أقلام حرة

أقلام حرة

المجتمع الاستيطاني الصهيوني سيعيد انتخاب مجرم الحرب نتنياهو كما أعاد المجتمع الأميركي بوش الابن بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر! أعتقد أن فكرة أن نتنياهو قد انتهى سياسيا وأن مستقبله السياسي قد انتهى وأنه سيذهب إلى السجن بعد أن تنتهي حرب الإبادة على غزة فكرة خاطئة وخطرة. هذه الفكرة قد تصح في المجتمعات الطبيعية المنسجمة مجتمعيا تحكمها دولة مؤسسات ديموقراطية وليست في دولة استيطانية عنصرية قائمة على الحروب والعدوان واغتصاب أوطان شعوب أخرى! لنا مثال على ذلك في الولايات المتحدة الأميركية؛ فبعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 وسقوط آلاف القتلى، شنَّ جورج بوش الابن حروبه الثأرية بالقصف السجادي وأسقط نظام طالبان عام 2001 ثم شنَّ حربه "السجادية" الثانية على العراق وأسقط نظام حكم دكتاتوري دموي متخلف بعد حصار شامل طويل قتل بسببه أكثر من مليون عراقي غالبيتهم من الأطفال سنة2004، ودمر بوش البلدين - أفغانستان والعراق- وزرع فيهما نظامي حكم رجعيين عميلين، وكان منطقياً - لو كنا في حالة مجتمع طبيعي ديموقراطي منسجم وليس في مجتمع استيطاني قائم على الحروب والعنصرية وهيمنة الإنكلوسكسون - أن يطاح الرئيس المرشح بوش الابن في انتخابات 2004، ولكن غالبية المجتمع الاستيطاني صوتت له وجددت عهدته الرئاسية لأنها اعتبرته بطلها الحامي قاتل الأعداء الذين يهددون هذا المجتمع المفتعل القائم على القتل ولعدوان!

مجرم الحرب نتنياهو يبيد الفلسطينيين اليوم في حرب إجرامية عنصرية أمام انظار العالم – وخاصة الحكومات العربية والإسلامية الاستبدادية - المتفرج الساكت إلا ما ندر، ويحاول - نتنياهو - أن يزيد عدد قتلاه من المدنيين الفلسطينيين إلى أقصى حد ليرضى عنه المجتمع الاستيطاني وينسى فشله العسكري سواء في صد هجوم السابع من تشرين أول أكتوبر أو في حرب المواجهة مع المقاومة الفلسطينية التي خسرها ويخسرها كل يوم، وحين ستنتهي الحرب سيخرج نتنياهو والمحازبون له ليفاخروا خصومهم بعدد قتلاهم الفلسطينيين ولا أستبعد تماما أن يعاد انتخاب نتنياهو ويصعد اليمين العنصري الصهيوني مجددا ويدير الدولة الاستيطانية ويخوض المزيد من الحروب ضد الفلسطينيين والعرب عموما!

***

علاء اللامي

مساء ٢٥/نوفمبر/٨٧ نُفذت في شمال دولة الاحتلال عملية فدائية فلسطينية كانت من أنجح العمليات بعد أن أغلق العالم أبوابه كلها أمام فلسطين. فقد نجح فدائي طيار في اجتياز منطقة الحزام الأمني اليهودي في جنوب لبنان بطائرة شراعية ذات محرك، وهبط في منطقة أصبع الجليل بالقرب من مستوطنة (كريات شمونة) بهدف اقتحام أحد معسكرات (الناحل) التابعة لجيش الاحتلال (معسكر غيبور) حيث تمكن قبل استشهاده من قتل ضابطين وأربعة جنود يهود وجرح سبعة منهم. وكانت (ياعيل ديان) ابنة موشيه ديان قد ادعت أن هدف العملية قتل نساء وأطفال مدنيين.

وعاشت المستوطنات اليهودية في الشمال ليلة من الرعب لن تمحى من الذاكرة وسط ذعر وهروب إلى الملاجئ. ويقول شمعون فايس في نهاية وصفه لما حدث (وإن أي طبيب نفساني مبتدئ يستطيع أن يوضح أن من الصعب تخليص الأفراد من رعب ليلة كهذه). كما أوقعت هذه العملية سياسة الأمن اليهودي في مأزق كبير حتى أن آرييل شارون حيث أثبتت هذه العملية فشله الذريع (أن من الواجب قطع يد القتلة) واليوم ٢٠٢٣ كررها بنيامين نتنياهو حينما قال سنقضي على حماس.

فما أشبه اليوم بالأمس. فالطائرة الشراعية التي استخدمها مجاهدو القسام في ٧/ اكتوبر ليست بالأمر الجديد ،فما حدث عام ٨٧ بطائرة شراعية عاد ليحدث في ٧/ اكتوبر بفارق أن فدائي ال٨٧ بذر بذوره وتركها لحين يوم حصاد فكان هذا الحصاد عملية طوفان الأقصى حيث استخدمت الشراعية إلى جانب بقية وسائل اقتحام غلاف غزة وهي طائرة بدون محرك تعتمد في تحليقها على التيارات الهوائية لأجنحتها في هدوء ونعومة مثل الطيور،طبعا بهدف صنع عنصر المفاجاة للعدو.

وما لن يمحى من الذاكرة العربية الحرة مشهد الطائرات الشراعية وهي تنقض كالنسور الجريئة على فرائسها (المستوطنات). والذعر الذي حدث من هروب لقطعان المستوطنين في ٨٧ عاد ليحدث في ٢٠٢٣ عندما أصبحت مستوطنات الغلاف في قبضة المجاهدين. وبهذا تكون العملية قد نجحت في إثبات الفشل الاستخباراتي لجيش الاحتلال بشرخ جدار الأمن الذي عمل عليه قادة الدولة منذ قيامها. فبعد تأسيسها عام ٤٨ أشرف بن جوريون رئيس وزراء دولة الاحتلال آنذاك على بلورة نظرية الأمن القومي المنبثقة من أطروحة (جابوتنسكي) الأب الروحي لليمين اليهودي (أطروحة الجدار الحديدي) حيث يستند إلى بناء قوة عسكرية رادعة للحفاظ على أمن الدولة لكن عملية ٨٧ ضربت هذا الجدار واليوم نراه ينهار أمام طوفان الأقصى والذي سيكون بإذن الله بداية انهيار هذه الدولة. وعلى نتنياهو ومن خلفه الولايات المتحدة الأمريكية وبقية دول الشيطان أن تفهم ان لا بقاء لدولة سرقت ما هو ليس ملكا لها.

***

بديعة النعيمي

 

مازال الغرب يكشف عن المزيد من ملامح وجهه القبيح حتى صرنا نقرأ قسماتهم، نعي نظراتهم،نعرف إيماءاتهم ونسمع همساتهم بعدما تعارفنا من المسافة صفر.

العداء الأزلي السافر للإسلام والعروبة هو السمة المشتركة بين الصهيونية والغرب، وكلما اقتربت خطوط التماس من بعضها انكشف ما وراء المساحيق أسرع، وبدت حقيقة الوجوه واضحة أكثر، وسقطت كل الأقنعة المصطنعة والمزيفة، وأصبحنا قريبين من دخيلة قلوب صناع القرار حتى لنستشعر حرارة نفثهم شرا وكراهية،وكلما اقتربنا راعنا ما تخفيه سطور مواثيقهم المخادعة وعقودهم المضللة وعهودهم الكاذبة، رأينا كيف تطحن مقومات الشعب العراقي، وتدمر حضارة وتراث الشعب السوري، وتنهب ثروات الشعب الليبي، وكيف يباد الشعب الفلسطيني الأعزل وأطفاله الأبرياء بآلاف الأطنان من القنابل الغبية أكثر من الذكية على يد جنود صهاينة أغبياء أكثر من قنابلهم لم يتمكنوا على مدي ثلاث أشهر من مغالبة أفراد المقاومة المسلحة وجبنوا عن مواجهتهم فسارعوا إلى الانتقام لقتلاهم في الشيوخ والنساء والرضع وأفرغوا حنقهم وحقدهم على المدنيين ليلا، هذا هو أسلوب المستعمرين في كل الحقب التاريخية، لا يتغير لأنه إجرام يسرى مجرى الدم، تقتيل بدون تمييز، واغتصاب بلا أي وازع أخلاقي، وتدمير بغير ضمير إفسادا في الأرض، وهناك الفرنسي اليهودي، والأمريكي اليهودي .. والألماني كذلك !! أصبحوا ينتصرون لليهودية أكثرمن اليهود أنفسهم، يخوضون إلى جوارهم حربا غير متكافئة، عرفناهم وعرفونا جيدا من المسافة صفر، نعترف بأننا شعوب ضعيفة الشخصية، لا تقدس العمل ولا تقبل على تحصيل العلم بل تهوى التجارة فقط، التجارة في كل شيءيصنعه الغرب، تلك هي السيرة الأولى كما عهدناها في قبيلة قريش، هجرنا علماؤنا واستفاد الغرب من علمهم، وأصبح شبابنا يحلم بأوطانهم على قوارب الموت، قاست مجتمعاتنا المحافظة من مظاهر الفتن والضلالة وعانت من مختلف سيناريوهات التدمير الذاتي والانتحار السياسي تحت وطأة الإرهاب السياسي والطائفي والديني المسلح المسخر من الغرب والموجه تحت مسمى ثورات الربيع العربي، ثم إشاعة الفيروسات والأمراض سريعة الانتشار وإحداث العدوى،ونشر الفساد الأخلاقي والشذوذ، إنه مخطط كبير يستهدف المسلمين أينما وجدوا ولا يستثنى منه أي وطن عربي، لقد جعلنا من أنفسنا تطبيقا حيا للمثل القائل " المذبوحة تسخر من المسلوخة،وبرغم كل هذا يعتز كل مواطن عربي بمقوماته ويتمسك بهويته وأصالته، ويدرك أنه ليس هناك من مخرج سوى الأخذ بجميع أسباب المنعة والقوةبالتسلح بالعلم والتمسك بالتضامن والمحافظة على المقومات الوطنية، وسيكون الأمر أقرب إلى التحقيق بكل يسر وسهولة إذا جعل كل زعيم عربي مسافة علاقته بهموم أفراد شعبه صفرا.لقد علمتنا الحرب الصهيونية على غزة من المسافة صفر أن من يدّعون القوة جبناء،ومن يزعمون الجبروت أغبياء، وأن ساستهم مراوغون وجنودهم شواذ وأن تاريخهم كله عار عليهم ولا يحمل التاريخ لهم أي موقف يشرفهم، أمّا شرطي العالم الذي ضاق بكونه ليس إلا بلد مهاجرين نشأ وسط حضارات عريقة فلم يتطور فكره منذ عهد "الكاوبوي" ويتلخص في أن البقاء للأصلح، وأن صاحب الكفاءة هو الشخص الأسرع في سحب مسدسه، لذلك فهم أبعد ما يكونون عن رسم سيناريوهات التنمية لكل بلد عربي مسلم لأنهم ليسوا أهل سلام ولا جديرين بالثقة، ولا يجوز أبدا أن تبني الدول العربية علاقاتها مع الغرب والصهاينة من المسافة صفر.

***

صبحة بغورة

راهن الغرب على ضعف لبنان من خلال خلق نظام طائفي للحكم، اضافة الى تكوين عملاء له، وجعله بلدا سياحيا بالدرجة الأولى، لئلا ينشغل بما يجري على حدوده من اغتصاب لدولة فلسطين وتشريد اهلها، ليعيشوا في الشتات ومنهم لبنان الذي يختضن حوالي المليون لاجئ فلسطيني يعيشون على مساعدات الامم المتحدة ضمن وكالة غوث اللاجئين التي تقاعست مؤخرا عن دورها، فأصبحوا يشكلون عبئا على الدولة اللبنانية.

ولان لبنان دولة مواجهة، فان الغرب وضع فيتو على تسليحه، للسماح للكيان الصهيوني بان يصول ويجول فيه متى اراد، نفذ الصهاينة عديد العمليات الاجرامية بحق القوى الوطنية، وكانت هناك عمليات اغتيال لقادة فلسطينيين كانوا يتخذون من بيروت مقرا لهم، وكان الهجوم الشامل العام 1982 حيث احتلوا كامل جنوب لبنان وصولا الى العاصمة بيروت ودنسوها.

كانت هناك عمليات فدائية ضد المحتل الصهيوني من قبل القوى اليسارية من مختلف المذاهب لعل ابرزها تدمير مقر المارينز في بيروت العام 1983 ومقتل 240 جندي امريكي واجبرت امريكا على سحب قواتها من لبنان.وفي14 من سبتمبر تم اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل قبل تنصيبه. وفي العام 1982 تأسس حزب الله واخذ على عاتقه تحرير الجنوب من المغتصبين الصهاينة وكان له ذلك العام 2000 م.

لا باس لنا من الرجوع بالذاكرة الى اكثر خمسة عقود مضت بشان لبنان الذي يريدونه مكانا للهو والراحة والاستجمام، بعيد غروب شمس 28 كانون الاول (ديسمبر) عام 1968، انطلقت قوة "إسرائيلية" خاصة على متن مروحيات إلى مطار بيروت الدولي، ونفذت عملية دمرت خلالها 13 طائرة ركاب كانت جاثمة هناك وعد العمل انتقاميا ردا على اختطاف مسلحين تابعين للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في 22 تموز(يوليو) 1968 طائرة ركاب مدنية "إسرائيلية"، كانت متوجهة من روما إلى تل أبيب، ولكن تم التوجه بها إلى الجزائر.

الهجوم الانتقامي شاركت فيه 15 طائرة مروحية وعشرات من طائرات الإسناد وعدة قطع بحرية من بينها ستة قوارب وعدة قوارب إنزال آلية، تحسبا للاضطرار إلى إجلاء أفراد القوة الخاصة المهاجمة عن طريق البحر بعد العملية، وأيضا لانتشال طاقم وركاب أي مروحية في حالة سقوطها في البحر.

اجتمع مجلس الأمن الدولي ليلة رأس السنة 31 كانون الاول- ديسمبر 1968، ورأى أن العملية الصهيونية في مطار بيروت التي دمر بواسطتها حوالي نصف أسطول النقل الجوي المدني اللبناني، تتعارض مع القانون الدولي، وحذر الصهاينة من أنه سينظر في اتخاذ المزيد من الخطوات في حال تكرار مثل هذه الحوادث، وانتهى الأمر في ذلك الوقت عند هذا الحد.

الحرب الاخيرة على غزة، أثبتت همجية الغرب وعدم اعترافهم بحقوق الانسان، سقطت شعاراتهم الزائفة، على مدى ثمانون يوما والمقاومة الفلسطينية في غزة تكبد العدو ومن ورائه امريكا وحلف الناتو وتواجد مدمرات امريكية بسواحل غزة دلالة على ارادة المستعمرين في ازالة المقاومين بأية وسيلة، تشير المصادر الى حضور افواج مقاتلة ومرتزقة من اكثر من 23 دولة حول العالم(25، 000 مرتزق) لدعم عمليته البرية في غزة اولاً ولتنضم الى وحداته المنتشرة في شمال الكيان على الحدود مع لبنان.

يستخدم حزب الله والمقاومة الاسلامية في لبنان صواريخ بركان ذات التدمير الكبير وكذلك المسيرات الانقضاضة المتفجرة، وخلال الاسبوع الاخير من السنة 2023 شكل دخول الصواريخ المضادة للطائرات عنصراً جديداً في توازن الردع الناشىء على الحدود الجنوبية مع فلسطين.

حركة حماس رفضت البند في المبادرة المصرية الذي يدعوها الى التخلي عن حكم غزة مستندة الى انها لم تخسر في الميدان بوجه الجيش الصهيوني، لا بل كبدته خسائر كبيرة وهي لا تزال الاقوى على الارض. وعليه، ترى الحركة انها ليست في موقع ضعيف لتقدم للصهاينة تنازلات على غرار اقصائها من الحكم في غزة، حيث ان جيش العدو لم يحقق اهدافه المعلنة.

لقد اظهرت الحرب على غزة وحدة ساحات المقاومة من العراق الى حزب الله مرورا باليمن لتصب جميعها في مصلحة فلسطين وعدم تركها وحيدة بالساحة بينما نجد بعض الحكام العرب يتمنون زوال المقاومة ومسح خارطة فلسطين من الوجود، ولكن الشعوب المقاومة لا تقهر وستنتصر حتما.

***

ميلاد عمر المزوغي

 

إذا فقدت الأمم والشعوب ذاكرتها فستفقد مناعتها، وتتحول إلى موجودات خرفة تقودها إرادات الآخرين، لأنها لا تمتلك ما يؤهلها لقيادة نفسها ومعرفة خارطة مسيرها.

وذاكرة الأمم والشعوب تتلخص بتأريخها، الذي يمكن محقه أو تحويله إلى سلاح ضدها، لتدمير وجودها في الحاضر والمستقبل.

وبما أن تأريخ أمتنا لا يمكن محقه والتخلص منه، فأعداؤها يجدّون ويجتهدون بتحريفه وتحويله إلى طاعون، لتعويقها وتفريغها من جوهرها وطاقاتها الحضارية الأصيلة.

وفي زمننا المعاصر بلغ العدوان الفكري والثقافي ذروته وتمام خطورته، بتغفيل نخب الأمة وتحويلهم إلى أدوات فاعلة في تشويه التأريخ والتقليل من قيمته، بل وتكذيبه وإعتباره حالة مغايرة مترعة بما هو سلبي ودوني، وبعيد عن المعاني السلوكية النبيلة السامية.

ويتم التركيز على الدموي والقتالي، ويبتعدون عن العلمي والثقافي، ليوهموا الأجيال بأن الأمة لا علاقة لها بالعلم والمعارف الإنسانية، وأن بطولتها في السيف وحسب.

ولهذا تجد الذين يحاولون الكتابة عن حقيقة اِلأمة الحضارية في محنة تحدي ما في رؤوس أبنائها من أضاليل وتصورات سلبية، فتجدهم يبخسون المكتوب بإيجابية عن أمتهم، ويهللون ويروّجون السلبي.

ويبدو أنهم قد أفلحوا بزرع الأكاذيب في الوعي الجمعي، وإقناع أبنائها بأنها مقعدة، عاقرة، فاقدة لمؤهلات المعاصرة، وعليها أن تتبع وتقبع في أحضان الطامعين فيها.

فهل من تفاعلات تحافظ على ذاكرة الأمة وتصونها من التشويه والتدمير؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

 ليس مفاجئا أن تقوم أمريكا بإفشال قرار وقف إطلاق النار في غزة، وليس مفاجئا أيضا المشاركة الأمريكية الفعالة في المجازر الصهيونية في غزة أرضا وشعبا؛ بحكم الارتباط الاستراتيجي بين أمريكا والكيان الصهيوني. وفي الوقت ذاته؛ يدعو المسؤولون في أمريكا والغرب إلى عدم تمادى إسرائيل في قصفها العشوائي، وأن تأخذ في الاعتبار؛ المحافظة على حياة المدنيين من سكان غزة، وأن دولة الاحتلال الإسرائيلي إذا استمرت ـ حسبما قال وزير الخارجية الفرنسي مؤخرا ـ في قتل المدنيين من دون وضع حدود؛ تُقيدها وتحمي المدنيين، وإبرام هدنة إنسانية مستدامة، (رغم أنه لم يأت على ذكر إيقاف المجارزة كليا والانسحاب من القطاع) سوف تفقد الدعم الدولي، علما أن إسرائيل مدانة تقريبا من كل المجتمع الدولي.

نتنياهو قال مؤخرا؛ بأن ليس في وارد إسرائيل حل الدولتين، وإنه حتى الاتحاد الأوروبي يشاركها في هذه الرؤية في السر، على عكس ما يصرحون به في العلن، وإن الفلسطينيين من الممكن أن يسمح لهم بإدارة مناطقهم، إدارة غير سيادية، وهو الحاصل منذ أكثر من ثلاثة عقود، إضافة إلى أن المسؤولين الأمريكيين يتحدثون ويتشاورون مع مراكز القرار في المنطقة العربية وحتى مع السلطة الفلسطينية؛ حول مرحلة ما بعد المقاومة الفلسطينية، ومن يحكم القطاع؛ هل سيكون ائتلافا عربيا، أم السلطة الفلسطينية؛ وكأن الأمر محسوم لصالح جيش الاحتلال الإسرائيلي في مناقضة صارخة؛ لما يقوم به أبطال المقاومة من تصد وقتل للغزاة من منطقة الصفر، وتكبيد جنود الاحتلال خسائر وأثمانا باهظة، حسب اعتراف المتحدث الرسمي لجيش الاحتلال. في خضم هذه الإبادة الإجرامية، وفي التصريحات التي كثر تداولها في الأيام الأخيرة؛ تتم إعادة الروح إلى حل الدولتين، في تناقض مع تصريح نتنياهو الأخير حول هذا الحل، علما أن هذه التصريح لم يرد عليه أي من المسؤولين الغربيين، أو الأمريكيين لا نفيا ولا قبولا حتى الآن؛ مما يثير لدى كل متابع، الكثير من الشكوك والأسئلة حول الموقف الحقيقي الأمريكي والغربي من موضوع حل الدولتين، ما يرسخ قول نتنياهو الأخير في الذي يخص حل الدولتين، تثبيتا ووجودا على أرض الواقع الحقيقي والمدفون تحت السطح. كل العالم تقريبا، أدان ما تقوم به إسرائيل من جرائم في غزة، لكن أمريكا والغرب صما آذانهم وكأن فيها وقرا؛ عن كل هذا الذي يجري منذ اكثر من 3 أشهر في غزة من محارق ومذابح يندى لها جبين الشرف الإنساني وأخلاق البشر. هذه الجرائم الصهيونية ليس لها مثيل في كل العصور، إذن لماذا أصم الغرب وأمريكا آذانهم عن هذا الذي يجري؟ حتما يقف وراء هذه المواقف مصالح ذات أبعاد استراتيجية، هذه الآصرة الاستراتيجية بين امريكا والكيان الصهيوني؛ هي ما تفسر بوضوح استخدام أمريكا حق النقض (الفيتو) لإفشال إصدار قرار لوقف إطلاق النار في غزة، أي وقف المحرقة الصهيونية، متجاوزة كل ما سوف يلحق بها من أضرار سياسية وأخلاقية، وها قد تضررت في الاتجاهين، ولا تزال هذه الأضرار تتوسع وتتعمق، شعبيا ورسميا، في الداخل الأمريكي، وفي جميع بقاع المعمورة. عليه، ليس غريبا وقوف أمريكا والغرب مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، على الرغم من الرفض العالمي لهذه الجرائم. أصوات مسؤولي الغرب وأمريكا التي ترفض القصف العشوائي، وحماية المدنيين، وتطالب بهدن مستدامة، وليس وقفا لهذه الجريمة شاملا وكاملا، مع الانسحاب الكامل، وهناك فرق كبير وكبير جدا، بين الهدن الإنسانية المستدامة، والوقف الشامل والكامل، والانسحاب، أما مسؤولو المقاومة فأكدوا مؤخرا، أن لا تبادل للأسرى إلا بالوقف الشامل والكامل، والتبادل الكامل للأسرى والانسحاب.

