قراءات نقدية

الصورة الواقعية في قصيدة "فاطمة الرفاعي"

السيد الزرقانياستمرارا لتقديم الأقلام الشعرية الجادة والمتميزة اسمحوا لي أن أقدم ذاك الصوت الشعري المتميز، الذي اكتسب النضج في سيرتها الإبداعية عبر تجارب عديدة أنها الشاعرة "فاطمة الرفاعي" التي تخطو في محراب الشعر بخطي ثابتة بما تمتلكه من ثقافة واداراك ميزها عن قرينتها في ذات المجال، فاطمة الرفاعي ليست شاعرة فقط فهي كاتبة صحفية اكتسبت ثرائها اللغوي من تلك التجارب الصحفية الطويلة واليوم نقدم لها قصيدة "لا تدق الباب " وأنا أراها تمثل مرجله النضج الشعري لها وان عليها أن تحافظ علي ما وصلت إليه في درب الإبداع الشعري وان الاوان ان نري لها إصدارها الشعري الأول، وتلك القصيدة هي حالة فريدة في ذاتها، فالشاعرة رسمت في مطلع قصيدتها صورة للمسرح الشعري ليكون عتبة الانطلاق بما لديها من ابداع البداية من عنوان القصيدة " لا تدق الباب " إذا هناك حوار بين طرفين احدهما الشاعرة والأخر هو قادم مجهول لم تفصح عنه وظل طوال القصيدة محور تساءل لدي المتلقي من هو؟

" لا تدق الباب " الرسالة واضحة ما بين من سيأتي ومن يقيم بمفرده خلف " الباب " الذي يمثل بابا للمسرح، بابا للحلم، بابا للقلق، بابا للخوف من المجهول، الشاعرة تأخذنا في علاقة مختزلة بين ذاك الحيوان الأليف الذي استأنسه الإنسان منذ القدم وتلك العلاقة التي تحولت الي صور مفزعة في الوقت الحاضر لدي من تدنت ثقافته البيئية والحيوانية بل والإنسانية، بشكل غير مسبوق لدي البشر، الشاعرة نجحت بتفوق بالغ علي نفسها في رسم تلك العلاقة الغير متوازنة بين طرفين حيث نجدها في البداية تقول :-

لا تدق الباب

أنا لست هنا

فى البيت قطة خائفة

تتحاشى ركلات الناس

أسفل سرير مهجور

أغطيته تحتضن الأتربة

- وتنتقل بنا الشاعرة في خفة لا نشعر بيها من مكان إلي أخر خلف هذا الباب الفاصل بين عالمين مختلفين، احدهما يعج بالبشر والتصارع والتشاحن وأخر لم يبقي فيه إلا تلك الذكريات ربما كانت جميلة في يوم ما وربما كانت العكس حيث تقول :-

لا تدق الباب

فالصمت يطارد الذكريات

والتجارب أشباح

وكل مصابيح البيت مهشمة

تمهل

لا تدق الباب

فالريح تحرك شباكى المكسور

وشموعى التعيسة تبكى دموعا

تنتظر لحظة خلاص

- الشاعرة "فاطمة الرفاعي " تمسك بزمام لغتها الجمالية من خلال هذا اللحن الشعري الهامس والمتحرك صوب الصور الجمالية التي أتقنت التحرك من خلالها، تنتقل بنا من صور الخيال إلي صورة الواقع أنها امرأة وحيدة تجلس خلف سباكها المكسور وتلك إشارة إلي روح انهزامية تسكن مكنون تلك المرأة، أمسكت خيط الإبداع لترسم لنا صورة واقعية لحال تلك المرأة المقهورة حيث الشعر الاشعس والحال البائس الذي تعيش فيه حيث تقول :-

لا تدق الباب

فبالداخل امرأة ثائرة الشعر

نسيت مكان مشطها

تتعثر فى مكحلتها المكسورة

تتحدث كثيرا إلى نفسها

وإلى أوهام تظنها أشخاصا مقربة لها

المجنونة لا تكف عن الثرثرة

شاعرتنا " فاطمة الرفاعي تنتقل بنا من عنصر المكان الي عنصر الزمن الواقف عن تلك المرأة التي استهوت الثرثرة مع نفسها حتي تحولت من إنسانة عاقلة إلي امرأة محطمة تفقد الرغبة في الحياة، بسبب ذاك التحول الاجتماعي الذ قهر بداخلها تلك الأحلام التي ظنتها في يوم من الأيام انه حق مباح لها إلا أن هذا التحول الاجتماعي والاقتصادي ربما السياسي أيضا، اجبرها إلي الهروب داخل هذا النفق المظلم لتصرخ في وجه العالم انا لست هنا، قمة المأساة الإنسانية أن يفقد الإنسان إنسانيته في وقت،ويقبل بشغف علي الهروب إلي لا شيء أنها قمة العبقرية من الشاعرة في رسم تلك الصورة المأساوية للذات المحطمة حيث تقول :-

لا تدق الباب

فساعتى المعطلة يسكنها جنى

كلما دق الباب

دقت

ودقت

ودقت

يتعالى الدق

ويفر الزائرون

ترتعش أقدامهم

لا تدق الباب

اتركنى

أنا لست هنا

الشاعرة تمتلك من الخيال الفني ما يجعلنا نحلق معها في دور شعرية في غاية الجمال والإبداع فهي تمتلك تلك المهارة التي تجعلها ترسم بالكلمات أجمل اللوحات التعبيرية من خلال هذا الخيال الخصب مما جعل قصيدتها عبارة عن لوحات تشكيلية تتجانسن فيها الألوان بيد فنانة رقيقة المشاعر

وأخير ان إصرار الشاعرة علي كسر النمط المألوف بين أقرانها أعطاها تميزاً شعرياً وأن كانت مازالت في مفتتح الطريق الصعب بين المبدعات وتحتاج كثيراً إلي ثقل تلك الموهبة وتعدد أفكارها من خلال وعاء ثقافي هي قادرة علي الخوض في مناهله والاستزادة منه حتي تبلغ العلي ولكني أؤكد أنها تمتلك تلك المقومات التي تأخذها إلي مبتغاها في درب الإبداع الشعري

 

د. السيد الزرقاني

كاتب وناقد أدبي – مصر

 

 

في المثقف اليوم