أقلام ثقافية

أقلام ثقافية

ضمن مجالات الفن والذهاب في دروبه كانت بدايات الفنانة التشكيلية منيرة بن حميدة التي رغبت في الفن والتلوين تلقائيا منذ الصغر حيث كانت ترنو لما هو جميل كما تقول وتميل لرسم كل حالات البهاء وفق شعور داخلي يغمرها باعتبارها تنتصر في اختياراتها الفنية لكل ما هو يعبر عن تناسق في الألوان من مشهديات وأحوال ولباس مواضيع أخرى.. وتطور ذلك الى موهبة في الموضة والتصميم حيث تلقت تكوينا في هذا المجال لتبتكر عددا من التصميمات الأنيقة وبالتوازي مع الدراسة في مجالات التصميم والموضة والابتكار الجمالي في كل ذلك  كانت ممارساتها الفنية في الرسم التي بدأت بلوحة عن الزهور وتتالت أعمالها لتميل اثر ذلك الى ما هو غائم وغامض جماليا و.. الى التجريد الذي وجدت فيه عالمها فقد تنوعت أعمالها لتكتشف الكثير في ممارستها الفنية التشكيلية حيث كانت مشاركاتها في المعارض المتعددة بتونس والجزائر وفي دبي وكانت لها مشاركة مميزة مؤخرا بأعمال فنية ضمن المعرض الجماعي للفنون التشكيلية بعنوان " قلق " بفضاء

" الرواق " بسوسة.. هي تنشط وتعرض وتواصل حراكها في عالم الفن الذي أضاف لها الكثير كما تقول ".. الفن أعطاني التعبير والحرية والقول بما في داخلي من أحاسيس وتفاعلات هي في أعماقي ووجدت في الرسم ملاذا لأعبر عنها بقوة وبجمال.. أنا افتككت حياتي الفنية وضحيت بالكثير فالفن هو ملاذي وعالمي الرحب ومتنفسي الرائق والأنيق.. والرسم هو بهذا الشكل ومن خلال تجربتي علاج وابراز لمخزون وبكل جهد وحب وحرقة وتحد.. فالرسم عشقي وكذلك الموسيقى التي ترافقني عند مواجهة اللوحة.. الرسم هو الحلم بالنسبة لي والرسم أيضا هو عملية هروب مما هو مرهق ومدمر.. هو هروب جميل من ضغوط شتى.. والرسم هو جمال آخر نشعر به في لعبتنا الجميلة مع الألوان أثناء الرسم.. الفن عموما يمثل لي ملاذا وفرحا ومتعة بصرية لا تضاهى وهو كياني بعد مسيرة حياة متعبة.. الرسم وممارسة الفن يجعلان من الفنان طفلا على الدوام وأنا أعيش هذا الشعور.. الفن فسحة جميلة ورائقة بالنسبة لي ولي عديد الأعمال التي هي موجودة من سنوات كما أنني أعمل الآن على الأعمال الجديدة حيث أعد لمعرضي الشخصي بداية سنة 2024 وأتمنى أن يكون شاملا في ما يقدمه من فكرة عن تجربتي الفنية لسنوات.. ".

الفنانة منيرة تمارس فنها بروح طفلة وبشموخ فراشة وبرغبة طيور لا تلوي على غير التحليق عاليا وبعيدا في سماء شاسعة الجمال والنظر و.. الأحلام. معرضها القادم يضم عددا من لوحات تجربتها خلال سنوات وسيكون بفضاء للعروض الفنية التشكيلية بالعاصمة وخلال شهر جانفي من العام الجديد.

***

شمس الدين العوني

عندما قرأت كتاب "اعمل أقل تنجح أكثر الكسل هو سر النجاح " للكاتب الكندي إرني زيلنسكي شدني محتواه والأفكار الإبداعية التي يزخر بها وقرأته أربع مرات منها فكرة الكسول المنتج فهو يدعو في هذا الكتاب إلى العمل بإبداع وليس بكثرة الجهد فليس دائما المجهود الكبير يعطي ثماره ومع فلسفة الكسل المنتج نجد كثيرا من الكتاب والفلاسفة عبر العالم بتبنون اسلوبها ...

فهذا  الكاتب البريطاني جيروم كلابكا جيروم في كتابه “أفكار تافهة لرجل كسول ”  كتب عن حبه للكسل  قائلا: ” إنني أحب الكسل عندما لا يصح أن أكون كسولا، لا عندما يكون الكسل هو الشيء الوحيد أمامي، فمن المستحيل أن تتمتع بالكسل كما يجب دون أن يكون لديك عمل كثير، ليس ثمة متعة في ألا تفعل شيئا إن لم يكن لديك أصلا ما تفعله، إن تبديد الوقت سيكون مجرد تأدية واجب وسيكون مرهقا.. الكسل كما القبلة لا يستحب إلا خطفا”.

وعندما نتحدث عن فلسفة الكسل عند الكتاب والمثقفين  يبرز اسم روائي مصري كبير هو ألبيير قصيري، الذي طالب للجميع بـ”الحق في الكسل”

".كانت فلسفة ألبير قصيري في حياته هي فلسفة الكسل، لم يعمل في حياته وكان يقول انه لم ير أحدا من أفراد عائلته يعمل الجد والأب والأخوة في مصر كانوا يعيشون على عائدات الأراضى والأملاك، اما هو فقد عاش من عائدات كتبه وكتابة السيناريوهات، وكان يقول (حين نملك في الشرق ما يكفى لنعيش منه لا نعود نعمل بخلاف أوروبا التي حين نملك ملايين نستمر في العمل لنكسب أكثر).

عمل في البحرية التجارية ما بين عامى 1939 و1943 مما أتاح له زيارة العديد من الأماكن منها أمريكا وأنجلترا، زار فرنسا لأول مرة عندما كان في السابعة عشر من عمره قبل أن يقرر أن يستقر فيها في عام 1945م وكان حينها في الثانية والثلاثين.

عاش ألبير قصيري طوال حياته في غرفة رقم 58 في فندق لا لويزيان بشارع السين بحى سان جيرمان دو بريه منذ عام 1945م وحتى وفاته، وأختار العيش في غرفة فندق لأنه كان يكره التملك حيث كان يقول (الملكية هي التي تجعل منك عبدا).

تزوج ألبير قصيري من ممثلة مسرحية فرنسية ولكن لم يدم هذا الزواج طويلا وعاش بقية حياته أعزب وحين كان يسأل عن السعادة كان يقول أن أكون بمفردى.

تعرف ألبير قصيري في فرنسا على ألبير كامى وجان بول سارتر ولورانس داريل وهنرى ميللر الذين أصبحوا فيما بعد رفقته وصحبته اليومية طوال 15 عاما في مقهى كافيه دو فلور.

أصيب في عام 1998م بسرطان في الحنجرة حرمه من حباله الصوتية بعد عملية اجراها لستئصاله وفقد القدرة على النطق، وكان يجيب على أسئلة الصحفيين كتابة.

لم يطلب ألبير قصيري الحصول على الجنسية الفرنسية على الأطلاق وكان يؤكد (لست في حاجة لأن أعيش في مصر ولا لأن أكتب بالعربية، فإن مصر في داخلي وهى ذاكرتى)"(1)

وقد كتب المفكر الفرنسي بول لافارغ كتابا بعنوان" الحق في الكسل"  وكان مقربا من كارل ماركس تزوج ابنته لاورا وكان هذا المفكر ينتقد فكرة العمل لساعات طويلة ..

فثمة " مفارقات تدعوه لاقتراح نظام عمل لا يتجاوز الثلاث ساعات في اليوم، وهو كافٍ في نظره لكي يربح الجميع: العمّال وأرباب العمل، وكذلك الطبيعة، التي يربط بين عافيتها وعافية العمّال، فالأرض، مثلهم، ترتاح حينما يخفّ الإنتاج. وهو في مقولاته هذه يُعَدّ من طليعيي الفكر البيئي النقدي، الذي يدعو إلى حلول كتلك التي دعا إليها لافارغ في زمانه"(2)

فيا أصدقائي الكتاب خففوا من ضغط العمل وحافظوا على صحتكم باتباع فلسفة الكسول المنتج أي اكتبوا بإبداع وليس بجهد وفكروا خارج الصندوق وركزوا على الإنجازات التي تأخذ منكم عشرين بالمائة من وقتكم وتعطيكم ثمانين بالمائة من النتائج الإيجابية...

***

الكاتب: شدري معمر علي - الجزائر

..........................

المراجع:

1- وكيبيديا

2-الحق في الكسل بول لافارغ مفككا مبادئ المجتمع الصناعي، العربي الجديد.

