أقلام حرة

أقلام حرة

يتقلب يوم العراقيين كعادتهم بين ليل مظلم ونهار أكثر ظلاما، وصباح حالك ومساء أشد حلكة، وبين هذا وذاك يأتي بصيص ضوء من كوة أضيق من سم الخياط، لايستشعره إلا القلة القليلة من الناجين سهوا، او المؤجل إعدامهم تحت قبة برلمانهم، أو قبب أخريات يعرف دهاليزها الحكام، تنضوي تحت طائلة المؤسسات التي تميّع حقوق المواطن، وبالتالي يميّع وجوده وكيانه فيكون نسيا منسيا.

ووفق هذا الواقع المعاش، فإن الفصل بين ساحة حرب وموت، وساحة سلم وحياة، ماعاد ممكنا، إذ جثم شبح الموت على كل صفحات الحياة، وخيم الظلام على نهار المواطن بعد أن كان مقتصرا على ليله، مع انعدام أمل الخلاص القريب والرجاء البعيد، ولسان حاله يجسد الدارمي:

أظلم سبع كامات بير الطحت بيه

لادرج واصعد بيه وفوكايه شمات

لم يكن ماتقدم من سطور سيناريو مشهد مسرحي، او فكرة فلم رعب، ولا هو تهيؤات محتضر، او هلوسة مجنون، أو خربشات معتوه، إنما هو قراءة سريعة لواقع مرير يعيشه أكثر من أربعين مليون شخص، يشغلون مساحة (437,072) كم مربعا، اشتركوا جميعهم باقتسام القلق والخوف من الحاضر ومن المستقبل على حد سواء، كما تقاسموا ضنك العيش والسعي وراء الرزق باحثين عنه، لاهثين وراءه في أضيق منافذه، وكانت لهم الحصة الأكبر من التهجير القسري والسفر المحتوم الذي ماكانوا يختارونه إلا كحلّ وحيد، وخطوة لامناص من اتخاذها منطلقا الى دول مشارق الأرض ومغاربها، تاركين أهليهم ووطنهم الذي نشأوا وترعرعوا فيه، لعلهم يجدون ضالتهم هناك في أمنهم وعيشهم.

أما الذين ارتأوا البقاء داخل حدود العراق تحت مطارق العيش القلق، والخوف المستديم، والموت المداهم على الأبواب، كانوا قد شكروا الله كثيرا قبل عشرين عاما، حين انقشع عنهم مسبب كل هذه المعاناة، إذ انفتحت أمامهم أبواب الأمل على مصاريعها، وظنوا أن الحلم في العيش الهانئ الرغيد في بلدهم آن له أوان التحقيق، لكن، أتت الرياح بما لايشتهون، فصاروا يرددون صباح مساء:

رب يوم بكيت فيه فلما

صرت في غيره بكيت عليه

اليوم، يعود العراقيون من جديد إلى مضغ آلامهم على أضراس نخرها اليأس من التغيير، التغيير الذي لم يبق من مسامير نعشه إلا مسمار واحد، لعله الفسحة التي لولاها لضاق عيشهم حد إزهاق الأرواح، بعد أن تكالبت على أرزاقهم وخيرات بلادهم، حكومات وشخوص التصقت بكراسي التحكم، واستقتلت من أجل الربح والريع والمردود والمنافع والأخذ، واختفت من قواميسهم مصطلحات الإيثار والتضحية والعطاء، وهم يحتمون دوما بأغطية جاهزة، منها دينية ومنها عشائرية وأخرى مناطقية، فضلا عن الحزبية والكتلوية والإقليمية، وفي كل الأحوال هم متشبثون بكراسيهم لامحالة، وجسدوا مثلنا القائل: (أعمى وجلّب بشباج الكاظم)

نعم، هذه المعطيات رغم قسوتها، باتت حقيقة واقعة على أوسع نطاق في مفاصل البلاد، وقد يرسم بعض العراقيين صورا جميلة لقادم الأيام، متوسمين بفرسان الأحلام الجدد الذي سيعتلون صهوة المناصب تشريعا وتنفيذا، عاجلا بالانتخابات المبكرة، أو آجلا بمواعيدها المنصوص عليها دستوريا، أن يأتوا لهم بـ (الذيب من ذيلو) وظانين أن حكامهم الجدد سيجعلون الشمس تشرق عليهم من الغرب، لتنير جانبهم الذي بات مظلما وأضحى كذلك طيلة عقود.

غير أن الحقيقة المرة واليقين المؤلم، هو إيمان معظم العراقيين أن رسمهم هذا من وحي الخيال، وهو لا يجدي نفعا ليكون واقعا ملموسا، فهم يعيشون حاضرهم، على أطلال ماضيهم، دون التطلع إلى مستقبل أفضل بعدما أضحى سرابا.

***

علي علي 

العقل يرى ولكي يرى لا بد من الضياء ، وضياء العقل لا تراه العيون، والبصائر تتوضأ به، وتدرك ما فيه من الأنوار.

ضياء العقل ينث أنوارا كونية وشعاع إدراك فياض يكشف غطاء الخفاء.

ضياء العقل برق يومض في دياجير التفكير والخيال المصدح في مدارات الإنكشاف والإهتداء إلى عين اليقين.

ضياء العقل، وهج الوحدادية وإطلاق جوهر الموجودات وإعادتها إلى أصلها المشترك.

ضياء العقل، نور يلد نورا، وإشراق يسطع في عوالم البحث عن كنه الغيوب، وجمان الدراية الواعية الخانسة في قيعان الدجى العميق.

ضياء العقل، بسملة بلسان الوهم الدفاق من أنوار العالمين الناطقين بإسم الرحمن الرحيم الرؤوف العطوف المنان الكاشف للغيوب.

ضياء العقل، يأخذنا إلى عوالم وما أوتيتم من العلم إلا قليلا، ويمنحنا طاقة البحث عن معارف في مدارات علوية.

ضياء العقل، طاقة كونية وإرادة صيرورة إنسانية سامية محلقة في فضاءات العروش العلوية، المتساقية من فيض الفيوض الإشراقية.

ضياء العقل، درة الذات المنبثقة من رحم الوجود المطلق، التي تترنم بآيات التواصل والتنامي والإرتقاء إلى طاقات كن.

ضياء العقل، صوت الحق المصدح في أرجاء الوجود، الباعث لصدى الكينونات الكبرى في ميادين التفاعلات الساعية لمجد الهداية ونكران البداية المعبأة بطاقات السرمد البعيد.

ضياء العقل، يفيض بأفئدة الموجودات الحية، الكانزات لإرادات معناها وفحوى إنبثاقها من ذات بذورها المتشوقة لمروج العلاء السعيد.

ضياء العقل، سطع في ديجور المتاهات البشرية، فأوجد سبلا للتعبير من رسالة المخلوقات، على مسرح الحياة الساعية إلى إبتداء جديد.

ضياء العقل، يجلو الرؤى والتصورات وتمويه الأضاليل والأباطيل، وينقي الإنسان من الشوائب والأوضار.

فأين العقل وأنوار يعقلون؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

نحن شعب لا نحسن الاختيار!! كل الشعب والجياع يتطلع لتشييع الوجوه الكالحة من الخط الاول والنواب والمحافظين، ونساءل الله أن يهدي الكتل السياسية والحكومة المركزية إلى اختيارالاكفأ والنزية وبدون محاصصة في المناصب السيادية والمهمة، لكنهم عودوناعلى اختراع أكاذيب، ثم محاولة تحويلها إلى واقع هدفه اغراقنا بالفشل والخيبات والازمات، هم طبقة فاسدة بلا انتماء للوطن، ويحتمون بالحصانة الوظيفية ضد الفساد، يلبس بعضهم عباءة الفضيلة ليداري الرذيلة، ولكنّ روائح فسادهم الكريهة ملأت أروقة مؤسسات الدولة، وتسربت منها إلى الشوارع والأقضية والنواحي والمدن، وتحوّل بعضهم إلى مصيبة وقعت على رؤوس الناس البسطاء، يحتمون بالمناصب والوجاهة الاجتماعية والسطوة في الوقت الذي يشتكي فيه المواطن من البيروقراطية القاتلة، وانتشار الفساد المالي والإداري وتفشي الرشوة والمحسوبية.

نحن شعب نعشق التناقضات في حياتنا، نحن العراقيون اباة، نحب الحياة، ونعشق الجمال، نتزوج، وننجب ذكورا واناثا، ومع ذلك يحلو لنا التحرش بالنساء، نصلي ونصوم ونؤدي طقوس العبادة ولكننا نشرب الخمر، ونلعب دور (الفتوة) وننسى كل ذلك حال خروجنا من الجامع والمسجد، نبيع الفضيلة بارشاداتنا لاولادنا وعوائلنا، ونرتكب الخطايا واحدة تلو الاخرى، ندرس وننجح، ولكن بدون قناعة لكثرة العاطلين، ندعو الرجال للتزوج من الارامل والمطلقات والعوانس، ولكن دون ان ندرس تكاليف الحياة وعمق ماساة غلاء المعيشة وخوفا من الزوجة الاولى ام العيال!!، وفقدت الثقة بين الرجل والمراة في حرم الجامعة ودوائر العمل، لكثرة الهمز واللمز—والفتاة العزباء باتت تخشى الزواج خوفا من النصيب والفال السيء!!نحن نغضب دائماً، وتتوتر أعصابنا، احيانا لاتفه الاشياء، نغضب بسبب الاختناقات المرورية في التقاطعات، لكننا نضع أعصابنا في ثلاجة عندما تتكرر أمام أعيننا المشاهد المؤلمة لظاهرة تسول الأطفال في التقاطعات المرورية، ونغضب أشد الغضب لمنظر امرأة تتسول، ولا نغضب لمنظر طفل لا يرتدي حذاءً،

نستصعب تسديد ما بذمتنا من ديون، ونستكثر دفع الحد الأدنى لمن يستحق المساعدة من الفقراء والمحتاجين، لكننا نستسهل دفع الرشوة لمن يطلب منا ذلك، من دون أن نحتج أو نغضب أو نرفض، نتمادى في عرقلة سير المركبات، وربما نجبرها على تغيير مسارها، أو نمنعها من الحركة حتى لو كانت المركبة سيارة إسعاف تنقل مصابا إلى المستشفى، أو عربة إطفاء في سباق مع الزمن لإخماد النيران المشتعلة وسط الحي، نعيش في عصر يهتم فيه بعض أصحاب المواقع العليا بمظهرهم لا بجوهرهم، فنراهم كيف يتلاعبون بتضاريس وجوههم، يضعون الأقنعة التنكرية لتغطية ملامحهم الحقيقية، يتخذون ماكياج الوقار الزائف كبطاقات ترانزيت لعبور بوابات النصب والاحتيال، أو لاستغلال سذاجة الناس وطيبتهم، تمهيداً لتحقيق مآربهم الدنيوية، ونيل المناصب والدرجات الرفيعة، فانحصرت أدوات التظاهر بترديد بعض العبارات المشفرة، والكلمات المنمقة، وإظهار الشدة والصلابة المفتعلة وقت الضرورة ووقت الحاجة، والتمسك بالقشور إلى درجة المبالغة في استعراض صور نمطية منسوخة من قوالب كاريكاتيرية متناظرة، حتى صار من المألوف مشاهدة الكثير من هذه النماذج المتخشبة، من الذين أساءوا للناس وللحياة بحركاتهم المصطنعة وكلامهم البغي.

نحتل موقع الصدارة بين أقطار كوكب الأرض في استيراد هذا الكم الهائل من أجهزة الهواتف النقالة بشريحة أو بشريحتين، بعدسة أو بعدستين من باب التباهي والوجاهة والإسراف، فانشغلنا بهواتفنا من الصباح إلى المساء، وتعالت جدران العزلة بيننا، ولم نعد نتحدث مع بعضنا البعض حتى تحت سقف الأسرة التي تجمعنا، استوردنا من السيارات الحديثة فوق طاقة شوارعنا الاستيعابية، حتى تكدست عندنا بأعداد وأحجام وموديلات لا تخطر على بال الجن الأزرق، لكننا لم نفكر في يوم من الأيام ببناء معمل واحد لإنتاج قطع الغيار، ولم نخطط لتصنيع بعض الأجزاء الصغيرة في السيارة كالمصابيح والإكسسوارات الخارجية والمقاعد الداخلية، عندما نسافر خارج البلاد نتصــــــرف وكأننا ملائكة غادرت أسوار المدينة الفاضلة لنعلن للعالم عن التزامنا الروحي والأخـــلاقي بالأعراف والأنظمة والقوانين المرعية في البلـــــدان التي نزورها، لكنــــــنا سرعان ما ننقلب على أنفسنا ونعلن تمردنا على كل الأعراف والتقاليد والأنظمة حالما نعود إلى بلادنا، فنلجأ إلى ممارسة هواياتنا الفوضوية في البيت والسوق ومكان العمل، ويحلو لبعضنا العودة إلى العصور البدائية في التصرف وفي الأخلاق والسلوك، ليس المهم ما نحمله من ذكاء ومواهب ومهارات ومؤهلات وقدرات علمية وإدارية ومهنية حتى نتبوأ المراكز التي تليق بمؤهلاتنـــــــــــا الأكاديمــــــــية والمهنية، المهم هو كيف نستفيد من ذكائنا في التسلل إلى أفكار جهـــنمية جديدة نقفز بها نحو الغاية والمراد لنتغلب على من هم أكفـــــأ منا وأقدر وأقدم وأكثر إبداعاً وإنتاجية، فالغاية تبرر الوسيلة في معظم حاجاتنا وتطلعاتنا، وبات باستطاعتنا تحقيق المزيد من الكسب والربح وفق قفزات بهلوانية وحركات زئبقية، إنها التناقضات العجيبة الصارخة والازدواجية الرمادية المخيفة في القول والعمل والتمظهر، اجتاحتنا مثل هبة ريح عاتية جافة وقاسية وليس بها ندى ولا هواء عليل.

***

نهاد الحديثي

إن الحقيقة التي نميل إليها كل الميل، أن الناس شغوفة مفتونة بسبك الشائعات، التي تتخذ منها ألوانا مختلفة في ظل ضجر الحروب وصروفها، وغاية بعض الناس في حياكة كل هذه الأكاذيب والترهات، التي نسمعها فنظهر اغتباطنا منها أو امتعاضنا، أن يثيروا في دواخلنا خوف وخشية، أو سرور وابتهاج، فالناس في جهاد متصل، بين رفض تلك الشائعات، أو قبولها والاطمئنان إليها.

وصياغة الشائعات في أوقات الشدة والكرب، خليقة منا بالعناية والدرس، وواهما من ظن، أن حبك الأراجيف ليس فيه شيء من العجب، ولا من الغرابة، فالناس تختلق الافتراءات في كل أطوارها، ولكن في الحق، يأخذنا شيئا من الاعجاب والدهش، حيال بعض الشائعات التي تمت صنعتها في قوالب رصينة، توحي بأن مبتدعها قد حمل نفسه بضروب المشقة والعناء، تلك هي الشائعات التي تأنس إليها النفس، لأنها لم تشعر بأنها تضللها، أو تروم خداعها، ورغم أن تأليف الشائعة و بلورتها، لا يقضي فيها صاحبها ما يقضيه كل كاتب مجيد، في كتابة مقاله المترع الضاف، الذي يضيف إليه ويحذف، حتى يثق في معانيه الجيدة، ولفظه المختار، وأسلوبه الجزل، إلا أن حظها من الشهرة والانتشار يفوق ما سطره يراع  حتى الجاحظ السيال، ومما لا يند عن ذهن، أو يلتوي على خاطر، أن هناك من  الشائعات ما يسرف الناس في الحفاوة بها، والثناء عليها، لأنها رقيقة المزاج، قوية الحس، بعيدة الغور، أليس ذلك دليلا على أن صاحبها قد جد وعمل حتى تخرج شائعته بهذه الصورة من الحرارة والصدق؟ وفي الناحية الأخرى، نجد شائعات  غثة هزيلة، بل هي غاية في السماجة  والكلال، لأن صانيعها لم يسبغوا عليها  تلك الصور الجميلة، التي تجعل الناس يرددونها في شغف وهيام، وما يجعلني أيها العزيز الأكرم، أرفع حاجبي من الدهشة، أن الآلة الإعلامية الجبارة، التي تخدم أجندة الدعم السريع في أرضنا التي تركض فيها المصائب، وتتسابق إليها النكبات، ورغم درايتها بطبيعة الإنسان السوداني الهشة والعاطفية، والمامها  بطبيعة المجتمع الذي تسري فيه الاشاعات بصور سريعة، إلا أنها رغم كل ذلك فشلت فشلا ذريعا، في جذب الناس إليها، فجزء كبير من شرائح المجتمع السوداني، لم تنطلي عليها تلك الشائعات التي تطلقها مراكز ضخمة في محيطنا الأقليمي في بذل وسخاء، وغايتها التي تنشدها، أن تكون الغلبة لصالح جماعة  "محمد حمدان دقلو" الشهير "بحميدتي" نائب الفريق أول عبد الفاتح البرهان قبل عهد قريب، ولعل السبب في ازورار الناس عن"طلس الدعامة"، أن تلك الأ باطيل لم ينضجها فكر، أو تصاحبها روية، فكيف لمن كان له حظا من نهى أو حصاة، أن يصدق تلك البيانات التي أذاعتها أبواق الدعم السريع قبل تمكنها من عبور كوبري حنتوب، واحتلالها الهش لمدينة "ود مدني" في وسط السودان، والذي لن يدوم طويلا، فالمعارك تدور رحاها الآن،  فقد ذكرت الأجهزة الاعلامية لقوات الدعم السريع قبل عدة أيام كذبا وافتراءا  أن قواتها الباسلة قد فرضت سيطرتها على مدينة "ود مدني"  وعلى مطارها الصخاب الذي تضج أركانه بالحركة والاضطراب، والقاصي والداني في السودان يعلم أن مدينة "ود مدني" هذه لا يوجد بها مطار في الأساس، وقد ظفر مطار مدني المزعوم هذا بسخرية الناس وتهكمهم، فقوات الدعم السريع التي عرفت بانهماكها في العجلة، وعدم التبثت، تجهل مدنها ونجوعها، ولعل العلة في ذلك، أن معظم "كماتها ومقاتليها الأشاويس"، قد قدموا من دول الجوار.

***

د. الطيب النقر

 

كان دريد لحام مدرسا للكيمياء عندما قرر أن يستبدل المعادلات الكيميائية بقبقاب خشبي، ليدخلنا معه الى عالم الكوميديا الغرائبية، حيث وجه انظارنا واسماعنا الى المصائب التي تحيط بنا من خلال دراما ضاحكة وحادة وسياسية في نفس الوقت

كنت قبل مدة اشاهد مقطعا قديماً يظهر فيه غوار الطوشي وهو يجلس الى احد زبائن الحمام، حيث يخبره ان اسرة احد سكنة الحارة ستقيم دعوى ضد المختار، والسبب ان جناب المختار كان يتحدث مع سكان الحارة عن متانة الوضع واستقراره وعن الرفاهية التي يعيشون فيها، لكن المواطن المسكين ما ان سمع هذه الكلمات حتى مات من الضحك.

وجنابي غص بالضحك ايضا وهو يقرأ ما كتبه بعض المدونيين في مواقع التواصل الاجتماعي يحذرون فيه من أن تتحول بغداد إلى مدينة سنية. مدونون ومطلقو شعارات طائفية، ومشعلوا حرائق خرجوا يتباكون على بغداد لأن قائمة محمد الحلبوسي حصدت أعلى الأصوات، وأخذ البعض يكرر جمل مملة عن التضحية وإرادة الشعب، عبارات مستهلكة، فقدت صلاحيتها للتأثير على المواطن العراقي.

يتباكون خوفاً على بغداد من قائمة الحلبوسي، ولم يسألوا أنفسهم: ماذا قدمت مجالس المحافظة على مدى السنوات الماضية لاهالي العاصمة ؟، وكيف أن الأحزاب التي استولت على مجلس محافظة بغداد، حولت بعض مناطق العاصمة إلى إقطاعيات خاصة بها. ولهذا اتنمى ان لا تسألوا لماذا تصر معظم الأحزاب للسيطرة على العاصمة بغداد، وكيف أن البعض لا يزال منزعجاً لأن كتب التاريخ تقول إن أبا جعفر المنصور بنى مدينة بغداد.

في مرات كثيرة يعاتبني بعض القرّاء لأنني أكتب بإعجاب عن مدن مثل دبي وسنغافورة وطوكيو، والآن اسمحوا لي أن أكتب مدن قريبة منا تحولت إلى مدن تضاهي مدن أوروبا، ونقرأ في الأخبار أن العراق يتقدم بدرجة واحدة على جيبوتي في مؤشر جهوزية نظامه الحكومي للذكاء الاصطناعي. اما الدولة التي تصدرت فهي الإمارات العربية المتحدة في المركز الاول عربيا ، والـ 18 عالمياً، فيما جاء العراق في المرتبة الـ13 عربياً والـ133 عالمياً.. وربما يقول البعض وهو محق؛ ما لنا والذكاء الاصطناعي ونحن نعيش مع عقول تستطيع أن تشتري وتبيع المناصب في وضح النهار.

دائماً ما أشير إلى المرحوم جان جاك روسو.. لان صاحب العقد الاجتماعي يرشدنا إلى أن الأمم لا تزدهر في ظل ساسة يعتقدون أنهم وحدهم يعرفون مصلحة البلاد.. فالازدهار والتنمية والعدالة لا مكان لها في ظل خطابات طائفية ومتحيزة يعتقد اصحابها انهم وحدهم يملكون القوة والحزم، يخيفون الناس، عادلون في توزيع العطايا والمنح على مقربيهم، وعادلون أيضا في توزيع الظلم على الناس.. أدركت الشعوب أن الحل في دولة مؤسسات يديرها حاكم إنسان يحب وطنه.

***

علي حسين

العبارة اعلاه، احدى مقاطع النشيد الوطني الليبي ابان الحكم الملكي، حكومة المنتصر ابرمت اتفاقيات مع حكومة جلالة الملكة وحكومة الولايات المتحدة، بإنشاء قواعد عسكرية في شرق البلاد وغربها، لأقت تلك الاتفاقيات او المعاهدات غضبا شعبيا تم قمعه، وكانت الحجة هي حماية الدولة الفتية من الاطماع الاجنبية، وتدريب جيشها حديث التكوين وجلب الاسلحة، واقامة بعض البنى التحتية، وذلك يتطلب ميزانية لا يمكن توفيرها بسهولة، حيث لم يتم اكتشاف النفط حينها، وبالتالي فان عقود ايجارات تلك القواعد تفي بالغرض.

مع تغير نظام الحكم، تم في العام 1970 الطلب الى الدولتين بإنهاء الوجود العسكري بالبلاد، وتم (الجلاء او الاجلاء) لم نعد في وارد المعنى الحرفي للكلمة بقدر النتيجة وهي مغادرتهم الاراضي الليبية، كما ان الحديث عن عدم رغبة الاطراف في التجديد للاتفاقيات اصبح غير ذي جدوى .

على مدى عقد من الزمن، لم تتوقف زيارات القطع البحرية لمختلف الدول المتدخلة في الشأن الليبي، بعضها زيارات بروتوكولية، واخرى تقوم بتوريد مختلف انواع الاسلحة والمرتزقة لأطراف النزاع المحلية، بل تتواجد قواعد عسكرية لدول أجنبية، تساعد هذا الطرف او ذاك وترسم له خطوط حمر بدماء الشباب الليبيين العاطلين عن العمل، لأجل المحافظة على مصالحها، لقد اصبحت البلاد مسرحا لصراع اقليمي ودولي يتم تنفيذه عبر عملائها بالداخل.

لقد فرط الاحفاد في ميراث الاجداد المتمثل في الوحدة الوطنية، والدولة المستقلة التي كانت نتيجة للكفاح المسلح ضد من توالوا على اغتصاب الوطن ونهب خيراته. ترى ما هو شعور الوطنيين الاحرار وهم يقفون لتحية العلم ويعزف النشيد الوطني الذي من ضمن فقراته (لن نعود للقيود.. قد تحررنا وحررنا الوطن)؟؟.

نشعر بالذل والمهانة وخيبة الامل التي اوصلنا اليها ساستنا، أحفاد المتاجرين بدماء ابناء الوطن على مر تاريخنا الطويل المليء بالبطولات. كما اننا نقف مشدوهين عندما نشاهد مزدوجي الجنسية وهم يؤدون التحية للراية التي في سبيل الحصول على جنسيتها باعوا رايتهم الاصلية ،ويغادرون الوطن عند الشعور بأدنى خطر يداهمهم، بعد ان اغترفوا من الخزينة العامة ما يروجون بانه من حقهم .

منذ اكثر من 12 عاما وساستنا الميامين يجتمعون بخارج الوطن وليس بداخله، لان بعضهم لا يامن الذهاب الى بعض مناطقه، وذلك تلبية لأوامر اسيادهم والايقاع بينهم ،فعن أي استقلال يتحدث هؤلاء ،نعم ليبيا لا تزال تحت الفصل السابع وساستها مرتهنين للخارج، يهرولون الى سفراء الدول المتدخلة في الشأن الليبي لتلقي التعليمات، بدءا برئيس الحكومة مرورا بمحافظ البنك المركزي وانتهاء بوزير الاقتصاد، نعم كل هؤلاء يعملون لصالح الدول الاجنبية وليس لصالح دولتهم، وذاك ثمن بقائهم في السلطة. المؤكد انهم سيحتفلون بعيد الاستقلال في الرابع والعشرون من هذا الشهر/ ديسمبر، كباقي السنوات، لأنهم وطوال مدة بقائهم في السلطة لم يعملوا شيئا جيدا يمكن ان يحسب لهم ،حتى المشاريع التي اسموها عودة الحياة(بعض الطرق والميادين) لم تعمر الا بضعة اشهر ،حيث كشفت الامطار مدى فسادهم ونهبهم المال العام واعتباره غنيمة.

من العار ان يختزل تقرير مصير الشعب الليبي في خمسة اجسام اثنان جيء بهما عبر لجنة الـ75 المرتشية. واخرون صلاحيتهم منتهية، إنهم ببساطة يريدون الاستمرار في السلطة ولا يريدون اجراء الانتخابات وان تشدقوا بها .