الموقف الأمريكي والغربي يشكل دليل إدانة واضحا وصارخا لأصحابه؛ فهم لم يرفضوا، أو يدينوا المذابح رفضا تاما من الأساس، بل يرفضون الطريقة بالوصول إلى الهدف أي هدف تصفية المقاومة الفلسطينية ليس في غزة فقط، بل في كل الأرض الفلسطينية المحتلة في الخامس من يونيو عام 1967. وزير خارجية روسيا مؤخرا قال؛ يبدو أن الغرب لا يريد إقامة دولة فلسطينية. أقول، على ما يظهر من خلال الجريمة الإسرائيلية الجارية في غزة حتى الآن؛ إن الغرب لا يريد إقامة دولة فلسطين، بل الحقيقة هي أن الغرب وعلى رأسه الإمبريالي الاستعماري، أمريكا؛ ليس في أجندته الخفية، سواء الآن أو قبل الآن بعقود؛ إقامة دولة فلسطينية على ما تبقى من أرض فلسطين، قبل يونيو 1967، بل كما قال نتنياهو؛ منزوعة السلاح والسلطة السياسية، أي حكما ذاتيا ملمعا باسم دولة.. وحسب مراقبين لما يجري في غزة من عدوان اسرائيلي؛ أن هناك مساعي أمريكية وغربية وعربية؛ لعقد مؤتمر للسلام؛ تتم فيه مناقشة حل الدولتين. مستشار الأمن القومي الأمريكي، زار مؤخرا، تل أبيب ورام الله؛ والتقى خلالهما بمسؤولين إسرائيليين، وعلى رأسهم في تل أبيب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، وفي رام التقى بمحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية؛ حسب التسريبات الإعلامية؛ تمت في اللقاءين مناقشة الأوضاع في غزة بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية عليها. رئيس السلطة الفلسطينية؛ أبلغ مستشار الأمن القومي الأمريكي؛ أن السلطة الفلسطينية تعتبر الضفة الغربية والقطاع والقدس؛ أرضا لدولة فلسطينية واحدة، غير قابلة للتجزيء. أما في تل أبيب، وبعد مغادرة المسؤول الأمريكي؛ فقد صرح المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي؛ بأن الحرب في القطاع (الإبادة) على مراحل، وها قد دخلنا في المرحلة الثالثة؛ وسوف تكون الحرب أقل وطأة وعنفا في المراحل اللاحقة، لكنها وفي جميع الأحوال سوف تستمر حتى تحقيق كامل أهدافها. هذا التصريح يعني؛ أن الهدنة المستدامة، مجزءة، أو متواصلة، من المحتمل جدا، إن لم أقل سوف تتم ليس في الأيام القليلة المقبلة، بل أكثر من حساب الأيام قليلا. عزام الأحمد وفي تزامن مع هذه التحركات والتصريحات التي نتجت عنها؛ قال؛ إنه قد تلقى أمرا من محمود عباس للاتصال مع قادة المقاومة الفلسطينية، وقال مسؤولو البيت الأبيض؛ المهم والضروري، تجديد السلطة الفلسطينية.. حسين الشيخ القيادي في السلطة الفلسطينية، وفي منظمة فتح معا، قال مؤخرا، أو ملخص ما قال؛ إن منظمة فتح هي الممثل الوحيد لفلسطين، وإن المهمة الآن هي وقف الحرب، وإن المحاسبة سوف تأتي لاحقا، ومن المهم تجديد السلطة الفلسطينية.

في رأيي وباختصار، ومن خلال كل هذا، أولا أن هناك طبخة ما، لما بعد المجازر الصهيونية. وثانيا أن الحرب أو الأصح الجريمة الصهيونية في غزة سوف تأخذ منحى آخر مختلفا، أي تسكين القتال، إنما سيظل جيش الاحتلال الاسرائيلي في القطاع لخنق مدن غزة وشعبها. ثالثا أن المقاومة ستستمر في مقارعة هذا الغول الصهيوني المجرم. رابعا أن جيش الاحتلال الاسرائيلي سيحاول القيام باغتيالات في القطاع وخارجه، وربما في البعض من الدول.. خامسا وفي التوازي سوف يجري ضخ دماء الحياة في موضوع حل الدولتين.. سادسا أن القتال بين جيش الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، سوف يستمر إلى زمن ليس بالقصير. إن هذه العملية إذا ما تمت طبقا للإرادة الأمريكية والغربية والصهيونية، وغيرهم.. ستكون أولا طوق نجاة لجيش الاحتلال الإسرائيلي. ثانيا ستساعد دولة الكيان الصهيوني الاحتلالي الاستيطاني في تحقيق أهدافه الخفية، التي عجز عن تحقيقها بالصواريخ والمدافع. ثالثا ستساهم مساهمة فعالة؛ لزيادة مساحة منطقة الفراغ بين السلطة الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية، سواء في القطاع او في الضفة الغربية. رابعا أن المقاومة الفلسطينية، سواء في القطاع، أو في الضفة الغربية ستتوسع وتتعمق في عقول ونفوس الشعب الفلسطيني، وعلى الأرض؛ لأنه سيكتشف، ليس لاحقا، بل في اللحظة التي تبدأ بها هذه الطبخة، أن اتفاقات أوسلو، التي مرّ عليها أكثر من ثلاثة عقود، كذبة، لم تطبق إسرائيل أيا من بنودها، بل على العكس تمادى نتنياهو ورفضها رفضا تاما.

***

مزهر جبر الساعدي

 

تقتضي منّا هذه المهنة التي يُطلق عليها "مهنة المتاعب"، والآن أصبحت وظيفة من لا مهنة لهم بفضل العشرين ألف صحفي المسجلين بدفاتر نقابة الصحفيين، بأن يتفرّغ العاملون فيها إلى متابعة ما يجري حولهم كل يوم، فلا مكان وسط " طلات " إبراهيم الصميدعي صاحب المقولة الشهيرة "أنا مستشار رئيس الحكومة بمزاجي" مضيفاً، لا فض فوه، إن مهمته أن يحل أزمات البلاد، وابتسامة محمود المشهداني وهو ينتظر صافرة العدو نحو كرسي رئاسة البرلمان.

واصرار القوى التي تريد السيطرة على مجالس المحافظات على تغييب المستقلين، في ظاهرة لا تحدث في اتعس البلدانت .. غياب الصوت المستقل والاعتدال ليرتفع صوت المحاصصة والطائفية، فالجميع لا يريد للمواطن ان يحتمي بوطنه، وإنما بطائفته، انها تداعيات الظهور المستمر لدعاة التوازن الطائفي .

تعلِّمنا الكتابة اليومية أن أفضل شيء يقوم به الكاتب هو تذكير الناس مرة ومرتين وثلاثاً بما يجري حولهم، ولهذا تجدنا نكرّر الأسئلة نفسها بين الحين والآخر، ولا شيء يتغير سوى إجابات ناطقي الدولة، وتناحر القوى السياسية من أجل المناصب والمغانم .

سنوات والعنوان في صحفنا الرسمية وشبه الرسمية هو واحد لا يتغيّر "نجاح خطة التنمية"، فلتحيا جميع الخطط، ولنطمئن مادامت الصناعة متطورة والزراعة مزدهرة والجامعات الأهلية بعدد نفوس العراق.

ونحن نستقبل العام الجديد نفسه من حق المواطن أن يسأل إن كانت القوى السياسية وهي تسعى للسيطرة على كل شيء جادة في تحقيق الخطط التي وعدت بها وعن الطريقة التي تتعامل بها مع الوقت والمال العام ومصالح المواطنين والاستعداد للمستقبل .

ولأننا في أيام عيد، أتمنى أن أستيقظ ذات يوم، فلا أجد في نشرات الأخبار خبراً يتعلق بالاستحقاق الطائفي، ليست عندي ياسادة من مقترحات غير التمني، وهي بضاعة المفلسين في عصر ظل يستمد معارفه وعلومه من مكتبة إبراهيم الجعفري التي لا أدري أين حلّ بها الدهر، بعد أن عاد الجعفري إلى موطنه الأول "بريطانيا".

سيقول البعض: بأيةِ حالٍ ستعود علينا السنوات، لكنها ستعود ياسادة وسيكون فيها يوما من الايام تجديد برغم، فمثلما يريد البعض لهذا الوطن أن يكون ضحية لمطامحه وقرباناً لدول الجوار، فإن هذا الشعب لا يمكن أن يواصل الرضوخ ليقدم كل عام تجربة فاشلة جديدة، وتسرق آماله ومستقبله وأحلامه. جيث يواصل الكاذبون كذبهم، كما يشاءون، ويستمر المضحوك عليهم في استقبال مزيد من الحكايات الكوميدية عن الإصلاح والنزاهة.

في كل الأحوال، وبرغم الحال التي نستقبل فيها العام الجديد، ومع شغفي بمتابعة تقلبات نوابنا الاعزاء، أقول لكم: كل عام وأنتم على عتبة عام جديد أفضل .

***

علي حسين

 

عملية طوفان الأقصى في ٧/ أكتوبر/٢٠٢٣ التي عُمدت بالدم الفلسطيني وسقط خلالها آلاف الشهداء من أطفال ونساء وشيوخ ورجال واعتقال طال المئات تعدى إلى إخفاء أكثرهم وإصابات أيضا بالآلاف ومفقودين تحت الأنقاض، جاءت في وقت ظن فيه البعض أن ملف القضية الفلسطينية قد أغلق ووضع في أقصى زاوية في مسيرة التطبيع العربي ومبادرة المسار الإبراهيمي المزعوم ليعلن للعالم أن فلسطين حية وشعبها باق.

إنها غزة التي قال فيها هارون هاشم رشيد (كانت غزة ومنذ اللحظات الأولى للنزوح الفلسطيني بؤرة للتأجج الوطني،فهؤلاء النازحون الذين وفدوا إليها يحملون في عيونهم وقلوبهم صور مدنهم وقراهم ومزارعهم ومدارسهم ظلت تحفزهم على التسلل إليها والعودة إلى مرابعه).

ففي الجهاد ضد البريطانيين واليهود اشتركت غزة بمدنها وقراها وبدوها. وفي ثورة ١٩٢٩ غادر اليهود الذين كانوا يقيمون في غزة لحراسة الجند ولم يعد منهم أحد بعد ذلك التاريخ. وفي عام ١٩٣٤ شارك سكان غزة بالإضراب التاريخي الذي استمر ١٧٣ يوما. وفي عام ١٩٤٧ كان نصيب قطاع غزة ٧٣٠ اشتباكا من أصل ٩٧١ في الضفة والقطاع.

وفي خمسينات القرن الماضي كانت هي الشرارة الأولى لانطلاق العمليات الفدائية التحررية. وفي انتفاضة الحجارة عام ١٩٨٧ كانت غزة شرارتها عقب حادثة الشاحنة اليهودية التي أدت إلى قتل أربعة من مواطني القطاع.

وصولا إلى انتفاضة ٢٠٠٠ عندما زار شارون الحرم القدسي. حيث بدأت الانتفاضة مقدسية ثم شهدت تطورا عندما استخدمت المقاومة الفلسطينية الصواريخ والتي كان من نتائجها انسحاب دولة الاحتلال من غزة عام ٢٠٠٥. تلاها سلسلة من الحروب خاضتها المقاومة في غزة آخرها حرب ٢٠٢٣ والتي جاءت على إثر اقتحامات قطعان المستوطنين للمسجد الأقصى بهدف إقامة طقوسهم الدينية المزعومة.

فبدأت دولة الاحتلال بكل عنجهيتها وشوفينيتها تمارس أعمال الشيطان من خلفها تقف الولايات المتحدة الأمريكية وعظميات الدول مع مباركة الصمت العربي الخجول على سكان غزة العزّل وارتكاب ما ارتكبته من مجازر دموية حقودة وخرق ما لم يخدم فلسطين منذ ضياعها ذلك المسمى بالقوانين الدولية والإنسانية وغيرها من الترهات التي لم تكن يوما أكثر من خطابات على ورق لم تفعل أكثر من خدش عذرية البياض بسواد حبرها.

ولم تكن تلك الأعمال التي أقل ما توصف به أنها وحشية إلا انتقاما من غزة التي كم مرة تمنى قادة دولة الاحتلال أن يستيقظوا فيجدوا البحر وقد ابتلعها.

وبالرغم من كل ما ارتكب وما يرتكب إلى اليوم إلا ان المقاومة أذاقت وتذيق شواذ الاحتلال الويلات وتحرق الأرض تحت اقدامهم بل وتزلزلها، يخرج مجاهدوها لهم من حيث لا يعلمون.

غزة اليوم قنبلة موقوتة، هي الموت الذي يتمثل لهم في واقعهم وأحلامهم.

وكما هو عهد الشيخ المجاهد عز الدين القسام منذ ثلاثينات القرن الماضي (وإنه لجهاد نصر أو استشهاد).

***

بديعة النعيمي

 

ذلك الذي تسلقتُ عربته الاخيرة في الدقائق الاولى من ذلك اليوم 01.01.2023 باتجاه محطته الاخيرة التي لن يتوقف عندها في الدقيقة الاولى من عام 2024.. مسار طويل متعرج كثرت فيه التوقفات والانقلابات والاصطدامات والانفجارات والاغتيالات والاختطافات والانتحارات والغيابات والانتكاسات والانتصارات.. في هذا القطار كما في كل القطارات هناك من يجلس باتجاه حركته ومن يجلس باتجاه مخالف لها.. الاول سيرى القادمات منطلقاً من المكان واللحظة التي هو فيها ومن يجلس بالاتجاه الاخر اقصى ما سيراه هو بعض الماضي القريب وجزء متأخر من المكان واللحظة التي هو فيها.. ولا يعرف من او عن القادمات شيء وهؤلاء هم من يحاولون التحكم بالقادم.. بالمستقبل وهنا داء عظيم ووباء خطير.

قلتُ في دقائقه الاولى (2023)

سيكون العالم اصغر من قبر من يقتل هنا

كل ارضه حرام..

مشبعة بالألغام

قبل شهيقي الثاني

سأتدفأ بزفير من يتوارى في كوكب اخر.

يا صاحبي

خلف تلك الهضاب

انعكاس ضياء لدماء

يا صاحبي

سيزدحم الفضاء

بالأغاني والضوضاء

لكن الشر مع الشر

سيدنس ذلك الرحب الفضاء

ويأخذنا ربما الى فناء

حيث سيُمحل البطحاء الغّناء

نعم كان الشر مع الشر.. ورأينا دماء لم ولن تجف لأن شلالها صار هادراً لا يروي زرع ولا ينتج خير ولا جمال طبيعي فيه.. فيه ظلام وضَلال وصبخ للأرض والروح والحياة.

ازدحم الفضاء بالقاصفات والناقلات الصاعدات والنازلات الراجات والمخربات والمدمرات..

اقتحمت الصرخات السماوات.. تبحث عن مجيب لها كما كانت تظن..  لكن لا مجيب وهي لامسة ذلك منذ قرون.. لم يقتنع من على الارض انها هواء في شبك فلا صّادٍ لها ولا رادٍ عليها ولا سامعاً لها ولا مجيبٍ على ما فيها ولا مهتمٍ بما يمر على من في جحيمها.

و نحن نقترب من المحطة الاخيرة بعد اجتياز ما قبلها.. ليلة الميلاد ونويل حيث قلتُ عنها سابقاً او هكذا

سلامي الى الصليب

و على من عليه انصلب

قلبي عند النواقيس

و خوفي على من عليها او لها ضرب

سلامي على ما احاط به من نخيل

قيل.. هزتها البتول فتمايل خجلاً سعفها

و تساقط بعض تمرها والرطب

تذَّوق طعمه.. أكل وهنئ وشرب

.. فأشرق باسماً عادلاً منتصب

يشيع السلام

يحب عدوه والمُحب

رافعاً غصن زيتون..

ليجعل للإنسان قيمة رب

و قبل ان يقطع قطار العمر مسيرته التي استغرقت كل ثواني عام2023 سأقول له وللعام الذي تجاوزناه والقادم الذي سنمر على تفاصيله القاسية جداً كما اتوقع.. اقول:

سُرت بنا وتسير.. و غُصِبنا على المسير

في جوف ذلك النهر البحر الطويل العميق الكبير

تَدَّرَجْ العُمق من وشلتها حتى سحيقها

كلما ركس مركب صار فنار

كلما جَدَحَتْ شظية مات نهار

كلما نزلت.. وصلت..  ساخنه الى صيوانها.. شحمتها

و استقرت على الوسادة.. الدفتر.. الكتاب

اهتز نَشيجُ صاحِبها

صاحَبَهُ شهيق عميق

تلاه زفيراً.. حريق

ربط الارض بالسماء مسار

طَوَّق الرقاب حصار

سيحاول اختراقه ذلك القطار

تحت وابل الاخطار

التي تعصف في كل الامصار

سيختلط النحيب بالسُعار

و تتكسر الضلوع على جمر النار

و يبرز القلب وحيداً يبحث عن انصار

و تعاد فصول قابيل وهابيل

و تصطف الاقدار

بين مؤيد لها او ذاك

و نعبر ال 1400 عام الى 2000 في طريقنا الى 5000 عام

نطحن عظام بعضنا

على اقوال بادت

و مات من صاغها من اخيار او اشرار

من طاهرين او فُجار

و نحن في المسير.. الذي بدأ يتثاقل وصرير العجلات يتصاعد ظهر شعار مرفوع على حافة طريق فرعي يقول: (افتح قلبك للجميع..).. فتذكرت اني قُلتُ يوماً:

إشباع طفل جائع عيد

وإشاعة العدل هو الحصيد

اما العراق القريب البعيد فأُعيد ما سبق مما قلت عن ومن السلام.. سلامنا وسلام الذين نلهث باتجاههم الى الخلف بمرضٍ غريب وكأننا نخاف ان نصيغ لأنفسنا سلام يليق بهذه الايام:

سلاماً إلى كل أهل ألعراق

سلاماً من القلب حتى ألهدب

سلاماً إلى الراسيات الجبال

سلاماً إلى الهور والبردي والقصب

سلاماً للسهول والهضاب

شمالاً جنوب وشرقاً وغرب

سلاماً إلى النهرين والرافدات

وما سقَينَ ومن شرب

سلاماً إلى الباسقات النخيل

سلاماً إلى الجمار والسعف والكرب

سلاماً إلى كل تلك الجروح

وتلك القروح وتلك الندب

سلاماً إلى كل طفلٌ رضيع

سلاماً إلى كل أمٌ وآخت وأخٍ وأب

**

عبد الرضا حمد جاسم

من الظواهر المغفولة في عالم الثقافة والفكر والمعرفة، إن الإنطلاق بالبحث والدراسة ينتهي إلى توصيات يرى أنها ذات منفعة عملية، وبعد أن يسطرها، يردفها بقول: "ولكن"، ولكن يشترط، ولكن يتوجب، ولكن المجتمع لا يزال دون القدرة على كذا وكذا...!!

أي أن "ولكن" تنسف ما سبقها من ألفه إلى يائه!!

ترى لماذا يرتكزون على عمود "ولكن"؟

يبدو أن المشاعر الإحباطية الفاعلة في الواقع العربي، لها دورها في برمجة الرؤى والتصورات والخلاصات، وتعودها على المراوحة في ذات المكان، أو الدوران حول أهرامات السراب والبهتان، وعلينا أن نقر بإستحالة التغيير، والإنتقال إلى مستويات أخرى من التفاعل الإيجابي مع الحياة، لأن الدارج والمتوارث يتعبّد في محاريب آبائنا الأولين، فهذا ما وجدناهم عليه، وعلينا بالتواصل الأمين.

والسبب الآخر فقدان الجرأة والشجاعة لدى أصحاب الرأي والنظر، فإذا لم تكن جريئا في طرح الرأي، عليك بالسكوت، فالتصدي للظواهر السائدة في المجتمع مغامرة أو مخاطرة، لها عواقبها في جميع المجتمعات، وما غيرها إلا ذوو الجرأة والإقدام والمواصلة والإصرار.

إن إستحضار "ولكن" فيه نوع من الترضية، والنفاق الخطير الذي يضر بالواقع، ويدفعه إلى مزيد من التداعي والخسران.

بينما المفروض أن تكون التوصيفات معززة بما هو إيجابي، ومساهم في توفير أسباب تحقيقها وتوطينها في الواقع ليتقدم وينمو.

والمثير للإنتباه أنها ظاهرة سارية في تفاعلات الأجيال مع الواقع وما غيرت مسارها، فهذا يدّعي  الديمقراطية هي الحل ولكن..، وذاك ينادي بالعروبة وضرورتها للقوة ولكن...، وغيره يرى  أن القومية من مقومات الحياة المؤثرة في بناء الحضار ولكن...

وما وجدنا من يختم بغير "ولكن".

فما معنى ذلك؟

إن معناه، ما تقدمها هراء، لأن قيمته ودوره تم نسفه، وإقتلاعه بضربة "ولكن".

فلماذا نكتب وندرس ونبحث ونحن غير قادرين على عبور مصدات " ولكن"؟!!

***

د. صادق السامرائي

25\10\2021

 

المقالات التي يدونها أصحاب

العقل الراجح، والفكر القادح يجب أن تحتشد فيها مواكب هادرة من الصخب والضجيج، الذي يلفت الإنتباه لبعد الصلة بين ماضينا التليد، وحاضرنا الذي ناله ما ناله من نكاد الدنف، وكامن الوصب، الذي هزّ فينا منابت الوقار، وبيئة أهل اليراع المولعة بتعقب العيوب، ينبغي أن ترصد مجسات أسنتهم ما في الحياة الإجتماعية من قوة وضعف، وتحليق واسفاف، وأن تنأى تقاريرهم عن شوائب المصلحة، وتخلو ألفاظهم من اللطف والرفق، ومعانيهم من التزيد والافتراء، لقد جنح مجتمعنا عن الطريق الذي سار عليه أسلافنا، وأجنف عن السبيل القويم، وبات العربي المغنمٌ المدخر للقيم، والمأثرة الباقية للأخلاق، لا يتمعر وجهه وهو يرى قطيع الذئاب يرتع في وداعة مع أسراب الظباء، بل يرى الشيطان الممثل في الميديا الغربية تحتال بخديعتها ومكرها، ولطف مسالكها، فلا يأبه لذلك، ليت شعري أين ذهبت النخوة التي يحتكم لمبادئها، ويستضئ بنورها. نظرات خاطفة، ولمحات سريعة في أرصفة الطرق، وأقاريز الشوارع، تخبرك عن الباطل الذي استأسد، والهداية التي خنست، والدول التي زينت اسمها بهالات من المجد الكاذب، فأين هي شريعة الإسلام بربكم والفجور فلكه دائر، وسقفه سائر، ورقيمه مائر، أين هي الشريعة وجحافل العصاة قد استمرأت الوقوع في حرمات الله، أين هي الشريعة وسماء العروبة كثر فيها الريح العاصف، والزعزع القاصف.

