وبما أن الربط بين الحرب على غزة وباب المندب استراتيجية حوثية ضمن وحدة الساحات، فقد أدانت حركة حماس يوم الجمعة قصفَ الحوثيين معتبرة أنه "تهديد لأمن المنطقة التي تشهد عسكرة أميركية وبريطانية جاءت لحماية الاحتلال الإسرائيلي، وللتغطية على ما ترتكبه بحق الشعب الفلسطيني من مجازر.

وأكدت حماس أيضاً أن المنطقة "لن تشهد أمناً واستقراراً" إلا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، "وهو ما يستدعي من واشنطن ولندن مراجعة سياساتهما الاستعمارية"، بحسب البيان.

ويبدو أن العقل السكسو صهيوني أصيب بلوثة، فعلى الرغم من إدراكه بأن ما يجمع بين غزة وباب المندب هو رباط مقدس لا فكاك منه، وإن ما بين فلسطين واليمن مصير واحد، يأخذ العنادُ والغرورُ المقامرين إلى حتفهم بتجاهلهم للأسباب.

هذه رعونة من شأنها أن تعرّضَ المشروعَ الصهيونيّ والمصالحَ الأمريكية في الشرق الأوسط إلى خطرٍ وجودي.

ولعل مثولَ "إسرائيل" أمامَ مِحكمة الجناياتِ الدولية بموجب القضية التي رفعتها جنوب افريقيا ضد جيش الاحتلال، قد تطولُ الأمريكيين كشركاءٍ في حربِ الإبادةِ ضد الشّعب الفلسطي المغبون.

***

بقلم بكر السباتين

14 يناير 2024

 

العقل: إدراك الأشياء على حقيقتها بالجملة، ومظهره التمييز بين الخير والشر.

اللامعقول: ضد العقل

توحل: تلطخ بالوحل (الطين الرقيق) ووقع فيه

ما قيمة الخطاب العقلي في واقع يهيمن عليه اللامعقول؟

مجتمعات الأمة في وديان العواطف والإنفعالات الملتهبة الضرورية لتمرير المشاريع وتأمين المصالح، وهي غير قادرة على تفعيل العقول، بل كل التوجهات تسعى لتعطيلها، وتحويل الناس إلى أشياء أو دمى تحركها وسائل الإعلام المطبلة لإرادات الآخرين بأنواعهم.

وفي هذه الحالة يكون المعقول منبوذا، وما هو خرافي وكاذب مرغوبا والغابر محبوبا، وعندها يكون كلام العقل خطابا لحائط أصم، يخشى أن يرد بصدى!!

فالمسافة تزداد إتساعا بين الطرح المعقول والواقع المقتول، أو المباد عن بكرة أبية، والمتحول إلى موجود فارغ وبنيان متهالك، تداهمه أعاصير العواطف والإنفعالات الهوجاء المؤجَجَة بنيران الطامعين.

فالكتابات العاقلة لا قيمة لها ولا تحوز على قراء ومتابعين، ولا تجد مَن يسوّقها، لأن الواقع اللامعقول، يبحث عن الأكاذيب والإفتراءات وما هو غيبي ومحجوب، وقادر على إطلاق الأوهام والتصورات اللازمة لإرضاء الرغبات المسعورة، المتدفقة من أعماق الإنطمار في الغابرات.

يمكن لأي موضوع كاذب ملفق مبوّق لكرسي ما أن ينتشر كالنار في الهشيم، وسيجد العديد من وسائل الإعلام والمواقع والصحف تتهافت على نشره وبثه، لأنه يخدم مصالح ذوي العاهات الكرسوية.

 فالعاقل جبان، ومدّعي، ويعيش في الخيال، وعليه أن يمارس مناهج البهيمة ويتماهى مع القطيع اللازم لتأمين سياسات السمع والطاعة، عندها يدرك بأنه يتحرك في المجتمع، ويمتثل لنداء حشر مع الناس عيد، أما إذا نطق بالحق فستهب عليه أعاصير خالف تُعرف، وكأن الحق مُدان والباطل سلطان.

وهكذا فاللامعقول يزهق المعقول ويمحقه، كما يفعل الحق بالباطل ويفنيه، وفي زمننا الوهاج العكس صحيح، وكأن القول الجوهر صار من بنات الخيال البعيد.

فكن عاقلا ولا تستحضر المعقول!!

***

د. صادق السامرائي

 

إنَّ دفاع الفريق القانوني الشجاع للشقيقة الكبرى جمهورية جنوب أفريقيا هو نعيٌّ موثق لكيان عنصري خرافي ديني مفتعل يجب تفكيك اسمه "دولة إسرائيل"، ووصمة عار على جبين أنظمة الحكم العربية والإسلامية التي خذلت فلسطين وشعبها!

وأنت تتابع سيل المديح والإطراء في الصحافة الأوروبية للأداء الممتاز والدقيق الهادئ للفريق القضائي والقانوني الذي قدمه يوم أمس الفريق الجنوب أفريقي تكاد تشكر الله على أن جنوب أفريقيا وليس أي دولة من دولنا العربية المتخلفة التابعة هي التي تولت القيام بهذه المأثرة، وإلا لكنا شهدنا مهزلة ما بعدها مهزلة حيث يتصل وزراء وانصاف وزراء غربيون هاتفيا بالفرق القضائية والقانونية للدولة العربية المعنية ويهددونهم ويوبخونهم وسرعان ما تبدأ التنازلات والمرافعات الخجولة حتى تتمنى وقتها ألا ينتهي المطاف بالفريق العربي إلى إدانة الشعب الفلسطيني بإبادة نفسه!

لقد ركزت بعض الصحف الأوروبية رغم أنها لم تتوقف عن الدفاع عن المتهمين الصهاينة بجرائم الإبادة الجماعية على الجهود الكبيرة والدقة والأدلة المادية والمعنوية الموثقة والإحالات القانونية والقضائية الى القانون الدولي وغيره التي كانت تحتاج إلى جهود عدة دول لعدة سنوات. وذهبت إحدى الصحف إلى أن ما قمته جنوب أفريقيا يفوق ما قدمته مجتمعة الدولة المنتصرة على ألمانيا النازية في محاكم نوربيرغ بين 20 نوفمبر 1945 و1 أكتوبر 1946. أما بالنسبة لأداء الفريق القضائي لدولة العدو اليوم فجاء مخيبا لآمال الأعداء تماما، ولم يكن يختلف عن بيانات الوزراء والجنرالات الصهاينة العنصريين حيث كشف أحد أعضاء الفريق القضائي الصهيوني عن أن دولة جنوب أفريقيا متهمة بالتعامل مع "حماس" رغم أن حماس كما قال مدرجة في قوائم المنظمات الإرهابية!

هذا الوغد يجهل أو يتجاهل أن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي وزعيمه الباسل نيلسون مانديلا ومنظمته المسلحة "رمح الأمة" كانت مدرجة أيضا على قوائم الإرهاب الغربية، بل أن مانديلا نفسه ظل إرهابيا في نظر الدوائر البريطانية والأميركية حتى بعد انتصاره على نظام الأبارتهايد "الفصل العنصري"  وبعد أن تمت دعوته لزيارة واشنطن من قبل الرئيس كلينتون في شهر تموز سنة 1993، وعندها حُذف اسمه من قوائم الإرهاب الأميركية، أما مارغريت تاتشر فظلت تصرُّ على اعتبار مانديلا وحزبه إرهابيين حتى رحلت هي إلى الجحيم وهو إلى المجد والخلود!

