قراءة في كتاب

السّعيد بوشلالق: قراءة وعرض كتاب (زُناة التَّاريخ) لرشيد بوجدرة

صدر عن منشورات فرانتز فانون، تيزي وزو، الجزائر. في 2018. والكِتاب من حجم صغير، يتكون من عشر مقالات وملحق تعقيبات موزعة عبر 128 صفحة.

"إنَّ عُقدة المُستعمَر لا يُمكن شفائها، فهي عُصابٌ مُزمن لا دواء له". - فرانتز فانون .

"إنَّ المستعمَر يَشعُر باليُتم بعد خروج المُستعمِر مِن البِلاد". - فرانتز فانون .

"كُلَّ ثورة تقتل نفسها بسرعة، بعد نجاحها، وكُلّ ثورة تقتل أبناءها، كذلك!". ص 96. - رشيد بوجدرة.

"القضية بالنسبة لي هي قضية مرضية اسمها الاستلاب السِّياسي والأخلاقي والنَّفسي، وهي كذلك تجرُّ من ورائها الانحطاط الاجتماعي والشُّذوذ الوطني." ص 126. - رشيد بوجدرة.

في الصَّفحة 107؛ يذكر رشيد بوجدرة السَّبب الذي دفعه إلى تأليف هذا الكِتاب الهجائي (زُناة التَّاريخ)؛ قائلاً: "لقد قررتُ كتابة هذا (الهجاء) بعد فضيحة (فريال فورون) من سُلالة قبيلة بن ڨانة وهي (تُؤَلِّه) سلفها عبد العزيز بن ڨانة (ملك الزّيبان) على حسب قولها، إرادةً مِنِّي في تنقية التَّاريخ الوطني الذي لطَّخته الأيادي القذرة، وما كتبه (بوعلام صنصال) و(علي بومهدي) و(سليم باشي) و(كمال داود) و(ياسمينة خضرة) و(وسيلة طمزالي) وغيرهم، وقد أرادوا أن يجعلوا من (ألبير كامو) جزائرياً أكثر جزأرة من الجزائريين وهو الذي نشر روايته الأولى (الغريب) بِرُخصة القيستابو، سنة 1942. أي في الفترة النَّازية التي كانت تُسيطر على مدينة باريس، وذلك في خضم الاحتلال الألماني. فحاولتُ أن أُبرهن أن هؤلاء الأشخاص يُعانون من مرض عضال سمَّاه (فرانتز فانون) بِعُقدة كراهية الذَّات. كتبتُ هذا (الهجاء) أمام صمت أغلبية الصَّحافة الوطنية وأمام جُبن بعض المُثقفين الذين أداروا رؤوسهم أمام هذه (الخبائث المُخبَّأة) وبقوا في أماكنهم راضخين ورابضين وأمواتاً!

صنَّفتُ هذا الكتاب لِمُحاربة الرَّقابة التي يُسلِّطُها علينا بعض الصَّحفيين ومثال ذلك أنَّني مُنِعتُ من الكتابة من طرف شخص يُسمى أمزيان فرحاني وهو المُشرِف على المُلحق الثَّقافي لجريدة الوطن النَّاطقة بالفرنسية والَّذي محى اسمي بطرقة خبيثة وذلك منذ عشر سنوات بأكملها! ولا يزال يُسَلِّط رقابته عليَّ. صنَّفتُ هذا الكتاب للدِّفاع عن وطن أصبح هشاً ونخاف عليه." ص 107. 108.