لقد حرص الإسلام على ترسيخ  الحياء والفضيلة فى النفوس، وسعى لأن يكون سجية يجب أن يتحلى بها المؤمن، فالحياء من الإيمان كما أخبرنا المعصوم عليه أفضل صلاة، وأندى تسليم فــ "عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الإيمان بضع وسبعون شعبة والحياء شعبة من الإيمان".كما دعت شريعته الخالدة، لنبذ الأفعال والألفاظ التي تخدش الحياء، ويمجها الذوق السليم، و إلي الإبتعاد عن كل ما يضرم الشهوات، ويذيع الرذيلة، ونجد أن الدين الخاتم قد طمر جميع البؤر والمنافذ التي يمكن أن يتسلل منها الشيطان إلي الأفئدة، فنهى عن النظر االشهوان، ونادى بكبح جماحه، لأن ذلك النظر يجعل الغلبة والإنتصار لإبليس وجيشه اللجب من الفتن والشهوات، فبيننا وبين ابليس اللعين نزاع لا ينقطع، وصراع لا يفتر، ودوحة الحياء العرضى العام يجب أن يرسخ لها أصل، ويسمق لها فرع، فى مجتمعاتنا بحيث لا تقع أبصار الناس على ما ينافى عقائدنا المغروسة، وتقاليدنا الموروثة، فتخلو ردهات الجامعات، وصالات الأعراس، من التبرج والسفور، وفوضى الإختلاط، وتشابك الأيادي، فنحن نختلف عن الدول الغربية التى تدعو إلى الزنا، وتيسر أسبابه، وتمهد سبله، وتقبل نتائجه، فعندنا من" يحتوي زوجته فى الطريق العام يعد مرتكباً لجريمة الفعل الفاضح فى علانية، رغم أن ما آتاه ليس جريمة فى ذاته، وإنما هو أمر مشروع، إلا أن المسلك الذى أتصف به فعله مؤداه إيذاء الشعور العام، وخدشاً للحياء العرضى". الأمر الذى يقتضى أن يعاقب عليه عقوبة تعزيرية تحجمه عن تكرار الفعل إذا سولت له نفسه فعل ذلك مرة أخرى.

ولا يخالجنى شك بأن من يقدم على هذا التصرف الذى يندب الأخلاق، وينعى الشرف والنخوة، فى حوزته من موارد الدين والقيم ما هو قمين بأن يعصمه من ذلك الزلل، ولكن الإستلاب الغربى الذي يعانى منه، والذي اجتمع تحت مظلته الوارفة الملايين من شباب وكهول أمتنا، هو الذى جعله ينجرف عن جادة الصواب، وينظر لمن هو متشبث بدينه وقيمه، بأنه شخص يعيش فى سجية الماضى، ونجد في تصرفات هذه الناجمة تصديقاً للحديث الذى رواه عبدالله بن عباس رضي الله عنه فقد قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لتركبن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع حتى لو أن أحدهم دخل حجر ضب لدخلتم، وحتى لو أن أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه".

حرصت الشريعة الغراء على حماية الشعور العام بالحياء، وعرقلة كل فعل فاضح، وإجهاضه بكل سبيل، حتى لو كان ذلك الفعل تعبيراً عن علاقة مشروعة بين زوجين يتساقون أقداح الوداد فى قارعة الطريق، لأن بفعلهم هذا يدركهم العار، ويلحقهم الشنار،ويصيبوا الصلة التى كرمتها العقيدة فى مقتل، والتي نظمت كنه هذه العلاقة ودعت أن تؤتى في عزلة، وتتم فى صمت، أما من يخرج عن الموروث، ويعارض المألوف، فيقع تحت طائلة العقوبة التي ارتضتها الشريعة الغراء قمعاً للشهوات، ولجاماً للنزوات.

***

د. الطيب النقر

 

بات الفساد في العراق حديثاً ذو شجون وعلى مدار الساعة يتداوله المواطنين في مجالسهم الخاصة والعامة وحتى المتسلطين في بعض مفاصل الدولة ومن بمعيتهم تتهم أركان الحكومة بالفساد وكأنهم ملائكة منزهين عن القيل والقال متناسين بأنهم جزء من تلك المنظومة التي أوصلت البلد الى حالة من الضياع والتوجه الى المجهول، والفساد بحد ذاته هو الإستغلال السييء للوظيفة العامة من أجل تحقيق المصلحة الشخصية والتصرف بالمال العام دون وجه حق حتى بات عرفاً لا يعاقب عليه القانون بل يحميه تحت مظلة بعض الكتل والأحزاب السياسية المتنفذة والمشاركة في العملية السياسية منذ تحرير العراق من النظام الشوفيني البائد، وإن إنتشار ظاهرة الفساد وتجذرها في مؤسسات الدولة وسلوكيات المواطن نتيجة إرث النظام الدكتاتوري السابق من حروب وحصار وويلات، فضلاً عن إنعدام العدالة الاجتماعية من جانب، وعدم الاستقرارالأمني والسياسي بعد عام ٢٠٠٣ وما رافقه من غياب الشفافية وإنتشار المحسوبية والمحاصصة الطائفية من جانب آخر أصبح ٍيهدد شرعية النظام الديمقراطي ووجوده في العراق، ولعل آخر تهديد هوالذي تمثل بإرهاب عصاباٍت داعش قد إستغل الفساد لإختراق العديد من المؤسسات وتجنيد الأنصار، لذا بات لزاماً الحد من بعض أوجه الفساد التي تلامس حياة المواطن اليومية وتنخر بنية الدولة العراقية .

إن الفساد في العراق يكمن في تمتع كبار المسؤولين بصلاحيات واسعة، مع هشاشة المساءلة والمحاسبة وتراخي العقوبات الرادعة، فضلا عن عدم نزاهة الجهاز القضائي وغياب السلطة التشريعية أو تغيبها عن ممارسة دورها في الرقابة والمساءلة لوزارات الدولة، مع غياب الشفافية والعلانية والمساءلة التي تعاني منها السلطة القضائية، فضلاً عن التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المفاجئة وغير المدروسة، وإنحياز مؤسسات المجتمع المدني وضعف دورها الرقابي، كما تعد وسائل الاعلام سبباً رئيسياً في إنتشار الفساد بسبب ضعفها وعدم حياديتها في طرح المعلومات والاخبار التي تخص الفساد، إذ تعاني أغلب وسائل الاعلام في العراق من التبعية للتيارات والأحزاب السياسية المتنفذة، فضلا عن الجهل العام بالحقوق الفردية للمواطن وبحقه في الاطلاع والمساءلة على دور الحكومة وعملها في كثير من المجالات، لذا نرى بأن أخطر أنواع الفساد هو الفساد السياسي لأن ضرره يعم ويشمل المجتمع والدولة بشكل عام، ومن أهم صور وأوجه هذا النوع من الفساد والتي تتمثل، بفساد السلطة، وفساد الهيئات التشريعية والتنفيذية، وفساد الأحزاب والإنتخابات .

إن كل الحلول لمعالجة الفساد في العراق شكلية وأغلبها تنتهي دون حلول وإجراءات رادعة، لكن لو تم تطبيق قانون من أين لك هذا ؟ قد تحد من المشكلة نوعاً ما لكنها ليست نهاية المطاف وحلاً جذرياً، لأن مستوى الشفافية في العراق متدن جداً، ويرجع سبب ذلك الى انتشار وشيوع مظاهر الفساد بكثرة في العراق منها نهب المال العام، وعدم إحترام العمل، وتهريب الأموال، والابتزاز والتزوير، والتباطؤ في إنجاز المعاملات، فضلا عن الرشوة والمحاباة والمحسوبية .

وأخيراً يمكن القول: بأن الدولة تسرق نفسها تحت مظلة بعض السياسيين .

***

حسن شنكالي

 

لكي تكتب عليك أن تشرب من نور الشمس، وأن يتحقق الإشراق في دنياك لكي تنير ما حولك بالكلمات، أما عندما تكون الأعماق دامسة الظلام فأنها ستنضح عتما ودجى. أي أنها ستساهم في زيادة تخبط الناس وفقدانها لبوصلة خطواتها وإنعدام خارطة الطريق.

والكثير من الكتابات مدونة بمداد السوداوية واليأس العارم، وكأنها تريد إطفاء أنوار النفوس البشرية، ودفعها للسقوط في متاهات الدواجي الخائبات.

لماذا تكتب الأقلام بمداد الظلام؟

لماذا لا تمتلك دواة ضياء؟

أسئلة من الصعب الإجابة عليها، والمطلوب من أي كاتب أن يسألها لنفسه، قبل الشروع بالكتابة، فإذا وجد نفسه يغرف من الظلام فعليه ان يكسر قلمه ولا يساهم في قهر القراء.

أما الكتابة بدواة الضياء فتحتاج إلى مثابرة وجد وإجتهاد وتحدي وإصرار، وإرادة قادرة على إختراق المصدات والتفاعل الجاد مع المستقبل بإيمان مطلق ومقتدر على تحقيق المراد.

الكتابة بمداد النور معركة حامية بين الخير والشر، بين الطيب والخبيث، وقد ينزف أصحابها فلذات أعماقهم، أو يهدرون أرواحهم، لأن قوى الظلام لا ترحم، وإن تسلطت وإمتلكت مصادر القوة المادية، فأنها ستمحق ما حولها وتبيد من يرميها بشعاع ضياء، لأنها تريد بشرا أعمى، وخطى متعثرة، فلا تعرف غير صوتها، وتمضي على إيقاع خطواتها، وحبل تواصلها معها الذي يأخذها إلى حفر الوقيعة والهلاك.

فهل نكتب أم لا نكتب؟

إن الظلام لا يدوم، والنور يخترق أكداس الدواجي ويبدد كتل العتمة والظلمة بسرعة، فالضوء هو الأسرع والظلام أبطأ وأضعف.

وإن النور عميم والظلام سقيم!!

***

د. صادق السامرائي

13\10\2023

 

القوة في العلم  وليست في الشعر، والذين يريدون إيهام الأمة بأن قوتها في الشعر، يعادونها ويسعون لإجهاض وجودها الحي.

العلم قوة والشعر ضعف!!

هذا ليس عدوانا على الشعر، بل توضيحا لحقيقة القوة ومعناها، فالأمم تتقوى بالعلم، وما وجدنا أمة تتقوى بالشعر، لأن الشعر سلوك تفريغ لطاقات الإبداع.

الشعر كان له دور في تجميع القدرات وشد العزائم لصناعة القوة اللازمة لمواجهة التحديات.

أما في عصرنا العلمي الدفاق فما عاد للشعر دور مهم في هذا المضمار.

وأصبح  معبرا عن المشاعر والترفيه عن النفوس، كالموسيقى والرسم والمسرح وغيرها من الفنون.

وهذه النشاطات تكون من نضح قوة الأمم والشعوب وليس العكس، فكلما تقوت المجتمعات وتألقت قدراتها، فأنها تنعكس على نشاطاتها الفنية بأنواعها.

فالأمم الضعيفة مهما حاولت فلن تقدم فنا أو شعرا يضاهي ما تقدمه المجتمعات القوية البارعة بالعلوم.

إن التقدم العلمي من ضرورات التطور الشعري، وبدون مجتمعات يقودها العلم، لا يمكن الإتيان بإبداع أصيل معاصر وجدير بالحياة.

هذه حالة نغفلها ونتوهم بأننا نكتب شعرا، ونأتي بأدب رفيع، وما نقدمه محاولات نستنسخ فيها عطاءات المجتمعات القوية، لنخدع أنفسنا بأننا في ذروة الإبداع وأقوياء.

وشعاراتنا هراء، وأشعارنا هذاء، وكل مَن كتب قال أنا وغيري هباء!!

فهل لنا من علم يقوينا وأدب يشافينا بدلا من الخواء؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

التاريخ الحقيقي من يرويه ومن يكتبه...؟

عبر كل العصور كتب التاريخ رجال السلطة، وغاب السواد الأعظم من الشعب من الطبقات المهمشة والمعارضين لنظم الحكم عن حياتهم وظروفهم المعيشية، ويرجع ذلك إلى:

إنها لو فعلت ذلك ستكشف نفسها وتتحدث عن انتصارات ومكاسب وإنجازات وهمية.. وكل سرديات السلطة كاذبة ومثلها سرديات الجماعات والأحزاب وخاصة في ما يتعلق بالمختلفين، أي أن الجزء الجوهري من تاريخ الحاضر كاذب ومكتوب بدوافع رغبيه...،، رغم أن اللغة السياسية مصممة في الأصل على الكذب ومن هنا تعارض وتناقض الخطاب السياسي والخطاب الروائي.

فالذين مهدوا الطريق إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني وصفقات القرن،والترويج للتقارب بإسم الديانة

الإبراهيمية، كشفت حرب غزة سوء عورات هؤلاء... فعلي سبيل المثال 'في عصرنا الحديث اعرف شخصية دبلوماسية عاصر نهاية حكم "عبد الناصر" وتعرف علي نجلة الدكتور/ خالد ثم استغل صداقته، وظهر فترة السادات ثم تولي منصب بالرئاسة فترة "مبارك "ثم قدم استقالته في الأيام الأولى من ثورة يناير من الحزب الوطني وعضويتة في مجلس الشعب، وهاجم حكم فترة (مبارك) وبعد إعلان فوز "جماعة الإخوان "كان أول الذين اتصلوا بهم بعد فوزهم في انتخابات مجلس الشعب والرئاسة للتهنئة، والآن يظهر في البرامج التلفزيونية علي أنه مؤرخ وشاهد علي العصر، وهو لعب مع كل نظم الحكم...، فكيف نستمد جُزءًا من تاريخنا من هؤلاء...؟! لكن ما يَفسِدُ علينا تزوير التاريخ امثال هؤلاء.

إن التاريخ الحقيقي هو المأخوذ من رواية المثقف والفنان والمفكر المستقل والخطاب الروائي وهو خطاب التاريخ

من الأسفل ومن المسكوت عنه والمحجوب ومن مخلوقات القاع والعتمة والحافات المهمشة.

كان (ابن خلدون) اول مثقف جعل التاريخ رواية للطبقة العريضة في المجتمع من مختلف فئات القاع من المهمشين المخفين ونقله من مقرات الحكم الى الشوارع والعامة. التاريخ الحقيقي لا يوجد في خطابات السلطة ولا وعودها ولا في حفلاتها المزيفة وطقوسها بل التاريخ في الجوانب الخفية وفي القري والنجوع والعشوائيات وضواحي المدن من الفقراء والمساكين...، خارج النظام والمهمشين.

التاريخ الحقيقي من الأسفل وليس من الاعلى كما يفعل المؤرخين بالاعتماد على وثائق النظم واستبعاد شهادات الضحايا ومن على الهامش او من شهود الاحداث، من طبقة الخدم كالحراس والسواقين والبوابين والفلاحين والعمال، ومن على صورهم، في قصور الحكم... الي الخ، هو السبب الرئيس الذي يجعل السلطة تروج التاريخ الملفق والمزيف وتعاقب تحت ذرائع كاذبة أي خطاب مضاد ولو من عامل بسيط بلا قوة.

الم يرسل "معاوية بن أبي سفيان" من الشام الى مكة (ابو ذر الغفاري) على بعير اجرب في صحراء صيف ملتهبة

حتى تهرأ جسده لأن الغفاري كان يمر كل فجر امام قصره ويردد: (الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابِ الْيَمِّ). مع أن معاوية كان يستعرض امام جيش الامبراطورية الرومانية بكامل حلته لكن صوتا الغفاري ارعبه. السلطة الظالمة جبانة رغم كل الاستعراضات الكاذبة وتخاف من ريح بسيطة تعري القناع المزيف، حرب غزة كشفت عن القناع المزيف للقوة التي لاتقهر وان مجموعة مقاتلين استطاعت ان تحرك جيوش "حلف الناتو" باحدث اسلحتة واساطيلة من سيكتب هذا التاريخ (ياكاتب التاريخ ماذا جد لنا"... من بداية "اتفاقية كامب ديفيد مُرُورًا باتفاقية اوسلو وكامب ديفيد 2 مع ياسر عرفات"، والآن يتردد عن محور فلاديفيا وما بعد الحرب علي الحدود المصرية في ظل غياب تام من رأي للشعوب العربية حتي في حق التظاهر، في مذكرات "كارتر" عن دهاليز اتفاقية كامب ديفيد قال: عندما كان يحدث خلاف اطلب من "السادات" الجلوس مُنْفَرِدًا وكان السادات يستجيب لطلبي. فقال "مناحم بيجن" لكارتر انا احسد السادات لانة لم يرجع للوفد المرافق له في التشاور في نقاط الخلاف، فقال بيجن انا لا استطيع اتخذ اي قرار الا بالرجوع للوفد المرافق لي... نعم صدق بيجن وصدق الشاب اليهودي الذي قتل (رابين) بعد اتفاقية اوسلو لانة رأي في نظرة "سلام الشجعان" خيانة بالنسبة لأفكاره وعقيدتة حتي ولو كانت للاخرين خطأ وغير صحيحة،، نعم نحتاج للاعادة كتابة التاريخ من الاسفل الي الاعلي...، وفي نهاية المقال نطرح سُؤَالًا هل نُعِيدُ كتابة التاريخ او نقرأ التاريخ...؟!

***

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث مصري في الجغرافيا السياسية

 

تعتبر مجزرة دير ياسين في ٩ نيسان ٤٨ رمزا لمخططات الاقتلاع والتهجير بحق الشعب الفلسطيني من قراهم ومدنهم. وكانت القرية من ضمن القرى التي شملتها خطة "دالت" والتي كان من أهدافها احتلال رقعة الدولة اليهودية وفق قرار التقسيم بقوة السلاح وفتح الطريق بين القدس وتل الربيع عن طريق تطهيرها عرقيا بواسطة عصابتي إرغون وشتيرن بدعم من الهاجاناه. حيث تحركت نحو القرية من أربعة محاور، قوة من أشرس وأخطر مقاتلي هاتين المنظمتين الإرهابيتين فجر الجمعة ٩ نيسان. والجدير بالذكر ان اهل قرية دير ياسين كانوا في حالة تأهب شديد حيث كانوا يتناوبون الحراسة مسلحين ببنادق قديمة من مخلفات الحرب العالمية الثانية. وعندما وقعت الواقعة أذاق مقاتلي القرية العصابتين الويلات وكادوا ينتصرون لولا تدخل الهاجاناه التي قلبت موازين القتال. وبعدها تم تنفيذ مجزرة بحق الأهالي بأشد الأساليب وحشية فقاموا بقتل الرجال والنساء والأطفال والشيوخ كما مثلوا بجثامين الشهداء. وقد اتبعوا تكتيك إلقاء القنابل على أبواب البيوت وتدميرها ثم اقتحام المنازل وإطلاق النار على من فيها والإجهاز عليهم بالسكاكين والحراب. كما قاموا بعمليات اغتصاب وتحرش بالنساء.قاموا بقتل عائلات بأكملها.أما الأسرى فقد تم تجميعهم من شيوخ وأطفال ونساء ورجال وتحميلهم في شاحنات طافت بهم أحياء القدس احتفالا بنصرهم المزعوم. وبعد انتهاء العرض أطلقت عليهم النيران بدم بارد.

والآن في الحرب على غزة ٢٠٢٣ يعيد التاريخ نفسه من خلال إعادة تلك الأعمال الوحشية التي ارتكبت أثناء مجزرة دير ياسين على يد عصابات جيش الاحتلال حيث تم ارتكاب مئات المجازر وأعمال أخرى لا تمت للإنسانية بصلة بل تعدتها إلى أعمال شيطانية بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية ودول الشيطان ففي تاريخ ٢٦ ديسمبر اقتادت قوات الاحتلال المعتقلة هديل يوسف الدحدوح داخل شاحنة مع مجموعة رجال وهم عراة في مشهد غير إنساني. وبحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان طالب المجتمع الدولي بالضغط على دولة الاحتلال للكشف عن مصير عشرات النساء اللواتي تم اعتقالهن من منازلهن ومن مراكز الإيواء وإنهاء حالة الإخفاء القسري لقرابة ٣ آلاف من المعتقلين الفلسطينيين في غزة من ضمنهم أطفال قصّر.

كما قام جنود الاحتلال بنزع الحجاب عن رؤوس النساء والتحرش الصريح بالعديد منهن والضرب والتنكيل.

كما أكد ذات المرصد أن قوات الاحتلال انتهجت خلال مداهمة المنازل ومراكز الإيواء تفجير الأبواب وإلقاء القنابل عبرها ثم اقتحامها وإطلاق النار وإعدام وتصفية الموجودين. ثم اقتياد البقية خارج المنازل وإجبار الذكور على التعري مع تفتيش النساء والتحرش بهن وتهديدهن بالاغتصاب.

ما حصل في قرية دير ياسين أثناء ارتكاب المجزرة يعاد اليوم في غزة لكن الفارق أن تلك التي تمت في ٤٨ كانت واحدة، أما اليوم فقد تكاثرت وولدت مئات المجازر نفذتها من الجو طائرات وأسلحة أميركية غادرة ومباركة الدول العظمى وسط تواطئ وصمت عربي مخز.

غير أن بن غوريون ٢٠٢٣ "نتنياهو " لن تسعفه ٧٥ عاما أخرى،  فالوقت ينفد من بين يديه بأسرع ما يمكن له النفاد.

***

بديعة النعيمي

ماذا عن دكاترة فضاءات التواصل الاجتماعي؟ وكيف للمبحر البسيط أن يفرّق بين الصّفة وانتحال الصّفة؟

يصعب الخوض في هذا المواضيع ولكن استفحال الظاهرة جعلني أتجرّأ على اثارته والتوقّف عنده لوزنه أخلاقيا وقانونيّا. وقد تصيبني سهام حاقدة يطلقها هؤلاء الذين يعضّون بأسنانهم على شهادات وهمية يحصلون عليها من جمعيات أو مؤسسات لا يتعدّى وجودها صفحات الشيخ غوغل أو أحضان التيك تويك وغيرهما، لأنّهم يعتبرون كشف حقائقهم تدخّلا في شؤونهم الخاصة أو قطعا لأرزاق سهلة يكتسبونها من التّحيّل الأدبي. نتناول هذا الأمر بكل تجرّد غايتنا في ذلك زرع الحقيقة والصّدق والصّفاء وهي صفات على كلّ كاتب أن يتحلّى بها.