***

ميلاد عمر المزوغي

 

يمكنك أن تتعامل مع انتخابات مجالس المحافظات على أنها "قدر ومكتوب على الجبين"، ذلك أن القوى المسيطرة على البرلمان والحكومة والاقتصاد وجميع مفاصل الدولة، هي التي ستستريح على كراسي المحافظات، ومن يعتقد أن هذه القوى ستترك مكاناً واحداً تنافسها عليه القوى المدنية والليبرالية يعيش عالما من الاوهام.

فضلاً عن أن هذه الانتخابات افتقدت لأبسط شروط الديمقراطية عندما سمحت للقوى الأمنية أن تتدخل في لعبة السياسة وان تستخدم اصواتها لخدمة احزاب السلطة، كيف يمكن أن نتحدث عن انتخابات صحية فى بيئة تعج بكل أصناف شراء الذمم واستخدام المال السياسي، ومقايضة المواطنين على أرزاقهم ووظائفهم؟!!

ولأن هناك إصرار على استمرار حالة الكوميديا السياسية، فقد خرجت علينا النائبة عالية نصيف لتعلن نفسها وكيلة لمرجعية النجف، حيث اخبرتنا "إنّ المرجعية حثت على المشاركة في هذه الانتخابات". ولم تنس النائبة الهمامة بأن تذكرنا أن هناك مؤامرة تقودها الإمبريالية ضد " معاليها " وشقيقتها.

ربما يقول البعض لماذا تهولون الأمور؟، وسأقول للمعترضين نحن لسنا ضد أي نائب يحاول الترويج لقائمته إذا كان يحترم خيارات الآخر، لكن أن تستخدم النائبة اسم المرجعية بتحذير العراقيين من مقاطعة الانتخابات، فأعتقد أن هذا أمر مرفوض، اذا عرفنا ان للمرجعية ناطق باسمها وانها لم تُصدر بيانا حول الانتخابات .

إن أي عاقل يدرك جيداً أن الدفاع عن مجالس المحافظات، يدخل في باب النصب والتدليس السياسي، وأن استدعاء الدين وتسخيره لخدمة مصالح حزبية وشخصية لعبة خطيرة، خاصة إذا كان البعض يصر على تبرير أخطاء وفشل مجالس المحافظات السابقة .

وأنا أستمع لحديث النائبة عالية نصيف تمنيت عليها لو أنها بادرت وأصدرت لنا كتيباً حكومياً تكتب على غلافه: دليل الديمقراطية للمبتدئين.. طبعاً أن يحتوي الكتيب على وصايا تؤكد لنا أن لا شيء تغير .. فما زال المسؤول يحيط نفسه بسور عال من التابعين والموالين مهمتهم أن يدافعوا عن أي شيء يقوله .. وحتماً لن تنسى السيدة نصيف أن تعلمنا أن أول أصول الحكم الديمقراطي كما يفهمونها هو تضخم الاكاذيب من دون سياسة، حيث يصبح الشعب هو الهدف، وترويض الشعب وتخويفه بديلاً عن تحقيق الأمن والاستقرار والرفاهية الاجتماعية وسيظل أصحاب كتب الديمقراطية للمبتدئين هدفهم الةحيد بناء دولة الجماعة الواحدة التي تكون لها سلطة الأمر والنهي، والمنح والعطايا، .

وبالنظر إلى حالة الدروشة التي تلبست عالية نصيف، فإن ما يجري هو نوع من الألاعيب التي يحاول بها البعض ارتداء قناع الدين والدفاع عن حقوق الفقراء والتغني بشعارات مشروخة، ناسين أن بضاعتهم غالبا ما تكون رديئة ومتهرئة، فضلا عن كونها بضاعة مزيفة.

***

علي حسين

 

ونحن نشهد حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وعلى ذات الأهداف يمضي يومياً الجيش الإسرائيلي داخل مدن وقرى الضفة الغربية في عملياته العسكرية في ملاحقة السكان وإعدام بعضهم في الشوارع بدماء باردة، بينما آلياته تقوم بأعمال تجريف الشوارع ومجموعات أخرى تقوم بتفجير المنازل والعبث بمحتوياتها، ولا تنتهي هذه العمليات إلا بحصيلة كبيرة من معتقلين بينهم نساء وأطفال، يُزجّون في سجون لفترة زمنية طويلة دون أية محاكمة.

نستخلص من هذه المقتلة الدائرة فصولها في غزة والضفة، أنّ الجيش الإسرائيلي يتابع تنفيذ ما بدأته الحركة الصهيونية على الأرض باغتصاب فلسطين عام 1948. إسرائيل التي قامت في ظلام غياب القانون الدولي وطغيان العقل الاستعماري الغربي تعيد رسم مشهد النكبة.

 وللأسف، أنّ العالم الغربي الذي ما زال مأخوذا بالتعاطف مع اليهود نتيجة محارق الهولوكوست، وضميره ما زال منوّماً عند تلك العقدة، يجعله بالمقابل أن يقيم جداراً حديدياً من سوء الفهم ومن الكراهية الخالصة تجاه القضية الفلسطينية، وهو غير مستعد للوعي بالنكبة التي يكمن في تفاصيلها فظائع ضد الإنسانية تفوق محارق النازية.

إسرائيل كيان لا حدود له، وهي كما حددها بن غوريون أول رئيس حكومة لها: "حدود إسرائيل حيث يصل حذاء الجندي الإسرائيلي الأخير". قانونها الإرهاب، وبالإرهاب تفرض وجودها. ولها من يرعاها في الدول الكبرى. وهنا تكمن مشكلة الحضارة الحديثة.

ولدت دولة إسرائيل من الخطيئة، والخطيئة الأكبر هي إمعان الدول الكبرى في الاستمرار على رعايتها، حتى تضخم هذا المنتوج وصار كائناً وحشياً يتفوق حتى على رعاته وأباءه الروحيين. وحتى صارت الحيوانات في البرية تصرخ ببراءتها من هكذا ممارسات ترتكبها هذه المخلوقات الهجينة التي ما زال القانون الدولي ينظر إليها بعين العطف وعلى أنها تضم سلالة من المساكين تمتد صلتهم إلى ضحايا الهولوكوست.

لمحو الخطيئة على المجتمع الدولي أن يصحو متحرراً من عقدة وكابوس الهولوكوست، ويرى المشهد الدموي الذي يجري في غزة وكل فلسطين بملء عينيه وبمشاعر إنسانية حقيقية ما يفعله هؤلاء الضحايا "المساكين" بالفلسطينيين من خلال الترسانة العسكرية التي يمتلكوها بمساعدة الحكومات الأميركية والأوروبية. لينظروا كيف قد تفوق المساكين على قاتلهم النازي. تجوقلوا وسقطت عنهم الإنسانية، وها هم يقصفون أحياء بأكملها بقنبلة واحدة لتنهار على رؤوس ساكنيها. من غير هؤلاء يستهدف الأطفال والنساء (70%) من مجموع الضحايا الذين اقترب عددهم حتى كتابة هذه السطور إلى 20000 ومثل نصفهم اعتبروا مفقودين بين الأنقاض، من يفجر المستشفيات والمدارس وبيوت الله. من يضع في عين أهدافه الطواقم الطبية ورجال الدفاع المدني. من يفرض التجويع والتهجير، من يعجن بالبلدوزر لحم الضحايا بالتراب. من يقضي على الحياة كل الحياة لعشرات من الرضّع والخدّج ويرسلهم إلى الفناء؟ من يرسل المعتقلين المدنيين إلى الإخفاء القسري في معسكرات أقيمت في صحراء النقب ليتم تصفيتهم؟ من يقتل رجال الإعلام ليقتل معهم الحقيقة. "إسرائيل" في النهاية ومن خلال هذا التوحش تريد محو الشعب الفلسطيني من الوجود، لتضمن وجودها الدائم في الوطن الفلسطيني التاريخي. وفي سبيل ذلك تستهدف كل مكوناته التراثية والثقافية، إما بالمحو أو بالسطو عليه ونسبه إليها. وهنا نذكر أنّ سلطات الاحتلال قد دمرت وأزالت 536 قرية فلسطينية وبعضها استبدل اسمها ليصبح بالعبرية، وأقامت فوقها مستوطنات لليهود جاؤوا بهم من أنحاء العالم.

أنها جرائم إبادة جماعية غير مسبوقة ليس لها مثيل في التاريخ، لا ترتكبها دولة إسرائيل وحدها دون دعم الولايات المتحدة ودول غربية، وهكذا تظل دولة الخطيئة خارج القفص بلا محاكمة وبلا عقاب وتتلقى السلاح الغربي وكلّ أشكال الدعم!

كيف إنسان هذا العصر يتقبل هذا الظلم وهذا التوحش الصهيوني؟

العقل الذي صنع حضارة هذا القرن عليه أنْ يكمل معمار هذه الحضارة ويتحرر من ربقة الوحشية الصهيونية التي تفتك ببهاء الكوكب.

لا يجوز أن يكون للبشرية كلّ هذا التطور وهذه التكنولوجيا، وأنْ تظل محكومة لعصابة من المجانين يقولون عن أنفسهم بتفاخر بأنهم صهاينة، ماذا أنجزت هذه الصهيونية على مرّ السنين سوى إراقة الدماء وإشاعة الإرهاب والقتل وبناء أنظمة من التمييز العنصري.  

لكي تتقدم الحضارة ونكسب مجتمعاتنا الإنسانية يجب أولاً القضاء على الهمجية. هذه قاعدة صالحة لكل زمان ومكان. وبلا مواربة يجب بكل صراحة ووضوح أنْ يتبنى المجتمع الدولي الروح الفلسطينية البريئة وإسقاط روح الشر المتوغلة في الجسد الصهيوني الذي فاقت تصرفاته كل منطق عقلاني ومخالفاً لكل الشرائع والقوانين الدولية.

إذا الغرب كان حقا يؤمن بالحداثة والتطور الحضاري، عليه أنْ يكفّ عن اعتبار اليهود كضحية.. أنّ اليهود الإسرائيليين اليوم هم الأوائل في صنع الضحايا من الفلسطينيين والعرب وفي كل الشرق الأوسط.

***

سعيد الشيخ- كاتب فلسطيني

 

الحرب على غزة (15)

اليوم وبعد مرور ٧٥ عاما على قيام دولة الاحتلال لا زلنا لا نستطيع تحديد طابعا لها. فمن جهة تذهب الأوساط اليهودية العلمانية إلى بناء دولة ديمقراطية علمانية ،ومن جهة أخرى تذهب الأوساط الدينية إلى بناء دولة يهودية بكل ما تعنيه الكلمة،بمعنى أن تسود القوانين الدينية وأن تكون توراتهم ونصوصهم الدينية المرجعية الأولى للدولة. وبين هذا التيار وذاك والمحاولة على الإبقاء على دولة يهودية وفي الوقت نفسه تعميق الديمقراطية.

ومن المعروف أن من عناصر الديمقراطية حرية ،عدالة، مساواة،وتكافؤ الفرص وحق تقرير المصير واحترام الآخر وغيرها لجميع مواطني الدولة.

لكن أين دولة الاحتلال التي تدعي الديمقراطية وتطبل رؤوسنا بها وهي تمارس عكس تلك العناصر مع الشعب الفلسطيني؟

فها هي تحاول إقصاء عرب ٤٨ وبالتالي تغيير ديمغرافية الدولة والذي سيؤول حتما إلى نفي حق تقرير المصير. وأين ديمقراطيتها من الجدار العازل الذي أقامته في الضفة الغربية، والبناء المستمر للمستوطنات؟ وهل تتوافق العناصر الآنفة الذكر مع يهودية الدولة والسعي من خلالها إقصاء الآخر عبر مشروع الترانسفير بهدف التخلص من كل ما هو عربي للوصول إلى دولة اليهود ذات النقاء العرقي وهي بدون إثبات يهوديتها لن تستطيع التبجح بحقها التاريخي. ألا يضعها هذا كله في حالة من التناقض مع الديمقراطية التي تدعيها؟

كما أن هناك ما ينفي عن هذه الدولة ديمقراطيتها وهي أنها دولة لا زالت بدون حدود فعلية.وهذا يعني أن حدودها تتوقف ربما على نيتها مستقبلا بإقامة الحدود التي جاءت بها نصوصهم الدينية. وبالتالي فإنه في ظل غياب حدود معروفه لا يمكن التحدث عن جمهور المواطنين الذي يفترض بالنظام السياسي تمثيله ليس واضحا.

ومما يزيد الفجوة بين كون هذه الدولة ديمقراطية أم يهودية وجود ما يعرف بقانون القومية الذي سنه اليمين السياسي والذي لم يأت على ذكر أي حقوق مدنية لمن هم ليسوا من أبناء القومية اليهودية. إذن لو كانت دولة الاحتلال كما تدعي بأنها يهودية وديمقراطية في آن واحد للزم أن تكون وطن قومي لليهود وغير اليهود.

لكن الحقيقة هي أن ميزان الديمقراطية واليهودية متأرجح للغاية ما بين الأحزاب المتعددة في دولة الاحتلال.

وفي حالة الدولة اليوم نجد أن كفة اليهودية ترجح بقيادة بنيامين نتنياهو اليميني المتطرف الذي يبحث عن نقاء عرقي ونفي السيادة الفلسطينية عن اي جزء من فلسطين التاريخية. كما ويرفض فكرة حل الدولتين والتي تعني خسارة الدولة إما يهوديتها أو ديمقراطيتها، إذ أنها لو قامت بضم الضفة الغربية فإن عدد العرب سيتفوق وبالتالي ستسقط يهودية الدولة أمام الميزان الديمغرافي. وإن ظل مصرا على مشروع الترانسفير فستقع الدولة في مطب كونها تنصلت من ديمقراطيتها.

واليوم ٢٠٢٣ في حربه على غزة نجد جيش الاحتلال بقيادة نتنياهو يجبر سكان شمال غزة على الهجرة القسرية إلى جنوبها بفعل المجازر المروعة التي يرتكبها الطيران السادي ثم يقوم بقصف النازحين أثناء نزوحهم ودهس الخيم في مراكز الإيواء بما فيها من بشر بعجلات الدبابات.

وبعد هذا هل نستطيع اعتبار هذه الدولة الفاشية دولة ديمقراطية؟ أم دولة يهودية دموية بامتياز تطبق أساطير وخرافات حاخاماتهم؟.

***

بديعة النعيمي

مسيرة التفاعل مع النصوص بأنواعها، وخصوصا الدينية إستندت على إقتراب ثنائي متطرف، خلاصته أن النص فيه معنى ظاهرة (حسي)، وآخر باطني (عقلي)، أي أن الحالة ذات بعدين، مما يمثل طرفين متطرفين وفقا لمفهوم منحنى الإنتشار الطبيعي.

أي أن الجهد مبذول في 2.5% من كل طرف في المواضيع المتصدى لها، ويكون المهمَل منها أكثر من 70% والبعض يرى 95%.

الكون بما فيه من موجودات وظواهر وتفاعلات له ثلاثة أبعاد لا بعدان، وإلغاء البعد الثالث يتسبب بتداعيات قاسية.

نبه إلى ذلك واصل بن عطاء (80 - 131) هجرية، عندما طرح مفهوم (المنزلة بين المنزلتين)، وانطلق فكر المعتزلة العقلي بالبحث، لكنه مع توالي السنون وتبني المذهب من أناس آخرين، تم إلغاء البعد الثالث، وتركز محور الحركة بعد أن تسلطت على ما يسمى (خلق القرآن)، والقراءة الموضوعية للقرآن تكشف  أن فيه المطلق والنسبي، ولا يوجد ما هو أزلي مطلق أو مجعول مطلق.

أي أن المعتزلة تطرفوا وتسببوا بإنطقاء أنوار حركة ذات قيمة فكرية وإبداعية نادرة، ذلك أن البعدين يأكلان بعضهما البعض، فالظاهر ياكل الباطن والباطن يأكل الظاهر.

وما يحصل في الواقع المعرفي عندنا، أن إلغاء البعد الثالث من مرتكزات التداعي والإنتشار والخمود.

وكأننا ننكر أن بين الليل والنهار، حالة ثالثة، وبين أية ظاهرة هناك تواصل إنتقالي، فلا يوجد خير مطلق أو شر مطلق، بل كل منهما يلد الآخرين من رحمه، وهكذا دواليك.

فالمتناقضات لا تتنافر كما ترى، وإنما تتزاوح وتلد ما يمثل ما بينهما، ومن هنا، فالواقع لن يكون أحسن ما هو عليه، إن لم يدرك المفكرون والمثقفون ضرورة وعي البعد الثالث، والتفاعل معه بصدق وتعبير أمثل عن جوهره.

الوجود ليس أبيض وأسود، هناك لون رمادي بينهما لا يجوز تجاوزهما.

لا يوجد كذب مطلق وصدق مطلق، الموجود حالة متواصلة ذات طرفين متناقضين.

ولولا التناقض ما تحقق التواصل.

***

د. صادق السامرائي

 

في كل عام وفي مثل هذا الوقت، موسم الاعياد او بالحقيقة موسم الشراء، مع ان حمى الشراء لم تترك اجساد ولا ادمغة البشر في عالمنا منذ ان صارت تلك المواسم هي للتجارة والشراء بشكل اعمى! في مثل هذا الوقت حيث البحث عن شمعة للفرح لغسل الروح من ادران القلق والحزن ، ينتابني شيء من البهجة ومشاعر كرسمسية ، انفعل مثل الاطفال لسماع ومشاهدة الالعاب النارية، اصور مشاهد استقبال السانتا من اضوية متلالئة والوان ولعب تزين الاشجار، التي تماثل تلك التي علق عليها من يسمونه بابا نويل او السانتا هداياه للاطفال والعوائل المحرومة. ربما هي احتفال بالحياة التي ستنبعث بعد فصل البرد وخير من يمثل الحياة والعطاء هو الشجرة.

اليوم لا اجد سوى الجفاف نشعره وقد ملا الغضب والحزن ارواحنا التي لاقوة ولاحول لها.. فبقيت شجرة الميلاد البلاستيكية مغلفة بصندوقها مع ملحقاتها من زينة العام الماضي وكراتها الملونة. كيف نحتفل ونشتري الهدايا واطفال فلسطين البلد التي انجبت المسيح ومنها انطلقت دعوته للسلام للمحبة، يقتلون يوميا وبدم بارد وامام مرأى العالم كله دون ان يرف للكائنات التي تتحكم بمصائر الشعوب جفنا ولا رمشا!2095 مسيرة

لاقاني السانتا في شارع اكسفورد مبتهجا بزيه الاحمر وشعره الابيض مشجعا الكل على الشراء. قلت له بغضب لم افلح باخفاءه: ماقيمة هداياك حين توزعها على اطفال لايحفلون بك، بينما الطفل الفلسطيني تبعث له نتن ياهو ليرسل لهم قنابله  تهد المنازل على رؤوسهم او تقتلهم وهم في طريقهم للهروب من جحيم الحقد الصهيوني-النازي!؟ كما فعل اجداده بالامس القريب حين ارسل لعبا اسقطها من الطائرات على القرى الفلسطينية ليتلقفها الطفل الفلسطيني المحروم فتنفجر بيده لتقتله واهله!

اي شجرة نزينها ونغني (جنكل بيل) دقي يا اجراس! وصراخ الاطفال يكتم كل الاجراس..ليس اطفال فلسطين وحدهم بل صراخ كل الشعوب وهي تطالب بوقف القتل ومحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة الذي فاقوا النازية بالهولوكوست على ارض فلسطين..الفرق بين هولوكوست النازية وهولوكوست الصهاينة، ان الاول لم نره باعيننا فزوروا وبالغوا الصهاينة ماشاء لهم الكذب..بينما الهولوكوست الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني فاق التصور ونحن نراه بام اعيننا ونسمع صراخ الضحايا باذاننا. والصراخ هو وسيلة جعلها الله في الانسان ليدافع عن نفسه ليطالب السامع ان ينجده . الشعوب سمعت النداء وتعالى صراخها  بينما الحكام  من عرب وغرب سدت اذانهم بروث الدولارات الامريكية وسوط اسيادهم الارهابيين من امريكان واسرائيليين واذيالهم.

فأين السانتا الفلسطيني مهد المسيح وكل الباباوات؟ لقد قتلوه هناك ولا احد يردعهم او يعترض عليهم! فالاولى بك ان تغير زيك الاحمر الى اسود وترفع صوتك عاليا لعله يكون الهدية التي ينتظرها الطفل الفلسطيني.

***

ابتسام يوسف الطاهر

لندن - شارع اكسفورد

2023

 

نعم أيها السادة لقد سقطت مدني حاضرة ولاية الجزيرة كما سقطت رصيفاتها من مدن السودان في يد الدعم السريع، نحن في حاجة فعلا كحركة إسلامية لتنظيم صفوفنا وترتيبها، والتنسيق مع قواتنا المسلحة، لقد انتهى عهد الفرجة، والاختلاء بأجهزتنا الخلوية على مدار اليوم، جاء وقت الاختلاء بكتابنا الخاتم في هجعة الليل، وأنت في مكمنك أو خندقك، هذا إذا وجدت إلى ذلك سبيلا، أمام حدة المعارك وضراوتها، علينا التحرك في كل صقع وواد، حتى لا تضيع الديار وتدنس هذه الطغمة الضالة، كل ما من شأنه أن ينزه عن الدنس والابتذال.

لقد صاغتنا الحركة الإسلامية صوغا خاصا، وهيأتنا للجهاد وأعددتنا له، وهاهو الجهاد قد أزف وقته، وحضرت ساعته، ولعمري أن صورته التي أراها شاخصة أمام بصري، على النقيض من الصورة الجميلة الخلابة التي أحببتها، و فتنت بها، وأنا في غضارة شبابي الباكر، حينما كنت أشاهد نواطير شباب الحركة الإسلامية، وهم في جماعاتهم السعيدة المتحابة، كان برنامج " في ساحات الفداء" يظهرنا على حقيقة تلك المهج الصادقة، ويعرض علينا حركاتها، وهي تسير في إباء وشمم، مهج صادقة في عزمها، وفي ثباتها، وفي دأبها، ونضالها الذي لا يفتر، مهج نغالي في الشك أن الإثم قد خطر لها على بال، كلا ليست صورة الجهاد التي تتراءى في خيالي مثل الواقع، كما أنا وأنت على غير شاكلتهم فالبون شاسع، شهداء الميل 40 من الكماة الأبطال الذين ينفر من سيرتهم المترفون من أرباب الحركة الإسلامية، لا نتحرج من أن نقضي نهارنا وشطرا من ليلنا، في سيرتهم واحصاء مآثرهم، فسيرتهم كلها عز، ومناقبهم كلها ثراء، أنا  لا أكاد أملك نفسي، وأعجز عن السيطرة على عواطفي، فمدن السودان تتساقط، والباطل يمتد ويستطيل، وشباب الحركة الإسلامية لم يعد كما كانوا عليه، خفاف عند الفزع، أستطيع أن أقول أنهم عجزوا عن أن يتحرروا من القيود المألوفة التي تحرر منها ملهمينا في زمن العزة والصمود، تلك المتحركات التي كانت تصدمنا مقاطعها، كما تصدمنا مغالاتها في البذل والاستشهاد، متحرك الأنفال وعبيد ختم وغيرها من المتحركات التي تعاهدت على الحب والوفاء لهذا الوطن، ها هي الأيام تمتحن الحركة الإسلامية التي يظهر عليها الوجوم، فالحركة الإسلامية التي لم يعد يحفل بها أحد، أو لا يكاد يحفل بها أحد كما يقول الأديب الضرير، باتت تسرف في القول، وأطيافها مأخوذة بالحقد والموجدة، دون أن تتخذ وهي في أفياء هذه المعمعة، خطوات طويلة كانت أو قصيرة، كان عليها أن تجهد نفسها في شحذ كوادرها على الجهاد وأن تهيئ لهم من أسبابه، كان عليها أن تستعد لمثل هذه المواقف أعواما متصلة، فهي تدرك بأن الناس كل الناس، يتحدثون وهم مقتنعين بأنها كارهة ساخطة لكل باطل، ويعرف عليها الضيق إذا تورط  أي كيانا سياسي في شيء من الإثم تجاه سوداننا العريض، نريدها الآن وقد تعاظم الخطب أن تنتفض، وتستعيد سيرتها الأولى، نريدها الا تتزحح عن مواقفها التي عرفها عنها الناس، نريدها أن تترك هذه اللين والاستعطاف، وتستعيد غلظتها وعنفوانها، فالحقوق لا تسترد إلا بالقوة، والكلاب الضارية لا يخسا صوتها إلا أسدا شجاع، عليها أن تتيقن أنها تواجه الموت حقا، فلتجتهد في صرفه عنها وعن السودان، فهل لاعداد الحركة لمجابهة الموت من سبيل.

***

د. الطيب النقر

 

تتواصل الحرب على غزّة، بتواطؤ العالم، بهمجيتها وعنصريتها ومجازرها.

وصار من الأكيد أن الحكومات العربية لن تقف إلى جانب حماس، أحببنا ذلك أم كرهنا. فالعداء قديم، والمصالح مختلفة، وكلماتٌ مثل الحرية والتّحرر تُرعب وقد تُذيب المحنّطين منهم.

أماّ مناوشات حزب الله والحوثيين فلن تغير المعادلة ولن تكفي لنصرة المقاومة. وإيران لن تتحرك ما لم تمتلك القنبلة الذرية. فالصّهاينة لن يتردّدوا في استعمال ما لديهم منها في صورة تدخّل إيران مباشرة. هم من لديهم الآن "الحل النهائي" كما أشار إلى ذلك أخيرا آبراهام الأمريكي في الدوحة.

فليكن "الحل النهائي" فلسطينيا إذن. وليبدأ الشعب الفلسطيني بتحرير ارضه بنفسه.

فعوض أن يهرب إلى الجنوب أو إلى سيناء، عليه أن يتوجه إلى الأراضي المحتلة بمئات الآلاف، وقد لا يكفي المليون.

ربّما مات منهم مائة ألف، ولكن ليس ذلك بالكثير مقارنة بأكثر من عشرين ألف قتلوا في الصمت والذّل.

أولم يلزم الجزائر أكثر من مليون شهيد لطرد فرنسا؟

نعم، إن مائة ألف شهيد، دفعة واحدة، كافية لتحرير فلسطين في هذا الظرف.

ومن المؤكد أنه قبل أن تموت المائة ألف ستتحرّك مختلف الجبهات بقوة لتشتيت العدوّ.

