أقلام حرة

أقلام حرة

  من المضحك المبكي أن في إحدى الدول المتقدمة، زار وزير الصحة مشفى للأمراض العقلية لتفقد أحوال النزلاء هناك، ورافقه في تجواله أحد أطباء المشفى، وبينما هما في تجوالهما بادر الوزير بتوجيه سؤال الى الطبيب مستفسرا: كيف تميزون العاقل من المجنون؟

فرد عليه الطبيب: نأتي بـ (بانيو) ونملأه ماءً ونضع أمام المريض ملعقة وفنجانا ودلوا، ونطلب منه تفريغ البانيو من الماء، وبسرعة بديهة قال الوزير بثقة تامة: من المؤكد ان العاقل سيختار الدلو والمجنون يختار الملعقة او الفنجان، أليس كذلك؟

فرد عليه الطبيب: كلا يامعالي الوزير، فالعاقل يرفع سدادة البانيو.

  هنا أرى أن الوزير استخدم عقله فقط، ولم يستند الى الحكمة والروية في استنتاجه ذاك، فالعقل وحده قابل للخطأ والاشتباه، ومن دون الحكمة يكون اللبس والالتباس أقرب اليه من التشخيص الدقيق والتحليل الصائب. فالحكمة إذن، هي دليل نضج العقل وبلوغه حدا، يمكـِّنه من قراءة ماتؤول اليه الأمور من نتائج، واستباقها بحلول في حال قصور العقل عن بلوغها بمفرده، وبذا تكون الطرق سالكة للوصول الى الحلول الناجعة والمجدية.

  لاأريد بما تقدم تشبيه ذاك المشفى بما أبتغي الوصول اليه في سطوري هذه، لاسيما ان ما أبتغيه من خلال منبري هذا، هو طرح رأيي كمواطن عراقي في شأن عراقي بحت. فقد كثرت في الآونة الأخيرة بين ظهرانينا، أحداث لايقوى العقل وحده على مهمة تحليلها وتأويل نتائجها، مهما بلغ وسع إدراكه وسعة أفقه، بدليل ان النتائج طالما تأتي عكس كل توقعات العقول وتنبؤات ذويها. آخرها -وأتمنى ان تكون خاتمتها- الانتخابات وقانونها ذو الجدل، وما أعقبته من تداعيات وروائح نتنة، بلغ فيها الهرج والمرج مايجسده مثلنا: (ما تعرف رجلها من حماها). إذ تتوالد بين ليلة وضحاها مستجدات، هي في حقيقة الأمر طلاسم وفوازير، يشوبها الغموض وتطغى على تفاصيلها الضبابية، والمواطن -الناخب والمقاطع على حد سواء- ما عاد يدرك الصالح من الطالح من الذين اصطبغت من أجلهم سبابته، فهو بين مصدق مواعيدهم ومكذبها، وبين متأمل خيرا ويائس حد القنوط، وقطعا لم يأتِ هذا من خواء.

  وبين هذا وذاك، يستذكرون جميعهم العمليات الانتخابية السابقة، والتي مافتئ المواطن -لاغيره- يتحمل نتائجها المريرة حتى اللحظة، ومازال هو وحده الخاسر الأول والأخير فيها، في وقت كان يتأمل من كل واحدة من العمليات، أن تعديلا جذريا سيشمل حياته يوميا وتفصيلا، مأكلا ومشربا وملبسا ومسكنا، فضلا عن أمنه وأمانه على حاضره، واطمئنانه على مستقبله.

  إن تعديل مسار المجلس التشريعي، ليعقبه بعد ذلك مجلسه التنفيذي، بات رهين العملية الانتخابية، وللأسف هو حلم غير قابل للتحقيق، وبصيص الأمل الذي كان يحدو المواطن طيلة العقدين المنصرمين، بات واضحا أنه سراب لا يروي ظمآنا، بالدليل والبرهان علاوة على التجربة.

  وبعودة الى الـ (بانيو) واستخدام الحكمة في كيفية تفريغه مما يحتويه، فإن الحل الأنسب والأجدى في ظرف بلدنا الراهن والحرج، هو رفض أساليب المحاصصة بجميع صورها رفضا قاطعا، وتهميش الأحزاب أول الأمر بعيدا عن تمثيل المواطن، ذلك لأنها أثبتت تمثيلها الأناني والمنحاز الى مآربها وأجنداتها لا غير، ليعقب هذا ركلها خارج أسوار المؤسسات، وإبعادها عن المناصب لاسيما القيادية والسيادية منها، وفتح منافذ الخروج لعناصرها وآلياتها وخططها ومناهجها وأهدافها، ودفعها فيها كما تدفع المياه الآسنة في مجاري التصريف، وبغير هذا تبقى الأحزاب تجر المواطن من خراب إلى خراب، ولايأبه قادتها إلا بما يخص جيوبهم، وملؤها هو شغلهم الشاغل، متمسكين بنظرية: "ماطول بالنخلة تمر ما اجوز من شرب الخمر".

***

علي علي

يشهد عصرنا الحديث ظاهرة الاستبداد او ما يسمى الاستفراد بالسلطة والتحكم برقاب الناس والاستئثار بخيرات الشعب، وتتجلى نزعة الاستبداد التي تعتبر من ظواهر الاجتماع السياسي عند الرؤساء الذين تأتي بهم الصدفة الى هرم السلطة او يصلون اليها عن طريق الانقلابات العسكرية او التآمر مع قوى خارجية وهؤلاء الذين عادة ما يكونون بلا تاريخ سياسي أو خبرة في الادارة بأشكالها كافة عندما يصلون الى السلطة وينعمون بخيراتها وتطيب لهم امتيازاتها يشدون العزم على فعل كل شيء من أجل البقاء فيها، فتراهم يسخرون موارد الدولة ويزيدون من عسكرتها ويخرقون القوانين وكل ما يفعلونه هو من أجل توطيد وحماية أركان سلطتهم، كما انهم يتصرفون مع شعوبهم على انهم آلهة طاعتهم واجبة وتقديسهم فرض، ومثل هؤلاء للأسف باتوا يمثلون القاعدة ولكن التاريخ يحدثنا عن القليل الذين يمثلون الاستثناء أولئك الرؤساء الذين تمتعوا بكاريزما خاصة جعلتهم قريبين من شعبهم ويحظون بحبه واحترامه وهذا الصنف من الرؤساء يدركون انهم موظفون في الدولة لهم حقوق وعليهم واجبات ولا يختلفون عن غيرهم من الموظفين الا في الموقع الوظيفي ونوع الواجبات وبالتالي وجودهم في موقع المسؤولية هو لخدمة شعوبهم وليس لاضطهادها، وقد وجدنا في سيرة عدد من الحكام دروسا في التواضع والأمانة والزهد، فمن تجارب الحكم العربية لا يمكن ان نغفل تجربة الرئيس عبد الكريم قاسم التي تركت أثرا طيبا عند جمهور واسع من الشعب العراقي فهو زعيم وطني مخلص وزاهد اقترب كثيرا من هموم الطبقات الكادحة والفقيرة واتصف بالبساطة والتواضع في السلوك اليومي ولعله الحاكم الوحيد الذي اعطى للدولة ولم يأخذ منها وذلك عندما تبرع بدار والده لإنشاء مدرسة ثانوية ما تزال قائمة في مدينة الصويرة، وكذلك الحال مع الزاهد في السلطة الرئيس السوداني عبد الرحمن سوار الذهب الذي انسحب من رئاسة السودان بعد تسليم السلطة الى الحكومة المنتخبة دون اراقة قطرة دم واحدة، ودرس آخر في الزهد ونظافة اليد نستمده من تجربة رئيس أوروغواي السابق خوسيه موخيكا الموصوف عالمياً أفقر رئيس في العالم الذي فضّل العيش فترة توليه رئيس للأوروغواي بين عامي 2010 و2015 في بيته الريفي على البيت الرئاسي وبلا حراسة أمنية مشددة كبقية رؤساء العالم، كما انه لم يحتفظ سوى بـ10% من راتبه الذي يبلغ شهريا 12 ألفا وخمسمئة دولار أميركي ويتبرع بالباقي لفائدة الجمعيات الخيرية،  وليس لديه أية حسابات مصرفية ولا ديون، وأغلى شيء لديه وفق تصريحه هو سيارته القديمة من طراز "فولكس واكن"، ونظرا لارتباطه بالفقراء فقد خصص بعض أجنحة القصر الرئاسي لإيواء المشردين بعد اطلاعه على عدم كفاية طاقة استيعاب المراكز المتوفرة بالبلاد مثلما رفض استلام على أي راتب تقاعدي عن فترة خدمته. وهذه السيرة تشبه الى حد كبير مع ما حدث مع المستشارة الالمانية " ميركل " التي عادت للعيش في شقتها البسيطة بعد 16 عام قضتها في السلطة، وهناك من الرؤساء من ضرب مثلا رائعا في التواضع والحرص على المال العام فرئيس وزراء هولندا يذهب الى دوامه الرسمي على دراجة هوائية بدون موكب وحمايات كذلك الحال مع رئيس وزراء بريطانيا الذي يذهب بنفسه للتسوق على دراجته الهوائية ويقف في الطابور حاله حال المواطنين الاخرين.

ان ما نشهده اليوم من فساد وكوارث انسانية وشعوب مقهورة تعيش حالة مؤسفة من التخلف الاجتماعي والتدهور الإنساني في أوضاعها الأمنية والاقتصادية وغياب الدولة يضاف اليها حملات التجهيل الثقافي والمعرفي تعود اسبابها الى ان رجل السياسة السيء الذي عاش سنوات من الحرمان عندما يصل الى السلطة يتنكر لماضيه فلا يفكر الا في مصلحته الخاصة ولو كان تحقيقها يحتم اتباع وسائل غير اخلاقية وغير مشروعة وذلك باستغلال السلطة للسرقة والانتقام، في حين هناك من يفاخر انه جاء من اسرة فقيرة ووصل الى ما وصل اليه وهو ما حدث مع الرئيس البرازيلي " لولا داسيلفا " لدى اعتلائه المنصة لألقاء خطابه الاول بعد فوزه في الانتخابات فقد صعد المنصة وبيده حذاء وقال وصلني اليوم هذا الحذاء هدية من عمدة مدينة فرانكو واعرف انه يريد ان يذكرني انني ربما مسحت له يوما حذاءه عندما كنت أعمل ماسح أحذية وأنا طفل صغير وهذا شرف عظيم لبلدنا ان يصبح ماسح الأحذية رئيسا للدولة وذلك خيرا من ان يصبح رئيس الدولة لصا ينهب أموال شعبه.

والمعروف عن الرؤساء انهم يبالغون في ابراز مظاهر الهيبة والوقار من خلال سلوكهم السياسي والاجتماعي فلا يظهرون الا بوجه متجهم وجدية صارمة ويعتقدون الظهور بهذا الشكل من سمات الشخصية المهمة وتزيد من سطوتهم على الشعب في حين هناك من الرؤساء من يتصرف كانسان عادي يمازح ويشاكس ويتعامل باللين ويلجأ الى الطرفة حين يستوجب حضورها، يروى عن رئيس وزراء بريطانيا الأشهر ونستون تشرشل الذي عرف بذكائه الحاد في الحياة السياسية والاجتماعية اضافة الى سرعة البديهة لديه، ان مواطنا اقتحم موكبه وهتف في وجهه قائلا: أنت غبي. فاعتقلت الشرطة المواطن وقادته الى السجن، واستدعى البرلمان تشرشل وسأله احد الاعضاء غاضبا: هل يجوز ان تعتقل الشرطة مواطنا وتضعه في السجن لمجرد انه قام بسبك؟.

فأجاب تشرشل: الشرطة لم تعتقله لأنه سبني، بل لأنه أفشى سرا من اسرار الدولة !! فضجت قاعة البرلمان بالضحك والتصفيق.

للأسف لم يقدم تاريخنا السياسي العربي رئيسا تحلى بالحكمة والأمانة والعدل واكتسب الهيبة وحب الناس له من خلال تواضعه ونزاهته وقربه من هموم شعبه الا ما ندر.

***

ثامر الحاج امين

المطالبة بدولة فلسطينية منزوعة السلاح الى جوار دولة نووية منزوعة القيم والشرف والإنسانية والأخلاق لا تعترف بحدود لها رغم انقضاء ثمانية عقود على انشائها او لنقل زرعها في قلب الامة العربية، امر غريب ومستهجن من قبل رئيس اكبر دولة عربية كنا نعتقد انها تشد الازر وتعين على المصائب، المؤكد ان ما تفوّه به السيسي  يمثل راي غالبية حكامنا اليوم الذين كل همهم المحافظة على عروشهم وارضاء اولياء نعمتهم ، تفاهات نجزم انها صدرت عن حكام كانوا سبباً مباشرا لهذا العدوان الشرس الذي قضى على الحجر والبشر بجبنهم وتخاذلهم والمقاومة الوطنية الاسلامية  في اوج تألقها وانتصاراتها وعنفوانها .

ها هي فلسطين اليوم تمر بأصعب مراحلها، يقف الفلسطينيون وحدهم يواجهون أقوى الجيوش في العالم ممثلة في الصهاينة وأمريكا والغرب وبعض الأنظمة المهزومة والمطبعة، فأين المجتمع الدول وأين القانون الدولي؟ وأين حقوق الانسان وحرية تقرير المصير لأكثر من ثمانية عقود. أم أن الفلسطينيين ليس بأناس ولم يرتقوا الى ذلك بعد، كما قال وزير دفاع الصهاينة عن الشعب الفلسطيني بانه “حيوان بشري” ويستحق أن يعامل بقدر ما هو؟ ان ما ذكره السيسي يؤكد ان الطبخة المجهزة مع دوائر اقليمية ودولية أخرى خطيرة قد استوت ويريد منا السيسي أن نضيع تضحياتنا على مدى عقود الاحتلال والتشريد.

لن يقبل الكيان المحتل بدولة منزوعة السلاح تحت اشراف اممي في حدود 67، فهو يماطل للاستحواذ على المزيد من الاراضي لأجل توسيع المستوطنات واستجلاب المزيد من الصهاينة ،فالشعارات اثبتت فشلها والانظمة العربية اصبحت بعد تحييد او لنقل تقييد وتكبيل مصر، عاجزة عن الحرب واسترداد الحقوق بالقوة، وان مبدا الارض مقابل السلام الذي قدمه العرب على طبق من ذهب التهمه العدو والقى بالطبق في وجوه حكامنا، الذين اذلوا انفسهم على ابواب العواصم الاوروبية وامريكا استجداءا للسلام المزعوم، الذي يعني الخنوع لهؤلاء الفرنجة، لقد كان بإمكان الحكام العرب ان يمتلكوا القوة العسكرية من خلال دخول مجالات التصنيع بمختلف انواعها، وكذلك ولوج عالم الذرة فهم يمتلكون الاسباب المادية والعلمية والطاقة البشرية التي تجعلهم امة يحسب لها، او من خلال اقامة التحالفات الدولية الحاسمة والفاعلة في المنطقة.

ظن الجميع بمن فيهم الحكام العرب الخانعين المتآمرين على الشعب الفلسطيني، انه بموت الرعيل الاول او توزعه القسري في الشتات سينهي القضية، لكنهم خسئوا وباؤوا بالفشل الذريع ،لقد توارثت الاجيال المتعاقبة خاصة الذين ولدوا تحت نير الاحتلال وجبروته، جينات حب الوطن والذود عنه بكل الامكانيات،بما فيها تقديم الارواح قربانا له، لكي ينعم من يتبقى على قيد الحياة بالأمن على حدود كامل تراب فلسطين التاريخية من النهر الى البحر، وليعش اصحاب الديانة اليهودية غير المتصهينين بالبلدان التي ولدوا بها .

تحية للمقاومين في غزة بمختلف توجهاتهم السياسية والفكرية والذين جمعهم حب الوطن، الذين اثبتوا لمن يدعون صداقتهم قبل عدوهم انهم مؤمنون بالقضية ولا يهابون الموت بل يتقدمون الصفوف والالتحام المباشر مع الصهاينة (المسافة صفر) وتحية للمقاومين في الضفة الذين يعيشون في سجن تقوم بحراسته سلطة تعمل لصالح العدو، حيث اعلن راس السلطة قبوله بالمقترح.

تقف البوارج وحاملات الطائرات من مختلف الدول الاستعمارية امام اعينهم، فلم ترهبهم، بل زادتهم ايمانا بعدالة قضيتهم، ما اصغر العالم وما اكبرك يا غزة.

***

ميلاد عمر المزوغي

القرار الذي اتخذته اجمعية العامة للأمم المتحدة هوانسحاب إسرائيل من الجولان المحتلة منذ 1967، وبإجماع 91 دولة غربية، ووافقت المملكة العربية السعودية على القرار، وشاركت في صياغة القرار مجموعة من الدول، من بينهم الجزائر، فنزويلا، مصر والأردن والعراق وقطر وكوريا الشمالية وكوبا والكويت ولبنان وموريتانيا والإمارات العربية المتحدة وسوريا وتونس.، بعد أن كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد وقّع في عهده مرسوم اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على الجولان، والجولان تحكي قصة هضبة سورية احتلتها إسرائيل منذ الستينيات وجعلتها مستوطنة يهودية، وتهدف إلى إعمارها باليهود ومضاعفة عددهم حتى العام 2030 .

 وكانت الجولان تستقبل لاجئين فلسطينيين ما جعل إسرائيل تجعلها من المناطق الأكثر استهدافا، حسب التقارير (المرصد السوري لحقوق الإنسان)، فمنذ الحرب على غزة استهدفت إسرائيل البنى التحتية للجولان السوري وبخاصة منطقة منطقة حوض اليرموك، على اساس انها مواقع إرهابية، القرار طبعا يعتبر قرارا سياديا تتخذه جمعية الأمم المتحدة، لولا أنها ملزمة بأن تبادر إلى اتخاذ قرار آخر تطالب فيه إسرائيل الإنسحاب من غزة، وتكون عملية الهدنة الممتدة نقطة انسحاب إسرائيل من منطقة غزة، حتى تمكن أهلها من العودة، فالشعب الفلسطيني لا يزال يتعرض للاعتداء والعدوان منذ أكثر من 75 عامًا، وقد حان الوقت لأن تتخذ الأمم المتحدة في جمعيتها القادمة قرارا مماثلا للقرار التي اتخذته في قضية الجولان السوري.

 كما على الدول العربية التي وقّعت على وثيقة الأمم المتحدة أن تطالب هذه الأخيرة، بل تضغط عليها لإصدار قرار بانسحاب إسرائيل وتوقيف القصف على غزة، بعد انتهاء مدة تمديد الهدنة، فلا فرق بين الجولان وغزة،  لأن معركة العرب ضد الصهيونية هي معركة واحدة ولذا على الدول العربية الغير مُطَبَّعَة أن تلتقي داخل دائرة واحدة، لإنهاء الحرب التي أعطيت لها طابعا هستيريا عدوانيا، طالما لها قواسم مشتركة عديدة في الدين واللغة والمواقف، وعاشت نفس الأزمات، وإلا فإن الأمور ستبقى متذبذبة ومعقدة سواء في الجولان أو في غزة أو في أي منطقة تحتلها إسرائيل.

***

علجية عيش

الفرص تتفجر من بطن الازمات والكوارث، كما تتفجر الينابيع من باطن الأرض لتحي الأرض بعد موتها، والحقيقة ان معظم أراضينا العربية تواجه شبه الموت الاقتصادي في العقود الاخيرة بفعل اعتمادنا على السلع المستوردة من الخارج في كل مفردات حياتنا اليومية من مأكل ومشرب، ودواء وتجميل وزينة .

في المقابل هجرنا صناعتنا المحلية وجعلناها على الهامش، والأنكى من ذلك كله ان الكثير من الصناعات المحلية في أوطاننا العربية من شركات ومصانع تعمل بنظام الفروع للبراندات الماركات والعلامات التجارية العالمية مما جعلنا تابعين في اقتصادنا لهذه العلامات .

ومن رحم مأساة غزة المحاصرة، تفجرت الفرصة لمناصرة شعبها الصامد على الأرض بسلاح مقاطعة شعوبنا للسلع والمنتجات الغربية لدعمها لسلطات الاحتلال الاسرائيلي في تدمير غزة وشعبها، وتوسعت حملات المقاطعة لإحياء البديل الوطني من المنتجات المحلية العربية .

هذه المقاطعة التي خرجت من رحم آلام شعب غزة، وأدارتها الشعوب العربية من بواعث أخلاقية ودينية وانسانية تحتاج الى استغلال حكيم من جانب الحكومات والمسئولين ورجال الأعمال العرب وتوظيفها لدعم الاقتصاديات الوطنية من خلال ثلاث محاور هي :

المحور الاول يركز على : التوسع في رقعة الانتاج الزراعي والصناعي العربي، وضخ الاستثمارات  الوطنية  بهذين الحقلين بدلا من استثمار رجال الاعمال العربي أموالهم بالخارج .

ويمكن لكل قطر عربي انتاج السلع التي يحتاجها شعبه من غذاء ودواء وصناعات وطنية بما يشجع الصناعة المحلية  وبعثها حية مجددا كصناعات الملابس والاغطية والمفروشات والمنظفات والمطهرات وأدوات المائدة وغيرها، على ان  يتم ذلك بخطط مدروسة وبعناية فائقة لتؤتي ثمارها بسرعة تحتاجها أوطاننا . على سبيل المثال لا الحصر

فالصمغ العربي  الذي يتواجد 70 % منه عالميا  بالسودان يمكن للتعاون العربي في استثماره عربيا بإدخاله في العديد من الصناعات كالطباعة وانتاج الطلاء، والغراء، ومستحضرات التجميل والعديد من التطبيقات الصناعية الدوائية والغذائية .

 والرمل المصري الموجود في سيناء  يعد من أنقى انوع الرمل بالعالم، وهو يمكن توظيفه في تصنيع أشباه الموصلات والسيليكون اللازم لتصنيع  الرقائق الاليكترونية .

وتشتهر اليمن بزراعة البن وبعسل النحل الجبلي ويمكن تطوير هذه الزراعات والتوسع فيها وزيادة انتاجها محليا كسلع تنافسية تزدهر بها اليمن، ويمكن اقامة عدد

من المشروعات الصناعية القائمة على منتجاتها محليا .

المحور الثاني :  يركز على استغلال سلاح المقاطعة في دعم الصحة  العامة بدولنا العربية، بالاعتماد على المواد الخامة الصحية المتوفرة في بلادنا مثل استبدال الصابون المستورد والمصنوع من مواد كيمائية بمكونات وطنية لإنتاج الصابون من الغار وزيت الزيتون مثل الصابون النابلسي، واستبدال البيبسي كولا التي تحتوي كل علبة منها على ما يعادل عشرة معالق سكر، بمشروبات محلية قليلة السكر، وبذلك نمنع أمراض السكر والضغط والكوليسترول وتوابعها في بلادنا  فالمقاطعة لهذه المنتجات الضارة ستؤثر ايجابيا على صحة الناس .حتى انني شاهدت فيديو لرجل امريكي يؤكد وجود لحوم بشرية خاصة لأطفال في لحوم احد المطاعم العالمية المشهورة جدا والتي تم مقاطعتها حاليا بسبب دعمها الصريح للحرب على أطفال غزة.

وأيضا التوقف عن شراء اللحوم المجمدة والمصنعة المستوردة من الخارج والتي لا نعلم طريقة ذبحها وفق الشرائع السماوية أم لا؟ ولا نعلم طريقها هرسها وفرمها بجلدها وعظامها أم لا؟ !!! والعودة لطريقة  أهالينا في شراء اللحوم الطازجة من  الجزار وفرمها أمام أعيننا لضمان سلامتها وجودتها الصحية .

أما المحور الثالث : فيعتمد على قدرة رجال الاعمال الوطنيين في استثمار المقاطعة بضخ اموالهم في استثمارات زراعية وصناعية تقدم بدائل للمنتجات المستوردة وبجودة لها قدرة على المنافسة العالمية، وهو من شأنه ان يحفظ أموالهم  داخل  الوطن بدلا من استثماراها بالخارج وحمايتها من التعرض لمخاطر خارجية، ومن شأنه أيضا فتح مجالات عديدة من الانشطة التجارية الصناعية التي تستقطب الأيدي العاملة المحلية بما يقضي على البطالة، وايضا يقلص الاعتماد على العملات الاجنبية خاصة الدولار، ويقوي العملات الوطنية  .