 

بلا شك تختلف ذهنية الفنان والكاتب والروائي والشاعر عن غيره وهو لا يفكر ولا يتخيل بطريقة متشابهة مع الآخرين، هو أمر يرافق كل مهنة، لكن في كل الأحوال هل نحن نفهم بدقة كل ما يدور في القيعان العميقة..؟ في لحظة حنين قد تفتح ألبوم صورك أو قد ترى لوحة أو صورة صدفةً لطبيعة هادئة وصامتة ولا أثر لبشر، أو انقاض منزل، أو بيوت مهجورة، تقف صامت وتعيد ذاكرة المكان والزمان..، لكن ما تركته فينا من طيف واسع من الصور.

لا يصدق. قد ننتقل الى ذكرى في طفولتنا أودولة ما او شوارع ووجوه ومباني عمارات، هل صحيح نرى الاشياء بنفس المستوى من الرؤية..؟لكن فجأة بزغت في الذاكرة

عندما نقف أمام منزل مهجور مثلاً لا يثير فينا جميعاً التداعي نفسه، ربما نرى أطيافاً عابرة تخطف عن بشر لم يعودوا هنا لكنهم تركوا هذه الانقاض، ولكن تركوا لنا الذاكرة وتركوا لنا الحنين ليكون عنوان المنازل المهجورة.والصراعات علي أرث من الأنقاض..،  في ليلة صيف قمرية في  قريتنا في الليل شوارع مضاءة

بمصابيح خافتة وصامتة. استوقفني مشهد لمنزل مهجور، ومنزل من الأنقاض، في لحظة من ذاكرة الحنين حضرت الوجوه والأمكنة الغائبة في صورة طبيعة صامتة..؟

فإذا كنت على حافة الريف أو البحر اذا كانت حياتك واسعة ولست سجين اربعة جدران وفي هذه الحالة ستتمتع باقوى ذاكرة لاتفه الاشياء المحدودة.في نظر الأخرين..،، لماذا تتحفز الذاكرة من صور او منظر؟ما الذي يحدث من تحايل في الذاكرة..؟

يحدث ان يدفعك الصدفة الي مكان خارج الوطن او صورة الى أن تسافر عن طريق قطار تتذكر قطار الشرق الفرنساوي في مرحلة الدراسة من قريتك الي مدينتك وهو يقطع السهول المشرقة بين مدينة/ وارسو البولندية وبرلين في المانيا /، واتذكر وجه من خلف زجاج نافذة قطار عابر يلوح عبر النافذة، وحقول القطن والذرة والقمح،،

يلتصق بك كما لو تبحث عنه، وانت في مرحلة ما من شبابك عن أي شيء نبحث.. في هذا العمر؟ هناك شيء مفقود ننساه او نتهرب منه او حتى لا نعرفه لكنه يطاردنا ونحن لا نصغي للذاكرة المشفرة... هناك اجيال تبحث عن هوية جديدة وثوب جديد ترتدية في عصر القطط السمان والرأسمالية المتوحشة وتحاول أن تهرب من الماضي لكنها تعيش عصور التية وتحاول أن تعيش بالأقنعة المزيفة ولكن تجدها مصابة بأمراض السيكوباتية في بحثها عن أشياء مفقودة ... !

***

محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث مصري

متخصص في علم الجغرافيا السياسية

يطول الطريق ويمضي العمر، وتموت الأحلام بين الأشواك. تأخذنا الحياة في رحلة معقدة، بداخل الألم والعذاب المرير. تدخلنا في متاهات لا نهاية لها. وترسم لنا جسراً بين الحقيقة والخيال، تأخذنا احاسيسنا إلى هذا الجسر، فنصعد بلا تردد. لكننا في منتصفه ...نقع

تدخل أرواحنا بحالة إدراك للواقع، فنفقد الشغف في تفاصيل الحياة. يالها من مسرحية مشوّقة. تقود الأصحاء فيها إلى الجنون. تفرض عليهم أدوارًا غير منطقية تضع أمامهم السعادة على طبق طائر فلا يمسك بها أحد...

لم أختر أن أشارك بهذه المسرحية لقد وجدت نفسي على خشبة المسرح دون سابق إنذار... وجدت بقربي مجموعة من الوحوش تتاجر بضمائرهم للبقاء على قيد الحياة. رأيت العديد من الأيادي التي صفقت للباطل. كانت تحمل في يديها سيوفًا مسنونة. تقطع بها لسان الحق ...

لقد أخضعتني هذه المسرحية اللعينة. لا زلت مجبرة على الاستمرار والخضوع لدوري، وسأبقى مجبرة على هذا، لأن وجودي على هذا المسرح لم يكن من اختياري. وبهذا استنتج بأن النهاية... ليست بيدي أيضًا. كل ما علي فعله... هو المحاربة. يجب أن أحارب كل شيء بلا رحمة

وأول الأشياء هي أحلامي الوردية!!

لقد كذبت الشعائر الإنسانية، وسقطت سطور الروايات الرومانسية. و تهشّم وجه الحرية...

لن أسجن بين قضبان الأمل، ولن أخضع لهذه الخدع السحرية.

استيقظي يا صغيرة... إن العمر يمضي... والمسرح ممتلئ بالوحوش.

والبقاء للطغاة فقط ...

***

جويل جرجوس

 

عادتي في القراءة مختلفة من كتاب إلى كتاب فثمّة كتب أقرأها بسرعة وأستوعب ما فيها وأنا أتجول بين رفوف معرض الكتاب وثمّة كتب أكتفي منها فقط بفهرسها لأعلم ما فيها وثمّة كتب أقرأها بين جيئة وذهاب في القطار بين تونس ورادس وثمّة كتب أتركها إلى حين حتّى أكون متهيّئا لمباشرتها وأقوم بحقّها وثمّة كتب لا أنتهي من قراءتها أبدا لأني أعود إليها من حين لآخر وثمّة كتب والحقّ يُقال أكتفي بقراءة بعض فصولها لأعرف ما فيها وقد أعود إليها بمناسبة بحث من البحوث لأنها في أحد مواضيع الاِختصاص وهي عادة تكون من الأطروحات الجادة

 من بين هذه الكتب الجليلة كتاب في نحو خمسمائة صفحة ممتلئة السطور صغيرة الحروف وفي طبعة رشيقة أنيقة  بعنوان ـ عمل الشهادة ودلالتها في نماذج من القصص العربي القديم ـ للدكتور محسن القرسان وهو  في الأصل حصيلة بحث تقدّم به لنيل شهادة الدكتوراة من كلية الآداب بمنوبة بإشراف صديقنا الدكتور العادل خضر وقد نال عليه أعلى درجات الاِمتياز من اللجنة المشرفة برئاسة صديقنا الدكتور محمد الجويلي .

قرأت بعض فصول هذا الكتاب بشغف فبدا لي بحثا معمّقا وشاملا في موضوع الشهادة التي عاد إلى اِشتقاقها اللغوي وفصّل ذكرها منذ ورودها في بعض أبيات من الشعر الجاهلي وتتبّع سياقاتها المتواترة ودلالتها المتنوعة في المجالات الدينية والقضائية والأدبية والتاريخية والاِجتماعية وغيرها وقد فتح آفاق بحثه على المدوّنة الأدبية والتاريخية العربية فأتى على ذكر الشهادة وحلّل مختلف سياقاتها من أخبار ووقائع  وغيرها بتفصيل دقيق معتمدا على ترسخانة كبيرة من المصادر والمراجع المتنوعة الاِختصاصات واللغات أيضا .

هذا عمل جليل لا يُقرأ دفعة واحدة لأنه يتطلب تمعّنا ودراية واِطّلاعا واسعا وهو يشرّف الجامعة التونسية التي ما فتئت تثمر لنا مثل هذه البحوث الجادة جيلا بعد جيل

فتحيّة اِعتزاز وإكبار لصديقنا الدكتور محسن القرسان متمنيا له أن يواصل على هذا النّسق معتنيا خاصة بالمدوّنة الأدبية التونسية الجديرة بالدّرا

***

 سُوف عبيد ـ تونس

 

اتهم أبو الفلسفة سقراط  بإفساد عقول شباب أثينا فتم عرضه على محكمة مكونة من 565 قاضيا. تحدى سقراط المحكمة بقوله "اعلموا أيها القضاة أنكم إن أخليتم سبيلي في هذه الساعة فإني عائد من فوري إلى ما كنت عليه من تعليم الحكمة" فحكم عليه بالإعدام.

رفض سقراط الهرب من زنزانة الإعدام بعدما أتاح له البعض من تلامذته وبصفة خاصة الأوفياء منهم فرصة الهرب.

عندما أصدر عليه الحكم تقبله بهدوء..رفض طلب العفو وقد أتيح له ذلك.

لو هرب سقراط من سجنه المادي لسجن نفسه في سجن من نوع ٱخر، لو اعتذر عن دوره في إنارة العقول لعاش نادما.. لو فر  لما أمكنه أن يواصل شغفه بالتفكير النقدي..لقضى بقية حياته هاربا، خائفا.

 وكما نعلم جميعا فالخائف لا يفكر.

لقد أدرك في قرارة نفسه أن الهرب يعني أنه سيدمر كل ما بناه.

أعدم سقراط وبقي أثره خالدا.