- في المقال الأول من هذا الكتاب (زُناة التَّاريخ)؛ يُهاجم رشيد بوجدرة؛ (الطَّائفة الملعونة) كما أطلق عليها؛ والتي هي صنيعة الاستعمار، وهي فئة من المُثقفين والكُتَّاب والفنانين.. لها نفوذ كبير في جميع المستويات، إذ يقول: "إن المجتمع الجزائري بأكمله هُوجِمَ من طرف بعض الفنانين والمبدعين والمؤرخين والاجتماعيين والمتسيِّسين.. القلائل ولكنّهُم كانوا يملكون نُفوذاً كبيراً على كُلِّ المُستويات (الدّولة، النِّظام، الجامعة، المُجتمع، الثَّقافة، الإبداع، إلخ) وسبب هذا النَّجاح هو صمت "الأغلبية السَّاحقة" فلماذا - إذن - هذا الصَّمت، واللّامُبالاة، والاستهزاء والجُبن؟ " ص 15. ويُضيف: "أن الوطنية الجزائرية كانت تُضرب من أطرافٍ مُختلفة ونافذة وقوية تتواجد داخل المُجتمع الجزائري نفسه.. فئة مريضة يَعشقها الاستعمار الأجنبي.. ركَّبت هذه الفئة المهجرية، عُقدة المُستعمَر وعُقدة الآخر وعُقدة الحنين للفترة الاستعمارية.. وقد (تسلَّلتْ) هذه النَّظرية المرضية والعصبية شيئاً فشيئاً داخل الثَّقافة الجزائرية وكادت أن تتوغل فيها نهائياً." ص 14. مُضيفاً: "صحيح أن تلفيق التّاريخ الجزائري، خاصة من طرف المُستعمِر وأذياله، قد حُورِب من طرف بعض المؤرخين القلائل، أمثال مُحمّد ساحلي ومصطفى لشرف ومُحمّد حربي وغيرهم من الوطنيين لكن هؤلاء المؤرخين لم يهتموا أبداً بتلك الأقلية الجزائرية التي عاثت فساداً في تشويه وتحريف تاريخنا المجيد. وحسب هذه الطّائفة الملعونة والتي انصبّتْ منذ الاستقلال على (فبركة) تاريخاً مزيفاً يَجعل من الفترة الاستعمارية فترة السّعادة المُطلقة والتّعايش السّلمي والرّغيد بين فئة الأقدام السُّود والشّعب الجزائري بأكمله. وهكذا فلقد (نسج) المُوالون لأسيادهم خُرافة التّعايش السّلمي بين المُستعمِر والمُستعمَرين، فجعلت مِن الجلّاد صديقاً حميماً للمُعذّبين الجزائريين." ص 10.

و"منذ البداية ظهرت المقالات والرِّوايات والأفلام والبُحوث والمنتوجات الإيديولوجية، التي كانت تَصبّ أغلبيتها في مجال التَّحريف والكذب وتفكيك واقع التَّاريخ وتلفيق كُلَّ ما هو جزائري والتَّعبير بطريقة علنية على الحنين للفترة الاستعمارية والنَّدم على خروج فرنسا من الجزائر بعد حربٍ طويلة ودامية شرَّدتْ الملايين وأزهقتْ أرواح الملايين كذلك. إن هذه الشّلَّة أصبحت تُعبِّر صراحةً عن استيائها لفقدانها (فرنسيتها) والتَّحصيل على الجنسية الجزائرية رغم أنفها. فبرز هكذا ما يُسمى ب (حزب فرنسا)" ص 15. ثم يُضيف؛ أيضاً: "غير أن هذه المواقف وهذه الرُّدود النَّفسية والسِّياسيّة. في آنٍ، هي معروفة منذ بداية التَّاريخ وعند كُلّ الشُّعوب. فيقول فرانتز فانون في هذا المجال: "إن عُقدة المُستعمَر لا يُمكن شفائها، فهي عصاب مُزمِن لا دواء له". ويُقارن فرانتز فانون هذه العُقدة بِعُقدة العبد الذي يرفض حريته ومُفارقة سيِّده." ص 16.