ستتحرك الأردن ومصر وسوريا ولبنان وحزب الله والحوثيون، وبلا شكّ إيران. حينها سيركع الصهاينة.

صرخة واحدة: اذهبوا إلى "إسرائيل" لتستعيدوا ما افتُكَّ منكم.

اهجموا عليهم نساءً ورجالا، شيوخا وشبابا، رضّعا وأمواتا.

ألا تموتون كلّ يوم مجّانا وتُنسون مجّانا، وأحيانا تُدفنون مجّانا؟

تقدّموا نحوهم بصدور عارية، ولن يقف أمامكم أحد، وسيرهبكم العالم وستُخفّفون الضغط على حماس التي ستحمي ظهوركم.

فأيّهما أهون وأيّهما أنبل: انتظار الموت او مواجهته؟

إن هذا العدو الهمجي المتغطرس ، لن يتراجع أمام موت الآلاف للدفاع عن كيانه، ولكنه سيتردّد ألف مرّة قبل أن يقتل مائة ألف عزموا على الشهادة.

إنكم بذلك ستضعون العالم أمام مسؤوليته، فالكثير منه متعاطف معكم الآن، فلتستغلّوا هذا التعاطف ولتدفعوا بالصهاينة إلى آخر مناطق الهمجية. ولكن تأكدوا أن الأغلبية منهم ستفرّ بدون رجعة، لأنه ليست لها أية علاقة بفلسطين وهي فيها فقط للاستثمار ورَغَد العيش. أما الأقلية الصهيونية المتطرفة الحالمة باسرائيل الكبرى لن تصمد خراطيشها أمام المدّ الشعبي المتّحد.

إن نية الصهاينة واضحة، وهم يخطّطون " للحل النهائي " منذ البداية. كلهم يحلمون بإسرائيل من الماء إلى الماء، ولم يكن السابع من أكتوبر سوى الذريعة ليعجلوا بتطبيق ما خططوا له. لكن السنوار قد بعثر أوراقهم ومخططاتهم، وكأنه يقول لهم : فلتكشفوا وجوهكم الحقيقية قبل أن تحققوا ما نويتم. وسينجح في دحرهم إن جاء منكم المدّ والسند.

لا تنتظروا الموت البطيء، والتشريد البطيء، والنكبات البطيئة.

 اذهبوا إليهم.

قاوموا بالصدور العارية، وبالجراح النازفة، كما غنّى الشيخ إمام. وكم كان على حق.

***

محمد نجيب بوجناح - تونس

 

من عجائب المفكرين والفلاسفة العرب أن لكل منهم مشروعه الخاص به، والذي يرى أنه منقذ الأمة مما هي فيه، فيفني وقته في البحث والتدوين، وتأليف ما يستطيعه من الكتب، التي تنام على الرفوف، وتدوسها سنايك النسيان والإهمال!!

ومعظمهم يتداولون أفكارا ويقدمونها على أنها مقنعة وتصمد أمام الحجة والتحليل والتقييم، لكنها لا تتصل بالواقع اليومي للناس الساعية فوق التراب، وأكثرها مستنزلة من فضاءات الخيال البعيد، ومقحمة لنظريات الآخرين في واقع ينكرها.

وتزداد عجبا من كثرة المفكرين والفلاسفة، وإمعان الأمة في تدحرجها إلى خنادق الوراء، وتمسكها بالغابرات التي إكتسبت أهوال التقديس والتبجيل.

وعندما تسألهم، تنهال عليك التبريرات والتعليلات والتفسيرات التي لا تطعم من جوع ولا تحمي من برد، فما كل منطقي بصحيح، ولا كل تبرير سليم، وما يقنع لا يعني أنه يشبع.

وياتي في مقدمة التبريرات الدين، الذي تنتهي إليه مقاماتهم ودراساتهم وأبحاثهم، وخلاصتها، إنها أمة مقتولة بدينها!!

فكيف نحي القتيل؟!

لا توجد أمة لم تقتل بدينها، لكنها تعافت من طاعون الدين، وأوجدت العلاجات واللقاحات اللازمة لحمايتها من الأوبئة الدينية الفتاكة.

وأقسى مَن عانى من أوبئة الدين هي المجتمعات الأوربية ولعدة قرون، وبعد أن إستيقظت ونفضت دثار الدين وإكتشفت طريق العلم، وضرورة تفعيل العقول، إنبثق ماء جوهرها الإبداعي الإنساني، ومضت تخفق بأجنحتها في فضاءات الأنوار العلمية الوهاجة.

وتبدو نتاجات مفكرينا وفلاسفتنا وكأنها صومعية، أي مقطوعة عن مياه الحياة وبعيدة عن الواقع الذي تريد مواجهته، فهي لا تنطلق منه بل تهبط عليه!!

ولهذا بقيت الأجيال تراوح في ذات البقعة الزمنية، لفقدان الرؤية والدليل والبوصلة الفكرية الآخذة بها إلى موانئ الصيرورات الإنسانية المعاصرة.

فالأجيال تنكفئ إلى فترات زمنية متخيلة ومدبجة بالتصورات الهذيانية المقدسة، مما يساهم في تعطيل عقولها، وتجميد جهودها وتحويلها إلى روبوتات مذعنة للأوامر والإملاءات الفاعلة في واقعها المسكون بالخيبات.

فهل من تفاعل منير مع واقع غاطس في مستنقعات الأنين؟!!

***

د. صادق السامرائي

22\10\2021

"كلما زاد توحُّش المُستعمر إقتربت نهايته". هذا ما قاله الباحث عبد الوهاب المسيري الذي أصابت نبوءاته الواقع المرّ بعد أن قضى نحو ربع قرن في إعداد موسوعتيه عن اليهودية و"إسرائيل" تناول فيهما الكيان الإسرائيلي من الداخل، مجتمعاً ومؤسساتأ بهدف تعميق فهم "هذا الكيان الاستيطاني حتى تتحسن كفاءتنا في المواجهة معه كدولة وظيفية".

ويدرك قادة هذا الكيان اللقيط بأن دوره الوظيفي يعتبر من مقومات وجوده، فإذا خسره؛ فعليه أن يتحسَّسَ رقبته، خشية فصل رأسه الموبوء بالأفكار العنصرية التطهيرية عن جسدٍ ليس له.

وقد حذَّرَ بن غوريون من ظاهرة "الإرهاب" في وصفه للمقاومة التي قُمِعَتْ إبّان النكبة الأولى عام 1948، في كونها -بما معناه- ثورة تختزن في أعماقها أهداف وجودها، على اعتبار أنها ترتبط بالمكان الموروث الذي بُنِيَ على أكتاف الفلسطينيين من قبل، وكأنه يقول بأن من سَلَبَ أرضَكَ واعتدى على عرضَكَ لا توجد قوة تتمكن من إيقافه عن الانتقام.

من هنا خرجت نبوءته من باب تقديم النصيحة للصهاينة وأجيالهم المتلاحقة.

وحسب المسيري، فقد عرّف بن غوريون الإرهاب في إحدى خطبه بأنه "مجموعة من العصابات الممولة من الخارج، ونحن هنا لا نجابه إرهاباً وإنما حرباً، وهي حرب قومية أعلنها العرب علينا، هذه مقاومة فعالة من جانب الفلسطينيين لما يعتبرونه اغتصاباً لوطنهم من قبل اليهود، فالشعب الذي يحارب ضد اغتصاب أرضه لن ينال منه التعب سريعا".

وفي ذات السياق، وصف نتنياهو حربه على غزة بأنها "نكبة ثانية" وبذلك يكون قد قدّمَ الدليل اللفظي على بشاعة جرائم التطهير العرقي التي مارستها العصابات الصهيونية ضد الفلسطين في النكبة الأولى، الذين ما كان لهم ان يخرجوا لولا المذابح التي تعرضوا لها والوعود العربية بإعادتهم بعد أن تتصدى الجيوش العربية للعصابات الإجرامية، فجاءت حسابات البيدر غير حسابات الحقل.

حذثت هذه الجرائم وفق نبوءة يوشع التطهيرية التي استرشد بها نتنياهو في حربه على غزة.

أما نبوءة بن غوريون - أعلاه- فقد قدّمَ الزعيم الصهيوني الاستثنائي خلالها وصفاً استشرافياً لم يكن يتمناه؛ لحال مستقبل المقاومة، تحديداً في السابع من أكتوبر "طوفان الأقصى" قاطعاً الطريق على أحلام الإسرائيليين الموعودة.

وكانت نيته أن تنتبه الأجيال اليهودية اللاحقة من المفاجآت غير السارة، والتي مثلت البشائر السارة بالنسبة للشعب الفلسطيني المغروس في أرضه، والملتف حول مقاومته- رغم ما قدم من ضحايا- في الوقت الذي راح يحزم فيه الإسرائيليون حقائبهم مصطحبين في جيوبهم جوازات سفرهم الأجنبية لمغادرة كيانٍ ليس لهم، إلى بلدانهم الأصلية.

وهذه المقدمة من شأنها أن تفسِّرَ الوقائعَ على الأرض في الحرب على غزة، بعد دخولها الشهر الثالث دون أن يحظى جيش الاحتلال "المهزوز" فيها ايّ إنجاز يذكر.

ولصعوبة الموقف الإسرائيلي فقد تغيرت الأهداف الإسرائيلية المستحيلة إلى نطاق الممكن، فلم تعد محصورة فيما يلي:

تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء بعد تحويل القطاع إلى أرضٍ محروقة، وبحيرةٍ من دماء الشهداء الأبرياء.

ولا السعي للقضاء على حماس التي حافظت على معظم قوتها، فيما ظلّت تمتلك روح المبادرة في حرب استنزاف ضروس امتلأت بالكمائن، كان آخرها كمين جحر الديك.

ولا حتى تحرير "الرهائن" الإسرائيليين بالقوة.

لتنحصر تلك الأهداف بعد استنزاف الاحتلال معنوياً وعسكرياً وبشرياً واقتصادياً، في اغتيال رموز حماس القيادية مثل السنوار والضيف وأبي عبيده.

هذا إلى جانب إبرام صفقات جديدة لتبادل الأسرى كالتي حدثت بداية ديسمبر الجاري في مراحلها السبع؛ لتسويق النصر الموهوم على صعيد الداخل الإسرائيلي، بغية تنفيس احتقان الشارع الإسرائيلي المناوئ للحكومة اليمينية المتطرفة، والمتهمة بالعجز عن تحقيق شيء يذكر، وفي أنها تتعمد قتل اسراها أو من خلال النيران الصديقة التي تسببت مؤخراً بمقتل ثلاثة جنود إسرائيليين، ما اثار الشارع الذي دعا إلى تحرير الرهائن مقابل تبييض السجون الإسرائيلية.

حماس وحلفائها الميدانيين من جهتهم كانوا على وعيّ شديد بالعقل الإسرائيلي المصاب برهاب المقاومة، الأمر الذي جعل يساعدهم على قراءة أفكار قادة الجيش الميدانيين، ما سهَّلَ على رجال المقاومة خداعهم وإيقاعهم في الكمائن بسهولة ويسر.

وتصديقاً لذلك؛ فقد ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، الجمعة، في أن حركة حماس استعانت بدمى أطفال تنطق باللغة العبرية في محاولة لاستدراج الجنود الإسرائيليين إلى كمائن في حرب غزة.

هذه هي بداية النهاية حينما لا يسجل جيش الاحتلال سوى أهداف مدنية لا تُحْسَبُ ضمنَ معاييرِ النصر المشرف؛ لأنها أدخلت "إسرائيل" في عنق الزجاجة بعد عزلها إعلامياً، فتحولت أبواقُها إلى نواعقٍ تضليلة مقابلَ إعلامٍ فلسطينيٍّ سجل الوقائع الصحيحة على الأرض باقل التكاليف، من خلال عدسات تصوير ثبت صدق حاملها، وهو يحملُ روحَهُ على كفّه، فارتقى منهم 93 صحفياً فقط من العاملين في الجزيرة.

وكان على رأسهم مصور القناة سامر أبو دقة فيما أصيب مراسلها وائل الدحدوح الذي كان معه خلال تغطيتهما سقوط شهداء وجرحى إثر قصف اسرائيلي طال مدرسةً وسط خان يونس.

إنها حرب إبادة ممنهجة استهدفت الإنسان والحجر، وأدت حتى الآن إلى ارتقاء 17177 شهيداً فلسطينياً، وأصابة نحو 46 ألفا في غزة، منذ السابع من أكتوبر الماضي.

إنه ديدن الاحتلال الذي يمارس سياسة التطهير العرقي دون رادع تحت غطاء الدفاع عن النفس ضد ما تُتَّهَمُ به حماس في أنه إرهاب.

ولكن المقاومة من جهتها كبدت جيش الاحتلال خسائر طائلة في المعدات، وصلت وفق تقديرات المقاومة إلى ٥٠٠ آلى عسكرية (ميركافا وناقلة الجنود من نوع النمر والجرافات العملاقة).

أما عن المصابين والقتلى وفقاً لما نشره الإعلام الإسرائيلي بين الفينة والأخرى، فإن حجم تقديراته جاءت لتخالف الإعلان الرسمي الإسرائيلي المضلل.

ياتي ذلك خلافاً لللغة البصرية التي يقدمها المتحدث الرسمي باسم كتائب القسام (أبو عبيده) حول مجريات الحرب، وقد بات المرجع الموثوق للباحثين عن الحقيقة في العالم، عبر الفضاء الرقمي الذي يشكل الإعلام الموازي مقابل الآلة الإعلامية الغربية العملاقة المجيرة للسردية الإسرائيلية.

فتترقب الجماهير ذلك المثلث الأحمر وهو يشير إلى هدف إسرائيليّ جديد كي يقصفه مقاوم مؤمن بقضيته باستخدام قذيفة الياسين المصنعة محلياً.

يحدث هذا كما اعتادت صواريخ القسام المصنعة محلياً بأنواعها وهي تصيب العمق الإسرائيلي باقتدار.

فصار بوسع الصور البصرية التي تستشهد بها المقاومة من خلال احترامها للعقل البشري أن تكذب زيف الصورة النمطية الإسرائيلية، التي ستخرج من غرف المونتاج واهيةً غير مقنعة، وفي طياتها تكمن أسباب موتها.

وقد وظفت المقاومة مدينة الأنفاق التي حفرتها تحت قطاع غزة، وحيرّت كلَّ الخبراء العسكريين في العالم، لتحيّدَ سلاح الجو الإسرائيلي الأكثر تقدماً ووحشية في العالم؛ لا بل ساعدت على تنفيذ استراتيجية المقاومة في استنزاف جيش الاحتلال ميدانياً.

ويتوافق ذلك الاستنزاف مع ما كشفته صحيفة يديعوت أحرنوت السبت الماضي عن وجود 5 آلاف جندي إسرائيلي جريح منذ بداية الحرب.

وأوضحت الصحيفة في تقريرها، أن أكثر من 58% منهم يعانون إصابات خطيرة في اليدين والقدمين، بما فيها تلك التي تتطلب عمليات بتر أطراف، وهذا يثبت زيف التقارير الإسرائيلية الرسمية.

كما نشرت صحيفة هآرتس أمس الأول، الأحد تقريراً عن عدد الضحايا الإسرائيليين، وركزت على ما سمَّتْه الفجوةَ الكبيرة بين عدد الجنود الجرحى الذي أعلنه الجيش الإسرائيلي، وما تظهره سجلات المستشفيات التي استقبلت، وفقها، 4 آلاف و593 جريحاً.

وأخيراً فالحرب على غزة يمثل صراعاً بين سرديتين فلسطينية وإسرائيلية في عالم يتحكم به الرياء ويسترشد بالنفعية الميكافللية؛ إلّا أن أيقونة غزة تمكنت باقتدار من صنع المستحيل، وقلبت الطاولة على المقامرين بمصائر المظلومين على نحو ما جرى مع القضية الفلسطينية التي أصابها الغبن طويلاً.

فكسب الشعبُ الفلسطينيُّ ثقةَ الجماهير من خلال ما قدم الشعب الفلسطيني من تضحيات، فيما ظلّ ثابتاً على أرضه، حاضناً لمقاومته، التي صنعت المستحيل.

وهو ما يفسر ذلك الحراك الجماهيري العالمي الذي تبنّى السردية الفلسطينية، مما أحدث تغييراً جوهرياً للموقف الدولي لصالح القضية الفلسطينية، على نحو ما جرى يوم الثلاثاء الماضي حيث صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة لصالح قرار يطالب بإقاف الحرب على غزة لغايات إنسانية، وقد اعتبر الأمين العام أنطونيو غوتيريش في وقت سابق بأن طوفان الأقصى نجم عن أسباب موضوعية.

وقد تحولت المقاومة الفلسطينية من جرّاء ذلك إلى فكرة إنسانية، وحركة عالمية ضد مفهوم النازية والفاشية و"الصهيونية"، حيث تمكنت من تغيير العالم الذي اعتاد على مناكفتها من خلال أكذوبة " معاداة السامية" فقلبت بصمودها الموازين وعلى رؤوس الأشهاد عبر الفضاء الرقمي.

***

بكر السباتين

17 ديسمبر 2023

 

في الحق أن الكتابة عن تاريخنا، وعن الهجرات التي جرت في سهوله وبواديه، يحتاج منا إلى صبر وأناة، ونحن في بلاد النيلين، نكره هذا الصبر، ونبغض هذه الأناة، نحن سيدي لا نجيد إلا النوم والغطيط الذي نلح عليه، ونسرف فيه، أنا لا يخالطني الظن، أن من أسعد الأوقات التي ننتظرها، ونتوق إليها، هي الساعة التي نتجه فيها إلى مضاجعنا، ونطفئ وميض الأسرجة اللاغبة، ينبغي علينا  أن نطنب في تقريع أنفسنا، ولومها وعتابها على ذلك التقصير، ومجاهدة هذه المهج التي لا تميل إلا إلى الدعة والركون، إن الحقيقة التي يجب أن نحفل بها ولا نهابها، أن حصاتنا تأنف أن تبقي خلاياها في حركة يقظة قوية، هذه الحركة الوثابة بلا شك، كفيلة بأن تبعث فينا واقعا نتبينه دون مشقة أو جهد، أن كل فردا منا، باستطاعته أن يكون مفكرا مغرقا في التفكير، حتى وإن كان بينه وبين صومعة الفكر آمادا طوال، حينها فقط يعود للسودان تأثيره، يعود إليه ألقه وبريقه ونضاره، ويتحرر حينها من أسر هذه الحسرة اللاذعة التي أدميناه بها، بفضل تقاعسنا وخمولنا الفكري.

نحن في السودان نخشى كثيرا من أهوال الفكر حتى قبل أن نطرق أبوابه، والباحث لو تدبر في كنه هذه الأهوال لن يظفر منها بشيء، ورغم هذه الحقيقة الناصعة، إلا أن أحاديث الباحثين عنها لا تنقطع، إن الواقع المرير الممض، أن كل باحث يريد أن يعبر بحر الفكر العباب، محمولا على كتف احد اخوته، وأن يجد في حمله إياه مظاهر الرفق واللين، هذه الخشية وهذا التواكل، يعيننا على أن نفهم هذا الازورار على اقتحام ميادين الفكر، رغم أن السودان، يحمل طائفة من  خصائص الفكر التي تختلف في  أمزجتها وطباعها،والتي من السخف أن نغض عنها الطرف، ولا ننكب عليها لأن فئة كبيرة من باحثي السودان لا تستطيع تحمل هذه الآثار التي نستطيع لها دفعا، والتي تصطدم في الكثير من معالمها مع ألوان الحياة الاجتماعية.

وحتى نحلل هذه الهيبة ونلخصها نقول في اختصار، أن من أكبر عوائق الفكر في السودان، نظم المجتمع وقوانينه، فهي التي تحد من ركضه وانطلاقه، إن حياتنا الفردية والاجتماعية هي التي تفسد كل ما نرتجيه من رياض الفكر، وتنقص علينا رياحينه التي نبتغي لثمها واستنشاق عبيرها، كما أن الشخصية السودانية تنفر من مذاهب الفكر الفلسفية، فأوصاب الحياة وعنتها، تسيطر عليها سيطرة كاملة، فالناس في سوداننا كل الناس،

منتظمين في حياتهم المادية والمعنوية، وملتهين عن ثروة السودان الضخمة التي نغمض أعيننا عنها، ونخشى أن تضيع بسبب الخشية والتردد والاشفاق.

***

د. الطيب النقر

 

الحوار: نقاش أو جدال، حديث يجري بين شخصين أو أكثر.

وتنتشر في وسائل الإعلام البرامج الحوارية المرئية والمسموعة والمقروءة، وقد تعددت الحوارات في معارض الكتب، وفي الحوار ينكشف معدن الشخص المحاور وضيفه، ومدى نجاح الحوار يعتمد بالدرجة الأولى على المحاور ومهارته في إدارة الحوار وحذاقته في طرح الأسئلة.

ولا بد من وعي معنى الحوار، ومراميه والغاية المرجوة منه، والرسالة المراد إيصالها للآخرين بواسطته.

مررت بتجربة المحاوِر والمحاوَر، ولدي صديق له برنامج تلفازي حواري ناجح، أتواصل معه وأبدي رأي بحلقاته.

وكثيرا ما أعتذر عن إجراء الحوارات مع الأخوة الذين يدعوني لذلك، لأسباب متعددة تخص الأسئلة، وغياب فقه الحوار عند المحاور وغاياته المعرفية.

الحوار واسطة لتقديم فكرة واضحة مبسطة للمتابعين للحوار، وليس الإمعان بالإسهاب الطلسمي المعقد، وطرح مفردات لا جدوى منها سوى التدويخ.

وبموجب ذلك فأن معظم الحوارات بلا فائدة ترتجى، ولا قيمة معرفية يمكن إستخلاصها منها!!

الطرح المعقد للفكرة يشير إلى عدم فهمها، لأن الذي يفهم فكرة أو حالة، يعبر عنها بأبسط ما يمكن أن يكون عليه التعبير والتصوير.

فالحوارات لها ضوابطها وقواعدها وآلياتها، ومنطلقاتها وأهدافها، فلكل حوار غاية واضحة، ومفردات متوافقة معها، فلا يجوز التوهم بأننا أجرينا حوارا، وقد أمعنا بحشو السطور فيما لا ينفع، حتى لتتحير كيف للمحاور لا يجيد طرح الأسئلة، وكيف للذي يحاوره لا ينتبه إلى ما يريد قوله.

ولهذا فأن معظم الحوارات الجارية في واقعنا الثقافي لا تؤدي الغرض المتوخى منها، وتميل للتشويش والتشويه.

المطلوب أن يكون الجواب واضحا على سؤال: لماذا أحاور فلان، وما هي الأسئلة التي تمكنني من إظهار رسالته وتبيان أفكاره بوضوح وبساطة تشد القارئ للحوار؟

أما أن نحاور بأساليب خوارية، فهذا لا يسمى حوارا!!

فهل لنا أن نحاور كما يجب أن يكون عليه الحوار؟!!

***

د. صادق السامرائي

الحرب على غزة (14)

اللاسامية مجموعة معقدة من عناصر كراهية اليهود. والجدير بالذكر أن هذا المصطلح من صناعة المجتمع المسمى بالمسيحي بدليل ما حصل في القرون الوسطى من قتل وطرد وتنصير اليهود في البلاد الأوروبية بتأثير من الكنيسة الكاثوليكية. وقد يرجع سبب هذه الكراهية لليهود من قبل المجتمع الأوروبي هو تسلط العائلات اليهودية الثرية في عالم الاقتصاد وخاصة مع ظهور الرأسمالية.

وقد استغلت اللاسامية من أجل الترويج للمشروع الاستعماري الإحلالي الصهيوني. ومن المعروف بأن الصهيونية تبنت مشروع تخليص اليهود من المجتمعات الأوروبية. وكان صعود اللاسامية في القرن العشرين واعتبار هذا العداء عملية تحريض لإسقاط شرعية دولة الاحتلال.

غير أن هذه الدولة قامت بمساعدة عظميات الدول عندما اعترفت بها.

والحقيقة أن العداء هو عداء لليهود لا للسامية لأن العرب ساميون. وإذا نظرنا إلى غالبية اليهود لوجدنا بأنهم لاساميون،ذلك لأنهم ينحدرون من أصول سكنت بحر قزوين ثم دخلت اليهودية في القرن العاشر الميلادي. ومن هؤلاء ينحدر اليهود المعروفين اليوم في دولة الاحتلال باسم (الاشكيناز) أما أولئك الذين عاشوا في الدول العربية فيطلق عليهم (سفارديم) ويقال بأن هؤلاء ينحدرون من بقايا بني إسرائيل.

ومن المعروف بأن اليهود عاشوا في كنف الدول الإسلامية مثل الأندلس الخلافة العثمانية حيث كان هناك تعايش بينهم وبين المسلمين لا يستطيع أحد إنكاره،لأن هذه حقيقة تاريخية ثابتة ولا لغط فيها. غير أن احتلال فلسطين في ٤٨ وما صاحبه من مجازر وتهجير وفظائع من قبل العصابات اليهودية أظهرت لدى العرب المشاعر المعادية لليهود لا للسامية. إذ كيف يعادي العرب أنفسهم وهم ساميون؟ وتعتبر أمريكا أكبر تجمع يهودي في العالم لأن اليهودي يجد فيها الدولة الأفضل له حتى من دولته المزعومة حيث يجد فيها التحرر المنشود له والأمن والاستقرار في حين شعورهم في بانخفاض نوعية الحياة في دولته. حيث أن جو بايدن المعروف بموقفه الداعم لليهود كان قد كشف عن استراتيجية إدارته الجديدة لمكافحة معاداة السامية.

لكن ما الذي يحدث اليوم خلال الحرب على غزة وما ترتكبه دولة الاحتلال من مجازر مروعة بحق المدنيين وتجاوز جميع الخطوط الحمراء وامتهان إنسانية الفلسطينيين في غزة، هل نحن أمام لاسامية تتكاثر بسرعة بين جمهور الولايات المتحدة الأمريكية بسبب ما يحدث؟ فها هو وزير الخارجية جوش بول يستقيل بسبب نهج جو بايدن في الحرب الدائرة في غزة حيث قال أنه لا يستطيع دعم المزيد من المساعدات العسكرية الأمريكية لدولة الاحتلال.

كما توفي مواطن أمريكي يهودي في كاليفورنيا بعد مشاجرة مع متظاهر آخر مناصر لفلسطين.