لقد علمنا هذا الفيلسوف أن الشجاعة ليست شجاعة القول بل شجاعة الفكر. أن تكون شجاعا لا يعني أن تتشدق بل  يعني أن تفكر..أن تفكر يعني أن تتخطى جدران ما يسجنك في بوتقة الجماعة، ما يصيرك  جزء من القطيع، لا يتأمل ولا يتساءل.

برغم الاختلافات بين المعرفة التي أسس عليها سقراط فلسفته وبين الرواقيين الذين يرون أن الفلسفة نوع من الممارسة أو التدريب  أي أن الدليل على إدراك الفرد يتمثل في تصرفاته وأعماله وليس في أقواله، إلا أنهما يتوافقان من حيث الغاية من الفلسفة.

 أسست الفلسفة الرواقية نفسها لغاية مساعدة الناس على عيش أفضل حياة ممكنة. تعرف الرواقية بأنها فلسفة الحياة التي تساعد على تطوير المشاعر الإيجابية والحد من المشاعر السلبية.

 الفلسفة عند الرواقيين لا تنحصر في ما هو نظري بل  هي فن الفضيلة ومحاولة تجسيدها في الحياة العملية.

من منظور المذهب الرواقي فإن العالم جميل وكل ما يحدث فيه هو لخير الجميع.

صحيح أننا تعودنا أن نختصر كل ما يحدث في الشر الظاهر لكن نحن نتناسى دائما أن الشر من زاوية أخرى هو خير ما.

منذ حوالي 2000 عاما كتب الفيلسوف الرواقي سينيكا  رسائل شكلت رائعة من روائع الفلسفة القديمة في فترة اعتزال الفيلسوف السياسة خوفا من بطش الإمبراطور، وقد كانت نهايته أكثر إيلاما وضراوة من نهاية سقراط.

 يقول سينيكا«..ما يجعل الأمور تبدو مخيفة عمّا هي عليه في الحقيقة، هي أنها غير مألوفة بالنسبة لنا. ولعلّ التأمّل المتواصل، سيضمن لك، إذا أصبح عادة لديك، أن لا تجدك الصعاب حديثَ عهد بها»

ما أحوجنا ونحن نواجه أكبر  مخاوفنا أن نغير طريقة تفكيرنا فيما يحدث لنا.. أن نعي أن مصدر غضبنا وحزننا يكمن في عقولنا، وأن كل واحد منا مسؤول على طريقة تعاطيه مع كل ما يصيبه..قوام على سعادته أو تعاسته بقطع النظر عن الظروف الخارجية.

فليس من المهم مدى سوء ما نواجهه بل الأهم هو أن نواجه كل الصعاب وكل الٱلام دون التفريط في تماسكنا وثباتنا.

***

درصاف بندحر - تونس

 

الفن عالمه حيث تتعدد الموضوعات لتبرز فيها وضنتها شؤونه وشجونه وهو الذي يمضي مع الألوان يحاورها ويحاولها قولا بالفن في فضاءاته المفتوحة وفي مشهديات هي ديدنه من سنوات في خلال التظاهرات التي يقيمها أويشارك فيها وهي على صلة بالفنون التشكيلية والثقافة وفي مساحات ما يمجزه ضروب من التعبيرية التي تغلب عليها نظرته الفنية الجمالية القائلة بالرسم والتلوين لأجل الانسان والجمال والقضايا العادلة وعلى رأسها القضية- الحق الفلسطيني  والتي تفاعل معها بوجدانه من خلال عدد من الرسوم والأعمال الفنية...3932 انور العرفاوي

أنور العرفاوي فنان تشكيلي ورئيس جمعية التظاهرات الثقافية بفوشانة  التي تقيم  مهرجان فن الألوان في دورته التأسيسية الاولى بمشاركة واسعة لعدد من الفنانين التونسيين ويتجه نشاط الجمعيه نحو الإهتمام بالشأن الثقافي بالجهة لتطوير الكفاءات الفنية وتاطير المواهب الشابه في جل الفنون والحرف وايضا تطوير التنمية الثقافية لادماج الفنانين في الحياة العملية والاجتماعية..

الفنان أنور العرفاوي يواصل عمله الفني وتجربته بكثير من الدأب والحيوية حيث الفن لديه رسالة وقيمة وجدانية وانسانية وفق وعي شامل بالانسان وممكنات الوجود الضاجة بما هو ايجابي وفاعل برفعة وسمو في حياة الناس.و تعددت أنشطته في عدد من الفعاليات ومنها ما هو لأجل فلسطين على غرار تظاهرة " فن لا حرب" بفوشانة  لهذه الأيام .. في هذه الحرب المفروضة ظلما وعدوانا على شعب فلسطين الأبي وفي سياق التضامن التونسي والمساندة العميقة لأصحاب الأرض والحق من الأشقاء الفلسطينيين تعددت الفعاليات الثقافية والتظاهرات الفنية في عديد الجهات بالبلاد التونسية وفق عنوان عام هو اسقاط الظلم وعودة الحق الفلسطيني المهضوم من قبل الصهيونية العالمية والغرب الداعم لها حيث الكيان الاسرائيلي المواصل في عدوانه أمام صمت العالم المريب.و في هذا الاطار تنظم جمعية التظاهرات الثقافية بفوشانة برئاسة انور العرفاوي بالشراكة مع بلدية المكان الدورة الاولى لمهرجان فن الألوان بفوشانة تحت شعار " فن لا حرب " تضامنا ونصرة للقضية الفلسطينية وذلك غاية يوم 12 نوفمبر الجاري.. وتتواصل ضمن هذه الأنشطة للفعالية المذكورة  بدار الشباب بفوشانة أنشطة الفنانين التشكيليين المشاركين في هذه التظاهرة الفنية المميزة والفريدة التي تشمل الفن التشكيلي والرسم الحر والتعبير كما تم انجاز جدارية عملاقة " فن ..لاحرب " من قبل الفنانين المشاركين ضمن فعاليات مهرجان فن الألوان بفوشانة في دورته الأولى بالمركب الرياضي المتعدد الاختصاصات بفوشانة .181 انور العرفاوي

هكذا هو الفنان أنور العرفاوي الذي يمضي مع الألوان يحاورها ويحاولها قولا بالفن في فضاءاته المفتوحة وفي مشهديات هي ديدنه من سنوات في خلال التظاهرات التي يقيمها أويشارك فيها وهي على صلة بالفنون التشكيلية والثقافة وفي مساحات ما يمجزه ضروب من التعبيرية التي تغلب عليها نظرته الفنية الجمالية.

***

شمس الدين العوني

عندما نتأمل في تجربة الكاتب والشاعر والإعلامي القدير حسين عبروس نكتشف ذلك التنوع في مجالات الكتابة بين الدراسة والقصة والشعر والمقال الثقافي فهي تجربة عميقة ثرية تجاوزت اربعة عقود من الحضور الإبداعي الفاعل في الساحة الثقافية فهو أحد صانعي المشهد الثقافي الجزائري، يكتب في صمت بعيدا عن البهرجة والأضواء وحب الظهور  فهذه مقتطفات من سيرته الزاخرة.

"ولد بالشلف، عام 1960 تابع دراسته الأولى في بلدته حيث حفظ جزءا من القران ثم إالتحق بالمعهد الثانوي للتعليم الأصلي لينال قسطا من علوم الشريعة. وبعد ان حصل على شهادة الباكالوريا-آداب، التحق بمعهد اللغة والأدب العربي تكوين الاساتذة، دراسات عليا في الأدب . اشتغل بالتعليم كما اشتغل بالصحافة في عدة جرائد في الجزائر بكل من جريدة الشعب،المساء،السـلام،أضواء، جزائر اليوم، الوجه الأخر، العقيدة، النور، الأثير،الشروق،البـلاد، مجلة المعلم، الإذاعة الثقافية (أعد برنـامج " قطوف دانية "مدة عشرة سنوات)

فـي الخارج: نشر أعماله في مجلـة المشكاة، مجلـة اليوم السابع، المنتدى، الفكر، الأقـلام، الرافـد، الإتحاف، مجلـة فنـون، الإبـداع، العربي، أخبـار الأدب"(1).

وله أكثر من ثلاثين كتابا بين شعر ودراسات وقصص الأطفال...

والكاتب حسين عبروس اختار الكتابة للطفل " قصة وشعرا" عن قناعة ثفافية فهذا المجال الأدبي يفتقر لكتاب مبدعين تتوفر فيهم الشروط فما أكثر المتطفلين الذين يدخلون هذا المجال مستسهلين الكتابة فيه، لهذا يرى حسين عبروس أن الكتابة للطفل من أصعب التجارب وخاصة في مجال الشعر يقول:

"إن من أصعب التجارب أن تكتب للطفل شعرا، فالنص الشعري يتطلب شروطا معينة، منها موهبة الكتابة الشعرية، والقدرة على صياغة الموضوع شعريا بلغة قريبة من نفسية الطفل وذات مدلول معرفي، ومهارة كبيرة في الغوص في أعماق نفسية الصغار، وتحبيبهم للنص المقروء والمسموع… هي أصعب من الكتابة للكبار. وتجربتي المتواضعة واحدة من التجارب العربية التي يعتدّ بها الكثير من الدارسين والمهتمين بهذا اللون الأدبي، وأدب الطفل عندنا لم يزل ميدانا بكرا، وللأسف تحاول فئة من المتطفلين اعتلاء عرش الكتابة الموجهة للطفل، وهذا ما أفسد على المبدع الحقيقي متعة الكتابة.