 في تصوري، لو أننا أحسنا استغلال سلاح المقاطعة على هذا النحو فانه بإمكاننا ان ندعم اقتصاداتنا الوطنية بما يقوي مركزنا السياسي في العالم الذي يتخذ من مصادر القوة الاقتصادية مرتكزا لقوته السياسية والعسكرية وفرض قراره على الدول النامية .

ويجب الا نغفل أبدا عن حقيقة ان الصهاينة سيطروا على المجتمع الدولي بسلاح الاقتصاد والمال والاعمال، وبسطوا ايديهم على السوق العالمي وفرضوا كلمتهم القوية عليها من خلال سيطرتهم على البنوك والصناعات.

فعائلات روتشيلد وروكفلر ومورجان  دوبونت وبوش وغيرها ممن يسيطرون على الاقتصاد العالمي هم انفسهم الذين يتحكمون في صعود المرشح الرئاسي لقيادة القوى العظمي الامريكية .

من هنا يظل دعم اقتصاديتنا الوطنية ضرورة رئيسية في حماية أمننا الوطني والقومي، ولدينا كل مقومات النهوض الاقتصادي مواد خام من غاز ونفط وذهب ومعادن وغيرها يمكن توظيفها في صناعات محلية تلبي احتياجات سوقنا العربي الكبير، ويمكن ايضا الاستفادة من أبنائنا الذين تلقوا احدث نظم التعليم بالخارج وتوظيف علومهم في تطوير منتجاتنا الوطنية .

أتصور ان صناعتنا الوطنية العربية ترتكز على أرضية صلبة من مقومات الصناعة الحديثة، فالكثير من الدول العربية التي حققت طفرة في الصناعات الهندسية مثل الغسالات والثلاجات والمواقد وغيرها بأيدي وطنية ومستعينة بخبرة أجنبية، وقد تشربت الأجيال العربية هذه الخبرة وباتت تطور عليها، ويبقي علينا توطين هذه الصناعات محليا وضخ  استثمارات وطنية في تطويرها  بجودة عالمية لتلبي احتياجات الداخل  العربي والباقي يجد طريقه للسوق العالمي . كما ان صناعة الدواء في الأردن صناعة يشهد لها العالم من تطور وتقنية عالية.

ولابد من مواكبة التحول للإنتاج المحلي زيادة الاهتمام بالبحوث العلمية والصناعية وتوظيف نتائجها في تحقيق طفرة صناعية بأوطاننا العربية، مع نشر الوعي الاعلامي التسويقي بالمنتجات الوطنية ، والعمل في تغيير انماط الاستهلاك  والتسوق في دولنا العربية لكي تتسق مع المنتجات المحلية القومية .

وتحقيق هذا الهدف الاسمي من نهوض صناعتنا واقتصاديتنا العربية مرهون بتوافر جملة من الشروط المهمة منها توافر دعم حقيقي من الحكومات والقطاع الخاص لتقديم منتج جيد الصنع وبسعر تنافسي .

 ***

سارة طالب السهيل

عن الوضع الراهن في فلسطين المحتلة والمشرق العربي

تستمر عملية تبادل الأسرى بين الفلسطينيين وقوى الجيش الصهيوني المحتل، مع بروز الفارق الإنساني البشري الواضح بين عملية تعامل الفلسطينيين مع أسرى معركة طوفان الأقصى من مواطني ما تسمى بدولة إسرائيل من جهة ومعاملة جنود النجمة السداسية للمحتجزين والرهائن من الأطفال والشبان الناشئين والنساء من الشعب الفلسطيني من جهة ثانية. لماذا أصر على كلمة محتجزين أو مخطوفين أورهائن لدى العدو الصهيوني؟ سأوضح ذلك. معنى كلمة (سجين) هذا المصطلح الذي تستعمله مصلحة السجون الصهيونية يشير أن هذا الإنسان رجلا كان أم إمرأة - إنسان بلغ سن الرشد وقام بجنحة أو جريمة  يعاقب عليها القانون، وتمت إدانته بتهمة قدمت إليه، وبعد صدور الحكم بحقه، ها هو يقبع في السجن . بينما كل الذين أفرج عنهم من الفلسطينيين، وعشرات بل آلاف الفلسطينيين غيرهم تم إعتقالهم بأمر إداري - أي دون إبراز لائحة الإتهام لهم، أي بعبارة أخرى هم رهائن لدى قوى القهر الصهيونية، كونهم يرفضون نظام الأبارتايد - اي نظام التمييز العنصري، الذي تمارسه قوى الإحتلال من سلطات مدنية أو تشريعية أو بوليصية أو عسكرية، منهم من قبض عليه في بيته، ومنهم من جروه من مقعد الدراسة في مدرسته، ومنهم من أخذوه من صفوف مظاهرة إحتجاج على إحتلال بلدته وأرضه،  وحرمانه لكرامته وسيادته على أرضه...ما يلفت الإنتباه أن بين الرهائن في سجون الإحتلال من النساء والناشئين كثيرون من تلاميذ المدارس، ممن لم يبلغوا بعد سن الرشد. عندما نتحدث نحن هنا أمام مواطني روسيا الإتحادية أن سلطات الإحتلال الصهيوني هناك تقوم بإعتقال أطفال دون سن المدرسة، ودون سن الرشد لا يصدقوننا، جاءت أحداث طوفان الأقصى، وجاءت عملية تبادل الأسرى كي تثبت للعالم قولنا الصحيح هذا.

هناك طفلة فلسطينية من حارة الشيخ جراح ترفض مصلحة السجون الإسرائيلية الإفراج عنها كي لا تثير غضب المستوطنين، الذين في مشاريعهم ترحيل سكان هذا الحي. أما الطفل  الأسير محمد نزال من قرية قباطيا، تم الإفراج عنه ولكن بعد أن حطمت العصابة الصهيونية في السجن حطمت يديه، وأصابعه تحت أثر ضربهم القاسي له بهراوات من حديد، سمعته وهو يتحدث، حيث قال: كنت لا أقدر على الأكل أو الشرب، بل زميل لي كان يطعمني. أما عن معاملة الأسرى من قبل زلم مصلحة السجون الصهيونية فحدث ولا حرج. تخجل زنازين إس إس و أقبية الغيستابو في ألمانيا النازية أمام سلوك رجال السجون في معتقلات الصهاينة، بل يخجل  زلم سجن أبو غريب. كلنا يعرف همجية معتقلات ألمانيا النازية ومعاملة زلم تلك المعتقلات للأسرى والمعتقلين من أبناء الشعوب الأخرى، قساوة رجال القهر وزلم سجون دولة الإحتلال الصهيوني تساوي قساوة زلم إس إس وغيستابو في ألمانيا النازية.المثقف والمطلع على تاريخ الحرب العالمية الثانية يدرك الأسباب والخلفيات الفكرية التي يغذيها فكر التفوق العنصري، والنظرة الدونية نحو أبناء الشعوب والقوميات الأخرى من قبل النازيين، لا غريب في الأمر هنا فالجندي الصهيوني يتشرب فكر التفوق القومي، والعنصري منذ أيام الحضانة والطفولة، ويتشرب ذلك من كتب التاريخ والفلسفة الصهيونية،هذا الوزير الصهيوني أو ذاك يقول بشكل طبيعي موجها كلامه نحو العرب أبناء فلسطين: "أنتم حيوانات بشكل بشر، وعلاقتنا بكم ستكون من هذا المنطلق". هذا هو الفكر المبني على كراهية تجاه كل من هو ليس صهيونيا......

في كل دولة في أوروبا أو أمريكا وغيرهما  يحق للمواطن التحدث بكل حرية عن أي حزب سياسي، ويحق له أن ينتقد أي حركة سياسية في أي دولة أو قطر في العالم، ونظرة الناس والمجتمع نحوه ستبقى ضمن الأمور الطبيعية، ويقولون عنه :إنه إنسان سوي وطبيعي، ولكن يكفي لرجل أم إمرأة أن يقوم بالحديث عن سلوك الحركة الصهيونية، والجرائم التي يقوم بها رجال هذه الحركة من قتل وإغتصاب، وتدمير منازل، وأحياء بالجملة كما شاهدنا أثناء هذه الحرب في غزة ستلصق به عبارة  (معاداة السامية).

تسمع في الأخبار هنا وهناك أن حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي وغيرها وغيرها أنها  حركات راديكالية – إرهابية!!!!. أطرح هنا السؤال الذي طرحه الرئيس الروسي السيد فلاديمير بوتين – (ماذا أبقت السياسة الدولية بزعامة أمريكا، ماذا أبقت من حقوق للشعب الفلسطيني؟) لقد إنتظر الشعب الفلسطيني 30 عاما لإقامة دولته المستقلة. وماذا قدمت السياسة الدولية بزعامة الغرب وأمريكا سوى الوعود، بل الوعود الكاذبة. صدرت قرارات هامة بل العشرات من قرارات الأمم المتحدة حول حق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة، ولكن دولة إسرائيل لا سمعت ولا رأت. وكما يقول المثل الروسي الشعبي: مهما صرخنا على القط (فاسيا) فهو يأكل ويشرب، ولا عنده أي هم  من صراخنا.

هناك تناقض واضح في صناعة الخبر لدى بعض المحطات في وطني الثاني - روسيا الإتحادية.عندما تقوم القوات النازية الجديدة  في أوكرانيا بقصف البيوت، والأسواق، والمشافي، والجامعات، والجسور، والمؤسسات المدنية، في الدونباص او جزيرة القرم، وتقوم باغتيال المدنيين تسمي هذه المحطات الروسية، وهي محقة بذلك، تسمي هذا السلوك إرهابا. وأنا لا أختلف مع هذه المحطات في ذلك. ولكن عندما تقوم قوى الجيش الصهيوني بأعمال هي أكثر بشاعة، وأكثر تدميرا، في غزة أو الضفة من تدمير ممنهج للمنازل - مربعا بعد مربع، وحيا بعد حي، وبناية بعد بناية لا تقوم محطات روسية معينة بتسمية الأمور هنا بأسمائها، بل تغض الطرف، وتغمض العين عن ذلك، وتسمي هذا من الأمور التي ترافق أي عمل  حربي. هنا يمكن لي أن أقول وبكل صراحة: أن صناعة الأخبار في بعض محطات البث في روسيا الإتحادية لا تعكس موقف وزارة الخارجية الروسية، ولا تعكس موقف السيد الرئيس فلاديمير بوتين، بل هي خدمة مقدمة الى اللوبي الصهيوني.

إذا كان القهر في السجون والمعتقلات الصهيونية يوجد وراءه هدف -  وهو ترهيب العرب الفلسطينيين، وجعلهم يستسلمون للحكم والاستبداد الصهيوني. فإن تدمير البيوت في غزة والضفة وغيرها من المواقع في فلسطين المحتلة، مع أسلوب القتل الجماعي، بل منهج الإبادة الجماعية فوراءه هدف وهو - التهجير أي ترانسفير إلى سيناء والأردن وحتى إلى لبنان والعراق. نستنتج من ذلك أن وراء كل شكل من أشكال القتل، أو القهر، أو الإغتصاب، أو الدمار يوجد هدف - وهو (سيادة العنصر الصهيوني، والتوسع على حساب الآخرين) وهذا ما قامت به الدولة الصهيونية خلال 75 عاما، أي  منذ أن تأسست بناء على قرارالأمم المتحدة بشأن تقسيم أرض فلسطبن وبناء دولتين: عربية، ويهودية.

من المشاريع التي يرفع الستار عنها وتتضح معالمها يوما بعد يوم هي تسفير أو تهجير سكان القطاع - قطاع غزة إلى سيناء المصرية، والعمل على إستقبال ملايين من المهاجرين الصهاينة الجدد، وبناء مدينة كبرى مكان مدينة غزة وتسمى  نوفوسيتي. والأمر الآخر الذي يحلم به زعماء صهيون اليوم هو تقديم شكوى إلى المؤسسات الدولية بطلب  لتقديم تعويض لدولة إسرائيل عن هجرة اليهود من البلدان العربية، هذه الهجرة التي شجعها، ودعمها، وقادها، رجال الحركة الصهيونية ومنذ أيام تأسيسها الأولى بغرض بناء دولة إسرائيل. المشروع فيه مطالبة للتعويض عن أرزاق اليهود في السعودية، والعراق، ومصر، وسورية وغيرها من الدول العربية، هذا هو رد إسرائيل على بعض السفراء العرب الذين سرا يواجهون سفراء دولة الإحتلال، ويوشوشون في آذانهم:  (نحن معكم، ولكن لا تخبروا أحدا عن ذلك. أسترونا) !!!!! للكلام بقية.

***

بقلم الدكتور إسماعيل مكارم

كنا نتوقع ان يكون باثيلي افضل من سابقيه، يلم الشمل ويسعى الى تقريب وجهات النظر بين الفرقاء واختصار المدد الانتقالية التي لم تنتهي بعد ،فكل من ينتخب او ينصب لأجل اقامة الانتخاب  يسعى جاهدا للتمديد لنفسه، فالسراج وزبانيته بقوا في السلطة اكثر من اربع سنوات وكأنهم جسم منتخب شعبيا فخرج من السلطة بتوافق اممي ذهب السراج في سبيله ولم  تقم أي من الجهات المختصة بمحاسبته على اهدار المال العام وشراء الذمم، جيء بالدبيبة لفترة انتقالية محدودة جدا لا تتجاوز السنة لأجل التهيئة للانتخابات لكنه اليوم يقترب من نهاية عامه الثاني في السلطة، استطاع ان يمكّن نفسه من خلال شراء ذمم بعض التشكيلات المسلحة في العاصمة وما حولها ،اغدق عليها الاموال واطلقها تسرح وتمرح في ربوع الوطن، ضمن الى جانبه محافظ البنك المركزي (بيت المال) وكذلك استطاع ان يحدث تغييرا في رئاسة مجلس الدولة الذي اظهر تقاربا في وجهات النظر مع مجلس النواب انعكس ذلك بحوارات ابوزنيقة المغربية واللجنة المشتركة لإنهاء الازمة بشان الانتخابات وقوانينها الانتخابية واستصدار المراسيم بالخصوص .

الدبيبة الذي اسقطه مجلس النواب ولم تعد له شرعية قانونية او دستورية يتكئ على الجماعات المسلحة ومحافظ البنك المركزي ومجلس الدولة الذي يعتبره سلطة تشريعية موازية لمجلس النواب بينما هو مجلس استشاري ما يصدر عنه ليس ملزما لغيره.

السيد باثيلي يبدو انه ركب الموجة كسابقيه ويريد التمديد لنفسه ايضا، فلم يبارك تفاهمات المجلسين ونتائج لجنة 6+6 التي افضت الى نتائج ايجابية جدا بشان الانتخابات قام مجلس النواب بالمصادقة عليها دون تغيير، السيد باثيلي يريد العودة من جديد الى مربع الصفر بطلبه دعوة الاجسام الفاعلة في المشهد الليبي للاجتماع، فالجسمين التشريعيين قالا كلمتهما من خلال لجنة الحوار المشتركة بينهما(6+6)،بينما المجلس الرئاسي لا نرى انه قام باي دور يذكر وخصوصا بشان المصالحة، كذلك لاحظنا وباعتبار انه القائد الاعلى للجيش على الاقل في المنطقة الغربية، فانه لا سلطة له على التشكيلات المسلحة بالمنطقة الغربية والتي تم منحها الشرعية من قبل الدبيبة باعتباره وزير الدفاع (الذي يتبعه) المكلف منذ تعيينه بهذا المنصب!، أما القيادة العامة فإنها تحكم السيطرة على المنطقتين الشرقية والغربية وتقوم بدورها الامني  وهي على توافق تام مع رئاسة مجلس النواب وهما راضيان جدا عن ما توصلت اليه اللجنة المشتركة بين النواب والدولة وما صدر من قوانين من شانها اقامة انتخابات رئاسية وتشريعية في اقرب الآجال وانهاء الفترات الانتقالية.

الدفع الرباعي اليات تستخدمها التشكيلات المسلحة في تحركاتها، ولم تكترث يوما في ان تستخدمها في دهس المواطنين ،فهي ترى نفسها فوق الجميع وصاحبة القرار، كذلك يقوم السادة المسؤولين باستخدام سيارات الدفع الرباعي في ارتال بالطرقات العامة والطلب من مرتادي الطرقات بإفساحها لهم والا وجدوا انفسهم وسياراتهم خارج الطريق غير قادرين على الحركة.

لماذا اذن دعوة باثيلي الى الاجتماع الرباعي؟ يراه غالبية الشعب وبعض السياسيين مضيعة للوقت واطالة امد الازمة وبالذات تشكيل حكومة جديدة مهمتها اجراء الانتخابات التي يتمسك السيد الدبيبة بالبقاء على راسها وهي منتهية الولاية وتعتبر بحكم القوة القاهرة  او بالأحرى حكومة الامر الواقع خاصة وانه يرغب وبقوة في الترشح لرئاسة الدولة، أي انه ينحاز الى طرف دون اخر ومحاولة تثبيته في السلطة لإهدار المال العام .

ما يقوم به باثيلي هو محاولة قيادة ليبيا وكأنها عربة بدفع رباعي لتدهس ما تبقّى من الشعب الذي يفتقد الى العيش الآمن ومستوى معيشي جد متدني، لتستمر المعاناة التي طال امدها، ويستمر الساسة في نهب الاموال،ويستمر السيد باثيلي في منصبه للحصول على المزيد من الاموال على هيئة مرتبات ومهايا ومزايا قد تكون مستديمة.

يبقى القول ان الشعوب العربية المنكوبة والتي فرضت عليها عقوبات اممية وشمل بعض الفصل السابع لم يتحسن وضعها بفعل المندوبين الساميين للأمم المتحدة بل تفاقمت ازماتها.ما لم يتحرك الشعب ويوقف المهزلة فان القادم اعظم وامرّ.

***

ميلاد عمر المزوغي

ذات يوم شتائي قارص البرودة مضطرب الرياح تسلق مراد جبل "بلغة" وما أدراك ما "بلغة"، وكانت الطرق النيسمية مكسوة بالثلج الذي يجعله يشعر بأنه يدوس على سطح زجاج، وفي زلة قدم مباغتة إنزلق في وادٍ سحيق، ويبدو أنه فقد الوعي لبرهة، وعندما فتح عيونه وجد عشرات الصقور الكبيرة الحجم الحليقة الرؤوس والأعناق تتصارع حوله، إذ حسبته جثة هامدة، ولولا النظارات الواقية للعيون، أو النظارات الثلجية ذات العدسات الصفراء لفقد عيونه قبل إستفاقته.

حسب مراد أنه في الجحيم ، وبدون تردد مسك مسدسه وأطلق إطلاقة في الهواء، لإبعاد الصقور المتأهبة للهجوم عليه.

وبقي في حيرته بعد أن تحرر من عدوان الصقور، إذ كيفس يخرج من الوادي فلا مجال للخطو فيه فهو منزلق رهيب.

الصقور تتزاحم وجسم مراد المتحرك يرهبها، وهي تريد الفوز به كوليمة، ومسدسه في شاجوره عشرة إطلاقات لا غير، هو حبله السري مع مشيمة الحياة.

تعالى صياحه طالبا النجدة ولا أحد يسمعه، وخاف أن يسمعه العدو فيأتي لأسره أو قتله، وبعد وقت أطول من عمره، مر جنديان وناداهما فانتبها وعرفاه، وبعد فترة أعدا حبلا طويلا ألقي إليه، وما أن أمسكه حتى أخذ يتسلق الزجاج الأملس، ويبحث عن صخرة بارزة ليسند قدمه عليها ويحاول الخروج.

تذكر مراد تلك الواقعة وهو يتابع ما يحصل في الدنيا، فقد تدحرجت قوى في وادي التلاحي وتزاحمت ضدها قِوى، وإن إبتعدت عنها قليلا فلتعد العدة للإنقضاض عليها.

كان صراع مراد في الوادي الثلجي كصراع القوى المقتدرة المتوهمة بالإمساك بعنق الدنيا؟

فهل سقطت القِوى في وادي رَحَل؟!!

ومَن سيمد لها حبل النجاة، أم ستبقى متمحنة في منزلقات الوادي السحيق؟!!

***

د. صادق السامرائي

...........................

 * بلغة: جبل في السليمانية على الحدود العراقية الإيرانية شمال قلعة دزه، وهو من إمتدادات سلسلة جبال الهملايا، ويتميز بإرتفاعه الشاهق.

 

لعل عنوان المقال يوحي الى الغرابة بعض الشيء لكن الوازع الأخلاقي دفعني الى ان أكتب ما يجول في خاطري وما يعتصر فؤادي الما"من الحالة التي وصلنا اليها من انحلال في القيم والمبادئ التي تربينا علينا في سالف السنوات منذ نعومة اظفارنا الا وهي عدم إحترام المعلم الذي يعد الأداة الأولى لتبصير الإنسان إلى عالم المعرفة وبناء الشخصية لأن الطفل خامة بيضاء يكتب عليها المعلم ما يشاء وهو الأب الثاني للتلميذ وما يدور الآن مع الاسف في مؤسساتنا التربوية كأننا في غابة من الانفلات الأخلاقي تجاه المعلم وضياع هيبته هو سوء تربية الوالدين وعدم تعليمهم احترام المعلم أو حتى المدرسة بالاضافة الى سلوك الوالدين في بعض المواقف التي تحتم تدخلهما في المدرسة فعندما تحدث مشكلة معينة من قبل التلميذ اويرغب المعلم في تاديبه أو عقابه بالأساليب التربوية يعترضان بشدة ويثوران ويوجهان اللوم والعتاب للمعلم وإدارة المدرسة وقد يتطاولان لفظيا"على المعلم بحضور التلميذ ما يشجعه وإن كان مخطئا"على التمادي في أخطائه والامثلة كثيرة على الاعتداء الجسدي على المعلمين .

فيمكن أن نلخص بعض الأسباب التي أدت ضياع التعليم منها على سبيل المثال لا الحصر هي عدم إدراك قيمة التعليم والمعلم في المجتمع بصورة عامة وتراجع مستوى المناهج الدراسية وعدم ثقة المواطن بالمؤسسة التربوية والتوجه الى التعليم الاهلي والنقص الحاد في الملاكات التعليمية والاعتماد على المحاضرين المجانين من غير الاختصاص إضافة الى تسلق بعض الفاشلين الى قيادة المؤسسة التربوية نتيجة للمحاصصة السياسية بعيدا"عن الكفاءة والإختصاص وتهالك بعض الأبنية المدرسية التي لا تصلح للعملية التربوية وتعتبر بيئة نافرة للتلميذ وتفاقم اعداد التلاميذ في الشعبة الواحدة وضعف شخصية بعض المعلمين وتدني مستوياتهم العلمية وإنشغال بعض المعلمين بأمور جانبية أثناء الدرس ناهيك عن المحسوبية والمنسوبية واساليب المجاملة الرخيصة في معايير التقويم والامتحانات وبات الفساد سيد الموقف وتفشي ظاهرة الغش في الامتحانات العامة إضافة الى عودة ظاهرة التسرب من المدارس نتيجة لضعف الحالةالمادية التي يعيشها التلاميذ كونه المعيل الوحيد للعائلة وهذا غيض من فيض فيما يجري داخل المؤسسة التربوية يوميا".

وعليه فالتعليم في العراق خارج التصنيف العالمي بكل المقاييس وبعيدا"عن لغة الأرقام فهناك معلم وراءكل فيلسوف ومخترع وعالم وكل فكرة عظيمة ظهرت في التأريخ وما أشرقت في الكون حضارة الاٌ وكانت من ضياء معلم .

لكم معلمينا منا كل الثناء والشكر والتقدير بعدد قطرات المطر وألوان الزهر وشذى العطر على جهودكم الثمينة والقيمة من أجل تعليمنا وتربيتنا ولو لا كم لما كنا .

واختم بقول أمير الشعراء احمد شوقي (قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم ان يكون رسولا).