كما أشارات تقديرات أن ٨٨% من التظاهرات على خلفية الحرب على غزة في الولايات المتحدة الأمريكية كانت داعمة لفلسطين.

فهل بالفعل أن الأمور ستنقلب ضد دولة اليهود في دولة تعتبر الداعم الرئيسي لها منذ 48 من خلال وعي الشعب الأمريكي الذي بدأت تنمو وتطل برأسها اللاسامية بشكل متزايد؟

***

بديعة النعيمي

 

1ــ لا أحترم من يستغل الظروف القاسية للمرأة، ليقتني عدد منهن، في زيجات متعددة المثالم، الى جانبهن هناك له، في كل زاوية أكثر من واحدة، فهو "زاني" مع سبق الأصرار، مهما كانت مكانته ومبرراته، هنا اجد نفسي، وجه لوجه مع ألحقيقة، ألتي لا يمكن لها، أن تهضم تلك ألمخالفات، كونها أكثر انحطاطاً من الكفر، أي عقل وعاطفة يجيزا بتلك الفضائح، وأين هي ألعقائد والأخلاق والشرائع من تلك (المثالب)، فالوعي ألبشري أصبح مختنقاً بها، وجاء ألوقت لرفع الأقنعة، عن زيف تاريخ الأكاذيب "المقدسة!!!"، وعبر ألمتواضع من معلوماتي، توصلت ألى قناعة راسخة، أن أغلب ألكتب ألمقدسة، مشحونة بالهوس ألذكوري، ومن يشرعن ويطبق بعض نصوصها اللامعقولة، لا يمكن له إلا أن يكون "مقدس سره" مخترقاً بخصيتيه، المحبة والوفاء وحسن العشرة واحترام الأمومة، فضائل لا يحترمها ألمغفل والمعتوه، والمرأة بالنسبة له، ليس إلا وجبة على سرير الأشتهاء، عاهات تاريخية تترفع عن فعلها ألبهائم، تاريخ مشوه لذكور ألبشر، ربما أجد موضوعية في نظرية، الفيلسوف (تشارلز داروين)، ربما فكر بتصنيف دعاة الأفتراس ألوحشي لأجساد ألنساء، على فصيلة ألقردة.

2 ــ قبل أعوام كتبت، إن ألمرأة ألتي تتعرض للترمل وضائقة ألعوز، وتعدد الأيتام وشحة الرزق، الى جانب تخلي الدولة والمجتمع عنها، تلك ضغوط إقتصادية ونفسية واجتماعية مدمرة، ترغم ألمرأة ألفقيرة، للتنازل عن جزء من كبرياء إنوثتها، والقبول أن تكون واحدة من مقتنيات ألرجل، أما ألذكر ألذي يتعامل مع صعوبة اوضاعها، بعقلية الأقتناء والأحتواء والأمتلاك ألمشين، فهو سادي معاق ومغفل بالمطلق، فالمرأة ألتي تتعرض للأجحاف، لابد أن تثأر لكسر كبرياء أنوثتها وهدر كرامة أسرتها، فتفتح بالمقابل، إختراقات مهينة في "سر مقدسه"، تزرع فوق سيماء زائف سجوده، قرون ألوضاعة، قد يخدع نفسه وهو ألمغفل أصلاً، ليتجنب رؤية فضاعاته على مرآة ألمجمع، فالضرات الأربعة، اللواتي تجمعهن نكبة ألعبودية، يشتركن أيضاً في تدمير شخصية الذكر وسمعته، وتمزيق شرفه وتشويه نفسيته ألمضطربة أصلاً.

3 ــ جل عمري وانا أبحث، عن فضيلة في تعدد ألزوجات، الى جانب عاهتي ألمتعة والمسيار، فلم أجد ما يقنعني، حتى ولو من بعيد، بعكسه فقد وجدته خللاً ذكورياً على الأرض، وأنحرافاً ترتبت عليه خروقات لا تحصى، لمنضومة ألقيم السماوية والأنسانية، خاصة بعد إن تخلت ألمرأة مجبرة، عن وظيفتها ومسؤليتها في تربية الأجيال، وأكتفت بالرضاعة، وأشباع رغبات الذكر، واقتنعت بقوة، أن الأمر لا يخلوا من الأجحاف والأنحراف، ألمغموس بأنعدام ألوفاء والأستغباء الذكوري، كيف لي أن اقتنع، بأمكانية تقسيم الحب على اربعة، وهو منظومة إنسانية، من الأحاسيس والمشاعر ونبل الأخلاق وألعواطف، وأقتنعت حد اليقين، أن أمراً غير سوياً كهذا، لا يمكن له أن يكون، قيمة سماوية يرضاها ألله، فأكتسب شكي بهكذا مهزلة، درجة الأحترام ألتام لعقلي، فأي كفر هنا، يمكن أن اُتهم به؟؟؟، إن لم يكن ذاته، كفر لمن شرعن وقدس ، تلك الخرافات الوضيعة.

4 ــ لا يمكن للرب أن يكون مسيساً، او منحازا لطرف على حساب الأخر، وهو الفضيلة ألمطلقة والعدل المستدام، وكذلك الأمن وألمحبة والتعايش والسلام، والرفاهية غير ألمنقوصة للأنسان، هذا الرب العظيم والرحمن الرحيم، والذي خلق الأنسان على احسن تقويم، كيف لا يكفر شرعنة، إذلال ألمرأة وأغتصاب حقوقها وثلم أدميتها، زوجة  كانت أو اُم أو اخت وأبنة، (حاشاه) لكنهم الوسطا لعبوا لعبتهم الكافرة علينا، استغفلونا وضحكوا على الذقون، أين أقف هنا، مع الرب أو مع من جعلوا دينه وقيمه، وظيفة للأرتزاق، ولكوني لا أرغب ان أكون كافراً، وقفت بوجوه الكفرة، من أعلى المحتال من ألمراجع والوسطاء، حتى آخر قناص وسياف وقاتل مجهول، في طبقتهم التي تمارس الأستثراء، على حساب ألرغيف الحافي لملايين ألفقراء، شخصياً مع ألله في محنته مع الوسطاء، أأمن به وحده، وغير معنياً، بما يكتبه ويصرح به من وظف أسمه ودينه، بغية الأستيلاء على السحت الحرام، عبر إختطاف السلطات والثروات والعقارات والنساء، والأكفر هو من تلوث بعذرية ألقاصرات، وتبقى قناعتي راسخة، إني لم ولن أكن كافراً، والكافر من يكفر الأخرين، ويلغي حقهم في الحياة، إنها ألسماحات، ترمي على الآخر (كفرها) دائها وتنسل.

***

حسن حاتم المذكور

16 /12 / 2023

 

على مر سنوات من التعليم والدراسة ونحن تلاميذ كالخامة البيضاء يكتب عليها الاستاذ ما يشاء إنطلاقاّ من المقولة الشائعة التعليم في الصخر كالنقش على الحجر، لهذا ولأسباب أخرى نجهلها كان أساتذة اللغة العربية يصرون على أن تاء التأنيث ساكنة وأحيانا لايجدون لها محلاّ من الإعراب، واحياناّ يعتبرونها حرفاّ زائداّ، متناسين ما لها من قيمة نحوية ولها قابلية تغيير الجملة من التذكير الى التأنيث، فهل كان استخفافاّ بالجنس الآخر أو إنتقاصاّ من قيمتهم بإعتبارهم ناقصات عقل ودين وهم يعدون نصف المجتمع لأنها خلقت من ضلع آدم كما يعاب عليهم بأنهم خلقوا من ضلع أعوج، لكن العشرة والحياة لاتحلو ولا تكتمل الاّ بهم، وكما يقول الشاعر فإن تاء التأنيث مدرسة إذا أعددتها أعددت جيلاّ طيب الأعراق، فماذا دهاكم أسكنمتوها وقيدتموها وكادت تصبح صفراّ على الشمال، هل لأنكم مجتمع ذكوري متعصب متناسين ما لها من حقوق وما عليها من واجبات، أم لكم غاية في نفس يعقوب قضاها ؟ حتى إستضعفتموها وكادت تتعرض لشتى أنواع العنف بحجج واهية .

ولكن بعد أن دخلت تاء التأنيث معترك الحياة وفكت قيدوها من الأسر الذي عاشته مئات السنين تحت رحمة السجانين وفي ظل القيود والأعراف والتقاليد الإجتماعية وإنطلاقها الى الفضاء الرحب من الديمقراطية بعد أن نالت قسطاّ من الحرية المقيدة خلال تحرير العراق من براثن الدكتاتورية المقيتة بعد أن تحملن شغف العيش والظلم على يد جلاوزة النظام البائد كتفاّ الى كتف مع أخيها الرجل، وبعد تشريع الدولة لقوانين تكفل حقوق تاء التأنيث بادرت الكثير منهن وإنخرطن متطوعات للدفاع عن حقوقهن المسلوبة في منظمات إنسانية ودولية بعد أن تدرجن في سلم التعليم ونافسن الرجل في أدق الإختصاصات الطبية والهندسية والإلكترونية والتعليمية لاسيما ونحن نعيش بعصر العولمة والتكنولوجيا الرقمية لتفتح الحياة العملية أبوابها على مصراعيها وتحتضنها للإستفادة من خبراتهن وتوظف خدماتهن للمصلحة العامة دون الإقتصار على الرجل فقط .

وبعد الحراك الشعبي الذي عم غالبية محافظات العراق بعد فشل الحكومات المتوالية على أداء دورها المناط بها، كان لتاء التأنيث دوراّ بارزاّ وفعالاّ في دعم ومساندة المتظاهرين السلميين في ساحات الإحتجاج بعد أن إنتفضت وشمرت عن سواعدها لتثبت لنفسها وللعالم أجمع بأنها ليست تلك التاء التي تعلمناها في المدرسة الإبتدائية ولم تسمح لنفسها ولا لغيرها أن تكون ساكنة كما أردتم لها لتحجيم دورها في المجتمع وتكون رقماّ هامشياّ يعد مع الأعداد فقط، لكنها رفعت صوتها ليكون مسموعاّ من قبل سياسي الصدفة الذين أحكموا قبضتهم على رقاب الشعب لسنوات خلت، لتبقى شامخة في سوح التظاهر وثائرة حرة ضد الطغمة الحاكمة التي عاثت في الأرض الفساد حيث كانت لها حصة الأسد من التهميش بعدم مشاركتها الفاعلة في العملية السياسية لعدم قناعتهم بطاقاتها وإمكانياتها وقدرتها على إدارة المؤسسة الإدارية، وستبقى تاء التأنيث حرة أبية تنادي بالتغييرالشامل لتأخذ مكانتها الطبيعية في المجتمع كما أرادت لنفسها وليس كما ارادوا لها أن تبقى ساكنة ولا محل لها من الإعراب .

***

حسن شنكالي

في ظل التحديات التي يواجهها الوطن برمته تبرز إلى الواجهه الوطنيه أهمية الدفاع عنه - أي الوطن - من الجميع وذلك من خلال التماسك والترابط ولم الشمل وسد الثغرات أمام المتربصين والمرجفين والحرص الشديد من التفكك.

والتنبُّه لـ(السُوس الخامس) التي تنخر عظم الداخل  بشائعاتٍ مغرضه هدفها شق الصف الوطني.. وتعبيد الطريق أمام الأعداء للعبور بكل أريحيه وعنجهيه خسيسه.. فهم بدافع العماله والإرتزاق سقطوا وانبطحوا ولا زالوا منبطحين إلى يومنا هذا..!؟

فالإنبطاح ميزتهم والإرتزاق ديدنهم والتبرير أداتهم واللف والدوران إطارهم..وإهاب الحرباء ثوب سياستهم ..(فاحذروهم )هم العدو وحذائه.. وأداته.. قاتلهم الله (ولا أصلح لهم حال)!

***

محمد ثابت السميعي - اليمن

دولة الاحتلال الدولة الوحيدة التي قامت على أشلاء شعب آخر بفضل قرار من الأمم المتحدة. ومن المعلوم أن هذه الدولة منذ قيامها خاضت عدة حروب بدءا من حرب ٤٨ وانتهاءا بحربها على غزة ٢٠٢٣.

من الطبيعي لدولة قامت بوعد بريطاني لشعب غير مرتبط، تم تجميعه من الشتات بذريعة المحرقة "الهولوكوست" المزعومة،الورقة الرابحة بيد اليهود ورقم الستة مليون الذي تم وضع قانون خاص له عام ١٩٩٠أطلق عليه جيسو وينص على المعاقبة بالحبس لمدة سنة واحدة مع توقيع غرامة مالية كبيرة لكل من ينكر وقوع المحرقة النازية لليهود (الهولوكوست) باعتبارها تندرج ضمن الجرائم المرتبكة ضد الإنسانية" أن لا تحظى بالاستقرار لأنه وحسب المثل الذي يقول لا يضيع حق وراءه مطالب. والحق هو فلسطين أما المطالب فهو الشعب الفلسطيني. وبالتالي فإن هذه الدولة ستظل متورطة بمصادمات عسكرية وعمليات فدائية داخل الأرض التي ادعت ملكيتها وحتى خارجها وفي جميع أنحاء العالم واقصد هنا تلك العمليات التي نفذها فدائيون خارج فلسطين من أجل أن يثبتوا لليهود والعالم الذي اعترف بوجودها بان الفلسطيني موجود لم ينسى أرضه ومستمر بالثأر حتى ذلك اليوم الذي سيسترد الارض.

وعودا إلى تورطها بعدة حروب بعضها بدافع البقاء مثل حرب ٤٨ وبعضها استفزازيا بدافع التوسع مثل ٥٦ و ٦٧ ثم حروبها في لبنان بحجة القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية وسلامة الجليل وأهداف أخرى مثل الاستيلاء على مياه نهر الليطاني التي تحتاجها الدولة بشدة وغيرها من الأهداف التي لا تخفى على البعض.ثم حربها على الفلسطينيين أثناء الانتفاضة الأولى والثانية وأخيرا سلسلة حروبها على غزة بحجة التخلص من حماس التي تقلق راحتها بصواريخها التي تطلقها من حين لآخر تأديبا لدولة الاحتلال الفاشية التي لا تشبع من الدم الفلسطيني ثم الاستيلاء على غزة وخيرات بحرها وأرضها بالإضافة إلى أهداف أخرى.

وانتهاء في حربها على غزة ٢٠٢٣.. والسؤال الذي يطرح، هل قصرت هذه الحروب عمر دولة الاحتلال؟

الإجابة من وجهة نظري الخاصة هي نعم. لكن كيف؟

الإجابة سأضعها في نقاط ساذكر من خلالها الخسائر المتتالية لهذه الدولة.

أولا: الخسائر الاقتصادية ..لقد تكبدت دولة الاحتلال خسائر اقتصادية في كافة القطاعات حيث خسرت مليارات الدولارات بالإضافة إلى عجز في الميزانية.

ثانيا: الخسائر العسكرية سواء على المستوى البشري (الجنود والضباط) والآليات.

ثالثا: الخسائر السياسية بما فيها الانقسامات بين المعسكرات.

رابعا: المشاكل الأمنية.

خامسا: اختلال الميزان الديمغرافي بسبب الهجرات العكسية.

 سادسا: وهو الأهم الرأي العام الدولي حيث يعتبر من العناصر الرئيسية بالنسبة لدولة الاحتلال ،فهذه الدولة لم تكن لتقم كما ذكرت في مقالات سابقة أنه لولا الانتداب البريطاني أعقاب الحرب العالمية الأولى ما قامت ولا حصلت على الدعم الأمريكي أعقاب الحرب العالمية الثانية ولا حتى حصلت على التعويضات من ألمانيا الغربية

ولم تكن ستحصل أيضا على الأسلحة من فرنسا وبريطانيا. فحدوث تغير في الرأي العام الدولي كالذي يحدث اليوم في حربها على غزة لن يتيح لها الدعم الذي ذكرته وستواجه وضعا نفسيا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا أصعب من أن تتحمله وهذا سيؤدي إلى تقصير عمرها. وهذا ما نتمناه. ودولة الاحتلال في هذه الأيام برئيس وزارءها مشغولة بإطفاء حرائقها التي أشعلتها بأيديها.

***

بديعة النعيمي

‏سأل أحد الجنود نابليون بونابرت قبيل اندلاع معركة ''واترلو'': وهي «معركة فاصلة وقعت في قرية واترلوا قرب العاصمة البلجيكية بروكسل ....18يونيو 1815 » هل الله معنا نحن الكاثوليك أم مع البروتستانت؟؟.

فأجابه: الله مع صاحب المدفع الأكبر !! قال لي ذلك رجل لا يؤمن بالله ولايؤمن بأن الله ينصر من ينصره كما يعتقد أهل الإيمان والحقيقة ان ماقاله نابليون يُعبر بشكل دقيق وواقعي عن دوافع الحرب التي كان يخوضها والتي كانت تعبر عن خيار المُترف في دخول هذه الحرب فقد كان غازيا معتديا اثيما مدفوعا بهواجس المال والسلطة والاستحواذ. لذلك عليه أن يحتسب كل الاحتمالات المتعلقة بإدارة المعركة اقتصاديا واجتماعيا ولوجستيا، بما في ذلك حجم المدفع الذي سيضرب به ضحاياه وصولا إلى اتفه التفاصيل المتعلقة بانضباط الجند وجمال ملابسهم وقبعاتهم وخوذهم وربما ريش النعام المغروز في أعلى تلك القبعات الغازية المعتدية وعليه أيضا أن لاينسىالأوسمة والنياشين التي عليه أن يتقلدها احتفالا بالنصر !!! ... هذا طبعا اذا احتسبنا النصر بحسب دوافع الغازي أما ان احتسبناه بحسب المعيار الإنساني الأخلاقي فأن ذلك لايمكن إلا أن يوصف بأنه هزيمة فادحة أخلاقيا وانسانيا لذلك ولأن كلُ حقيقة ثابتة في ذاتها ولاتحتمل النسبية بحسب فهمي فأنك تجد أن حقيقة الهزيمة الأخلاقية. التي لحقت بالمجتمع الأمريكي بعد قصف هيروشيما وناكازاكي باقية وثابتة رغم أن المعتدي قد احتسبها نصرا عسكريا ولاكنه لايمكنه التصريح به أو الافتخار بل إنه مضطر للتغطية عليه منذ ٧٠ عام وغير ذلك من مئات الأمثلة لانتصارات الحقت العار بأصحابها رغم أنهم كانوا يمتلكون المدفع الأكبر ولكن الله تعالى لم ينصرهم بل اخزاهم ...

خيار المُضطر

أما من هو مضطر لدخول الحرب وخصوصاعندما يفقد كل الخيارات البديلة فأنه ليس مطالب ابدا بأن يكون صاحب المدفع الأكبر لكي ينصره الله لأن الأمر هنا يتعلق بدوافع دخول الحرب وبتعريف النصر حيث تصبح الارقام مقياسا ماديا سخيفا عند من يدافع عن أرضه ومصيره مضطرا وليس مختارا، لذلك فأن النظر إلى غزة من الاعلى والقول انظروا ماذا حل بغزة من جراء مغامرة حماس فإنه لابد أنه يطرح سيناريوا للاستسلام والخضوع والذل أو أنه من أنصار أصحاب المدفع الكبير الذين لا يؤمنون بالله

***

فاضل الجاروش

 

الصهيونية، فكر أيديولوجي سياسي يدعو إلى إنشاء وطن قومي لمجموعة دينية اجتماعية هي الشعب اليهودي، ويعتبر اليهودي النمساوي ثيودور هرتزلهو مؤسس الصهيونية السياسية التي تربط بين وضع الجماعة اليهودية القديمة والمزاعم الحديثة بالسيادة على الأرض اعتقادا بأن الإله وعد اليهود وأحفادهم بها،وترتكز أسطورة العِرْق المشترك أي العلاقات الثقافية وروابط الدّم على عملية تحويل العهد القديم إلى مرجعية تاريخية فعلية تقطع بأن الشعب اليهودي يشكل شعبا مختارا

تأسيساً على ميثاقه الفريد مع الله.

يذكرون أن الله وعد اليهود بالرجوعِ إلى موطنهم " التوراتي" واصفاً أولئك الذين سكنوه على امتداد القرون بـالغرباء أو الدخلاء، هذا الوهم العنصري عن وحدة اليهود وتميزهم يتناقض مع واقع شتاتهم الذي نتج عنه ممارسة اليهود طوال القرون الماضية شعائر وتقاليد دينية تختلف بعضها عن بعضها الآخر وذلك تبعا لمدى تأثرهم بثقافات ولغات وهويات عرقية وبقاعٍ جغرافية متنوعة حول العالم، لذا لا يحتاج تحويل تلك التعددية في شكلها المتنوع إلى قومية عقائدية استعمارية موحدة إلى أهمية تأسيس بنية عنصرية عرقية فحسب بل وإلى حتمية وجود أرض أو إقليم، فضلا عما أسماهُ عالم الاجتماع الألمانيماكسيميليان كارل إميل فيبر 1864ـ 1920 ضرورة "احتكار الاستخدام المشروع للقوة"فهو يعرف الدولة بأنها الكيان الذي يحتكر الاستعمال الشرعي للقوة الطبيعية، وهو ما استلزم وضع استراتيجية للقضاء على الغرباء وتجميع اليهود من دول العالم وتجنيدهم في المشروع الاستعماري، أما الفيلسوف النمساوي اليهودي مارتن بوبر (1965 – 1878) الذي يدعى بالعبرية  מָרְדֳּכַי، أي مردخايوالذي اشتهر بفلسفة الحرية فتوقّع أن الصهيونية ستكون مشروعاً يتطلب أساسا العنف والظلم والحرب إلى ما لانهاية، ويقر المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابي بالعبريةאילן פפהالناشط الاشتراكي استاذ بكلية العلوم الاجتماعية والدراسات الدولية بجامعة إكستير بالمملكة المتحدة وهو من مواليد مدينة حيفاـ فلسطين عام 1954أن قادة الصهاينة في القرن العشرين كانواعلى دراية تامة بأن تطبيق المشروع الصهيوني سيؤدي حتما إلىعملية تطهير عرقي وتهجيرقسري للسكان الأصليين الفلسطينيين، وينتمي إيلان إلى الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ، وسبق أن دعّم حملة مقاطعة اسرائيل عام 2005 داعيا إلى "إنهاء أفظع احتلال عرفه التاريخ الحديث"

ما نراه اليوم في الحرب الاسرائيلية الشرسة على قطاع غزة هو تجسيد للفكر الصهيوني يجري تطبيقه وفق مراحل ترسم سيناريو القتل والإبادة الجماعية والتهجير القسري للمواطنين لإخلاء قطاع غزة ثم الضفة الغربية من الفلسطينيين نحو صحراء سيناء غربا والأردن جنوبا على التوالي .

ويقوم سيناريو الحلم حسب مزاعم الصهاينة على مبدأ "التخريب " من خلال عملية "التفكيك الأخلاقي" والاسم يشرح نفسه أي أن معناه في ذاته ، هي مرحلة تستغرق من 15 إلى 20 سنة وهي فترة كافية للتأثير على جيل واحد من الأطفال والطلاب، هي فترة واحدة من حياة الإنسان يقضيها في التعلم الهادف إلى توجيه نظرته للحياة وتشكيل عقيدته وتحديد ملامح شخصيته، وتعتبر مجالات تطبيق مبدأ التخريب توضيحا لما يعنيه ذلك بالضبط:

ــ في المجال الديني، يدعو المخطط إلى استهداف أمرين أساسيين هما:

* تدمير الدين والسخرية منه، واستبداله بطوائف ضالة واستفزاز الميول الجنسية "المختلفة " التي تؤثر في السلوك فتصرف انتباه الناس عن الدين سواء عن قناعة منهم أو عن سذاجة فيهم ، المهم أن يحدث تأكل بطئ للعقيدة الدينية فيحدث الابتعاد عن الغرض الأسمى للدين الذي يسميه المخطط " إبقاء الناس على اتصال بالكيان الأعلى" ومنه يمكن أن يتحقق الغرض .

* صرف الناس عن العقيدة وعن كل ما يقوي الإيمان وجذبهم إلى اتباع معتقدات أخرى مختلفة ومتضاربة تخلق أجواء ملائمة لإثارة الشحناء وحمية الجاهلية ثم لوقوع الخلافات المذهبية الحادة وصولا إلى تفرقتهم وشق صف المؤمنين.

* استبدال الهيئات الشرعية القائمة والمنظمات الدينية المعتمدة بأخرى مزيفة لا تحكم بالمعلوم من الدين وتنشر البدع والأحاديث الدخيلة مستندة إلى مكانتها الدينية العليا في المجتمع من أجل توثيق أحكام منحرفة وصيغ شرعية أخرى بعيدة عن أصول الدين .

* إلهاء الطلاب عن تعلّم شيء مفيد وعملي وفعّال، واللجوء إلى توجيههم إلى تفضيل تعلم تاريخ الحروب الحديثة والأطعمة النباتية والاقتصاد المنزلي والثقافة الجنسية وكل شيء يمكن أن يشغلهم جنسيا بدلا من تعلم الرياضيات والفيزياء والكيمياء واللغات الأجنبية,

ــ في المجال الاجتماعي، محاولة استبدال المؤسسات الفاعلة والمنظمات الاجتماعية التقليدية القائمة  بمنظمات أخرى دخيلة ، مزيفة، تنزع المبادرات الخيرية من نفوس وضمائر الناس وتنزع عنهم الشعور الذاتي بالمسؤولية في الحفاظ على الروابط والصلات الطبيعية بين الأفراد والجماعات والمجتمع بأكمله ، ثم استبدالها بكيانات اصطناعية وبمجموعات أخرى في المجال التمثيلي لم ينتخبهم أحد مطلقا ، ولا يحبهم أحد من الناس ومع ذلك يبقون في مراكزهم وتراهم متمسكين بمناصبهم ، ومن هذه المجموعات وسائل الإعلام التي تملك الجرأة والقوة الاحتكارية على انتهاك العقول وتشكيل الرأي العام ، وإبراز من يرونه مناسبا من رؤساء الإدارات الحكومية المركزية ومديري المؤسسات الاقتصادية .. في تمرير مشاريعهم.

هذا هو أخطر درس صهيوني ما زال متواصلا في كيفية نسج مراحل التفكيك الأخلاقي لتدمير البشرية، ونكاد نلمس بصماته في واقع حياة بعض الشعوب العربية وغير العربية، والأهم أنه قد وجب الحرص والانتباه من الحلم الصهيوني المزعوم.