1 ــ انتحال صفة الممثل:

قبل أن أتناول موضوع الشهادات أودّ أن أشير الى بعض الاساءات الأدبية التي يرتكبها البعض من الكتاب والكاتبات الذين لا يجدون حرجا في طلب المشاركة في هذه التظاهرة الثقافية أو تلك خارج الوطن، فيدفعون من مالهم الخاص كلّ ما يتصل بالتظاهرة من نفقات ثم يعلنون على فضاءات التواصل الاجتماعي وفي بعض الصّحف أنهم سيمثّلون بلدهم في تلك التظاهرة او المهرجان، شاكرين المستضيفين الذين منحهم فرصة التمثيل هذه. وقد يقفون على الرّكح فيضعون على رؤوسهم أعلام بلدانهم. أقول هذا دون تقييم لمداخلاتهم: ذلك شأن النّقّاد، غير أن الأمر يكون قاسيا على الوطن عندما تكون المداخلة أو النّص دون المستوى. نعرف ان لا أحد يمنع المشاركين والمشارِكات من المشاركة والمشارَكات، لكلٍّ ظروفه ونصيبه ولكن لا يحقّ له أن يمثّل هذا الوطن أو ذاك دون علمه، ألا يعتبر هذا العمل انتحال صفة؟ وهو ما يمنعه القانون في كل البلدان.

2ـ انتحال صفة الدّكتور:

عندما نلقي نظرة استقراء على فيسبوك خاصة نلاحظ أن عددا كبيرا ان لم اقل هائلا من أصحاب الحسابات يضعون في واجهات صفحاتهم عبارة: الدكتور. يدفعك حب الاطلاع للبحث عن نوع الدكتوراه ومضمونها فتفاجأ أن الشخص لا يملك شهادة دكتوراه واحدة بل شهادات جامعية في ميادين مختلفة ومتنوعة ممنوحة كلها من مؤسسات وهمية أو جمعيات (لا جامعات) تتسابق في استجلاب البسطاء والسّذّج لمنحعهم شهادات في مناسبة او في غير مناسبة وبطاقات تهاني وتختلق لهم مسؤوليات ومهام كسفير الادب أو سفير السلام وحقوق الانسان وممثل الجمعية في بلاده وقد تطلب مساعدته في أداء مهمّته الديبلوماسيّة الأدبية. استفحل الأمر حتى صار مدعاة للأسف والسخرية وحتى الشفقة فترى بعض الأساتذة يكتبون في أعلى صفحاتهم وعلى كتبهم عبارة الدكتور، هكذا دون أدنى حياء. وكثير منهم لم يحصلوا على شهادة بكالوريا.

3 - ماذا في العرف والقانون الدولي والمحلي:

يتعلل هؤلاء الدكاترة "الموهومون" بأنهم حصلوا على شهادة الدكتوراه الفخرية ويتعمّدون الايهام وامتهان الكذب على أنفسهم حتى يصدّقوها. وفيما يلي شروط منح الشهادات الفخرية وشروط الحصول عليها وهي، كما نلاحظ، أصعب من شروط الحصول على الدكتوراه العلمية أو الأكاديمية: تمنح الدّكتوراه «الفخرية» لشخصيات معينة تعبيرا عن العرفان بالجميل أو الإنجازات العلمية أو الاجتماعية التي قاموا بها. هي عملية تكريم للشخص ومسألة تقدير واعتراف بالجهود والأعمال التي قدمها المكرّم أو سيقدمها للمجتمع أو لمؤسسات في المجتمع ومنها المؤسسات التعليمية. ولا تسمح هذه الشّهادة لصاحبها بأن يتقدم إلى وظيفة وفقاً لدرجة الدكتوراه الفخرية التي يحملها. ولا يحق له وضع حرف د. أمام اسمه بل يمكنه وضع حرفي h.c.  أي honoris causa. . ولعلّ أهم الشروط هو أن ينص قانون إنشاء الجامعة الرسمية، أو الجامعات الخاصة، على صلاحية منح شهادة الدكتوراه الأكاديمية، وأن يجاز لها منح شهادة الدكتوراه الفخرية في حدود اختصاصية محددة، تتوافق مع الكليات العاملة في الجامعة.

كما يمكن للمانح أن يسحب الدكتوراه الفخرية عندما يرى موجبا لذلك، فعلتها جامعة الخرطوم مع العقيد المرحوم معمّر القذّافي الذي كان قد منح الدرجة نتيجة لمساهمته في بناء قاعة محاضرات في الجامعة نفسها.  ومثلها فعلت الجامعات المصرية عندما سحبت الدكتوراه من السيدة سوزان مبارك.

وقد تعرّض القانون التونسي الى جريمة انتحال الصفة في أكثر من موضع: 

حيث يعاقب بالسجن وبخطية مالية كل من ينسب لنفسه لدى العموم أو بالوثائق الرسمية صفات أو أوسمة.

ويعاقب بالسجن أيضا وبتخطئة مالية كل من استخدم اسمًا مستعارًا أو سمات غير صحيحة، كي يقنع الغير بمشاريع أو أعمال لا أصل لها.

كما يعاقب قانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة من يقدم إرشادات أو وثائق مغلوطة بشأن المنتوج (الإبداعي).

***

المولدي فرّوج

أصعب ما يحدث لكاتب العمود اليومي، أن يتحدث في موضوع يتعلق بأرزاق الناس وطموحاتهم وأحلامهم ومستقبلهم، والأسوأ أن يحاول ملء هذه الزاوية المتواضعة بأخبار نواب الصفقات ومنظري الفشل والخراب، والأكثر إيلاما أن لا يجد المواطن ما يطمئنه على أن البلاد تسير في طريق التنمية والعمران والمشاريع الاقتصادية، وأن تحاصره أخبار الدولار صباح كل يوم .

ماذا يفعل ياسادة كاتب مثل جنابي لا حول له ولا قوة عندما يجد الخراب يحاصرنا من كل الزوايا؟ وعندما يصر نائب وبالبث المباشر على إيهامنا بأن ما تحقق في العراق خلال السنوات الماضية يفوق ما أنجزته دول كبرى؟ .

هل قرأتم مثلي الخبر الصادر عن جهاز مكافحة الإرهاب والذي يخبرنا فيه أن عدد المتقدمين إلى الجهاز بلغ ثمانية ملايين؟.. قد يقول البعض يارجل لا تبالغ، لكن هذا ما حصل والخبر منشور في جميع مواقع التواصل الاجتماعي . ولهذا اسمحوا لي أن أسأل لماذا يلجأ الشباب الى البحث عن وظائف في الاجهزة الامنية والعسكرية ؟ والجواب معروف عند جميع العراقيين، فنحن البلد الوحيد الذي يصر على مكافحة الصناعة والزراعة وطرد الشركات ومحاصرتها .

الناس تعرف جيداً أن ساستنا الأفاضل أبدلوا ملفات مهمة مثل الخدمات والتنمية والصحة والتعليم والبطالة والسكن بملف واحد هو الخطابات الزائفة ففي كل يوم يصحو العراقيون على سؤال جديد؛ هل الحديث اليومي عن انتخابات مجالس المحافظات يمكن أن يعوضهم، سنوات من التخبط والارتجالية والمحسوبية والانتهازية التي مارسها العديد من السياسيين؟، فبدلاً من أن يكون سعي الساسة إلى أن يكون العراق تاريخاً من التنمية والازدهار، تحول على أيديهم إلى سلسلة طويلة من التجارب الفاشلة في الحكم.

اليوم نحن في محنة، ليست الأولى، وقد لا تكون الأخيرة. وأصعب المحن هي المتعلقة بحقوق المواطن في أن يعيش آمناً مطمئناً متنعماً بالخدمات في بلد موازنته عشرات المليارات . البرلمان لم يعالج الأزمة، ولم يوجه دعوة للأكفاء. بل السبب كان دوماً تحاشي التخطيط المستقبلي، والوقوع في دوامات الفشل.

في واحدة من تجارب العالم المزدهرة نقرأ عن تجربة فيتنام التي خاضت منذ عقود حربًا شرسة ضد الأميركان راح ضحيتها مئات الألوف، وماتزال صور المآسي تحتفظ بها هانوي في متاحف خاصة، لكن اليوم تعجّ العاصمة الفيتنامية اليوم بالسيّاح الأميركيين والاستثمارات الأجنبية، وتعد البلد الاول في صناعة الملابس، وانتقلت اليها كبرى الشركات العالمية، حيث سايغون مدينة تفتح ذراعيها للجميع، لكنها لا تنسى أن تحتفل بذكرى أبطالها الذين صنعوا لها المستقبل.

هناك دول تنهض من ركام العدم لتصبح أغنى الاقتصاديات وتتفوق في الرفاهية والعدالة الاجتماعية، ودول تتنافس على ارتفاع نسبة البطالة .

***

علي حسين

الفريق أول البرهان يحتاج فعلا أن يقطع الصلة بينه وبين سيل المفاوضات التي تطعن شعبه في  كبريائه وكرامته، فالشعب الذي يدهشه أولا ثم يؤذيه، تهافت رئيس المجلس السيادي، والقائد العام لقواتهم المسلحة، على تلك المفاوضات التي ينتظرها الدعم السريع وهو جائعا يتضور، لأنها تحقق له أهدافا لم يكن لتحقيقها من سبيل، ولأنها تكفل له أن يسترد أنفاسه، وأن يجلس على تلك المقاعد الوثيرة، التي وضعت عليها الطنافس والوسائد، ليبصر في جزل الجهات المنظمة لتلك المفاوضات،  وهي تستقبل خصمه وهي منتهرة زاجرة، بينما تمنحه هو ألوانا من الرضى والقبول، يظهر الدعم السريع فرحته بالمفاوضات، لأنها تسعفه بتلك المعاهدات والهدن، التي تعينه على أن تنتصب قامتة من جديد، بعد أن  عجز عن المضي في طريقه،  وهي فوق هذا كله، تعيق  الجيش عن تنفيذ مهامه، وتمكن المليشيا المارقة المغتصبة من استئناف مخططها الخبيث، التي أقرته دول الشر، وتواضعت عليه، والمفاوضات التي تقارب العبث وتدنو منه، نجد أن الشعب مقتنعا فيما بينه وبين نفسه، بخطل المضي فيها، ولكن الشعب قليل الحيلة، ويعجز في الكثير من الأحيان، أن يظفر بما يدور في عقل قائده، فالشعب كل الشعب يرى أن الكريهة كان من الممكن ألا تنتهي إلى مثل النتيجة التي انتهت إليها، لو أن الفريق أول البرهان ألقى عصاه، و قبع في مكمنه، وكف عن تلك الرحلات التي لم يتمخض عنها إلا انفصام عروة الانتصار لقواته، فالسودانيون يعنيهم أن تحيا قواتهم المسلحة حياة ملائمة لماضيها التليد، ويأخذهم شيئا من الحزن، وهم يبصرون انتشاء جيشهم بلذة الانتصار، تتحطم أعنتها على صخرة المفاوضات، فقد بات راسخا في أذهاننا، أن مفاوضات الغد التي ينظمها "الايغاد" ستفضي إلى نفس النتائج التي انتجتها مفاوضات منصرمة في دول عربية، وأزعم أن بعض هذه  الدول، الهدف الذي كانت تلتمسه وتسعى إليه في أصل هذه المفاوضات وجوهرها، هو ترجيح كفة الدعم السريع حتى يمضي في قصد واعتدال لتحقيق غايته، كانت كل نتائج المفاوضات في الحق حصرما وزقوما على جيشنا، وعلى شعبنا الذي كرهها وسخط عليها، ولعل ليس من الاسراف أن  نقول، أن الكثرة المطلقة من هذا الشعب الصامد على عرك الشدائد، باتت ترتاب في مغزى هذه المفاوضات التي تمضي بنصيب موفور من انتصارات الجيش، كما أنها تجعله يتورط في ألوان سخيفة من القول، والأدهى من كل هذا أنها تدفعه إلى يأس لا حد له، وتشاؤم عريض.

إذن المفاوضات تفسد مزاج الشعب، وتجعل اعتقاده في قائده يشوبه الضعف والهزال، والبرهان الذي لا يكلف نفسه عناء الحديث إليها، حتى يبعث في نفسها الميل إلى هذه المفاوضات، هناك صفة تدل عليه دلالة واضحة، وتختصر شخصيته اختصارا جليا، فالبرهان يصبح سعيدا سعادة لا تضاهيها سعادة، إذا ظفر بهذا التحدي الذي لا  يرضى عنه، أو يطمئن إليه، إلا إذا جاء من جهة تتمتع بالفطنة والذكاء، فالرجل تعصفه أهواء الذكاء عصفا شديدا، وتستعصى عليه غيرته التي تصحبه حتى تنتهي به إلى الفنادق الفخمة، التي تجرى فيها تلك المباحثات، فهو وإن لم يكن حاضرا في بعضها، فيعنيه أن يظهر حدة ألمعيته، وفرط نبوغه، ولعبة الذكاء التي لا يجد البرهان في السلو عنها سبيلا، يسعى قائدنا الهمام لأن يضحى صاحب المثل الأعلى فيها، وهو مأخوذا بهذه اللذة التي يسعى إليها، ويستعد لهذا السعي في كل جولة تمكنه في شيء من  العسر، أن يظهر ابتهاجه بفوز وفوده التي تترى إلى دول الجوار، وهو لعمري ابتهاج ربما كان أقرب إلى الحزن منه إلى الابتهاج، والشعب الذي كان يجد الخطر كل الخطر بين ثنايا هذه المفاوضات وملحقاتها، لا يستطيع أن يخمد هذا الصوت الحائر في نفسه، فما هي الغاية التي ينشدها البرهان من موافقته الدائبة على اجراء تلك المفاوضات بعد أن لاح خطلها، واتضح أن قوات الدعم السريع لا تلتزم بما جاء في بنودها، فالدعم كان وما زال يقطن في بيوت الناس، وفي دورهم، ومستشفياتهم، ومدارسهم، كما أنه لم يقف ولو للحظة من العدائيات و التدمير الممنهج لمؤسسات الدولة،حتى جعل القنوات العالمية، كلفة باحصاء الوزارات والجامعات التي دمرتها قوات الدعم في رابعة النهار، أو في هدأة الليل، ولا اعتقد أن الناس ستنسى كل الجرائم التي اقترفتها قوات الدعم السريع، بل سيعلنوا إليه أن مثلهم لا يمكن أن ينسى، هم الآن لا يستطيعون أن يبقوا أمام عدوهم اللدود دون أن يجابهوه وينتصروا لكبريائهم الجريح وقد شاهدنا ذلك في أواسط السودان، فقرى الجزيرة تنتظم الآن في مقاومة سيصفق لها التاريخ، رأيناهم وهم يحملون أسلحتهم، وعصيهم، وحرابهم التي تكاد تختنق غيظا وحنقا، وأوباش الدعم السريع وحثالته تفر هاربة من هذا الغضب النبيل، على القائد البرهان أن يذكي من جذوة هذه المقاومة إذن وأن يباركها، وينصرف بالتالي عن تلك المفاوضات التي تهدم ولا تبني، ويعي أن أقوم  الطرق الموصلة لاجتثاث شآفة الجنجويد، هي اطلاق يد الجيش وهيئة العمليات التي ترتعد فرائص الدعم السريع عند سماع اسمها، على الفريق أول البرهان أن يدعم جهود المقاومة الشعبية، وأن يعمل على تسليحها، ثم يرمي بها في ميادين الوغى دون كسل أو تراخي، فهي تواقة مشرئبة إلي ذلك، حتى تسترد كرامتها الضائعة، وتشفي الغليل.

***

د. الطيب النقر 

 

ليت هندا أنجزتنا ما تعد

وشفت نفسا مما تجد،

*

واستبدت مرة واحدة

إنما العاجز مَن لا يستبد،

*

كلما قلت متى ميعادنا

ضحكت هند وقالت بعد غد

شعر لعمر بن ربيعة المخزومي شاعر في صدر الإسلام، ويُقال أن جارية غنّته بمجلس الرشيد بتحريض من أعداء البرامكة فأذكت في نفسه نيران نكبتهم. وهي رواية مشكوك فيها، فالقراءة الموضوعية تؤكد أن البرامكة كانوا يحكمون الدولة العباسية، ويعتمد عليهم الرشيد تماما فهم أنصاره ومربوه وإخوانه وخلانه.

فما بين (170 - 188) كانوا سادة الدولة وقادتها، ويبدو أن الحاشية العربية قد إمتلأت غيضا، فحصل الذي حصل، فالرشيد لوحده لا يمكنه أن يقضي على مئات البرامكة، فلابد من مؤازرة عربية قوية، وهذا ربما ما حصل، وتحقق الثأر في زمن الأمين، الذي أبيد عن بكرة أبيه، فمحقوه وإجتثوا ذريته، وربما يكون لحاجبه الفضل بن الربيع دور في النكبة.

ليس من السهل فهم مسوغات النكبة، ويمكن الإتيان بالعديد من التحليلات التي قد تبدو مقنعة، وليس كل مقنع بصحيح، ومن وجهة نظر نفسية سلوكية، يظهر أن الرشيد كان في واقع غير الذي نقرأه عنه في المدونات ، فالبرامكة هم القادة الحقيقيون والمؤسسون الناشطون لدولة الرشيد، ويتخذون من إسمه وسيلة لمنطلقاتهم العمرانية والعسكرية والإقتصادية، وبلغوا شأوا عظيما في السيطرة والتحكم بأمور البلاد، مما أشعر الرشيد بأن كرسي الخلافة أصبح مهددا، وصورته المسوقة بدأت تتبدد، وأحس وكأنه كان لعبة في يديهم، وبمؤازرة القوى العربية المناهضة لهم في دولته، إنتفض بغتة وقرر القضاء عليهم.

ومن الملاحظ تخبطه في قرارته بعدهم، حتى إنتهى به الأمر بعد أقل من أربعة سنوات من النكبة، أن يعيش معزولا عن ولاة عهده الثلاثة وطبيبه، ليموت في طوس (مشهد).

ومن الأخطاء التي إرتكبها أنه وجد نفسه في محنة ولاية العهد للأمين والمأمون، ورغم محاولاته لتأكيد عدم حصول صراعات بينهما من بعده،، بإضافته لولي عهد ثالث معهما، وكأنه لم يتعظ من تجربته مع أخيه الهادي.

فالواقع يُظهر أن البرامكة كانوا القوة العظمى التي تألق بوجودها، وحال إنتفاء دورهم، إنفرد به الذين حوله، وتآزر معهم ولاة عهده، وكانوا يتحينون فرصة رحيله، فأصابه النكد وأدرك خطأه، فسار وحيدا إلى حتفه، وربما بإهمال متعمد من طبيبه.

ذلك إقتراب من زاوية أخرى لما جرى وكُتب عنه الكثير.

***

د. صادق السامرائي

 

كنا نلعبها بعيداً عن السياسة ونحن تلاميذ المرحلة الابتدائية بعد أن أدركنا شروط اللعبة من معلم التربية الرياضية ونحن في إنتظارالحصة بفارغ من الصبروالشوق اليها، وهاجس الخوف يعلو محيّانا بين هيبة المعلم داخل الصف وزخم الواجبات البيتية وإلإرشادات التي يلقيها مدير المدرسة في الإصطفاف الصباحي على مسامعنا  مفعمة بالتهديد والوعيد، وتبدأ اللعبة بإطلاق الصفارة الأولى لنبدأ بالتسابق حول كراسي بعدد أقل من عدد اللاعبين وأعصابنا مشدودة في إنتظار الصفارة الثانية ليحجز كل لاعب كرسياً بالجلوس عليه وسط صيحات وضحكات وفرح ومرح، وتعاد اللعبة حتى يفوز لاعب واحد بآخر كرسي، دون أن ندرك مديات اللعبة سياسياً في وقتها .

واليوم في عالم السياسة لا يلعبون كما كنا نلعب بعفوية وبراءة غير مبالين بماهية الكراسي وقيمتها ولا كانت تعني لنا سوى مجرد لعبة ترفيهية للترويح عن النفس بعد عناء الدروس الأكاديمية، لكن دهاقنة السياسة وفطاحلها يلعبونها بمكر وخديعة ونفاق من أجل الوصول الى الكرسي بأي ثمن كان تنفيذاً لمبدأ المذهب الميكافيلي (الغاية تبرر الوسيلة)، بعد تعافي العراق من عهد الثورات والإنقلابات العسكرية الدموية، والعملية السياسية برمتها لا تخلو من تسابق للحصول على مكاسب أكبر على حساب المواطنين من خلال ممثليها  بعد تنامي ظاهرة الفساد في جميع مؤسسات الدولة، حتى وصل سعر كرسي البرلمان العراقي المعلن الى مليونين دولار وما خفي كان أعظم، في سابقة خطيرة لا مثيل لها في كل دول العالم التي تؤمن بالديمقراطية والتدوال السلمي للسلطة من خلال إجراء الانتخابات النيابية الدورية، والتمسك بالكرسي ظاهرة فريدة لا يلعبها الا سياسيوا الصدفة ومن فقدوا ثقة الشارع وكأنه ملك متوارث عن الأجداد ليصولوا ويجولوا بالمال العام دون وازع ضاربين بنود الدستور عرض الحائط ليؤسسوا دكتاتورية الديمقراطية التي ينادون بها دون أن يؤمنوا بمفهومها كونها دخيلة على السياسيين العراقيين، ولا يخفى ما يتداوله بعض الساسة من بيع وشراء المناصب السيادية حتى وضعت تعريفة لكل منصب بعيداً عن هموم ومعاناة المواطنين ليقبع السياسيون في وادي والشعب المغلوب على أمره في وادي آخر لا يدري ما يجري خلف الكواليس السياسية  والغرف المظلمة من صفقات مشبوهة .

ليعي مراهقو السياسة معنى المثل العراقي  (لو دامت لغيرك ما وصلت اليك)، فعلام التناحر على أمر زائل لا محالة بعد التسكع في أروقة الدجل والنفاق السياسي  للحصول على مبتغى رذيل يباع ويشترى، كما يحدث في سوق النخاسة من بيع وشراء للذمم والتباهي بها بصورة غير شرعية ليكونوا أسياداً بعد أن كانوا عبيداً، وهل فاقد الشيء يعطيه ؟ .

دعوا الكراسي لأهلها ومستحقيها من الذين نالوا ثقة الشارع بجدارة ومن خلال نتائج الإنتخابات بعيداً عن التزوير، ليتمكنوا من إخماد فتيل الأزمة السياسية المفتعلة ويعبروا بالبلد الى ضفة الأمن والأمان والخروج من عنق الزجاجة الى فضاء رحب من الديمقراطية غيرالمزيفة وإمكانية تشكيل حكومة التوافق والشراكة السياسية التي ينتظرها الشارع العراقي على أحر من الجمر، بعيداً عن المضاربة بالكراسي والمناصب السيادية ...