فالنص الشعري الموجه للطفل عالم يحتاج الكثير من الخيال الإبداعي وللمرح من أجل بناء شخصية الطفل من الجانب النفسي، والوجداني والعاطفي. ولا معنى للكتابة ما لم تصنع وجود شخصية الطفل المتوازنة روحيا وعقائديا، وثقافيا ومعرفيا. وذلك ما حاولت التركيز عليه في كل النصوص الموجهة للطفل، والذي ينبغي أن يعمل عليه أصحاب التجارب الإبداعية الكبيرة في أدب الطفل في الوطن العربي. ولنا في ذلك أسماء محترمة ومبدعة وخاصة في مجال قصة الطفل".

فهذه الشخصية الأدبية بحاجة إلى تكريم وتثمين كتاباتها الإبداعية طوال عقود من الزمن فلنلتفت إلى مبدعينا فنندعم جهودهم الثقافية بطبع إصداراتهم وإعطائهم حقوقهم المادية ومنحهم فرص المشاركة في ملتقيات دولية لتمثيل الجزائر في تلك المحافل فهم صوتها الديبلوماسي الثقافي ...

***

الكاتب: شدري معمر علي - الجزائر

............................

1- وكيبيديا .

 

على غرار الارض فان سبعين بالمائة من اجسامنا متكونة من الماء والماء يحافظ على حياة البشر وعلى حياة جميع النباتات والحيوانات والتي تشترك  معنا في العيش على هذه الارض ولهذا السبب يجب علينا الاهتمام بالماء من التلوث بالبكتريا وبالجراثيم

الاخرى وكذلك الحفاظ عليه من التلوث  بالمعادن الثقيلة كالرصاص والزئبق والكادميوم والزرنيخ وغيرها وفي البحث والادلة

اثبت  بان للماء ذاكرة فريدة وعلى الرغم ان  جزيئة الماء تتكون من اتحاد عنصرين فقط هما الاوكسجين والهيدروجن يتواصل البحث ودراسة الالغاز الكامنة في هذه المادة السحرية والتي لا يمكن تفسيرها بالفيزياء التقليدية واول اخصائي وباحث قام بدراسة الخصائص الفريدة للماء هو الدكتور جاك بنفينست)- 1935 - 2004 - فقد وجد اذا اضيفت اية مادة الى الماء فالماء يحمل ذاكرة تلك المادة حتى لو ان جزيئات تلك المادة المضافة اليه اختفت وذابت فيه ونجح البروفسور عالم الفيروسات لوك موتثاتيه والحائز على جائزة نوبل  وبمزيد من البحث من قبله تم اثباته بان جزيئات الماء تمتلك الخصائص الكهروكيمياوية للمادة حتى بعد تخفيفه وقد اطلق على هذه الظاهرة اسم انتقال الحامض النووي.

2-

 الصلاة والذبذبات الصوتية تغير تركيب جزيئات الماء وتشير تجارب العالم الياباني ماسارو ايميتو ان الماء لا يمتلك ذاكرة فقط  بل تركيبة جزيئاته تتاثر بمشاعر الناس  الايجابية منها والسلبية ويكون تفاعل جزئاته بتكوين  بلورات جميلة  حين تاثره بالمشاعر الايجابية وبلورات قبيحة ومشوهة حين تاثره بالمشاعر السلبية.

***

سالم الياس مدالو

يؤسفني أن أراسلك في هذا الوقت المتأخر من الليل يا صاحبي، لا لشيء إلا لأقول لك إني تعبت كثيرا، ولم يعد هذا الجسد العليل يحتمل أكثر، ولا من ينصت لأوجاعه المزمنة غيرك يا صاحبي. فرغم غيابك وبعدك إلا أني أجد فيك بلسما لجروحي الغائرة، وشفاء لنفسي الممزقة. لن أطيل عليك هذه المرة؛ لأن لي كلاما كثيرا لا أستطيع البوح به كله لئلا أثقل عليك، ولكن اسمح لي أن أبدأ بما أعيشه منذ شهر من محن وإحن تئن نفسي لوقها حتى إني ما عدت أستطيع التنفس بشكل اعتيادي.

يجب أن تعلم أن هذا الجسد العليل يخوض حروبا عبر جبهات متعددة، ولا سلاح له إلا امتصاص اللآلام والعذابات المتتابعة في صمت وحسرة. فمن جهة، فإني أخوض حربا مع نفسي المضطربة والممزقة، إذ إنها لا تعرف مفرا ولا خلاصا لما تقبع فيه من هموم وأحزان. لم تستطع هذه النفس المعذبة أن تختار طريقة لإدارة الحرب، ولا معسكرا محددا تنضوي تحت يافطته، وإنما ارتضت أن تدخل معاركها اليومية بخلفية لا تجري وراء النصر أو الهزيمة؛ لأن هذا المعيار لا قيمة له في حرب يخوضها إنسان معذب ومتشظ مع نفسه، حرب تدور رحاها في نفس متشظية ومظلمة، حرب لم أعرف لها بداية ولا نهاية، لذلك فإن نفسي لا تسعى إلى النصر أو الهزيمة بقدر ما تسعى إلى خوض الحرب في كل الحالات؛ إذ إن هذا الانخراط في كل معركة عارضة أو مقيمة سبيل لتشعر الذات وجودها، وتتحسس دبيب الحياة يسري في عروقها ممزوجا بلزوجة دمها المتخثر في العروق.

لا أذكر أن نفسي ابتعدت يوما واحدا عن مجتمعيها الصغير والكبير؛ ذلك أن لكل نفس مجتمعين مختلفين لكنهما متكاملان متمازجان. فالأهل والأقارب والأصدقاء يشكلون مجتمع الذات الصغير الذي تتفاعل معه بشكل مباشر ويومي، في حركاته وسكناته، في حربه وسلامه، في صخبه وهدوئه، في أفراحه وأحزانه... لذلك، تتفاعل نفسي مع هذا المجتمع المصغر أكثر مما تتفاعلت مع المجتمع الكبير الذي يضم الذوات المتعددة المثقلة بهمومها وتطلعاتها وآمالها.

لعل هذا ما يجعل ذاتي تذوب في ذوات الآخرين الذين أتفاعل معهم، وتتشكل مرة أخرى بفسيفساء الذوات المتعددة، وفي هذا الفعل المتجدد بعث وانثباق متجددان لذاتي، ويجعلها تحمل أحزان وهموم غيرها، وتسعى إلى القبض على تلك الشعلة المضيئة التي تدخل فرحا بريئا وصغيرا على الذوات الأخرى، وتزرع فيها بذرة المقاومة والمدافعة دفعا للتلاشي والموت، وطلبا للاستمرار في تجرع العلقم وتشجم مرارته ومخاضه الصعب.

اعلم يا صاحبي البعيد أن المجتمع الكبير لا يخلو من محن ومصاعب هذه الأيام؛ إذ إن وطني الحبيب بات منفى مؤلما لأهله، كما أنه تخلى عن بنيه يوم تسامح مع من حارب ويحارب قيم الحرية والفكر والثقافة، ويروج للعالم كله صورة مشوهة للدموقراطية، فأضحى بهذا الفعل المشوه الوطن أما ذات أثداء خاوية، أثداء منكمشة لا تخرج إلا الدم، أثداء نساء لا حرمن شروط الحياة، فأصبحت أرحامهن بيداء قاحلة لا تلد إلا مزيدا من الضحايا الأبرياء.

يا صاحبي، لك أن تستغرب آلاف المرات من هذا السؤال الحارق الذي يشعل فتيل نفسي: ما الذي يجعل هؤلاء النساء المعذبات يلدنا ضحايا أبرياء على أرض جريحة لا توفر لهم إلا الهم والغم والندم؟ هل هؤلاء النساء يخضن تحديا لهذا القهر والفقر والقفر الذي يحبل به الوطن الجريح، أم أنهن ضحايا، أيضا، لنزوات وغرائز جلاد واحد؟

لك أن تفكر ما وسعك التفكير يا صاحبي، وإن وجدت جوابا فإنك ستسدي خدمة عظيمة لأجيال متعددة من وطني؛ إذ إن النساء سيعلمن أنهن يسهمن في تعميق جروحنا، وإلا فما الحاجة إلى إنجاب أبرياء في ظل وطن يضيق صدره بأبنائه وبناته، ولا يوفر لهم أدنى شروط العيش الكريم... لا صحة، ولا تعليم، ولا يوفر ظروفا اجتماعية ونفسية تنجب فردا سويا ومتزنا جسديا وفكريا ووجدانيا.