ويُنبه رشيد بوجدرة إلى أن هذا الكِتاب الهجائي (زُناة التَّاريخ)؛ هو مُحاولة للكشف عن حقيقة هذا الورم الخبيث (حزب فرنسا)؛ فيقول: "أن اللاوعي عند المُستعمَر هو عبارة عن هوة لا قاع لها ولا صاغ. فيؤدي هذا اللاوعي بالشَّخصِ الّذي يعيشه إلى فوضى نفسية لا مناص منها. فيكره نفسه ويكره مُحيطه ويكره مواطنيه ويكره دولته ويكره حتى نفسه وذاته ويكره وطنه ويكره كذلك الآخر إلى حدِّ أنه يعيش كابوساً كبيراً تتكون عنده صدمات نفسية تجعله يعيش كالتَّائه في مناخ يُكن له الكراهية التي لا رجعة فيها. أنا لا أُريد أن أحكم على هؤلاء النَّاس ولا أُطالب بمُحاكمتهم ولا بِمُعاقبتهم، بل أُريد أن أُعبِّر عن المأساة التي نعيشها وأبحث في طيّات الذَّاكرة وطيَّات اللاوعي الجماعي وأسباب هذا المنطق الرَّجعي وهذا المرض المُزمِن؛ وذلك حتى أُزيل الغطاء على المسكوت عنه وعلى اللامقول في هذا المجال الوعر. فلعلّنا نُفلح في معرفة أنفسنا وفي فضح المكنون فيُصبح هذا الكِتاب عبارة عن مُحاولة، لا أكثر، للتصوير بالأشعة، حقيقة هذا الورم الخبيث." ص 18.

- وفي المقال الثَّاني من (زُناة التَّاريخ)؛ يعرض رشيد بوجدرة موقفه النَّاقد لكتاب (سي بوعزيز بن ڨانة، آخر ملوك الزِّيبان Si Bouaziz Bengana, dernier roi des Ziban) الذي كتبته حفيدته (فريال فورون Férial Furon) وصدر سنة 2015. قائلاً: "لم ينل هذا الكتاب أي اهتمام في فرنسا ولكن سُرعان ما وصلت هذه (الممسخة) إلى الجزائر بطرقٍ مُلّتوية، فرُوِّج لها واحتفل بها في المكتبات وفي التلفزيونات الوطنية وحتّى في عقر البرلمان". ص 22. وفضح رشيد بوجدرة الجرائم التي ارتكبها الخائن الإقطاعي الدَّموي الباشاغا بوعزيز بن ڨانة ضد مناضلي الحركة الوطنية "وقد عُرف (سي بوعزيز بن ڨانة) كالمُعذِّب المجنون الذي عذب بطريقة وحشية وبشعة آلاف المواطنين وقتل منهم المئات بفرح مرَضِي وسَادِي." ص 24.  وحاولت حفيدته تبييض صفحته وتصوِّيره بالرَّجُل الوطني الصَّالح.

وإذا كان صدور كتاب فريال فورون الذي تمجد فيه جدها بن ڨانة؛ هو ما حرّك الوجدان الوطني عند رشيد بوجدرة ودفعه لكتابة هذا الهجاء (زُناة التَّاريخ)، فيذكر أن هناك أيضاً كُتاب آخرون لا يَقلُّ دورهم في فاحشة الزِّنى بالتَّاريخ الوطني ويذكر منهم (كمال داود)  فقد "كان المُخربون يَزنون في التَّاريخ الوطني زِناءً ويُحاولون تشويهه وطمسه ولم يفعلوا ذلك مجاناً! إذ أنّهُم كانوا يَكتبون كُتُبهم ويُخرجون أفلامهم لإعطاء مصداقيّة جديدة للاستعمار الفرنسي الجديد ولتبرئة هذا الاستعمار الغاشم ولتوبيخ الإنسان الجزائري لأنه (جاهل وقذر ومهوس جنسياً!).كما يُردده كمال داود في عدّة مقالاته التي صدرت في جريدة Le Quotidien d'Oron سنة 2017. وذلك لا لشيء ما وإنّما لانتهازيتهم المطلقة التي جعلوا منها مهنة وصنعة ولقمة خبزٍ تُساوي ذهباً خالصاً. فكان هذا القسط من الجزائريين يُريد - بفعله هذا - الوصول إلى الشُّهرة وإلى أرضاء فرنسا وإلى نيل الجوائز الفرنسية وحتّى الدُّخول في الإدارة الفرنسية التي تعرض عليهم تسيير بعض المؤسسات الثَّقافية." ص 26.