***

حسن شنكالي

عبارة ارتبطت ببعضها البعض، عندما يشعر الشعب الغزاوي أن مصيره ليس في يده حتى لو كان في داره ووطنه وانه فائض عن الحاجة،وان مصيرة أصبح في يد نظام جديد ووكلاء وأمراء الحرب جدد، يستطيعوا تأجيل قرار الموت، مازال يردد "نتنياهو" التخلص من شعب غزة ليصبح  عاجزاً عن رفع قدح القهوة، هو الصراع المهلك ويحتاج الى معجزة للنجاة منه، لأنه سري ومموه ومغطى ومقنع ويأتي بحيل التفافية عقلية صهيونية، تقود النظام العالمي الجديد ..؟ في خلال مدة الهدنة ومتابعتي للصحف الأمريكية والغربية،بدأ يطرح فكرة حل الدولتين من جديد، وهي حالة من التوتر أو الإجهاد العقلي أو عدم الراحة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني منذ اكثر من 75 عام، بعد كل نكبة يطرح فكرة حل الدولتين ..!في بقعة جغرافية يحمل اثنين أو أكثر من المعتقدات أو الأفكار أو القيم المتناقضة في نفس الوقت، يقوم كيان غريب بسلوك يتعارض مع معتقد راسخ علي أرض الآجداد الكنعانيين لينازع عليها وكأنها ميراث شرعي عبارات ومصطلحات تتداول عبر عقود، ليست عابرة أن تفقد كل إهتمام ورغبة، وتمشي على حافة الهاوية بين قناعات متضاربة تمزق وتشرد شعب بصمت من القريب والبعيد، تموت فيه الحياة ويصبح حطباً يمشي للحفاظ على المظاهر.

يلتهم كثيرون أنفسهم كل يوم دون معرفة كمية المشاعر والأحاسيس التي تسحق وتتعفن وتختفي وكمية الحياة التي تنطفيء بصمت. داخل الشعب الفلسطيني بين (شعب الله المختار وشعب الله المحتار) الفرق نقطة بين شعب مغتصب وشعب يحاول القريب والبعيد طمس الهوية عنة،، ومن اول السطر ماذا بعد انتهاء الهدنة ..!!

شعب حي يعيش إنقراضة البطيء، مع فقدان اصل الموضوع، وهو خارجي، يكون الارتداد للذات، الاجترار والحداد والسوداوية، نوع من التهام الذات كمطحنة فارغة تلتهم الفراغ.، يبدو كما لو أنك أنتهيت تواً من قراءة رواية الكاتب والفيلسوف / (سيجموند فرويد) عن "الحداد والسوداوية" هل كتب التاريخ من قبل أن شعب عاش في حداد وسودوية، وحصار، وتهجير وتشرد، وقتل داخل حدودة،، واستخدام القوة المفرطة لشعب اعزل،، والملاحقة الاستخباراتية في المنفي،وقتل علي ارصفة قارعة الطرق في اوروبا ودول اجنبية وعربية وتصفية وقتل ريشة فنان امثال" ناجي العلي،، اجبني ايها العربي المنسي تحت ركام الأنقاض،، ما الذي يمكن أن أفعله لك لكي تخرج من هذه النكبات ..؟! لا شيء فقد جفت الدموع وجف حبر القلم وطويت الصحف واغلقت الأبواب،،نقولها بصوت منكسر لأن اصواتنا بلا صوت؟!

وماذا بعد الهدنة ..؟

الخروج.

هو الشعور بالإغتراب الذي يعيشه المثقف العربي في منعطف اللحظة الراهنة حتى لو كان في وطنه،إن الإغتراب النفسي والمعنوي أقسى من الغربة المكانية، وكانت مفارقة غريبة أن اعيش مع شباب من فلسطين من الذين استبعدوا من مخيمات الفلسطنيين في لبنان بعد الإجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 /في مدينة برلين الالمانية، وصفقة العار بخروج المقاومة والفصائل الفلسطينية من بيروت، وتهجيرهم، نتقابل معاً في منفى في وضعيتين متعاكستين. اختيارية وإجبارية.. !!

إن المثفف والفنان والكاتب يدخل في منفى من لحظة التصادم مع الذات والمجتمع والوضع الراهن ومع دخولنا في مرحلة العمر من نخر المرض في اجسدنا ..، المفارقة المثفف في منفى نفسي وفقدان الذات واغتراب وأنا اشعر في الوطن في منفى مكاني والتعرف واكتشاف ذاتي،شيئاً مؤلماً الآن..! ان اراقب قرار تأجيل القتل و الموت بعد الهدنة،وكلنا من المحيط نسبح بقرار وقف القتل من التتار الجدد ..،،

ووجدت نفسي حائر بين كل شيء إنتهى بقراره القتل مابعد الهدنة "

من دون تفاصيل محزنة وهذه الطريقة السائدة في الآخبار العربية تجعلك تعيش الإنتحار الفكري.وتكفر بكل من هو عربي؟.

ومع دخول فصل الشتاء ماهي الصورة في غزة، بالطبع المطر والحداد ومصابيح الشارع قصفت من هجوم التتار. والسكون الليلي المخيم بحظر، والبرد والصقيع، لمنازل مهدمة وانقاض، ولوحة رسمتها طفلة خرجت في الظلام الدامس تبحث في الأنقاض عن دفاترها وعن خريطة كتب عليها هنا غزة،كيف تستطيع أن تتخيل هذة

اللوحات على الحائط وأغنية ياقدس لفيروز .

كيف تضع كل هذه التفاصيل المبعثرة في عبارات وروابط . مابعد الهدنة .؟!

***

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث مصري متخصص في علم الجغرافيا السياسية

لماذا أغضب جون بونتون حليفة نتنياهو؟

وهل جنوب القطاع سيتعرض لهجوم إسرائيلي وشيك؟

وماذا عن الدوافع والمحبطاتَ في حرب طال أمدها وتجاوزت كل الخطوط الحُمْر؟

ما علاقة العمال التايلنديين في إنقاذ "إسرائيل"؟

وأسئلة أخرى

عجزت "إسرائيل" عن القيام بدورها الوظيفي لصالح الدول الغربية التي أقامتها على أنقاض فلسطين وبالتحديد بريطانيا صاحبة وعد بلفور.

فكانت ضربة طوفان الأقصى والتي أعقبها هجوم إسرائيلي تطهيري على القطاع وُصِفَ بأنه فاشل، فتحول الاحتلال من جرّاء ذلك بجيشه الذي لا يقهر إلى عبء على حلفائه، فلم يعد يقوى على العيش بدون رعاية أمريكا، فيما هي تراقب كيف بات هذا الجيش المدجج بأشد الأسلحة ذكاءً وفتكاً، قليلَ الهمّة واهناً، كأنه خرج من حلبة المصارعة لتوّه مضعضعاًا، أمام ضربات المقاومة الماحقة في إطار وحدة الساحات.

هذا فحوى ما ذهب إليه أكبر أنصار الكيان الإسرائيلي، مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق في عهد ترامب، جون بولتون، من باب النقد الجاد وتقديم المشورة له، في كيفية الخروج من عنق الزجاجة دون اختناق.

قال بولتون، في مقال بعنوان “حماس حققت انتصاراً كبيراً على إسرائيل” في صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية بأن "إسرائيل" سمحت لحركة حماس بتحقيق انتصار كبير من خلال الموافقة على صفقة تبادل الأسرى والهدنة الإنسانية.

واعتبر بولتون أن “الصفقة لها فوائد، ولكن هناك أيضا تكاليف".. وفي هذه الحالة، "حققت حماس نصراً كبيراً".

وأضاف بأنه ليس من الواضح فيما لو كانت هذه الصفقة ستشكل سابقة سلبية نهائية ل"إسرائيل"؛ لكنها تلقي بظلال من الشك على ما إذا كانت "إسرائيل" قادرة على تحقيق هدفها المشروع وهو القضاء على “التهديد الإرهابي” الذي تشكله حماس-وفق تعبيره-.

وهذا يمثل جزءاً من رؤية بولتون الاستراتيجية تجاه إيران عبر مسيرته السياسية والأمنية في الإدارات الأمريكية المتعاقبة، فيما ظلت تمثل أهم مرتكزاته الفكرية في تشخيص السياسة الأمريكية الراهنة تجاه ما تشكله إيران وأذرعها من خطر وجوديّ على كيان الاحتلال الإسرائيلي.

ويهدف بولتون من توريط أمريكا في ضرب إيران إلى تحقيق هدفين، وهما:

أولاً:- انقاذ "إسرائيل" من مأزقها الوجودي إزاء ما وصفه بانتصار حماس المبين، على اعتبار أنها تدير تفاصيل الحرب وتمسك بخيوطها بدهاء، ما يجعل من المستحيل اجتثاثها.

لذلك يرى بولتون بأنه لا بد من قطع رأس الأفعى المتمثل بطهران -وفق رؤيته- التي تدير المشهد الإقليمي من وراء حجاب، من خلال توظيف أذرعها في المنطقة، وقد تكاتفت مجتمعة ضد "إسرائيل" من خلال عدة جبهات (غزة وجنوب لبنان وباب المندب)، وهذا التعدد في الجبهات سيحول دون جيش الاحتلال والقدرة على مشاغلتها معاً بكفاءة واقتدار، بالقياس إلى أدائه المتعثر في حربه على قطاع غزة. إذ لا بد من التركيز على جبهة غزة فقط دون غيرها.

ثانياً:- القيام بضربة استباقية تستهدف تدمير جميع الموانئ الإيرانية والتحذير من استهداف المشروع النووي الإيراني إذا استمرت إيران على نهجها في تحريك اذرعها الإقليمية ضد المصالح الأمريكية و"إسرائيل"، بغية اختلاق الذرائع التي ستهيئ في الوقت المناسب لقرار قد يجيز لأمريكا تدمير المنشآت النووية في العمق الإيراني.

ويتم ذلك بمشاركة إسرائيلية دأب نتنياهو على المبادرة إليها قبل تورطه في مستنقع غزة، وبالتالي قطع الطريق على إنتاج طهران لأول قنبلة نووية منتظرة، قد تساعدها - لو نجحت في ذلك- على العربدة الإقليمية دون رادع.. طبعاً وفق رؤية أشد الصقور الأمريكية ضراوة، بولتون.

في المحصلة فالدور الوظيفي الإسرائيلي الرادع لإيران أو أي محاولة عربية للنهوض- كتجربة صدام التي أجهضت- بات مشكوكاً فيه.. بعدما عجز نتنياهو عن تحقيق أهدافه في الحرب المجنونة على غزة، حيث تركته عملية طوفان الأقصى صاغراً بلا جناحين، وقد تبدّى الياسُ ورهابُ المستقبل في عينيه الذابلتين ورأسِهِ المثقلُ بالفوضى.

وكعهد بولتون فيما يتعلق بإيران، فقد وجد بأن حماية "إسرائيل" من أولويات الأمن القومي الأمريكي، ما يستلزم من واشنطن -على سبيل التمني- الإيعاز لحاملات الطائرات الأمريكية كي تتولى مهام الضربة الاستباقية ضد إيران في مرحلة أولى يتم من خلالها ضرب الموانئ الإيرانية وتدمير بُنَاها التحتية.. حيث يدفع بولتون تجاه ذلك.. حتى لو تسبب الأمر بنشوب حرب عالمية ثالثة.

وتكمن الكارثة المنتظرة بما ينسجم ورؤية بولتون، في القرار الأخطر الذي اتخذه جو بايدن يوم أمس، بالسماح لجيش الاحتلال الإسرائيلي المتعطش لدماء الفلسطينيين، في استخدام مخزون الأسلحة الأمريكية لدى "إسرائيل"وهو مخزون استراتيجي أمريكي يدار من قبل خبراء تابعين للجيش الأمريكي الأوسط، لاستخدامه في أي حرب إقليمية محتملة.

وهو تلميح إلى إمكانية استخدامه ضد إيران فيما لو توسعت حرب غزة، ما يوحي بأن نتنياهو عازم على المضي قدماً في حرب الإبادة ضد غزة وبالتالي اجتثاث حماس من جذورها رغم استحالة ذلك.

ويبدو أن حسابات بولتون لم تأخذ بالحسبان الحقائق التي تشير إلى أن ما استخدمه جيش الاحتلال ضد القطاع يضاهي في قدرته التدميرية قنبلتين نوويتين بحجم ما ألقته أمريكا على هوريشيما في الحرب العالمية الثانية، دون أن تحقق الأهداف الإسرائيلية؛ سوى ارتكاب المجازر بحق أهل غزة؛ إلا أنها بالمقابل -رغم قساوتها- قلبت الراي العام العالمي على "إسرائيل" باعتبار أنها احتلال يمارس سياسة التطهير العرقي بحق أصحاب الأرض الشرعيين في سابقة غير مشهودة.

ناهيك عن أن أنفاق غزة (الدفاعية واللوجستية والهجومية) سلاح حمساوي استراتيجي كفيلٌ بصد أي هجوم قد يتجدد مستهدفاً جنوب القطاع، مع أن الشواهد تثبت بأن قوات جيش الاحتلال في الشمال والوسط غير مستقرة وكأنها غارقة في الرمال المتحركة؛ وإلّا لما سلمت حماس الأسرى الإسرائيليين للصليب الأحمر من عمق المناطق التي يدّعي الاحتلال بأنه باسطٌ سيطرته عليها.. مثل ساحة فلسطين التي شهدت استعراضاً لقوات حماس وهي تسلم أسرى العدو بابتسامات متبادلة توحي بتمكن الحركةمن إمساك خيوط اللعبة بدهاء.

وتجدر الإشارة إلى فشل جيش الاحتلال في ترحيل أهل غزة نحو سيناء، رغم تدمير 70% من بيوت غزة على رؤوس أهلها في سياق تطهير عرقي ممنهج، ولا أخلاقي، فلو استمرت هذه الممارسات الفاشية النازية ضد الفلسطينيين فسوف يكون من شأنها تأليب الراي العالم العالمي على الكيان المحتل، الذي حشرته سياساته العمياء في الزاوية، فبات يخسر مقومات وجوده باعتراف الإسرائيليين أنفسهم.

هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار بأنه في حرب الإرادات، فالكفة ستميل لصالح حماس كحركة تحرير وطنية، حيث أثبتت القدرة على التحكم بتفاصيل الحرب الشرسة رغم أنها محاصرة منذ أكثر من عقد، وكانت جديرة بالانتصار على الاحتلال وردعه في حربها الوجودية.

ولعل من أهم موانع الاستمرار في الحرب الخاسرة، أن الاقتصاد الإسرائيلي في كل القطاعات استُنْزِفَ وتقلص حجمه إلى ما دون التوقعات، على نحو افتقار سوق العمل إلى الأيدي العاملة التي بدونها سوف تتوقف الحركة الصناعية والزراعية التي يصعب تعويضها.

ناهيك عن عجز الاحتلال في إعادة استصلاح الأراضي الزراعية بغلاف غزة والتي تشكل 20% من الأراضي الزراعية في عموم "إسرائيل" -وهي أراضي تم سلبها من الفلسطينيين عام ثمانية وأربعين- وعزوف المزارعين الكبار عن العودة إليها رغم الإغراءات السخية التي قدمت إليهم، وفضلوا البقاء كفئة غير مرغوب بها في الوسط الاشكانزي العنصري كونهم من السفرديم الشرقيين. وفق الإعلام العبري.

وعليه فمن سيعوض النقص في العمالة الأجنبية الرخيصة التي غادرت البلاد، وخاصة أن مائة الف عامل تايلندي عزموا على الرحيل رافضين العودة إلى مزارع الغلاف؛ بسبب الظروف غير الآمنه هناك، ما استرعى من سفارة بلادهم تأمين ترحيلهم نحو تايلند على نفقتها الخاصة، بعد تخلي السلطات الإسرائيلية عنهم من باب الضغط عليهم.

ترى هل يدرك بونتون وأمثاله من طواويس السياسة الأمريكية والصهيونية بأن الشعب الفلسطيني هو أشد الثوابت رسوخاً في أي حل يسعى حلفاء "إسرائيل" إلى فرضه ولو بالقوة! وفي أن المقاومة خيار مصيري للشعب الفلسطيني، وهي الضامن لحقوقه المشروعة؟ عجبي!

***

بكر السباتين

28 نوفمبر 2023

تتطلّب قراءة أخبار انتخابات مجالس المحافظات، واللافتات التي امتلأت بها شوارع مدن العراق، التعود على تناول الحبوب المهدّئة، ومعرفة لا بأس بها في علم النفس، من أجل أن نعرف هل سياسيّينا يعيشون حالة انفصال عن الواقع، ولا يدركون أين وصل بنا الحال؟.

فقد فاجأتنا السيدة عالية نصيف بخبر انتخابي من النوع الثقيل حين وضعت صورة شقيقتها إلى جانب صورتها مع عبارة "ثقة الزعيم"، فيما أصرت الشقيقة التي تطمح بأحد كراسي مجلس محافظة بغداد أن تضع صورة شقيقتها النائبة ومعها العلم العراقي وهي تستقبل "أفواج" الذين يتمنون أن تفوز بالمقعد لتكمل مسيرة السيدة عالية نصيف السياسية.

إلى أين إذن ستسير بنا انتخابات مجالس المحافظات؟، البعض يقول إنّ لدى السيدة شقيقة عالية نصيف خطة لأن تجعل من بغداد مركزاً إقليمياً ينافس دبي وسنغافورة ويتفوق على هونغ كونغ، تصر السيدة النائبة على أن تضع صورتها في إعلانات الحملة الانتخابة لشقيقتها لتنبهنا إلى أنها ستعمل معها على نصرة المظلومين والأيتام والأرامل، ولم تنس السيدة النائبة أن تبشّرنا، بأنها و"شقيقتها" بعد أن ينتهيا من مشروعهما الإنساني سيلتفتان إلى جعل العراق أفضل وأجمل. نداء الواجب التالي جاء من النائب مثنى السامرائي الذي طالبنا بأن نخرج في تظاهرات من أجل أن يجلس "فخامته" على كرسي رئيس البرلمان، فماذا تهمّ لفلفة أموال وزارة التربية مادام البرلمان سالماً غانماً، والعملية السياسية بين كرّ وفرّ؟، ولهذا علينا أن نعدّ العدة لتجهيز عشرات آلاف من العراقيين، يعملون على نصرة السيد السامرائي، وإذا كانوا ملايين فذلك أكثر نفعاً .

غريب أن تكون جميع مظاهر التفاهم بين الفرقاء السياسيين لها رسالة واحدة هي "هذا لي وهذا لك". ولهذا أنا ضدّ خطابات وشعارات الإصلاح والتغيير في العراق، لسببين: فهي إما مزيّفة وتنتهي إلى عودة مبدأ "التوازن" في المنافع والمصالح، وإما خادعة أصحابها يحاولون أن يقضوا وقتاً طريفاً مع العراقيين، لكنهم في المقابل يكرهون الديمقراطية والحريات ويعتبرونها اختراعاً إمبريالياً.

لماذا ندعو الناس إلى انتخابات لمجالس المحافظات، ونحن نريد الكراسي لأشقائنا وأقاربنا وأحبابنا، وللذين يبصمون بالعشرة على الولاء للكتلة السياسية وليس للوطن؟، هل من أجل أن تُسلَّم السلطة إلى من يفهمها على أنها تسخيف للدولة والاستمرار في مسيرة الفشل والخراب ولإعلاء شلأن المحاصصة؟، ماذا حدث بعد عشرين عاماً من ممارسة الديمقراطية في العراق؟، حدث أنّ نموذج عالية نصيف ومثنى السامرائي هو السائد، وكأن هذه البلاد بلا تاريخ ولا كفاءات.

أيها السادة ثمة شيء أكثر بشاعة من الفشل والخراب، إنه الإصرار على الاستهانة بعقول العراقيين.

***

علي حسين

في ظل التحسن الذي تشهده المعادلة الاقتصادية في بلادنا، نجد أنماطاً جديدة من مشروعات ريادة الأعمال، التي تحظى بقبول جماهيري، الانتشار غير المعهود للمقاهي بأنواعها الفارهة، أو الشعبية، وما يقدم بداخل النوعين من خدمات، هي انشطة استهلاكية في المقام الاول، لقد أضحت مشاريع المقاهي من المشاريع الجديدة التي بدأ الكثير من المستثمرين، لهوامش الربح العالية، والإقبال من الشباب على ارتيادها في جميع الأوقات، بالمقابل انتشرت محال بيع الاراكيل والمعسلات بانواعها، كذلك انتشرت محلات بيع التبغ والسكائر الالكترونية، بشكل غير مسبوق في الشارع فتحت أفاقا جديدة للعمل ونوعا جديدا من الوظائف، وتبقى النقطة الأهم من مانحي التراخيص وهي التنسيق بين أماكن المقاهي، لأن الملفت في حال افتتاح مقهى في شارع، نجد عشرات المقاهي في نفس الشارع، مع احتلال الأرصفة، وأجهزة التلفزيون العملاقة أيضاً على الأرصفة، تلك مشاهد تحتاج وقفة ناقدة

إننا أمام حالة فوضى حقيقية، ففي الوقت الذي تعمل الدولة جاهدة على معالجة آثار التدخين وأضراره، نجد انفتاحاً هائلاً على هذه النوعية من الأنشطة في كل الأحياء والشوارع دون استثناء، فكما كان النمط السائد فيما مضى كثرة محلات أدوات السباكة والكهرباء، والمغاسل، والحلاقين، تغيرت الأنماط لتشمل المقاهي ومحلات بيع التبغ والشيش وغير ذلك من اكسسوارات التدخين العصرية

مقاهي بغداد تستمر باستقبال زبائنها الذين يقصدونها لقضاء أمسيات سمر تمتد حتى ساعات الصباح الأولى أحيانا،، شباب وشيوخ يتجمعون للعب الورق والدومينو والطاولة، تدور فوق رؤوسهم أقداح الشاي ويتطاير حولهم دخان الأراجيل، في أجواء تبدو معزولة تماما عن الأزمات التي تحيط بهم.، يقصدون هذه المقاهي، لقضاء ساعات طويلة بعيدا عن صخب الحياة أو هربا من عجزهم عن إيجاد وظائف تناسبهم،،اتجاه الشباب بهذه الأعداد الكبيرة إلى المقاهي يمثل حالة من اليأس والهرب من الواقع، بسبب حجم الإحباط الذي يتعرضون له باستمرار، هذه الطاقات المهدرة لساعات طويلة كان يمكن أن توظف في مشاريع ناجحة يستفيد منها العراقيون جميعا، إلا أن تحكم الفساد في مفاصل الدولة والمحاصصة الحزبية يحولان دون نجاحها، ومن المؤسف حقا ان تجد المقاهي التي يرتادها الأدباء والمثقفون، حيث كانوا يلتقون فيها يومياً أو أسبوعياً ويناقشون مختلف القضايا الأدبية والثقافية، يتحدثون عن آخر الإصدارات وعن القصائد والقصص والمقالات،،إلا أن الكثير من هذه المقاهي أغلق أبوابه اليوم وتحول إلى محال تجارية،

مقاهي الأدباء جزء من تاريخ العراق، وهي إحدى العلامات البارزة في بغداد وفيها كانت تقام ندوات ثقافية وأدبية وفكرية، ومن بين جدرانها خرج الكثير من القصائد والقصص والروايات لأن العديد من الأدباء كانوا يتخذون المقهى مكاناً لكتابة نصوصهم الإبداعية، وهنا نطالب أمانة بغداد بضرورة العمل على إعادة بناء المقاهي الخاصة بالأدباء والمثقفين، وفتح أبوابها من جديد أمام روادها من حملة الأقلام وأصحاب الفكر

دعوني أتساءل عن فلسفة التخطيط لدى المسؤولين المعنيين بمنح التراخيص لتلك الأنشطة، هل توافرت الاشتراطات اللازمة للحصول على التراخيص؟ هل تكاثر تلك الأنشطة في أحياء وشوارع لن يساهم في تغيير التركيبة السكانية في تلك المناطق، نتيجة الإقبال من المستهلكين، إضافة لانحسار مفهوم الخصوصية للبشر السائرين في تلك الشوارع ليلاً أو نهاراً، أظن أن الأمر يحتاج إعادة النظر في منح التراخيص، مع التدقيق، وعدم حرمان المشاة من حقوقهم المشروعة بحرية المشي على الأرصفة التي لم تعد موجودة.

***

نهاد الحديثي

 

يقول الشاعر اللبناني وديع سعادة في قصيد له بعنوان الإنشقاق:

تدوس في طريقها كلَّ شيء، القافلة.

تمعسه بصمت، بعمى.

سَيل الجماعة جارف. قافلة الجماعة ماعسة.

تسحق الفرد ومأواه الضيّق للسهو أو النوم.