أيتها النساء المعذبات، أيتها الأمهات المتشبتات بالحياة، أرجو أن تتوقفن عن الجريمة التي تقترقنها دون قصد منكن، فلا ذنب لكن أن تلبين نداء الحياة، وأن تفدين بأرواحكن لتهبن الحياة لكائنات ضعيفة سرعان ما تختل في هذا الوطن، وتفقد جوهرها الوجودي وشرطها الإنساني: العيش الحر والكريم.

هكذا، يا صاحبي، أعيش هذه الأيام العصيبة وسط وطن يضن على بنيه بالصحة والتعليم، ويرمي بهم في براثن الجهل والأمية، في البحار طعما سائغا للحوت، في الشوارع ضحايا للاغتصاب والمخدرات والتشرد... فما الذي سأنتظره من وطن سياسيوه لا ينتجون إلا الأعطاب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ولا يسوسون بقدر ما يسهمون في تأخر الوطن وتعثر عجلة تنميته؟ لم تطلب مني الحزن على وطن فقد أناسه الرشد في كل شيء يقومون به، وما من مجال وضعوا فيه أيديهم إلا وباء بالفشل، وتَحمل الشعب المقهور تبعاتهم وأخطائهم المتتابعة؟ إلى متى سنتحمل أعطاب سياسيينا وأخطاءهم؟ ألم يحن لهؤلاء الشرذمة أن يكفوا عن صبيانياتهم، ويصرفوا نقصهم وضعفهم صوب العمل والفعل؟

ستستغرب تساؤلاتي المتوالية يا صاحبي، وكما ألفتك، ستنكر علي السؤال وتقول في خلدك: "ما كان ينبغي له أن يسأل ويقحم نفسه المعذبة في خضم الأحداث الهاربة التي يعيشها وطنه"، ولكني لم أستطع الصمت يا صاحبي، وأنا أرى وطنا غاليا على قلبي يُغتصب من ذويه يوما بعد يوم، وتنهب خيراته وثرواته، ويجوع أهله وتُعرى أرواحهم كما تعرت أجسادهم، وبما أن لهم السلاح كله، والإعلام كله، والرقاب كلها، فإن لي قلما مضطربا لا يقر قراره، ويدا مرتعدة لا تتورع في كتابة كل ما تمليه نفسي المتعبة، وعقلي الذي يضج بالأفكار المتضاربة.

لا أدري إن كنت ستقرأ هذه الكلمات المتناثرة، ولكن حسبي أن نفسي قد تطهرت وتخففت، وروحي المثقلة بهمومها وتطلعاتها وآمالها باتت أكثر وهجا وتحديا، وأيقنت أن النضال بالقلم والكلمة قمين بأن يكفكف دموع المظلومين، ويضمد جروح المحرومين، وينصر قضايا الثائرين. فلتقبض على الجمر، يا صاحبي، ولتدفع المسير حتى نهايته، ولا تخش ظلمة الطريق وضبابية الأفق؛ لأن في ذلك بعثا للحياة في قلوب مكلومة على طول وعرض هذا الوطن الجريح.

***

محمد الورداشي

تقولُ العربُ؛ باعَ حاجةً، وباعَ ل، وباعَ على، وباعَ من، ولا تُستَعملُ عبارةَ "بعتُ منه حاجةً" على ان معناها "بعتُ له" إلّا قليلاً رغم أنها فصيحة، فيُقَالُ: بَاعَ من فُلانٌ، إِذا اشْتَرَى وباعَ مِنْ غَيْرِه. لكنه قياس شاذ.، علما ان البَيْعَ: مِنْ حُرُوفِ الأَضْدادِ في كَلامِ العَرَبِ. وإذاً، فلمَ قال الفصيحُ المليحُ القسيمُ الوسيمُ ﷺ (المسلمُ أخو المسلمِ، ولايحلُ لمسلمٍ باع من أخيه بيعًا فيه عيبٌ إلا بيَّنه له) وما قال (باع لأخيه بيعاً)؟!

لمحتُ هذا التساؤلَ موجهاً لدكتورأستاذٍ ضليعٍ في اللغة العربية في وسائل التواصل فأجابَ السائلَ بما هو متوفر بين يديه في المعاجم ومتيسر. فلم أقتنعْ بإجابتهِ فكتبتُ ردِّي للمتسائل بسطرٍ موجزٍ ثم رحتُ أبحثُ عن شرحٍ وافٍ شافٍ للحديث النبوي في سجلات آبائيَ الأولين فلم أجد شيئاً يغني ويسمن، لذلكَ سمحتُ لخافقي أن يقعدَ بينَ القاعدين لحظةَ نطقِ النبي ﷺ لكلمته الشريفة، كي يعيشَ النبضُ في جوِّ البيان حينئذٍ، ففهمتُ معنى الحديتِ بذا شرحٍ وبهكذا فهم:

( المسلم اخو المسلم، وتربطهم عروةٌ وثقى جعلت من المحال أن يتسلل الغش في تجارتهم، ولذلك فعلى البائع أن يُعطيَ أخاهُ مما لديه من بضاعةٍ طلبَها، (يُعطيه) وليس (يبيعُه)، لأن العروة الوثقى قد إرتقت بهما حتى جعلت من لسانيهما يستحيان نطقَ لفظتي "البيع والشراء" فأبدلاهما بالعطاء تودداً لأنفسهما وتزكيةً فيماهما فيه يتداولان، رغم أن لفظتا "البيع والشراء" لا عيبَ ولا عِللَ فيهما ولا زللَ، ولا فيهما ريبٌ ولا خللٌ ولا عطل)!

أجل، لا عِللَ ولا خلل، بيدَ أنه لمّا كانَ الأمرُ ههُنا رهيناً بتجنبِ الغشِّ في التجارة فقد أتى الفصيحُ المليحُ ﷺ بالحرفِ (من) بعد فعلِ (باعَ) لتضمين الفعل (باعَ) معنيي (العطاء والبيع) معاً بإلتقاءٍ وسويةً بإستواء، وكأني بالحديثِ يُشبه تماماً معنى الآية المباركة (وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا) وليس (على القوم الذين كذبوا ) أي: أنجيناه من القوم ونصرناهُ عليهم (نجاة ونصر) معاً وسويةً، وذلك ليُعلِّمَ النبيُّ  ﷺ المسلمَ البائع ويُشعرُهُ أنه لا يبيعُ لأخيهِ بل يُعطيه فيبادله أخوه المبتاعُ بدفع ثمنٍ مقدَّرٍ كي يتمكن البائعُ من مواصلةِ مهنتهِ في السوق ولا يُفلسُ فيقعدُ على رصيفٍ منقعرٍ بالفقرِ وللدراهمٍ مفتقر.

وإذاً، فلا حاجةَ لإمرئٍ أبداً من دراسةِ النحو لفهمِ معاني البيان، فعبدالله بن مسعود عاش بين إبلِ سيدِهِ وما سمعَ بالزمخشري ولا رأى سيبويه لكنه فهِمَ معانيَ البيان خيراً من الفٍ مؤلَّفٍ من سيبويه وابن جني وعنبسةَ الفيل.

وإذاً، فما على المرء  منّا الا  ان ينزعَ عنه لباس الضجر والتأفف حينما ينصتُ لكلام الله والرسول وكلام الجار وعابرِ سبيلٍ مار، وأن يلبس لباسَ الرزانةَ والتلطُّف حينما يتكلّمُ في الدار أو مع جارٍ أو مع ضيفٍ زار، ويومئذٍ...

نرى البائعَ الجوّالَ المنادي (شعر البنات، أبو اللفات) في دروب بغداد ودمشق والقاهرة يُفسِّرُ بيانَ القرآن بتبيانٍ أجود من ألف طبري وقرطبي ورازيّ. ويومئذٍ نرى المسلم يأنفُ أن يتضرع بدعاءٍ صبيانيٍ أجوف، ونداءٍ كسيفٍ وسخيف لنصرة أهلِ غزة لأنه سيزحفُ نحوها وسيحررها، ولا رادَّ لزحفِ زاحفٍ يفهمُ كلام معجز القرآن وحديث النبي العدنان.

(وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)-الروم 4 و5.

وإنه لأمر لطيف أن يقوم أ.د متخصص في اللغة بإعادة تغريد إجابتي على سؤالِ سائلهِ على صفحته الشخصية رُغم جهالتي في علوم الضّاد، وذلك هو شأنُ أهل العلم الحق وليس العلم الزَّق، وما زادني نشرُ إجابتي معشار فخرٍ لأن جهالتي بعلوم الضاد مازالت قائمة ولن تزول لكني لبيان الضاد متذوق وحسب.