- وفي المقال الثَّالث؛ يعود رشيد بوجدرة إلى فترة العشرية الدَّموية السَّوداء مُنتقداً موقف المُثقفين الذين التزموا الصَّمت إلَّا القليل مِنهم والذين دفعوا أرواحهم ثمناً لذلك، مُندداً بجدلية (مَن يَقتُل مَن؟) التي تبناها الإعلام الفرنسي على وجه الخصوص.

ويذكر رشيد بوجدرة أن هذا المناخ الضَّروس والمُتعفن والوعر، قد ساعد على بروز (زُناة التَّاريخ) : "ومِن بين (الزُّناة) الأوائل: بوعلام صنصال الذي اشتغل مناصب على أعلى مستويات الدَّولة كموظف سامي وأمين علم ومدير ديوان لعدة وزارات منذ تخرجه الجامعي حتى سِنّ التَّقاعد". ص 35. وينتقد رشيد بوجدرة روايات بوعلام صنصال خاصةً منها رواية (قَسَم البرابرة - Le serment des barbares, 1999.)، ورواية (القرية الألمانية - Le village de l'Allemand, 2008.) هذه الأخيرة التي "دافع صنصال فيها عن أطروحته مفادها أن جيش التَّحرير الوطني كان جيشاً نازياً" ص 38. ويصف رشيد بوجدرة رِّوايات بوعلام صنصال بأنها ذات "فلسفة رجعية مملوءة بالكراهية الذَّاتية وموَّجهة إلى الآخر أي الفرنسي" ص 37. ويُضيف بأنها روايات "تحمل طابع الاستعمار الجديد والحنين تجاه الاستعمار القديم وكراهية الذَّات وخرافات التَّعايش (العشقي) بين المجتمع الجزائري ومجتمع الكولون." ص 38.

- وفي المقال الرابع؛ يذكر رشيد بوجدرة أن بوعلام صنصالBoualem Sansal  أصبح أيقونة الصَّه / يونية العالمية، ويذكر من بين الشَّخصيات الفرنسية ذات التَّوجه الصَّه / يوني؛ بيرنارهنري ليفي Bernard Henri Lévy، ألان فنكييلكروت Alain Finkielkraut، باسكال بروكنرPascal Bruckner، إيريك زمورEric Zemmour، ميشال ويلباكMichel Houellebecq .

وفيه؛ يعود رشيد بوجدرة للحديث عن رواية (القرية الألمانية) التي كتبها صنصال؛ قائلاً أنه "من خلال التُّهمة التي وجهها ضد جيش التَّحرير بأنه جيش نازي فقد أراد تبييض الجريمة الفرنسية الكبرى وفسخ انهزام الجيش الفرنسي أمام جيش التَّحرير. أما الحقيقة فهي تختلف تماماً عن افتراءات الكاتب، إذ أن جيش التَّحرير الوطني استعان، حقيقةً، أثناء الحرب الضَّروس (1954 - 1962) بكوادر ألمانيا الشَّرقية (RDA) (المستقلة آنذاك) الشّيوعية." ص 50. "وقد كان الجيش الجزائري في حاجة إلى اختصاصيين تقنيين ومهندسين قادرين على تحطيم الحواجز الكهربائية موريس وشال الموجودة، آنذاك، على الحدود المغربية والحدود التُّونسية." ص 51. "وهكذا قلب (صنصال) الصُّورة رأساً على عقب وجعل من المناضلين الشّيوعيين الألمان، ومن المناضلين التَّقدميين الذين جاءوا من كُلِّ أقطار العالم لمساعدة الجزائر في محنتها." ص 54. ومنه؛ فإن رشيد بوجدرة، يُجزم أن بوعلام صنصال قد عاث في تاريخنا المقدس فساداً ودجلاً وكذباً.