كيف يمكن إنقاذ الزهرة الداخلية في هذا الجرف؟

هذا البهاء اليتيم كيف يمكن إنقاذه؟

***

دايفيد إميل دوركايم (David Émile Durkheim)‏ عاش بين سنة 1858 وسنة 1917. هو  فيلسوف وعالم اجتماع فرنسي. أحد مؤسسي علم الاجتماع الحديث.  يرى دوركايم  أن سلب الناس حرياتهم الفردية، وجعل سلوكهم في الحياة سلوكا جبريا، لا حول لهم فيه ولا قوة ولا اختيار. (والجبرية بالنسبة له ليست من قبل خالق قادر مهيمن)، كما يرى الجبريون فيما يتعلق بالدين، إنما هو من قبل وهم غير معروف الصفات سماه « العقل الجمعي».

والمقصود بالعقل الجمعي هو الفعل الإرادي للتماثل مع الجماعة وهو يشمل حتى تلك الأفعال التي يظنها المرء خاطئة، أو غير ضرورية، أو غير عقلانية لكنه مع ذلك  يمارسها، كي لا يصنف خارج المجموعة وضد الخط العام.

فقد لا يكون الإنسان مقتنعا بلبس الثوب الأبيض في حفلات الأعراس أو العقال مثلا، لكنه يلتزم بارتدائها، تحاشيا للتمايز عن الجماعة.

إن انصهار عقل الفرد في العقل الجمعي يجعل الإنسان يتحرك بعيدا عن ذاته، سجينا داخل أسوار الخوف.. الخوف من أن يكون منبوذا..مطرودا من مملكة التماثل.

أما أولئك الرافضين للعقلية  السائدة في مجتمع ما والذين يختارون الإنحياز لقناعاتهم  فهم يدفعون غاليا ثمن اتساقهم مع ذواتهم.

 لعل ما لاقاه "ابن رشد" أحد أهم الفلاسفة المسلمين خير دليل على ذلك.

ولد هذا العلامة، نابغة عصره، في قرطبة سنة 1126م ونشأ في بيت علم من بيوت الأندلس. كان السبب في اتهام "ابن رشد" بالكفر والزندقة والخروج عن الملة يتعلق  بردّ فعل متزمت تجاه الفلسفة عامة. هو  لم يرض أن يخضع للعقل الجمعي المسيطر وخاض في سبيل ذلك حربا ضروسا مع أصحاب الفكر والسلطة. كان يقول " الحَسَن ما حَسَّنه العقل، والقبيح ما قبَّحَه العقل". موقفه هذا لم يرض المتلاعبين بعقول العامة

الذين يكتفون من النص بظاهر اللفظ والمعاني الأولى. ذهب "ابن رشد" إلى ما وراء اللفظ من معنى فمال إلى البحث عن المعاني الثواني ليؤكد أن ظاهر الشرع، حين يخالف البرهان والعقل، يجب تأويله حتى يتفق معهما.

تم التنكيل بهذا العلامة فحوصر وطرد من المسجد وأحرقت كتبه.

لقد توهم أعداءه أنهم بهذا يتمكنون من محو أثره لكنهم نسو أن للحق اجنحة تجعله يسمو ويطير حيث الخلود.

كذا كل المتلاعبين، كل الظالمين والمستبدين .. يتوهمون أن ضرباتهم قاضية لكنهم في الحقيقة  يخطئون التقدير ولعل أكثر من يوقعهم في خطأهم هذا هم أولئك الذين لا يبغون من الحياة سوى حماية رؤسهم بدفنها في التراب.

يتناسى كل ظالم أن هناك دائما من لديه القدرة على إنقاذ زهرته الداخلية على حد قول الشاعر..

يتناسى كل ظالم أن لكل قطيع نجمه الهادي.

***

درصاف بندحر - تونس

أفظع الجرائم الكبرى في التاريخ ارتكبت باسم المحبة المزيفة، وباسم الطاغوت الذي غلا في سفك الدماء. فالطاغية نيرون أحرق روما نارا بدواعي الحب والسيطرة، وكان يقف على مرمى تل عال، وكلما زادت حدة اللهب غَنَّى للحب وثمل شرابا. لكن، للتاريخ حكاية عكسية فقد مات نيرون من شدة الحنق والإخفاق وحب الامتلاك، ولم تَمتْ رُومَا من وَقِيد نيرانه. نيرون فضل ممارسة سادية العذاب اللحظي، ولم يفكر في لحظات موته وتلفه في العذاب اللاحق، إنه منطق نهاية الطغاة عند مشارف خط حصار الزمن (ما بقي الزمن).

فالحكمة التالفة توجد في مضامين حضارة الكلمة الشرقية (لا يقرأ أحدٌ الماضي لتجديده، بل يضيف إليه لتجاوزه). وفي أحداث التاريخ (الإثبات والنفي)، ويمكن البرهنة الدالة على أحداث الحاضر والمستقبل بأقل تكلفة (التراث والاختلاف)، مع فسحة من  إمكانية النبش في قضايا الأحداث التاريخية، واستيفاء الأثر بالتثبيت و(الفيد باكFeedBack ) وهي المعلومة الطيعة التي تُقدّم لك في الحاضر على تصرف صَدَرَ في الماضي - الموروث القديم- لتحسين المستقبل.

 نيرون مات كُرها، ولم تمت روما !! هي النتيجة الحتمية التاريخية بالحضور (الماضي والحاضر)، فالحرب بغزة تقتل وتدمر العمران، وتبقى غزة حية شاهدة، ولن يموت إحساس الانتماء للوطن أبدا حتى بعد نهاية بداية المعركة "يا دامي العينين و الكفين !... إن الليل زائل... لا غرفة التوقيف باقية... ولا زرد السلاسل !... نيرون مات ، ولم تمت روما.. بعينيها تقاتل (غزة) !...وحبوب سنبلة تجف... ستملأ الوادي والأرض الطاهرة سنابل... والرقص مع الحياة/ محمود درويش بتصرف".

الحرب على غزة أطلقت أفكارنا من مُعتقل الانتماء. حررت شعوبا من الخوف و(التكمش) الهوياتي، ومن فزع القنابل العنقودية المترامية على أطراف المدينة. حررتنا غزة من أحاديث ومشاهد التفاهة التي أسقمت حياتنا، ودمرت قيم أمة جمعاء !! الحرب على غزة جعلتنا نشتاق الحديث إليك يا فلسطين... بالحب ونخوة رجال من مغرب الشمس دار الإسلام. نعم، قد نبدأ الحديث المطول والمشوق عن الشهداء في صمت العالم المتحضر، المتصالح مع الدمار الشامل. اليوم باكرا غادرت شاشة التلفاز حنقا، ولن أبكي دمعا في الزمن الحاضر عن ماضي أمة دول المواجهة !! اليوم غادرت مكاني المتكلس، وتاريخ الطغاة يتوافد تباعا على تفكيري من هُوْلاَكُوْ خَانْ الإمبراطور حفيد جنكير خان قاتل الملايين من البشر، إلى فلسطين المحترقة بغزة.

يؤرقني التذكر حين أُمسي، فتردعني أقساط ثقل الأحزان من فرط نَكسي عن غزة الشواهد (رجال في الشمس/ غسان كنفاني)، يؤسفني ما تبقى من نخوة شرق لا أعرف أدناه من أقصاه !! أعيني جودا ولا تجمدا... ألا تبكيان لغزة الندى... ألا تبكيان الشهيد... ألا تبكيان الفتى والطفل في عمق النيران... (الخنساء/ بتصرف).

يؤسفني المجد العربي مدَّ يديه بالفراغ والتوصيات، والبكاء على الأطلال !! فلا بنية العقل العربي (عابد الجابري) حرك الثورة على ازدواجية أخلاقية نعيشها، فنحن لازلنا نستمرئ (نستسيغ) الجهل ونجتّره. وبتنا ذات ليال حرب دامية، نسوغُ البلاغات بالأسف والتأسي، ونبرر المواقف بحرقة الحرف، ونعلن للعالم الردَّة عن الدم العربي بأرض غزة الأبية.

والله أن العنف المستشري على غزة، يصنع فينا ثقافة الحزن، ويُعلمنا أن الشعور بالألم يؤدي إلى نوع من-(الكاثرسيس)- التطهير عن عوز المسؤوليات، وردة الفعل العربية والكونية الماغولية، حينها يبيت العَورُ بعيوننا جميعا... علمتنا غزة صحوة الأرواح فينا، ففي غزة (فكِّ لغز الحرف و ربح رهان الحرب دفاعا عن الأرض والإنسان).

مرت ساعات مُهرولة أمام تلفاز الحرب، والمحللين المأجورين يزيدون من (الشخصانية والوجودية العربية) شدة. حينها حدثني صديقي عن شجرة النكبة والنكسة، عن ثمار الأرواح الشهيدة من قطوفها الدانية بريح الجنة. حدثني عن شطحات العالم العربي والإسلامي والعالم المتحضر. حدثني وهو يهمُّ بالانصراف أن شمس الحرية ستطع من سماء غزة.

***

محسن الأكرمين

 

بعد عشر عجاف تعفّر جبيني بذرات ترابك ياوطن الغرباء ساجدا شكرا لله والدموع في المقل على الأطلال تذرف وعانقت ذا الجدار وذاك كالمتيم الولهان والدار تروي قصص سنين الفراق فذاك هو الوطن في الخيال الذي تربينا في درابينه والشمس تلك الشمس لكن الارض مقفرة من الخضراء كأنها الغريبة بين أحضان الغرباء لا صديق يواسيها ولا قريب يؤنسها وأضحت تندب حظها العاثر كأنها تستعيد ذكريات باتت في طي النسيان وحتى الصور أبت أن تفصح عن لقطاتها من آثارعوامل التعرية فللٌه درك يا وطن كم اثقلت من هموم اهلك وباعدت بين أوصالك بعد أن فعل الأشرار فعلتهم الدنيئة مع هبوب العاصفة الصفراء ليثخنوا من الجراحات ويعيثوا في الأرض الفساد كأنهم أوصياء وأولياء الأمر بعد الخالق لكسب شرعية أفعالهم الشنيعة التي يندى لها جبين الأنسانية ' فعندما اشرح عن الوطن لا أتحدث الا عن الإنسان لان السر بالسكان لا بالمنزل .

أين كنا وأين أصبحنا وما الذنب الذي إقترفناه ليحل بأهلنا ما حل أليس الله خلقنا أحرارا" ؟ أم تنموا أن نعيش على أهواء من تسولت لهم أنفسهم من أجل غايات هم أدرى بنتائجها سلفا ونبقى ضحية مؤامرات ودسائس نسجت خيوطها من وراء الحدود لغاية في نفس يعقوب قضاها فإلى متى يبقى البعير على التل ؟

 أعذرني يا وطني إن خانني التعبير وأن تعفوا عني إن لم أعبر عن تقديري لك حقا"انا يا وطني لست الا عاشقا"حاول أن يغني لك شيئا"يليق بمقامك فيا وطني انت اجمل سمفونية عزفها أوتار الموسيقيون .

***

حسن شنكالي

 

الحرب حرب، الحرب تفجع الأسر والعائلات، وتثكل الأمهات، وتضعف نفوس الأخوات، الحرب تتلف الأموال وتدمر البلاد، وتنشر الخراب وتنثر الدمار، و الحرب تهدم الحجر وتحرق الشجر، فلا يحبها أحد إلا الظالم، ولا يخطط لها إلا الغاصب.

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، لقد وضع العالم العديد من القوانين التي شنت باسم حقوق الإنسان وخاصة للنساء والأطفال وحماية الأماكن السكينة الآلهة بالمدنيين والمستشفيات وسيارات الإسعاف، لكن اعتدى الاحتلال الإسرائلي في غزة وتجاوز في الممارسات الشنيعة لهذه القوانين التي تم وضعها من قبل جهات مدعومة من أعلى مؤسسة دولية وهي الأمم المتحدة.

الشعب الفلسطيني شعبٌ، يكره الحرب ولا يحب الخراب ولا يستهوي الدمار، ولا يقبل بالظلم ولا يسكت عنه، بل يتمنى كغيره من شعوب الأرض، أن يعيش في وطنه حياة كريمة في أمن وسلام. لقد اعتدى الاحتلال الظالم والغاصب على الشعب الفلسطيني، فما أبقى له شيئاً من الحياة والأمل، لقد احتل أرضه واغتصب حقوقه، ودنس مقدساته، وطرد الناس من منازلهم، ودمر بيوتهم، وحرمهم من مستقبلهم.

إن ما ارتكبته اسرائيل من جرائم في قتل الأطفال والنساء وتدمير المستشفيات والمدارس ودور العبادة إذ لابد للاعلام العالمي أن يأخذ دوره ويتحمل مسؤوليته في نقل ما لم تُشاهده عيون العالم من جرائم ارتكبتها اسرائيل ذكرت البشرية بالنازيين، لابد من كشف الكيان الاسرائيلي على حقيقته وتعريته أمام العالم.

لقد فعل الاحتلال وكان يفعل منذ خمسة وسبعين عاما من أجل الفكر الصهيوني هو أكثر الأفكار تطرفاً وعنصريةً التي شهدها التاريخ الحديث والقديم فهو يقوم على تقديس الذات ونبذ وتحقير الآخرين فهم وحدهم شعب الله المختار، حسب المعتقدات السهيونية لا حق للآخرين الحياة، ولهم حق أن يقتلوا الناس الذين يؤمنون بالدين الأخر. 

  لقد مارس الاحتلال الجرائم البشعة في الشهر الماضي على دفاع عن النفس وفعل كل ما كان يستطيع في إبادة الجماعية في غزة وقتل الأطفال كان الدنيا أصبحت غابة، لا قانون فيها ولا شريعة.

***

الدكتور معراج أحمد معراج الندوي

 الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها

 جامعة عالية، كولكاتا - الهند

كيف استلهم بوتين تجربة غزة في تحصين القرم.. واسئلة أخرى

يعتبر قطاع غزة المحاصر من قبل الاحتلال الإسرائيلي، أكبر سجن يشهده العالم، حيث يعيش ما يزيد عن المليونين من الفلسطينيين - وغالبيتهم من اللاجئين الذين سلبت أراضيهم عام 48- في مساحة شريطية ضيقة تقع جنوب الساحل الفلسطيني عند ملتقاه مع سيناء.

وهو أحد منطقتين معزولتين (الأخرى هي الضفة الغربية) داخل حدود فلسطين الإنتدابية لم تسيطر عليها القوات الصهيونية في حرب 1948، ولم تصبح ضمن حدود دولة "إسرائيل" الوليدة من رحم النكبة آنذاك، إلى أن تم احتلالها عام ١٩٦٧.

نحن نتحدث عن مدينة غزة الظاهرة بمبانيها الشاهقة فوق الأرض حيث يقيم الأهالي ويمارسون نشاطاتهم الحياتية، فيما توجد تحت الأرض مدينة أنفاق رديفة بكل مرافقها الإدارية، ومصانع السلاح المجهزة باحتراف، ومراكز البحث العلمي التي تساهم في تطوير المنتجات العسكرية المصنعة محلياً وخاصة ما زودت به إيران المقاومة عبر المسالك السريّة، بالإضافة إلى مولدات الكهرباء التي تعوض نقص الطاقة إذا ما ضربت مصادرها فوق الأرض.

وهي أنفاق متشعبة منها الهجومية التي تنتهي بمداخل ضيقة كيلا تسمح للجندي الإسرائيلي المدجج بالعتاد من اقتحامها، كما شاهدنا في فيديوهات نشرت عبر الفضاء الرقمي،

وتوجد ايضاً أنفاق فرعية لربط المرافق ببعضها، وتستخدم لنقل البريد الداخلي بواسطة الدراجات الآلية لتحييد الاتصالات عبر الهواتف النقالة كونها مكشوفة لأجهزة الرصد الإلكتروني التابعة لجيش الاحتلال، أو التنقل وفق أوامر تنسيقية بين مركز القيادة والأقسام ذات العلاقة.

وهناك طرق رئيسة لعبور الشاحنات متعددة الأحجام والتي تؤدي إلى مستودعات التخزين المتعددة الأغراض، إلى جانب عربات سكة الحديد من النوع المستخدم في المناجم .

وتتراوح مستويات طوابق مدينة غزة السفلية ما بين 30-60 متراً تحت الأرض.

ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال بعض البرامج الثقافية التي بثتها قناة الجزيرة وتحليلات الخبراء العسكريين على مجريات الحرب ووقائعها عبر الفضائيات وعلى رأسهم اللواء الدويري.

هذه الأنفاق كان من شأنها أن تحيّد سلاح الجو الإسرائيلي الذي استفرد بالفلسطينيين منذ 56 يوماً وتحويل غزة إلى أرض محروقة، توطئة للاجتياح الفاشل الذي انتهى بقبول نتنياهو لهدنة مؤقتة.

ولكن كيف أرغم نتنياهو على القبول بالهدنة وإبداء تراجعه عن أهدافه التي أهمها اجتثاث حماس وتهجير أهل غزة إلى سيناء ثم استعادة الأسرى؟

حدث هذا التحول لعدة أسباب أهمها:

- تنفيذ المقاومة في غزة هجوم مضاد ضد جيش الاحتلال المتمركز حول مستشفى الرنتيسي وقصف تل أبيب بصواريخ المقاومة وما نجم عن ذلك من خسائر طائلة في المعدات والأرواح رغم طول امد الحرب المستعرة دون توقف.

- أيضاً تدحرج طوفان الأقصى إقليمياً بمشاركة حزب الله المستمرة في مواجهة جيش الاحتلال عبر الجبهة الشمالية، وخشية واشنطن من تحولها إلى حرب إقليمة قد تتدخل فيها إيران مباشرة. مع أن الأذرع الإيرانية ما فتئت تستهدف القواعد الأمريكية في العراق.

أضف إلى ذلك قيام جماعة أنصار الله الحوثي بالإعلان، يوم الأحد الماضي، عن احتجاز "سفينة الشحن الإسرائيلية "غالاكسي ليدر" جنوبي البحر الأحمر واقتيادها إلى ميناء على الساحل الغربي لليمن حيث تم أسر من فيها.

وعليه فقد وجه الحوثيون تهديداتهم نحو السفن ذات العلاقة بالاحتلال، بمنعها من عبور باب المندب، حيث أرغمت بعض السفن على الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح نحو وجهتها، فيما ضاعفت شركات التامين البحري قيمة التامين على تلك السفن ما رفع من اسعار السلع.

وأدى ذلك بالمتضررين لممارسة الضغوطات على واشنطن كي توقف الحرب على غزة وفق شروط الحوثيين المساندة للمقاومة.

- ثم تأتي الخسائر المادية والبشرية والمعنوية التي يتكبدها الاحتلال (٢٥٠ مليون يومياً) من جراء شنّه حربٍ مجنونةٍ على القطاع، وبالتالي تراجع كافة القطاعات الاقتصادية الإسرائيلية، ما استرعى من الحكومة مراجعة حساباتها بالتفكير الجاد نحو إعادة جزء من الاحتياطي، عساها بذلك تعوّض نقص الموارد البشرية لصالح تلك القطاعات المتضررة.

- عدم قدرة نتنياهو على استعادة "الرهائن" من أيدي حماس، ورضوخ القيادة الإسرائيلية لمطالب المتظاهرين الإسرائيليين بضرورة إبرام صفقة تبادل الأسرى مع فصائل المقاومة في غزة، التي بدا وكأنها تتحكم بالموقف داخل"إسرائيل" من خلال السنوار .

وبعد جهود مضنية بذلها الوسطاء القطريون والمصريون تمت عملية تبادل الأسرى بين حماس و"إسرائيل" على مرحلتين من خلال الهدنة التي نُفِّذَتْ ابتداءً من الساعة السابعة صباح الجمعة الماضية والتي اخترقها جيش الاحتلال في عدة حالات فردية، تسببت إحداها بارتقاء شهيدين.

- ثم تأتي هزيمة السردية الإسرائيلية على صعيد عالمي إزاء السردية الفلسطينية وافتضاح جرائم الاحتلال التي أدّت إلى سقوط أكثر من 15 ألف شهيد كان جلهم من الأطفال والنساء وكبار السن.

وهذا الأمر لم يمنع اهل غزة من رفض التهجير القسري إلى سيناء وقد ساعد في ذلك، الرفضُ المصري الرسمي المتصلب، فيما واجه الغزِّيّون الاحتلال بالصمود الأسطوري، وازداد تمسكهم بمقاومتهم؛ حتى كسبوا احترام العالم وتحول الدم الفلسطيني المراق إلى أيقونة عالمية شديدة التأثير، لدرجة أن غزة امتلكت القدرة على تغيير العالم، واستعادة اسم فلسطين لتتبوأ مكانتها بعد أن طمستها المنصات المجيرة للاحتلال مثل فيسبوك ويوتيوب وغيرها، لولا تحرر المواقع الأكثر استقلالية من نير الضغوطات الصهيونية على نحو موقعي: إكس وتكتوك.

- إن انتصار المقاومة في حرب الإرادات والعقول وما بذله الشعب من ضحايا لم تذهب سداً؛، لأنها حولت الشعب الفلسطيني إلى ظاهرة مؤثرة عالمياً، وقد وصل تأثيرها إلى الشعوب الحرة التي انتفضت مع غزة من خلال دعمها بالمظاهرات العارمة الكبرى التي طافت العواصم العالمية، ناهيك عن دعم حركة مقاطعة المستوطنات الإسرائيلية BDS التي كبدت الاحتلال خسائر بالمليارات اعتماداً على قرار المقاطعة الأوروبية للمستوطنات، نتيجة حكم المحكمة الدولية في لاهاي في العام 2004، والقاضي بأن المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية، وتخرق البند 49 من ميثاق جنيف، الذي يحظر على دولة محتلة أن توطن سكانها في المناطق التي احتلتها.

فما بالك الآن والشعب الفلسطيني في غزة يتعرض لحرب إبادة معلنة، ربطها نتنياهو بنبوءة أشعيا التوراتية التي تدعو لإبادة الخصوم.

- لقد وحد الصمود الغزيّ بين شرفاء العالم والمسلمين بشتى مذاهبهم، حتى أن بعض الدول والأقاليم قررت قطع علاقتها مع الاحتلال مثل: بوليفيا ولشبونة في شبه الجزيرة اللإيبيرية.

وفي 18 نوفمبر الجاري أعلنت المحكمة الجنائية الدولية تقدم كل من جنوب أفريقيا، وبنغلادش، وبوليفيا، وجزر القمر، وجيبوتي" بطلب للتحقيق في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وفق ما قاله المدعي العام للمحكمة كريم خان.

ويجمع الخبراء الذين تحدثوا عن معجزة غزة عبر القنوات الفضائية بأنها استثنائية حتى وصلت ذروتها في السابع من اكتوبر الماضي إذْ نفذت المقاومة عملية "طوفان الأقصى" فكسرت أسطورة الجيش الذي لا يقهر، ارتكازاً على صراع العقول والإرادات.

ومن هنا يأتي تخوف أصحاب خيار "نشر القوات الدولية" من أن يُفْهَمَ على أنه جاء لحفظ ماء وجه الاحتلال، ما قد يدفع بالمقاومة لإجهاضه بالحديد والنار.

إذْ يصر قادة حماس على أن غزة شأن فلسطيني صرف.

ولعل تجربة غزة ألهمت بوتين في التخطيط لبناء نفق استراتيجي تحت البحر يربط بن البر الروسي وشبه جزيرة القرم من خلال الشركات الصينية؛ لمنع الطيران الأوكراني المدعوم غربياً من استهداف جسر القرم الاستراتيجي، الذي ما يزال هدفاً حربياً مع أنه تعرض للتفجير مرتين.. وخاصة أن الفكرة حققت نجاحاً مبهراً في غزة.

هذه غزة التي بصمودها الأسطوري غيرت وجه العالم.. لا بل اثبتت بأن طائر الفينيق الكنعاني الذي يخرج من بين الرماد أشد عنفواناً هو كائن فلسطينيّ وجد ملاذه المعنوي في غزة التي أعادت كتابة السردية الفلسطينية باقتدار.. واثبتت بأن الرواية الصهيونية قائمة على التضليل.

***

بقلم: بكر السباتين

26 نوفمبر 2023

"سقوط الولايات المتحدة داخل المعطف الصهيوني" كان هذا -أو كأنه هو- عنوان مقال قرأته في إحدى الدوريات الإسلامية في ثمانينيات القرن الماضي، ومازال هذا العنوان محفورا في ذاكرتي إلى يومنا هذا.