واليوم يتجدد مجد نيلسون مانديلا وشعبه الرائع ورفاقه وتلاميذه الشجعان الأوفياء وهم يقفون مدافعين عن الشعب الفلسطيني الذي استفردت به ذئاب الصهيونية والإمبريالية الغربية بزعامة عدوة الشعوب الولايات المتحدة وخذلته دول العرب والمسلمين، فالمجد للشعب الفلسطيني وللمدافعين عنه تحت راية الثائر الحر مانديلا!

***

علاء اللامي

كنت أعبد الشيطان*

كنت أظن أنك المضل وأنك تهدي مَن تشاء

الضار المغيث المذل عن صلف وعن كبرياء

جبار البأس تكن للناس مكرا ودهاء

تقطع أيادي السارقين وترجم أجساد النساء

تقيم بالسيف عدلا فعدلك في سفك الدماء

فيا خالق القاتلين قل لي أين هو إله الضعفاء

لو كنت خالق الكل ما حرمت بعضهم البقاء

فهل كنت أعبد جزارا يسحق أكباد الأبرياء

***

نص ينسب لمن أريد أن ينسب إليه،  لغاية في نفس يعقوب وأكثر،  وسمي قصيدة،  وهي تخبر بأن صاحبها لم يطلع على التراث العلمي العربي، وتوهّم بأن تأريخ العرب كما ورد في معظم المدونات، التي تحسبه سفك دماء وإعمال للسيف ضد مَن يعترض أو لا يتفق وعقيدة الدين التي جاءت للعالمين.

وعند قراءة هذا التأريخ بمنظار التوهم بصدقه وتحليله وفقا لذلك، فالعقل سيأخذنا إلى إستنتاجات ذات إنحرافية عالية.

فالتأريخ المكتوب فيه الكثير من الأباطيل، وأكثره مدوّن بأقلام الكراسي لإعلاء مقام أصحابها، ولتحقيق السمع والطاعة والخنوع المطلق لإرادة السلطان، فلابد من البطولات الخيالية والتهويلات الفائقة والقدسية لإحلال الرهبة والقدرة العاتية في الحكم، وبموجب ذلك يستتب الأمن، ويكون للقوة دورها في حفظ هيبة الدولة ورجالاتها.

معظم المفكرين ورجالات الفكر ينقصهم الإطلاع الوافي على تراث الأمة العلمي، ودوره التنويري الحضاري المعتمد على تفعيل العقل وإطلاق ما فيه من معطيات ذات قيمة حياتية باهرة.

وأرقى عصور الأمة تجسد في الفترة التي ثوّرت فيها العقول، يوم تألق بيت الحكمة ببغداد وشعشعت أنوار مبدعيها الأصلاء.

فمن الخطأ التركيز على تأريخ الكراسي الذي أفاضت به أقلام تلك الأزمنة، التي كان أصحابها يعتاشون على ما يكتبون، فالمأرخون لم تكن كتاباتهم بلا ثمن يدفع لهم، فكيف لهم أن يكتبوا بصدق، وهم يريدون أجرا على ما كتبوه؟!!

***

د. صادق السامرائي

...........................

* يُقال أن أحد رموز الأمة في المعرفة ونبراس لغة الضاد قد كتبها في آخر أيامه، أو ربما تنسب إليه، وأشك بأنه كاتبها، لقراءتي معظم كتاباته، وأجدها لا تتوافق مع أسلوبه البليغ الرصين؟!!

 

1 - لا أريد ألعودة الى ماض، مشبع بالغش والأكاذيب، مقمشاً بأسماء الله والأنبياء، كانت ثقتنا عمياء، أكثر مما كانت عليه بصيرتنا، أسباب الخوف جعلتنا نصدق، ان غضب الله وعقابه في جهنم، أقل بشاعة وهولاً من عذاب القبر، هذا الذي يسلطه علينا، مجندي عزرائيل (منكر ونكير)، كل هذا وعذابات اخرى مفترضة، من اجل قبول المعروض علينا من وساطات وشفاعات الوسطاء، للحصول على مغفرة ألله، عن ذنوب لم تُرتكب، نظام التخريف الغيبي، الى جانب جهلنا بالحقائق التاريخية والعلمية، قد نال من وعينا وغيب المتبقي من بصيرتنا، ومزق فينا فضيلتي الشك والمراجعة، المتغيرات الأخيرة، ما بعد الأحتلال الأمريكي عام 2003، والذي رافقه اعصار الأجتياح الأيراني المدمر، اشعل حرائق ألشك، في الغابة السوداء للشعوذات والتخريف، وأذاب غلاف الجليد الخانق، للمتبقي من عقولنا، فبرعمت اول موجات الشك المجتمعي، واصبحت رؤيا عوائق واعاقات الشعوذات والتخريف أكثر وضوحاً، واصبحنا نميز، ما بين حقيقة القيم السماويية والتخريف الغيبي، الذي ترتفع فيه الغيوم السوداء، لموجات الأحتيال والتدجيل، من الأرض التي نعيش عليها، ولا علاقة للسماء بما يفبركه، وسطاء الغش والوقيعة على الأرض، وستفتح المتغيرات القادمة، ثقوباً أكثر، في جدار الأحتيال والألتفاف على العقل المجتمعي.

2 - نولد مذعورين ونحيا خائفون، وقبل الموت أشد ذعراً، فالوسطاء على الأرض، خطفوا الله وغيبوا وظائفه السماوية، كما خطفوا الأنسان وعطلوا عقله، والشعوب التي تفقد عقولها، شعوب مستهلكة لا تصلح للحياة، أن المصائب السياسية والأقتصادية والأجتماعية، التي تعاني منها شعوب المنطقة، والعراق بشكل خاص، هي كوارث إسلامية مع سبق الأصرار، تسير على عكازتي التشيع والتسنن، لا تتوقف في حدود، حتى تجعل من البشرية (إن ستطاعت) "عصفاً مأكول"، بسطاء الناس لا يدركون موقف نبي الأسلام من المذهبين، مع هذا ام مع ذاك، لكنهم يعلمون، ان لكل مذهب مرجع وضريح، الأجتياح الأيراني للعراق، ظاهرة إسلامية بأمتياز، كالقاعدة والنصرة وداعش ومليشيات الحشد الشعبي، وكذلك حزب الله اللبناني وانصار الله اليمني، العالم المنافق لا يتجرأ على القول، ان ايران تحتل العراق، وسبب تدمير دولته ومجتمعه، حتى لا يجد نفسه ملزماً، لنصرة الضحايا، بعض الدول الكبرى، مشاركة او متواطئة (ولمصالحها) مع الأحتلال الأيراني والتمويه على جرائمه.

3 - ديمقراطية الأحتلالات والحصارات الأمريكية، وفرت فرصة مثالية، لمذاهب ذوي الملفات، وفرت لهم عن عمد وسبق اصرار، كامل السلطات والثروات والوجاهة ووسائل الأعلام، وفتحت امامهم ولنفسها، المنافذ الحدودية لتهريب الثرروات والأثار الوطنية، وأخضعت تماماً، كامل سمعة المتمذهبين وشرفهم وعقائدهم، الى ملفات فضائح بغية ابتزازهم، وكان البيت الشيعي بشكل خاص، الأكثر دناءة وأستعدادا للتلوث، والأسرع انزلاقاً في الهاوية، بعد إن عرتهم ثورة الأول من تشرين، وكشفت عن استعدادهم، لخيانة الشعب والوطن، لجأوا لمنطق الذخيرة الحية، حتى اكتسب مذهبهم الأيراني بحق، لقب (مذهب ذوي الملفات)، وصح بهم المثل "المبلل ما يخاف من المطر"، فلا يعنيهم او يخجلهم، وجهة ولائهم (عمالتهم)، إن كانت لأمريكا او لأيران.