- وفي المقال الخامس؛ فيقول رشيد بوجدرة أن: "قصة فريال فانون، فهي تُشبه قصة بوعلام صنصال لأنها كانت تُؤسس إلى التَّزوير والتَّلفيق، إذ جعلت من عبد العزيز بن ڨانة الخائن السَّفَّاح؛ رجُلاً طيّباً وغيوراً." ص 57. ويذكر رشيد بوجدرة أيضاً؛ أنه "من بين الكُتاب الذين زنوا في التَّاريخ وعاثوا فيه فساداً يسمينة خضرة" ص 58. وينتقد روايته (ما يفرضه النَّهار على اللَّيل - Ce que le jour doit à la nuit, 2008)، يقول: "تصب هذه الرِّواية في نهر الاستيهامات التي تنفي ضمير بعض الأشخاص الذين لا زالوا يُكنون حنيناً كبيراً للقوة الاستعمارية الغاشمة التي أرهقت الشَّعب الجزائري وأدت إلى المقبرة والمجاعة والمشنقة." ص 59. ويضيف: "وعندما نُشاهد بعض الرِّوايات وبعض الأفلام تُغيِّر الحقيقة التَّاريخية رأساً على عقب، نفهم عندها أنّ مرض الاستعمار وعُقده المختلفة تؤدي بالكثير إلى نوعٍ من الانطواء الانتحاري واختيار الآخر الغاشم ضدَّ المواطن الغيور مهما كان أصله ودينه. ذلك أنَّ كراهية الذَّات كما يُسمِّيها فرانتز فانون تؤدي إلى كراهية الآخر وتكوِّن نوع من العُنصُرية الذَّاتية والموضوعيّة وبكلمة أخرى وشعبية فإنّه (ما يُنكر أصله إلّا الكلب). وبعبارة أخرى كذلك (مَن يَفقد هويته فقد يَفقد عقله)." ص 63.

- وفي المقال السَّادس؛ يتحدث رشيد بوجدرة عن (وسيلة طمزالي - Wassyla Tamzali) وروايتها (تربية جزائرية -Une éducation algérienne. De la révolution à la décennie noire, 2007)، "حيث قدمت أطروحة غير منطقية وكاذبة، ذلك أنها زعمتْ (في الرِّواية) أنَّ أباها أُعدم خطأً - من جبهة التَّحرير الوطني في بجاية - وأنَّ عائلتها استلمتْ رسالة اعتذار وندم مِن (أعميروش) القائد البطل الذي كان مسؤولاً على الولاية الثَّالثة، في تلك الفترة. لكنها زعمتْ، كذلك، أنَّ الرِّسالة قد ضُيِّعتْ في ظُروفٍ غامضة!.. ومرةً أخرى شاهدنا النِّفاق الاجتماعي وطمس التَّاريخ الوطني وفبركة تاريخاً مزيفاً يُغطي كُلَّ ما قامت به الثَّورة المجيدة" ص 69.

- وفي المقال السَّابع؛ يُصرح رشيد بوجدرة بموقفه من الغرب دون مواربة، فيقول في الصفحة 71 : "إنَّ العالم الغربي الذي شَنَّ استعماره ضِدَّنا ولفَّق تاريخنا وغطَّى عن جرائمه وزنى في كُلِّ مقوِّماتنا وشخصياتنا وضَرب عرض الحائط ذاتنا وديننا ولُغتنا وهويتنا، كما أنَّه دنَّس مبادئنا الأساسية وأصبح يتخبط في نوعٍ مِن الخلط والجلط والعشوائية التي تجعله يُخرب بلداناً بأكملها، مثلما هو الأمر بالنسبة لحروب الشَّرق الأوسط.. هو هذا الغرب الخبيث والمُتغطرس الذي أصبح يتخبط في أزمة اقتصادية لا نهاية لها." ص 71. ويضيف معبراً عن رأيه في الغرب: "وقد فقد هذا الغرب المُتغطرس كُلَّ أُسسه وكُلَّ شعاراته النَّبيلة وأصبح مهوساً بزعزعة وزلزلة وتخريب الدُّول النَّاشئة وهي في طريقها إلى تأسيس الدَّولة الوطنية وذلك بمساعدة بيادقه وأقزامه المحليين. ولهذا فهو يغتنم الفرصة لتلطيخ وتهجين تاريخنا." ص 72.