***

حسن شنكالي

كنا نلعبها بعيداً عن السياسة ونحن تلاميذ المرحلة الابتدائية بعد أن أدركنا شروط اللعبة من معلم التربية الرياضية ونحن في إنتظارالحصة بفارغ من الصبروالشوق اليها، وهاجس الخوف يعلو محيّانا بين هيبة المعلم داخل الصف وزخم الواجبات البيتية وإلإرشادات التي يلقيها مدير المدرسة في الإصطفاف الصباحي على مسامعنا  مفعمة بالتهديد والوعيد، وتبدأ اللعبة بإطلاق الصفارة الأولى لنبدأ بالتسابق حول كراسي بعدد أقل من عدد اللاعبين وأعصابنا مشدودة في إنتظار الصفارة الثانية ليحجز كل لاعب كرسياً بالجلوس عليه وسط صيحات وضحكات وفرح ومرح، وتعاد اللعبة حتى يفوز لاعب واحد بآخر كرسي، دون أن ندرك مديات اللعبة سياسياً في وقتها .

واليوم في عالم السياسة لا يلعبون كما كنا نلعب بعفوية وبراءة غير مبالين بماهية الكراسي وقيمتها ولا كانت تعني لنا سوى مجرد لعبة ترفيهية للترويح عن النفس بعد عناء الدروس الأكاديمية، لكن دهاقنة السياسة وفطاحلها يلعبونها بمكر وخديعة ونفاق من أجل الوصول الى الكرسي بأي ثمن كان تنفيذاً لمبدأ المذهب الميكافيلي (الغاية تبرر الوسيلة)، بعد تعافي العراق من عهد الثورات والإنقلابات العسكرية الدموية، والعملية السياسية برمتها لا تخلو من تسابق للحصول على مكاسب أكبر على حساب المواطنين من خلال ممثليها  بعد تنامي ظاهرة الفساد في جميع مؤسسات الدولة، حتى وصل سعر كرسي البرلمان العراقي المعلن الى مليونين دولار وما خفي كان أعظم، في سابقة خطيرة لا مثيل لها في كل دول العالم التي تؤمن بالديمقراطية والتدوال السلمي للسلطة من خلال إجراء الانتخابات النيابية الدورية، والتمسك بالكرسي ظاهرة فريدة لا يلعبها الا سياسيوا الصدفة ومن فقدوا ثقة الشارع وكأنه ملك متوارث عن الأجداد ليصولوا ويجولوا بالمال العام دون وازع ضاربين بنود الدستور عرض الحائط ليؤسسوا دكتاتورية الديمقراطية التي ينادون بها دون أن يؤمنوا بمفهومها كونها دخيلة على السياسيين العراقيين، ولا يخفى ما يتداوله بعض الساسة من بيع وشراء المناصب السيادية حتى وضعت تعريفة لكل منصب بعيداً عن هموم ومعاناة المواطنين ليقبع السياسيون في وادي والشعب المغلوب على أمره في وادي آخر لا يدري ما يجري خلف الكواليس السياسية  والغرف المظلمة من صفقات مشبوهة .

ليعي مراهقو السياسة معنى المثل العراقي  (لو دامت لغيرك ما وصلت اليك)، فعلام التناحر على أمر زائل لا محالة بعد التسكع في أروقة الدجل والنفاق السياسي  للحصول على مبتغى رذيل يباع ويشترى، كما يحدث في سوق النخاسة من بيع وشراء للذمم والتباهي بها بصورة غير شرعية ليكونوا أسياداً بعد أن كانوا عبيداً، وهل فاقد الشيء يعطيه ؟ .

دعوا الكراسي لأهلها ومستحقيها من الذين نالوا ثقة الشارع بجدارة ومن خلال نتائج الإنتخابات بعيداً عن التزوير، ليتمكنوا من إخماد فتيل الأزمة السياسية المفتعلة ويعبروا بالبلد الى ضفة الأمن والأمان والخروج من عنق الزجاجة الى فضاء رحب من الديمقراطية غيرالمزيفة وإمكانية تشكيل حكومة التوافق والشراكة السياسية التي ينتظرها الشارع العراقي على أحر من الجمر، بعيداً عن المضاربة بالكراسي والمناصب السيادية ...

***

حسن شنكالي

خدمة للمقاومة، أم كسر لها؟

تزامنا مع اصدار القرار الأممي 2720 الخاص حصريا بإدخال المساعدات الانسانية الى غزة؛ تم تشكيل تحالف دولي بقيادة امريكا؛ لضمان حرية الملاحة في البحر الاحمر، من عدد من الدول الاوربية وغيرها، ودولة عربية واحدة، هي البحرين في حين غاب عنه جميع دول الخليج العربي ومصر والاردن. ان هذا التحالف؛ يثير الشك، في مقاصده واهدافه؛ للتالي: اولا ان حركة انصار الله في اليمن؛ اكدت من انها سوف تستهدف فقط السفن التي وجهَتِها دولة الاحتلال الاسرائيلي، كما ان هذه العملية؛ هدفها هو اجبار اسرائيل والمجتمع الدولي للضغط على اسرائيل؛ بإدخال الوقود والطعام وما هو متصل بهما من اسباب الحياة، بمعنى ان هذه العملية لها هدف محدد ومحدود لسفن الملاحة في البحر الاحمر. ثانيا ان تشكيل هذا التحالف جاء متزامنا مع اصدار قرار ادخال المساعدات الى القطاع؛ مما يقود الى ان الهدف من تشكيله قد انتهى؛ عند الأخذ بنظر الاعتبار هدف حركة انصار الله في اليمن، كما اعلنت الحركة عن اسباب مهاجمتها للسفن المتجه الى الموانيء الاسرائيلية، وقد توقفت هذه الهجمات فعلا، بعد صدور القرار سابق الذكر. ثالثا ان هناك تحالف كان قد سمي في حينه، في عام 2022؛ تحالف المهمات المشتركة 153وقد ضم ما يقارب 40 دولة وايضا بقيادة امريكا، بما فيها دول الخليج العربي ومصر والاردن. ان هذا كله يعني؛ ان هناك ما وراء تشكيل هذه التحالف ما وراءه، سواء الدول التي اعلن عن انضمامها اليه، او التي لم يعلن عنها رسميا المشاركة فيه؟ ان هناك الكثير من التحليلات السياسية؛ التي ترجح؛ ان امريكا او دولة الاحتلال الاسرائيلي او كليهما؛ تخططان او تخطط امريكا في توجه ضربات ربما منتخبة او مفتوحة على حركة انصار الله في اليمن، وعلى ايران، وعلى لبنان. في رأيي المتواضع: لن تهاجم امريكا او دولة الاحتلال الاسرائيلي، لا ايران ولا حركة انصار الله، ولا لبنان في الوقت الحاضر، أما ايران وحركة انصار الله؛ فلن تقوم لا اسرائيل ولا امريكا بمهاجمتهما، لا الآن، ولا في الامد المنظور، والمتوسط والابعد زمنيا من الأمدين؛ وهذا موضوع اخر له شكل مختلف في القراءة.. باختصار؛ ان هذا التجييش الامريكي، الغرض منه التخويف والردع؛ لتمرير التالي؛ اولا اعادة هيكلة وتجديد السلطة الفلسطينية، من خلال الانتخابات؟.. ثانيا انهاء حكم المقاومة الفلسطينية في القطاع؛ بتصفية قياداتها، وتهجير البقية الى احدى الدول العربية، أو احدى دول الجوار الاسلامي، تركيا، او الجزائر مثلا، مع يصاحب هذه العملية من تهجير ناعم لسكان غزة. ثالثا الضغط على الحكومة اللبنانية في المفاوضات التي ربما جارية الآن، أو انها سوف تجري في المقبل من الزمن؛ للاتفاق الذي سوف يكون عنوانه هو تطبيق قرار الاممي رقم 1701الذي صدر بعد انتهاء الحرب الاسرائيلية على لبنان بهزيمة الاولى في عام 2006؛ بدفع قوات حزب الله الى ما وراء نهر الليطاني. والتلويح الاسرائيلي بمهاجمة جنوب لبنان، يقع في هذا السياق، وهو للتهديد وليس للتنفيذ على الأقل في الوقت الحاضر. لكن عندما نقلب هذه الصفحة ونقرأ في الصفحة الثانية المختلفة كليا عن الاولى، نقرأ التالي، أو ملخص قراءة الصحفة، في التالي: اولا ان المقاومة تكبد جنود الاحتلال خسائر كبيرة جدا. في رسالة لحيى السنوار قائد المقاومة الفلسطينية في غزة، الى رئيس واعضاء المكتب السياسي لحركة حماس؛ اشار الى ان جيش الاحتلال الاسرائيلي؛ يتكبد يوميا خسائر كبيرة جدا، في الجنود والمعدات. كما ان المقاومة تحقق يوميا انتصارات على العدو، في كل المحاور. اضافة يقول السنوار في رسالته هذه؛ ان الشعب الغزاوي ملتف حول المقاومة ويقدم لها الدعم والاسناد. ان من  الواجب دعم هذا الشعب؛ من خلال اعادة الاعمار وتوفير كل ماهو ضروري له. وان اي حل يجب ان يتضمن وقف دائم لهذه المذبحة(هذا الوصف مني، لم يرد في الرسالة) مع الانسحاب الكامل من القطاع، واعمار القطاع. هذه الرسالة وفي هذه الظروف تؤكد؛ ان هناك هاجس لدى قائد المقاومة في الذي يجري عربيا وامريكيا؛ من حلول لوضع نهاية لهذه المجازر الصهيونية، قد تكون او تشكل طوق نجاة للكيان الاسرائيلي المحتل ولنتنياهو. عليه فهي نقاط حوار؛ تشكل قاعدة للتفاوض. ثانيا ان المسؤولين اصحاب القرار في الداخل الاسرائيلي، منقسمون في الذي يخص طريقة ادارة هذه الحرب واهدافها في غزة. ثالثا امريكا بايدن على ابواب انتخابات، واي توسع للحرب، بحرب مفتوحة، غير مسيطر عليها، وعلى عدة جبهات، سوف تجعل ادارة بايدن الديمقراطية؛ تخسر مسبقا.. اضافة الى ان امريكا ودولة الاحتلال الاسرائيلي؛ لا قبلَ لهما بتحمل الاثمان الاستراتيجية لحرب على عدة جبهات. رابعا ان الحرب على عدة جبهات سوف يؤثر تأثيرا منتجا على عدة انظمة عربية؛ لجهة تعريتها واحراجها، وبالتالي خلخلة وجودها وسيطرتها.. أما اذا واصلنا القراءة الى الخاتمة، سوف نقرأ؛ الملخص التالي: اولا ان المقاومة الفلسطينية تكبد اسرائيل خسائر باهظة في الجنود والمعدات، وقد اخذت زمام المبادرة والسيطرة في الايام الأخير؛ بدليل الزيادة المضطردة في عدد القتلى، وتدمير المعدات. ثانيا التفاف الشعب الفلسطيني حولها في القطاع والضفة الغربية، دعما وملاذا. ثالثا ان اطالة امد الحرب الاجرامية هذه؛ سوف يقود الى تفجير الاوضاع في الضفة الغربية؛ على غرار الانتفاضة الاولى في عام 1987.رابعا ان استمرار الكيان الصهيوني المحتل في جرائمه يؤدي الى خسائر اقتصادية باهظة في مسارين: - اغلب الجنود كانوا قد تم سحبهم من المصانع وغيرها، مما يقلل الى درجة كبيرة ومؤثرة على الانتاج؛ بفعل تقليل على حد كبير من قوى العمل والانتاج. – اثمان هذه الجريمة الصهيونية باهظة ماليا. خامسا ان المقاومة تقاتل وتقاوم بروح الاستشهاد. التاريخ علمنا ويعلمنا الى الآن او الى الامد القريب؛ ان القتال بروح الاستشهاد كليا، سوف ينتصر مهما كانت قوة وقدرة آلة العدو على التدمير. ان البعض من الدول العربية وبالتعاون مع امريكا، تحاول بالعمل على تقديمها حل مبتسر؛ انقاذا للكيان الصهيوني من مازقه الحالي اولا وثانيا سرقة انتصار المقاومة؛ بتحويل حركة من درب المقاومة الى درب اخر؛ يخدم في المحصلة الختامية، اهداف الكيان الصهيوني. إنما ان هذا التوجه؛ لن ينجح في هذا، بفعل الوعي العميق لقادة المقاومة، والتفاف الشعب الفلسطيني حولها في القطاع والضفة..

***

مزهر جبر الساعدي

 

قبل أن تتحول فضائياتنا إلى حلبة للشتائم والتباهي بنهب أموال البلاد والعباد، وقبل أن تظهر جماعات تحذر من الاحتفال بأعياد الميلاد لأنها "حرامس"، وقبل أن تستفحل الانتهازية واللصوصية ومعهما الخراب والطائفية، وقبل أن يقرر أصحاب "الحل والربط " مطاردة الكاردينال لويس ساكو ..

قبل قرن من هذا الزمان العجيب قرّر أبونا الجليل أنستاس الكرملي أن يجعل من بغداد حاضرة للثقافة والعلم، كان الكرملي الذي لم يخلع ثوب الرهبنة، مصمما أن يختار يوم الجمعة موعداً لعقد جلسته الأسبوعية لما يمثله هذا اليوم عند المسلمين، فبماذا كان رواد المجلس يتحدثون؟ لم يكن هناك حديث عن الاستحقاق الطائفي في توزيع المناصب، ولا عن شعار "حصتي وحصتك"، كان الفكر والثقافة والتعليم هي المهمة الأهم في المجلس، لأنها السبيل لرقيّ البلدان وتقدمها ومن دونها ستدخل الناس في صراعات مذهبية وسياسية، كان العراقيون آنذاك يسطّرون ملحمةً يومية في وجه من يريد أن يغيّر هوية البلاد وثقافتها، من الموصل جاء متّي عقراوي الذي سيصبح عميداً لدار المعلمين العالية، ومن أقصى القرى الموصلية سوف يقدّم المسيحي سليمان صائغ، مسرحيات تروي تاريخ الإسلام، ومن الموصل أيضا جاء المسيحي فؤاد سفر ليصبح سيد الآثاريين. وفي بغداد يكتب المسيحي رفائيل بطي أن العراق هو حاصل مجموع الكرامة والخبز والحرية فحذار من التلاعب بهذا الثالوث.. والعراقي مقدس. ومن الناصرية سينادي المسيحي يوسف سلمان يوسف "فهد" بوطن حر. ومن الكرادة سوف يذهب المسيحي ميخائيل عواد إلى مدن العالم يجمع المخطوطات الإسلامية. ومن كركوك نزلت المسيحية بولينا حسون لتؤسس أول مجلة نسائية، وتشارك صديقتها أسماء الزهاوي ابنة مفتي العراق أمجد الزهاوي في إدارة نادي النهضة النسائية، ومن أربيل جاءت الجميلة عفيفة اسكندر ليصبح اسمها بين ليلة وضحاها على كل لسان. فيما أصرّ الأرمني أرشاك على أن ينقل بعدسته أحاسيس العراقيين ومشاعرهم، وعندما قرر أمري سليم أن يرافق عبد الكريم قاسم في جولاته اختار أن يسمي نفسه الحاج أمري.

قرون وجوامعنا في جنبهن الكنائس مثلما كتب، أحمد حامد الصراف:

وسوف يعيش الشعب في وحدة

عمائمنا في جنبهن القلانس

فيما يكتب العلامة مصطفى جواد:

يا سائراً ووجيب القلب صاحبه

لنا ببغداد من بين القسوس أبٌ

يا أبناء بلدي الطيبين في كل بقاع الأرض وأنتم تحتفلون بعيد الميلاد، لا تنسوا العراق وهو ينظر اليكم طالبا محبتكم .

يا أبناء بلدي سلاماً عليكم وأنتم توقدون شمعة عام جديد، فستظلّ ملامحكم تختلط بملامحنا، كلانا سينتصر في النهاية، وكلانا سيظلّ يتغزل مع ناظم الغزالي بالسمراء العراقية من قوم عيسى.

***

علي حسين

للغربة ثمن كما لكل شيء ثمن ومنها ضرائب تفرض وتثقل كاهل المغترب لابد من دفعها وإن كان لاشعوريا" من خلال الإندماج والانصهار في بودقة المجتمعات التي يعيش فيها الا ما ندر متخليا"عن لهجته المحلية أوتطعيمها بكلمات دخيلة لدرجة إهمال لغة الأم وحتى نسيانها لدى البعض والتي نعتز ونفتخر وننفرد بها نحن الشنكاليون (السنجاريون) ونتذوقها اكثر من غيرنا بالإضافة الى تغيير بعض العادات والتقاليد الإجتماعية التي جبل وتربى الشنكالي (السنجاري) منذ نعومة أظفاره عليها والتطبع عليها ناهيك عن الآهات والحسرات التي لم يتذوق طعمها الاٌ من إغترب عن وطنه لظروف قد تكون خارجة عن إرادته أو لغاية في نفسه أو من أجل البحث عن مستقبل كان يحلم به وبعيدة المنال عنه في وطنه، ولذلك نجد العديد من الشباب في مجتمعنا لا يحلمون سوى بالهجرة خارج الوطن وتذوق الاغتراب بكل ما يحمله من ألم وأمل ، لأنهم سئموا من العيش في وطن أصبحت فيه الحقوق بمثابة أحلام والأحلام مجرد أوهام ، وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل .

لكن أصعب ما في الغربة أن يكون المرء غريبا"في وطنه وأن يترك وراءه كل ملذات الدنيا وحطامها رغما"عن أنفه باحثا"عن الأمن والأمان الذي فقده بين ليلة وضحاها من جراء الهجمة البربرية على أيدي أعتى منظمة إرهابية عرفها الـتأريخ المعاصر والتي شهدتها مدينتنا الحبيبة شنكال (سنجار) لتتحول الى مدينة أشباح لا حياة فيها .

وبعد تسع عجاف خلت بحلوها ومرها وماكادت أن تمر من ثقلها على كاهل أهلنا دون تمييز بالرغم من الكرم والجود الذي أغدق عليهم من قبل حكومة وشعب كوردستان والتي ستبقى في ذاكرة أجيالنا على مر العصور ، لكن حب الوطن من الأيمان وغاية لا يدركها الا من إفتقد وطنه .

فليس الوطن هو الموقع الجغرافي الذي نقيم فيه، إنما الوطن هو القيمة التي تسكن أفئدتنا أينما حللنا وأينما إرتحلنا والوطن هو هويتنا وكياننا الذي نعتز به بين الأمم فلا قيمة للإنسان بلا وطن يحميه ويأوي اليه ويفتخر به بين الناس.

وحب الوطن فطرة ينشأ عليها الإنسان. ويوما"بعد يوم تعود الحياة الى الوطن الأم شنكال(سنجار) وتتعافى من جراحاتها المثخنة وتتنفس الصعداء لتبدأ عجلة الإعمار من جديد لاسيما بعد تحقق الأمان في ربوعها بهمة الغيارى من أبطال القوات الأمنية بجميع تشكيلاتها وصنوفها وبعد تهيئة الأرضية المناسبة للعيش الرغيد فقد حان الأوان للرحيل الى موطن الآباءوالاجداد وطي صفحة النزوح بكل

أوجاعها وآلامها حتى تحتضن شنكال (سنجار) أبناءها بعد ألم الفراق بكل أطيافه وملله ونحله دون تمييز وتعاد البسمة على شفاه الأمهات الثكالى واليتامى والشيوخ والأطفال قبل فوات الأوان والتحلي بالعادات الدخيلة على مجتمعنا الشنكالي (السنجاري) والانجراف وراء الثقافات المزيفة حفاظا"على تراثنا وقيمناومبادئنا التي تحث على التآخي والتعايش السلمي وإحترام وتقبل الآخر كما هو والتي عشناها ولمسناها لسنوات خلت حتى غدت مدينتنا الحبيبة عراقا"مصغرا" لجميع مكونات المجتمع الشنكالي (السنجاري).

***

حسن شنكالي

الى الأحرار والشرفاء

ها نحن على أبواب عام جديد، وقد مرّت على الجرائم الصهيو- امريكية – غربية ثلاثة أشهر من الأبادة الجماعية، والتطهير العرقي، والبشرية في كل مكان تعرف ما يجري على اهلنا في فلسطين، وبالخصوص غزة من جرائم فاقت، ما قامت بها النازية الهتلرية من قتل وخراب ودمار، واليوم نحن نرى، وألكل يرى ما تقوم به أمريكا على أرض فلسطين بأسلحة الدمار الشامل، والأبادة الجماعية لأهلنا في غزة، من قتل الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى، ونشر الخراب والدمار، وكل ذلك  ليمحوا إسم فلسطين من الوجود بأيدي الصهاينة المجرمين ..

فيا أيّها الأحرار في العالم، ويا أيتها الضمائر الحية، ويا أيّها الشرفاء، و يا أيّتها القوى الخيرة، من مثقفين، وكتاب، وشعراء، وفنانين، وأدباء، وتشكيليين .. إرفعوا أصواتكم، أكتبوا عن الجرائم  الصهيو-أمريكية – غربية،

فالأعمال الأدبية والفنية، وكل نتاج إبداعي يحمل بين طيات مضامينه رسالة إنسانية، وهي التي  تسمو ويُكتب لها الخلود، وغير ذلك في مهب الريح، ولا بقاء لها ..

تضامنوا مع أهلنا في فلسطين، وابعثوا كل ما يصلكم من صور وفيديوهات توثق الجرائم البشعة التي يرتكبها الصهاينة بدعم أمريكي مجرم بحق اهلنا في فلسطين من إبادة جماعية راح ضحيتها  أكثر من عشرين ألف وأغلبهم من الأطفال والنساء، أما الجرحى فهم أكثر من خمسين ألف، ما عدى المفقودين، والذين تحت الأنقاض، وما نقوم به هو كحد أدنى في التضامن مع القضية الفلسطينية وأهلنا في فلسطين .

فإلى كل إنسان ذو ضمير حي، وصاحب مبادئ إنسانية، فليرفع راية مبادئه عاليا لنصرة شعبنا المنكوب في فلسطين وغزة بالخصوص، فإن لم ندعم شعبنا في  فلسطين بفضح ما يجري عليه من جرائم، وإبادة جماعية، على أيدي الصهاينة وبدعم أمريكي مجرم، فسيحاسبنا التأريخ، ويلاحقنا بالخزي والعار، وستلعننا الأجيال القادمة ..

وكما يقول أرنستو تشي  جيفارا : " المثقف الذي يلوذ بالصمت  أكثرخرابا من النظام الديكتاتوري والقمعي الذي يمارس القتل ضد أبناء شعبه " .

فنحن وأنتم نشاهد كل يوم على شاشات التلفاز وما يصلنا من صور وفيديوهات لتلك الجرائم التي يندى لها جبين الأنسانية، فلتكن دماء الشهداء  من  الأطفال والنساء تغلي في عروقنا، ولنشعر بآلام الجرحى والثكالى، مثلما نشعر بأطفالنا وأمهاتنا وأخواتنا ..