***

صبحة بغورة

 

كانت الخيارات التي فكر بها هيرتزل الصهيوني في نهايات القرن التاسع عشر بأن تكون وطن لليهود، سيناء أوغندا مدغشقر وغيرها، خيارات بعيدة عن أرض فلسطين التي ذكرت في العقيدة اليهودية على أنها أرض الميعاد. والصهيونية كونها حركة علمانية لم يكن يهمها موقع هذا الوطن فالمهم قطعة أرض. لكن مساعي هيرتزل باءت في الفشل. وطرحت عليه فلسطين التابعة للدولة العثمانية. حيث قام بزيارة لدولة الخلافة وعرض على السلطان عبد الحميد الثاني تسديد ديون الدولة بالإضافة إلى مبلغ خاص للسلطان. فكان رد السلطان عبد الحميد قوله المشهور (لا أستطيع أن أتنازل عن شبر واحد من الأراضي المقدسة لأنها ليست ملكي، بل هي ملك شعبي وقاتل أسلافي من أجل هذه الأرض ورووها بدمائهم فليحتفظ اليهود بملايينهم ،إذا مزقت دولتي من الممكن الحصول على فلسطين بدون مقابل ولكن لزم أن يبدأ التمزيق أولا في جثتنا) وبالفعل بدأ اليهود منذ ذلك الحين بخلخلة الخلافة العثمانية من خلال المخططات والدسائس وتم الاستيلاء على أرض فلسطين.

هيرتزل الذي تأثر بالفكر النتشيوي حيث فكرة (الإنسان الأعلى) عنده، فقد كان يرى أن الأخلاق إنما جعلت للضعفاء وأن كل فضيلة في القوة وكل رذيلة في الضعف.

 وهنا يقول عبد الوهاب المسيري في كتابه العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة (أن البعد النتشوي في الفكر الصهيوني بعد أساسي). والصهيونية أيديولوجية أرادت تجميع يهود الشتات الذين يؤمنون بأخلاق الضعفاء وحولتهم إلى وحوش مفترسة تحسم كل القضايا بالقوة. ومن هنا فإن الصهيونية العلمانية تؤمن بأن الإنسان الأعلى هم اليهود والإنسان الأسفل هم العرب وهنا يحق من وجهة نظرها للأعلى أن يدوس الأسفل بكل الطرق المتاحة لتجعله الأعلى دائما. ولقد رأينا انعكاس هذه المرجعية من خلال المذابح التي ارتكبها الصهاينة في فلسطين في ٤٨ للحصول ذلك الوطن المزعوم حيث تحققت مساعي الصهيونية في إقامة دولة حديثة.

 لكن ما الذي يجعلها بعد حرب ٦٧ توسع حدود دولة الاحتلال؟ حيث أعاد هذا التوسع إلى أذهان اليهود ما تسمى "بارض إسرائيل الكاملة" وبهذا يكون اليهود بما فيهم الصهاينة قد عملوا على تنحية الصهيونية العلمانية جانبا. وقد غمرت الفرحة حينها شريحة المتدينين منهم والذين يؤمنون بأرض فلسطين الكاملة. وهنا برزت حركة (غوش إيمونيوم) المتعصبون وتحالفت مع الحركة العلمانية (أرض إسرائيل كاملة) لإقامة حركة استيطانية في المناطق العربية المحتلة. وبهذا تكون العقيدة اليهودية قد دخلت للسياسة اليهودية والنتيجة إبرام الحلف مع العلمانيين مؤيدي الاستيطان والذين أصبح عددهم لا بأس به في حزب العمل الحاكم آنذاك حيث كان المغزى من وراء ذلك تحريك الجهاز السياسي اليهودي يمينا نحو التعصب القومي وبالتالي ما يسمى بالتعصب الديني..فأين الحركة الصهيونية العلمانية ؟؟

وما تفعله اليوم دولة الاحتلال في حربها على غزة منذ ٧/ أكتوبر ٢٠٢٣ بقيادة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو. هل يحمل أسباب التوسع وعقد النية على الاستيلاء عليها وبالتالي تنحية المتبقي من صهيونتهم العلمانية ولم يتبقى منها سوى جزئها النيتشوي؟

وتبقى الأسئلة مطروحة على على ساحة المعركة.

***

بديعة النعيمي

الوجود ومنذ الأزل تصارعت فيه الموجودات فانقرض ضعيفها وتواصل قويها، وبعد أن أجهز البشر على ما دونه من الأنواع، إنهمك في صراعات بينية في مملكة النوع الواحد، فنشبت الحروب والصراعات الدامية التي يتماحق فيها أبناء النوع الواحد.

والتنازع قانون ضابط للموجودات المادية والغير مادية، وينطبق على الإبداع بأنواعه، ففيه ما ينقرض أو ينتهي حال ولادته، ومنها ما يدوم فاعلا في حياة البشر ويؤثر في وعيهم وتفكيرهم.

ولهذا تجدنا أمام مبدعين ترسخوا في الوعي الإنساني وكأنهم يعيشون معنا، رغم أنهم قد رحلوا منذ قرون.

فلماذا تخلدوا في الذاكرة الإنسانية الجمعية، وتفاعلوا مع الأجيال وكأنهم قادتها في مسيرة البقاء والرقاء؟

من الواضح أنهم تواصلوا معنا بما قدموه من إبداع كالشعر والقصة والرواية والمسرحية والمقالة والكتاب، وغيرها من صنوف الإبداع الفكري القويم المالك لأسباب وعناصر الخلود.

فالقاسم المشترك بين ما يبقى حيا بعد موت صاحبه، أنه يكنز أفكارا جوهرية ذات طاقات روحية وجدانية ومنطلقات رحيبة الآفاق لا حدود لها.

وتتناول موضوعات إنسانية تهم كل البشر ومتفاعلة مع نبضات الروح، وإيقاعات النفس وفحواها وما يعتمل في دياجيرها.

ولهذا تجدها تنطلق من بركان فكري ثائر، يصيب جميع البشر الساعي فوق التراب، ومتواكبة مع إرادات العصور وتطلعاتها الدفاقة، المكتنزة بإمتدادات فياضة ذات مشاعل متأهبة لإيقاد أنوار الإنطلاق المشعشع الفتان.

إن البقاء الخالد له عناصره المتجانسة المتداخلة الفاعلة الدافعة إلى توالي الغايات للوصول إلى الغاية الكونية الكبرى.

ولا بد من تفاعل المفردات والأفكار والطاقات النفسية والوجدانية والروحية والفكرية والإدراكية في بودقة الصياغة والإنجاب، بعد أن يختمر الإبداع في رحم القدرة على التمثل والبناء، فلكل إبداع رحم يأويه، وعليه أن يولد بلا صراخ!!

***

د. صادق السامرائي

6\11\2021

 

  مع هوسِ صريخِ الحناجرِ على المَنابرِ كافةً، دينيةً كانت أم علمانيةً في أيامنا العراقية هذه لأزِّ النَّاسَ أزَّاً نحوَ سِيركِ الانتخابات

يحُقُّ لي كمواطنٍ هنا ان أدلي بهَوَسي في ذا شأن، وإذ رأيتُ خَيمةَ هذا السَّيركِ السَّمجِ في مناطقِ «الطَّائفةِ السّنيَّة» قدِ اتَّكأتْ بلِ ارتَكزت على أعمدةٍ عرجاء عوجاء أهمّها قاعدةٍ شَرعية تقول؛ «إنْ لمْ تَحصلْ على الكلِّ فلا تَتركِ الجُزءَ»، او هكذا هو ممَّا ترسبَ في ذِهني من نَصِّها، غيرَ إني أعلمُ قاعدةً هي أفصحُ منها وأنصحُ، تقول؛ «ما لا يُدرَكُ كلُّهُ لا يُتركُ جلُّهُ»

ويَقيناً أن لدى الطّائفةَ الشِّيعيَّةَ قواعدُ لأزِّ النَّاسِ مختلفةٌ أدهى، وربما أحلى وأعلى لكنِ الرَّايةُ السائدةُ للطائفتين تهرولُ تحتَ ذات الغاية وذاتِ القاعدة.

وإنَّما هذي القاعدة هيَ قانونُ حقٍّ أُريدَ بهِ لا أقولُ باطلاً بل أقول قانونُ «فَرهودَ»، إذ هي قاعدة بسِيفٍ ذي حَدين؛

- حدٌّ معلومٌ مفهومٌ ويَبعثُ بل ويُفجِّر في النُّفوسِ العِلمَ والعَملَ، ويُحفِّزُها للقَفزِ بتَتابعٍ مَحمودٍ تتراً نحوَ العلوِّ والسِّمو، ويمحقُ فيها اليأسَ والقُنوط.

- حدٌّ مَذمومٌ مَسمومٌ ويعبثُ بل ويٌدمِّرُ في الرُّؤوسِ العِلمَ والعَملَ، ويَستفزُّها للغَمزِ بتدافعٍ مَعمودٍ للدُنو والخنوِّ، ويُطلِقُ فيها اليأسَ والهُبوط.

وهذا الحدُّ المَسمومُ هو المسلولُ اليومَ حينما فهِمنا تهي قاعدة «إنْ لمْ تَحصلْ على الكلِّ فلا تَتركِ الجُزءَ» على أنَّها «إنْ لم تَحصَلْ على الشَّاةِ فلا تَتركِ الفُتات»، ولَعمريَ إن هذا لهوَ فهمٌ سقيمٌ بذيئٌ عقيمٌ دنيئٌ مردودٌ غيرُ مَحمودٍ؛ فهم «التَّهافتُ على الفَرهود» مِن قبلِ الرَّعيةِ والرُّعاةً. وإن كثيراً مِنَ النَّاسِ (النَّاخبين) قد فَهموا القاعدةَ فَهماً غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ، لذلكَ تَرانا بكافة طوائفنا ومنذُ عَقدينِ في ديارِنا بلا كهرباءَ، وداخرين بلا ماءَ، صَاغرين بلا خدمات ولا دواءَ من زَاخو الى أبي الخَصيب، أو هكذا كنَّا نقولُ قبلَ أن يتبخَّرَ منّا قضاءُ «أبو الخَصيب». وهكذا أصبحَ -وبأسفٍ موجعٍ- مآلُ الحالِ اليومَ.

وكانَ قد فَهِمَ حدَّ ذا السَّيفِ المسموم مِن قبلِنا كلٌّ مِن؛ «السَّاداتُ» فتراهُ قد تَركَ مَسرى الرَّسولِ وهرولَ لاهثاً الى «كامبَ ديفيد» ورضيَ بفتاتِ سَيناءَ. وكذا فعلَ «ياسرُ عرفاتَ» لمَّا تركَ كلَّ فلسطينَ وهرولَ لاهثَاً الى «أوسلو» وارتَضى بخرقةِ عَلَمٍ على مكتبٍ خَشَبيٍّ في القُدس. وكذا فعلنا نَحنُ العربُ أجمعونَ إذ تركنا المَسجد الأقصى وهرولنا كقطيعٍ باحثٍ في « مَسالكِ التَّطبيع» وفَرِحنا حين المساء «بفتاتِ شَطيرةِ فلافلَ وسفنِ آبَّ ورنَّةِ موبايل»، وكلُّ ذلكَ مَرَدُّه الى فَهمٍ أبترٍ أغبرٍ أعوَرٍ لقانون الفرهود؛ « إنْ لمْ تَحصلْ على الكلِّ فلا تَتركِ الجُزءَ».

وهكذا فأنَّ أعمدةَ سيركِ الانتخاباتِ منذ 2003 تمايلت في ظلال ذاتِ الخيمةِ ما بينَ ..

«ويلكم أيُّها السُّنةُ إن لم تغمسوا سبابتَكم بالبنفسجي فقد جاءت ريحُ الفرسِ المجوس نابِحة»

«ويلكم أيُّها الشِّيعةُ إن لم تطمسوها بالمَحبرة فقد عادَت ريحُ البعث لناصيةِ الحكم ذابِحة»

وما بينَ حانةَ الفرس ومانةَ البعث ضاعَ البلدُ وضَاعَت معهُ شوارِبُنا ولحانا.

أفتلكم هيَ ديمقراطيةُ الأصوات أم تراها هي ديمقراطيةُ الفتاتِ في خيمةِ سيركٍ مجٍّ بالترّهاتِ سَمجٍ بالمتاهات، نراهُ على مضضٍ يتَكَرَّرُ كل بضع سنوات، متراقِصاً على أنغامٍ عُجافٍ وجراحات، وإذ المواطنُ يغدو في الدروبِ الى خيمةِ الصَعلكةِ ما بينَ فذلكات وبين دربكات.

وهنا لزاماً قد وجبَ القولُ ...

(لئن) ارتَضى أيُّ  مُرَشَّحٍ في تهي انتخاباتِ  لضَميرهِ أن يَتسَلَّمَ مرتبٍ شَهريٍّ يزيدُ على مرتَّبهِ قبلَ دخولهِ قبةَ التشريع أسوة ببقيةِ البرلمانات على وجه الارض كافة فهو إذاً لصٌّ بائنٌ بل هو قردٌ كائنٌ في سيركٍ مُحترفٍ للنَّطنطات.

ولا شكَّ أنَّهُ ما مِن معيارٍ لشرفِ المواطنةَ لدينا نحن الناخبون ولا ميزانَ لصدقِ شعاراتِ المُرشحِ بين أيدينا أبينُ وأدقُّ من هذه الجُملةِ الشَّرطيةِ المَجزومةِ في علمِ اللغويات.

ولا تثريبَ إن تبغدَدنا نحنُ النَّاخبونَ البسطاءُ على مرشَّحينا المُخلَصينَ المُخلِصينَ بمرتبٍ مضاعفٍ لمرتبهم قبل ولوجهم قُبَّةَ بركانِ الفلوسِ والكؤوسِ، قبةَ البرلمان المأنوس المَحروسِ أعني.

 وكانت تلك فضفضةُ مواطنٍ ضمنَ رأيٍ شخصي مردودٍ عليهِ إن كانَ ذا عوجٍ، وهلمّوا إخوةَ الوطن الى غرسِ ديمقراطيةٍ فيحاء وعرسِ عراقيةٍ سَمحاءَ تحت ظلال؛ «الفتاتُ ثمَّ الشاة» والعافيةُ درجات، فعرسُ اليومِ شَحمةٌ وعرسُ غدٍ لَحمةٌ ثمَّ جَسدُ الشَّاةِ سينسلخُ كلِّهِ في عرسٍ لا مُحالةَ آت، وقد فات حَناجرُ المنابر دينيةً كانت أم علمانيةً أنَّهُ لو فازا القريشيانِ «عُمرُ وعَليُّ» في تَهي انتخابات، لرأيناهُما؛ إمّا يفرونَ من القبَّةِ مذهولينَ في الفلاة، وإمّا ينحرفونَ عن الدين ويكفرون بالحياة، ورضي الله عنهما وهنيئاً لهما بمَقعد صدقٍ عند مليك مقتدر، فذلك هو خيرٌ لهما من مقعدٍ سُحتٍ معلنٍ غيرِ مستترٍ في بيتِ سيركِ مُتهرئٍ مُنقعر.

***

علي الجنابي- بغداد

 

من المعلوم أن يهود الشتات نهبوا أرض فلسطين وأصبحوا أغلبية بعد أن كانوا أقلية عام ٤٨ بعد أن ارتكبوا عشرات المجازر وهجروا قسرا وترهيبا آلاف الفلسطينيين. لكن الفلسطيني الذي لم ينسى أرضه كان يعود إليها متسللا إلى حقله او بيته عله يجد فيهما ما يسد به جوع أطفاله. ثم بعد ذلك تطور التسلل وأصبح فدائيا ينفذ الفلسطيني خلاله عمليات فدائية بهدف استعادة الارض، فكانت اللغة الوحيدة التي استخدمتها دولة الاحتلال معه هي لغة القوة بحجة الحفاظ على أمن الدولة الوليدة. وأصبحت هذه الحجة هي البقرة المقدسة التي يتذرع بها العدو لينفذ عملياته الانتقامية.

وفي الخمسينات والستينات نفذت قوات الدفاع اليهودية عمليات انتقامية ردا على هجمات الفدائيين ،وقد أمر رئيس الوزراء بن غوريون وقتها رئيس الأركان اليهودي موشيه ديان بشن غارات انتقامية كرد قوي على هجمات الفدائيين وكانت الرسالة أن أي هجوم على اليهود سيعقبه رد يهودي أقوى.

وفي محاضرة لموشيه ديان عام ١٩٥٥ قال( لا يمكننا منع قتل العمال في البساتين والعائلات النائمة في أسرتها ،لكن لدينا القدرة على تحديد ثمن باهض لسفك دمائنا).

وقد اقترح آرييل شارون تلك الفترة إنشاء وحدة كوماندوز تضم مجموعة من الإرهابيين اليهود المتعطشين للدم أطلق عليها الوحدة (١٠١) التي قال شارون عنها ( أنها صمدت خلال فترة قصيرة وأنه لا توجد مهمة لا يمكنها القيام بها وأن هذه المهمات ساعدت في تأمين حدود "إسرائيل") وقد قال هذا الكلام تعقيبا على المذبحة التي نفذتها هذه الوحدة في قرية قبيا حيث قتلوا قرابة السبعين فلسطينيا غالبيتهم من النساء والأطفال. وكان الهدف من هذه العملية الانتقامية كرد على عملية فدائية حين قام الفدائيون بإلقاء قنبلة داخل بيت كنياس قتلت فيها امرأة وطفليها. وعلى لسان شارون ما قاله أيضا في الوحدة ١٠١ ( لم يكتف المظليون بتنفيذ العمليات..ويمكننا القول أن أيديولوجية عمليات الانتقام تبلورت إلى درجة كبيرة في وحدة المظليين)

لكن هذه العمليات لم تردع الفلسطينيين بل زادتها وكبدت العدو ولا زالت تكبدهم الخسائر الفادحة.

وباسم هذه البقرة المقدسة يقتل العدو وينفذ عمليات انتقامية دون الكف عنها منذ ٤٨ وصولا إلى حروبها المتتالية على غزة وآخرها الحرب الحالية ٢٠٢٣ على غزة هدفهم القضاء على الشعب الفلسطيني هناك والتخلص منه ،وقد تذرعوا بعملية طوفان الأقصى التي نفذتها كتائب القسام وفصائل المقاومة عندما اقتحمت مستوطنات الغلاف ردا على الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى. وهنا بدأت عمليات العدو الانتقامية الإجرامية أيضا باسم بقرتهم المقدسة (أمن دولة الاحتلال) حيث لم يكتفوا بمجزرة ولا اثنتين بل نفذوا مئات المجازر ولا زالت إلى اليوم وقد دخلت الحرب شهرها الثالث.

وهنا سيقول العدو هم بدأوا فأقول لهم بل أنتم من بدأتم فمن الذي سرق الأرض من أصحابها في ٤٨؟

والآن نجدهم وقد تورطوا في حرب أقصى إنجازاتهم فيها قتل آلاف النساء والأطفال خلال القصف الجوي. أما معركتهم البرية مع الفصائل الفلسطينية فقد فشلوا فيها وتكبدوا مليارات الدولارات. وهذه النتيجة متوقعة لأن تاريخ اليهود حافل بالنقاط المسدودة وهو الآن آخذ بالتناقص ودولة اليهود مرت بعدة مراحل واليوم هي في مرحلتها الأخيرة ،ونتنياهو يسير بها بأقصى سرعة نحو نهايتها.

***

بديعة النعيمي

 

أراد غراب أن يقلد رشاقة سير طائر الحجلة، تعثر والتوت أعصابه وفشل في التقليد كما عجز عن العودة لخطواته الأصلية، هكذا أمريكا أرادت أن تتخلص من ماضيها الأسود وزمن الكاوبوي بادعاء نشر الديمقراطية والدعوة لحقوق الانسان، ولكنها خاضت الحروب تحت مبررات كاذبة ولأسباب واهية فلا هي حققت ادعاءاتها ولا هي أمكنها التراجع لكسب الاحترام الدولي.

لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية في الماضي طرفا في التفكير لإقامة وطن قومي لليهود، كما لم تشارك في اختيار فلسطين وطنا لهم عام 1948، ولكنها اليوم أصبحت يهودية أكثر من اليهود أنفسهم، فهي حريصة على أمن اسرائيل وحماية سلامتها، متمسكة بدعمها وضمان تفوقها العسكري على كل جيرانها العرب، تعزز نظامها السياسي وتنعش اقتصادها وتقيم معها علاقات تعاون علمي حديث وتكنولوجي متطور، وتؤيد احتلالها لفلسطين وأراض عربية أخرى، وتدفعها للحرب، ولا ترى غضاضة في معارضة المشاريع الأممية لوقف إطلاق النار في قطاع غزة والضفة الغربية برغم إعلان اسرائيل أن هدفها القضاء على حركة المقاومة الإسلامية " حماس"، والحاصل هو القضاء على وجود شعب فلسطين بأكمله، وتهجير ما بقي من أرضه إلى خارج القطاع، إنه العقاب الجماعي والتهجير القسري تحت مبرر الدفاع عن النفس !

- منذ متى نسمع أن من حق عصابة مسلحة الادعاء بالدفاع عن النفس ضد مقاومة أصحاب أرض احتلتها هذه العصابات واغتصبتها منهم ؟!

-منذ متى نرى دولة تدّعي القيام بنشر وضمان السلام العالمي ثم تعارض علنا وبمفردها داخل مجلس الأمن الدولي مشروع وقف إطلاق النار لأغراض إنسانية في غزة؟

- الرئيس الأمريكي بايدن يؤكد لو لم يكن لإسرائيل وجود، لأوجدناها !!واسرائيل حاليا تقوم على مدى أكثر من شهرين بعمليات عسكرية إجرامية واسعة لتصفية قضية شعب وهدم وتدمير مدنه ومستشفياته ومدارسه على رؤوس أطفاله وأبنائه، فهل حقا تريد أمريكا بالقتل تحقيق السلام لدول العالم؟ أم إنه الأمن المزعوم والاستقرار الوهمي.

لقد أذاق النظام الأمريكي أبناءه على مدى عشرات السنين الويل والعذاب في كوريا وفيتنام والصومال والعراق.. وقاست العائلات الأمريكية طويلا مرارة الفراق بعد مقتل أبنائها في حروب لا تدري سببها الحقيقي، ولا بأي ذنب قتل أبناؤها.

السياسةالأمريكية الإسرائيلية القائمة على الخداع والكذب تقود حتما إلى دائرة المنطق المقلوب، فلا شيء معقول في السياسة الأمريكية الخارجية، فهي تدعو إلى شيء ولا تلتزم هي به !تطالب المجتمع الدولي بمواقف ثم تتخذ موقف الضد منها خاصة في علاقتها بالكيان الصهيوني ! لا يمكن معاقبة شعب يدافع عن أرضه وعرضه، لا يمكن نكران حق أمة في الوجود لأنها تكافح من أجل استرداد حقها في وطنها، وفي الحياة، لا يمكن أن يدّعي طرف مغتصب الحق أن يدافع عن ما اغتصبه!

لقد أقام حثالة أوروبا وأسافلها وطنا لهم في الأراضي الجديدة على أنقاض أهلها الأصليين، الهنود، فلا عجب أن يكون التأييد الأمريكي لموقف الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين مشابها، لذلك لا تريد أمريكا وقف إطلاق النار حتى يتسنى للكيان الصهيوني تمام إكمال مهمته بالسيطرة الكلية على الطريقة الأمريكية.

***

صبحة بغورة

إن اكبر عدو للمعرفة ليس الجهل.بل توهم المعرفة، بعد انتشار وتأثير شبكات التواصل الاجتماعي، وظهور مجموعات ممولة للترويج، أو للتسويق المجاني عن جهل أخطر من الشر الذي يمكن مواجهته، لطبقات هشة في الفكر عن مفاهيم السلطة، فالسلطة موجودة حيثما كنت حتي في الأشياء الصغيرة السلطة موجودة في الشارع والمواصلات وفي داخل المستشفيات وفي الشكل المعماري، وفي الحقل والمناهج الدراسية وفي النظام الجامعي، وفي اماكن العبادة واقسام الشرطة وحتي داخل الأسرة والأصدقاء والمحاكم وفي الحكاوي والاساطير والطقوس حتي الهواء والماء والكهرباء... والخ..، كما كانت نقط خلاف بين آراء الفلاسفة امثال الفيلسوف (فوكو، وموريس بلان).

نحن حتى اليوم نبحث عن السلطة في النظام السياسي فقط، مع أننا، شئنأ أم أبينا، موالاة أو معارضة، جزء جوهري من النظام السياسي والنظام الاجتماعي وهما يؤثران فينا اكثر مما نؤثر فيهما، بالخفاء او العلن، بالإكراه أو التلقين أو التكرار أو التشريع... والخ.

هذا ما كنا نقوله من قبل وبعد احداث الربيع العربي، للإننا نعيش في بيئة سياسية أمية سطحية بلا فكر ولا ثقافة عدا الشعارات المزيفة الرنانة والغوغائية والصبينية الشعبوية، في ظل هذا الوضع العام. والانهيار العام أمام موجة عارمة وقوية، سوف يقاوم هذه الظاهرة عدد قليل من المثقفين والكتاب، وهؤلاء، سيظهرون في محيط السقوط العام، والإبتذال والتداعي "كحفنة مجانين" في مواجهة تيار عارم من الشعبوية، بل سيجري وصفهم في المجتمع بالمجانين.

***

محمد سعد عبد اللطيف كاتب وباحث مصري

 

ينقسم العراق الجديد إلى قسمين: واحد ينتظر الانتخابات وعطايا المرشحين الذين ستنتفخ جيبوبهم وأرصدتهم بعد أن يجلسوا على كرسي المحافظة، وآخر يعشق العراق ويرفض أن يشارك في لعبة الكراسي، ويحتقر الطائفية والهيمنة على مقدّرات البلاد.