***

علي الجنابي- بغداد

أزقة المدينة والعلامات والزخرف على المرقوم.. معرض"ملامح" للفنان التشكيلي محمد الامين العثماني

في دروب الفن تخير السفر بحثا عن ذاته الموزعة بين الألوان في عوالم من الحنين والقول بالهوية والتراث حيث المشاهد المتأنقة ببهائها بين الزخرف والمعمار في كثير من الرغبة تجاه الجوهر والينابيع في عالم معولم يسعى لقتل الكامن في الجهات والأمكنة والبلدان من خصوصيات وصولا الى التنميط حيث الذهاب سريعا الى معالم كون هو أشبه بمتحف مهجور..

هكذا وبكثير من الشغف والحب تجاه الفن وأسوار ممالكه العالية يمضي الفنان باحثا عن لونه الخاص المعبر عن الكينونة واعتمالاتها في تنوع تختزله رغبته في ابراز الخصائص والمميزات للتراث التونسي حيث المدينة العتيقة في جمال أزقتها وما بها من كنوز محيلة الى عناصر التراث والهوية ..

هذا ما عبر عنه المعرض الفني التشكيلي بعنوان "ملامح" في رواق الفنون التشكيلية علي القرماسي بالعاصمة والذي افتتح يوم الجمعة 3 نوفمبر 2023 ليتواصل الى غاية يوم 15 من ذات الشهر وهو عصارة تجربة البدايات للفنان التشكيلي محمد الامين العثماني الذي رأى في الفن ومن خلال معرضه هذا " ...مناسبة لابراز ما هو كامن في الانسان من حب ووجد تجاه الأصيل من تراث ومعالم ومشاهد يجمع بينها الحرص على تثمين الجمال المبثوث في الأمكنة والمشاهد والزخرف والعلانات على المرقوم والنسيج وهي المميزة لتراث متواصل معنا من عهود الأجداد الى اليوم ...هي ملامح كما يقول عنوان هذا المعرض لكي نحرص على الحفاظ على هويتنا وجمال تراثنا وتقاليدنا ...".

تعددت اللوحات وعناوينها لينظر زائر المعرض تجاه القباب التي يحضنها النخيل في زخرف من الحروف والخط العربي بجماله وأناقته ...الى جانب لوحة أزقة المدينة ولوحات العلامات والزخرف على المرقوم وغيرها من اللوحات التي شكلت معرضا اسمه " ملامح " ليتواصل الى غاية يوم 15 من شهر نوفمبر الجاري بفضاء العرض برواق علي القرماسي بشارع شارل ديقول بالعاصمة.

***

شمس الدين العوني - تونس

يقال إن حياة الإنسان تمرُّ تِباعا أمام شاشة الأعين. اليوم، كان مَورد الصورة الذي مَرَّ قبل أن يرتد طرف عيني. درب طويل ليس له حدود ولا حرس، ولا إنارة نور اصطناعية. كان ذاك الدرب يحمل مُنعرجات غائرة، ويكسوه ظل شجرة يتيمة يانعة، تحمل من متنوع الفواكه ما لذ وطاب. من حسن ما صنع المشهد المخيف، استيقظت عيناي بالفزع والخوف من مستقبل غائر المعالم. وجدت أن جبيني تبللت عرقا، وذاك الفصل كان باردا. وقفت على أن مجموعة من مشاهد حياتي في الإخفاقات تتكرر بالتردد، وتزين حيطان الدرب، بلا تلوين، ولا تشكيل ملهاة كوميدية. تيقنت بالسليقة أن الصورة الملونة الفريدة من حياتي تحمل ملمحي شبابا وفي أسفلها: عليك أن تسرع الخطى، عندما يتمهل الآخرون في السير!!

اليوم كانت نيتي المبيتة بسلك الطريق المغاير، وملازمة قراءة علامات التشوير بتأن (انتبه !!قف !! )، وسيكون أول يوم من حياتي أقتحم فيه المجهولات والمسكوتات. فقد كان من طبيعتي أن أرتب نفسي لأي مغامرة غير محسوبة المداخل والمخارج. قلت بالاستضمار الذاتي: أنا آسف...يا أنا... !! كنت أرددها مثل (الكورال) الذي لا يحفظ إلا تلك اللازمة بالتردد الممل طيلة أداء الأغنية والرقص. لم أدر عمَّا أنا آسف عنه بالسبق!! ولا حتى سبب مُشاهدة بعض من مسارات حياتي الباقية عند ارتداد جفوني عنوة.

في متوسط الدرب الطويل الضيق، وبلا نهايات محدودة في الأفق، ضَعُف نظري في تحديد الأبعاد، وكنت قد قطعت وعدا بعدم الاستسلام مهما كانت حدة النتائج سلبا. كنت أستعمل حواسي الأربعة ككفايات حياة متمرسة على معالجة شدة المواقف، وقد ضاعفت حاسة السمع تعبئة. رباه، رباه !! إني أرى أبي في طيبة يوم الجمعة، وهو متوجه لمسجد سيدي امبارك لأداء صلاة الجماعة... رباه، رباه !! أبي لم يعر ندائي اهتماما حين خرج الصوت من حلقي صياحا (وَا بَا...وَا بَا...)، انتظرني... كان ألمي يزداد وقوفا، وبدون حركة إشارة تلوح بالسمع والتوقف. لم ينتبه لكلماتي ونظراتي، ولم يعر شوقي له توقفا. بكيت ألما وأنا أردد: أبي منذ عشرين سنة، لم أسمع صوتك، منذ رحيلك الأول عن منزل الأسرة، أداوم على زيارتك.

لم أقنطت من معاودة الكرة مرة ثانية، فسلكت الطريق المنعرج بحاسة شم بخور جلباب أبي المتوهج. لكن، حين تبدد الشم نكوصا، أحسست أن بوصلة الاتجاهات ضاعت مني، فتهت عند رأس الطريق، ولم أعد أقدر على التمييز بين متاريس الدرب الجانبية، وبين المسار المفضي إلى باحة الحياة الباقية.

كان هذا الضوء الآتي من متم نهاية نفق الدرب الضيق، يشدني لكي أتمم مهمة الوصول إلى المجهول. فقد كان من  الحمق أن يأتيني صوت العقل وأنا ألاعب أحاسيسي الوجودية الصغيرة، من العقل أن يُرْمِيني الواقع بشهب نارية حارقة وهو يقول: "علينك أن تُعيد الاعتبار للبداهة، يجب أن تطبق العدالة مع ذاتك، قبل أن تجدك العدالة الربانية، فالعدالة تبدو عمياء، ولا يمكن أن تسمع صوتها إلا باحترامك للذات والآخرين، فقد أصبح السجن اليوم هو الحرية، وخارجه في الفضاء العام، يمارس الاستبداد، ويقيد الألسن والكرامة الإنسانية...".

حقيقة مطلقة، حين يشتد تلاطم الأفكار بين ارتباك الحقيقة الوهمية، والمزيف من الواقع، بالإضافة إلى نزغ من شيطان الذكاء الاصطناعي، عندها أفتقد جزء من إيماني الداخلي بصوت الحق العادل، فأبدو تائها في مسيرة الدرب وبقرف مميت، وأنا أمارس حوار الطرشان مع الذات العليلة.

من البديهيات الفلسفية في ذاك الدرب المنغلق بالمنعرجات، أن الحرية والعدالة والعقل والحمق والتنوير والحداثة (البعدية) حق مشروع في فهم مَكْنُون (مستور) الحياة، لكني في نهاية الدرب تَصلَّفَ (تكبر) تفكيري عن فهم معادلة الفرق بين الوهم والمتخيل، والحقيقة الواقعية المتغوِّلة. مشهد الوالد في نهاية شعاع الدرب المنير، لم تأت من فراغ ولا من حياد المعالجة الفورية واللصيقة بحياتي، فهو رحمه الله كان سندي في إخراج من متاهات حياتية كانت قاب قوسين أن توقع بي أرضا. في نهاية الدرب، لم أر وجهه الوضاء، وإنما كانت لي فرصة من تقبيل يده اليمنى المتشبعة من تراب أرض الأجداد. (يتبع)

***

محسن الأكرمين

تطاوين: تعني العيون باللغة الأمازيغية وقد كانت الربوع الممتدة في الجنوب التونسي على مدى العصور الغابرة فضاء مفتوحا من الجبال والأودية والسّهول ويُعتبر هذا الفضاء الشاسع موطن قبائل ورغمّة وفروعها وعروشها التي اِنحدرت من أصول متنوّعة بعضها أمازيغيّ أصيل وبعضها عربيّ وافد وبعضها من جنوب الصحراء أيضا لكنّها مع مرور الأزمنة وتواتر الأحداث تجاورت وتمازجت حتى اِكتسبت شخصيتها ذات الخصائص الجامعة بينها ضمن نسيج مختلف جهات البلاد التونسية الثريّة بتنوّعها  غير أنّ شواهد الإنسان القديم وبصماته ما تزال قائمة في بعض نقوش كهوف الأودية وقمم الجبال وحتّى بقايا الدّيناصورات ما تزال شاهدة في الجنوب الزاخر بالحياة القديمة رغم حدثان العصور والآماد وما يزال شاهدا بآثار المعارك بين الثوّار والجيش الفرنسي مثل معركة رمثة 1915 وآقري  وغار الجاني1956 ورمادة 1958.