4 - يبدو أن الأسلام كان ثورة ذكورية، ضاق بها قحط الجزيزة العربية، فانفتحت شهيتها على جغرافيية الأخرين وثرواتها، يبدو ان النبي محمد، كان اكثر حرصاً على مبادئه، وبعد وفاته سقطت الأقنعة عن الأقنعة، وتغولت الصراعات حول الغنائم، وتعرض اكثر الصحابة للأغيالات، وتوسعت مساحة الغزو الخارجي والمجازر الداخلية، والى يومنا هذا، فأصبح الأسلام بلا مسلمين، والمسلين بلا إسلام، وخطفت المذاهب والجماعات، وظائف الله والقيم السماوية، وقدست نفسها المراجع والملوك، ورؤساء الدول الأسلامية، ثم سحقت المجتمعات وجعلت نصيبها، الفقر والجهل والأذلال التام، وفقدت المرأة المسلمة، كامل حقوقها وثُلمت آدميتها، فأتسعت مساحة الغربة والشك، بين الله والأنسان، وأصبحت مذاهب الوسطاء، الطرق الخاطئة، إلى معرفة الأنسان لربه ودينه، وهنا يمكن القول، ان المجتمعات الأسلامية، قد فقدت رشداها وكفرت بربها خلف الوسطاء، فنقلت عدوى تلوثها الى مذاهبها، حتى أصبحت مكباً لفضائح الملفات والعاهات.

***

حسن حاتم المذكور

11 / 01 / 2024

 

أمام عجز الحكومات العربية، وأمام غياب الفاعلين الاجتماعيين، واختفاء الزعامات الشعبية، كيف لا نلتفت إلى أنفسنا في ظل الأحداث الجارية في المنطقة العربية، على الرغبة في الفعل، وعلى الجهد من أجل التجديد والتحديث،، فذلك وحده ما ينتشلنا من براثن الضياع الذي قد يقودنا نحو الجحيم، ما لم نتمكن من تجنبه. كثير من الحضارات السابقة التي نتغنى بها غطتها الرمال، أو هدمها الغزاة، حين انقسمت إلى ممالك متطاحنة، نعيش نفس المأساة في العراق، وسوريا، واليمن، وليبيا، والسودان، وفلسطين،، من المؤكد أن الفشل أو السقوط لَيسَا قَدرًا لا مفر منه،، ولكن أُولئكَ الذِينَ لَا ينظُرُونَ بِتبَصُّر  إلى المخاطر التي تهددنا، يجردوننا من أسلحتنا، ويخدروننا بالألعاب والأخبار الزائفة العابرة، ويجعلون أعداءنا أكثر جرأة كما يحدث الآن في غزة، وهم أعداء موجدون فينا مثلما يوجدون حولنا.

ليس علينا أن نستنجد بالأسلحة، ولا بالقانون الدولي، ولا بمحكمة العدل الدولية، أو بالثورة، وإنما بالوعي وبالاقتناع بأن أخطر أعدائنا اليوم هو انعدام الوعي لدينا، وهو بحثنا عن أكباش فداء، وهو ضعف إرادتنا للحياة، وهو ضعف حبنا للمساواة والعدل والحريات، أننا نعيش عصور الشيخوخة وما راكمته من تجارب. ولن يفيدنا في شيء أن نحتمي بمقولة أو بشخص يرعانا أو يفترض أنه سيرعانا. يجب أن نعطي الكلمة للذات الكامنة في كل واحد منا، فهي وحدها القادرة على أن تجعل منا فاعلين، مبدعين لمستقبلنا، وذلك حتى تخاطبنا هذه الذات وتحثنا على تحرير مشاريعنا الوهمية إلى الحقيقة الغائبة، نحتاج إلى الإرادة في تغيير طريقة التفكير أو طريقة العيش أصعب من تغيير نظام الحكم أو تغيير نحو اللغة.، فمنذ أن اعتقد البعض من دول النفط الغنية ما يكفي من القوة فما عدنا نتصور أنفسنا كمخلوقات للإله ولكن كخالقين للإله، حينذاك انسقنا وراء فكرة أن نتوارى من تلقاء أنفسنا متنازلين عن حريتنا في الاختيار، وأن تتماهى مع أعمالنا، مع آلاتنا، مع قراراتنا السياسية وخاصَّتًا مع معارفنا. لقد اقتنعنا بأن قوتنا تكمن في فكرة الحتمية التي علينا أن نستسلم لها، لأن لغتها ليست لغة المعتقدات أو لغة العواطف الشخصية، ولكن كيف يمكن أن نحدد وضعيتنا الراهنة التي أعتبرها اليوم وضعية ما بعد قرن أو قرنين من تشَكُّلُ ما سمته كتبنا التاريخية القديمة بالعالم الحديث العالم الذي ولد مع الثورة الفرنسية كما يقول الفرنسيون، أو مع حركة الإصلاح، أو مع الثورة الصناعية أو مع بداية عصر هذا العالم الذي اعتبر هوياتنا تتلاشين مع أعمالنا.

لا عذر لنا لننعزل داخل عاداتنا المحلية بعد أن استنفدنا سحر غزو العالم. علينا أن نَسلُكُ طَرِيقًا مُعَارِضًا، وهو أن نتشبع بالوعي وبحقوقنا، وبقدرتنا على التصور، قدرتنا على الكلام، وعلى البناء ورسم المستقبل وربما يكفي أن نقتنع بقوة بأن طريق الفكر وطريق خلق عوالم دائمة التجدد، وذلك حتى نستعيد الرغبة والشجاعة كي ننجح في بناء انبعاث أكثَرُ نَجَاحًا مِنْ انبعاث دول كثيرة خلال القرن التاسع عشر. إن الإرادة وحدها كفيلة بتشكيل أدوات تحررنا، وأقواها الرغبة في أن نكون أَحرَارًا مُبدِعِينَ، وأنْ نحترِم حُقُوق الْآخَرِينَ بِقَدرِ احتِرَامِنَا لحُقُوقِنَا. يعيش عالمنا العربي أزمات طاحنة تعصف بدول هشة اقتصادِيًّا منذ حرب روسيا وأوكرانيا وتداعيات هذه الأزمة على دول في المنطقة حول الأزمة الاقتصادية التي قذفت بنا في أتون البؤس والحروب الأهلية الدائرة، قد كشفت بصمت الفاعلين الاجتماعيين بل بغيابهم، أكثر مما حددتها النتائج الاقتصادية والاجتماعية لانتصار الرأسمالية المتوحشة، التي خانت مهامها الاقتصادية. ومنذ ذلك الوقت ازددنا اقْترابًا من الهاوية بما يكفي ربما كي يدرك من يحكموننا من داخل البيت الأبيض إلى مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسيل إلى ضرورة التدخل في كل شأن عربي، ومنذ ذلك الحين أَيضًا ازدادَتْ وضعِيتُنَا تدهوُرًا مرَّاتٍ عدِيدةً بالمناسبة، لكن رغبتنا في التدخل ازدادت بدورها. ومع ذلك، لم تشرق الشمس بعد على عالم لا تحركه الإرادة والمعرفة والرغبة في أن ننقل للأجيال التالية. عالمًا مُتطَورًا يمنحُ حُبَّ الحيَاةِ مِنْ استِعادتنَا لِوعينَا. هل عالم الاجتماع الفرنسي آلان تورين عندما كَتبَ كِتابهُ: "نهاية المجتمعات" هل كان يقصد العالم العربي...؟!!