وهناك بين هذا وذاك مَن يسمّى الأغلبية التي لا تهمها الانتخابات ولا اللافتات التي انتشرت في شوارع المدن العراقية، وصراخ المرشحين في الفضائيات، ولا يهمها من سيصبح رئيساً للبرلمان، فهي تعرف ان لا فرق بين المشهداني والنجيفي ولم يكن سليم الجبوري بأفضل من محمد الحلبوسي، فقط في القدرة على إثارة أجواء من المتعة، ولهذا استقبل العراقيون تداول اسم محمود المشهداني رئيساً للبرلمان العراقي بنوع من البهجة .. أتمنى أن لا يعتقد أحد من القراء الأعزاء أن لدي مشكلة شخصية مع السيد المشهداني، فالحمد لله أنا مثل ملايين العراقيين اتابعه من خلال شاشات الفضائيات، وأجد في تعليقاته التي أدت إلى إقالته نوعاً من أنواع الترفيه عن النفس وتعويضاً عن حالة الهم والغم التي تشيعها الأجواء السياسية، بل العكس أنا مدين للسيد المشهداني ومعه مجموعة من النواب أنهم السبب في استمرار هذه الزاوية في الصحيفة، وأيضا لهم الفضل في استمرار الكوميديا العراقية، وكان من آخر فصولها ما خرجت عليه تقارير المفوضية العليا للانتخابات حيث كشفت لنا مشكورة أن أكثر من 40 مرشحاً من أقرباء نواب ومسؤولين. حيث يظهر في قوائم الترشيح وجود 25 مرشحاً من أشقاء المسؤولين، و10 آخرين أبناء نواب ومحافظين، و9 أبناء عمومة وأزواج.وتتوزع هذه الترشيحات على مختلف القوائم التقليدية، وأبرزها دولة القانون، نبني، تقدم، وعزم، كذلك في القوائم المدنية.

شيء مفرح أن يدخل إلى ساحة الصراع على المكاسب والمغانم، أقارب نوابنا ومسؤولينا، فإذا كانت موازنات العراق على مدى 20 عاماً قد فرهدت، فلا بأس أن يستمر مسلسل الفرهود لعشرين عاماً قادمة .

عشنا خلال الأعوام الماضية مع سياسيين ومسؤولين رفعوا شعار" من خالفنا فهو خائن وعميل". ومزقت ستارة الوئام والوفاق الوطني.

أيها العراقيون اسمحوا لي أن أقترح عليكم اقتراحاً ربما ساذجاً: إنسوا صناديق الانتخابات، فهي لم تجلب لنا سوى البؤس وشعارات فارغة عن التنمية والإصلاح . وتعالوا نطالب بمسؤولين هدفهم بناء المستقبل، بدلاً من دعوتنا إلى الآخرة، تعالوا نتفق أنّ مجلس النواب مكان للخدمة العامة، وليس للصراخ والشتائم، وكلّ ذلك لا يحتاج إلى عشرات الأحزاب والآلاف المرشحين، ولا إلى صور محمد الصيهود، وإطلالة محمد الحلبوسي وتقلبات جمال الكربولي. يحتاج فقط إلى ساسة صادقين مع أنفسهم أولاً، هدفهم بناء وطن صحي، لامكان فيه لشعارات مزيفة.

***

علي حسين

هل أحبطت المقاومة أهداف اليهود الاستراتيجية في الشرق الأوسط؟

من المعلوم أن دولة الاحتلال ومنذ قيامها كان لها أهداف استراتيجية منها فرض هيمنتها على الشرق الأوسط. ففي تصريح أدلى به آرييل شارون عام ١٩٨١ بحديث نشر على نطاق واسع بين فيه أن دولته تهدف إلى مد نفوذها من موريتانيا إلى أفغانستان.

وخلال الدورة ال ٧٨ التي عقدت في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية سبتمبر الماضي أي قبل عملية طوفان الأقصى بأيام ،ألقى رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو كلمة تمحورت حول آفاق وآثار التطبيع وما أسماه السلام مع الدول العربية ودوره في تغيير الشرق الأوسط حيث قام بعرض خريطة لم تشمل على أي ذكر لوجود دولة فلسطين وطغى اللون الأزرق الذي يحمل كلمة "إسرائيل" على خريطة الضفة الغربية المحتلة كاملة بما فيها قطاع غزة. ويبدو بأن دولة الاحتلال تحلم بأن تحتل لها مكانة كقوة عظمى يوضح ذلك مقارنة أهدافها بأهداف الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في اعتمادها على إدارة الردع وهو الخيار النووي. فدولة الاحتلال لديها الخيار النووي حاضرا في أي وقت يتهددها من طرف بعض الدول التي أصبح لديها نفوذ مثل إيران. وهي لن تكون قوة عظمى ما لم تفرض هيمنتها على الشرق الأوسط كله

لكن السؤال الذي يطرح نفسه وكنت قد تناولته في مقال سابق بعنوان هل نجحت الحركة الصهيونية في أن تكون حركة تحررية؟ فكانت الإجابة بأنها لم تنجح لأن دولة الاحتلال تعتمد على دعم غيرها من الدول العظمى.

فإذا كانت عظميات الدول تعتمد على أموالها الخاصة بصرف النظر عن مصدرها،لتطوير قدراتها النووية الخاصة مقارنة مع دولة الاحتلال التي تعتمد على الدعم الأمريكي بسبب الضغط الذي يمارسه اللوبي على الكونغرس.

ولو نظرنا الآن وبعد دخول الحرب على غزة شهرها الثالث وبعد ما ارتكبه جيش الاحتلال من مجازر بحق المدنيين إلى تصريحات بعض الدول بشأن دولة الاحتلال وخاصة تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن في تاريخ ١١/ ديسمبر من أن "إسرائيل" على حد قوله بدأت تفقد الدعم الدولي بقصفها لقطاع غزة. وقد علقت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية على هذه التصريحات معتبرة أنها تشير إلى بداية الانقسام بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال ينفجر إلى العلن.وأن تصريحات بايدن تمثل أكبر تغير في لغة الولايات المتحدة بشأن دولة الاحتلال منذ عملية طوفان الأقصى. لوجدنا أن المقاومة بفصائلها قد أحبطت مخطط الهيمنة على الأقل في الوقت الحالي بسبب العجز الذي تعاني منه دولة الاحتلال على جميع المستويات بسبب الخسائر الفادحة التي ألحقتها المقاومة بحكومة الاحتلال سواء كانت عسكرية أو بشرية كما ويضاف إلى هذه الخسائر خسائر من نوع مختلف حيث قالت القناة ١٢ العبرية أن العديد من "الإسرائيليين" قدموا طلبات لجوء إلى البرتغال في أعقاب عملية طوفان الأقصى وكانت سلطة الهجرة والسكان في دولة الاحتلال قد أظهرت أن نحو ٣٧٠ ألف يهودي غادروا منذ بدء العملية حتى نهاية نوفمبر. وهذه الخسارة تحبط مخططات حكومة اليمين في تعديل الميزان الديمغرافي لصالح دولة الاحتلال.

*** 

بديعة النعيمي

 

معركة الخندق حسب ما توارد عنها كانت ناجحة في زمانها، وفشلت آليتها في غير زمانها، وأعطت شاهدا واضحا على أن لكل زمان أدواته المساهمة في صناعة أحداثه.

فأساليب القتال في القرن الحادي والعشرين تختلف عنها في القرن السابق له، وهكذا دواليك، تتطور التفاعلات البشرية، لأن العقول فاعلة وقادرة على العطاء المتجدد والمتطور.

وفي مجتمعاتنا هناك نزعة عجيبة للتحجر والتخندق بذات الكينونة، التي عبرت عن دورها قبل مئات السنين، والتوهم بأن ما كان صالحا لما مضى يصلح لما هو قائم وحاضر في الزمان والمكان المعاصر.

فهناك إندفاعية إنفعالية ساذجة، نحو ما لا يمكنه أن يتعايش مع واقع مكاني وزماني متبدل وفقا لإرادة الدوران.

بل أن أصحاب هذه التوجهات يرفضون العلم، ويحسبون الأرض مركز الكون وأنها لا تدور، وكل شيئ في الوجود حولها يدور.

ومع الأدلة والبراهين والصور وما بلغته البشرية من قدرات إستكشافية، فأنهم يرفضونها ويحسبونها إعتداءً على إرادة الكون ورب الأكوان العظيم.

وينطلقون من تصورات وهمية ورؤى عبثية، ويرون أنهم يمتلكون  جوهر الحقيقة المطلقة، وغيرهم من الجاهلين بأمور الدنيا والدين.

وبهذا فهم متخندقون بما يتوهمون، ولا يريدون إعمال العقل بما حولهم، ولا يبصرون، لأن في ذلك زعزعة لمنطلقاتهم الجامدة التي لا تستدعي جهدا، بل إستسلاما وإذعانا وتبعية وتقليدا لمن يتمنطق بدين، وهو أبعد ما يكون عن معنى الدين، فيتكلم بلغة لا تتوافق مع سلوكه المحموم بالرغبات والتطلعات  اللازمة لتأمين سيادة النفس الأمارة بالسوء.

وهكذا فأن أحوال مجتمعاتنا في دوامة إستنقاعية، وتفاعلات تصارعية تستهلك طاقاتها وتصيبها بخسران شديد.

فهل من قدرة على التحرر من قبضة الخندق، وهل لنا أن نتفاعل مع مكاننا وزماننا بعقل يتدبر ويتبصر ويتفكر بما حوله وعليه؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

صرح السيد نوري المالكي امين عام حزب الدعوة ورئيس ائتلاف دولة القانون مساء الاربعاء ( 6 /12/2023) قائلا "صناديق الاقتراع تزيح الفاسدين " في دعوة منه لحث العراقيين على المشاركة في الأنتخابات.

والتساؤل: من المسؤول عن اشاعة الفساد بعد التغيير؟

قانونيا ودستوريا وأخلاقيا.. يعدّ رئيس الحكومة هو المسؤول بوصفه الرجل الأول في الدولة،وكان السيد نوري المالكي هو هذا الرجل الأول في الدولة يوم كلفه رئيس الجمهورية الراحل جلال الطالباني في نيسان 2006 لرئاسة حكومة(2006-2010) تبعها بولاية ثانية لغاية 2014.. فما الذي حصل في زمن حكمه بخصوص الفساد تحديدا؟

لا علينا بالقيل والقال، بل بأدلة من مصادر موثوقة نوجزها بالاتي:

ذكرت صحيفة واشنطن بوست بعددها الصادر في ( 23-9-08)بأن (13) مليار دولار من أموال الاعمار في العراق أهدرت أو نهبت عبر مشاريع وهمية وعناصر فاسدة في الحكومة العراقية.. (حكومة المالكي)

نسبت الاذاعة البريطانية (بي بي سي في 28-9-08) الى لجنة تخصصية في حكومة المالكي وجود ثلاثة آلاف حالة فساد مالي موثقة بأدلة قاطعة.

انتقل العراق في زمنه من المرتبه 137 عالميا والاسوأ في الفساد بين الدول العربية الى المرتبة 160 ليحتل المركز الثالث عالميا والاول عربيا وفقا لتقرير المؤشر العالمي للفساد.

حذّرالسفير الامريكي لورانس بنديكت منسق مكافحة الفساد بالسفارة الامريكية في بغداد بانه اذا لم تتم السيطرة على الفساد فانه يهدد استقرار العراق.

باعترافه في كلمته امام مجلس محافظة بغداد في ( 20-9- 2008) قال المالكي بالنص " كثيرا من المسؤولين قد أثروا كثيرا"، مع انه هو رئيس الوزراء المسؤول عن هؤلاء المسؤولين!.

الأخطر من هذا الذي يفترض ان يعرضه لمساءلة قانونية هو اعترافه علنا بقوله: (لديّ ملفات فساد لو كشفتها لانقلب عاليها سافلها).. لأنها تعد خيانة ذمة.. ولا تفسير لها سوى ان بين الفاسدين الكبار من هم اعضاء في حزبه الحاكم،فخشي الخصوم ليعتمد واياهم مقولة (تسكت عني اسكت عنك).

تعد ملفات الفساد في عهد رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي واحدة من أسوأ المراحل التي تمر على دولة العراق في التاريخ الحديث، بعد أن أظهرت وثائق ولجنة النزاهة ملفات كثيرة ومشينة تدين المالكي أبان حكمه (سكاي نيوز)

فضيحة هروب 6 وزراء و53 مسؤولا حكوميا من ذوي الرتب الخاصة متهمين بقضايا فساد على فترات متباعدة من حكم المالكي بينهم: وزير التجارة الأسبق فلاح السوداني القيادي في حزب الدعوة، ووزير الدفاع الأسبق عبد القادر العبيدي،ووزير الكهرباء الأسبق كريم وحيد(وكالات).

وشعبيا.. يكفي أن المتظاهرين هزجوا في الشوارع والساحات: (نواب الشعب كلهم حراميه)

ودينيا.. بح صوت المرجعية من دعوتها الى محاسبة حيتان الفساد،واتخذت موقفا سلبيا منك لأنك لم تستجب لدعوتها.

حيدر العبادي يتهم ايضا

حين جرى ترشيح حيدر العبادي 2014 لرئاسة مجلس الوزراء وقف المالكي بالضد منه واصفا اياه بانه يمثل نفسه لا حزب الدعوة الذي هو امينه، بل ان الامر وصل الى (تجييش) حزب الدعوة ضد ترشيح العبادي، وحملة تثقيف بانه لا وجود للشيعة الا بوجود المالكي، مصحوبة بتهديد قيادية يتذكرها العراقيون بقولها (ستكون شوارع بغداد دمايات ان ترشح احد غير المالكي). وحين تولى العبادي رئاسة الوزراء اقسم بانه سيضرب الفساد بيد من حديد وقال علنا (يقتلوني.. خل يقتلوني). ثم عاد واعتذر، معترفا بان الفساد مافيا تمتلك القوة والمال والفضائيات،وهو اتهام صريح للسيد نوري المالكي من قيادي في حزبه.

نكتفي بهذا ولا نسالك كيف كنت معدما واصبحت ملياردير، ولا وزراء في حزبك سرقوا ملايين الدولارات ويعيشون الان حياة الرفاهية في اجمل مدن العالم ولم تحاسبهم، ولا نزول 13 مليون عراقي دون مستوى خط الفقر في زمنك باعتراف وزارة التخطيط،مع ان العراق يعد اغنى بلد في المنطقة وأحد اغنى عشرة بلدان في العالم!

ويبقى التساؤل الأخير:

بافتراض ان الانتخابات ستجري في موعدها المقرر 18 القادم، وهو امر مشكوك فيه لأكثر من سبب: الطعن بقانونية تمديد ولاية المفوضية، وتعرض مقرات حزب الدعوة لهجمات في النجف والجنوب، وتحركات للتيار الصدري وقوى اخرى تعتبر الانتخابات غير مجدية .. ولنفترض انك حصلت على غالبية.. فهل ستزيح الفاسدين من حزبك ومن التيار الصدري وتفي بما قلته امام شيوخ عشائر.. دعوتهم واكرمتهم؟

***

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

رسالة الى الجيل الجديد والجيل القديم

أولا: قبل اكتشاف الأنترنت والهاتف النقال

كنا في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين حفاة عراة أحياناً، أو نملك ثوب واحد نرتديه في الصيف والشتاء حتى يبلى ويتمزق، وكنا بلا هوية احوال مدنية حينما سجلنا في الصف الأول الابتدائي في مدرسة صلاح الدين الأيوبي الابتدائية في محلة الماجدية / محافظة ميسان(365 كم جنوب شرق بغداد)، كنا نقطع مسافة ليس بالقصيرة حتى نصل الى المدرسة، وما اصعبها في الايام الممطرة.

الثوب (الدشداشة) مصنوع من قماش البازة الخشن، وأحياناً مرقعه بلا ستره، ولا زرارة، أو مزرور بدبوس صغير، بلا جيوب، وجيبنا هو أن نثقب الياخة لنحتفظ بالمصروف اليومي (اليومية) البالغة  فلسين او العانة (أربعة فلوس)، نشتري بها من البائع بسكته صفراء وبداخلها حلقومه.

كنا ننتظر معونة الشتاء التي توزعها المدارس علينا، وما احيلاها عندما توزع التغذية الحليب واللبلبي والكلاج وغيرها.. حذائنا هو النعال المصنوع من الربل والمحظوظ منا نعاله من الإسفنج ابو الأصبع، بيوتنا مصنوعة من القصب والبردي لسكن العائلة جميعاً، والنوم على الأرض بلحاف لجميع الأطفال من البرد القارص، أما الفانوس أو البطل هو سلاحنا الوحيد في الإضاءة.

وتدفئتنا من البرد هي كومه من فحم العاقول الذي تبيعه نساء البدو المتجولات، وجهاز التبريد هي المهففة المصنوعة من خوص النخيل، وفي الليل نهرب من البعوض باستخدام الكلة المصنوعة من قماش الململ.

ماء شربنا من أناء فخار (الحًّب) وقد تطور في ستينيات القرن الماضي وأصبح ثلاجة محلية مصنوعة من الخشب، يوضع الثلج على مكان يبرد الماء تحتها، فتحفظ فيها بعض المواد الغذائية لمده قصيره، لا توجد مبردات ولا مراوح ولا تليفزيونات ولا أجهزة تسجيل (مسجلات)  المحظوظ من عنده راديو ترانزستر ولا يتجاوز عددها الثلاثة في المنطقة.

لا حمامات مبنية بالطابوق،أنما في الشمس في (الكوصر) والماء الحار من تسخينه في القدر، أما التواليت فهو عباره عن (باريه ملفوفه بشكل دائري).

أما الإفطار صباحاً فهو بطل من حليب نشتريه من أمرأه قرويه أسمها (حسنة) بعشرة فلوس، ويوزع لكل واحد أستكان فقط، ومعه خبزة مصنوعة من طحين الرز (سياحه)، وكنا نحلم بالجبنة او البيضة، إلا أذا ربت أمهاتنا دجاجة، أما لحم الدجاج نأكله مرة واحدة في السنه حينما تربي أمهاتنا ديكاً .

أما الغداء فهو محظوظ من أن تطبخ له أمه مرق من العدس أو البامية أو الباذنجان مع ربع لحم أو مرقه صفراء، وسعيد من يحصل على قطعة لحم صغيرة، أما العشاء فهو من تمن الغريبة وهو اردى أنواع التمن مع الروبة فقط، وأحياناً مع الدبس والدهن الحر(الفركاعه).

العابنا بكرة مصنوعة من القماش الملفوف والأهداف أثنان من الحجارة ولأهداف بلا مقياس، نلعبها حفاة وما أكثر الصدمات في الأرض والآلام الشديدة والدماء في الليل العابنا كثيره مثل(شطيط طيط و عظيم الضاع) وغيرها.

وفي النهار لعبة الدعبل والجعاب والصكله، والمحلق للبنات وغيرها، في العطلة نشتعل عمال بناء (عماله) والاخرون اما حمالون (حماله) او باعة سكائر، او مع ابائهم في المهن الاخرى.. ولكن بفضل الله وتعب الآباء وجهودنا حصلنا على عيشه نشكر الله عليها.

كنا نرتجف رعباً أمام موظف حصل بالكاد على شهادة الدراسة الابتدائية  يرتدي اللباس الزيتوني، لا لشيء إلا لأنه حفظ مقولات «القائد الضرورة » وأقاصيص الزعيم الملهم بطل العراق والامة العربية المجيدة.

ثانياً: بعد اكتشاف الأنترنت والهاتف النقال

رسالتي للأجيال الجديدة أهل النستلة والموطا والموبايلات والبوبجي.. نخبرهم هكذا عاش أجدادكم في طفولتهم البائسة، وشبابهم في الحروب المستمرة (2003-1980) والحصار الاقتصادي الدامي (2003-1991) .

وأترك المجال لأبنائنا الأعزاء لكي يكتبوا ما جرى بعد عام/ 2003 من أحداث دامية مع التنظيمات الإرهابية بكافة صنوفها، وتظاهرات شباب العراق المستمرة من أجل الحصول على فرص عمل، ومكافحة فساد الدولة.

أما أنا وبعد أن بلغت السبعين من العمر أكتب هذه النصيحة لمن هم في سني أو في طريقهم الى الشيخوخة المتأخرة، ولا أستثني نفسي أنا الهرم الناصح، ولأحبائي الذين يقاربون عمري واكبر مني سنّاً وتجاربهم في هذه الدنيا الزائلة  :-

1-  تقاعد ولا ترهق نفسك في اعمال تؤذي بدنك وترهق تفكيرك وعقلك مثل بيع السكائر والخضروات والمواد الغذائية... الخ.

2- أعد توجيه اهتمامك ومسؤوليتك اللذين وجهتهما خلال السنوات الأولى من حياتك لمن حولك، وابدأ في توجيها وترتيبها لنفسك حصرا، لأنك دفعت ما فيه الكفاية للأخرين واليوم أدفع لنفسك فقط.

3 - قل للعالم كله: لم يبق لي من نفسي إلا سنين أقل كثيراً مما مضتْ، وإني لن أحمل هموم العالم.. سوف أبتعد عن تتبع الأخبار المقلقة والمخيفة، التي تبثها قناة الحدث والجزيرة والشرقية، كأخبار الحرب الروسية - الأوكرانية، وصراعات الساحة العراقية على السلطة والنفوذ، وحرب اليمن وفلسطين وليبيا وسوريا،ولم يعد العالم من مسؤوليتي ولا اهتمامي، فهو ورائي الآن ولن ألتفت إليه.

4- أطلب من أبنائك وعشيرتك الأقربون ألا يزعجوك بالأخبار السيئة ولا مشاكلهم.. وأن يحلوها بأنفسهم دون إقحامك فيها.

5- تجنب الدخول في جدال مع أحد فكلٌّ بعقله راضٍ ومقتنع.. فإذا قالوا لك أن المخلص سوف يظهر غداً، قل: لهم أهلا وسهلا بالقادم من عمق التاريخ العربي - الإسلامي.

6- تصدق على من هم أقل منك يسراً.. أو لمن أردت يوماً أن تقول له: شكرا، لقد جاء الوقت لردّ جميلك .

7- اترك وَهْم أنك كبير قومك وذو خبرة وأنك مسؤول عن تصحيح أخطاء الآخرين وإنك المرشد.. وتذكر أن المتبقي لك في الحياة لا يكفي لتقاسمَه غيرك.. فراحة بالك اليوم أهم كثيراً من تصحيح أخطاء الآخرين.

8  - ركز فقط على الجانب المشرق في طبائع الناس.. وقلل من انتقادهم وأَكْثِر من الثناء عليهم لو بدر منهم ما يروقك.. فهذا سوف يعدل من مزاجهم ويحسن من المزاج المحيط بك.

9 - احذر من التصابي ولكن أهتم بمظهرك ولا تترك الأناقة  الملبسية، فأناقتك اليوم بمظهرك و في عقلك وسلوكك.. ولكن في هذه السن حري بأن يكون جوهرك أهم من مظهرك.

10 - لا تدخل في منافسة مع أحد.. تذكر أنك متقاعد والتقاعد هو أن تتفرغ لحياتك أنت وحدك.. لذلك اهتم بصحتك وترتيب محيطك وإعداد خطتك لسفرٍ مريح وأجواء جديدة تعيشها.

11 - لا تقطع علاقاتك بالآخرين وانتخب اصدقاءك المثقفين الواعين حتى لا تنهي حياتك بالوحدة القاتلة والاعتكاف المرير.

12 - لا تمنح الأولوية للأشخاص الذين يرونك خياراً ثانيا وثانويا، وكن انت في صدارة أهليك وأصدقائك ومعارفك مبعثا للتفاؤل ونشر المحبة والالتئام والحنوّ.

13- اجعل غايتك أن تكون مبتهجاً الى حدّ أقصى  واجهد بكل ما يجعلك تشعر بالسعادة، فانت وحدك مسؤول لتجلب السعادة والفرح في الحياة لنفسك، طالما العمر يمضي سريعا، فالأولاد والأحفاد جزء مهم ورئيسي  من رونق حياتنا ولكنهم ليسوا كل حياتنا.

14- استبدل الحزن والحسرة على ما فات بالنسيان واللامبالاة، وتصرّف بإيجابية، وتحرّرْ من خيفة وهلع الشيخوخة والهرم ؛ وتجوّل في حيّز حدائق الحياة  الوردية مهما صغرت واعزفْ عن أماكنها المعتمة والسوداء وإن كبرت وتفاقمت.

15- لا تكثر من استخدام الموبايل أو مواقع التواصل الاجتماعي لأنها ليست الحياة الحقيقية وكل ما عشته سابقاً هو الحياة التي علمتك النجاح والفشل، والخطأ والصواب.

16- لا تشغل نفس بلبس السواد والبكاء على الماضي البعيد كما يفعل بعض المغفلين، لأن الماضي قد مضى وعلينا بالمستقبل، فليس هناك خلود لفكرة معينة سواء كانت فكرة دينية أو اجتماعية فكل شيء يخضع لقانون التطور التاريخي.

17- لا تجامل رجال الدين كثيراً لأنهم يعدونك بالنار، والله يعدك بجنات تجري من تحتها الأنهار خالداً فيها.

18- لا تتشبث كثيراً بالعادات والتقاليد المجتمعية المتطرفة، وكما قال المفكر والفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو (يولد الانسان حرا ولكننا محاطون بالقيود في كل مكان) وقد يكون من التقاليد ما يعطل الانسان من التفكير السليم بل يضر في صحته ومزاجه وعلاقاته مع الاخرين.. وهذا لا يعني ان كل التقاليد سيئة بل هناك ما يدعى بالعرف وهو من الصفات الحميدة مثل الشجاعة والكرم.

19- لا تخف من الموت، لأنه حقٌّ على الجميع، فقد كان هتلر يهابُ طبيب الأسنان ويخافُ الأماكن المرتفعة، وكانَ كلٌّ من نابليون بونابارت وموسوليني يخاف القطط، تلك المخلوقات الظريفةِ من وجهة نظري. وهذا إن دلَّ على شيءٍ فإنما يدلُّ على أن الخوف عاملٌ مشتركٌ بين بني البشر.

20- فكر قليلًا هل أنت مستعد لكي تقابل الله عز وجل  أم لا؟ الأشياء التي تفعلها سوف تنفعك أم لا؟ إذا كانت الإجابة لا أنهض وقم بترك كل شيء، اركض  مسرعًا إلى الله ليغفر لك كل شيء، أدعو الله كثيرًا ، لأن الدنيا فانية وأنت تركض فيها لغرض الحصول على المال! والسعادة، تركض وتنسي أنها فانية لا ينفعك مال! ولا سعادة ولا حبيب ولا أي شخص من علي هذا الكوكب.