ويواصل رشيد بوجدرة كشف حقيقة (زُناة التّاريخ) سياسياً؛ فينتقد موقف (ألبير كاموAlbert Camus ) من الجزائر والثَّورة التَّحريرية المُباركة، فهو قد عارض مفهوم الجزائر قائلاً : "أن مفهوم الجزأرة هو نفسه غير موجود وسوف لن يوجد أبداً." ص 74. كما أنه عارض اللَّجنة التي كوّنها (جون بول سارتر Jean-Paul Sartre) في شهر نوفمبر 1955 وسمّاها (الحركة ضد حرب الجزائر)، فقد "كتب إلى صديقه روني شار René Char : (لقد رفضتُ توقيع البيان الذي وضعه جون بول سارتر ضد الحرب في الجزائر، لأن هذا البيان مملوء بكراهية الوطن والجبن والانهزامية. وفي هذه الأيام يُهيمن في الجزائر مناخ إرهابي مملوء بالخوف والرُّعب، فلا بُد من إخراج أمي من هذا الجحيم الذي يُنظمه ال FLN). وهنا ومن خلال هذه الرِّسالة يفضح ألبير كامو نفسه ويُعلن على وجه الملأ أن جبهة التَّحرير الوطني منظمة إرهابية! وأمام كُلّ هذه الأدلة، كيف يُمكن محو الكراهية التي كان يُكنها ألبير كامو للثورة المُباركة؟" ص 75. فقد "كان يُحارب فكرة الاستقلال الجزائري" ص 76. وقد "كتب سنة 1957 مقالاً في جريدة (لوموند Le Monde) : (إن استقلال الجزائر هو مُجرّد صيغة مُتعصِّبة ومُجرّد بيان لتأسيس الإمبريالية العربية الجديدة)." ص 78. ويُصِر رشيد بوجدرة على القول "إنّ كامو كان مُتعصباً لأهله والأقدام السُّود وكان عُنصُريّاً فضيعاً" ص 81.

ويختم رشيد بوجدرة موقفه من (ألبير كامو Albert Camus) مبيناً بأنه موقف سياسي وليس موقفاً أدبياً؛ قائلاً: "أما في مجال الأدب الخام، فإنّ ألبير كامو كاتباً كبيراً موهوباً ونحن لا نلومه على هذه الكفاءة وإنّما على عُنصُريته وكُرهه للوطن العزيز. وكما قال أحد النُّقاد : (كامو ليس جزائرياً وليس فرنسياً. فهو من الأقدام السُّود، فقط!)" ص 83.

- وفي المقال الثَّامن؛ يعتبر رشيد بوجدرة أن الإرهاب هو صنيعة غربية فيقول: "أنَّ الإرهاب الذي صمَّمته وأنجزته الدُّول الغربية أي (الولايات المُتحدة الأمريكية وأوروبا) في السَّبعينيات خلال مُخابراتها السّرية وبشراكة العربية السّعودية وبلدان الخليج. غيّر مكانه وأصبح يضرب في عقر دار البلدان الغربية نفسها." ص 86. ويضيف "إنَّ الاستعمار الجديد حاول ولا زال يُحاول استغلال البُلدان التي كان يُهيمن عليها ويَستعمل في محاولاته هذه الفِئة القليلة من المُثقفين و(المُخبيرين المَحليين) الذين تُبهرهم الشِّعارات الامبريالية المُغرضة والدِّعاية لليبيرالية - الاقتصادية - التي أفقرت، حتى كذلك، الشُّعوب الغربية نفسها لفائدة الأثرياء." ص 87.

كما يواصل رشيد بوجدرة جلد (زُناة التّاريخ)؛ فيذكر منهم أيضاً؛ (سليم باشيSalim Bachi ) الذي صرح ذات يوم في إحدى القنوات أن "الجزائر ديكتاتورية رهيبة" ص 89.