***

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث مصري في الجغرافيا السياسية

لم يكن في وارد الرئيس الامريكي المنتهية ولايته جورج بوش الإبن، أن تكون مغادرته لكرسي رئاسة البيت الابيض بتلك الطريقة الدراماتيكية المهينة، التي سيسجلها التأريخ ويحفظها على جبينه ما دام حيا وحتى بعد رحيله بأحرف من الذل والهزيمة، حين سدد له احد الصحفيين العراقيين الشجعان قذيفتين من القنادر ذات المقاس المناسب جدا، عراقيتي الصنع وبإمتياز، لم يستطع خلالها ولتداركها سوى الانحناء أمام تلك (الهجمات) الغير متوقعة في مثل هكذا مناسبات، ناسيا او متناسيا حجم الرفض الشعبي لقواته المحتلة  ولعملائه.

واذا ما افترضنا أنَّ زعيم اكبر دولة في العالم ورغم الحمايات والحراسات واجهزة الرصد والمراقبة المنتشرة في كل ارجاء القاعة ومحيطها، والتي شهدت توقيع اتفاقية الذل والتبعية وما اعقبها من اجراءات بروتوكولية كعقد الطرفان مؤتمرا صحفيا، لم تفلح كل تلك الإحتياطات المتخذة في منع ذلك الصحفي الشاب منتظر الزيدي من القيام بذلك الفعل الشجاع والذي هزَّ عرش وأحطَ من سمعة أكبر رئيس دولة في العالم وأكثرها عسكرة وغطرسة، بسبب من عدوانها الغاشم على العراق وشعبه، فكيف سيكون مصير العملاء، ان كانوا بحماية الاحتلال او بدونه.

وما تعرَّض له بوش الإبن لم يتأتَ بمعزل عما يعانيه المواطن العراقي من ويلات ومصاعب بسبب من سياسات الاحتلال وعملائه وما سببه للبلاد من خراب وتدمير، تجاوزت كل حدود المنطق والمعقول وبلغت حتى بناه الإجتماعية ولحمته، حيث لم تشهد له مثيلا كل انواع واشكال الاحتلالات السابقة، ولتعطي درسا بليغا لكل من يخون شعبه ووطنه، على الرغم من كل محاولاتهم البائسة واليائسة الهادفة الى تبييض وجه الغزاة وَمَن أتى بهم.

ولا بد هنا من العودة قليلا الى الوراء ولنتذكر بضع من احاديث العملاء، حين كانوا يطلّون برؤوسهم والسنتهم العفنة من على وسائل الاعلام المرئية والمسوعة، مدافعين بوقاحة وذل عن قوات الاحتلال وبساطيله، مروجين كذلك لفكرة انَّ العراقيين وبمختلف تكويناتهم وإنتمائاتهم ومشاربهم، قد استقبلوا (دخول) القوات الأمريكية وتدنيسهم لأراضينا بالورود والزهور والرياحين, باعتبارهم محررين كما يدعون. وأجزمُ أنَّ الرسالة قد وصلتهم، وأنَّ هناك قنادر أخرى بانتظارهم كما انتظرت رأيسهم من قبلهم.

وليس غريبا في سجل العراقيين النضالي من إستخدام لغة القنادر كأحد أشكال التعبير والحوار الذي يجرونه مع الآخر، وليس أي آخر فالمعني هنا، المداهن والمدلس والمساوم، والذي يحاول إستغفال الشعب بأشد وأكثر الأساليب وضاعة وخبثا، وعلى رأسهم وفي مقدمتهم تلك الأصوات النشاز التي ما إنفكت تروج للإحتلال وجندرمته.

وإذا عدنا بالتأريخ الى الوراء، فأربعينيات القرن الماضي ليست ببعيدة عن ذهن الطبقة السياسية الحاكمة والمنصَّبةُ من قبل قوات الاحتلال. وإذا كنّا قد نسينا فسوف لن ننسى تلك الاهزوجة الشعبية التي غطت شوارع عاصمة الرشيد ومدن العراق كافة وبصوت واحد، ينم عن وعي عال من  قبل المواطن العراقي ومعبرا في ذات الوقت عن سرعة البديهية التي يتميز بها، وما تولَّدَ عنها من ردة فعل، تتناسب وطبيعة ما يعاني منه، وكان الشعار محسوبا بدقة حين هتفوا وبصوت مدو، كان قد بلغ مداه وحقق هدفهٍ: نوري سعيد القندره وصالح جبر قيطانه. الاول كان رئيسا للوزراء والثاني وزيرا في حكومته، لعمالتهما للاجنبي، رغم انهما لم يكونا بتلك الوضاعة والنذالة التي نراها ممن يطلقون على أنفسهم برجالات العهد الحالي إن كانوا حقاً رجالا.

ولابد هنا من الإشارة والاشادة بـ(الدور) الذي لعبه محمود المشهداني، رئيس ما يسمى بالبرلمان العراقي والذي نصَّبه الإحتلال وضمن محاصصة مقيتة، قسَّموا على أثرها شرعية إستباحة الدم العراقي، حيث له، أي للمشهداني، الفضل الكبير في استعادة أسهل الوسائل واوفرها وأمضاها قوة في تطبيق العقوبات على اعضاء برلمانه، حين هَدَّد وعلى الهواء مباشرة وعبر شاشات التلفزة المحلية والعربية بأعلانه (إنَّ اي قانون لا يتوافق مع الاسلام سوف أضربه بالقندرة).

وكما يبدو فإن السيد المشهداني يعرف بدقة لغة الخطاب التي تنسجم وتليق باعضاء هكذا برلمان، فجلّهم أو على الأقل نصفهم يدركون وبشكل جيد حجمهم الحقيقي وكيف ينظر لهم ابناء الشعب العراقي. ولو كان لدى رئيس ما يسمى بالبرلمان، من الشجاعة والوطنية والغيرة على بلده ما يكفي، لكان قد إستخدم ذات الأسلوب في التصدي للمحتل ومقاومته. في كل الاحوال فقد سَجَّلَ له التأريخ سابقة، لم يكن ليجرأ على اطلاقها أحدٌ غيره، وذلك حين أحيا لغة القنادر بعد ان مضى عليها دهرا من الزمن.

وإذا كان لنا من التأريخ حكمة وموعضة لنقولها ونستشهد بها، فإنَّ لكل شعب أساليبه وفنونه في مقاومة المحتل، مهما بلغت قوته وجبروته ومهما علا شأنه. وفي الحديث عن المقاومة العراقية الباسلة، فلها من الزخم والحماية والحاضنة الشعبية ما يمكن أن تفاجئ به قوات الاحتلال وعملائه. ولعلَّ ما أقدم عليه البطل منتظر الزيدي، يُعَدٌ من أبسط الوسائل تعبيرا عن رفضه للغزاة وأكثرها وضوحاً. وهنا لابد من القول من ان حياة البطل الصحفي في ذمة الشرفاء من العراقيين وسواهم من أحرار العالم, وان تعرَّضَ جسده الطاهر لأي سوء، فلتتحمل قوات الاحتلال وعملائه كامل المسؤولية وما سيترتب عليها.

لك امنّا كل التحايا والتقدير، وبوركت يداك يا منتظر فلقد أصبت الهدف وبدقة متناهية، وأجزمُ أنَّ هناك المزيد من العملاء والخونة، ممن ينتظرون ويستحقون وبتقدير عالٍ دفعة أخرى من القنادر.

ملاحظة مهمة: المقالة أعلاه تأتي مكملة لمقالتين إثنتين كنت قد نشرتهما تباعاً، والثلاثة تشترك في ذات الفكرة وتكمل بعضها بعضا، وكانت قد كُتبت في حينها. كذلك أقدم أعتذاري لإحتواء المقالة على بعض المفردات المخدشة للحياء. في ذات الوقت وليعلم القارئ اللبيب والطيب، بأنها موجهة تحديداً لتلك الشلة العفنة والسافلة من العملاء والخونة، ممن باعوا وطنهم بأبخس الأثمان للأجنبي وباتوا رهناً لإشارته، ومن كل لون وتحت أية ذريعة، فهذا لعمري ما يليق بهم.