وجدير بالذكر، أنه في تلك الأيام كانت الصحوة الإسلامية في أوجها وعنفوانها، يومها كنت أنا الفتى المراهق من بين أولئك الذين يمكن تصنيفهم ضمن القطاع الرابع، بحسب تصنيف الأستاذ "فهمي هويدي" في كتاب (الصحوة الإسلامية رؤية نقدية من الداخل)مؤلف جماعي.

والقطاع الرابع بحسب التصنيف أعلاه هو ذلك الجزء من جسم الصحوة المتجسد في تلك الجموع الغفيرة من الناس التي لم تكن مسيسة ولا منظمة و التي كانت تتبنى المشروع الإسلامي كما كانت تطرحه الحركة الإسلامية في كل من المغرب والمشرق الإسلاميين.

وللأمانة فإن القطاع الرابع بدوره كان ينقسم إلى فئتين: فئة ملتزمة بمقتضيات أحكام الشريعة في مختلف مناحي الحياة، وفئة كان التزامها على المستوى التصوري أكثر و أكبر من التزامها السلوكي، إذ كان يعتري هذا الأخيرَ قصورٌ هنا وهناك (وخلق الإنسان ضعيفا) سورة النساء.

وفي ذلك الجو كان مصطلح الصهيونية يُعَرَّف على أنه حركة يهودية صرفة، وأن هذه الأخيرة هي التي تشكل الرؤية الصهيونية للعالم،مع الرفض القاطع لأي محاولة تهدف إلى التمييز بين اليهودية والصهيونية، على اعتبار أنهما وجهان لعملة واحدة، طبعا كان يكرس لنا هذا المفهوم مفكرون وكتاب كانوا ملء السمع والبصر، وعلماء دعاة كانوا نجوما حقيقيين، وقد كان لهم دور كبير جدا في تشكيل العقل و الرأي العام الإسلاميين.

كما كنا لهم نقرأ، ومنهم نسمع بأن الصهيونية إنما هي تلك الجمعية السرية، التي أسسها يهود منذ فجر التاريخ الإسلامي، وهي التي اغتالت الفاروق عمربن الخطاب ومن بعده ذا النورين عثمان بن عفان رضي الله عنهما وهي  نفسها التي اغتالت الملك فيصل، وغيره من العلماء وأصحاب الكفاءات العالية إلخ... رحم الله الجميع، وهي نفسها التي أسقطت أمريكا داخل معطفها بحسب العنوان الذي مر معنا آنفا.

وقد كان هؤلاء العلماء الكبار كثيرا ما يؤكدون أطروحتهم بخصوص الصهيونية، من حيث مفهومها وقدرتها على نسج المؤامرات الرهيبة، بما ورد في كتب كانت حينئذ أشهر من نار على علم من مثل كتاب (بروتوكولات حكماء صهيون)، وكتاب (حكومة العالم الخفية)، و(احجار على رقعة الشطرنج)إلخ....

وما أراني أذيع سرا إذاما قلت بأنني كثيرا ماكنت أهمس لنفسي قائلا: إذا كانت اليهودية والصهيونية شيئا واحدا، فلماذا يا ترى أباح الإسلام لنا نحن المسلمين مؤاكلة اليهود بل ومصاهرتهم!؟ وكيف نفهم قوله تعالى :(لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم.إن الله يحب المقسطين) سورة الممتحنة.  وقوله تعالى: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم، والمحصنات من المؤمنات، والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب) سورة المائدة.

إلى أن ظهرت دراسات علمية رصينة، أخذت على عاتقها  فك الإرتباط بين اليهودية والصهيونية بمعنى أنه ليس كل يهودي صهيونيا وليس كل صهيوني يهوديا بالضرورة، وأن اللوبي الصهيوني نفسه ليس قاصرا على اليهود، وأنه يضم نخبا أخرى غير يهودية بل وحتى مَنْ هم لليهود كارهون، إذ إن مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية المطاف هي اللوبي الحقيقي.وبذلك تم نزع تلك الهالة عن اللوبي الصهيوني الذي يعتبره "البروتوكوليون" -كما سماهم الراحل عبد الوهاب المسيري وهم الذين يؤمنون بأن بروتوكولات حكماء صهيون هي فعلا من تأليف اليهود بينما هي وثيقة منحولة عليهم - تجليا من تجليات الصهيونية العالمية، ليثبت بالحجج الدامغة، والبراهين الساطعة كيف يستمد هذا اللوبي قوته التأثيرية من مدى خدمته لمصالح الإمبريالية الأمريكية بالدرجة الأولى. وأن الكيان الإسرائيلي برمته لا يعدو كونه كيانا عميلا ذا مهمة وظيفية لاغير.

وهذا ما توضحه تللك المحادثة التي دارت بين تيودور هرتزل وملك إيطاليا إيمانويل الثالث في إحدى المناسبات حيث قال هرتزل:" إن نابليون كان قد دعا إلى عودة اليهود إلى فلسطين" فأجابه الملك قائلا:" إن ماكان يريده -أي نابيون- هو أن يجعل اليهود المشتتين في جميع أنحاء العالم عملاء له"وهذا ما كان يؤمن به تشمبرلن وزير خارجية بريطانيا باعتراف الهالك هرتزل نفسه.الأمر الذي يفيد عكس وخلاف ما هو مقرر في (البروتوكولات) "من أن اليهود سيسيطرون على العالم وسيسخرون البشر لخدمتهم"(البروتوكولات واليهودية والصهيونية) عبد الوهاب المسيري.

فلا غرو إذن أن يعيد بايدن مقولته  التي كان قد صرح بها في منتصف ثمانينيات القرن الماضي والتي ذكر بها العالم عندما زار مَواليه في تل أبيب ليشد من أزرهم عند اندلاع معركة طوفان الأقصى:"لولم توجد إسرائيل لكان علينا إيجادها" وقبله قال سلفه ريغن:"إسرائيل تحمي آبار البترول ومصالحنا في المنطقة" ومثل ذلك قال الذين من قبلهم وسيقوله  الآتون من بعدهم.

ومع كل ما تقدم مازال الكثير من الذين لاندعي المزايدة عليهم، بخصوص إدراكهم لحقيقة الدور الوظيفي للكيان الإسرائيلي تند عن أقلامهم، وألسنتهم عبارات وثيقة الصلة بالتفكير "البروتوكولي" فعلى سبيل المثال لاالحصر منذ أيام وعلى "تلفزيون العربي" سئل الدكتور عزمي بشارة عن رأيه بخصوص

اتصال بايدن شخصيا بأهالي الأسرى أوببعضهم ، فرجح لديه أن يكون نفاقه للصهاينة هو سبب ذلك!ولست أرى ما الذي يجبر بايدن على أن ينافق مَواليه، بل الصواب هو أن ذلك يأتي في إطار تفقد الرجل لأحوال أولئك الذين يستخدمهم وقودا، من أجل الحفاظ على قاعدة بلاده العسكرية والأمنية المتقدمة، والتي تغنيه في الحفاظ عن مصالح بلاده في المنطقة، عن عشر حاملات الطائرات تبلغ تكاليفها عشرات البلايين من الدولارات،"ولن يستطيع أي رئيس أمريكي أو كونجرس أن يسمح بتدمير إسرائيل" (الفرصة السانحة) رتشارد نيكسون.

واللافت في الموضوع هو أن الدكتور عزمي نفسه، عاد ليقول في نفس اللقاء بأن أمريكا قادرة على إعطاء تعليمات لإسرائيل بوقف إطلاق النار، وهذا هو الصواب وهذا ما أكد عليه أمين عام حزب الله في معرض حديثه عن معركة طوفان الأقصى في خطابه الأخير، حين قال:"إن الولايات المتحدة الأمريكية هي من تدير الحرب وبالتالي فالضغط ينبغي أن يكون على هذه الإدارة". وفي هذا السياق نقرأ طلب نتنياهو من الرئيس بايدن، ولي نعمته التدخل لتحسين شروط المفاوضات مع حركة حماس فيما يخص تبادل الأسرى لصالح إسرائيل.

من خلال ما تقدم وهو قليل من كثير، فإن الأمريكيين هم السادة أما الإسرائيليون فليسوا سوى مَوالي، نعم موالي لأصحاب الصراع الرئيسيين، واذكر معي عزيزي القارئ ماقاله القائد البريطاني الشهير (جلوب باشا):"إن تاريخ مشكلة الشرق الأوسط إنما يعود إلى القرن السابع للميلاد".ومن ثم فالصهيونية ظاهرة استعمارية غربية وقودها يهود و ديباجاتها اليهودية (الصهيونية والحضارة الغربية)د.عبد الوهاب المسيري."طَلَعَ الصَّباَحُ فَأَطْفِئوا الْقَنْدِيلا".

***

محمد العربي حمودان

التأريخ مكتوب بمداد الدماء المُراقة بأدوات الشرور، والأشرار يصنعون أحداثه في معظم الفترات، وقلة هم الأخيار الذين تصدروا مسيراته.

ولا يُعرف لماذا يميل الناس لتولية أشرارهم عليهم!!

يبدو أن القوة عمياء والذين يتسلطون على المجتمعات يفقدون قدرات التبصر ويذعنون لإرادة الكرسي، وما يمليه على الجالس عليه من سلوكيات مخلة بالعديد من الثوابت الأخلاقية، فالكرسي غابي الطباع، وحشي التطلعات إفتراسي النزعات، ويتأسد ولا يمتلك أي خلق كريم، لأنه يتوجس ومهووس بالأمان المطلوب لديمومته في عرينه الحصين.

والدليل على ما تقدم أن معظم الإنتخابات تأتي بأشرار المجتمعات وتفوض لهم حرية تقرير المصير، كما حصل في ألمانيا وإيطاليا قبل الحرب العالمية الثانية، وفي العديد من الدول المعاصرة.

ومن الواضح أن البشر يقتل الرسل والأنبياء والمصلحين ورواد الفكر والحرية والرحمة والألفة الإنسانية، وفي القرن العشرين قتلوا غاندي، وجرت محاولات لقتل كتاب ومفكرين ودعاة محبة وسلام.

وبرغم محاولات الأديان تهذيب البشر، لكن النفس الأمارة بالسوء فاعلة فيه ومهندسة لتصرفاته، وموقدة للصراعات الدامية، ولهذا الحرب دوّارة والسلام مستحيل.

ويظهر أن الصراع من العوامل الأساسية لتحريك عجلات الحياة، وتأمين البقاء القابل للتواصل والتطور والرقاء، ولكي تتحقق الحركة بتعجيلاتها المتنوعة، ربما لابد من الأشرار اللازمين لتأجيجها وإيقاد ميادينها وشن حروبها.

وأنّى ننظر فثمة دلائل شرور، ومعالم دماء تفور، فالطبع البشري ما تبدل، بل إستخدم مبتكرات العقول للتعبير عن مطموراته ونوازعه الكامنة في أعماق المخلوقات الآدمية.

فما صنعه البشر صار يخدم الخير والشر في آن واحدة، فالسيارة للخير وللشر معا، وكذلك الطائرة، ومبتكرات العقول من أدوات الشرور متعارف عليها وبلغت ذروتها في عصرنا الفتاك.

فلماذا الشر سلطان، والخير مهان؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

هو مطلع أغنية لموسيقار الأجيال الفنان الراحل محمد عبد الوهاب، مازالت كلماته تلهب المشاعر العربية الصادقة نحو المزيد من التضامن وتقديم كافة أشكال الدعم والمساندة لكل شعب عربي مناهض للمؤامرات ومقاوم لظلم ومكافح من أجل سيادته.

توقف العرب باهتمام واسع كبير أمام نتائج جهود الوساطة التي قادتها مصر بمشاركة قطر والولايات المتحدة الأمريكية بين حركة "حماس " الفلسطينية وإسرائيل من أجل وقف مؤقت لإطلاق النار، ومتابعة مراحل عملية تسليم الأسرى من الجانبين.

لم تنتظر السلطات المصرية طويلا حتى شرعت فور دخول الهدنة حيز التنفيذ في الإسراع بمضاعفة إدخال مئات الشاحنات العملاقة المحملة بالمساعدات الإنسانية المختلفة والإغاثية الدوائية والطبية وأيضا الوقود والغاز .. الخ عبر معبر رفح البري إلى قطاع غزة في شكل قوافل متتابعة لا حصر لها وكأنها في سباق مع الزمن لتأمين كل احتياجات أهالي القطاع في أضمن الظروف، وفي أسرع وقت ممكن، والمنتظر أن تتضاعف الإمدادات أكثركما صرح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خاصة طوال أيام الهدنة الأربعة الذي استشعر حكم التاريخ وقواعد الجغرافيا التي ترسم ملامح العلاقة المتينة والمتميزة بين مصر وفلسطين.

لقد تفانت الشعوب العربية في توفير ما أمكنها من الاحتياجات الأساسية لإخوانهم في قطاع غزة لشد أزرهم ودعم صمودهم وتمكينهم من التمسك بالأرض والبقاء في الوطن، وهو السبيل الوحيد لإفشال المخطط الإسرائيلي الرامي إلى التهجير القسري لأهالي القطاع خارجه.

العروبة فعل يصدق القول، إنها فكر وثقافة وسلوك وعمل حي ملموس، في بوتقتها انصهرت منذ القدم إرادات الشعوب العربية طوعا وتلقائية مدفوعة بقواسم الهوية المشتركة والمصير الواحد التي نلمس حقيقتها  في واقع وطبيعة المقومات الأساسية للشعوب العربية وما الهبة اللافتة في الأقطار العربية لنصرة الفلسطينيين في قطاع غزة إلا مظهرا لتأكيد صدق التوثب لانتصار القضية الفلسطينية، ودحرا للإشاعات المغرضة التي تطلقها أبواق الفتن التي تهدف للنيل من التضامن العربي في أصعب الأوقات وأكثرها شدة، وكأن هذه الأبواق لم تفقه معنى " كل أخ عربي .. أخي "لقد تمت المرحلة الأولى من عملية تبادل الأسرى وقامت السلطات المصرية الأمنية بالإشراف الكامل والمباشر على عمليتي استلام وتسليم الأسرى من الجانبين مع تأمين اجراءات الفحص الطبي عليهم، وضمان سلامتهم ونقلهم في أحسن الظروف، ولعل القادم أفضل .

الثابت والمؤكد أن اسرائيل خسرت الكثير في الجولة الأولى من مواجهتها مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس" فلم تحقق أهدافها المعلنة التي تشددت في بداية الأمر لفرضها، ولم تنجح من جهة أخرى في منع وقوع ما أكدت على استحالته، فتم وقف إطلاق النار ولو مؤقتا، وللسخرية اعتبرت اسرائيل موافقتها عليه ممن باب التقاط الأنفاس، وتجري بنجاح عملية تبادل الأسرى رغم أنف اسرائيل، وظلت حركة حماس باقية رغم شدة القصف الجوي والبري والبحري ولم تتمكن اسرائيل من هزمها طوال 50 يوما تقريبا من القتال غير المتكافئ، كما لم تنجح اسرائيل في زحزحة أهالي القطاع وترحيلهم نحو صحراء سيناء، إنها هزيمة قاسية لأنها بأبعاد أربعة.

" كل أخ عربي أخي "مقولة رائعة تحتوي معاني الأخوة وكل القيم النبيلة والمبادئ السامية، وتعكس حجم الاستعداد لوقوف الأخ العربي بجانب أخيه العربي كتفا بكتف ينصره، إنها رد بليغ على من يسوفون المواقف ويسخرون وقت الكوارث الكبرى ويشمتون في المصائب وهم لا يدرون أن هناك فعلا ما أصابهم ويجدر الالتفات إليه في بلادهم ويجب أكثر معالجته.

***

صبحة بغورة

العقل الغربي نفقي الرؤى والتصورات، والعقل الشرقي شمولي النظر، ربما يستغرب الكثيرون مما تقدم، لكنها حقيقة فاعلة ومهيمنة على واقع الحياة في الغرب.

الفهم محدود ويتمركز حول تحقيق الرغبات الذاتية، وما بعدها لا قيمة له ولا معنى، أيا كان نوعه ودرجة أهميته عند الآخرين.

والمجتمعات الغربية فيها مفردات قادحة للرؤى والتصورات وبناء الآراء، ومن العسير مواجهتها عندما تنطلق.

مثلا تعبير الإعتداء الجنسي، الإساءة (أبيوز) بأنواعها، الكذب، السرقة، مخالفة القانون، التجاوز، السلوك الإمتهاني، وغيرها من التعابير والمفردات القادرة على إطلاق ردة فعل إنفعالية شرسة.

والمجتمعات العربية لا تدرك المفردات التي تعمي بصيرة المجتمعات الغربية، ومنها، الخطف، الرهائن، قتل الأبرياء، الأسرى، وأمثالها، فحالما تستخدمها وسائل الإعلام وتقرنها بصور، وحالات مدبلجة ومصنعة في أستوديوهات الفوتوشوب، تنطلق سورة إنفعالية عارمة تلغي البصائر وتعطل العقول، فتجدهم يحدّقون في أنفاقها ولا يرغبون برؤية غيرها، بل يبحثون عمّا يعزز رؤيتهم ويرسخ نظرتهم المغلفة بأتراس إنفعالية سميكة.

ومن التوصيفات التي تذهِب العقول وتفتق براكين الإنفعالات كلمة إرهاب، فتطلق على الأحداث التي يُراد بموجبها إرتكاب أبشع الجرائم.

إنه الإرهاب، وهذا عمل إرهابي، وتبدأ الكلمة بجذب المفردات المعززة لها، وبمواصلة الإقران تتوسع الدائرة لتشمل كل بعيدٍ وقريبٍ، وتمضي مسيرة العزف على أوتار الدمار والخراب، وفقا لمقتضيات القضاء على الإرهاب.

وما يجري من أحداث منذ (7\10\2023) لمفردة رهائن دور كبير فيها، لأنها أعمتهم وحشرتهم في زاوية حادة ذات إنفعالية مضغوطة يقوة.

فتجد المسؤولين لا يرون ولا يسمعون ولا يفهمون سوى رهائن، وعندما تحدثهم عن آلاف الأبرياء الذين يموتون من جراء القصف، لا يسمعون ولا يشعرون ولا يتأثرون، المهم الرهائن، فموت الآلاف لا يعنيهم، المطلوب الإفراج عن الرهائن!!

هذا هو جوهر التفكير والتفاعل القائم في العالم المدّعي بالتحضر، فهل سندرك كيف نخاطب وأي المفردات نستعمل، لنصون حقوقنا ونحافظ على وجودنا العزيز؟!!

***

د. صادق السامرائي

الكثير جداً من الادعاء والجرأة على تصدر المشهد في كل شيء، وكثير من الضحك على المواطن البسيط، مع قليل جداً من احترام عقول الناس، مع إساءة واضحة للنسيج الاجتماعي، وإصرار على إعلاء شأن الطائفية، يضاف لها مفردات عن الإصلاح والمواطنة والفساد الذي حاول صاحبنا محاربته،

كل هذا في خلطة أطلق عليها لقب سياسي، فيما الواقع يقول إن صاحبنا الذي يظهر في الفضائيات مبتسماً، يمثل دور العارف ببواطن الأمور وأسرار ما يجري في الكواليس، يسيء لمهنة السياسة التي دخلها الكثير من أمثاله بالصدفة. هذه هي الخلطة التي يقدمها لنا نائب رئيس الوزراء الأسبق بهاء الأعرجي.

لست في وارد الحديث عن ما قدمه بهاء الأعرجي للسياسة العراقية او ما هي الخدمات التي قدمها للعراق، لكني ساحيلك عزيزي القارئ للقاء الاخير الذي ظهر فيه بهاء الأعرجي ليخبرنا وبلغة استعلاء، واستصغار لمكون اجتماعي وبالحرف الواحد: ليقول :"لقد استعطفنا السنة وأعطيناهم رئاسة مجلس النواب"

كم سنحتمل من استعراضات أمثال بهاء الأعرجي الذين يريدون منا أن نتربى في مزارعهم، وأن نرفع شعار السمع والطاعة؟ كم مرة سنتحمل سياسيا متقاعدا يريد منا أن نلغي كل إمكانية التفكير والبحث، من خلال استدرار عواطف البسطاء واستغفالهم؟!.

يريد السيد بهاء الأعرجي أن يخبرنا أنه لا ضير في التنازل عن القيم وإلغاء المقاييس الأخلاقية، فالسياسة مثلما يفهمها الاعرجي تعني اللعب على أكثر من حبل.

سيقول البعض: ايها الكويتب ما الذي يضرك أن يتحدث مسؤول سابق يناقش الحالة العراقية؟، ألست من الذين صدعوا رؤوسنا بالحديث عن الديمقراطية والراي الآخر؟ أعرف أن هذه البلاد بحاجة إلى مراجعة حقيقية تفتح بها الملفات المغلقة ومصارحة المواطنين بما جرى خلال الأعوام الماضية، كل هذا أتفهمه، ولكن، الذي ما لا أفهمه، ولا أصدقه، كيف يتمكن بهاء الاعرجي من الحديث بكل اريحية دون ان يحاسبه احد على الاساءة في حق مكون اجتماعي عراقي ، والاهم من اين استمد بهاء الاعرجي كل هذه القوة والسلطة .

عَلامَ الانتخابات إذن، إذا كانت المناصب توزع من قبل بهاء الاعرجي؟ ما الذي سيتغير اليوم ما لم تتغير وجوه الامس؟، عن ماذا يتحدث بهاء الأعرجي بكل ثقة؟ ماذا عن المأساة التي عشناها معهم منذ أكثر من عشرين عاما عاماً؟.

كلما تحدث سياسي عراقي أتذكر حكاية سنغافورة ومعجزة لي كوان. وكلما مضت البلاد نحو الخراب، أتذكر حكاية كوريا الجنوبية واستقالة رئيس وزرائها بسبب غرق عبارة، وكلما تذكرت مئات المليارات التي نهبت في مشاريع وهمية ، أردد مع نفسي، ما كان أغنانا عن ظاهرة " بهاء الاعرجي "!

***

علي حسين

تساؤلات يطرحها امثالنا من كبار السن المتقاعدين، حياتهم وما آلت اليهم أمورهم الحياتية مع أسرهم ومجتمعهم، فهم قد يرقدون ولا ينامون، وقد يأكلون ولا يهضمون، وقد يضحكون ولا يفرحون، وقد يوارون دمعتهم تحت بسمتهم، يؤلمهم بُعدُك عنهم، وانصرافُك من جوارهم، واشتغالُك بهاتفك في حضرتهم، لم يعودوا محور البيوت وبؤرة العائلة كما كانوا قبل، فمن يهتم بهم، حوائجهم أبعد من طعام وشراب وملبسٍ ودواء بل وأهم من ذلك بكثير، قريبون من الله دعاؤهم أقرب للقبول، فقدوا والديهم وفقدوا كثيراً من رفقائهم، فقلوبهم جريحة ونفوسهم مطوية على الكثير من الأحزان، الكلمة التي كانت لا تريحهم حال قوتهم الآن تجرحُهم والتي كانت تجرحهم الآن تذبحُهم، لديهم فراغ يحتاج عقلاء رحماء يملؤونه، يحتاجون من يسمع لحديثهم ويأنس لكلامهم ويبدو سعيداً بوجودهم، غادر بهم القطار محطة اللذة وصاروا في صالة انتظار الرحيل، ينتظرون الداعي ليلبوه، يحتاجون إلى بسمةٍ في وجوههم، وكلمةٍ جميلة تطرق آذانهم، ويداً حانية تمتد لأفواههم وعقلاً لا يضيق برؤاهم، هم الأب والأم والجد والجدة وسواهم من ذوي القرابة ممن شابت شعورهم ويبست مشاعرهم، اجعلهم يعيشون أياماً سعيدة ولياليَ مشرقة ويختمون كتاب حياتهم بصفحات ماتعة من البر والسعادة، حتى إذا خلا منهم المكان لا تصبح من النادمين، كن العِوضَ عما فقدوا وكن الربيعَ في خريف عمرهم وكن العُكّازَ فيما تبقى، سلامٌ عليهم وسلامٌ على من يراعونهم، كبار السن سيذهبون وعما قليل ستكون أنت هذا الكبيرَ المسنَّ... فانظر ما أنت صانع وما أنت زارع، حفظ الله أهلينا ورحم كبارنا ومن سبقنا إلى جنات عليين،

قد نشعرنحن اعمار الستين وصعودا ،بغربه داخل أسرتك فأنت مختلف عنهم وأنت ترى ما لا يرونه، فخيالك أوسع وأكبر من تصوراتهم وهذا قد يسبب لك الكثير من المعاناة، فتعرف الكثير عن أسرتك وعن أقاربك وعن مجتمعك وتعرف كثيراً عن دوافع ومسببات أكثر الأفعال والتصرفات وعن السلوكيات اليومية، تتعلم كذلك أن جرحك لا يؤلم أحداً سواك، وأنك لو تألمت فسوف يكون ذلك مفيداً لغيرك بل إن من يبكي حولك لا يفيدك بشيء.