كما ينتقد رشيد بوجدرة المخرجين وإنتاجاتهم السينمائية دون أن يحدد الأسماء؛ فيرى أن "في العشرية الأخيرة، ظهرتْ كذلك مجموعة من المخرجين تحاول طمس الحقيقة التَّاريخية والاجتماعية الجزائرية وتزيِّفها إلى حدِّ الرِّياء." ص 89. و يضيف أن "هؤلاء المخرجون هُم كذلك من زُناة التّاريخ الذين عاثوا فيه فساداً ودخلوا في عصابة المُرتشين الذين يُبددون أموالاً كبيرة من خزينة الدَّولة!، فهذا الصَّمت الرَّهيب وهذا الغِشّ في قراءة التَّاريخ الجزائري هو السَّبب الأساسي الذي فتح الباب لِكُلِّ زُناة التّاريخ ليعبثوا فيه ويمسخونه حسب إرادتهم وإرادة أسيادهم في الخارج." ص 91.

- وفي المقال التَّاسع؛ يقول رشيد بوجدرة : "إنّ ما ينقصنا في الجزائر هو وجود نُخبة حقيقية ونزيهة وبعيدة عن الرّشوة والتَّلفيق والكذب لصالح السُّلطة أو لصالح الأجنبي. وما ينقصنا هي الدِّقة والإرادة والعلاقة العشقية مع الفن والإبداع، بشرط أن ننغرس في الوعي الاجتماعي ونطرح كُلّ مشاكل الإنسان الجزائري بجودة ونزاهة وإخلاص." ص 93. كما يتحدث رشيد بوجدرة على الفن والإبداع، ومكانة المرأة، وعن الاستلاب الحضاري الذي يحجب الحقيقة عن بعض الكُتاب، ويُدافع عن اللغة العربية وما تحتويه من حضارة عظيمة وعلى اللغة الأمازيغية، مستنداً على قول (هيدڨار) الفيلسوف الألماني: (أن اللغة هي منزل الكينونة) ص 97. ويُحذر من الاستعمال السِّياسي للغة الفرنسية فيما يُسمى ب (الفرنكفونية) "وهي وسيلة خبيثة لإيصال الاستعمار الجديد إلى عقر أذهاننا ووعينا وديارنا." ص 97. ويُضيف "أن الفرنكفونية هي نوع من الامبريالية لأنها تُستعمل لجلب الآخر و(تنويمه)." ص 97.

كما تحدث عن الصَّحافة الخاصة والقنوات التّلفزيونية الخاصة، ذاكراً أنها غيَّرت اتّجاهها السِّياسي ودخلت في (البيع والشِّراء) وهوس الإشهار وتدهور مستواها إلى حدِّ الرِّياء فأصبحت تمثل إعلاماً رديئاً، وأنها تهتم بالفضائح والجنسيات والماكياج. كما جاء في الصفحة 99. ونَبَّه إلى خطر تقُلُّص مساحة الثَّقافة والكتاب والمقروئية في الجزائر. ولكنه لاحظ "أنَّ المواطن عندما يملك روح الإطلاع فيما يَخُص تاريخنا. فيغتنم زُناة التّاريخ الفرصة لعرض سلعهم المغشوشة، إذ لم تكتفِ المقروئية عندنا بكتبٍ تُحرف التّاريخ مثل علي بومهدي الذي نَظَّرَ لِفكرةٍ مفادها أن ديڨول هو الذي قدم للجزائر استقلالها كهدية.. فانتشرت الرِّدَّة السِّياسية والرّشوة الفكرية من خلال هذا العبث." ص 101.