***

حاتم جعفر - السويد / مالمو

من الجندل، وأمرّ من الحنظل، الحديث الذي أدلى به منسق الأمم المتحدة للعمل الإغاثي في السودان "علي الزعتري" لاحدي الصحف النرويجية، حيث أفاد في حديثه المتهافت أن السودان البلد الذي جحاجحة سادة، وأبطاله زادة، وصناديدة قادة، يطمئن إلي الذل، ويستريح إلي الهوان، لأجل ذلك أبوابه للنوال مشرعة، وقدوره من الضراعة مترعة، وجفانه من الأنفة مفرعة، لهفي على السودان الذي أطرّ الشموخ شاربه، وزوى الإباء حاجبه، فقد اعتاد على تطاول المترفين، ومساوئ الموسرين، فنحن لا نعرف أيها السادة وطناً عانى في دهره مرارة الجور والحيف، مثل هذا الوطن الذي لم تنفصم عروته، وتعظم كبوته، إلا بمثل هذه الأحاديث الشوائل. إنّ هذا الشعب الذي جمع أشتات المفاخر، إذابعثرنا عيوبه، وتتعبنا فواحشه، وبحثنا في مخازيه، فلن نجده قد استخف بالأمانة، أو رتع في الخيانة، أو أقام على المهانة، فأنى له وهو الذي يسرف في التصون، إن كان في التصون اسراف، أن يرضى بالذل صاحبا، كيف لشعب يعلم جلياً معنى الكرامة، ويدرك تماماً مدلول الإباء، أن يرمي نفسه في مثالب الضعة والصغار، فلا يعيش إلا مجروح القلب، مقتول النفس، مطعون الوجدان، حديثك يا سيدي الفاضل نتعلم به الصبر، ونتكلف فيه الاحتمال، ونغضي منه الجفن على قذى، ونطوي منه الصدر على أذى، فنحن مهما ضعضعتنا القوادح، وأرهقتنا الفوادح، وأضنانا السغب، فلن ندفع غائلته بذل السؤال، لن نمد أيادينا في ضراعة وإن أبصرنا الموت مُوتِر قوسه، يجتث شأفتنا بوقع النبال، فالسودانيون جميعاً يبتغون الكمال، ويسعون إليه، ويلحون فيه، و"التسول" عندهم لا يرد حياضه ورود الهيم العطاش إلا من تخرّمته بوائق الدهر، وطحطحته دوائر الأيام، ذلك الفقير المعدم الذي يضنيه المنع والجمود، ويبكيه الإعطاء والجود، عركته الدنيا عرك الأديم، وداسته الفانية دوس الحصيد، أمنيته التي تفجر في دواخله ينابيع السعادة، أن يرى نفسه محمولاً على أعواد المنايا، فالموت عنده يعد من النعم الجليلة، والهبات الخطيرة، لأنه ملجأ حام، وسند حافظ، يقيه مطارح الهوان. لحا الله سوء الظن بالعباد، ورمي شعب أغر طويل النجاد بالتزيد والافتئات، فالسودانيين الذين أشتهروا بين لداتهم بالعفاف والتصّون، ينسْبُ إليهم أحدهم نقيصة التسول، والعيش على صدقات الآخرين، وهُم من هُم في حب الكرامة التي أقامها الله في صدورهم من غير قوائم، وأعلاها عندهم بغير دعائم، وبلادهم قد آثرها الله بالنعم السوابغ، والرفد الروافغ، نشكره تعالى على سالف مننه، ومتآلد أفضاله، ونسأله عزّ وجلّ وهو الذي فجر لنا الأنهار، وأرسى لنا الجبال، ومهد لنا التلال، وأكثر لنا الغلال، أن يقينا شر من قويت عدتها، وعمت مكيدتها، ولانت عريكتها، الأمم المتحدة التي تحركها قوى فغرت فاغرتها، وثقلت في الأرض وطأتها، فديار العرب والإسلام تحلبت لها الأفواه، وتلمظت لها الشفاه، واتقدت لها الأكباد، نحن نعلم أيها العزيز الأكرم كيف تنصب الشراك، وتحاك الدسائس، ونعرف من يدير رحى الحرب، ويمتعه سماع الطعن والضرب، ورؤية طرقاتنا مضرجة بدمائنا عنده أرق من الهوى، وأشهى من الماء على الظمأ، فهو لا يروم إلا جوارح مهشومة، وديار مهدومة، وخدود ملطومة، ولسان ينطق بالعضيهة والفرقة.

***

د. الطيب النقر

 

هذه فكرة ربما سينفيها الكثيرون، وينظرون إليها بعيون النكران، وحتى الإستخفاف، لكنها ظاهرة جلية في الأوطان والبلدان.

إذ يمكن معرفة الواقع الحضاري لأي مجتمع، من كثرة النصب والتماثيل للشعراء والعلماء، فإذا قل عدد تماثيل العلماء وزاد عدد تماثيل الشعراء، فالمجتمع ليس في عصره، والعكس صحيح.

في إسبانيا تتفوق تماثيل العلماء العرب على تماثيل الشعراء، وفي بلداننا تزدحم مدننا بتماثيل الشعراء.

هل يوجد تمثال لعالم عربي في القرن العشرين؟

من النادر أن تجد ذلك في بلداننا، أما الشعراء ورهائن الكراسي، فما أكثر تماثيلهم وصورهم.

ليس تقليلا من أهمية الشعراء وكونهم جزء من الحياة في كل زمان ومكان، لأنهم يعبرون عن مكنونات النفوس بآليات فنية معروفة.

الموضوع فيه دلالة على التنكر للعلم والعمل، والتركيز على الكلام وإعتباره الإنجاز والأمل.

كانت القبائل العربية تتفاخر بشعرائها وتحتفل بنبوغ شاعر فيها، لأنه لسان حالها ووسيلتها الإعلامية وصوتها المعبر عنها.

ويبدو أننا لا نزال نتمسك بذات السلوك، ولا نقترب من عصرنا، ونشد الرحال إلى ماضينا، فهو الذي يمثلنا، ولا نستطيع تمثل زماننا والتفاعل الإبداعي معه بإرادتنا الحضارية الأصيلة المعطاء.

كل يوم تسمع هناك تمثال لشاعر، وقليلا ما تسمع عن تمثال لعالم، أو مساهم بصناعة الحياة في مجتمعاتنا.

قد تكون التفسيرات كثيرة، والتفاعلات شديدة، لكنه واقع حال يختلف عما عند المجتمعات المتقدمة، التي تدرس كل خطوة وتستوعب مآلاتها، وما يتمخض عنها من سلوكيات وردود أفعال، أما في ديارنا فأهواؤنا تقودنا.

فهل لنا أن نعطي لكل ذي حق حقه، ونرسي في المجتمع الأنوار والمشاعل العلمية؟!!

ترى لماذا معظم رسائل الماجستير والدكتوراة كلامية؟!!