فرسالة المثقف الملتزم بالقضايا الأنسانية، هي شرفه ووجدانه وضميره الحي الذي يفجر الطاقات الأبداعية في داخله،  من أجل غاية أسمى ومثل عليا، تتصدى لقوى الشر والعدوان والظلم واضطهاد الأنسان وسلب حقوقه المشروعة في العيش الحر الكريم، وبناء الغد الأفضل، وهي  غاية ما يريد ايصاله من أجل الأنسان والعدالة ورفع الظلم والمعاناة عن الأنسانية،  والسعي من أجل غد أفضل تسوده العدالة والمساواة، والأمن والسلم العالميين ..!  

عاشت فلسطين حرة أبية

النصر للقضية  الفلسطينية 

الموت والخزي والعار للمجرمين والقتلة

***

د. ابراهيم الخزعلي

24/12/2023

في زمن التفاهات والفرجة وفي زمن الرأسمالية المتوحشة،، لامكان للمثقف الحقيقي، المثقف اليوم افقر طبقة في المجتمع. إن المثقف الحقيقي أصبح كائناً مهدداً بالإنقراض؛ بسبب طوفان مدعي الثقافة الذين هيمنوا على الساحة الثقافية دون محتوى أخلاقي، على الرغم من أنه يفترض أن الثقافة عالية الأداء والجودة وتتطلب بالضرورة مشتغلين رفيعي المستوى لا أن تتعرض للترهل بسبب اندفاع الأشخاص العاديين ويتصدروا المشهد في مختلف الميادين الفكرية والأكاديمية، وهم مجرد موظفين أضافة، لتهميشهم أعلامياً ومجتمعياً وجعلهم محل سخرية، وفي المقابل دعم الفنانين ونجوم كرة القدم والأعلاميين وكتاب القصص وتصديرهم كنجوم وقادة ونماذج يحتذى بها والاعتماد عليهم في تشكيل وعي شعوبهم، فتكون النتيجة شعوب مسطحه بلا وعي ولا ذاكرة ولا عقل نقدي.،، فالجامعات بعد أن كانت بؤرة إبداعية وثقافية في الماضي، أصبحت مكاناً يضم الأذكياء رفيعي التعليم، وأكاديميين مهنيين، لكنهم بالتأكيد لا يعدون ضمن الطبقة المثقفة المؤثرة في المجتمع.

عندما تقرأ كتاب "أين ذهب كل المثقفين...؟" لـعالم الاجتماع البريطاني "فرانك فوريدي" تشعر انك تقرأ لكاتب عربي يتحدث عن الحالة المأساوية للمثقفين العرب ولكن الظاهرة أصبحت تشمل حتي الدول الليبرالية،

إنه سؤال نابع من هاجسين عميقين: فقدان "البوصلة الفكرية" ومشكلة "التسطيح المؤسسي".

والتسطيح الأجتماعي، معاملة الشعوب كأطفال لا كبالغيين، وتنحصر اهتماماتهم فيما هو مادي ومبتذل)؛ وعليه، نجد أن الساحة خسرت مثقفين تركوا هذة الحياة المادية للبحث عن قوت يومهم بعد إهمالهم،ومنهم  مثقفون يمتلكون الرؤية، والاهتمام بالقضايا العامة.

يجب تطوير الحياة الثقافية في الجامعات والمجتمع، إن الناس يستحقون مناظرة فكرية على درجة عالية من الجودة في المؤسسات الثقافية، بوصفهم أشخاصاً يحملون إمكانات كامنة كبيرة، وعلى قدر من الاحترام والتقدير.

أن يكون المرء مثقفاً يعني أن ينخرط اجتماعياً يصعب على المرء أن يعيش من أجل الأفكار ولا يحاول أن يؤثر في مجتمعه، والأمر لا يتضمن فقط الانخراط في النشاط الذهني الإبداعي، بل أيضاً

افتراض المسؤولية الاجتماعية واتخاذ المواقف اي كانت في المجتمع ...!!

***

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث مصري في الجغرافيا السياسية

ان الحلم بالمدينة الفاضلة مثلما هو متعارف عليه في الثقافة العربية الاسلامة يستدعي بالضرورة رؤية فكرية متناسقة، منهجا ومضمونا، وهذا العمل الفكري التنظيري لا تقوم عقول شغلها الوحيد الغذاء والجنس وجمع المال من كل حدب وصوب، بل هذا العمل الشاق تقوم به عقول راجحة لها من التفكير النقدي والسفر والترحال بين الثقافات ومنجزات الحضارات المختلفة، دينا ولغة وهوية. أن الأجساد الحاملة لعقول راجحة مع الافق البعيد، زمانا ومكانا،، في النظر للاشياء والاشكاليات والمعظلات الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، بامكانها الذهاب بعيدا وصياغة مقاربات لاخراج أي بلد أو امة من الأمم من انفاق الظلام والتخلف والتبعية للدول والامبراطوريات الكبرى المسيطرة في العالم ..و ادخال هذه الشعوب إلى قلب الحضارة المعاصرة عبر آخر منجزات الفكر الحديث وانجازات العلوم والتكنولوجيا.. من هنا، تلج هذه الشعوب مناطق الضوء والاستنارة وتبدأ رحلتها الطويلة من أجل تحقيق الرفاهية والتنمية والتقدم والعدالة الاجتماعية وإرساء مجتمع المواطنة النقيض للمجتمع الرعايا..الأول مركزه حقوق الانسان بكل تعبيراته وسياقاته أما الثاني فلا يعترف بهذه الحقوق الكونية نظرا لغياب هذه الحقوق وكل القيم عن مرجعياته الفكرية وعقيدته السياسية.ان الاباطرة والملوك والامراء والرؤساء، على مدار التاريخ، لم يكن "الانسان"جوهر تفكيرهم واهتمامهم، بل غاب عنهم هذا الانسان المقهور والمغدور والمستغل نظرا لاعتبارهم هذا المخلوق الذي يتحكمون في مصيره هو في النهاية رعية وليس مواطنا حرا . هذه الافكار كتب عنها الكاتبة المفكر المصري والعربي الكبير خالد محمد خالد في كتابه القيم "مواطنون لا رعايا"سنة 1951 قبل سنة واحدة من ثورة الرابع والعشرين من جويلية/اغسطس 1952 التي اخرجت مصر من النظام الملكي إلى النظام المجهوري بابعاده الديمقراطية والإجتماعية. ليس بامكان أي شعب في العالم أن يخرج من نفق الرعايا إلى اضواء المواطنة إلا بالفكر النقدية وابعاد المؤسسة الدينية عن السلطة السياسية والعمل السياسي.

الطموح المسنود بفكر مستنير ورؤية إستشرافية للقادم من الأحداث، يجعل المرء منحازا بالضرورة للغد المتسم بالتغيير وإدخال الحركية والدينامية على مسارات الشعوب الحالمة بالتحرر والإنعتاق وتأسيس الأرضية الصلبة التي تبنى عليها اركان دولة الحكم الديمقراطي والعدل الإجتماعي والتنوير الفكري والثقافي المناهض للظلام نهجا ونسقا ورؤيا.. ما تنتظره الجموع الغفيرة من مكافحي الطبقة العاملة بالفكر والساعد في كل اقاليم العالم، هو الذهاب بالمشروع المدافع بلا هوادة عن الدولة العادلة إلى الأمام بعيدا عن التسرع والشعبوية وحرق المراحل مع الاستفادة من كل تجارب التحرر الوطني التي خاضتها الشعوب الخارجة رغم كل التضحيات الجسام من نير الاستعمار والاستغلال.

لا سبيل لاحداث أي تغيير متجذر في مسار التاريخ، دون النهل من قيم المواطنة والفكر الإجتماعي المدافع عن بهاء العدالة ومقاومة التفاوت الطبقي والتمييز الظالم بين الفئات والأجيال والحهات والأعراق والطوائف...هنا وهناك.

الغد، تصنعه العقول المستنيرة المنتجة للفكر التحرري المستقبلي والسواعد المؤمنة بالوطن الحر والإنسانية التقدمية.

***

البشير عبيد / تونس

- كاتب مهتم بقضايا الفكر التنويري وإشكاليات المشهد السياسي العربي والنزاعات والصراعات الإقليمية والدولية.

 

انها عبارة نخبوية أو لنقل  اختصاصية تُستخدم في نطاق ضيق بعيدا عن فهم العامة لأنها ملتبسة   على الفهم العام وكذلك لأنها لاتمثل حاجة ماسة الا لمن يريد الزيادة في المعرفة لذلك فإنها بتقديري تعد من العلم النافع لمن يريد الزيادة ولايضر من لايريد...

الجذر

الجذر في اللغة هو الأصل، فجذر الشيء أصله وجذره، وفي تعبير اخر يُعتب الجذرُ هو المَصدر، فالصوت مصدره الوَترْ، والضوءُ مصدرهُ القمرْ، والنهرُ مصدرهُ المطرْ، والجذرُ جذرٌ للشجرْ

والسيرُ يحدوهُ الأثرْ.. على أن ذلك كله مرتبطٌ بحدود الإدراك او بمعنى أدق محدودية الادراك للأصل أو للمصدر بما يتناسب مع القدرة الموضوعية وهي تناسب أدوات الإدراك مع حدود الموضوع بما هو متاح لا بما هو مُتعذر

مثال

الضوء.. جذره الموضوعي القمر، وهذا هو المُتاح الموضوعي لتوصيف القمر على أنه مصدر الضوء لأن حدود الإدراك مرتبطة ومتوقفة على القدرة وهي حدود النظر الذي يرىٰ الضوء صادرا عنه لاعن غيرهِ ولكن مع تطور أدوات الإدراك بإضافة الادوات المساعدة (التكنولوجيا) تعرفنا على أصل اخر لهذا الضوء وهو الشمس وتبين أن القمر ليس إلا حلقة إمداد وان الشمس هي الجذر، وسيبقى ذلك يمثل حقيقة موضوعية إلى أن نتعرف ربما على بُعد آخر يُغير مفهوم أصل الضوء ومصدره وجذره.. اذن نحن أمام مفهوم عام متحرك غير مستقر الا بمعرفة النقطة التي تتفرع عنها الاعداد الأولية والثانوية كما يُعبَر عنها في علم الرياضيات والتي تبدأ بالعدد - 1 - والذي كل مايسبقه سيكون سالبا فهو الموجب الأول والذي يعتبر عددا أوليا ولايعتبر عددا أوليا في نفس الوقت ذلك أن له عامل واحد بينما باقي الاعداد الأولية لها اكثر من عامل فالعدد - 2 - مثلا له عاملان هما - 1 و 2 - وهكذا باقي الاعداد الأولية، لذلك فأن العدد 1 يعتبر عددا مُتفردا ولأنه كذلك فإنه مشترك موضوعي لباقي الاعداد وهو الركيزة الأساسية للحساب حيث أن خط الاعداد يسقط بدون العدد -1 - ولكن هل يعني ذلك اخراج العدد - 0 – من معادلة التأثير الرياضي، أم أنه أيضا من مخرجات العدد - 1 - ؟ لأن الصفر عددا سالبا عندما يكون مجردا عن العدد - 1 -

ولايدخل في خط الاعداد الواقعية الا عندما يأتي بعد العدد - 1 - برفقته أو برفقة عدد آخر.. لذلك فأن المؤكد الوحيد والجذر الأول والصادر الاول هو الواحد الأحد الذي ليس له ماقبله فالصفر الذي يسبقه سالبٌ لاقيمة له (عدمٌ ) إلا أن اقترن به أو بما صدر عنه..

الأصم..

الأصم في اللغة هو من يعجز عن السمع. بمعنى أنه محجوب أو ممنوع بمانع عن السمع لخلل في آلة السمع أو أنه ممنوع من السمع بمانع خارجي، لذلك تسمى سدادة الزجاجة بالصِمام لأنها تُغلق الزجاجة وتمنع التسرب من والى الزجاجة فهي صِمام الامان بمعنى المانع.

كما أن صمام الأمان يُطلق على من يمنع الأذىٰ فيصنع اماناً.. من هنا نفهم البعد الدلالي لمصطلح الجذر الأصم في العقائد وهو: الأصل العقائدي الآمن.

الله اعلم وأحكم

***

فاضل الجاروش

 

الحمد لله سيجد كاتب "حاقد" مثل جنابي، أن سوق الكتابة الساخرة سيزدهر في العراق خلال السنوات القادمة، وسأحاول أن أنافس عمنا حسن العاني شيخ الساخرين، الباحث عن النكتة كيفما تقلبت به الظروف وتغيرت به الأحوال، فبعد أن حصدت شقيقة عالية نصيف أعلى الأصوات في بغداد، وتمكنت شقيقة ناهدة الدايني من أن تحصل على كرسي مجلس محافظة ديالى وبأعلى الأصوات أيضا .. فيما بشرنا أربعة محافظين بأنهم حصلوا على أعلى الأصوات في محافظاتهم بعد أن حولوا هذه المحافظات إلى مدن تنافس سنغافورة وأبو ظبي وتجعل من طوكيو مجرد زرق ورق أمام محافظة المثنى .

ولأن فصول المهزلة لا يمكن لها أن تتوقف فقد نصحنا السيد فائق الشيخ علي مشكوراً بأن نتمسك بمحمود المشهداني، والأسباب كما شرحها لنا السيد فائق، تتعلق بخبرة المشهداني في إدارة سوق البرلمان .

وسنجد في انتخابات مجالس المحافظات مشاهد كوميدية ساخرة يقف المرحوم الفرنسي موليير عاجزاً عن مجاراتها .. تخيل جنابك أن إحصائية مفوضية الانتخابات تخبرنا بأن " 600 مرشح صوت له أقل من 10 ناخبين" والأكثر كوميديا وجود 40 مرشحاً لم يصوتوا لأنفسهم، وكانت نتائجهم صفر .

والحمد لله مع وجود مشعان الجبوري لا أعتقد أنّ هناك من يصاب بالملل، وهو يتابع أخبار غزواته الفضائية، المواطن يشاهد كل يوم المساخر التي تحدث في دهشة وألم وقلق، ويعتقد مثلما تحاول بعض الفضائيات إيهامه، بأنّ هناك مؤامرة يقودها من يمتهنون الكتابة الساخرة على العملية السياسية، ونحن نتفق معهم، نعم هناك مؤامرة، لكنها هذه المرة ليست على العراق ولا على المواطن العراقي المسكين، وإنما على مضحكات تجربتنا الرائدة في الديمقراطية، وآثار هذه التجربة على حياتنا، فبعد 20 عاماً من الموازنات المليارية، استيقظنا على خبر مفرح يقول أصحابه إن اليابان قررت إقراضنا مبلغاً وقدره " 300 " مليون دولار، في الوقت الذي كان بامكان الدولة العراقية أن تقترض هذا المبلغ من السيد نور زهير وهو يتمتع بمبلغ يتجاوز الألفين ونصف الألف مليار دولار عداً ونقداً .

قبل أن تمتع عزيزي القارئ نظرك بأسماء أعضاء مجالس المحافظات الذين عادوا ظافرين إلى مجالسهم، ارجوا ان تعرف ان جنابي لا يصر على التعريض بمرشحينا الفائزين " الأفاضل"، فما يجري هو تجاوز فــن السخرية بمراحل كبيرة

من المؤسف ألّا يظهر في ايامنا الساخرة هذه كاتبا بحجم حسن العاني الذي تنبأ قبل اعوام طويلة بان هذه البلاد ستتحول يوما ما الى "خان جغان". كتب هذا قبل ان يسمع باسم عالية نصيف بالتاكيد .

***

علي حسين

ولاية نهر النيل مترفة في جدها إذن، وماضية في تعبئة الحشود التي تتداعى إليها في دعة وخفة، هي حريصة على الا يبلغ العدو منها ما يريد، وفي ظني أنها قد وفقت توفيقا  عظيما في ارسال رسالتها الضافية لخصمها، فخصمها منذ أن تلقى تلك الرسالة، يعيد قراءتها بين الفينة والأخرى، وهو يسعى أن يلم بموضوعها وغرضها، فشكل الرسالة وصورتها ، جعلت هذا العدو الذي قنع بتلك الحياة الصاخبة التي يعيشها الآن، يفكر ويطيل التفكير، في مآلات تلك الرسالة التي حطت على بريده في رشاقة وعجل، هي رسالة لا أكثر ولا أقل، وضعتها ولاية نهر النيل أما بصر الدعم السريع، رسالة هادئة، واثقة، مطمئنة، تخبره فيها في وضوح وجلاء، بأنه سيعجز عن المضي في طريقه الذي اعتاد أن يسلكه،  وأنها ستتصدى إليه، وتأخذه بيمينها لتهوي بها على رأسه فتدميه وتشجه، إذا صمم أن يخوض غمار تحديه معها، هي واثقة إذن من انتصارها عليه، وهو يعلم أنه يحتاج إلى الالحاح على شيطانه، ويطلب منه الأناة والرفق، وشيطانه هذا شديد السخط على هذه الولاية، شديد البغض لها، لذا لم يحفل بذلك الرجاء، أو يذعن له، فهو لا يفكر إلا في التبر الذي تعلوه رمال تلك الولاية،  وفي انسانها الذي أظهر الصمود والتمرد، والشيطان الذي فقد رشده أو كاد، يرفض أن يستأنف رعاعه العمل بعد حين، عليهم إذن يضعوا الخطط، ويعدوا العدة لغزو هذه الولاية التي عرف السودان بأسره حماستهم وهدفهم الذي التصقوا به التصاقا، لقد اعتزمت ولاية نهر النيل والولاية الشمالية، جز هامة الدعم السريع ثم العودة لمضاربهم التي لا اثم فيها ولا ريب، وفي الحق أن قوات الدعم السريع تعلم أن  ولاية نهر النيل والولاية الشمالية تلتمس نزالهم، وأن جيشهم لم يعد بحاجة لمن يعينه بعد  أن انكب كل الناس في العمل، وتهافتوا على حمل السلاح، صونا لعروضهم، وحرصا على ممتلكاتهم، وحماية لمدخراتهم، لقد فهمت الولاية الشمالية وولاية نهر النيل الدعم السريع كما لم يفهمه غيرهم من الناس، والدعم السريع السادر في غيه، والممعن في ضلاله، يعلم أن هؤلاء الناس مستعدون للجهاد والتضحية، وأنهم كذلك ثائرين ساخطين عليه، ولكنه يجهل حتما أنهم جميعا واقعين في الاثم لا محالة، لأنهم ما زالوا ينتظرون مقدمه عليهم، هو يعلم أن أصوات الجيش المنكرة التي تجعله يقضي الليل كله خائفا مضطربا، قد التف حولها الناس، كل الناس في الولايتين، ولكنه يجهل أن الجيش والناس معا لذتهم التي لا تعادلها لذة، أن يطوي الله لهم الأرض، ويسخر لهم الريح وما شاء الله من قوى الطبيعة، حتى يصلوا إليهم في أماكنهم التي يتواجدوا فيها، فيحتدم الصيال، وتطير الرقاب، وتنقشع المعركة التي تنتهي حقيقتها التي لا تكلفنا عناء أو مشقة، فقوات "الدعم الصريع" قد منيت بهزيمة ساحقة، وأنها باتت عرضة للضحك والاشفاق، وأن كماتها الذين لم يكن هاجسهم مطلقا جلب الديمقراطية وتحقيقها، بل جمع طائفة من الحديد ممثلة في سيارات الدفع الرباعي بعد أخذها عنوة من أصحابها، والتنحي وتفريقها في زوايا الغرب ودول الجوار.

انسان الشمال الذي لا أريد أن اتخذه موضوعا لهذا المقال، لست في حاجة أن أوضح كيف تستهدفه قوات الدعم السريع، فالأحاسيس التي ملأت نفسها، والمشاعر التي تطبعت في مدارج حسها، هي بغض الشمال، وكلما ينتمي لانسان الشمال بصلة، ولعل التاريخ يحملهم على أن يجتهدوا في اذكاء هذه الأهواء الخطرة،  والتماهي مع هذه العواطف المنكرة،التي تعبث بحنياهم الصدئة الماقتة للقبائل النيلية، فقبائل الشمال التي إذا تحدثت لا تعرف إلا أن تصف الأشياء كما هي، في تاريخ المهدية القريب، كانت حقيقة محبة ومجلة للامام المهدي، وكارهة مسرفة في كراهيتها لخليفته الذي آلت إليه الأمور من بعد المهدي الإمام، فخليفة المهدي لم يكن يجد من يكفكف من غلوائه ويرده إلى العدل، وقبائل الشمال التي لا تعنو إلى قهر، أو تطمئن إلى غضاضة، فاضت على ما حولها تبرما وسخطا، فأطلق خليفة المهدي جنوده عليها من غير حساب، على ضوء ذلك نستطيع أن نزعم أن قبائل الشمال قد أسبغت على بعض القبائل التي تعود جذورها للب النزاع قناعاتها الخاصة، وأخذت تمعن في الاستخفاف بها،  القدح عليها، وبالمقابل أضحت قبائل الغرب تزدري قبائل الشمال، وتدمغهم بتهمة التعاطي والتزلف للمستعمر، ومما زاد الأمور ضغثا على ابالة، أن القبائل النيلية المعتدة بأصولها العربية، لا تتحرج من أن تستعمل في قواميسها ألفاظا تمجها القبائل الأفريقية، بل حتى القبائل العربية في غرب السودان وتنفر منها نفورا عظيما، فقبائل الشمال قانعة بأن جرثومتها تعود إلى منبتا مؤصل، ومجدا أصيل، وهي مع هذا كله لا تكتفي بهذه القناعة التي نعتقد أن الخطل يشوبها من كل مكان، بل تزعم أن القبائل العربية في غرب السودان، لم تصب العروبة إلا قليلا، وقبائل الشمال مترفة في هذا الزعم، مغالية فيه، وفي الحق أن مزاعمها السخيفة تلك قد مست حياة القبائل كلها، وجعلتهم يتحاورون طول النهار، وإذا أقبل الليل في تباهي قبائل الشمال بأصولهم، وزعمهم بأن أرومتهم تعود لعروبة محضة، وهي لعمري مزاعهم تتناقض مع لونهم الكالح، وشعرهم الأكرد، وقبائل الشمال التي تسرف في عدم الاكتراث لتشكيك القبائل الأفريقية في عروبتها، قد جمعت مع مغالاتها في التهكم والطعن على القبائل، طامة أخرى، ولا أدري ما هو ذنب الشمال إذا كانت النظم السياسية المختلفة، هو من هيأ لها قيادة من عنده، فالشمال سبق غيره من أقاليم السودان في المعرفة والاستنارة، ولم يكن هناك ما يعيقه عن  الحركة، والمضي قدما في الحياة العقلية التي استبق فيها غيره استباقا عظيما، فقد ضاقت مصر القريبة جغرافيا منه بطلابه، فالشمال لم يكن  في حاجة إلى حادثة من الحوادث حتى يقف على حقيقة العلم، والثمار التي يمكن أن يجنيها منه، لم يكن الشمال يجهل نفسه، أو يجهل حضارته التي لا يكاد البعض يتبينها، أو ينصرف عنها ويزهد فيها، لم يتورط الشمال فيما مضى في شيء من الاثم حينما اعتلى المناصب العليا في الدولة، ونحن نجد له العذر في ذلك، ولكن الآن بعد أن استأنفت كل أقاليم وقبائل السودان الصلة بينها وبين العلم، من المعيب  أن تظل الرتب الرفيعة حكرا عليه، والدعم السريع الذي يتهم الشمال بأشنع التهم، ويصدح باتهاماته تلك في عنف وقسوة، ساخط على الشمال وأمه وأبيه، لأنه اعترض سبيله، ووقف حجرة عثرة أما مخططه، ويتحمل الشمال أيضا إلى حد كبير ما تعرض له الدعم السريع من أخطار.