21- عدم الإساءةُ إلى الأصدقاء والمعارف، وما بات ينعتُ به البعض من مسمّيات صار موضة العصر لدى ضعاف النفوس المريضة، وممن ينادون بضرورة العمل على احترام الصداقة، إلا أنهم في قرارة أنفسهم من أشدّ الناس إيلامًا وخبثًا لأصدقائهم، ما يعني الإساءة لهم وتسخيرهم للقيام بأعمال لا تليق بهم.

22- توقّع المصائب يمكن ان يقودك لأخذ الاحتياطات. فمثلا، حين تتصور ان ولدك سيُّقتل في تظاهرات الشارع العراقي لأنه لم يحصل على فرصة عمل، عليك أن تسلحه بالمعرفة والوعي المجتمعي بعدم التعرض للقوات الأمنية وممتلكات الدولة والخاصة أو الأخرين.

23- حينما اشتريت بيتاً مطلع شبابك او سيارة او تلفون حديث، كنت تعتقد انه رائع، ولكن خلال وقت قصير جاذبية الحاجة ستتآكل ويتضاءل رونقها ولم نعد نجد فيها أي إثارة او اهتمام، لكن تصوّر خسارة شيء ما هو طريقة لتجديد تقديرنا له.

24- الخلايا العصبية في الدماغ لا تموت كما يقول كل من حولك، بل تختفي الروابط بينهما ببساطة إذا لم ينخرط المرء في عمل عقلي.

25- ينشأ الإلهاء والنسيان بسبب كثرة المعلومات، لذلك ليس من الضروري أن تركز حياتك كلها على تفاهات غير ضرورية.

26- من سن 60 فما فوق، لا يستخدم الشخص عند اتخاذ القرارات أحد فصي دماغه في نفس الوقت، مثل الشباب، و لكن كليهما، لذلك لا تخافوا من الشيخوخة، أسع جاهدا لتطوير فكرك، تعلم الألعاب والفنون الجديدة، وصنع الأشياء، ورسم الطبيعة.

27- أهتم بالحياة، وطالع الصحف، التقِ بالأصدقاء وتواصل معهم، خطط  للمستقبل، سافر بأفضل ما يمكنك، لا تنس الذهاب إلى المحلات التجارية ومعارض الكتب والمكتبات، ولا تصمت وحدك، إنه مدمر لأي شخص، عش مع كل الأشياء الجيدة لا تزال أبواب الحياة أمامك !.

28- قد تكون صادفت من الشخصيات التي تلفُّها هالة من البؤس والهوان، دائم الشكوى والحنق، كثير اللوم، غير راضٍ عن وضعه المعيشي ولا حالته الاقتصادية ولا حياته الشخصية، يعيش في دوامة من الأوهام، يتعايش مع دور الضحية ويتلبس دومًا بها، ساخط على حاله وظروفه وحياته، ساخط على كل شيء، ساخط على المجتمع الذي يراه بعينه ظالمًا متجبرًا.

يقارن بينه وبين أخيه أو صديقه أو جاره الناجح، وبينه وبين الزميل أو الرفيق المتفوق، ينظر للجار الغني.

احذر من هؤلاء، فقد تأخذك به الشفقة، وترغب في مساعدته ولو عاطفيًّا، فتقع في شراكه، وتتشرب من سُم شكواه دون أن تشعر.

29- يزاد خطر الإصابة بمرض الزهايمر مع التقدم في السن، فهو نادرًا ما يصيب الشخص قبل سن 65 عامًا، ويصيب نحو 15 بالمائة من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 80عامًا، وتتأثر النساء في كثير من الأحيان أكثر من الرجال لأنهن يمثلن تحو 60 بالمائة من المرضى الذين يعانون مرض الزهايمر.. ويمكن تجنبه من خلال الغذاء الصحي وممارسة الرياضة، والتخلص من الوزن الزائد، والمطالعة المستمرة. فبعد أن كنتُ أحبّ والديّ وأشقائي وزوجتي وأولادي وأصدقائي فقط، بدأت الآن أحب نفسي معهم !فقد أدركت للتوّ أنني لست مثل “أطلس” في أساطير اليونان، والعالم لا يقف على ظهري !

30- توقف عن مساومة بائع الفواكه والخضار، فبالنهاية، لن تزيدني بعض الدنانير غنىً، لكنها قد تساعد ذلك البائع المسكين على توفير مستلزمات المدرسة لأبنائه !.

31-  أدفع لسائق سيارة الأجرة من دون انتظار الباقي، فقد تضع المبالغ الإضافية ابتسامة على وجهه، على أيّ حال إنه يكدّ من أجل لقمة العيش أكثر مما أفعل أنا اليوم !.

32-  عدم انتقاد الناس حتى عندما تدرك أنهم على خطأ، فبالتالي لم يعد يهمّك إصلاح الناس وجعل الجميع مثاليين، إن السلام مع الكل أفضل من الكمال الوهمي !.

33- مارس فن المجاملات بسخاء وحرية بلا نفاق، إذ تعلمت بالخبرة أن ذلك يُحسّن المزاجَ ليس فقط لمن يتلقى المجاملة، ولكن خصوصا بالنسبة لي أيضا !.

34- تعلمتُ ألا أنزعج عن تجعّد يحدث على قميصي أو اتساخ فيه، فبالتالي إن قوة الشخصية أهم بكثير من المظاهر !.

35- أبتعد بهدوء عن الناس الذين لا يقدرونك، فبالتالي قد لا يعرفون قيمتك، وأعلم أن الله يصرفهم عنك لأنهم لا يستحقون أن يكونوا في دائرة أهل الفضل، بل وانهم طردوا من باب الإحسان وتولوا معرضين.

36- كن باردا كالثلج عندما تواجه أحدهم يستفزك بعدوانية، حتى لا تدخل في جدل عقيم على أي حال، في النهاية، لن يبقى من كل الجدالات شيء.

ثالثاُ: الخاتمة

وانت على فراش الموات سوف تبقى قلقلاً على أبنائك وأحفادك لأن هناك حرب نووية مفتوحة لكل الاحتمالات، وحرب اقتصادية ثم حرب مقدسة دينية تلعب الكنيسة الروسية دور الإعلان عن التعبئة، وتأجيج الصراع القديم الذي استمر ثلاثة قرون، وهناك حرب غير معلنة في منطقتنا العربية والشرق المتوسط؟ وحروب بالوكالة وحروب اهلية مع ازدياد أعداد الهجرة غير الشرعية.

وتعاني مناطق شاسعة في العالم  من ظاهرة التصحر والجفاف، مما أدي الي رزح حوالي 800 / مليون أنسان للعيش تحت خط الفقر نتيجة الشح المائي والغذائي وآثار التغيرات المناخية والحروب.

وللآسف الشديد أن الانسان في الدول المتقدمة يتجه الى الإلحاد والزواج المثلي بدلا من أن يتضرع الى الله سبحانه وتعالى أن ينقذ البشرية من الورطة التي تحدث الأن من تهديد بحرب نووية مدمرة، سوف تحرق الجميع دون استثناء.

وهناك من يتوعدك بعذاب القبر: وهو العذاب الذي يسلطه الله على المخالفين والعصاة في قبورهم بعد وفاتهم إلى يوم القيامة، وهو ما يسمى بعذاب البرزخ وهو بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة، وقد ذُّكر في الأحاديث، وقيل أنه ذُّكر في القرآن، وما نسمعه من رجال الدين عند أقامه المآتم على موتانا، وما نسمعه من القنوات الفضائيات الدينية.

***

شاكر عبد موسى/ العراق

....................

المصادر:

* جواد غلوم/ عندما تصل عتبة الشيخوخة / صحيفة المثقف الصادرة في أستراليا العدد 5859 في 20 أيلول 2022.

* مالك البوم / ما عذاب القبر؟ / موقع موضوع / 23 نوفمبر 2021.

https://mawdoo3.com/%D9%85%D8%A7_%D8%B9%D8%B0%D8%A7%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D8%B1

الرقابة العسكرية وحدة في حكومة الاحتلال مكلفة رسميا بتنفيذ الرقابة الوقائية فيما يتعلق بنشر المعلومات التي قد تؤثر على أمن الدولة.

منذ قيام دولة الاحتلال كانت الرقابة العسكرية التي ورثتها من حكومة الانتداب البريطاني هي الأكثر شمولا من بين جميع أشكال الرقابة. حيث أن المبدأ الأساسي في هذه الدولة كما قال البروفيسور غال نور (هو أن جميع المعلومات الرسمية سرية إلا إذا سمح بنشرها وهذا يمكن أن يغري الحكومة سهولة كي تستخدم سلطاتها من أجل المنع فحسب أو لتنفيذ مخطط شرير أو لإخفاء مدى غبائها وسوء إدارتها). وقد لخص لنا قول البروفيسور غال نور بعضا من أهداف هذا النوع من الرقابة.

ومن آثار هذه الرقابة وخصوصا في الحروب ازدياد سوء أداء الجيش، وليس أدل على هذا ما حصل عام ١٩٧٣ حين قامت الرقابة العسكرية بمنع الصحف من الحديث عن تحشدات القوات المصرية والسورية على خطوط وقف إطلاق النار، فكان هذا من العوامل التي ساعدت على الهزيمة.

كما نستذكر حادثة انفجار شاحنة عسكرية في إيلات عام ١٩٧٠ حيث كانت محملة بألغام حية وقد انفجرت وقتلت ٢٤ عسكريا وخلفت عددا من الجرحى. وهنا كما عادتها فقد قام الرقيب بمنع نشر أي خبر عن الحادث في أي صحيفة عبرية من أجل التستر على ما حدث من سوء إدارة الحكومة أمام أهل القتلى.

كما نجد أن الرقابة العسكرية التي تتستر على أسرار الجيش المالية تزيد من فساد هذا الجيش وخاصة مع المساعدات السخية التي تتدفق دون شروط.حيث تساعد هذه المساعدات على زيادة العدوان وفي المقابل قلة الكفاءة.

 وهذا بالفعل ما نشاهده الآن في الحرب على غزة. فبسبب المساعدات الأمريكية نلاحظ ازدياد العدوان الجوي والقصف الذي وصل إلى حد الجنون بالتعدي على المدنيين وملاحقتهم أينما توجهوا في القطاع وارتكاب مئات المجازر في المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء والشوارع والعراء وبالمقابل فشلهم في المعارك البرية ومواجهة فصائل المقاومة الفلسطينية الذين يقاتلون في كثير من الأحيان من مسافة صفر ويخرجون من بين الركام والأنقاض وإيقاع الخسائر المادية والبشرية بهم.

ولأن العنصر الحاسم في أي معركة هي الخسائر البشرية والعسكرية لأنه يقصر من عمر الحرب التي تستطيع دولة الاحتلال الصمود فيها لذلك نجدها تتكتم على الأعداد الحقيقية لخسائرها البشرية والعسكرية.

 وكمثال من عشرات الأمثلة وتحت ضغط من الرقيب العسكري قامت صحيفة يديعوت أحرونوت بتعديل عنوان وتفاصيل مقال كانت قد نشرته عن جرحى لجيش الاحتلال في ٩/ ديسمبر، ففي المادة الأصلية ذكرت أنهم ٥٠٠٠ جريح قبل أن تعيد صياغة المقال محتفظة فقط بعدد المصابين بإعاقة والذين بلغ عددهم ٢٠٠٠ منذ بدء الحرب على قطاع غزة.

***

بديعة النعيمي

كنت أنوي أن يكون عنوان المقال "زمن جميل مضى"، ولكني خفت، ربما يتهمني البعض بأنني من أنصار العهد المباد، وأحن للماضي وأتأسى عليه، وهذه التهمة أصبحت جاهزة اليوم لاجتثاث أي مواطن، لا يعجبه العجب من تطورات الديمقراطية العراقية، لكن أعذروني أيها السادة، الجديد الذي نعيشه باهت، بلا لون ولا طعم، ولهذا نتأسى لرحيل الذين صنعوا لنا الفرح، لأن الذين نعيش معهم اليوم لا يجلبون لنا سوى الهم والغم والمصائب. نتمنى أن نُصبح دولة سوية تُكرّم الذين يستحقون التكريم، وأن لا يُصر النظام السياسي في بلاد الرافدين على اعتبار الفشل والأزمات دليلاً على النجاح.

غادرت اعتقال الطائي عالمنا بعد أن أثقلت حياتها الخيبات والمرض، أدار الوطن لها ظهره، لكن صورة الفتاة الجميلة القادمة من مدينة الحلة ظلت تشغل المشاهدين الذين يجلسون امام الشاشة ينتظرونها مساء كل يوم أحد.

انتقلت من فن النحت الذي درسته في كلية الفنون الجميلة، إلى فن مخاطبة الناس. وعندما اكتشفها الصحفي اللامع علي زين العابدين اكتشف معها أيضا محبة العراقيين للسينما الحقيقية، وليست سينما اليوم التي استبدلت كيرك دوغلاس وصوفيا لورين وبندر تشوك وفاتن حمامة، بعالية نصيف ومثنى السامرائي وبطل أفلام الأكشن مشعان الجبوري، فيما احتكر عباس البياتي ومحمود المشهداني وعتاب الدوري البطولات الكوميدية بامتياز.

تحوَّلت اعتقال الطائي إلى وجه محبوب يتابعه العراقيون، مثلما يتابعون بلهفة إطلالة مؤيد البدري ورياضته الأسبوعية التي منذ أن تركها، لم يعد أي برنامج رياضي يثير اهتمام العراقيين. باستثناء برامج الردح السياسي التي انتشرت منذ سنوات، فيما قررت القنوات الفضائية استبدال اطلالة  البدري ببرامج الابتزاز الرياضي، زمن كان فيه كامل الدباغ باحثا في سياحة علمية ، والهادئة خيرية حبيب تتجول في دهاليز الفن، وإطلالة الحاج راضي الذي كانت الأنظار تذهب إليه، والضحكات تجلجل في حضرته.

كانت اعتقال الطائي مغرمة بما تقدمه، سواء في التلفزيون، أو الكتابة أو المواقف الحياتية، تعتقد أن الفن والثقافة سيصنعان بلداً يكون ملكاً للجميع، وإنساناً يبذر الخير لمجتمعه. لم تكن المذيعة صاحبة الابتسامة الهادئة تتوقع انها ستعاني من غياب رعاية الوطن واهتمامه بعد غياب الدكتاتورية، في الوقت الذي ينعم فيه نُواب الوقت الضائع وسياسيي "ما ننطيها" بخيرات هذه البلاد.

نستذكر زمن اعتقال ونتأسى عليه، لأن الحاضر الذي نعيشه يحيط به الخراب، بلا لون ولا طعم، ونبحث عن الذين صنعوا لنا الفرح، لأن الذين نعيش معهم اليوم لا يجلبون لنا سوى الهم والغم ومفردات الانسداد والانبطاح. ونتمنى أن نُصبح دولة سوية تكرم الذين يستحقون التكريم، ولا تنشغل بالبحث عن من يجلس على كرسي رئاسة البرلمان بعد أن يقدم الولاء لاصحاب القرار.

***

علي حسين

هل نجحت الحركة الصهيونية في أن تكون حركة تحررية؟

في حين تدعي الحركة الصهيونية أنها حركة أنشئت لتحرير يهود العالم من الغوييم (تسمية يهودية تطلق على غير اليهود) نجدها قد قامت بوعد بريطاني ثم حماية بريطانية تحت مسمى الانتداب ثم باعتراف أميركي ودعم على جميع المستويات سواء اقتصادية أو سياسية أو عسكرية. وهنا نستذكر حرب ٧٣( حرب أكتوبر) حينما ألحت غولدا مائير رئيسة وزراء دولة العدو على الولايات المتحدة بعد خوفها من نهاية الدولة في تلك الحرب فاستجابت الولايات المتحدة وقامت بإنشاء جسر جوي لنقل المعدات العسكرية إلى تل الربيع حيث كانت عملية مد الجسر إنقاذا لدولة الاحتلال. وهذا يثبت أنه لولا دعم الولايات المتحدة لغرقت دولة الاحتلال في أتون الحرب ذلك الوقت، فأين الحركة الصهيونية من تحرر اليهود من الغوييم وهي تحتمي بغيرها؟

وحسب دراسات صدرت عن مركز خدمة أبحاث الكونغرس فإن الولايات المتحدة قدمت لدولة الاحتلال مساعدات منذ عام ١٩٤٨ وحتى مطلع ٢٠٢٣ بقيمة ١٥٨.٦٦ مليار دولار.

واليوم في غزة ومنذ ٧/ أكتوبر نجدها وقد احتمت خلف الدعم ذاته أي الولايات المتحدة حيث نجد أن مجلس النواب الأمريكي قد وافق في مطلع نوفمبر على طلب إدارة الرئيس جو بايدن على تخصيص ١٤.٣ مليار دولار مساعدات لدولة الاحتلال.

كما أرسلت إدارة بايدن أثناء الحرب الدائرة في غزة مجموعة حاملة طائرات دواين إيزنهاور إلى الشرق الأوسط لتنضم إلى مجموعة حاملة الطائرات يو اس اس جيرالد فورد استقرت شرق البحر المتوسط كما ونشرت واشنطن بطاريات نظم دفاع جوي من طراز باتريوت وطراز ثاد. وهذا الانتشار العسكري الأمريكي يدعي مسؤول عن البنتاغون بأنه فقط بهدف الدفاع.

لكن السؤال الذي يطرح،الدفاع عن ماذا؟ عن دولة الاحتلال؟ التخلص من حماس التي باتت تهدد مصالحها؟ خوفا على الرهائن الأمريكيين الذين تحتجزهم حماس؟ أم أن السبب يكمن في التأثير اليهودي على سياسات الولايات المتحدة الذي يمارسه ما يطلق عليه اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة؟ وإذا افترضنا أن الإجابة على السؤال الأخير بنعم، هل نستطيع إطلاق لقب سفير دولة الاحتلال على جو بايدن لدى واشنطن؟

من وجهة نظري أن جزء كبير من استقواء دولة الاحتلال مستمد من الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة أي أن اليهود لولا دعم الأخيرة لما كانت ولا بقي اسمها المنبوذ في شرقنا المتوسط. فأين هي الصهيونية من ذلك التحرر الذي نادت به.

بقي القول أن المقاومة لو تلقت ربع ما تلقته دولة الاحتلال من دعم على جميع المستويات من الولايات المتحدة وغيرها من عظميات الدول لما صمدت ليوم واحد.

***

بديعة النعيمي

من طبيعة بعض الأمم أو الدول، ذات الحكومات التي على رأس سلطتها، شخص أو مجموعة أشخاص ذوي نزعة شريرة وعدوانية، وليس لديهم أية توجهات حضارية، أو اي حس إنساني، وهذه في الحقيقة هي من أخلاقيات وممارسات الأنظمة الرأسمالية، التي لا يهمها الشعوب، ولا قيمة للأنسان في مفاهيمها، الشئ المهم بالنسبة لها هي المنافع، ولا شئ غير ذلك.

فعندما يجدون أنفسهم، أنهم متمكنون من القوة والقدرة، لِكونهم يمتلكون كل إمكانيات التسليح المتطورة، من آلات الحرب المتقدمة، وكل العدة والعتاد التسليحي، عندئذ يتكون لديهم شعور بالتفوق والغطرسة والغرور والأستعلاء على

الأخرين، مما تدفعهم النرجسية المفرطة، والنزعة الشريرة، والروح العدوانية في استعباد شعوب اخرى والتآمر عليها واغتصاب أراضيها، وسلب ونهب خيراتها، هذا من جانب، ومن جانب آخر أن هذه الحكومات ذات النزعة الشريرة والعدوانية تريد توسيع رقعة سلطتها وهيمنتها.

وهذا ما ينطبق على الدول العظمى،كما هو معروف في سجل تأريخها الاستعماري الدموي.

(إنَّ الْمُلُوكَ إٍذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ..) {النمل: 34}

ومعلوم أن فرض الهيمنة لا يتم تحقيقها إلاّ بالغزو، والحرب والبطش والقتل وسفك الدماء والخراب والدمار، وكل الممارسات القمعية والوحشية، لترهيب الشعوب، وكسر ارادة المقاومة التي تواجههم.

وفي المقابل، ومما لا شك فيه لا توجد أيّة امة أو شعب إطلاقا، يقبل الذل، وأن تكون مستعبدة، و لا تسمح للغزاة بجيوشها الغازية، وفسح المجال لها، وتركها تفعل بما تشاء، وتسرح وتمرح من دون رادع، و لا يتم كل ذلك من دون مقاومة تتصدى للعدوان.

فمثل هذا الشئ لم يحصل، ولا يمكن تصوره، وهذا غير وارد في قاموس الحروب، لا قديما ولا حديثا، مهما كانت قسوة العدو وهمجيته وبطشه، وقوته التسليحية.

كما لم يحدث مثل هذا، ولم نجد أية أمة، حتى في عالم الحيوانات لا تقبل الأعتداء عليها، أو تجاوز حدود محيط بيئتها، وإذا ما تعرضت لأي عدوان، فإنها ستدافع عن نفسها، وعن صغارها.

وخير دليل على وجود المقاومة في الدفاع عن النفس في مواجهة الخطر، والحفاظ على إستمرارية الحياة، والوجود، وأبسط مثال على ذلك، و هو يعتبر من اسس ديمومة واستمراربة الحياة، وكل كائن حي يولد ومعه طاقته المقاومة التي تحميه، وهوما نعرفة بجهاز المناعة، ودوره في حماية الجسم من الأجسام الغريبة الضارة، فيؤدي دوره في الدفاع عن الجسم، ومقاومة الميكروبات بشكل ذاتي.

وهذا أمر مسلم به، ولا نقاش فيه.

وقبل التوسع في مسألة المقاومة، فلنبدأ في تعريفها، ومعنى المقاومة لغويّاً:

مقاومة: (إسم)

مصدر قاومَ

صعوبة تواجهها قوة معينة

مقاومة التجربة: المعارضة ورفض الخضوع لإرادة الغير

ومقاومة الكائن الحي، هي قدرته على أن يدرأ عن نفسه كل خطر.

إذاً المقاومة: هي المعارضة، وعدم تقبل أي شئ يحمل في طياته الضرر، ورفض الخضوع لأرادة مفروضة بالقوة.

ومن أنواع المقاومة:

المقاومة الفطرية (الغريزية): وهي القوة الكامنة لدى الكائن الحي في الدفاع عن النفس (الوجود) من أي خطر.

ثانيا المقاومة الحسية الواعية: وهي القوة التي تنطلق من الوعي الحسّي، والأدراك الواعي بقيمة الوجود وأبعاده.

ثالثا المقاومة المركبة: وهي تتكون من المقاومة الفطرية

(الغريزية) الذاتية، (أي المقاومة اللا إرادية)، والمقاومة االحسية الواعية، الأرادية، وهو تصدي العدو ومعرفته، عن دراية ومعرفة، واتخاذ الاسلوب الناجع في مواجهته.

فالمقاومة الغريزية هي تلك الطاقة الفعّالة في استخدام وسائل دفاعاتها الحسية والعضوية التي تمتلكها للحفاظ على ديمومة وجودها والأستمرار في الحياة الآمنة، وهذه القوة الدفاعية تأتي بإيعاز من الجهاز العصبي، والجهازالهرموني ومنه (الأدرينالين).

والرغبة الفطرية في البقاء على قيد الحياة، هي موجودة في كيان كل كائن حي، ومقاومة كل ما يهدد حياتها للخطر.

وهذا فيما يخص مسألة الحياة والأستمرارية في مواصلتها.

وإذا ما نظرنا الى المجموعات البشرية البدائية التي تعيش في غابات الأمزون، أو في أماكن أخرى، مثل آسيا، أو أفريقيا، فهي كذلك لا تقبل الأعتداء عليها، أو التجاوز على حدود مساحة بيئتها التي تعيش فيها، ضمن نطاق نمط حياتها الخاص بها.

وهذه مسالة طبيعية في حب الذات والدفاع عن النفس في مواجهة أي خطر يهدد حياتها ووجودها.

كل هذا الذي تناولناه أعلاه هو بشكل عام فيما يتعلق بالحياة البسيطة، والتمسك بها غريزيّا، وهو ما يُطلق عليه بالصراع من أجل البقاء بمعزل عن الوعي والأدراك.

أما بالنسبة للأنسان الحضري الذي يمتلك إدراكا حسيّا على مستوى عال من الوعي ومعرفته بكل مقومات الحياة المدنية، المبنية على المواطنة والأنتماء للأرض التي عاش فيها الآباء والأجداد، والتأريخ الذي تركوه له، واللغة والعادات والتقاليد والفلكلور، والثقافة، والأعراف الأجتماعية المتوارثة، كلها مجتمعة، تشكل منظومة حسيّة في ذاكرة الأنسان، وهو الشئ المهم في بناء شخصية الأنسان في الأعتزاز بنفسه وكرامته، ويمثل الطاقة الفعالة في صد اي إعتداء، ومقاومته، وتسمى كل تلك، بالذاكرة الفردية، التي تولد من الذاكرة الجمعية، المتمثلة في الذاكرة المجتمعية، وكما يقول عالم الأجتماع الفرنسي موريس هالبفاكس (18877- 1945):

" ان الذاكرة، حتى تلك الأكثرخصوصية وفردية، تفترض أُطراً يوفرها المجتمع للفرد، ومن دونها لا يمكن لهذا الآخيرأن يبني ذاكرة وماضياً خاصّين به.. ". وكذلك يشير هالبفاكس أيضا

" الى أن الذاكرة الجمعية تتشكل من تعاضد بين الذاكرات الفردية"، أي بمعنى أن الذاكرة الفردية هي حصيلة الذاكرة الجمعية، والتي تنعكس بدورها لتكون ذاكرة مجتمعية، فيكتسبها الفرد لا شعوريا لتتبلور لديه ذاكرة فردية.

فإلى جانب المقومات التي ذكرتها آنفاً (المواطنة، الأنتماء للارض، التأريخ، اللغة، العادات والتقاليد، الفلكلور، الثقافة)، فكل هذه المقومات بمجموعها تشكلت لدى الفرد لترسم له (الذاكرة الفردية)، وهي أهم ما يربط الأنسان بوطنه الذي يضحي ويموت من أجله.

فكلا الذاكرتين، تُشكلان العقل الجمعي الذي ارتبط صميميّاً بمقومات مجتمع متراص مترابط، والفرد فيه بالنسبة للآخر كالبنيان المرصوص، وبهما يكون سدّاً منيعا ً أمام العدو، وقوة تحميه من أي اعتداء خارجي يريد النيل منه أو مسّ كرامته بسوء.

وكما قلنا أن الحروب التي تشنها قوى الشر الطامعة في خيرات الأمم والشعوب الأخرى، لا تفهم قيمة وأهمية الذاكرة الفردية، والذاكرة الجمعية، اللتان تُعتبران أهم وأقوى سلاح معنوي، ومن ثم السلاح المادي وأدوات المقاومة الدفاعية والهجومية، وبكل هذا حتماً ستواجه بقوة من قِبَل المدافعين عن أرضهم ووطنهم، والتصدي للعدو مهما كانت قوته وعدده، واساليبه القمعية.

ومن المعروف والشائع أن اي عدوان على امة أو جماعة يتصدى له الرجال، شيباً وشبابا، وهذه القوة المقاومة التي تقف بوجه العدو، تحمل كل ما أمكنها، وما لديها من سلاح للقتال، ولمقاومة الغزو والعدوان الذي تتعرض له.

ولكن إذا ما امعنّا النظر في تأريخنا المعاصر وحروب التحرير في العالم، وما قامت به المقاومة ضد المستعمرين والغزاة، فسنجد أن هناك نساء في قمة البطولة والشجاعة، رسمن أروع الملاحم البطولية التي سطّرتها المرأة في سجل المسيرة النضالية التحررية، وللأسف لم يُسَلّط الضوء بشكل أوسع، أو بالشكل المطلوب، على ما قدمته المرأة من ملاحم بطولية إسطورية في التضحية والمقاومة في مسيرة النضال التحرري.

وهنا لا يسع المجال في الخوض بالشكل الأسع في نضالات المرأة، ولكن هناك مناضلات على سبيل المثال لا الحصر، يًحار المرء في ما يقرأ عن بطولاتهن وشجاعتهن وصمودهن أمام العدو واساليبه الوحشية البربرية والقمعية، وهن يقفن بارادة فولاذية لا تنكسر ولا تنحني.

فتلك الفتاة التي للتو دخلت ربيعها الخامس عشر، حين تعرضت بلادها للغزو من قِبَل القوات الفاشية والنازية عام 1941، إثناء الحرب العالمية الثانية، وهي بهذا الربيع الخامس عشر، حملت قلبها على كفها وتقدمت للأنضمام الى حزب أنصار بلادها في القتال ضد النازيين، وقد حركتها الطاقة الخلاقة، والحس الثوري الواعي، المتوهج من روح المبادئ التي تغذت عليها ونمت، فاستنارت بالفكر الذي استلهمته من بيئتها وبالاخص عائلتها التي كانت المثل الأعلى لها، والقدوة في النضال والتضحية، فتقدمت تلك الفتاة في الصفوف الأمامية في مقاومة العدو النازي.

وفي إحدى المعارك في شهر شباط 1943، وبينما هي تحاول إنقاذ 150 إمراة وطفلا، كانوا يبحثون عن ملاذ آمن من القصف وإطلاق النار، فواجهت هجوم من بعض جنود العدو النازيين الألمان، فقاومتهم بكل بسالة وشجاعة، وقتلت عددا منهم، حتى نفذت ذخيرتها، مما وقعت في الأسر.

وبعد أن ألقي القبض عليها، تعرضت لأقسى، وأبشع صور التعذيب، لأنتزاع اعترافات على رفاقها في المقاومة، وعن الحزب الذي تنتمي اليه، وأسماء الرفاق، وأماكن تواجدهم.

فكانت الشجرة الشامخة القوية التي يصعب على الجلادين النيل منها، أو تحريكها، أو زحزحتها عن ثباتها، حتى أصدروا حكم الأعدام عليها شنقا.

وبعد أن تم إحضارها في شباط 1943 الى المشنقة التي شُيّدت على جذع شجرة، وإعتقد الجلادون انها ستخاف إبنة 17 ربيعا

عند وضع حبل المشنقة على رقبتها، وفي اللحظات الأخيرة عُرض عليها العفو واطلاق سراحها، إن اعترفت، وكشفت لهم عن أسماء رفاقها، أو أية معلومات تفيدهم.

لكن ليبا راديتش الشابة اليوغسلافية بكل صلابة وشجاعة، ردّت على الجلادين بكلمات خلدها التأريخ بحروف من ذهب:

" أنا لست خائنة لشعبي، أولئك الذين تسألون عن أسمائهم سيكشفون عن أنفسهم عندما يأتون لقتلكم جميعاً. عاش الحزب الشيوعي وأنصاره ! حاربو أيّها الناس من أجل حريتكم ولا تستسلموا ! سوف أقتل، لكن هناك مَنْ سينتقم لي "

وبهذا تم شنقها، ولكن لم يستطع الجلادون أن يشنقوا الروح التحررية والنضال من أجل الحرية والعدالة الأنسانية.

وتلك النجمة المتلألئة الأخرى في سماء الحرية، والشعلة الوهاجة في طريق ذات الشوكة، والأمل النابض في قلوب الأحرار الثائرين، إنها المناضالة الفتاة إبنة العشرين ربيعا، فكانت الكوكب الدري في افق النضال التحرري، فتغنى بها كبار الشعراء، كالسياب ونزار قباني والجواهري وصلاح عبد الصبور وشعراء كثر.

قالوا لها بنت الضياء تأملي   ما فيك من فتن ومن انداء

سمراء زان بها الجمال لونه  واهتز روض الشعر للسمراء

هذه الفتاة إبنة العشرين ربيعا، حين رأت ابناء شعبها هبوا لمقاومة المستعمر وطرده، فانضمت الى جانب الثوار في جبهة التحرير الوطني في نوفمبر / تشرين الثاني 1956.

فسجلت أروع صور النضال والمقاومة، والدور البطولي الذي القى الهلع والرعب في قلوب جنود المستعمر، حيث كان شغلهم الشاغل، والمسألة الأهم في إلقاء القبض عليها.

وبعد أن حوصرت من قبل العدو، واصيبت برصاصة في كتفها، صرخت، إشارة منها لرفاقها ليتمكنوا من الهرب، وتم إلقاء القبض عليها.

فعُذبت اشد وابشع أنواع التعذيب، لمدة 17 يوماً، لكنها بقيت صامدة صمود الابطال، ولم تكسر كل تلك الأساليب الوحشية في التعذيب إرادتها، وحافظت على أسرارها، وعلى أسماء رفاقها في النضال، وبعد أن لم يتمكن الجلادون من كسر صمودها، أصدر القاضي حكم الأعدام بحقها، لكنها ضحكت، فصرخ القاضي في وجهها " لا تضحكي في موقف الجد ".

فكان ردّها قويا:

" أيّها السادة، انني أعلم أنكم ستحكمون عليّ بالأعدام، لأن أؤلئك الذين تخدمونهم يتشوقون لرؤية الدماء، ومع ذلك فأنا بريئة، لقد استندتم الى محضر تحقيق وضعته الشرطة وقوات المظليين، وأخفيتم أصله الحقيقي الى اليوم، والحقيقة اني أحب بلدي وأريد له الحرية، ولهذا أؤيد جبهة التحرير الوطني ".

ثم تابعت" تقتلوننا، لكن لا تنسوا أنكم بهذا تقتلون تقاليد الحرية،

ولا تنسوا أنكم بهذا إنما تلطخون شرف بلادكم، ولا تنسوا أنكم لن تنجحوا أبداً في منع الجزائر من الحصول على إستقلالها ".

ونتيجة الأحتجاجات العالمية، لم يتم تنفيذ حكم الأعدام فتحررت من السجن المناضلة البطلة جميلة بوحيرد عندما نالت الجزائر استقلالها في 5 تموز 1962، بعد أن قضت 3 سنوا في السجن.

فالنضال التحرري عندما يخرج من الأطر الضيقة الى فضاءات إنسانية أوسع، يكون دوره أقوى في تحقيق الأهداف، ويشكل جبهة تضامية واسعة بوجه العدو وقوى الشر العالمي.

وصدى الجبهات التحررية في أية نقطة من العالم له تأثير يستجيب له، ويتضامن معه كل أحرار العالم.

وتلك الشابة العشرينية رايتشل كوري الناشطة الأمريكة، وهي في العاشرة من عمرها، قالت في محاضرة في مدرستها حول الجوع في العالم:

" إنني هنا من أجل الأطفال الذين يعانون في كل مكان، لأن أربعين ألف شخص يموتون في العالم يوميا بسبب الجوع، أنا هنا لان معظمهم من الأطفال، نعلم بأن الفقراء في كل مكان حولنا، لكننا نتجاهلهم، يجب أن نفهم بأن هذه الوفيات يمكن تجنبها، يجب أن نفهم بأن في العالم الثالث شعوبا يضحكون ويبكون،هم بشر مثلنا، لكن الفرق بيننا و بينهم أنهم يعانون، يجب أن نفهم بأن أحلامنا هي أحلامهم، يجب أن نفهم بأننا منهم وهم منا، أن حلمي بأن انهي المجاعة في سنة 2000م، حلمي أن يمنح الفقراء فرصة،حلمي إنقاذ أربعين ألف ممن يموتون يوميا،حلمي يمكن أن يكون حقيقة، إن نحن تطلعنا إلى مستقبل مليء بالخير والنور ".

ودفع الحس الأنساني راتشل كوري الى أبعد من أحلامها، فقررت السفر الى قطاع غزة إثناء إنتفاضة الأقصى الثانية من أجل الدفاع عن حق شعب احتلت أرضه، وتهدم بيوته يوميا.

وذات ملحمة بطولية في منتهى الأنسانية، وهي برفقة سبعة أمريكيين وأوربيين متضامنين مع الشعب الفلسطيني في منع أعمال التجريف والهدم التي يقوم بها الصهاينة في رفح الذي شرد أكثر من 12000 فلسطيني، وتركهم في العراء دون مأوى، إذ جاءت اللحظة التي تفجرت روحها الأنسانية الخلاقة، وحملت قلبها باليمنى ومكبر الصوت باليسرى، ووقفت أمام جرافة إسرائيلية تنادي سائقها:

" توقف.. هنا عائلة آمنة، هنا أناس أبرياء " لكن سائق الجرافة تجاهلها وقام بدهسها بكل وحشية، وبلا رحمة.

وهذه الشابة التي سجلت أروع صور الأنسانية والتضحية البطولية من أجل شعب لا يربطه بها اية مسميات ضيقة ومحدودة الأطر، سوى الرابطة العظمى والأكبر والأقدس، ألا وهي رابطة الأنسان بأخيه الأنسان، ويمكنني القول ان راتشل كوري هي والسبعة من زملائها الناشطين القلائل الذين تضامنوا مع الشعب الفلسطيني المضطهد، بعد أن تفهموا معاناته وأثرت في مشاعرهم واحاسيسهم حينذاك، مقارنة بمستوى الوعي الانساني الخلاق الهادر الذي نراه اليوم، وصوته المدوي بوجه الأجرام والأبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني، وتنديده بالصهاينة السفاحين والذين يدعمونهم، وعلى رأسهم أمريكا.

عود على بدء، وكما بينّا ان الشعوب لا تقبل أن تكون مستعبدة وذليلة، وذكرت ان المقاومة التي تواجه المعتدي، غالبيتها هي من الرجال، ولكن هناك نجوم لا تأفل في سماء الحرية من النساء اللاتي سطّرن أعظم الملاحم البطولية في سجل حركة التحررالعالمي، والمقاومة الوطنية.

ولكن عندما نبيّن الدور المتميز، والأبرز في تأريخ النضال النسوي البطولي، الذي أخذ أكبر مساحة في صفحات النضال التحرري والصمود والمقاومة، والحجم اللامحدود من التضحية، وتقديم القرابين تلو القرابين على منحر الحرية والعزة والكرامة، وحين تُدهشك، وتُثير فيك الأعجاب، هذه البطولات، وقوة الشخصية والأرادة الصلبة، والصبر الغير متناهي، في تقديم فلذات قلوبهن من أعزاء، أبناء وإخوة وأزواج وأطفال، وكل غال ونفيس، وهن لا يجزعن ولا ييأسن، فهن صابرات صامدات مضحيات، ومقاومات.

فنحن عندما نبيّن مثل تلك النساء، فهذا لا يعني أن ننفي وجود نساء أخريات مناضلات.

فهناك من حملن السلاح، وناضلن ببطولة وشجاعة، وقمن بعمليات بطولية خارقة.

ولكن يسأل الأنسان نفسه: هل حقّاً هناك في الوجود مثل هذه النساء ؟

نعم نحن عندما نذكر مثل هذا النموذج من النساء المناضلات والمضحيات ووو، فلا يعني إنكار وجود الأخريات من النساء ولا التقليل من أهميتهن، فعلى سبيل المثال، عندما يقال ان باقة ورد معينة جميلة جدا، فهذا لا يعني أن الأزهار الأخرى غير جميلة، أو شخص ما، أحد أبنائه أقرب اليه من ابنائه الأخرين، فهذا لا يعني أن البقية من أبنائه لا يحبهم أو هم سيئين..!

أَجَلْ.. أن هذه البطولات ليس مثلها بطولات، والتضحيات ليس مثلها تضحيات، فهنّ الصابرات الصامدات المقاومات، فلم نجد في نساء العالم، ومسيرة النضال التحرري مثلهن..!

فهل هناك سجل في تأريخ النضا ل التحرري، ومقاومة الغزاة والمستعمرين مثل ما تجده في مقاومة وصمود وتضحيات المرأة الفلسطينية..؟

فأي مكان لم تجدها فيه..؟

في ميادين المقاومة تجدها وهي تحمل السلاح..

في سجون العدو تجدها خلف القضبان صامدة تتحدى القيود والسجان..

في ميدان الكتابة والثقافة والاعلام والأدب، تجدها الأديبة والشاعرة والقاصة، والأعلامية والصحفية..

في سجل العمليات البطولية الفدائية تجدها..

في البيت تجدها أم وأخت وزوجة ومربية تصنع الرجال الأبطال المقاومين المضحين..

فهذه المرأة كأنها خلقت من فولاذ، فلا مبالغة فيما أقول: فإنها أمرأة لكنها لا شبيه لها..

هل أن ما نراه هو إسطورة أم خيال ؟!

لله درك يا أم، ويا أخت ويا زوجة ويا إبنة الشهداء، تقفين شامخة صامدة صارخة بوجه الطغاة: يا أيها الغزاة مهما قتلتم ودمرتم وخربتم، نبقى هنا لا نغادر أو نهاجر، حتى وان قتلتم شعبنا عن بكرة أبيه، فلن ولم نرحل..

فنحن نعرف ان الرجال عندما تكون عندهم القوة والصمود والتحدي ورباطة الجأش، فلا نستغرب منهم ذلك، لأن الرجل بطبيعته التكوينية يمتلك القوة البدنية وتجربته الحياتية في مواجهة الصعاب التي صقلته، وصنعت فيه الأرادة الصلبة..

أما المرأة بشكل عام، فهي لا تمتلك ما يمتلكه الرجل.

نعم هناك نماذج من النساء في التأريخ القديم والمعاصر كُتبت أسماءهن بحروف من ذهب، ولكن كما قلت نماذج نادرة، وليس كما نراها من نساء أمة وشعب صامد، تراها قوة صلبة، وطاقة خلاقة مبدعة ومعطاءة، وإرادة فولاذية لا تنكسر..!

فحقّا ما قاله الأديب الشهير توفيق الحكيم عن المرأة:

" أن عقل المرأة إذا ذبل ومات، فقد ذبل عقل الأمة كلها ومات "

فأسمح لي أستاذنا الحكيم، ماذا تقول عن المرأة التي تمتلك العقل والقوة والأرادة والصبر والتحمل والتضحية والصمود

والمقاومة والتصدي للعدو ؟!

سيدي ان هذه الصفات المميزة التي ذكرتها لك، لا تجتمع كلها بإمراة..

ولو إفترضنا جدلاً.. أنها تتوفر عند بعض النساء..

نعم عند بعض النساء..

لكن من المستحيل ان تتوفر كل هذه المواصفات عن نساء شعب

وفي كل بيت..!

والقول المشهور (وراء كل عظيم إمرأة)، فمحتوى القول يشير الى عظيم مفرد، وليس عظماء، والذي وارءه إمراة مفردة وليس أكثر من إمرأة واحدة.

أليس وراء كل هؤلاء الابطال المقاومين الأبطال نساء، (أم، أخت، زوجة) صنعن منهم هذه الملاحم الأسطورية في مواجهة أعتى وأشرس المجرمين وأقوى الأسلحة الفتاكة، وهم يتصدون لها بكل بسالة وشجاعة وصمود ؟!

ألا يحق لنا أن نقول أن المرأة الفسطينية هي رمز المقاومة وأيقونة النضال التحرري..؟؟

وأنا هنا لا أريد أن أدرج أسماء الفلسطينيات المعروفة في الأدوار النضالية المختلفة، على مدى مسيرة العذاب والمعاناة والمأساة والتضحية والصمود لأنها لا تعد ولا تحصى، لأنّهن أكبر من الصفحات، فكل أسماء المناضلات الفلسطينيات هي رمز المرأة الفلسطينية في الصمود والتحدي،و الفلسطينيات المناضلات الصامدات هن الرمز بكل ما تعني الكلمة..

فالمرأة الفلسطينية هي التي أنجبت هؤلاء الأبطال المقاومين..

والمرأة الفلسطينية هي التي صمدت أكثر من 75 عام امام المعاناة والمأساة..

والمرأة الفلسطينية هي التي قدمت القرابين تلوَ القرابين ولم تيأس..

والمرأة الفلسطينية هي التي حملت السلاح وقامت بعمليات فدائية هزت الكيان الصهيوني المحتل..

والمرأة الفلسطينية هي التي قالت للعدو: مهما سفكتم من دماء،

ومهما هدمتم بيوتنا، وحتى لو قتلتم شعبنا عن بكرة أبيه، فلن ولم نرحل..

فأين تجد يا ترى مثل المرأة الفلسطينية..؟؟!

عاشت المرأة الفلسطينية المقاومة والصامدة

عاش ابطال المقاومة الفلسطينية

الموت والخزي والعار للصهاينة المجرمين

والنصر للشعب الفلسطيني الصامد

***

الدكتور ابراهيم الخزعلي

10/12/2023

توقفت المجازر الإسرائيلية، لمدة أربعة أيام أو خمسة أيام؛ بهدنة بين دولة الاحتلال الإسرائيلي، والمقاومة الفلسطينية في غزة، بوساطة قطرية مصرية، وبدعم أمريكي غائي نشيط وقبل انتهاء الأربعة أيام تم تجديدها إلى يومين آخرين؛ حتى تتم عملية تبادل الأسرى من الجانبين. هذه الهدن وإن كانت تكتيكية، لكنها بكل تأكيد؛ تشكل انتصارا واضحا للمقاومة الفلسطينية في غزة، على قوة وفتك وجبروت السلاح الأمريكي والغربي والإسرائيلي الذي في حوزة جيشه؛ الذي واصل بها واستمر في المذبحة على مدار ستين يوما، إلا أن روح الصمود والمقاومة عند المقاومين الفلسطينيين في غزة كانت هي الأقوى. في خضم هذا الصراع الذي ليس فيه أي تكافؤ أبدا، وما أقصده هنا هو السلاح الفتاك؛ صدرت عدة تصريحات من مسؤولين عرب ومسؤولين في أمريكا أو في الغرب؛ عن الوضع الذي ستكون عليه غزة بعد توقف إطلاق النار، أو انتهاء الحرب فيها، والأصح انتهاء المذبحة الإسرائيلية هناك. جميع هذه التصريحات تثير لدى المتابع الكثير من الأسئلة والشكوك وعلامات الاستفهام؛ حول كنه هذه التصريحات وهل هي من أجل القضية الفلسطينية، أي وضع حلول لها، تلبي مطالب الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والسيادة في دولة معترف بها دوليا؛ على الأراضي الفلسطينية، التي احتلتها إسرائيل في الخامس من يونيو 1967، أم أن العملية برمتها؛ هي استثمار للوقت لصالح الكيان الصهيوني؟ جميع هذه التصريحات، لم تأت على الآلية التي بها، أو على طريقها يتم إجبار دولة الاحتلال الإسرائيلي على النزول من على قمة جبل الأطماع في الأرض الفلسطينية. من الجانب الثاني هذه التصريحات تأتي في الوقت الذي لا تزال فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي، على الرغم من هزيمتها الواضحة؛ تصر على مواصلة محارقها ضد الشعب والأرض في غزة؛ إذ، يقول مسؤولوها؛ إنهم سيواصلون عملياتهم العسكرية في غزة حتى إنهاء المقاومة، وتحرير المخطوفين (الأسرى) من يد حركة المقاومة الفلسطينية. إلا أن الأسرى العسكريين الإسرائيليين لدى المقاومة؛ من المستحيل أن تتم مبادلتهم بالطريقة ذاتها التي تم على هديها، أو على أساسها إبرام أو الموافقة على تلك الهدن التكتيكية. استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة أرضا وشعبا؛ سيواجه بقوة وصلابة في الموقف، على أرض المعركة، وبالتوازي سوف تصر المقاومة الفلسطينية على موقفها، الذي أعلن على لسان قادتها؛ من أن أي مبادلة للأسرى العسكريين الإسرائيليين؛ لا يتم الا بتحرير الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي. المسؤولون العسكريون الإسرائيليون، يقولون ويؤكدون في تصريحاتهم المتتالية؛ أن دولة الاحتلال الاسرائيلي؛ ستستمر في المعركة، أي في مجازرها في غزة؛ وهذا صحيح في الجولة الأولى من حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، أرضا وشعبا، لكنها تاليا؛ سوف تضطر إلى تقليص عديد جنودها، وأدوات إجرامها، أي بقاء جزء من قواتها على أرض غزة، وفي تطويق المدن المهمة فيها، أي أنها سوف تتحول إلى معارك استنزاف بين جنود الصهاينة، ومجاهدي المقاومة الفلسطينية، إلى فترة قد تستمر عدة أشهر، لكنهم في النهاية سوف يقبلون صاغرين، شروط المقاومة الفلسطينية وأولها الاعتراف، بأن المقاومة في غزة وفي غيرها من أرض فلسطين؛ لا يمكن مطلقا استئصالها؛ لأنها والشعب الفلسطيني؛ كتلة واحدة في الموقف والصراع مع عدو مجرم، في جسد واحد موحد كليا، في مواجهة أداة الفتك الأمريكية والغربية الإسرائيلية، التي يمتلكها جنود الاحتلال، الذين لا يمتلكون ضميرا، يردعهم عن استهداف المدنيين العزل من السلاح. وثانيا، في ما يخص تبادل الأسرى بين الجانبين؛ تصر فيه المقاومة الفلسطينية على مبادلة الأسرى العسكريين الإسرائيليين بالأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، خصوصا أن بين الأسرى الإسرائيليين العسكريين، من هم برتب عسكرية رفيعة المستوى.

إن دولة الاحتلال الإسرائيلي كانت قبل ما يقارب العقدين؛ تحتل غزة، لكنها انسحبت منها تحت ضربات المقاومة الفلسطينية، وليس رغبة منها في منح غزة وشعبها الفلسطيني الحرية والاستقلال على أرضه، وهذا هو ما سوف يحدث لاحقا، ربما بعد أشهر قليلة من الآن. ليس أمام دولة الاحتلال الإسرائيلي؛ إلا التسليم وهي صاغرة، إذا أرادت لدولتها البقاء والوجود؛ بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية والعربية في سوريا ولبنان، والقبول بالمبادرة العربية للسلام، فلا طريق أمامها وأمام داعميها من الأمريكيين والغربيين، إلا هذا الطريق ولا طريق غيره أبدا، مهما طال أمد الصراع. أما طرح بعض المسؤولين العرب؛ حل الدولتين؛ بالاعتراف بدولة فلسطين على حدودها قبل الخامس من يونيو، دولة منزوعة السلاح، بضمانة قوات من حلف شمال الأطلسي، أو قوات أممية أو عربية، فتثير الشك والريبة، للأسباب التالية: أولا؛ لا يمكن تحويلها إلى واقع على الأرض من الناحية القانونية، أي أنها ستظل غير معترف بها دوليا؛ لأن أمريكا والغرب سوف يقفان بالضد منها، إلا بموافقة دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهذا أمر مستبعد تماما في الوقت الحاضر، وإلى الأمد المفتوح. ثانيا، هذا يعني أو يقود إلى أن دولة الاحتلال الإسرائيلي سوف لن تتوقف عن قضم الأراضي الفلسطينية. ثالثا، أن تكون هناك دولتان الأولى، دولة حقيقية، أي معترف بها دوليا وهي بلا حدود رسمية لها، ودولة مفترضة أخرى، بإطار هيكلي، متفق عليه بين دولة الاحتلال الإسرائيلي، والسلطة الفلسطينية، فارغ من المحتوى، أي لا سلطة حقيقية لها، أي لهذه السلطة على الأرض والإنسان؛ مما يتيح للأولى، أو يفتح الطريق لها، في تحويل أطماعها إلى واقع على الأرض، كما في ثانيا.. إن الطريق الصحيح كي ينال الشعب الفلسطيني حقه المشروع في الحياة والوجود والسلام؛ هو الدعم المستدام لهذا الشعب المناضل والمجاهد؛ في المحافل الدولية وفي الحياة وفي تنمية قدرة المقاومة في مواجهة عدو مجرم وطماع لا ضمير له. وفي، وهو الأهم؛ استثمار قدرات التأثير العربية التي تمتلكها الأنظمة العربية؛ في إجبار وتحت ضغط المصالح؛ القوى العظمى والكبرى، على أن تقف موقفا عادلا ومنصفا من القضية الفلسطينية، ما أقصده كل القوى الدولية الكبرى وليس حصرا أمريكا والغرب. أما المناشدات والتصريحات المستنكرة والشاجبة للعدوان الإسرائيلي، من غير أن تكون هناك أفعال على أرض الواقع؛ فلن يكون لها تأثير فاعل ومنتج على الإطلاق. وأكبر دليل على ذلك؛ هو إصرار دولة الاحتلال الإسرائيلي على مواصلة مجازرها بعد انتهاء الهدن التكتيكية، وإصرار أمريكا على دعمها، بل مشاركة فيها سياسيا وتسليحا.

***

مزهر جبر الساعدي

 

في المثقف اليوم