*

في السنوات الأخيرة شهدت الحياة الثقافية في مختلف مدن ولاية تطاوين إقلاعا ثقافيا واضحا من بينها ملتقى تطاوين الأدبي الذي عقدت العزم على بعثه همم ثقافية تؤمن بجدوى النشاط الثقافي في هذه الجهة النائية فأنشأت جمعية أحباء المكتبة والكتاب برئاسة الأستاذ علي بودربالة ويمساندة الدكتور محسن القرسان والسادة والسيدات فتحية العيدودي - أحمد بن زايد -كمال الفرجاني ـ أيوب تونكتي ـ آمنة التريكي ـ صفاء جابرـ عبد العزيز العزلوك ـ عبد الله الشبلي ـ مع دعم الأسرة الثقافية الواسعة في تطاوين ممّا جعل هذه الجمعية منارة أدبية مشعّة على جميع أنحاء الولاية بل قد وصل إشعاع مداها إلى أغلب جهات البلاد وهذا ما لاجظته في المدعوين والمشاركين في هذا الملتقي الأدبي الثاني الذي شمل عددا وافرا من الشعراء والنقّاد من مختلف جهات البلاد وقد ولّوا وجهتهم شطر المكتبة الجهوية  بتطاوين التي حفلت بهم كأحسن ما يكون

*

تشرّفت بدعوة كريمة من هذه الجمعية لحضور الدورة الثانية من هذا الملتقى أيام 1و2و3 نوفمبر 2023 ولتقديم شهادة عن مسيرتي الأدبية فلبّيت الدّعوة بكل اِعتزاز خاصة وأنّي علمت بجديّة نشاط هذه الجمعية في مناسبات عديدة وممّا زاد من عزمي في المشاركة ما لاحظته من حسن التنظيم الواضح في دقّة المتابعة والحرص على التفاصيل في المراسلات من عنوان المداخلة إلى ضبط البرنامج إلى تحديد ساعة السّفر ومكان الانطلاق فمثل هذه المعطيات الأوّلية تنبئ بأن القائمين على الملتقى يتوفّر لديهم كل أسباب النجاح وما كدنا نطوي المسافة طيّا حتى لقينا الاستقبال الحسن وكرم الضيافة والرفقة الوديعة والمعاملة اللطيفة ناهيك بأنس الأصدقاء القدامى حيث تجاذبنا أطراف الحديث .بين ذكريات وتاريخ وجغرافيا وأخبار الحرب على عزّة التي كانت جرحنا النازف في كل حين وآنما يمكن أن يكون خلاصة هذا الملتقى يتمثل في أن مدوّنة الشعر التونسي ما اِنفكّت في حاجة إلى القراءة والدّرس بما في ذلك أبو القاسم الشابي في ديوانه الثاني الصادر عن بيت الحكمة ـ صفحات من كتاب الوجود ـ سنة 2009 والذي يضمّ شعره المنثور ما يزال لم يحد الصدى الكافي والاِنتشار اللازم غير أنّ ما يثلج الصّدر حقّا ويبعث الطمأنينة حقّا هو أنّي اِكتشفت في هذا الملتقى جيلا جديدا من الدكاترة والأساتذة وقد اكتسبوا ناصية البحث ومناهج النقد واِبتهجت بإيمانهم بالأدب التونسي وعزمهم على مباشرة نقده ضمن بحوثهم القادمة والذي زاد من سروري حقا هو أني اِستمعت إلى أصوات شعرية جديدة تجاوزت مرحلة الهواية في قصائدها إلى مرحلة اِكتساب الدّربة والتميّز فأرجو لهذا الملتقى أن يكون بداية مرحلة جديدة في الأدب التونسي إبداعا ونقدا بما لاحظت فيه من باكورات هي بمثابة باقات يانعة في الشّعر والنّقد جديرة بالدّعم والتشجيع

*

أعود وفي وجداني أجمل الذكريات

- أعود ووطابي فيه بعض هذه الإصدارات الجديدة فشكرا للأصدقاء على إهداءاتهم وهم

- الدكتور محسن قرسان وإصداره - عمل الشهادة ودلالتها

- الدكتور محمد نجيب بوطالب وإصداره ـ الهروب ـ من الكامور إلى أوروبا -الأستاذ الشاعر رضوان العجرودي وديوانه فرج يختفي في المرآة

*

تطاوين...شكرا جزيلا على هذا الملتقى!

تطاوين شكرا وارفا على التكريم الذي حظيت به

***

سُوف عبيد

اِخترت "الحفر الفني" (Gravure) بعد ممارسة كل الاِختصاصات التشكيلية وشدّتني كل مراحل إنجاز المحفورة...

أوّل مشاركة لي كانت بالمعرض الجماعي الدولي بمدينتي الأم"الشابة" بعمل بتقنية(eau forte)   سنة 2004 حيث إقتنت الدولة هذه المحفورة.

***

الفن هذه الفسحة الباذخة المشرعة على العوالم والأكوان حيث القلب في عنفوان بهائه يبتكر أحاسيسه الأخرى من هيئات العناصر والأشياء والتفاصيل وفق ايقاع الذات في حلها وترحالها تقصدا لفكرة الاقامة على هذه الأرض وتأصيلا للكيان وتشوفا تجاه ما يبهج العين ويسعد الدواخل..

هاهي اللعبة الفنية التشكيلية تأخذ الناظر اليها طوعا وكرها بكثير من ألفة الابداع والامتاع وبتلوينات شتى ..هاهي تمضي الى تجربة تنحت قادمها بكثير من شغف وعناء ومتعة الفن بما في الأكوان من ممكنات جمال وسفر وتنوع .. لعبة تفضي الى طفولة مقيمة في الذات تبتكر نهاراتها العذبة بموسيقى الفن وهو يحفر في الكينونة والأشياء لينجز ما قالت به الأنامل وهي تستعيد نشيدها الذي يقود الى سحر وفتنة وجمال في الأثر الفني..

و هكذا اذن نأتي الى طفلة الفن القادمة من جمال المكان وأعماقه..المهدية أرض الحضارة والألوان الصافية حيث بحر وسماء في صفاء نادر وايقاع تعرفه أزقة مدينتها العتيقة وسكون المقبرة المطلة على البحر وشموخ القصر..قصر الجم وما حكاه من سرديات عبر تاريخه العريض...

من هنا لمعت فكرة الفن لدى الفنانة التي نعني ..سهام الشابي والتي نهلت من هذه العوالم ذات الجمال الأخاذ لتكبر لديها أغنية الفن والرسم والتلوين حيث الابداع في حواره المفتوح مع الذات والآخرين اذ تقول الفنانة شيئا من اعتمالات الشواسع في ضرب من الدهشة والألق...

الفنانة التشكيلية سهام الشابي  وفي معارضها الفردية والجماعية سعت لابراز هويتها الجمالية من خلال ما تخيرته وفق نظرتها للفن ورؤيتها ضمن مساحات التشكيل الفني حيث الحفر لعبتها الباذخة حتى وهي تدير نشاط الورشات في المهرجانات أو تبث في الأطفال ما بدا لها من تلوينات الفن وأساليبه وهي تدرس للتلاميذ مادة التربية التشكيلية كمتخرجة من المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس في اختصاص حفر (Gravure )...

تنوعت معارضها ومنها معرضها خلال شهر أفريل المنقضي ومشاركتها في سمبوزيوم المهدية الدولي " عوم فنك " خلال هذا الشهر وبادارة الفنان التشكيلي محمد أكرم خوجة وبالتعاون مع مهرجان عيد البحر واتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين حيث قدمت الجديد ضمن مشاركتها المميزة في برامج هده الفعالية الدولية.

و الفنانمة التشكيلية سهام الشابي أستاذة مادة التربية التشكيلية ومتخرجة من المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس اختصاص حفر (Gravure ) مباشرة للتعليم الثانوي منذ 2009 بإعدادية نبر ومعهد نبر من ولاية الكاف ومن 2018 باعدادية اولاد عبد الله ومعهد ملولش. مشرفة على ورشة الحفر ضمن المهرجان الدولي للفنون التشكيلية بالشابة. عضو ناشط صلب "جمعية الشابة للفنون والمحيط" من 2018 مشاركة في عدة معارض بالجمهورية: المشاركة في صالون الحروفية في دوراته الثلاث بالعاصمة . المشاركة عدة مرات في المعرض السنوي لاتحاد الفنانين التشكليين التونسيين. المشاركة في معرض الحفر برواق موزاييك النصر 2 واعتماد احد اعمالها كتصميم لغلاف الكتاب الذي يجمع اعمال المعرض. المشاركة ضمن فعاليات ايام قرطاج للفن المعاصر في المعرض الدولي " الحفر والرسم ينجز "بمتحف باردو 2019 .المشاركة في معرض المدرسين المبدعين بمدينة الثقافة. المشاركة في معرض مدرسي للتربية التشكيلية بالمهدية 2022. المشاركة في سمبوزيوم عيد البحر للفنانين التشكليين من 11 الى 15 اوت 2020. المشاركة في سمبوزيوم يوم عيد البحر للفن التشكيلي في معرض مبدعات الفن التشكيلي احتفالا بعيد المراة من 13 الى 20 اوت 2020. المشاركة في معرض الحفر والرسم برواق الفن بقصر المعارض بالكرم. المشاركة في معرض" منارات " بالمهدية بفضاء المتحف وبرواق علي خوجة .المشاركة في معرض "صالون قبودية للفنون التشكيلية بالشابة"في كل دوراته. المشاركة في ورشة Educ/Art  باشراف الفنان السلوفاكي Peter KOCAK اكتوبر 2019 بفصاء "قلعة الحفر " بالقلعة الكبرى بسوسة وقد اقتنت لها الدولة العديد من أعمالها...