***

د. صادق السامرائي

يرى بعض الكتاب والصحفيين والمحللين السياسيين؛ ان الدول العربية، او المنظومة الرسمية العربية؛ لم تعمل (كما عملت وتعمل اللوبيات الصهيونية) قبل عقود على  تأسيس مراكز ضغط لصالح العرب وقضاياهم وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، لتشكل دعما للقضية الفلسطينية في الداخل الامريكي وفي مراكز صناعة القرار في امريكا. كما يقول البعض الاخر وفي ذات المسار والاتجاه؛ ان المنظومة الرسمية العربية؛ لم تعمل باستخدام ما هو متوفر لديها من ادوات الضغط؛ في فك الارتباط الاستراتيجي بين دولة الاحتلال الاسرائيلي وامريكا. ان كلا القراءتين على درجة كبيرة من الخطأ؛ طبقا لبنية النظام الرسمي العربي، وارتباطاته عربيا واقليميا ودوليا، وطبيعة العلاقة التخادمية الاستراتيجية بين اسرائيل والغرب. فالمنظومة الرسمية العربية؛ لم تُفعَل هذه الادوات حتى هذه اللحظة، على الرغم من المذابح الصهيونية والامريكية في غزة؛ فكيف يراد منها ان تعمل على تأسيس مراكز ضغط داخل امريكا لصالح القضية الفلسطينية، او حتى لصالح قضايا الشعوب العربية التي تحكمها هذه الانظمة، قبل عقود وعقود من الآن. او يعمل النظام الرسمي العربي؛ على فك الارتباط الاستراتيجي بين امريكا والكيان الصهيوني. غاب عن هذا البعض؛ ان هذا الارتباط الاستراتيجي، هو ارتباط له اصرة وجودية؛ دينية وكونية.. امريكا والغرب بصورة عامة؛ تنظر الى دولة الاحتلال الاسرائيلي كمركز متقدم لهما في المنطقة العربية وفي جوارها الاسلامي؛ في رعاية مصالحهما في المنطقة العربية منذ لحظة زرعها في قلب الاوطان العربية، حتى الآن والى الامد البعيد، اذا لم يحدث تحولا استراتيجيا في المنطقة وفي العالم، لكن هذا التحول من الباب الثاني؛ سوف يحصل في المقبل من السنوات، بطريقة أو بأخرى؛ لأن حتمية تطور التأريخ؛ تفرضه فرضا. ان امريكا والغرب او البعض الاغلب من الغرب؛ يستخدما الكيان الصهيوني ودولته التي تحتل اراضي فلسطين، وما اقصده بالكيان الصهيوني ليس دولة الاحتلال فقط، بل جميع اليهود المنتظمون في مؤسسات صهيونية بعضها سرية، وأخرى علنية؛ وهي مؤسسات لها هيكل وشكل الدولة؛ في التنظيم والاهداف وسياسة تنفيذها، ووسائل تطويرها وتعميقها وتوسعتها، وانفاق تغلغلها في المجتمعات الامريكية والغربية والعربية والاسلامية، وبقية اصقاع الارض؛ تضم اليهود الذين يؤمنون بسرديات التوراة، والحركة الصهيونية، واطماعها في فلسطين وفي غيرها؛ في جوار فلسطين من الاوطان العربية، في امريكا وفي الغرب وفي جميع دول العالم؛ في تعزيز نفوذ امريكا والبعض من دول الغرب في المنطقة العربية وفي جوارها الاسلامي، وهو نفوذ وتمكيَن في داخل المجتمعات العربية؛ بعقول وأقلام وأعلام حرفي، منهجي، علمي، وشركات، يمتلكها، او يساهمون فيها يهود الصهينة، بأكثر من خمسين بالمئة، ليس بالضرورة يهود يحملون الجنسية الاسرائيلية، بل من امريكا ومن دول الغرب؛ يعملون على انتاج كتلة بشرية، تشكل مراكز تأثير ونفوذ امريكي وغربي وصهيوني غاطس، في المجتمعات العربية، اضافة بالعمل الدؤوب على استدامة وجودها المنتج في المجتمع الامريكي والغربي، والروسي. لقد لعبت دولة الاحتلال الاسرائيلي منذ زرعها في قلب الوطن العربي؛ ادوارا مركزية في خدمة المشاريع الاستعمارية الامبريالية في دول المنطقة العربية، وحتى في جوارها الاسلامي. فبعد تأميم قناة السويس، هذا التأميم الذي ضرب في مقتل مصالح بريطانيا وفرنسا؛ هاجمت الدولتان مع اسرائيل مصر في العدوان الثلاثي المعروف؛ خدمة لمصلحة القوتين الامبرياليتين الاستعماريتين، بريطانيا وفرنسا، هذا مجرد مثال فقط وهناك الكثير من الامثلة في كل تأريخ هذا الكيان الاحتلالي الاستيطاني الاستعماري، اذا ما وسعنا دائرة نفوذ دولة الاحتلال الاسرائيلي الى المشروع الصهيوني الذي يمتد نفوذه خارج اسرائيل الى دول الغرب وامريكا والى حد ما كل دول العالم، بما فيها الدول العربية ولو بالشكل الغاطس تحت الارض في الدول العربية، لكنه في ذات الوقت واضح كل الوضوح لكل ذي بصيرة، من خلال تأثيراته في الساحة السياسية والثقافية والامنية في دول المنطقة العربية، وحتى في جوارها الاسلامي. ان دولة الاحتلال الاسرائيلي التي تمثل الوعاء الوجودي للمشروع الصهيوني الكوني؛ تمثل جسر واداة امبريالية استعمارية امريكية وغربية؛ في خلخلة النسيج الاجتماعي والسياسي والثقافي في داخل كل دولة عربية تقريبا؛ من خلال تنمية وتقوية الخواصر الرخوة في داخل الكثير من الدول العربية، ودفعها للتمرد على النظام السياسي في تلك الدولة العربية او هذه الدولة العربية؛ مع تعطيل او وضع العراقيل امام أي حلول تُقدَم عليها هذه الدول؛ للتخلص من هذا التمرد أو ذلك التمرد، والتفرغ للتنمية. ان هذا كله في الدول التي تندفع لبناء اقتصاد قوي؛ وتنمية الموارد بعيدا عن الهيمنة الامريكية والغربية، بقرارات مستقلة في الاقتصاد والسياسية وما له صلة بهما؛ على طريق السيادة الكاملة، التي ليس في جسدها جروح. من المهم هنا الاشارة الى ان تلك الانظمة؛ تتحمل الوزر الاكبر؛ في اتجاهين اولا كونها انظمة دكتاتورية تحكم شعوبها او هي قد حكمت شعوبها بالحديد والنار. وثانيا عدم ايجاد حلول ناجعة؛ لإطفاء نار التمرد؛ بإعطاء الحقوق كل الحقوق بنية صادقة بلا لعب ولف ودوران؛ يفتح، أو فتح نوافذ التشكيك الذي تباعا وبصبر؛ حطم معابر السلام والاستقرار.. ان هذين الاتجاهين هما من فتح الابواب امام التغول الاستعماري الامبريالي الامريكي والغربي؛ بجسور واذرع صهيونية وان كانت تحمل في البعض من الحالات؛ الجنسية الامريكية او الغربية. وبالعودة الى مجازر الصهاينة في غزة؛ ان هذا العدوان الاسرائيلي على غزة وايضا بدرجة اقل على الضفة الغربية؛ له اهداف هي غير اهداف اسرائيل المعلنة. هذه الاهداف بالإضافة الى انها لخدمة التوسع الاستيطاني الاسرائيلي، فهي ايضا وفي ذات الاهمية الموازية؛ لخدمة مشاريع امريكا بالدرجة الاساس والغرب ايضا ربما بدرجة اقل، لكنها مع ذلك تقع على ذات المسارات. وما اقصده هنا هو طرق التنمية التي تكون فيها دولة اسرائيل حكما وضرورة جغرافية ملزمة، لابديل عنها، كمركز ثقل في هذه المشاريع التي هي تفكيرا بها وانتاجا لها؛ لمواجهة المشاريع الصينية والروسية في المنطقة العربية وفي جوارها.