***

نهاد الحديثي

منذ انتهاء العملية الانتخابية السابقة والعراقيون ينتابهم ارتباك وقلق إزاء ماسيفاجئهم في اللاحقة، وهو ليس أمرا طارئا، أو حدثا عابرا، فلو عدنا بالزمن الى الوراء، للمسنا أن المواطن نفسه كان يخطط لمقاطعة من يسمون أنفسهم ممثلين عنه، وما تفكيره وعزمه وتنفيذه المقاطعة، إلا رد فعل لأفعال تكررت في عمليات انتخابية سابقة، كان أبطالها الممثلين أنفسهم، وبحكم تكرار التجربة فقد تنامى حدسه ونضج تخمينه وارتقى توقعه، حتى بلغت به القدرة على استقراء مآل الأمور، وكشف المستور بما يتأبطه له ممثلوه، الى حد الاستنتاج السليم والحكم الصائب والرأي السديد، فلقد تكونت لديه هذه الملَكة، بعد تعاقب الكاذبين وتتالي المخادعين من ممثليه.

ويحضرني هنا بيت من شعر الدارمي، قالته عاشقة لمعشوقها، بعد أن منحته الثقة المطلقة، فيما أبدى لها بعد حين النكران والجحود، وخذلها أيما خذلان، فراحت قائلة:

بيّنت يا كبيحان من ذن حجاياك

وحلكي ارد اشطفه بماي جي سولف وياك

ومن المؤكد أن امتعاض المرؤوسين، إزاء رؤوس الحكم وأولي الأمر والمتصدرين للقرارات في البلاد، لم يكن من وحي (البطر)، إذ أن النظرة التي تبلورت في ذهن المواطن ليست وليدة اللحظة، بل تكونت بفعل تراكم الإحباطات وتكاثر السلبيات. فما حدث سابقا من مقاطعة، هو رد فعل طبيعي أو لعله أضعف الإيمان، أو قد يكون آخر الدواء، بعد أن أعيت المواطن سبل الاستطباب والعلاجات الناجعة، لمشاكله المتأصلة والمرافقة له منذ عقود. وأظن اللوم قد سقط عن المقاطعين للانتخابات، وكما جاء في الأبوذية:

يگلبي بيش اخيطنك ولحماك

ولا واحد شگف عنك ولاحماك

يجيك الضيم من دمك ولحمك

من اقاطعهم تلوم الناس بيه

وقد عول المواطن منذ سقوط النظام السابق على من يتسنم زمام السلطة والتحكم، أنه فارس الأحلام، بعد عقود الجور والظلم والقمع التي عاشها، وقد بنى آماله على هذا الأساس، من دون أن يساوره شك في جدوى التغيير الجذري عام 2003. إلا أن النتائج لم تأت بما تشتهي السفن، بل أتت بما يسد (المشتهاة). وما لاشك فيه، أن خيبة الأمل، وارتفاع سقف الخذلان، يؤججان في نفس المواطن شعورا بالاضطهاد، ويتفاقم إحساسه بالألم لضياع حقوقه وغمطها.

وليس لأي منظر ومطلع على الواقع العراقي من مناص، بإعطاء الحق كل الحق للمواطن، إذ أن الغالبية العظمى من متسيدي القرار في البلاد، يقومون بدورهم حسب الأصول، في إكمال الدور الذي كان يلعبه المنضوون تحت جلباب نظام صدام، من الذين يحلو لهم تذوق آلام العراقيين، والذين ان  لم يجدوا نارا، استعانوا بنار الصديق أو العدو أو الإثنين معا، لتحقيق تلك الرغبة الجامحة التي تنم عن ساديّتهم ودمويتهم.

إن الصنم الذي سقط عام 2003 ليس يتيما، فهناك أصنام أخرى سيأتيها الدور ذاته، لاسيما وهم يتصارعون على استحواذ المناصب والكراسي، ويشدون أيدي بعضهم على بعض سائرين في طريق التحاصص، ومنهم من يريد الإبقاء على الحال رغم سوئه، ومنهم من (يحود النار لكرصته) ومنهم من يتحالف ويتكاتف ويتعاون مع آخرين على الإثم والعدوان، ويتضادد مع كل من يتعاون على البر والتقوى، ومنهم من يتربص للتصيد في عكر المياه، ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وقطعا لن يبدلوا تبديلا.

***

علي علي

الشائع في المدونات التأريخية أن بعض أعلام الأمة من العلماء والمفكرين والفقهاء والشعراء  قتلهم الخلفاء والسلاطين، وتلقى تهمة قتلهم عليهم، والدراسة النفسية والسلوكية للتأريخ تشير إلى أن الذي قتلهم هم زملاؤهم وخصوصا الفقهاء منهم، لأنهم أصبحوا ينافسونهم بدرجة التقرب من الكرسي ونيل المكرمات، وإستماع الخليفة أو السلطان لهم، ومجالستهم.

ولا يوجد عَلم معرفي تم قتله أو حبسه وتهجيره وتعذيبه من غير وشاية أعدها خصومه الفقهاء والعلماء، وإتفاقهم على أنه زنديق ويجب القضاء عليه، ويقنعون الجالس على الكرسي بالخلاص منه.

أي أنهم يؤهلون السلطان نفسيا وعقليا، بأنه بقتله لفلان سيحقق العدل والأمان، وسيحمي الدين من هذا الشيطان.

والسلطان ربما لا يعرفه ولم يَرَه من قبل، وما يجده أمامه في الصباح الموعود نطع وسيف وشخص سيقطع رأسه، بعد أن يسأله بعض أسئلة معدة من قبل خصومه ويعرفون أجوبته عليها، وإن كان السلطان على عجلة فأنه يقطع رأسه وينصرف، أو يعطي الإشارة للسياف بضرب عنقه، أو ربما السياف يعاجله قبل أن ينطق السلطان بكلمة.

هؤلاء الوشاة المتفيقهون من أخطر الذين فعلوا ما فعلوه في مسيرة الأمة، وبسببهم تجد العديد من رموزها  قتلوا وعذبوا، وأصابهم الشديد من أجل أطماعهم وتمسكهم بالتقرب من السلطان، وإستمداد القوة منه والجاه والمكرمات، فهذا عملهم ومصدر رزقهم وبه يتبخترون ويتسيّدون على الناس.

فأنظمة الحكم منذ بداية الدولة الأموية وحتى سقوط الدولة العثمانية مبنية على علاقة الناس بالسلطان، أي أنها مركزية فردية شخصانية بحتة، خالية من دستور واضح وآليات حكم ذات قيمة إدارية قابلة للتطور والتجدد.

فمفهوم الحكم فردي مطلق، وكأن السلطان هو الحاكم بأمر الله لا يُعصى له أمر، وما يقوله مطاع، وهو كالدمية التي تحركها الحاشية التي تتحكم بمصيره، وتتخذه واجهة لتحقيق أطماعها وتنفيذ تطلعاتها المريضة.

هذه الدمى الجالسة على كراسي الحكم، قتلت الكثير من رموز العلم والمعرفة، الذين كانوا يقدَّمون إليهم كالقرابين لإرضاء حاجات الواشين بهم من خصومهم، والمتضررة مصالحهم بسبب صعود نجمهم وشهرتهم وإشراق علومهم وتنامي مكانتهم.

فالمتهم هم الذين يسمون أنفسهم بالفقهاء، وأكثرهم أجرم بحق العلم والدين!!

***

د. صادق السامرائي

12\12\2020

 

العالم يعيش فوق صفيح ساخن من شدة التوترات السياسية والاشتباكات العسكرية شرقا وغربا، بينما بدأت نذر الحرب العالمية الثالثة بالصراع الروسي الأوكراني، وما استتبعه من أزمات للعديد من الأزمات الغذائية الأساسية من قمح وزيوت وطاقة وغيرها، فإنه سرعان ما انتقلت أتون الصراع الدولي إلى منطقتنا العربية، وفي غزة الحبيبة، ولا أحد يعلم إلى أي مدى ستطول أم تقصر المواجهات بين المقاومة في غزة وقوات الاحتلال الإسرائيلي، وإلى أي مدى تتسع دائرة الحرب.

 ومن المعروف اقتصاديا إن اندلاع أية حرب في أي منطقة بالعالم، فإن ذلك يدخل دول المنطقة إلى ما يعرف باقتصاد الحروب، وهو ما يترجم في ارتفاع السلع الأساسية والغذائية على وجه الخصوص، وربما قلة المعروض منها.

 وطامتنا الكبرى في عالمنا العربي إن معظم دولنا تعتمد على استيراد معظم منتجاتها من الخارج، فإذا ما توسعت دائرة الحرب في العالم، وفي القلب منه منطقتنا العربية، فإننا لا شك قد نواجه الهلاك إذا لم نتدارك خطورة المرحلة التاريخية التي نعيشها بكــل تحدياتها.

 ولطالما كتبت عن هذه القضية مرارا وتكرارا لتعظيم ودعم صناعتنا ومنتجاتنا الوطنية، ووقف الاستيراد وتقنين الاستهلاك، ولكن لا حياة لمن تنادي، والله لا أعلم لماذا ننتظر وقوع الكوارث، ثم نبحث بعدها عن حلول للإنقاذ؟ ولا أدري استمرار ثقافة تجاهل تحديات المستقبل القريب، رغم أن شواهده قائمة وبركانه يمكن أن ينفجر بأية لحظة دون عمل حسابات وخطط مستقبلية لتفادي المخاطر المتوقعة.

والمشكلة في عالمنا العربي أيضا أن معظم الشعوب متواكلة تماماً التواكل على الحكومات، وكأنها تعيش في كوكب آخر، بينما الحكومات لديها أيضا من الأزمات العاصفة مما قد يجعلها تتقاعس بعض الأحيان عن درء المخاطر المستقبلية مثل شح الغذاء وارتفاع أسعاره وكافة المنتجات الضرورية الأخرى.

جاءتنا جائحة كورونا وحبسنا جميعا بالبيت ونجانا الله منها، دون أن نتعلم الدرس، وأن هذه الكارثة وما يشبهها يمكن أن تحل في أي لحظة دون استعداد كاف ومسبق لمواجهتها، فهل كل مرة ننتظر حتى تقع الفأس في الرأس حتى نفيق على حماية وجودنا على أراضينا العربية بإنتاج غذائنا وتصنيع احتياجنا من المنتجات المختلفة؟!!!

وكل الدول العربية لديها خبرات واسعة في التصنيع والإنتاج وورش وخبراء فنيين بكافة المجالات، ومع ذلك تقل نسب الصناعات العربية ونصدر المواد الخام دونما العمل على توظيفها في بلادنا وتصنيعها بما يفي بالاحتياجات الوطنية والقومية، والفائض نصدره بأسعار تنافسية.

المشهد العالمي جدا خطير ومنذر للجميع، وعلينا أن نسابق الزمن في وضع خطط سريعة للنهوض بالصناعة والزراعة العربية بكل الأقطار، وإعادة تشكيل الوعي الجمعي العربي بكل طبقاته الاجتماعية لنبذ الإسراف والترف باستهلاك المنتجات المستوردة ، وتحفيز ودعم المنتجات الوطنية والعربية لحماية الاقتصاديات الوطنية، وخلق المزيد من فرص العمل للعمالة العربية بالاقطالأقطار.

وبرأيي، فإن الإعلام لا بد وأن يقود الرأي العام لتغيير طبيعة الاستهلاك اليومي من السلع، وتحفيز الإقبال على المنتجات الوطنية، مع ضرورة أن تنهض صناعتنا العربية لتكون قادرة على منافسة نظيرتها الأجنبية.

ولنا في سلاح المقاطعة للسلع والبراندات العالمية، والذي مارسته معظم الشعوب العربية انتصاراً لشهداء غزة، أكبر الدروس في العودة إلى صناعتنا المحلية، وإن كان ذلك يجري على استحياء، فقد هجرنا للأسف الشديد منتجاتنا المحلية بكل الدول العربية وهي الأكثر فائدة صحية، وذهبنا إلى الثقافة الغربية في الطعام والشراب واللباس، ونسينا أنفسنا وضيعنا خبراتنا وقدراتنا، وعلينا أن نستعيد مواهبنا، ونوظف طاقات أبنائنا ورجالنا في تصنيع احتياجاتنا، وهذا يحتاج إلى صحوة وطنية وقومية عربية صناعية.

ومن الضروري أن يتواكب مع هذه الخطة تطوير النظم التعليمية لكي تتحول من الدراسات النظرية العقيمة إلى التعليم الفني والمهني لتخريج أجيال قادرة على العمل في شتى المهن الصناعية والإنتاجية.

 ***

سارة طالب السهيل

 

لاشك ان الفيسبوكجية إنتماء لأكبر تجمع عالمي عابر للطائفية ولكل أشكال التمييز العنصري وأوسع انتشارا"على وجه الكرة الأرضية التي تعد قرية صغيرة من خلال الشبكة العنكبوتية بإعتبارها النافذة الوحيدة التي تطل من خلالها على العالم والمنبر المفتوح ليدلي كل بدلوه عاكسة اخلاق وتربية الفيسبوكجي .

وهناك قواسم مشتركة بين الفيسبوكجية بغض النظر عن اللغة والموقع والدين والمعتقد منها التعامل مع عالم افتراضي مشترك ومخاطبة المجهول بلوحة مفاتيح موحدة من وراء الشاشة الزرقاء التي تخفي الكثير من الأقنعة المزيفة بأسماء وهمية وعليهم الالتزام بالمعايير الفيسبوكية والتي قد تعرضهم للعقوبات في حال مخالفتهم لتلك الضوابط التي وافقوا عليها.

ومن أصناف الفيسبوكجية هناك من يعجب بكل ما تقع عليه عينه لكل شاردة وواردة ويتابع بلا دراية متصفحا" الصورجاهلا بمضامينها .

ومنهم من يضع تعليقا" بعيدا عن مضمون المنشور من باب الدعاية والترويج لأمر معين .

وهناك من يتفاعل ايجابيا"مع المنشورات من باب النفاق الاكتروني مادحا"في غير محله وبما ليس فيه متفاخرا" بما ذهب اليه والبعض يضع الحق في نصابه .

والبعض يتفاعل سلبيا"من أجل إثارة فتنة أو خلق مشكلة لغاية في نفسه دون أن يعرف مدياتها وما تؤول اليه من خلافات قد تصل إلى نزاعات تفضي الى المحاكم وما أكثرها في يومنا هذا من ما تصدر جهلاء القوم .

وهناك من يتابع دون أن يضع إعجابا "أو تعليقا"لا سلبا"ولا إيجابا"من باب الاطلاع على ما ينشر من أخبار يومية وما يطرأ من حوادث عالمية كواجهة اعلامية لا غير .

لا شك أن الفيس بوك يخبأ بين صفحاته مفكرين ومثقفين وفطاحل وشعراء وأدباء وعلماء وفقهاء ويعد أكبر سوق لعرض أفكارهم ونتاجاتهم من خلال تبادل الخبرات في جميع مجالات الحياة عن طريق مواقع التواصل الإجتماعي وينبغي التحري والبحث عنهم للاستفادة منهم والتزود من مناهلهم باعتبارهم كنوز لا تقدر بثمن في عالم التكنولوجيا بعيدا"عن الصفحات التي تروج لبضاعة رخيصة دون رقابة وفي متناول اليد لكن الوازع الأخلاقي والديني لدى البعض يتعارض مع تلك التوجهات المشبوهة التي جبل الانسان عليها بالفطرة ومنهم من ينزلق في متاهات وملذات الحياة منسلخا"من مبدأ الإنسانية ليقضي ساعات متنكرا" لشخصيته متمارضا"نفسيا" شاهدا"على نفسه بإنفصام الشخصية والتي ابتلي المجتمع بهكذا نماذج تافه لا تدرك خطورة تعاملهم مع الآخرين حتى يستدرج بعض المغفلين الى شباك مكرهم وخديعتهم .

لذا يبنغي التعامل مع الفيس بوك بعقلانية وحذر وبضمائر حية وبمصداقية من خلال عملية التواصل الاجتماعي والتي من اجلها وجد الفيس بوك بعيدا "عن العواطف التي قد تنساق من ورائها لغايات لا تحمد عقباها.

***

حسن شنكالي

لكل أمة تأريخها، ولا توجد أمة بلا تأريخ، مهما طال أو قصر، فالأيام تخط مسيرتها في ذاكرة البشر ومنذ الأزل، فمنهم مَن يكتبها، وأكثرهم يتناقلها شفاهيا، عبر الأجيال، وهذا ما عهدته البشرية لقرون متعددة حتى برزت الكتابة.

والملاحظ في واقعنا، أن العقلية المتوارثة منغمسة في مفاهيم عظمة التأريخ وبهتان الحاضر وفقدان قيمته وأهميته، وتركزت الجهود بأنواعها في الجد والإجتهاد لنبش أجداث الغابرات.

وتجد النخب (مفكرين، فلاسفة، كتاب، وأمثالهم) غاطسين في ملاحم مضى وما إنقضى، حتى لتحسب الحاضر مغيبا، والمستقبل معطّبا، والأموات هم الأحياء، والأحياء في عداد الموتى.

وما يحصل تعبيرات عن إرادات الأموات، ونكران دوران الأرض، وحتمية التغيير والتواصل مع العصر.

وبموجب ذلك، تحولت العديد من مجتمعات الأمة إلى عالات على الآخرين، فهي غير قادرة على إطعام نفسها، وتصنيع سلاحها، وتنمية قوتها، وإدارة ثرواتها، وأكثرها تابعة مذعنة للأقوياء الذين يتحكمون بمصيرها.

فالإمعان بتعظيم التأريخ سلوك يمثل عجز الأجيال، أو يهدف لتعجيزها، فالإعتزاز بالتأريخ لا يعني ما نقوم به من تفاعلات سلبية معه، بل يكون بالإستفادة من جواهر ما فيه، والتعبير عن تواصلنا الإبداعي معه بطاقتنا المعاصرة، وعدم الإستكانة لإرادة الغابرين.

السائد في الوعي الجمعي إرتهان مَرَضي بالتأريخ، وشلل لأية إرادة تواقة لحاضر مزدهر ومستقبل سعيد، فلكل حالة مَعين يبررها في آبار التأريخ.

فهل سنغادر معاقل الضياع والتيهان في الماضيات؟

"بقدْر الكد تُكتَسب المعالي

ومَن طلب العلى سهر الليالي

ومَن طلب العلى من غير كد

أضاع العمر في طلب المُحالِ"!!

***

د. صادق السامرائي

 

لو رجعنا بالبصر الى الوراء قليلا، ونظرنا الى بداية العمليات الأرهابية التي قامت بها العصابات الصهيونية المجرمة كالهاجانة وإرجون وبينار وشتيرن وبلحاح وتحت ظل الأنتداب البريطاني على فلسطين أنذاك، وبدعمهم، تمهيدا لتنفيذ وعد بلفور المشؤوم على الواقع، حيث قامت تلك العصابات الصهيونية بارتكاب ابشع الجرائم، بالهجوم على القرى الفلسطينية وقتل وتهجيرالسكان من قراهم وسلب ممتلكاتهم .

وعقب إنهاء الأنتداب البريطاني على فلسطين، أعلن ديفيد بن غوريون الرئيس التنفيذي للمنظمات الصهيونية العالمية ومدير الوكالة اليهودية، قيام الكيان الاسرائيلي واحتلال اليهود الى ما أسماه (ارضهم التأريخية)،

وهذا الأعلان لم يأت بشكل مفاجئ وبغفلة من البريطانيين، بل بعلمهم وبالتنسيق معهم، وليس بدعم البريطانيين فقط، وانما بدعم الأمبريالية العالمية والدول الأستعمارية الغربية .

فما كان من الدول العربية إلّا القيام بالحرب على هذا الكيان في مايو 1948، كالمملكة الأردنية، والمملكة المصرية، ومملكة العراق والمملكة العربية السعودية وسوريا ولبنان، فكانت تلك الحرب ضد العصابات الصهيونية من عمق مشاعر الجيوش العربية، ولو لا خيانة الحكومات العربية المنصّبة من قِبَل الدول الاستعمارية، بريطانيا وفرنسا، لكانت منتصرة على العصابات الصهيونية، لأن الجيوش العربية كانت بمعنويات عالية، وبإيمان مطلق بالقضية الفلسطينية وعدالتها التي هي قضية العرب والمسلمين، وليس قضية محصورة بالفلسطينيين فقط، على الرغم من أن التسليح كان دون المستوى المطلوب، ومع ذلك أقول، ويشهد التأريخ والعدو قبل الصديق، أن الأنتصارات التي قدمها الجيش العراقي أنذاك عظيمة، وقد حررت جنين، وهي تتقدم نحو التحرير، لولا الأوامر التي جاءت من حكومة بغداد العميلة أنذاك، بإيقاف الزحف في تحرير المزيد من الأرض، مما سبب ذلك ارباك في صفوف القوات المسلحة، فكان احد الاسباب التي أدت الى الخسارة في المعركة، وعلى العموم، ولنكن صريحين، هل من المنطقي ان الكيان الصهيوني الذي دعى وسعى الى تأسيسه بريطانيا بموجب وعد بلفور المشؤوم، وبدعم بريطانيا، وهذه الوثيقة ..

 " تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف الى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية .. "، وفي ذات الوقت تدعم الجيوش العربية (ماما بريطانيا) لتقتل ابنتها (صنيعتها) اسرائيل على أيدي الجيوش العربية التي هي تحت قيادة الحكومات العربية العميلة لها، وهي التي اوجدتها بعد اتفاقية سايكس بيكو، وتجزئتها البلاد العربية في مناطق نفوذ بين الحلفاء..؟ !

فهي مغالطة لا نقاش فيها، في استخدام تبريرات مضللة لأثارة العواطف وحسم النقاش .

ولهذا من البديهي ان تكون نتيجة الحرب العربية الأسرائيلية 1948 هي الخسارة .

كما هو الحال في كل المباحثات التي جرت في المسارات السياسية بين الحكومات العربية واسرائيل بوساطة امريكية، (كامب ديفيد، اوسلو ووو ..) ! فتلك المباحثات بين العرب واسرائيل بإدارة أمريكا، يمكننا ان نشبّهها بما قاله المتنبي (فيك الخصام وأنت الخصم والحكم) .

وبعد نكبة 1948، وانتكاسة حزيران 1967 نستطيع ان نلخص أهم الآثار السلبية منها والأيجابية التي تركتها، وبشكل مختصر، وهي على مستويين :

اولا على المستوى العربي الرسمي المتمثل بالحكومات العربية، فهي

كما تعرفون ونعرف قيامهم وقعودهم وصياحهم ونياحهم والخطب العصماء، فكل ذلك ليس أكثر من زوبعة في فنجان، وهذا منذ الأحتلال والنكبة في 1948 ولحد الآن، من تخاذل الى استسلام، ومن استسلام الى خيانة، ومن خيانة الى تطبيع (انبطاح) بشكل فاضح وواضح، وبعضهم شاؤوا أن ينبطحوا في الظل، خجلين من أن تظهر عوراتهم .

وهل هناك اكثر خذلانا وخيانة من الحكومات العربية في ما رأنياه على طول امتداد الجرائم الوحشية التي ارتكبها الكيان الصهيوني، ويرتكبها بحق الشعب الفلسطيني، وبالخصوص غزة، وآخرها ما نراه اليوم من إبادة جماعية لا مثيل لها .

 ولم يقف أؤلئك المتخاذلون والمستسلمون عند حدود تخاذلهم واستسلامهم وانبطاحهم فحسب، لا بل رأينا وأنتم رأيتم بعض هذه الحكومات العربية المنبطحة كانت أداة تنفيذ للتآمر على مَنْ لا يحذو حذوهم في الأنبطاح، بعد أن لم يبق مَنْ يقف أمام الكيان الصهيو- امريكي، وبشكل قريب ومباشر، إلاّ سوريا الصامدة التي لم تستسلم، وقد دفعت الثمن غالياً على موقفها الثابت .