***

د. الطيب النقر

 

تستمر الحرب الاسرائيلية على الفلسطينيين في غزة، وتقترب من اتمام الشهر الثالث، دون أن تلوح بارقة امل في وضع حد لهذه المجازر التي ترتكبها دولة الاحتلال الاسرائيلي، على الرغم من التنديد العالمي بها. عجزت الامم المتحدة في ايقاف هذه المحارق، كما عجز ايضا، مجلس الامن الدولي في اصدار قرار، يلزم اسرائيل بالتوقف عن هذه الابادة. ان هذا يشكل بحد ذاته؛ ادانة للنظام الدولي، الذي يعمل منذ اكثر من ثلاثة عقود، والى الآن؛ وفقا للقواعد والمعايير الامريكية، وليس وفقا لقواعد وقوانين النظام الدولي، التي تم وضعها، على ما فيها من ظلم ودكتاتورية القوى الدولية، العظمى والكبرى، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. لقد وقفت امريكا كما هو ديدنها مع اسرائيل، بكل ما تمتلكه من قوة عسكرية، واقتصادية واعلامية وثقل سياسي في المحيط الدولي. استخدمت مجلس الامن الدولي لصالح اسرائيل، او لحمايتها، عبر مقعدها الدائم فيه. فهو أداة وآلية لضبط ايقاع العنف والحرب الدوليين، أو العمل على ايقافها في الفضاءات العالمية؛ لكنه، لم يتمكن من ايقاف؛ اغلب الحروب والصراعات في المعمورة؛ لأنها حرب انابة عن هذه الدولة العظمى او تلك الدولة العظمى؛ الا باتفاق هذه القوى الدولية.  فقد عطلت امريكا؛ اصدار قرار من مجلس الامن الدولي، يلزم اسرائيل بوقف مذابحها هذه في القطاع؛ باستخدامها حق النقض الفيتو قبل عدة ايام؛ واحالة دون تمرير قرار بهذا الخصوص، ثم عادت مرة اخرى وحولت مشروع القرار الاماراتي، الى مشروع لصالح اسرائيل؛ بعد ان تمكنت من افرغ اصل المشروع من محتواه ومضمونه، اذ، عطلت طرحه لعدة مرات، كانت خلالها تتفاوض مع دولة الامارات العربية في تعديل فقراته، حتى صار الى ما صار اليه. لقد كان هذا القرار في صلب ما هو فيه، من فقرات، جميعها لصالح الحرب الاسرائيلية على الفلسطينيين في غزة. فلم يتضمن اي فقرة تشير الى وقف الحرب، بل اشار القرار بدلا من وقف الحرب؛ الى تهيئة الظروف السياسية الى وقف مستدام للحرب الاسرائيلية، اضافة الى فقرات اخرى هي في المحصلة لصالح الحرب الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني على غزة. ماذا تعني تهيئة الظروف والاوضاع لأبرام اتفاق وقف الحرب؟ تعني تماما؛ افساح الطريق والزمن لإسرائيل في انجاز مهامها كما هي تقول عنها في القطاع، اي ان تستمر اسرائيل في الابادة والاجرام. ان هذا يشير وفي اهم واخطر ما يشير اليه؛ ان هناك اتفاق بين اسرائيل وامريكا في الذي تقوم به اسرائيل من حرب اجرامية. اما القول الذي يتردد باستمرار؛ من ان امريكا بايدن على خلاف مع اسرائيل نتنياهو ما هو الا خداع وكذب من اوله الى اخره. ان امريكا لا تدعم اسرائيل فقط، بل انها شريكة لها، في هذه الجرائم. ربما ان هناك خلاف في نوعية الحرب لجهة اتساعها، وفي شكل وطريق ادارتها، اما اساسها ومنطلقاتها واهدافها؛ فهي امريكية اسرائيلية بلا ادنى شك. دولة الاحتلال الاسرائيلي، ربما تخطط ان تدير غزة لفترة انتقالية، هذا حسب المخطط الاسرائيلي، وليس حسب حركة الواقع، بما فيه؛ من مقاومة بطولية؛ سوف تفشل هذه الخطط حتما. جيش الاحتلال الاسرائيلي يدفع في كل يوم يمر كلفة باهظة في الافراد وفي المعدات وفي الاقتصاد، بالإضافة الى اهتزاز الامن داخل اسرائيل، الذي سوف يؤثر على حس الاطمئنان والأمان الذي كان يشعر الاسرائيليين به، قبل طوفان الاقصى. امريكا تقول من انها لا تريد ان تتوسع هذه الحرب اي ان تظل بين اسرائيل والمقاومة الفلسطينية، إنما في حقيقة الهدف الامريكي من هذا؛ هو تمكيَن اسرائيل؛ لتنفرد في حربها الاجرامية على القطاع. لكن عندما اخفقت اسرائيل او قد منيت بالخسارة في حربها هذه؛ بدأت كل من اسرائيل وامريكا، محاولة جر اطراف اخرى، الى هذه الحرب، مع حرصهما على ابقاءها تحت السيطرة، وليس حرب مفتوحة؛ في لبنان وفي البحر الاحمر؛ للتغطية على فشل الحرب الاسرائيلية في تحقيق اهداف حكومة الحرب الاسرائيلية المتطرفة والعنصرية والمجرمة، هذا اولا وثانيا؛ لخلط الاوراق وصرف الانظار عن مذابح اسرائيل، وثالثا؛ الضغط على حزب الله، عبر الحكومة اللبنانية وحكومات اخرى عربية وغير عربية؛ للانسحاب الى شمال الليطاني. قبل ايام اعلنت اسرائيل من انها سوف تشكل لجان في شمال القطاع للأشراف على المساعدات الانسانية التي سوف تدخل الى القطاع؛ تطبيقا للقرار الأخير سيء النية في المنطلق والأداة والهدف، هذا هو المعلن؛ أما الذي لم يعلن؛ فهو ربما تمهيد لإدارة اسرائيل لشمال غزة مع فصل الجنوب عنه، او لاحقا زحف هذه اللجان إليه. في رأيي ان هذه التحركات لها اهداف اخرى؛ هي غير ما معلن ومكشوف عنه. لذا ان قرار مجلس الامن الأخير؛ سوف يمنح اسرائيل فرصة لتنفيذ هذه الاهداف في الزمن الذي تريده او الذي هي قادرة عليه، ربما لعدة اشهر اخرى، ولكن بطريقة اخف واقل وطأة وكلفة واثمان على اسرائيل. في الختام اقول: ان دولة الاحتلال الاسرائيلي؛ سوف تخسر حربها الاجرامية هذه، وسوف يكون الانتصار للمقاومة الفلسطينية..

***

مزهر جبر الساعدي

 

الدراسات والبحوث العلمية المنشورة في المجلات العلمية العالمية من الدول العربية قليلة أو غائبة، مصر نشرت دراستين، ومنشور واحد لكل من الإمارات والسعودية ولبنان والكويت والأردن، بينما تركيا نشرت (26) دراسة، وإيران (9) دراسات.

لم يحصل على جائزة نوبل بالعلوم إلا (أحمد زويل) من مصر.

فالمشاركة في المعارف العلمية للدول العربية تكاد لا تذكر، ويُقال أن إسبانيا ترجمت كتبا في سنة واحدة أكثر مما ترجم العرب في ألف سنة.

النشاط العلمي العربي يبدو إتكالي وخالي من طاقات وقدرات التفعيل الذاتي، والثقة بالجد والإجتهاد، والإيمان بالعقل، فكأن الأمة مصابة بالعُقم العلمي ، وتبدو وكأنها مقعدة ومندسة في هشيم الغابرات.

الأمة حولت عصورها الذهبية إلى عصور دموية دامعة حزينة، ذات نشاطات نواحية ولطمية.

فالمفكرون والفلاسفة ينوحون وينعون ويحسبون بأنهم ينجزون شيئا نافعا ومفيدا للأمة.

وجامعاتنا بكلياتها العلمية صامتة، وأساتذتها لا يقدمون أصيلا، ويملأهم الخوف والتردد، فيستصغرون جهودهم ويعتاشون على جهود الآخرين، ولا ينظرون في تراث الأمة المعرفي، ولا يعملون على إحياء تطلعات السعي العلمي الجاد.

فأين الكتابات العلمية والبرامج والدراسات، أين القوة اللازمة للحياة المعاصرة؟

إن جهد أبناء الأمة يُراد له أن يكون محصورا في الأدب والدين، ولا يجوز للأمة المنيرة المنورة أن تسطع على الدنيا، لأنها ستنطلق نحو آفاق السماء الإشراقية.

فلماذا لا يؤمن أبناؤها بالعلم ضرورة للحياة الحرة الكريمة، ويمعنون بآليات الهروب نحو السفسطات الأدبية والإسهاب في سكب طاقاتهم بعبثية على السطور، وكل منهم يدّعي بأنه الفارس المقدام وحامي الحمى والماجد الهمام، وما قدموا سوى النزيف الفتاك .

أمة العلم عودي إلى جوهرك العلمي لكي تكوني!!

***

د. صادق السامرائي

 

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام ١٩٩١ وتشكل عالم أحادي القطبية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وتربعها على عرش العالم تحكمه بالتهديد تارة وأخرى بأسلحة متقدمة صنعت بنفط عربي ثم بقواعد على مرمى البصر. وفي المقابل دعم كامل لدولة الاحتلال التي تتوسط قلب الوطن العربي.

بعد أن نكّل الفلسطينيون بهذه الدولة خلال الانتفاضة الأولى عام ١٩٨٧ استثمرتها منظمة التحرير الفلسطينية وسعت من خلالها إلى إقامة سلام مع دولة الاحتلال. وكان وقتها إسحاق رابين رئيسا للحكومة،فمنذ وصوله إلى الرئاسة شرع في تنفيذ خطوات من أجل تسوية نهائية مع العالم العربي. فكان ما سعى إليه من خلال أوسلو التي رفضها المتطرفون من اليهود. فكان من نتائج الرفض اغتيال رابين وصعود اليمين بقيادة بنيامين نتنياهو سدة الحكم. ومنذ تسلمه رئاسة الدولة كان قد انشغل عن متابعة النمو الاقتصادي وباقي الأمور المهمة لدولة الاحتلال بنشوة القوة والثقة بالنفس والانفراد بالآراء. ففي جلسة الافتتاح للكنيست عام ٢٠١٦ ألقى خطابا قال فيه انه( في هذه السنوات تحديدا فيما الشرق الأوسط ينهار كله من حولنا ،جعلنا إسرائيل دولة عظمى ليس دولة عظمى عليا.ولكن دفعنا مكانتنا قدما بشكل كبير كقوة عالمية في مجالات كثيرة جدا ومفتاح الأمن والازدهار واحد وهو قوتنا والقوة هي الأمل والأمل نابع من القوة).

والسؤال الذي يطرح تعقيبا على ما قاله نتنياهو هل قوة هذه الدولة نابعة منها ام أن هناك طرف خارجي سبب لهذه القوة؟

الإجابة التي لا تخفى على أحد انه ومنذ ولادة دولة الاحتلال والولايات المتحدة الأمريكية هي سبب هذه القوة،اي قبل وصول نتنياهو إلى رئاسة الحكومة. اما الخطر الذي يواجه هذه الدولة الآن لا يكمن بدول الطوق ولا من غيرها لأن معظمها قامت بالتطبيع معها إنما يكمن الخطر أنها باتت تقاتل منظمات إسلامية على راسها منظمة حماس في غزة وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن.

فعلى مستوى حماس وبقية الفصائل الفلسطينية في غزة نجد أن دولة الاحتلال قد تكبدت خسائر وصلت إلى مليارات الدولارات وليس أدل على انهيار هذه القوة المزعومة ما قامت به دولة الاحتلال عندما سحبت لواء النخبة جولاني بعد انكساره على أعتاب أسلحة المقاومة الغير متكافئة مقارنة مع أسلحة العدو وذلك أثناء المعارك البرية التي تورط بها في قطاع غزة والآن لا يعرف كيف يخرج منها بحفظ ماء الوجه الذي اندلق تحت أقدام كمائن مقاتلي القسام وبقية الفصائل.

والسؤال الموجه لنتنياهو بالذات. هل باتت القوة التي ينتشي بها تكمن في الاستقواء على المدنيين الأبرياء بصواريخ غادرة وقنابل محرمة يسقطها جبن ضباط وجنود الاحتلال من الجو؟ هل باتت القوة في ارتكاب ما ارتكبه جيشه ولا يزال من مجازر؟ هل قوته تكمن في مقارعة جثامين الشهداء ،فمرة يسطو عليها وأخرى يتركها لسباع الارض تنهشها في شوارع غزة المدمرة؟ ولصالح من يرفض وقف إطلاق النار ؟ لصالحه؟ لصالح أمريكا؟ أم ماذا؟

وأخيرا هل باتت نشوة القوة والتمسك بالكراسي من سيكسر عنق الاحتلال؟ هل هذه النشوة التي يعاني منها نتنياهو وكيانه الهش ستهوي بهم نحو قاع الشتات من جديد؟

***

بديعة النعيمي

ناكة وعكرها البين واعمى بصرها

تمشي بتوالي النوك وآنه بأثرها

هناك مفردات، أظن بعضها مسموعا حد الملل، لتكرارها على مسامع العراقيين، منها على سبيل المثال لا الحصر: الضيم، العوز، الفقر، الفاقة، كذلك القمع والقهر وغمط الحقوق، والنفي والتشريد والسجن والموت.

ومافتئ العراقيون يرتّقون فتقا هنا أو شقا هناك، لعل عراقهم يستقر ويهنأون بخيراته التي بددها سلاطين وحكام، كانت لهم صولات وجولات في سدة حكمهم. فمنذ عام 2003 حتى لحظة كتابة هذا المقال، اتخذت المفردات آنفة الذكر حيزا كبيرا في يوميات العراقيين، وزاد عليها ذاك العام مفردة السقوط، وقطعا كل سقوط يعقبه واحد من اثنين، إما نهوض او تداعيات في السقوط. والذي حدث آنذاك ومازال يحدث، لايمكن إخضاع تسميته الى قاعدة او قالب واحد يصلح لكل التفسيرات، إذ كلٌ يفسره حسب ما يظنه واقعا، او نزولا على ما يتمناه، او طبقا لما تملي عليه مصلحته، لذا فمنهم من يشيد بالانجازات التي حصلت رغم ضآلتها، ومنهم من يتذمر من سوء الحال وبؤس المآل، ومنهم من لاحول ولاقوة ولارأي لديه، بعد أن تسلل القنوط إلى داخله.

ومن المفردات المستجدة الأخرى، مفردة (التغيير). والتغيير يأخذ من المعاني الكثير، ومن الصور أكثر، والعجيب الغريب في ساسة العراق الجدد أنهم مشغولون بالتغيير، ويحتكرون ماهيته، كما يقدرونه تقديرا على مقاساتهم وأهوائهم وأمزجتهم، في حين أن المواطن قبلهم بحاجة ماسة إلى التغيير، لكنه يهيم في وادِ، وهم يعمهون في غيهم في وادِ غير ذي ضمير ووطنية وإنسانية. فيغمض لهم جفن ويهدأ لهم بال ويرتاح لهم ضمير وتقر لهم عين، وهم على علم بملايين الأفواه الفاغرة التي قلما تكتمل لديها النعم الثلاث في يوم واحد، وآن واحد وآنية واحدة، تلك النعم هي (الريوگ والغدا والعشا).

وإنه لمن المؤكد ان أصحاب الأمر والنهي والبت والحكم القابعين تحت قبب مجالسنا الثلاث، على دراية بأعداد المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر بألف درجة، ولم تصلهم رائحة أمل حتى لو حصل ألف تغيير. فالتغيير في نظر المواطن هو النقلة النوعية، في جوانب حياته التي مل من تردّي أوضاعها يوما بعد آخر وعاما بعد عام، وأتعبه ضنك العيش، وهو في بلد يفيض نهراه خيرًا وعطاءً، وأرضه مدرارة سطحا وجوفا بما تحلم فيه بلدان العالم، ومع كل هذا لم يلمس أي تغيير من الذي يسمعه منذ عام 2003. إذ يصطبح بالقلق ذاته، ويمسي بخيبة الأمل عينها، وهذا دأبه في حياته منذ الربع الأخير من القرن المنصرم.

وبدخول الديمقراطية والانفتاح في ذاك العام (المفترج) حل التغيير بكل ماأوتي من قوة، ولكن، باتجاه لم يكن بالحسبان، إذ شمل التغيير أشياء غير مرغوب بها، حيث طفت على السطح شخوص لاتنتمي إلى أعراف البلد وقيمه ومثله، ومازاد الطين بلة أن زمام الأمور ودفة السفينة بأيديهم، وفوق هذا التغيير وذاك، ما تطرحه لنا أشجار مجالس الدولة التشريعية والتنفيذية والرئاسية من جديد الثمار المنبوذة، إذ لم نعهد من كبير أو صغير دخل تحت قبب هذه المجالس إلا تغيير السير، وجعله عكس ما يشتهي المواطن وضد تياره ومصلحته، في حين أنه لايطالب بغير حقوقه.

فهل هناك في الأفق مايطمئن المواطن بالوجه المشرق لمفردة التغيير؟ أم ان التغيير في العراق يعني النكوص والتقهقر والخسارة والضياع، في زمن يسعى سكان المعمورة نحو حياة الرفاه عدوا وجريا وقفزا وتحليقا!

***

علي علي

اللعب الآن أصبح مكشوفاً، الجميع يكشفون أوراقهم على مائدة المصالح والمغانم وأصبح القانون في جهة والذين يتغنون به في الفضائيات والخطب الانتخابية في جهة أخرى، وحولهم ائتلاف مكون من المقربين والانتهازيين.

فيما آخرون يستعجلون قطف ثمار مهرجان مجالس المحافظات الكوميدي، فيما عدد من السياسيين وجدوا ضالتهم في الديمقراطية التي فسروها على أنها حماية لمصالحهم واستغلال لثروات البلاد، وإشاعة الخراب والجهل والانتهازية . ولهذا كان لابد لهذه الديمقراطية أن تظهر إلى الواجهة وهي تحمل عصا غليضة تهدد بها كل من تسول له نفسه الاقتراب من قلاع السياسيين الحصينة .. ففي لفتة كوميدية تنتمي إلى واقعنا السياسي تلقى الكاتب والباحث والشخصية الوطنية غالب الشابندر بلاغاً من المحمكة للحضور أمامها بعد أن قرر صاحب كتلة " السيادة " خميس الخنجر مقاضاته . لم أصدق الأمر عندما أخبرني غالب الشابندر بذلك وتوقعت أن الأمر مجرد فكاهة يطلقها الرجل لتلطيف الأجواء، لكن التبليغ الذي تسلمه الشابندر يقول إن ساستنا " الأكارم " يعتقدون أن من حقهم نهب ثروات البلاد، وإثارة النعرات الطائفية، واستغلال السياسة لمصالحهم الشخصية، وإشاعة الفوضى، وبيع المناصب، لكن ليس من حق شخص مثل غالب الشابندر أن يوجه لهم انتقاداً، او حتى نصيحة .. فكيف تسنى " للعميل" غالب الشابندر أن يتجاوز الخطوط الحمراء ويتحدث عن رمز سياسي مثل خميس الخنجر .. كيف استطاع هذا العميل الشرير أن يخدعنا كل الوقت ويقنعنا بأنه مع العملية السياسية، ومن انصار التجربة الديمقراطية العراقية التي تحسدنا عليها معظم شعوب العالم ؟ كيف تسنى لهذا الرجل الذي يقترب من عامه الثمانين ولايملك في عراق اليوم راتبا تقاعديا، أن ينال من نزاهة ساستنا التي حفروها بحروف من ذهب في سجل العمل المخلص لخدمة الأقارب والأحباب، وفي جهودهم لتحويل أموال العراقيين إلى ودائع في البنوك الأجنبية وإلى قصور ومنتجعات وشقق فاخرة.