***

مزهر جبر الساعدي

 

لجأت الحركة الصهيونية إلى مجموعة من الأكاذيب والأساطير وروجت لها بهدف تبرير مشروعها المتعلق باستعمار فلسطين.وقد كان تاريخ ابتكار هذه الأكاذيب في أوروبا ومنها ولد الخطاب الذي ينادي بحق اليهود في أرض فلسطين.

وقد استفادت من خلال الترويج لتلك الأكاذيب والأساطير لصنع قومية جديدة مشحونة باستعمار فلسطين بادعاء أنها تعود لهم كشعب يهودي، وأن الشعب الفلسطيني ما هو إلا شعب طارئ أتى من هنا وهناك ولا تربطه بفلسطين أي جذور. ومن هنا ولدت العمليات الإرهابية بهدف احتلال الأرض. وبعد إرساء الوطن المزعوم الذي قام على أنقاض السكان الشرعيين وأصحاب الارض عن طريق انتهاج الحروب لحماية هذا الوطن هو الحل. فهذه الحروب من وجهة نظرهم حروب عادلة ضد ما أطلقوا عليه إجرام بحق أصحاب الأرض لأنهم هبوا لاستعادتها والدفاع عنها. وهنا ارتكب العدو الصهيوني المجازر بأسلحته المطورة ثم ادعى طهارتها كلما وجه أحدهم له اتهاما بأنه عدو إرهابي وقاتل أطفال ومرتكب مجازر.

وعندما يتبجحون بما يسمونها (أرض إسرائيل) وهو مصطلح تناخي (أي ما يسمى بالعهد القديم) فإننا نرد عليهم بأن هذا المصطلح لم يرد ذكر له في التناخ، وحتى مصطلح (أورشليم) الذي أطلقوه على القدس لم يظهر ولا مرة في توراتهم. كما أن اليهودية لم تنشأ على أرض فلسطين إنما الحقيقة التاريخية أن نشوءها كان خارجها. لكن الحركة الصهيونية استعارت مصطلحاتها الفكرية مثل (أرض إسرائيل والعودة والوطن) وغيرها من المصطلحات الدينية من الشريعة اليهودية ثم شحنتها بالوطنية القومية التي لم يكن لها وجود أصلا فتحولت الأرض المقدسة التي كانت تحرم الهجرة إليها إلى وطن يجب إقامته كدولة سياسية. وقد طور هذا التصور الأسطوري شرعنة الإحتلال الصهيوني لفلسطين بالإضافة إلى كسبه تأييد العالم من أجل تبرير هذا المشروع.

وما يحصل اليوم في حربها على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ يراه العدو من باب الحروب العادلة. وأن ما يحصل من قتال من قبل المقاومة الفلسطينية هو من وجهة نظر عقيدتهم إجرام وإرهاب بل إن من حق هذا العدو الدفاع عن أمنه وأمن وطنه المزعوم بشتى الوسائل حتى لو كانت لا أخلاقية ولا إنسانية. فهو لا يعتبر ما يرتكبه من مجازر بحق المدنيين إبادة وتطهير عرقي بل دفاع وحرب عادلة. ففي حروبه التي خاضها عام النكبة لا يعترف بإبادة جماعية فعلى لسان المؤرخ اليهودي (بيني موريس) يقول (نحن نتحدث عن جرائم قليلة مقارنة بعمليات الإبادة التي تمت في البوسنة أو ألمانيا أو ستالينغراد، إن أحصينا عدد الجرائم حتى العام ١٩٤٨ فالعدد لا يتعدى ٨٠٠ قتيل، عندما نأخذ بعين الاعتبار أن ما حدث هنا عام ١٩٤٨ كان حربا دموية فقدنا من خلالها ١% من سكان البلاد، نرى أن سلوكنا كان جيدا).

ومن هنا نفهم أن ما يراه العالم من مجازر ترتكب يراه العدو دفاعا وحروبا عادلة لذلك فإنه بعد كل مجزرة يغسل الكلمات فيستبدل المجزرة بدفاع.

***

بديعة النعيمي

الودُّ الشفيف، والحب الشديد الذي يُحظى به السوداني في كل صقع ووادٍ، ليس مرده في وجهة نظري القاصرة، حديثه الممتع الذي تتخلله الفُكاهة، وتحيط به الدعابة، أو لنضجه الذهنيطه وثقافته المتعددة الجوانب، بل لاستقامة خُلقِهِ، ووضوح منهجهِ، وللكم الهائل من حُسن السجايا التي يتحلى بها السواد الأعظم من هذا الشعب الشامخ، ولعل الشيء الأنوط بأفئدة الشعوب، والأعلق بذاكرة الأمم، الكرم الذي يقف السوداني على جادته، فصاحب اللون الكالح، الذي يعيش بجسد مهدود، وعصبمجهود، يخِفُ للمعروف، ويهتز للعطاء، ويرتاح للندى، ويمكنهُ أن يصبر على كل خطب، ويثبت على كل محنة، إلا نائبة تنفصم عندها عُرى جلده، وينهار دونها جُرف اصطبارهِ، فكيف لسخي مخروق الكف والجيب لا يبقي على ما كسب، أو يقبض على ما ملك، أن يلج داره ضيف ولا يوغل في كرم وفادته، كيف لسبط الأنامل، ورحب الذراعين، ألا يستسلم للشجون، ويستكين للحسرة، وهو يرى الفقر المدقع الذي يقيم بداره، كما يقيم الداء الوبيل بالجسد المعتل، وضيف قصده من مكان نائٍ، عندها حتماً يتبدّل الثغر الذي يفترُّ بالابتسام، وتغوص بشاشة الوجه الذي يومض بالبشر والوئام، ويحل محلهما الكدر والسقام، ولا يجد بقية الكرام مراغماً ولا سعة، سوى الدين والاقتراض حتى يحتفي بضيفه، ويطعمه من الأطايب التي تشرئب إليها كل نفس، وتتوق إليها كل معدة.

لأجل ذلك يهش الأنام في وجه السوداني، ويتقاضون عن هناته عملاً بحديث المعصوم عليه الصلاة والسلام: «تجاوزوا عن ذنب السخي فإن الله أخذ بيدهِ كلما عثر، وفاتح له كلما افتقر». وخاتم الأنبياء والمرسلين الغزير الفواضل، الكثير النوافل، الذي يعطي عطاءَ من لا يخشى الفقر وصفته سفانة بنت حاتم الطائي بأنه :«يحِبُ الفقير، ويفكُ الأسير، ويرحم الصغير، ويقدر الكبير، قال عن السخي:«السخي قريب من الله، قريب من الناس، قريب من الجنة، بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله، بعيد من الناس، بعيد من الجنة، ولجاهل سخي أحب إلى الله من عابد بخيل».وخصلة الكرم التي تعد بمثابة أصل المحاسن كلها، خصّ الله قاطني الجزيرة العربية بالشقص الأغر، والحظ الأكمل منها، فقد كانوا معادن الكرم، وسدنة السخاء، فقد روت لنا أمهات الكتب العربية أخباراً في الجود، يكاد سامعها ينكرها لبعدها عن المعهود، كما قال الأبشيهي منها خبر ذلك الأعرابي الذي جاء إلي سيدنا عبدالله بن عباس رضي الله عنهما وهو بفناء داره فقال: «يا بن عباس إن لي عندك يداً قد احتجتُ إليها، فصعد ابن عباس فيه بصره ولم يعرفهُ، فقال: وما يدك؟ قال: رأيتك واقفاً بماء زمزم، وغلامك يمتح لك من مائها، والشمس قد صهرتك، فظللتك بفضل كسائي حتى شربت، فقال: أجل إني لأذكر ذلك، ثم قال لغلامهِ: ما عندك؟ قال: مائتا دينار، وعشرة آلاف درهم، فقال: ادفعها إليه، وما أراها تفي بحق يده». ومن أجواد العرب في الإسلام سيدنا عبدالله بن جعفر، كان الخليفة معاوية بن سفيان يعطيه ألف ألف درهم في كل عام، فيفرقها في الناس ولا يُرى إلا وعليه دين، وحدث أن لامه أصحاب المجد الأصيل، والشرف الأثيل، السيدان الشريفان الحسن والحسين رضي الله عنهما على سرفه في بذل المال، فقال: بأبي أنتما، إن الله عز وجل عوّدني أن يتفضل عليَّ، وعودتهُ أن أتفضل على عباده، فأخاف أن أقطع العادة، فيقطع عني المادة، وحدث أن مرض السخي النقي قيس بن سعد بن عبادة، فلم يهرع بعض أخدانه ومعرفته لعيادته، فثقل ذلك عليه، وحينما سأل عن سر ذلك الغياب، قيل له: إنهم يستحيون مما لك عليهم من الدين، فقال: أخزى الله مالاً يمنع عني الإخوان من الزيارة، ثم أمر منادياً ينادي من كان لقيس عنده مال، فهو منه في حل، فكسرت عتبة بابه بالعشي لكثرة العوّاد