أما الآثار التي تركتها نكبة 1948 ونكسة حزيران 1967 على مستوى الشارع والجماهير العربية عموماً، والشعب الفلسطيني بشكل خاص، فهي نمو الوعي اتجاه ما يجري على الساحة، وما يمارسه الكيان الصهيو- أمريكي – غربي، من قمع وتشريد ومعاناة الشعب الفلسطيني من مأساة وتشريد .

وحقّاً ما قاله ايميل سيوران " أن تتألم يعني أن تنتج المعرفة "، وما النمو النوعي والكمي الذي حصل عند الاجيال ما بعد النكبة 1948، ونكسة حزيران 1967، إلّا نتاج لتلك المأساة والمعاناة، التي أنتجت روحيات عالية، وبرزت مجموعات من الشباب تحمل في ثنايا ارواحهم طاقات هائلة، وفي نفوسهم ارادات فولاذية عصية على الكسر، أو الألتواء، ومن تلك الحصيلة نمو الوعي، وتحرره من الأطر القومية الضيقة والمشبوهة، وانطلاقهم نحو الفكر النضالي الأنساني التحرري الذي يربطهم بكل القوى الخيرة المناضلة من أجل العدالة والتحرر من الهيمة الأستعمارية، فاتسعت رقعة هذا التوجه التحرري وتأثر الشباب به، والشريحة المثقفة منهم، وكان لا بدّ من هذا الانعتاق، والتوجه الصحيح في المسيرة النضالية، وهذا ينبغي على مختلف الميول والأتجاهات، الفكرية والعقائدية والسياسية، يسارية او اسلامية، وكل حسب امكاناته و توجهاته وقدراته، والكل يصب في بوتقة النضال الفلسطيني، الذي يستقطب كل التيارات الوطنية الثورية وفصائلها النضالية والتحررية.

إذ لم يقتصر النضال التحرري على البندقية، بل كان للقلم دور بارز ومتميز في المعركة .

فالمشاعر الجياشة، والتفاعل مع القضية لما يعانيه الشعب الفلسطيني من ظلم وسلب لحقوقه، وتشريده عن ارضه، و ازدياد حجم وعمق المآسي التي يعيشها، قد أدى وساعد على تبلور الأفكارالنيّرة المتنامية بين صفوف الشباب المتحمس، فتفجرت الطاقات الابداعية في التعبير عن ما يختلج بين طيات نفوسهم، فكانت على اشكال تعبيرية مختلفة، شعرا، قصة، رواية، مقالة، وتعبيرا بالريشة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، أدب المقاومة، هذا النتاج المعرفي والحسي كان وليد رحم المعاناة والمآسي، وما أنتجه شعراء المقاومة من أعمال أدبية عظيمة، تجاوزت الحدود النضالية القومية الضيقة، الى رحاب نضالي تحرري عالمي، وتناغمت نبرات الأصوات التحررية في انشودة اممية تحررية من أجل غد انساني أفضل، وكان لهذا التناغم اثر كبير وفاعل في روحية المناضلين السائرين في طريق ذات الشوكة، في قصائدهم التي تشحذ الهمم في المسيرة النضالية .

 فالقصيدة الفلسطينية لها الدور البارز والملموس من حيث الشكل والمضمون، وخرجت من النمطية والقوالب الجاهزة الى رحاب اوسع من حيث شكل بناء القصيدة واللغة الحية التي تتناغم مع الحس الثوري للقضية الفلسطينة، وتناولها الصور الجديدة في القصيدة التي تنم عن مدى سعة وعي الشاعر وتأثره بالحداثة والتجديد والمعاصرة .

 وكان أول مَنْ أطلق مصطلح أدب المقاومة الفلسطينة هو الشهيد الفلسطيني غسان كنفاني على الأدب الذي بدأ الكتابة في فلسطين منذ 1948 ضد الأحتلال الصهيوني لفلسطين .

وفي الحقيقة أن الأدب ما هو إلاّ فكر مشحون بمشاعر وأحاسيس خلاقة،

 وبصيغة فنية معبرة عما يختلج في أعماق المبدع، فيستمد مادته من المحيط الذي يتأثر به ويتفاعل معه .

 وقد بدأ النضال والمقاومة المسلحة في حمل البندقية منذ الستينات والى ما وصلت اليه اليوم المقاومة في غاية من القوة والعظمة في النضال والمواجهة مع العدو الصهيوني المغرور والمتغطرس، فكسرت شوكته، وأثبتت للعالم أن الكيان الصهيوني أوهن من بيت العنكبوت .

وما عملية طوفان الأقصى إلاّ ملحمة اسطورية لم يشهدها تأريخنا المعاصر، بقيادة ثلة من المؤمنين بقضيتهم، وبإرادة فولاذية، ووعي هو نتاج عمر من معاناة ومأساة مارسها العدو الصهيوني وكيانه المغتصب للارض والحقوق ..

فعملية طوفان الأقصى في الحقيقة، مهما حاولت أن أجد من بين مشاعري وأحاسيسي وبنات أفكاري تعبيرا، فأقولها صدقا وحقا لم أجد ما أريد أن أعبر به، فطوفان الأقصى هو حقّا طوفان بكل ما تعني الكلمة، و سيبقى أثره المرعب في قلوب ونفوس الصهاينة الغزاة، ولا يزول إلاّ بزوالهم .

وما حالة الرعب التي تأكل قلوب قادة الكيان وعلى رأسهم النتن ياهو، الذي أعترف بالسابع من تشرين، يوم إنطلاق عملية طوفان الأقصى بالأسود، لشدة هول العملية البطولية، التي لم يتوقعوها، ولا مرت يوما حتى في احلامهم، بناءا على ما يعرفوه جيدا، وثقتهم التامة من أن الحكام العرب لا خوف منهم ولا أي شئ هم يفعلون، فكان طوفان الأقصى، هو من أقصى الأحتمالات وأبعدها، ولم يكن يخطر على بالهم قط، ولهذا كانت ردود فعل الصدمة جعلت النتن ياهو وقادة الكيان الصهيوني يرتكبون أبشع الجرائم بحق الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير المستشفيات واماكن العبادة من مساجد وكنائس ومدارس، وكل ما هو محرم مسه في حالة الحروب، وذلك لعدم جرأتهم في المواجهه، وفشلهم في تحقيق اي نصر على المقاومة البطلة، وكلما تمادى هذا النتن ياهو في جرائمه، كلما سارع في حفر قبره بنفسه ونهايته التي يحاول ان يهرب منها بجنونه، وهو كالديك المذبوح يهرب من الموت والموت برقبته .

فقوى الشر الغربي وعلى رأسهم أمريكا وما يقومون به من هولوكست مفتوح بحق الشعب الفلسطيني الأعزل من أطفال ونساء وشيوخ ومرضى، فإنهم بجرائمهم هذه ودعمهم لهذا الديك المذبوح (النتن ياهو) لا يمكنهم ان يزيدوا يوما واحدا في عمره، بل يزيدون الى صفحات تأريخهم الأجرامي، صفحات دموية أخرى، أكثر إجراما ودمويةً، حيث كشفوا بهذه الجرائم عن حقيقة وجوههم القبيحة، بعد أن كانوا يخفوها بأقنعة (الأنسانية وحقوق الأنسان الزائفة والخادعة..) .

***

الدكتور ابراهيم الخزعلي

19/11/2023

الطروحات المتكررة في وسائل الإعلام بأنواعها، تهدف لعزل الأمة عن العصر، وإصابتها بالذبول والخمول والشلل والإستنقاع، الذي يعني التدمير لوجودها الحضاري والأخلاقي والثقافي والمعرفي.

فالخطابات المتاجرة بدين تضليلية تخديرية، تهدف لتغييب وعي الأمة وتعويقها، وحرمانها من التفاعل مع معطيات زمانها، لأنها تدعو لتأكيد العقلية الخرافية، والتبعية وتأسيس الحشود القطعانية المرهونة بالسمع والطاعة، والمقيّدة بالممنوعات والمحرمات، وعليها السعي إلى جنات ما تريد بالتقافز إلى ميادين الموت الشديد.

هذا التوجه الإنعزالي والإنقطاعي التمويتي لروح الأمة وعقلها، لا يتفق مع إرادة التفاعل البشري الذي ألغى إرادة المكان، وتمكن من الوصول إلى بقاع الأرض بسرعة خاطفة ومتدفقة بما تحمله من معلومات وأحداث، وتصورات ورؤى وتطلعات تعصف في الحياة الدافقة كالنهر الجاري الفياض.

وربما يغفل المتاجرون بالدين بأن دورهم إنتهى، ومهماتهم تحققت وأعطت أكلها، وتوجب عليهم أن يرحلوا ويبتعدوا عن دروب الحياة، ويتركوا الأجيال الصاعدة تمارس حياتها وتحقق تطلعاتها.

فالثورة المعلوماتية والأعاصير المعرفية ستقتلع الذين يقفون بخرافاتهم وأضاليلهم بوجهها، فالأرض تدور وللتغيير قوة وحضور، ولا تسمح نواميس الأكوان وإرادة الأزمان بمن يقف عثرة في دروبها، المزدحمة بالمستجدات والمعطيات الإبداعية، التي تنتجها العقول الإنسانية الحرة الفاعلة.

وعليه فما عادت هناك قوة قادرة على إستعباد الناس بما تطرحه من غيبيات وهذيانات وتصورات بهتانية لا تصمد أمام أنوار العقول.

فهل أدرك تجار الدين أن الدنيا تغيرت وسكان القبور في قبورهم، والذين يعيشون في ظلمات الكهوف، يتوهمون الحياة على الجدران، لأنهم لا يستطيعون الرؤية في النور!!

فأين الدين القويم الرحيم العزيز المَكين؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

شهدت مصر في الحقبة التاريخية في خمسينيات وستينيات القرن المنقضي .ثورة ثقافية وأدبية وفنية مازالت حاضرة الأن فكان الفن والأدب والشعر والمسرح والسينما والغناء، والصحافة قوة ناعمة لمصر من المحيط الي الخليج ..

وكانت هناك مقولة مشهورة (الكتاب يكتب في القاهرة ويطبع في بيروت ويقرأ في بغداد) فكانت القاهرة منارة ومقصد لكل المواهب في جميع المجالات .. ومع بداية فترة الثمانينيات بدأ عصر الفهلوة والقطط السمان في مجالات مختلفة.. وظهور شخصيات مع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي أطلق عليهم صديقنا الروائي العراقي /حمزة حسن "بالمحتال الخفي" إن أدوات مثل تويتر وفيسبوك تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في المقاهي وعلي المصاطب في الريف وفي جلسات المزاج من تناول الشيشة بالحشيش فقط، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فوراً. أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل (جائزة نوبل) يطلق عليهم / الأديب والفيلسوف الإيطالي / أمبرتو إيكو.

(غزو البلهاء)

ومع وسائل التواصل تنتشر ظاهرة الإحتيال الثقافي ومن السهل على أي شخص، حتى لو لم يقرأ كتاباً في الأدب او الأقتصاد والفلسفة والسياسة والتاريخ والجغرافيا والشعر والفن، وهذه الظاهرة في الجنسين، إستعارة مقاطع وبوستات والتواصل مع كتاب وأدباء وشعراء، ومع مرور الوقت تكتشف ان هذه المقاطع بلا خلفية ثقافية ولا نقدية ولا عقلية أدبية ولا ذوق ففي أثناء دراستنا في كلية الأداب كان مقرر علي كل الاقسام مادة (تذوق الأدب) وكانت نسبة النجاح فيها لاتتعدي 20%رحم الله استاذنا / محمود ذهني. لظهور بهلونات بلا اخلاق، هي الطعم والفخ في البحث عن مكانة وقيمة وأهمية لكائنات معطوبة في المجتمع تبحث لها عن دور فوجدت ضالتها علي شبكات التواصل فيسبوك او غيرها . وهذة الكائنات تعيش في فراغ داخلي كصحراء مترامية الأطراف ليس فيها سوى الفراغ.

بعض هؤلاء يسمى "النرجسي الخفي النخبوي" وهو أخطر وأحط أنواع النرجسية الخفية لقدرته على صنع شخصية مزيفة وقصة حياة ملفقة وطرح نفسه "أديب" وانه ضحية مجتمع وكل أشكال التلاعب والكذب، ويختار ضحاياه للآسف من طبقة من المتعلمين و النخب لرفع مكانته وللشعور بالقيمة والهروب المتواصل من مشاعر دونية راسخة ومن ذات خاوية مزيفة، ومع الوقت تتضح الصورة الزائفة الملفقة وان هذا الكائن يضع على الرف قائمة من الاشخاص مصنفين عندما يكتب بوست في برنامج خاص ولكل واحد لغة خاصة وحكاية خاصة واسلوب تعامل خاص، ووقت صلاحية جاهز مسبقاً كمعادلة حسابية محسومة النتائج، وتتم عملية رفع وتخفيض هؤلاء حسب الحاجة دون أن يعرف أحدهم الآخر، وصنع صورة مثالية مزيفة.

أي أنك أمام " مجمع شخصيات" في شخص واحد. هذا النمط المريض ينتشر في مجتمع مغلق لغياب الثقافة النفسية القادرة على تحليل الشخصيات، ويلجأ للتفسيرات الأخلاقية السطحية مع ان العاهة أعمق وأخطر من ذلك بكثير وانه نوع من الاختلال العقلي المنظم والشرير.

لا يمكن إنكار ان هناك من يحب المعرفة والثقافة.والشعر والأدب والفن حتى بخلفية ثقافية متواضعة لكنه مجرد من النوايا السيئة التي تنتهي بافراغ الضحايا من الطاقة النفسية عبر مسلسل تلاعب خطير وتحويل حياة البعض الى جحيم، وعندما يتم الإكتشاف يكون الأوان قد فات على البعض.انه كان محتال وليس لدية من الفن والأدب اي صلة ..، هذة الظاهرة ازعجت الكثير من المثقفين بعد فتح الباب أمام كثير بالإشتراك في نقابات مهنية ..سمحت لهم بصفة كاتب وأديب وفنان وشاعر... والخ ..!!

يقول الروائي العراقي حمزة حسن / انه اتصل بطبيب أمراض نفسية ..لفهم هذه الظاهرة. قال: "إن ظاهرة الإحتيال الثقافي لتحقيق أهداف كثيرة، ظاهرة جديدة على مجتمعنا العربي، وانتشرت بشكل واسع وهؤلاء يختارون " صيدهم" من نخب الأدب لضمان الأمان والشعور الزائف بالمكانة ويتم الدخول الى عالمهم من خلال التلاعب بمشاعر حساسة لأن هؤلاء أكثر قابلية للوقوع في الفخاخ من غيرهم بسبب حسن الظن والحساسية والرهافة والحاجة للفهم والعواطف النقية، وهذا الصنف " المحتال الخفي" في سلوك مستنزف من اليقظة حتى النوم بدل البحث عن علاج يساعده في تصحيح الإنحراف الوجودي في النظرة للحياة، نسوا وجوههم الحقيقية وصارت الأقنعة وجوهاً من طول وتكرار التجارب، والصعوبة ان هؤلاء لا يعترفون بحالتهم بل العكس بالشعور بالعظمة الزائفة بلا أي أسس متينة ويرفضون تحمل المسؤولية ويرمون اللوم على الآخرين رغم كل أشكال التلاعب الفجة المكشوفة".

كان النصاب القديم يلجأ للطرق المباشرة في الإستغلال المادي أو العاطفي أو السياسي أو الثقافي، بلا أي مخططات تدميرية لكنه اليوم تطورت، وصار " مثقفاً" مع المثقفين وشاعراً مع الشعراء وميكانيكياً مع أصحاب ورش تصليح السيارات، ولا مانع لديه من أن يكون عاشقاً أو خطيباً في مسجد وفقية وحتى موسيقياً ورسام .عندما يصل الخراب الى آخر المساحات النظيفة، عندما يتحول الشعر والأدب والفن، الى أداة قذرة، تكون آخر معاقل الحلم، وآخر مساحة للأمل، قد تلوثت، وآخر حديقة للأحزان السرية قد خرّبتْ.

ثم إلى أين. اصبحت القوة الناعمة في مصر الي الإضمحلال بسبب صعود كثير من المحتاليين علي خشبة المسرح في مجالات كثيرة ..؟!

***

محمد سعد عبد اللطيف .

كاتب وباحث مصري متخصص في علم الجغرافيا السياسية

 

من البديهي تأثير اللغات وهي قديمة قدم الإنسان ولولاها لبقي كباقي الحيوانات دون أن يحدث أي تغيير في حياته والتي تعد وسيلة التفاهم بين أفراد المجتمع في جميع ميادين الحياة على مر السنين ببعض المصطلحات الدخيلة عليها نتيجة

الاختلاط والتداول والتعامل معها دون قصد حتى غدت من اللغة الأم لا سيما بعد تأثر المجتمع بعالم التكنولوجيا وعصر العولمة والانفتاح على القرية الصغيرة (العالم) من خلال الشبكة العنكبوتية ليتباهى البعض بإستخدامها كظاهرة حضارية أو ثقافة دون معرفة مدياتها وتأثيرها في المستقبل على لغة الأم عبر الأجيال والتي قد تكون في مهب الريح حيث تعتبر اللغة هي الهوية التي يفصح عنها الفرد تبعيته بمجرد أن ينطق بها لكن تطعيمها ببعض المصطلحات وتبديل بعضها وتداولها بشكل يومي حتى باتت تتردد على ألسنة الشباب من باب التفاخر وتناسي بعضها بقصد قد يؤدي إلى تفكيكها لتشكل بعد حين لغة ركيكة غير مفهومة لدى البعض من المحافظين على لهجتهم المحلية فلكل قوم لغته الخاصة وعلى سبيل المثال لا الحصر عندما طرق سمعي لمصطلحي (ترند وهاشتاغ) إندهشت وتحيرت حتى بحثت عن معانيهما في القاموس ومثلها (لايك) و(بيج) و(كومينت) و(بوست) و(مسج)و(سيرج) و(كوبي بيست) وغيرها كثير فهذه معاناة البعض من المثقفين فكيف بالبسطاء من أهلنا ؟

عليه ينبغي على الآباء والأمهات وانطلاقا"من الوازع الإخلاقي والإجتماعي الحفاظ على اللغة التي تفوهت بها ألسنتنا منذ الأيام الأولى من طفولتنا البريئة وعدم السماح بالتلاعب بها بأعتبارها من الموروث الشعبي والأصالة التي تميزنا عن غيرنا ولا تحتاج الى تحديث أو تطعيم أو إعوجاج في اللسان كما يفعله بعض الدخلاء المحسوبين وفي حالة تمازجها مع لغة أخرى فالأفضل التكلم بلغة جديدة وتعلمهاكي نأمن شر القوم كما يقال حيث نجد صعوبة وحرج بين وسط أفراد من مجموعة لغوية أخرى لا نجيدها ولا حاجة لإختلاط لغتنا بكلمات بعيدة كل البعد عن ثقافتنا وحضارتنا وأخص بالذكر اللهجة الشنكالية التي نتفرد بها ونتذوقها ولا يجيد لكنتها الاٌ الشنكالي الأصيل وما أعذبها وأجملها بين اللهجات لذا لابد من الحفاظ عليها في صيغتها وقالبها الذي تعلمناه وعدم إنصهارها في لهجات أخرى فكل أمة تفصح عن روحها في الكلمات التي تستعملها وتحافظ عليها جيلا"بعد جيل .

***

حسن شنكالي

 

كنت قد قررت أن أخصص عمود اليوم للحديث عن فيروز بمناسبة عيد ميلادها التاسع والثمانين، المطربة التي يستيقظ العرب على صوتها كل يوم باختلاف مذاهبهم ومعتقداتهم ولهجاتهم، وسياسات بلدانهم، لم تغنِ للحب والعشاق فقط، بل غنت للأوطان والأحلام والمحبة بين الناس، وظلت تؤمن أن الفن جزء من نضال الإنسان في الحياة،

إلا أن ما يجري في بلاد الرافدين التي تم استبدالها إلى بلاد العجائب والغرائب يجعل كاتب مثلي يعتذر لجارة القمر، لأن الغيوم في بلادي لا تريد أن تغادر سماء المواطنين، ولا أحد يريد لبغداد أن يبتسم لها الفجر وأن تزدهر بالألوان والأحلام مثلما غنت لها فيروز ذات يوم: "حييت دجلةُ والأيام هانئةٌ تغفو وتصـــــحو على شاطيك أزمانُ"، فقد ذهب زمان تغفو فيه الناس على أخبار الأمان والاستقرار والازدهار، فبتنا نصحو على إقالة محمد الحلبوسي، وننام على أناشيد حنان الفتلاوي.. وبين هذا وذاك يطل ظل الزعيم الذي بيده أمور البلاد والعباد مثلما أخبرنا المحلل السياسي "أبو ميثاق المساري" وهو يشرح للعراقيين دور الظل العالي في الإطاحة بالحلبوسي حيث قال، لا فض فوه، في برنامج "حبر سياسي" إن تشرين، يقصد احتجاجات تشرين، "انتجت ثلاث قضايا كلها أبادها الواقع السياسي وأرسلها للتاريخ" وأتمنى أن لا يذهب بكم الظن وتعتقدون أن الرجل يقصد إبادة 700 شاب من المتظاهرين، ويضيف المساري أن تشرين: "أنتجت قانون الأحزاب وتم إلغاؤه والحمد لله"، وبعد ياسيدي المحلل؟، يقول لنا بلغة المنتصرين: "وانتخبت حكومة الكاظمي وتم إرسالها إلى حيف"، وماذا بعد ياسيدي المساري؟ يضيف: "وانتخبت الحلبوسي الذي بقي من دون دعامات.. متمسكا بكرسيه، واليوم يذهب" بعدها سيكشف لنا من يقف وراء إبادة مطاليب تشرين موضحاً أن: "الهدف واضح، والعراقيون يعرفونه، ولو شاء فعل.. والأحداث التي جرت في بغداد أنا أشوف ظله.. خياله.. بصمته" بعدها يعلن بأنه سينزع القبعة لهذا الرجل، من هو هذا الرجل؟ تسأله مقدمة البرنامج فيبتسم وهو يردد "العراقيين يعرفونه"، وعندما يقول له الضيف الثاني في البرنامج تقصد السيد نوري المالكي؟" تبدو على وجهه علامات الخجل وهو يردد: "إن ظله واضح". عندما انتهيت من مشاهدة البرنامج تساءلت مع نفسي: لماذا إذن يصدعون رؤوسنا بأن إقالة الحلبوسي تمت بأمر قضائي؟، وأبو ميثاق المقرب من المالكي يخبرنا أن الهداف في هذه المباراة هو السيد رئيس كتلة دولة القانون.

نعود لفيروز التي نشرت ابنتها ريما الرحباني امس الاول شريطاً نادراً لوالدتها من كواليس تحضيرها لتسجيل أغنية عام 1981 كلماتها هي قصيدة جبران خليل جبران " يا بني أمي" حيث نسمع صوت فيروز يصدح بكلمات، كأنها ردّ على احوالنا: في ظلام اللّيل أُناديكُم هل تسمعون؟ ، فمن يسمع صوت هذا الشعب الذي لا ناقة له ولا جمل  في صراع اصحاب " الظل " الكبير.

***

علي حسين

تصلني رسائل فيها عدة لغات إلا العربية، وهي التي تتحدث بها جاليات تقدر بمئات الآلاف في الدول الأجنبية.

وتتساءل لماذا؟

وبرغم ما سيأتي به البعض من أسباب لا تعد ولا تحصى، فالسبب الخفي الحقيقي هو الحرب على لغة الضاد.

أحد الأخوة الكتّاب الذين أتابعهم أزعجني بخطئه الإملائي، فبدلا من كتابة ظلال كتب ضلال، فما يوجعني الخطأ الإملائي، وعندما أجده فيما أنشره، يفقد النص قيمته مهما كان نوعه أو درجته.

العربية تتوجه إليها سهام العدوانية من عدة جهات، وبوجود وسائل التواصل السريعة، بدأت الكثير من المؤسسات المعادية لها بنشر ما يساهم بإيهام أهلها بأنها لغة لا قيمة لها ولا معنى ولا دور، وعليهم مغادرتها إلى لغة أخرى.