- وأخيراً في المقال العاشر؛ يذكر رشيد بوجدرة السَّبب الذي دفعه إلى تأليف هذا الكِتاب الهجائي (زُناة التَّاريخ)؛ قائلاً: "لقد قررتُ كِتابة هذا (الهجاء) بعد فضيحة فريال فورون من سُلالة قبيلة بن ڨانة وهي (تُؤَلِّه) سلفها عبد العزيز بن ڨانة (ملك الزّيبان) على حسب قولها، إرادةً مِنِّي في تنقية التَّاريخ الوطني الذي لطَّخته الأيادي القذرة، وما كتبه (بوعلام صنصال) و(علي بومهدي) و(سليم باشي) و(كمال داود) و(ياسمينة خضرة) و(وسيلة طمزالي) وغيرهم، وقد أرادوا أن يجعلوا من (ألبير كامو) جزائرياً أكثر جزأرة من الجزائريين وهو الَّذي نشر روايته الأولى (الغريب) بِرُخصة القيستابو، سنة 1942. أي في الفترة النَّازية التي كانت تُسيطر على مدينة باريس، وذلك في خضم الاحتلال الألماني. فحاولتُ أن أُبرهن أن هؤلاء الأشخاص يُعانون من مرض عضال سمَّاه (فرانتز فانون) بِعُقدة كراهية الذَّات. كتبتُ هذا (الهجاء) أمام صمت أغلبية الصَّحافة الوطنية وأمام جُبن بعض المُثقفين الّذين أداروا رؤوسهم أمام هذه (الخبائث المُخبَّأة) وبقوا في أماكنهم راضخين ورابضين وأمواتاً! صنَّفتُ هذا الكتاب لِمُحاربة الرَّقابة التي يُسلِّطُها علينا بعض الصَّحفيين ومثال ذلك أنَّني مُنِعتُ من الكتابة من طرف شخص يُسمى أمزيان فرحاني وهو المُشرِف على المُلحق الثَّقافي لجريدة الوطن النَّاطقة بالفرنسية والَّذي محى اسمي بطرقة خبيثة وذلك منذ عشر سنوات بأكملها! ولا يزال يُسَلِّط رقابته عليَّ. صنَّفتُ هذا الكتاب للدِّفاع عن وطن أصبح هشاً ونخاف عليه." ص 107. 108.

كما بيَّن للقارئ؛ المؤامرة - حسب تعبيره -  التي تعرض لها من طرف قناة النَّهار في حصة (الكاميرا المخفية) في ماي 2017.

- وختاماً؛ يختم رشيد بوجدرة كتابه الهجائي (زُناة التَّاريخ) بتعقيبات؛ عَلَّقَ فيها على النَّجاح الذي حققه هذا الكِتاب، قائلاً: "إن إرادتي كانت تستهدف الجمهور الجزائري حتى يستفيق من غفوته وهو يشهد ويُشاهد تزوير تاريخه العظيم من طرف الذين أسميتهم (زُناة التَّاريخ) والذين يعيثون فيه فساداً بكل تهور وبكل غطرسة وذلك لكسب المال والشُّهرة ولكسب - كذلك - رضاء المُستعمِر القديم. وهو المُستعمِر الفرنسي الذي لا زال يبحث عن شرعية تمحي كُلَّ جرائمه وكُلَّ اغتصاباته وكُلَّ همجيته التي تتراكم - في الحقيقة - داخل وعيِّه ولا وعيِّه." ص 111. ويُضيف "أما أنا فقد أردتُ من خلال هذا الكِتاب (زُناة التَّاريخ) تقديم إنذار بالخطر الذي يُهدد الوطن والمجتمع بعدما صَمتُ مدة عشرية كاملة أمام هذه الانحرافات وهذه الإنجرافات التي تجاهلها بعض الأصدقاء والمناضلين.. فالقضية إذن وبالنسبة لي هي قضية مرضية اسمها الاستلاب السِّياسي والأخلاقي والنَّفسي، وهي كذلك تجرُّ من ورائها الانحطاط الاجتماعي والشُّذوذ الوطني." ص 126.

- رشيد بوجدرة : من مواليد 05 سبتمبر 1941 بعين البيضاء، شرق الجزائر. درس الفلسفة والرِّياضيات في جامعة الجزائر، وفي جامعة السربون بفرنسا. تفرغ للكتابة سنة 1972 فخاض حقل الرِّواية والشِّعر وكتابة السيناريو، يكتب باللغتين العربية والفرنسية، نالت أعماله جوائز وطنية وعالمية وترجمت إلى 43 لغة.

***

أ. السّعيد بوشلالق

في المثقف اليوم