غالب الشابندر،أحد القلائل ممن نجوا من طاعون التلوّن والانتهازية، وهو بضميره اليقظ وعفويته المحببة يُقدّم لنا كلّ يوم درساً تحليليّاً لما يمرّ به العراق بكلّ جرأة وشجاعة نادرة، وبدلاً من أن تبادله هذه الأحزاب القابضة على مصائر العراق، الحجّة بالحجّة وتردّ على خطاباته، راحت تسخر منه وتُفبرك القضايا المغرضة عنه، الشابندر يخرج كل يوم ليرفض المصير البائس الذي وصل إليه العراق، معلناً أن السير في هذا الاتجاه يعني، ببساطة، أنه لن يكون هناك أثر للمستقبل، لأنّ السير في هذا الطريق يكرّس قاعدة البقاء للانتهازي والفاشل وعديم الكفاءة والمتلوِّن، وهو بأحاديثه يستفزّ جماعة " ما ننطيها "

***

علي حسين

إن الشخصية العراقية وعلى مر العصور لها ميزتها الخاصة المتفردة عن أقرانها من الشعوب العالم فهي شخصية فريدة في نوعها التفكيري ونمط سلوكها في المجتمع المعقد والمتعدد الأعراق والأديان والمذاهب لن تنقاد بسهولة من قبل كل من تسلط على حكمها حيث كانت صعبة السيطرة كثيرة التمرد والنفور والتذمر على واقعها السياسي والاجتماعي كان تأريخ  شعبها ذو سجل وافر من الثورات والتمرد والفتن والانقلابات التي أرهقته وأرقة حكامه فأن شخصية العراقي تجمع كثيرا من التناقضات المختلفة في السلوك والتفكير وطبيعة العيش نتيجة الحروب التي توالت على حكمه فقد أكسبته التمرد والتنمر والتسلط والزهو بنفسه والاعتزاز بحضارته وموروثه التاريخي الذي ساد به العالم القديم وقدم له الحضارة أما في السنين الأخيرة من القرن الماضي تحولت الشخصية والنفسية العراقية إلى منحنيات مختلفة عما كان عليه من طيبة قلب وعفوية ودرجة عالية من الوعي الثقافي والأدبي والحضاري والمعرفة والإبداع التي جعلت منه في مصافي العالم المتحضر حيث أصبح شخصية أكثر منها دموية وعنيفة في أسلوب التعامل مع الآخرين نتيجة الحروب التي زُج بها العراق على مدى أكثر من ستة قرون مضت وأكثر تسلطا في مجتمعه ومحبا للقيادة قليل الوفاء في الفعل والقول ضيق الأفق قليل الصبر وأقل ارتباطا بوطنيته وعراقيته  ودينه وعقيدته التي كان يتمتع بها الفرد العراقي التي طالما قدم لها مواكب من الشهداء الزكية الدماء من خلال حروبه دفاعا عن الأرض والعرض والدين آخرها حروب عام 1948- 1967-1973 وآخرها  عام  2003أن هذه المتغيرات هي نتاج إفرازات الحروب التي فُرضت على العراق في حقب متتالية من تاريخ الشعب العراقي سببت له تعقيدات في تركيبة نفسية المجتمع وألقت بظلالها على سلوكية الفرد حيث أبتعد بها عن شخصيته القديمة  التي كان يعرف بها سابقا  أما الآن أصبح أقل وهجا لهذه الخصائص في نفسيته بواسطة خططا عدوانية مرسومة له بإستراتيجية معدة لهذا الشعب الذي أرق الأعداء حيث جعل منه سريع الغضب إنسان وصولي بشتى الطرق والوسائل على حساب أهله ومبادئه فقد المصداقية في تعامله داخل مجتمعه وهذه النظرة ليست برؤية التعميم بل أصبحت الطاغية وظاهرة مجتمعية تسود الأكثرية وهذه الصفات الجديدة عليه سببت تداعيات خطيرة في حياته وأسلوبه في العيش مع نفسه ومجتمعه وأثر تأثيرا واضحا في تدمير المجتمع والأسرة بالذات منها حب النفس والذات والمخادعة والمراوغة مع الآخرين والتستر بالدين كغطاء شرعي ديني لتمرير شخصيته الجديدة ونفوذه الاجتماعي والمادي فقد شاءت دول العالم صاحبة القرار السياسي في قيادة شعوب العالم الجديد والمتفردة أن ترسم ملامح الخطط التدميرية لهذا الشعب للأخذ به إلى هذه المنحدرات للسيطرة على عقليته ونفسية وتدميرها لتنفيذ مشاريعها في المنطقة من العالم والأمة العربية خصوصا والعراق بالذات وفق منظور مبين لها لما يمتلكه العراق وشعبه من مقومات خاصة تعرفه هذه البلدان.

***

ضياء محسن الاسدي

تبنى العلاقات الدولية على المصالح المباشرة أو غير المباشرة بين مختلف الأطراف في شكلها الثنائي أو المتعدد الأطراف، ومسألة أولوية المصالح على الحسابات السياسية والاقتصادية محل جدال كبير، فقد تحدد الحسابات المسبقة مصير هذه المصالح إما أن تعتمدها أو تلغيها وذلك وفقا لتقدير حجمها وطبيعتها بناء على تقييم القدرات الذاتية والإمكانيات التي يمكن توفيرها لتحقيقها .

هناك مقولة شائعة في مجال السياسة الخارجية والعمل الدبلوماسي والعلاقات الدولية " المصالح تتصالح" وهو كذلك فعلا، ومن الأشكال المتطورة من هذه المصالح المتصالحة علاقات التعاون الثنائي، علاقات الشراكة المحدودة، اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية، والتحالفات، وتتعدد وتتنوع المصالح على حسب طبيعة مجالاتها، السياسية، الاقتصادية، الأمنية والعسكرية.. وتمثل الأطر القانونية لتأسيس هذه العلاقات التجسيد العملي لها في اتفاقيات تتضمن جملة التزامات موثقة وملزمة للأطراف الموقعة عليها، تحدد حقوق وواجبات كل طرف بما يحقق الغاية منها.

 تستند غالبا المصالح إلى وجود قواسم أساسية كافية ويمكن أن تعتبر من قبيل الأرضية المناسبة لصياغة توافق قومي، أو تقارب مذهبي واندماج ايديولوجي، وذلك من أجل ضمان بلوغ مستويات عالية من التنسيق بين الدول في المواقف السياسية أولتجسيد مظاهر حيوية من التكامل الاقتصادي، أو تطوير القدرات العسكرية من خلال التدريبات والمناورات المشتركة وتبادل التجارب والخبرات وتنظيم الندوات والمؤتمرات والدورات التكوينية والتثقيفية في المجال الأمني والعسكري التي تحكمها خلفية مذهبية مشتركة.

أصبحت القضايا الدولية الحساسة لا تطيق الانتظار أو التأجيل فسرعان ما تتأزم العلاقات وتبرز التحذيرات ثم التهديدات، والتصعيد حتى التلويح بالقوة العسكرية، وتلعب طبيعة المواقع الجيوـ استراتيجية لمختلف الأطراف المتحالفة دورا هاما في رسم معالم وآفاق التعاون وتحديد الأدوار في إدارة الصراعات، وفي الغالب والأعم أن تكون هناك قوة سياسية ـ اقتصادية ـ عسكرية كبيرة هي التي تدير سيناريو الأحداث، ولسنا بعيدين عن العالم العربي الذي تشرذمت فيه قوى نابعة منه تحت عباءات وعمائم وصارت حركتها كدوران الإلكترونات حول النواة كلما كانت مداراتها قريبة من النواة كلما كانت أشد، ولكنها ستكون بذلك قد رهنت إرادتها وربما مصيرها بالطرف المحوري، الحاصل الآن أن ثمة من يشتّم طبيعة المواقف ويدرس نقاط الضعف ليحدد واجبات الأطراف الحليفة معه بالشكل الذي يضمن التنسيق فيما بينها ويحقق التكامل لها في منطقة تحيطها ثلاث بحار ويجمع بينها قاسم مذهبي واحد .يمتلك الطرف الأقوى حاسة شم كبيرة لتحديد مواقع الأزمات وأماكن الاضطرابات، ويتمتع برؤية واسعة تستند إلى جهود رصد ومتابعة جيدة لمختلف التحركات، وعليها يتم رسم حدود وحجم التدخل، ويضع لها صيغ الشعارات المناسبة لرفع الحرج وضمان الاستقطاب الشعبي حوله، لقد وجدت القوى المدارية عوامل بقائها في دعم القوة المحورية، ووجدت القوة المحورية في الأطراف المدارية عيون لها تمثل امتداد طبيعيا لبصرها. هكذا طبيعة المصالح عندما تتصالح.

***

صبحة بغورة

(مهداة لمن عبد الصنم الأكبر وأصحاب الأخدود)

وأنا راقد في نومي أشاهد محرقة غزة على شاشة تلفازي الكبيرة، لوح لي بيده المخضبة بالدماء، وقد زينت بحروف عربية، ربما يكون خط كوفي أو الجليل أو المغربي أو المطبعي. ما استطعت أن أعرف منه سوى أنه خط يد كتبت اسما على دراعها " وريث الرنتيسي "، دراع شظية من جسم طفل غزاوي اعترض بيده قنبلة أمريكية تزن 5000 طن من المواد شديدة الانفجار، قائلا لها: هل تخيفني يا خسيسة الصهاينة النازيين الفاشيين الداعشيين؟ كيف لك ذلك وأنا طير من طيور الجنة؟ كيف تخاف طيور الجنة وقد شرفها الله بالشهادة والطفولة معا؟ وأنا أتحداك أن تنالي من روحي المجاهدة. ألا يعلم الصهيوني الغاشم والأمريكي الهمجي؛ من رماني بها أنه جبان بكل اللغات والحروف والخطوط والألوان؟

وأنا أصغي بكليتي الجوانية لتلك الإشراقة الملائكية، كدت أسأله لو لم يبادرني بالسؤال:

ـ أيها الراقد على سرير الجهل، الملتحف بملاءة حرير لم تصنعها لنفسك؛ قل لي كيف حالك، وقد قلت لك أني بخير وألف خير؟

ـ هل أعجبتك مشاهد انفجار جسمي، وسمو روحي؟ ألا ترى أجنحتي الأربع التي كسانيها الله للمعراج السماوي؟

ـ قل لي وأنت النائم الحالم بنتوءات حور الدنيا: هل أنت من شيدت صرح الخوف في ذاتك ورعيتك؟

ـ أنا حي بين أشلائي، أستجمع أنفاسي للرحيل عنكم حيث الشهيد أبي وأمي وأخي وأختي وكل أسرتي وعائلتي ورفاقي وأصدقائي وناس حارتي ووطني، والمجاهد الذي يحميني ويدافع عني؛ فهل حضرت اليوم للرحيل معي، وأنت تحمل بندقية ورغيف خبز لي؟

ـ أيها النائم الحالم بكل القصور والوقود والبخور؛ ما رأيت من بين الجنود رجال الله؟ أكنت نائما منغمسا في التحريض على أطرافي وأحشائي؟

ناجيت نفسي وأنا أفكر فيما قال من شواهد العيان وحقائق الأيام ودسائس الأغنام؛ لكن، ربما أردت وأنا أشاهد تلك الصور التي مرت أمام عيني مستيقظا، القول بالأنعام أو بالنعام. لم أعد أتذكر لأني كنت حينها كالثمل في حانات الأعراب شاربا شرب البعير؛ لا يميز بين الحقيقة والوهم، أو بين الماء والسراب. تائه كالسحاب وهائم كالذباب. والمهم؛ أن لا شيء يهمني سوى ذاتي ونفسي من كل هذا الحضور الباهت وتلك الأسئلة الكوابيس. فلم أعد إلى وعيي إلا مجيبا:

ـ يا حبيبي " وريث الرنتيسي " أنا حضرت إلى عالمي من أنثى، وأحن للأنثى، وأنام في أحضان الأنثى، وأطلب أنثى عندما أرقص مع الأنثى، وآخرتي حور عين أنثى. وفائضها قصر ومال ويخت وطائرة وعسس وخدم وحشم ورقص وطرب وغناء ثم فناء. فلما أحرق نفسي في أتون قوتي، وملذاتي في ضعفي. فلا تحاججني؛ بل، " إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ". حينها سمعته يرد همسا بل جهرا في أذني: " قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ".

ما أنا بفاسقّ طبعا! وإنما هو الغسق الذي أرداني غسقا بالتطبع، وما بينهما مشترك، أنت لن تدركه حبيبي لصغر سنك. وعندما تكبر ستدري أني ما كنت إلا طالب سلامة لا ندامة. فلسفة حياة أدركتها منذ قيل لي: أن هنا بأسا شديدا، ونارا وحديدا، والعم سام وقرده ني. وهناك بلادة وغباوة وجهل وفقر وحوف ومهانة ومذلة، وقاموس إنسان مبتذل، ممسوح الكلمات والأوراق والألوان. يراجع فيه أساطير السيوف والقوافي الخوالي من كل الأحداث والزمان. يتوسده عندما ينهال علي الضرب والزلزال، ويستفيق على قراءة العودة والانبطاح، وما بينهما تراتيل التطبيع وأناشيد سفر الإبراهيمية في معبد البهيمية.

هكذا؛ أجدك يا عمي المغمى عليه؛ ليس لك مني شيئا لأنك لست أنا وأنا لست أنت؛ نحن في نهجين متوازيين باتجاهين مختلفين. أنت من الأعلى إلى الأسفل، وأنا من الأسفل إلى الأعلى، وشتان بين الاتجاهين. لذا؛ ما رأيتك تجمع أشلائي، ولا تقرأ آي القران، ولا تنادي بقتال، بالتحرر، بالنار. فأنت مستسلم خائر القوى تحت الأقدام. فلا تزايد علي بقرارات الهوان.

أنا مازلت أكتب أسماء الشوارع والأزقة في المخيمات والمدن بدمي ولحمي وأطراف جسدي، وأنتصب حارسا للأرض والدور والمباني والأكفان أمام العدوان، وأحارب الجيش المهزوم الخائف من حياتي وأرواح الشهداء مثلي، ونفائس المجاهدين العائدين من محراب الصلاة والدعاء والقنابل، من أوقعوا الصهيون البربري في شرك القتل والفناء والبكاء. ونصبوا له المقاصل والرماح فوق وتحت الرمال، وحفروا له القبور، وختموا له جواز العبور إلى نار الخلود بالمداد والردم والشمع على التابوت، وقراءة أسفار موسى وشروح التلمود على مسامع من أتى إلى غزة غازيا فارتمى على بطنه مسافرا إلى المقابر عبر المعابر.

أيها النائم بين الصوف والحرير، بين الترف والنعيم، بين الجنس والشراب اللذيذ؛ ألا ترى نومي بين البنادق والقنابل، بين الخنادق والأنفاق، بين أشلائي وأحشائي، بين التراب وأنقاض غرفتي، بين دفاتري وسجل اسمي، بين ألعابي ولعابي، بين الساحات والمدارس، بين المساجد والكنائس، بين الهلال والصليب؟ ألا ترى معي أني ناديتك في اليوم ألف مرة ومرة؟ أني راحل بكل التراب إلى التراب! وما أبقيت لك من الرجولة إلا صورة الذكر في قطيع النعاج! وما أدراك ما النعاج؟ عشب وشعير وتبن، وحلب زينة حظائر، بيع وشراء ونقود في جيب المزارع الجبار، وذبح على أعتاب معابد الكلام في المحافل: لك حق الوجود إن عبدت الصنم الأكبر وأصحاب الأخدود، وما لك وجود إن رفعت الصوت بالتنديد والوعيد؛ وما سمعت صوتك من قبل مرتفعا في الحشود!؟ وما أعتقد وأنا أواسي أشلائي وأنقاض وطني، وأناجي سماء مجدي؛ أنك برافع رنين جرس الدار، ودمدمة الطبل. فأنت أضعف وأجبن أن تفعل ذلك كما قيل لي على مصعد السماء، ومعراج الشهداء.

فلما تناديني وأنت بعيد عني بعد السماء عن الأرض، بعد الجهاد عن الاستسلام، بعد العربي عن الأعرابي؟ فأين أنت من محرقتي؟ أغلقت كل الحدود، وجيشت كل الحشود في وجه الشجب والتنديد لكل الشعوب، وشيدت كل السدود متاريس دفاع عن غاصب جاءني بالطائرات وأطنان القنابل، وفتش كل شيء على أعتاب بابك ومنازل جيشك؟ فلماذا تناديني مع كل هذا الخنوع والبرود؟ فلا تناديني، فاليوم يومي إما نار وحديد وقتال أو استشهاد على تخوم الجنة والمعبود، فما أنا سوى طائر في سماء الخلود، أكتب على جدران بيتنا وبقايا الوطن أني هنا حي فوق التراب وتحت التراب، بالنصر أو الشهادة، وباليتم والعزة أعود، وربي المعبود من جلدي يولد الضيف وأبو عبيدة والسنوار وهنية وكل القادة وأترابهم المجاهدون في ساحة الوغى من جديد حتى تحرير الأرض والقدس والقيامة والإنسان. فلا تناديني فأنت لست مني فجلدتك من جلدتهم، فلا تسأل عني فإني بخير وألف خير، فخبرني عن حالك أنت النائم فوق الوهم وتحت الوهم، وما الوهم سوى سراب ضمآن.

هكذا رأيته في يقظتي ورآني في منامه، سابحا في السماء، يضيء الأرض بنور طفولته وبسناء شهادته، وأنا خائف مرتجف من شهب تساقطت على أطراف جسدي، ودائرة وجودي. عجبا لطفل فلسطيني رجل قبل تبيان ذكورتي، وسقوط رجولتي عند أعتاب حروف وجودي المشيد بأحرف: أل الشمسية، وتاء التوبة عن عروبتي، والطاء عنوان طاعتي، والباء باء البقاء في عبودية سيدي، والياء حرف لين في هويتي: التردي، والعين عين الانبطاح والذل والهوان. والباقي رتق للحروف ينادي ألف استفهام واستفهام ...

ثم أردف وهو يدلف باب الحسرة علي: هل عرفت أنك جبان جبن من أجبنك بالطائرات والقنابل والأساطيل؟ فأنت من طينة من أتته طير أبابيل في الفجر بشر مستطير، فتاه من يومه على وجهه يستنجد بالذي يحميه من النشأة إلى يوم الفناء. فهو؛ كالذي تعرفت عليه في ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ١ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ٢ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ٣ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ٤ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ٥﴾، وجمع كل أشلائه في كيس أبيض بياض شهادته، وارتفع ممسكا أيادي أطفال غزة من سكنوا الديار والخيام والساحات والمدارس والكنائس والمساجد والخلاء والوطن، وتشاركوا الحياة والشهادة معه إلى السماء، وقد حامت بهم طيور الفردوس الأعلى، تبشرهم بالحياة في جنة النعيم على ترتيل (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) ... وأما أنا فقد استيقظت على ضحك وقهقه أحبائي بني صهيون وبني أمريكان لبلل أصاب سروالي، وربما تغوطت فيه لكثرة انبطاحي ...

***

عبد العزيز قريش

فاس في: 22/12/2023

بدأت فكرة القبة الحديدية في أعقاب حرب تموز ٢٠٠٦ حينما أصدر وزير الدفاع (عمير بيرتس) الأوامر بتصنيعها بهدف تشكيل درعا من الصواريخ متوسطة المدى. ويقال بان أوامر تصنيعها جاءت مدفوعة كرد على حرب لبنان. بينما نفى خبراء يهود في دولة الاحتلال ذلك الخبر حيث رجحوا أن الهدف هو الصواريخ القادمة من الجبهة الجنوبية (صواريخ حماس).

والقبة الحديدية عبارة عن منظومة دفاعية ضد الصواريخ قصيرة المدى تصل تكلفة الصاروخ الواحد حوالي ٥٠ ألف دولار، وأن الولايات المتحدة الأمريكية شريكة في إنتاج هذه المنظومة. ويقول الباحث الاستراتيجي (رؤوين بدهتسور) (أن القبة الحديدية على الرغم من نجاحها في إسقاط العشرات من الصواريخ التي أطلقت من غزة إلا أن اختبارها الحقيقي يكون إذا أطلقت آلاف الصواريخ على التجمعات السكنية الإسرائيلية فإن نسبة إسقاطها لهذه الصواريخ سوف تهبط ولذا في إطار حرب شاملة فإن القبة الحديدية لن تستطيع ولن تكفي لأسباب اقتصادية وللكمية الكبيرة من الصواريخ التي يملكها (حزب الله وحركات المقاومة الفلسطينية) التصدي لهذه الصواريخ وستنكشف الجبهة المدنية مرة أخرى ولن تستطيع القبة الحديدية حمايتها كما فعلت هذه المرة التي تميزت بإطلاق عدد محدود من الصواريخ لم يتجاوز المئات يوم) ويقصد الباحث ب (هذه المرة) الحرب على غزة ٢٠١٢ التي تسميها دولة الاحتلال ( عمود السحاب).

وفي الحرب الحالية على غزة ٢٠٢٣ لاحظنا أنه ومن خلال ما نشر على وسائل التواصل وشبكات التلفزة أنه ما ان تطلق المقاومة رشقة صاروخية حتى تطلق صفارات الإنذار في مدن دولة الاحتلال ويفعل فورا نظام القبة الحديدية ،لكن سقوط صواريخ المقاومة على هذه المدن مثل مدن غلاف غزة وتل الربيع والقدس وصفد وغيرها وإلحاق الأضرار المادية والبشرية يعلن الفشل الجزئي لهذه القبة ،حيث ان نظام القبة يستطيع اعتراض ما نسبتة ٩٠% غير أنه لم يعترض الكثير من صواريخ المقاومة وهو ما وصفه الخبراء بالأمر الغريب.

كما تناولت وسائل الإعلام خبرا في بداية الحرب مفاده أن المقاومة اطلقت خلال يومين ١٠٤ صاروخ من قطاع غزة وأن مضادات القبة اعترضت ٢٢ منها فقط، حيث سقط ما يقارب ال ٥٠ صاروخا في مناطق مفتوحة في دولة الاحتلال. وقد نقلت ذلك هيئة البث لدولة الاحتلال عن الجيش (بيانات اعتراض القبة الحديدية قيد التحقيق).

وهذا يثبت فشل القبة الحديدية كما قال الباحث (رؤوين بدهتسور) في قدرتها على تلقي هذا الكم من الصواريخ.

***

بديعة النعيمي

 

الأديان تتقدد ولا يوجد دين على وجه البسيطة لم تصبه الإنشطارات الأميبية المتواصلة، ففي كل دين تنشأ مذاهب وفرق وجماعات وفئات ومدارس ورؤى وتصورات، والعجيب في أمر السلوك البشري، أن الصراع بين أبناء الدين الواحد  بإنشطاراته المتناحرة يكون أشد وحشية وقسوة وشراسة من صراع أبناء الدين مع أبناء دين آخر.

ومن الصعب تفسير هذا السلوك التماحقي الفتاك الذي عصف بالأديان، والأمثلة كثيرة ومتكررة، وفي الديانة المسيحية ما لا يحصى من الحالات التماحقية المرعبة ما بين الكاثوليك والبروتستانت، وكذلك في الديانات الأخرى.

ومسيرة الإسلام فيها العديد من التفاعلات القاسية ما بين أبناء الدين الواحد ومنذ بدايات الدين.

ولا تزال الصراعات ما بين فرق الإسلام  المتنوعة في ذروتها، وبين آونة وأخرى تظهر فرق وجماعات تدّعي بأنها تمثل الدين وتريد إبادة الآخرين لأنهم من الكافرين والمتآمرين والخارجين عن الملة أو الجماعة، وتهمة الزندقة معروفة في تأريخ الإسلام.

ويبدو أن الأديان في جوهرها العميق، ربما  تعزز نزعات الغابية المتوحشة عند البشر، وتحرره من المسؤولية وتميت الضمير، لأنها وكأنها تمنحه التفويض الإلهي لإرتكاب الآثام والخطايا، لأنه ينفذ أمر ربه الذي يعبد، وبما يقوم به يتقرب إليه، ويؤكد صدق إيمانه وقوة إنتمائه للدين بقتل إبن الدين الذي لا يرى مثلما يرى.

ولعبة الفرقة المحظوظة موجودة في جميع الأديان، وتتسبب بتماحق أبناء الدين الواحد، فكل فئة أو فرقة تدعي بأنها ستفوز بجنات النعيم وغيرها إلى الجحيم، وعليها أن تقتل غيرها، لأنها هي المنزهة المنصورة المؤيدة الموعودة بالجنان، وغيرها ستلتهمه النيران، وهي من نسج الغيوب ولا دليل قاطع عليها، فالغيب سلطان وبموجبه تتصارع الأديان ، وتتهاوى بنيان الدين بتدمير الأركان، فكأن الدين قتّال شديد لإبن الدين بعد إخراجه من كينونته الإنسانية، ووصفه بالمروق والعدوانية فيكون قتله من الإيمان السليم!!

فقل عاش قناع الدين!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم