شهادات ومذكرات

الملكة إليزابيث الثانية.. الإرث الحي المذهل

مثلت الملكة اليزابيث منذ توليها العرش خلفا لوالدها الملك جورج السادس في 1952، وكانت حينها في سن الخامسة والعشرين، رمزا للاستقرار عبر الأزمات والمحطات المختلفة في تاريخ المملكة المتحدة. وعاصرت رجالا كبارا في السياسة في العالم، مثل نهرو، وشارل ديغول، ومانديلا الذي كان يدعوها "صديقتي".

وقد تولت الملكة اليزابيث الثانية منذ عام 1952 الحكم الملكي للمملكة المتحدة (انجلترا، وايلز، اسكتلندا، إيرلندا الشمالية) ومقاطعات ومناطق اخرى، كما أنها رئيس الكومنولث، وهو مجموعة من 53 من الدول السيادية التي تضم أقاليم بريطانية سابقة. عرف عن الملكة اليزابيث باهتمامها الجاد بالشؤن الحكومية والسياسية وهذا هو ما اشتهرت به طول فترة حكمها الطويلة، بصرف النظر عن واجباتها الاحتفالية، كما يعود اليها الفضل في تحديث الكثير من جوانب المملكة.

وعندما ولدت اليزابيث الكسندرت ماري - الابنة الكبرى للأمير ألبرت، دوق يورك، وزوجته السيدة بويز- ليون - في 21 أبريل 1926، كانت فرصتها ضعيفة في توليها الحكم لأن أبيها كان الابن الأصغر للملك جورج الخامس، ولكن في أواخر عام 1936، تنازل عمها الملك إدوارد الثامن عن العرش وتزوج من أمريكية مطلقة، واليس سامسون. ونتيجة لهذا الزواج أصبح والداها الملك جورج السادس، وأصبحت " ليبيت" ( كما كانوا يطلقون عليها داخل أسرتها) البالغة من العمر 10 سنوات هي وريث العرش.

وقد تعلمت اليزابيث الثانية على يد معلمين خاصين، وكان الاهتمام بالتاريخ البريطاني والقانون، كما درست الأميرة الموسيقى و تعلمت التحدث بالفرنسية بطلاقة. تدربت كفتاة مرشدة ( المعادل البريطاني للفتيات الكشافة)، وزادت من شغفها طول حياتها بالخيول.

وفي عام 1947، بعد عودة الأسرة المالكة من الزيارة الرسمية لجنوب أفريقيا و روديسيا، تم اعلان خطوبة اليزابيث للأمير فيليب، ابن عمها الثالث وملازم في البحرية الملكية.

تم زواج اليزابيث من الأمير فيليب في 20 نوفمبر 1947 في كنيسة ويستمينستر.

وعندما قابلت إليزابيث يورك الأمير فيليب لأول مرة، لم يكن من المفترض أن تكون ملكة، كانت حينها مجرد طفلة تبلغ من العمر 7 سنوات وكانت تعمل كوصيفة العروس لخالتها، أميرة اليونان والدنمارك، في حفل زفافها على دوق كنت في كنيسة وستمنستر أبي، بينما كان فيليب البالغ من العمر 12 عامًا يحضر كابن عم العروس، حسب تقرير لشبكة «سى إن إن» البريطانية.

ولد ابنهما الأول تشاربز (أمير وايلز) في 1948، وابنتهما أنا (أميرة ملكية) بعد تشارلز بعامين، ثم أنجبت اليزابيث وفيليب طفلان أخرن وهما أندرو (ولد في 1960)، وإدوارد (ولد في 1964)، وتم تتويجها رسميا كملكة في الثانى من يونيه عام 1953بكنيسة ويستمنيستر.

وعلى الرغم من الشائعات التي تم إثارتها على مدار الوقت عن تنحي الأميرة اليزابيث عن العرش ومنحه للأمير تشارلز - ففي عام 2017، قامت الملكة اليزابيث بتفويض بعض الالتزامات الملكية مثل حفل يوم الذكرى الرسمي الى ابنها الأكبر، مما أثار التكهنات عن استعداها لتوليته للعرش.

ويعتقد الكثير من الخبراء الملكيين بأنها لن تتنازل عن العرش أبدا وستظل ثابتة ولها حضور مستقر على رأس الأسرة المالكة ببريطانيا.

وقد تميزت الفترة الطويلة لعهد الملكة إليزابيث الثانية بإخلاصها اللامتناهي لدورها وبعزيمتها الصلبة في تكريس حياتها للعرش ولشعبها، وظلت لدى الكثيرين الثابت الوحيد في عالم سريع التقلبات والتغيرات، حيث تراجع النفوذ البريطاني والمجتمع تغير بشكل لافت جداً، حتى بات دور المؤسسة الملكية نفسه مثار جدل.

نجاح الملكة في الحفاظ على الملكية خلال هذه الفترات العصيبة كان إنجازاً عظيماً خصوصاً أنه لم يكن من المتوقع أن يؤول إليها العرش يوم أبصرت النور.

ومن ضمن الزيارات التاريخية العديدة التي قامت بها إليزابيث والاجتماعات التي عقدتها، زيارة رسمية إلى جمهورية أيرلندا، وأول زيارة رسمية من الرئيس الأيرلندي إلى بريطانيا العظمى، بالإضافة إلى زيارات متبادلة من وإلى البابا. وقد شهدت أيضا تغيرات دستورية كبرى؛ كانتقال السلطة في المملكة المتحدة، والتوطين الكندي، وإنهاء الاستعمار في أفريقيا. وقد حكمت إليزابيث أيضاً من خلال مختلف الحروب والصراعات الداخلية فيها العديد من ممالكها.

ومن أسعد الأوقات في حياة إليزابيث كانت أيام ميلاد وزواج أولادها وأحفادها، وتنصيب الأمير تشارلز على ولاية ويلز، والاحتفال بأهم الإنجازات والأحداث التاريخية كمناسبة اليوبيل الفضي والذهبي والماسي في عام 1977م، 2002م، 2012م على التوالي.

أما عن لحظات الحزن والأسى فكانوا، لحظة موت أبيها عن عمر يناهز الـ 56 عاما، واغتيال خال الأمير فيليب، اللورد لويس مونتباتن، وانهيار زواج أبنائها في عام 1992م، ذلك العام الذي يُطلق عليه العام المشؤوم، ووفاة الأميرة ديانا، أميرة ويلز والزوجة الأولى للأمير تشارلز، أيضاً وفاة والدتها وشقيقتها في عام 2002م.

وأحيانا كانت تواجه الملكة رد فعل الجمهور وآرائهم، بالإضافة إلى انتقادات صحفية لاذعة للعائلة المالكة، ولكن لا يزال الدعم للنظام الملكي ولشعبيتها قويًا. في 9 سبتمبر 2015 حطمت الملكة "إليزابيث الثانية" رقمًا قياسيًا بالجلوس على عرش المملكة لـ 63 عامًا وسبعة أشهر، وتخطت العاهلة البريطانية جدتها الثالثة الملكة "فيكتُوريا" التي كانت تحمل اللقب.

وبعد الإعلان عن وفاة الملكة إليزابيث الثانية، مساء الخميس الماضي، عم الحزن أرجاء العالم، وانهالت التعازي على السلطات البريطانية.. رحلت الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا عن عمر 96 عامًا، حسب أعلن قصر باكنجهام الخميس، لترحل بطلة قصة حب مليكة من طراز خاص ونادر عمرها 90 عاماً، وتوفيت الملكة إليزابيث الثانية، منهية أطول فترة حكم في التاريخ البريطاني. رحلت بسلام، محاطة بأسرتها في قلعة بالمورال في اسكتلندا.