***

د. الطيب النقر

 

القتل بالكلمات من أبشع وسائل القتل، وما أمهرنا في إستعمال الكلمات لقتل بعضنا وتدمير وجودنا. فالكلمات قذائف ذات قدرات متنوعة للتدمير والإمحاق، وفقا لمعرفة خطورتها وتأثيراتها وآليات قذفها في العقول، لنحت أفكار ومواقف وسلوكيات فاعلة في الوسط المكاني والزماني.

الكلمة من أدوات أسلحة التدمير الشامل، لأنها تحث في البشر طاقات سلبية تسعى لتدميره، وإخراجه من كينونته وتغيب ذاته وموضوعه، حتى يكون من ألد المعادين لهما.

فالكلمة السيئة المدججة بما يؤهلها للإنفجار تتحول إلى فاعل نشيط لتدمير الهدف المطلوب، فلا يبذل الأعداء سوى صياغة الكلمات وبثها بين الناس لكي تمارس دورها التدميري الفعال.

وأمتنا تفعل بها الكلمات ما تشاء من الخرابات والإتلافات المتنوعة، وسُخرت لهذا الغرض أقلام كبيرة سقطت في مستنقعات الغفلة، وتوهمت بأنها تقوم بواجب نبيل، وهي المُسخرة لأغراض خفية، ومسوقة بآليات تعميها عن النظر الواضح، فتتحرك كالدمى وتؤدي وظائف لو وعتها لأجهزت على نفسها.

وتجد المواقع الإعلامية تعج بالأقلام القاذفة للكلمات القاتلة، والقاضية بإشعال الحرائق وتحويل الوجود العربي إلى دخان لتزداد الأبصار عماءً، وتفقد الخطوات مواضعها، ويفنى البشر بالبشر، وهو في غثيان من شدة سكره بالكلمات المحقونة في رأسه المثمول بالضلال والبهتان.

فلننتبه للكلمات وإستعمالاتها، ونتعلم كيف نصوغ العبارات الإيجابية، الحاثة على البناء والتفاؤل والقدرة على صناعة الحياة الحرة الكريمة.

وعلينا أن نعزز ما نذهب إليه بمختارات مشرقة من مسيرة الأمة الحضارية، بدلا من التركيز على بطولات الدم وإشاعة ثقافة التوحش والإفتراس، وفرض قوانين الغاب الشرس الفتاك.

إن الأمة بخير عندما تكون الكلمة الطيبة نبراس وجودها وبوصلة مسيرها، وعندما تتوفر لديها مناعة كافية ضد الكلام الخبيث الساعي إلى إنثلامها.

فهل سترعوي الأقلام وتتبصر الأفهام؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

لم يكن عام ١٩٤٨عام نهبت فيه العصابات الصهيونية أرض فلسطين من أصحابها الشرعيين فقط، بل لقد أثبت افراد هذه العصابات بأنهم لصوص بامتياز عندما قاموا بعد ارتكاب مجازرهم بنهب كل ما طالته أيديهم من ممتلكات منقولة للفلسطينيين، وقد صرح حينها رئيس حكومة دولة الاحتلال المؤقت (دافيد بن غوريون) خلال جلسة مقر ماباي بتاريخ ٢٤/ تموز ٤٨ قائلا (اتضح أن غالبية اليهود حرامية). كما وساذكر ما حصل بعد مجزرة اللد حينما جمع قائد كتيبة (يفتاح) التابعة لعصابة (البلماح) في ١٤/تموز أعضاء كتيبته في غابة (شيمن) ووبخهم على نهب مدينة اللد، وكتب حينها (بدأت بعض عناصر وحداتنا بسرقة ونهب الممتلكات التي خلفها الفلسطينيون).

وقد اشترك حينها بعمليات النهب سكان كيبوتسات وأفراد عصابات الهاجاناه وشتيرن وإرغون، عناصر شرطة، جنود ومؤسسات تابعة للدولة. وأكبر مثالين على عمليات النهب ما تم بعد مجزرة دير ياسين ومجزرة اللد. ثم بعد ذلك أصبح امر النهب متداولا وعلنيا في بقية المجازر.

ونحن بهذا لا نتبلى على اليهود ولا نقول ما ليس فيهم، إنما قلنا ما قلناه استنادا لما تناوله المؤرخ اليهودي(آدم راز) بشأن هذه العمليات وأقصد عمليات النهب التي حدثت عام ١٩٤٨. وقد ذكر راز في كتابه أن الجزء الأكبر من قيادة حزب ماباي أيدت النهب باعتباره خطوة حتمية لتهجير الفلسطينيين من بيوتهم وأراضيهم. وذكر أيضا أن الجنود اليهود الذين وقفوا على الحواجز التي وضعت على مخارج مدينة اللد عام ٤٨ قد استولوا على أموال ومجوهرات المهجرين. وقد كان جنود كتيبة يفتاح قد تلقوا أوامر بتجريد الفلسطينيين من كل شيء قد يبدو ثمينا كساعات اليد والمجوهرات والنقود وأي ممتلكات ثمينة أخرى.

واليوم في الحرب على غزة ٢٠٢٣- ٢٠٢٤ نجد جيش الاحتلال بالإضافة إلى ارتكابهم للمجازر بحق المدنيين وقصف العمارات السكنية والمنازل يقومون بعمليات النهب سائرين على درب أسلافهم من العصابات. فقد تمت عمليات سرقة ممنهجة لأموال وممتلكات أهل غزة. ونستدل هنا لما أشارت إليه صحيفة ايديعوت أحرونوت العبرية (أنه منذ بداية الاجتياح البري لقطاع غزة استولى الجيش على ٥ ملايين شيكل تم تحويلها إلى القسم المالي بوزارة الدفاع). كما أشارت أن الأموال المصادرة تشمل عملات أميركية وأردنية وعراقية وغيرها. بالإضافة إلى الاستيلاء على ممتلكات وحاجيات أخرى.

فالعدو لا يكتفي بالتدمير والقتل وسرقة الآباء والأمهات وإنما يسرق كل شيء ويسطو على كل ما هو ليس له، وهذا نهجهم الذي لم تغيره السنون.

***

بديعة النعيمي

 

في المثقف اليوم