وكم أدهشني صديقي الياباني عندما شكوت له عدم وجود مَن يتكلم غير اليابانية في مدينة كيوتو، إذ قال نحن لا نحتاج لغير لغتنا.

وفي سلوكنا المناهض للعربية توجه لمسح الهوية ومحق الذات، وخلق حالة عالوية (من العالة) على الآخرين الذين يقدمون أنفسهم على أنهم قدوة للعالمين، وتلك معضلة حضارية إنطلت على أجيال الأمة، وقادتها الذين لا يجيدون النطق بلسان سليم، ويتباهون بالكلام بلغة أجنبية.

وما وجدنا قائدا من دول الدنيا يتكلم في المحافل الدولية بغير لغته إلا قادتنا، فهم يحسبون الكلام بلغة أجنبية إمتيازا، ويتناسون أنهم يذلون أنفسهم وأمتهم.

قادتنا يدوسون على العربية التي فقدوا قدرات الكلام السليم بها،  وما أكثر الأخطال اللغوية في خطاباتهم!!

 وكم تناسوا قولها: "أنا البحر في أحشائه الدر كامن...فهل سألوا الغواص عن صدفاتي"!!

***

د. ضادق السامرائي

في ذروة المذبحة الصهيو نية في غزة، يعقد وكر التجسس الأميركي الصهــيو ني في شمال العراق " الجامعة الأميركية - فرع دهوك" منتدى للأمن والسلام في الشرق الأوسط بمشاركة ثمانين دولة (حزر فزر، هل ستكون دولة الكيان قاتل أطفال غزة من بينهما بشكل غير رسمي وكخبراء ومستشارين؟)، وبحضور حكومي رسمي يتقدمه وزير الخارجية فؤاد حسين، ونائبي رئيس مجلس النواب العراقي ومُستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي، ونائب رئيس الوزراء العراقي الأسبق بهاء الأعرجي، إضافةً إلى عددٍ آخر من الشخصيات السياسية.

إضافة إلى مشاركة رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني، ورئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني، ونائب رئيس حكومة الإقليم قوباد طالباني، ورئيس الاتحاد الوطني الكوردستاني بافل طالباني، ووزير داخلية الإقليم ريبر أحمد، وعضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني هوشيار زيباري أما على المستوى الدولي، فسيُشارك رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون، ووزير الخزانة البريطاني السابق ناظم زهاوي، ووزير الطاقة والثروات الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار، والمبعوثة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت، ووزير الزراعة والثروة الحيوانية التركي السابق مهدي أكر، إضافةً إلى العديد من الشخصيات السياسية والأكاديميين والخُبراء في مجالات السلام والأمن وتكنولوجيا المعلومات وغيرها.

* وعلى ذكر الجامعة الأميركية ففرعها في بيروت يعتبر من يتضامن مع المقاومة مجرم!الرابط 2: وفي تفاصيل الخبر نقرأ: "بينما يخوض طلاب أكبر الجامعات العريقة في الغرب معارك لإظهار مواقفهم المستنكرة للوحشية الإسرائيلية، وتتمّ ملاحقتهم من قبل لوبيات صهيونية موجودة في حكومات الغرب وفي إدارات هذه المؤسسات، يبدو أن في بيروت من أعجبه الأمر، ويريد تنفيذه في عاصمة المقاومة ضد الاحتلاليْن الأميركي والإسرائيلي. وقد ظهر ذلك بوضوح في سلوك الجامعة الأميركية في بيروت... «إنت وقفتي مع حدا هتف لمحمد الضيف (القائد العام لكتائب القسّا  م). إنت مش بس ممانعة. إنت مجرمة! هكذا قمع أستاذ التاريخ في الجامعة الأميركية في بيروت، مكرم رباح، إحدى الطالبات. رباح نفسه، حرّض إدارة الجامعة على الحركة الطالبية وعلى ابتزاز طلاب المنح الأكاديمية ممن شاركوا في الاحتجاجات التي أدّت إلى إلغاء ندوة لاستضافة أكاديمي صهيوني. فقبل 10 أيام، قرّر زميل رباح وصديقه، الرئيس السابق لقسم الفلسفة في الجامعة الأميركية في بيروت بشار حيدر، استضافة الأكاديمي الصهيوني أليك والن في جلسة نقاش استفزازية عبر تطبيق «زووم»، حول «أخلاقيات الحرب في غزة»، ما أثار غضب قسم من الهيئة التعليمية والطلاب، لما يحمله العنوان من تبنٍّ وترويج للسردية الإسرائيلية. وعلى الفور، تحرّك كل من «الاتحاد الطلابي العام» و«النادي الثقافي الفلسطيني» ومجموعة «معرفة من أجل التحرير»، أمام مبنى معهد السياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة كونه أحد منظّمي الجلسة. ومع انسحاب المعهد من التنظيم، نقل الطلاب تحركهم إلى أمام قسم الفلسفة وهتفوا لغزة ومقاومتها وشعبها الصامد. دفعت التحركات إدارة الجامعة إلى إلغاء الجلسة بحجة ما سمّته «تهديدات أمنية»، متجاهلة إرادة الطلاب والكادر التعليمي.

***

علاء اللامي

.......................

1- رابط تقرير إخباري: انطلاق المنتدى الرابع للامن والسلام في الشرق الاوسط بدهوك.

https://www.kurdistan24.net/ar/story/44008-%D8%A7%D9%86%D8%B7%D9%84%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%AA%D8%AF%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B9-%D9%84%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%88%D8%B3%D8%B7-%D8%A8%D8%AF%D9%87%D9%88%D9%83

2-رابط تقرير إخباري حول ما حدث في الجامعة الأميركية ببيروت: الجامعة الأميركية: من يتضامن مع المقاومة مجرم!

https://al-akhbar.com/Politics/373252

لقد غابت عن العراق في السنوات الخمس والعشرين الماضية المشاريع الإستراتيجية في ظل التطور التكنولوجي العالمي وتطور البنى التحتية لدول العالم والتسابق فيما بينها لتحسين الوضع الاقتصادي والصناعي لبلدانها من خلال مناهج تطويرية مدروسة وخطط مستقبلية لبناء مصانع وشركات عملاقة على أراضيها أو الانفتاح على العالم الخارجي لبناء اقتصادها وصناعاتها خدمة لمصالح شعوبها إلا العراق الذي بقي يراوح ويتخبط في المشاريع الصغيرة التي دون مستوى الطموح والتي لا تلبي احتياجات المواطن بل على العكس تزيد من معاناته بوجود المشاريع والخطط والبرامج الترقيعية التي لا ترتقي لبناء دولة عصرية ومؤسسات حكومية فقد غابت المشاريع العملاقة التي كان لها التأثير الواقعي على الاقتصاد والصناعة والسياسة للعراق وأندثر الكثير منها أو توقف العمل بها تحت وطأة الإهمال المتعمد والعراقيل بشتى السبل والمسميات بقرار سياسي أو حجج واهية يُراد منها توقف تطوير العراق منها قلة التخصيص المالي في ظل ميزانيات حكومية انفجارية في بعض السنوات أو ارتفاع عائدات النفط وأسعاره المرتفعة وخصوصا في السنوات الأخيرة لكن المواطن العراقي يعرف أين ذهبت هذه الأموال الطائلة وبعلم من ويعلم علم اليقين مدى إمكانية العراق ماليا ونوع ثرواته وتعددها ومكامن القوة الاقتصادية له فالمواطن يسأل أين ذهبت أكثر من ثلاثة آلاف من المعامل المتطورة والمعامل والشركات المربحة التي كانت الحكومة تمول برامجها مثلا شركة الصناعات الكهربائية معمل الصناعات البتروكيماوية ومعمل الحديد والصلب ومعمل الجلود ومعمل ألبان أبو غريب ومعمل الزجاج ولا يخفى عليه السياحة الدينية التي تدر المليارات من الدنانير على الأوقاف الخاصة ومعمل الأسمدة وشركة الطرق والجسور التي كان لها الباع الطويل في تأسيس وإنشاء أضخم المشاريع الخدمية والجسور العملاقة الرصينة إلا أن الإهمال الحكومي المتعمد والمقصود في إيقاف عجلة التقدم والبناء وتجهيل المجتمع بأوامر خارجية وإقليمية ودولية معروفة الغرض والدوافع كلها ساهمت في تدني مستوى الخدمات على كافة الأصعدة والتي تراجع البلد على ضوئها ليصبح العراق مرتعا خصبا وسوقا مفتوحا للبضائع الأجنبية والأجهزة والمشاريع الخارجية من بلدان كانت منذ وقت قريب أدنى مستوى منا اقتصاديا وصناعيا والمواطن العراقي ينظر بعين الأسف والمرارة على أمواله التي تتبدد وتُهرب إلى جيوب الفاسدين والمنتفعين والجهلة والبنوك العالمية والعربية التي تبني وتطور بلدانها على حساب الشعب العراقي الذي يعيش أكثر من ثلث شعبه دون مستوى الفقر فمن سيوقف هذا الهدر المالي والبشري والاستنزاف لموارده وثرواته فالعراق بحاجة إلى صحوة ضمير وإطلاق الأيادي الشريفة والعقول الوطنية الخلاقة المبدعة في التفكير والعطاء والبناء والتطوير وإبعاد الفاسدين الملطخة أيديهم بالمال الحرام وسحب هيمنتها على قوت الشعب ومقدراته وطرد الحاقدين والطفيليين الذي يقتاتون على المال الحرام وتجار الحروب للاستفادة منها في سبيل ملء جيوبهم وبنوكهم وخدمة أولياء نعمهم.

***

ضياء محسن الاسدي

 

اذا اردت عزيزي المرشح ان تفوز في انتخابات مجالس المحافظات العراقية التي ستجرى لاحقا في عراقنا الديمقراطيّ جدا وتحتلّ مقعداً في الانتخابات المقبلة لعدة سنوات مليئة بالثراء والحظوة والحصانة وإيفادات السفر وتكون محاطا بشلّة من رجال الحماية المدججين بالسلاح وتحقق ارقاما فلكية في صناديق الاقتراع فما عليك سوى ان تتقيد بالنقاط التالية واتباع التعليمات التي أدرجتها ادناه، ومعذرةً فاني لست ناصحا واعظا فما أقوله هو تجارب سنوات مريرة لمواطن ذاق الويل من عمليتنا السياسية المرتبكة التي خرجت من رحم انتخابات انتجت ديمقراطيتنا الوسخة الرثّة الثوب والمليئة بالخروق والثقوب:

1- افتح شدقيك بكل ما أوتيت من قوة واعلك مفردات النعيم الكاذب المرتقب وشيء من النعرات العشائرية ولا تنس المظلومية والوعود الكاذبة واعزف على وترها عاليا وسيأتيك الملأ زرافات ووحدانا من الفجاج العميقة وغير العميقة يرقصون لك فرحا ويهللون لك مرحبين ويستبشرون بمقدمك .

2- استغلّ المناسبات الدينية وشيّد موكبا وأقم عزاءً وولائم وكن اول من يوزّع الطعام والشراب للسابلة والمدعوين وافترش الطرقات واغلق الشوارع والطرق اذا اقتضت الضرورة وامنع مرور السيارات والعجلات الاخرى وعطِّلْ مصالح الناس وأوقف ارزاقهم فأنت لك الاولوية في انجاز مهامك للارتقاء وليذهب الآخرون الى الدرك الاسفل .

3- زر المجمعات السكنية العشوائية والعشش الفقيرة قبيل الانتخابات ولا بأس ان تعبيء شاحنة او اثنتين ببعض الهدايا البخسة والهدايا الرخيصة وبعض الاموال الورقية على بني جلدتك الفقراء والمعوزين وتوزيعها بمعية رعيّتك وحمايتك المباركة مثلما كان الذين قبلك يوزعون البطانيات وكارتات الهاتف المحمول ويستحسن ان تكون واقفا في الصدارة امام الناس لتوزيع مكرماتك غير السخية ليتسنى لأكبر قدر من الناس مشاهدة طلعتك البهية امام شاشات التلفزيون ويرتسم وجهك الحنون العطوف جدا امام ذاكرتهم .

4- لا تنسَ ان تعبئ أذان سامعيك بالوعود غير ممكنة التحقيق والآمال العريضة كأنْ تصرف لهم حصة وفيرة من عائدات النفط وتسكنهم في بيوت الاحلام وتشيّد لهم الابراج العالية والصروح الضخمة للاستجمام والتنزه في حدائق غنّاء وملاعب واسعة لاطفالهم ومشافي مطببة تقدّم خدماتها الطبية وضمانات تقاعدية مجزية لأعالة اسرتهم وأهليهم عند حلول الشيخوخة او أصيبوا بمرض مزمن لا سامح الله فالحياة لا يأمن جانبها وليس لنا نحن المواطنين سوى الله والدولة ترعانا وترعى جيلنا المقبل وانتم رجالها ورعاة شعبنا .

5- اطرق ابواب الفضائيات الرثّة- وماأكثرها - التي ستهلل لمقدمك واياك ان تتوه عنها فهي كثيرة ويصعب حصرها وعدّها وفي اروقتها تنتشر الاكاذيب وعفن الكلام والمناطحات بالالسن وبؤس الحوارات ولا تغفل ان تكون ابتسامتك عريضة امام الكاميرات واسترشد بمقولة " اكذب ..اكذب .. اكذب حتى يصدقك الناس " فمازال حبل الكذب طويلا اذا تعلّقتَ به كالبهلوان بمعونة تلك القنوات التي تغدق عليك ماليس بك من اوصاف وطبائع .

6- قم بزيارات واسعة الى شيوخ العشائر ووجهاء القبائل والأفخاذ واغدق عليهم بالاوراق الخضر والحمر وافرش سُفرتَك بما لذّ وطاب من طعام وشراب وعليك ان توزع لبن " اكتفيا " بين صحن وآخر خوفا من ان يصاب هؤلاء بالتخمة المفرطة كي يقوموا بإقناع رعاياهم من افراد العشيرة لضمان انتخابك وان لم ينفع الاقناع فلا سبيل سوى ارغامهم وتهديدهم وقطع المعونة عنهم . ولا بأس من توزيع كارتات الشحن واجهزة النقال الصينية الرخيصة او ما توفر من اجهزة تدفئة بخسة الثمن لتكسب ودّهم ولتقيهم من برد الشتاء الذي حلّ علينا ماطرا باردا مغرقا شوارعنا وبيوتنا بالماء والسيول في وقت مبكر مثلما عمل سابقوك قبلا .

7- قم باستغلال الرموز الدينية لحملتك الانتخابية واعمل على تسييس الطقوس الدينية النجيبة في اعماقنا ولا مانع ان تستخدم التهديد والوعيد لمن لا يريدك وترعبه بجهنم الحمراء قرارا مؤبدا له واستعمل لغة الترغيب والثواب الحسن والمثوى الخالد في جنات النعيم لمن اختارك نائبا له وليكن شيوخ الجوامع والحسينيات خير عون لك وساعدا ايمن لنصرتك وإعلاء شأنك بين الجماهير التي عملت على تضليلها والملأ الذين ارعبتهم بتهديدك ووعيدك لأنك في نظرهم ظلّ الله في ارضه ولسان حال الفقراء والمساكين والغارمين والجوعى والمسحوقين .

8- وبعد ان يتحقق فوزك الاكيد لابد ان تنسى كل من أوصلك وحقق لك ماتصبو اليه وأكثر من غيابك اثناء جلسات مجلسكم غير الموقّر وابحث عن مصالحك الشخصية المركونة في الرفوف العليا ولتكن اجندات وملفات مصالح من انتخبوك تحت اقدامك لتعتلي حتى تصل الى ملفاتك الخاصة ولتكن أعتاق ناخبيك سُلّماً لنوازعك ورغباتك وشهواتك في حب الجاه والمال والحظوة العالية .

نأمل ان يأخذ بيدك الشيطان لخدمة رعيتك ومقرّبيك وارجو ان تسرع بملء جيبك وتعجل باشباع رغباتك، اما الشعب فلا تفكّر فيه فلهُ ربٌّ يحميه .

لا عليك إنْ أقدم الغاضبون من أهلنا على تمزيق لافتات الدعاية الانتخابية قبيل الانتخابات في الساحات الرئيسية والشوارع الهامة ؛ فهم يائسون منكم يأس ابليس في النعيم الكاذب الذي توهمونه للملأ فأنت فائز لا محالة رغم أنوف عامة الشعب المساكين، فهؤلاء لا يأملون خيرا فيكم طالما انتم صخرة لا ينفجر ماؤها ولكنها صخرة تشجّ رؤوسنا طالما بقيتم حجر عثرة في طريق النماء والتقدم لبلادنا المنكوبة بكم .

***

جواد غلوم

 

عندما يتحدث العراقيون عن ماضي بلاد وادي الرافدين العظيم هل ينبغي لهم الفخر بذلك الماضي، ام انه يشعرهم بالاحراج والخجل؟

في بلاد الرافدين وفي ماضيها القديم جداً والذي يسبق نشوء كل الحضارات المعروفة، تم اختراع الكتابة والعجلة والزراعة المستقرة، وهذه العناصر هي اسس الاستقرار وبناء المدن وبالتالي التحضر ..

السؤال هو: لماذا حصلت هذه القطيعة الكبيرة مع ذلك الماضي العظيم؟؟ لماذا توقفت الاجيال اللاحقة عن الاستمرار بمسيرة اجدادهم؟؟

لايمكن القاء اللوم على الامبريالية والصهيونية والغرب ..

التدهور والركود حصل قبل اكتشاف امريكا (يعني امريكا ليست طرفاً في ذلك) وقبل قيام اسرائيل والحركة الصهيونية !!

اما اوربا فكانت تعاني من الفقر واحياناً الجوع ولم تكن قد بدأت ثورتها الصناعية، وبالتالي الحركة الاستعمارية لقارات العالم!!!

ما الذي كان وراء ركودنا ونكوصنا؟

نشر أحد الاصدقاء اليوم منشوراً ذكر فيه ان الخوارزمي تولى في زمن المأمون مسؤولية بيت الحكمة، ويعود الى ذلك العالم الكبير الفضل في مايعرف اليوم بالخوارزميات التي تتحكم في الحياة المعاصرة وتسمى بأسمه.

تاريخ حكم المأمون وتولي الخوارزمي المسؤولية يسبق كل الاحداث الدولية والكيانات التي نتهمها بالتآمر علينا ..

 لقد تولى المأمون ابن هارون الرشيد الخلافة في الدولة العباسية في (أغسطس عام 813م) ..في حين ان الثورة الصناعية في اوربا قد بدأت في القرن الثامن عشر !! واليكم الاقتباس التالي:

(رأى إريك هوبسباوم أن الثورة الصناعية بدأت في بريطانيا في ثمانينيات القرن الثامن عشر ولم يتم الشعور بها بالكامل حتى ثلاثينيات أو أربعينيات القرن التاسع عشر، بينما أكد تي إس أشتون أنها حصلت مابين ١٧٦٠ و١٨٣٠).

بمعنى انها قامت بعد الف سنة من حكم المأمون.

لماذا حصل الجمود لدينا؟؟؟

هل ان كوننا ورثة تلك الحضارة العظيمة يرتّب علينا واجبات معينة؟

هل ينبغي ان نكون خير خلف لخير سلف؟؟

ام اننا خلف آخر مختلف عن ذلك السلف العظيم؟؟

أنا شخصياً استحي من العالم.

***

د. صلاح حزام

تشكيل لجان مناقشة الرسائل العلمية في الجامعات العراقية - تعليمات مقترحة

تنويه: هذه مذكرة مرفوعة الى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، واللجنة العلمية بمجلس النواب للنظر فيها بهدف اقرارها وتعميمها على الجامعات العراقية.

*

كنا اجرينا استطلاعا في (14 / 11 /2023) عن واقع تشكيل لجان مناقشة اطاريح الدكتوراه ورسائل الماجستير في الجامعات شارك فيه (376) من الأكاديميين والمثقفين شخصّت واقعها بالاتي:

- لم تعد للاعتبارات العلمية المعيار الأساسي للاختيار.

- مظهر اخر من مظاهر الفساد الأخلاقي عند شريحة كان المفروض ان تكون الأرقى.

- لا يريدون من يناقش بشكل جدي.

- الاطاريح والرسائل ضعيفه جدا والمشرف ليس من ذوي الاختصاص والقسم يريد يحافظ على عدم ظهور السلبيات.

- يفضلون مناقشين تربطهم علاقة صداقة بطريقة تبادلية.

- مجاملات، وموائد، حطني و احطك، غطيلي واغطيلك، المهم النتيجة امتياز.

وانطلاقا من دافع الحرص على سمعة الجامعات العراقية والتوكيد على رصانة التعليم العالي في العراق، في ادناه تعليمات مقترحة لغرض الحد من هذه الظاهرة، تخص نوعية او طريقة تشكيل اعضاء لجان المناقشات تحديدا وليس شروطها.

اولا: لجان اطاريح الدكتوراه

- تكون مهمة تحديد اسماء المناقشين لأطاريح الدكتوراه من اختصاص اللجنة العلمية في القسم، برئاسة او عضوية رئيس القسم ومصادقة مجلس الكلية.

- تتألف لجنة مناقشة اطروحة الدكتوراه من خمسة أعضاء يكون رئيسها وعضو آخر بمرتبة (أستاذ – بروفيسور)، وثلاثة بمرتبة استاذ مساعد من حملة الدكتوراه مضت على ترقيتهم سنتان في الاقل، ويفضل ان يكون جميعهم بمرتبة استاذ.

- يكون اثنان من المناقشين من نفس الأختصاص الدقيق لموضوع الأطروحة، وواحد في الأختصاص العام، وواحد في تخصص منهجية البحث العلمي او الأحصاء، وواحد تحدده اللجنة العلمية في القسم.

- يكون اثنان من المناقشين من جامعتين غير الجامعة التي ينتمي لها طالب الدكتوراه.

- يفضل تحديد مدة مناقشة العضو المناقش بخمسين دقيقة، ولرئيس لجنة المناقشة منحه الوقت الأضافي الذي يراه مناسبا.

- لا يحق للاستاذ الجامعي مناقشة اكثر من رسالتين علميتين (اطروحة، ماجستير) في الشهر الواحد.

 ان لا تقل خدمة العضو المناقش في التدريس الجامعي عن خمس سنوات.

ثانيا: لجان رسائل الماجستير

- تكون مهمة تحديد اسماء المناقشين من اختصاص اللجنة العلمية في القسم، برئاسة او عضوية رئيس القسم ومصادقة مجلس الكلية.

- تتالف لحنة المناقشة لرسالة الماجستير من ثلاثة اعضاء لا تقل مرتبة اثنين منهم عن استاذ مساعد ويكون الثالث، عند الضرورة، بمرتبة مدرس من حملة الدكتوراه وله خبرة في التدريس لا تقل عن سنتين، ويكون رئيس اللجنة هو الأقدم في التدريس الجامعي.

- يشترط ان يكون احد اعضاء لجنة المناقشة من جامعة اخرى غير الجامعة التي ينتمي لها صاحب رسالة الماجستير.

- يفضل ان يكون احد المناقشين متخصصا في منهجية البحث تحديدا.

- يفضل تحديد مدة مناقشة العضو المناقش ب(45) دقيقة، ولرئيس لجنة المناقشة منحه الوقت الأضافي الذي يراه مناسبا.

- لا يحق للاستاذ الجامعي مناقشة اكثر من رسالتين علميتين (اطروحة، ماجستير) في الشهر الواحد.

- عدم اقامة ولائم الغداء او العشاء قبل يوم المناقشة، والطالب حر في اقامتها من عدمها بعد انتهاء المناقشة..أو منعها بالمطلق.

- يتولى جهاز الاشراف والتقويم في وزارة التعليم العالي والبحث اعتماد هذه الالية في تشكيل لجان مناقشة اطاريح الدكتوراه ورسائل الماجستير سيما في الجامعات الفتية، والرجوع الى التوصيات التي اقرها مؤتمر التعليم العالي السابع في (22 ايلول 2004) الذي اعتبر حدثا علميا وفكريا بتاريخ التعليم العالي في العراق والمعتمدة توصياته في وزارة التعليم العالي.

عنهم

أ . د . قاسم حسين صالح

أكاديمي وكاتب

18 / 11 / 2023

في المثقف اليوم