وقد احتل نبأ وفاة ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية صدارة صفحات الجرائد ومواقع التواصل الاجتماعي العالمية. وأعرب زعماء وساسة حول العالم عن مواساتهم للعائلة الملكية البريطانية ورعايا الملكة الراحلة.

ونُكّس العلم البريطاني فوق قصر باكنغهام في لندن الذي تقاطرت إليه جموع غفيرة مساء، وبدأت ردود الفعل المعزية والمشيدة بمسيرتها الطويلة تتقاطر من كل أنحاء العالم،وخلفها تلقائيا ابنها الأكبر تشارلز البالغ 73 عاماً، عملا ببروتوكول عمره قرون، بعد أن تبوأت الملكة العرش لمدة قياسية بلغت سبعين عاماً.

ويستعد الملايين من أطفال المدارس الابتدائية في جميع أنحاء المملكة المتحدة لتسلم كتاب مجاني بمناسبة اليوبيل البلاتيني للملكة وسيلةً لعرض ما وصف بـ«الإرث الحي المذهل» للملكة إليزابيث الثانية، حسب صحيفة «ديلي ميل» البريطانية.

ومن المقرر أن يحصل أطفال المدارس الابتدائية على الكتاب كتذكار بمناسبة اليوبيل البلاتيني للملكة إليزابيث. ويعرض الكتاب اقتباسات شهيرة من الملكة، إلى جانب تفاصيل حول حياة شخصيات بارزة في الكومنولث مثل رئيس جنوب أفريقيا السابق نيلسون مانديلا. وذكرت وزارة التعليم أنه سيتم توزيع الكتب على الأطفال في المدارس الابتدائية التي تمولها الدولة في جميع أنحاء المملكة المتحدة.

وحسب وزير التعليم البريطاني نظيم زهاوي، يتضمن الكتاب حقائق عن حفل التتويج، ومعلومات عن أبرز الملوك والملكات، والجدول الزمني لحياة الملكة إليزابيث، بهدف «الاحتفال بإرث الملكة الحي وعرضه على الناس".

وتقول مقدمة الكتاب: «إنك تتسلم هذا الكتاب لإحياء ذكرى هذه اللحظة التي لا تنسى، والتي تأتي مرة واحدة في العمر. سيساعدك هذا على فهم الحياة الرائعة، وكيف تقضي ملكتنا وقتها. إن هذا الكتاب لا يكرم اليوبيل البلاتيني؛ الفترة الطويلة والمخلصة التي قضتها صاحبة الجلالة في الخدمة فحسب، بل يكرم أيضاً المجتمعات التي تتميز بالمرونة والتنوع والشمول التي نعيش فيها".

وقام بإعداد كتاب «The Queen Elizabeth: A Platinum Jubilee Celebration»  خبراء ومؤرخون ملكيون، وسوف يساعد الأطفال على تتبع أبرز معالم العهد الملكي من خلال قصة تعرض حياة فتاة صغيرة تدعى إيزابيلا التي يجري أخبارها بكل شيء عن الملكة واليوبيل المقرر العام الحالي خلال زيارتها لمنزل جدتها العظيمة جويس.

ومن المقرر توفير الكتاب المرجعي المصور اعتباراً من منتصف مايو (أيار). وصفحة أخرى في الكتاب تقول: «خلال فترة حكم الملكة، تغير العالم من نواحٍ عديدة. سيساعدك هذا الكتاب على فهم الحياة الرائعة وأوقات ملكتنا وسحر علاقتها الفريدة بالناس".

ومن المأمول أيضاً أن يساعد الكتاب الأطفال على فهم كيف اجتمعت الدول الأربع معاً كمملكة متحدة واحدة، بما في ذلك تفاصيل مثل تمرد أوين جليندور ضد الإنجليز في عام 1400 للاستيلاء على لقب "أمير ويلز".

***

د. محمود محمد علي

 

في المثقف اليوم