و عن حكايتها مع الفن والبدايات والمسار تقول الفنانة التشكيلية الحفارة سهام الشابي "...البدايات كانت كأغلب الأطفال خربشات ورسوم في كراس المحفوظات لي ولإخوتي الأصغر سنّا منّي وحتى في الفترة الإعدادية والثانوية. بعد النجاح في البكالوريا كان التوجّه للمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس واِخترت اِختصاص «الحفر الفني» بعد ممارسة كل الاِختصاصات التشكيلية في السنتين الأولى والثانية بالمعهد وكان الميل الأكبر لـgravure وشدّتني كل مراحل إنجاز المحفورة من الرسوم الخطية (les esquisses) مرورا بالحفر على الخشب واللينو أو النحاس (cuivre)  ثم السحب (les tirages) ومتعة عنصر المفاجأة والاِكتشاف لجمال المسحوبة والتباين خاصة بين الفاتح والداكن والمضيء والمظلم.

أوّل مشاركة لي كانت بالمعرض الجماعي الدولي بمدينتي الأم "الشابة" بمحفورة بتقنية (eau forte) سنة 2004 حيث إقتنت الدولة هذه المحفورة.

بعدها اِنغمست في تجربة التدريس بالمدارس الإعدادية وبالمعاهد الثانوية (بولاية الكاف) مع حنين متواصل لممارسة خاصة الرسم الخطّي والحفر الفنّي لكن نظرا لوجود بعض العراقيل كعدم توفر مستلزمات (الحفر الغائر) لم يكن بوسعي أن أمارس هذا الاِختصاص لبضع سنوات... ثمّ بمجرّد اِنتقالي وعودتي إلى ولايتي الأصل المهدية لحسن الحظّ سنحت الفرصة بإقتنائي (Presse) وعدت إلى ممارسة الحفر الفني: حيث أعشق التكوينات بخطوط رقيقة وتتضمّن قصصا خيالية تدور أحداثها فقط في ذهن الفنانة أبطالها القطط والأسماك ... تأثّرا بالبيئة التي نشأت بها الفنانة. ومن هناك تعدّدت الأعمال والمشاركات في عدّة معارض بالجمهورية ومهرجانات بجهة المهدية خاصة ثم كان المعرض الشخصي الأوّل بالمتحف الجهوي بالمهدية أفريل 2023… ".

ممارسة فنية ضمن تجربة تتشكل باحثة عن خصوصياتها حيث تعمل الفنانة التشكيلية سهام الشابي على المراكمة الفنية وفق تخيرها الجمالي لتعد لمعرضها الشخصي قريبا برواق فني بالعاصمة خلال الموسم الثقافي الجديد 2023/2024 حيث يكتشف جمهور الفن وأحباء فن الحفر بالخصوص حيزا من تجربة فنية تسعى لتشكيل معالمها بمزيد من الاشتغال والدأب الجماليين.

***

شمس الدين العوني

استعادة التراث الأدبي والفكرى هدف من أهم الأهداف الثقافية لهيئة الكتاب.. وبمناسبة مرور 50 عاماً على رحيل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، فإن هيئة الكتاب برئاسة الدكتور أحمد بهى الدين بصدد إطلاق مشروع ثقافى مهم وجرئ يرتكز على إعادة نشر مؤلفات طه حسين المجهولة..

تحت عنوان "استعادة طه حسين" والمقصود استعادة تراثه الفكرى..تقوم الهيئة العامة للكتاب بإصدار مجموعة من مؤلفات طه حسين ومترجماته، ويقدم المشروع فى مرحلته الأولى 12 عملاً منوعاً فى توجهاتها ومحتواها الفكرى ما بين مؤلف ومترجم وعمل مشترك..فمن المعروف عن طه حسين أنه كان واسع الاطلاع غزير الانتاج..كتب فى الفكر والأدب والنقد والترجمة وشارك عدداً من الأدباء فى أعمال مختلفة..ولهذا يحاول المشروع المزمع تنفيذه التركيز على مثل تلك الأعمال غير المعروفة حتى بين المثقفين والقراء ومحبى كتابات طه حسين.

يقول الدكتور أحمد بهى الدين رئيس هيئة الكتاب متحدثاً عن هذا المشروع الطموح: (إن الهيئة حرصت على أن تكون باكورة مشاركتها في الاحتفاء بخمسينية رحيل عميد الأدب العربي بمجموعة متنوعة من الكتب غير المشهورة أو غير السائرة بين جموع القراء، بل وبعض المثقفين، ووقع الاختيار على طباعة (12) كتابًا تتنوع بين التأليف والتأليف المشترك والترجمة، وتمت المراجعة والاعتماد على الطبعات الأولى أو أقدم طبعة أمكن الحصول عليها، كما تم تكليف واحد من كبار أساتذة النقد والأدب المعاصرين لكتابة تصدير لهذه الأعمال، وهو الأستاذ الدكتور سامي سليمان، فكتب تصديرًا بانوراميًّا كاشفًا عن مجمل أعمال وأفكار طه حسين ومشروعه الفكري والثقافي، كذلك تم تكليف المصمم الكبير الفنان أحمد اللباد لعمل الغلاف، لتخرج الطبعة الجديدة في أبهى صورة على مستوى تصميم الغلاف والإخراج الفني الداخلي.

لعل من أهم عناوين الإصدارات التي أعيد نشرها 3 كتب مؤلفة هى: حافظ وشوقى، قادة الفكر، والحياة الأدية فى جزيرة العرب.. و3 كتب اشترك طه حسين فى تأليفها مع آخرين وهى: التوجيه الأدبي، آراء حرة، والحياة والحركة الفكرية فى بريطانيا..أما باقى الكتب فهى من المترجمات وأهمها أوديب وثيسيوس، وأندروماك، ونظام الإثينيين، وصحف مختارة من الشعر التمثيلى اليونانى، وزديج لفولتير.

واصل بهى الدين قائلاً: (إن طه حسين يعد من أعلام الثقافة العربية، ويحظى بمكانةٍ فريدة في نفوس قرائه بما أثرى مسارات الثقافة العربية الحديثة منذ عشرينيات القرن الماضي وحتى اليوم.. لذلك كان لزامًا على الهيئة أن تشارك بإعادة إصدار بعض مؤلفاته في مناسبة الاحتفاء بمرور خمسين عامًا على رحيله، ليس لأن أعماله أصبحت ملكية عامة فحسب ولكن بغرض استعادة رؤية طه حسين الفكرية؛ لإعادة قراءته قراءة جادة وجديدة، تهدف إلى إلقاء مزيد من الضوء على طريقته ومنهاجه ورؤاه، لعل الأجيال الجديدة تدرك مدى تأثيره الفكرى الكبير ومقدار منجزه في المناحي الثقافية المختلفة من خلال توفير عدد من العناوين التي لم يُقدَّر لها الرواج بين جموع القراء، وبخاصة الشباب منهم).

لقد كتب طه حسين عدداً كبيراً من المؤلفات ذات الوزن الثقيل ثقافياً زادت عن 50 كتاباً ، وبعضها أثار الجدل بين المثقفين لفترة طويلة فى مصر والمنطقة..وما تزال كتاباته تحيا فى عقول وقلوب محبيه رغم مرور عقود على وفاته..وهو إلى جوار اهتمامه بالأدب والنقد الأدبى كان مهموماً بقضية التعليم فى مصر،ليس فقط بسبب توليه مسئولية وزارة المعارف وإنما قبل هذا بكثير، وربما بسبب معاناته فى مراحل التعليم المختلفة، تلك المعاناة التى صورها بتفاصيلها فى كتاب الأيام ، والذى تحول فيما بعد لمسلسل شهير من بطولة الفنان أحمد زكى..وربما لا يعلم الكثيرين أن طه حسين قد ترشح لجائزة نوبل مرتين وكان قريباً من الفوز بها، وقد منحته عدة جامعات عالمية الدكتوراة الفخرية، كما حصل على قلادة النيل.

لعل هذا وغيره يفسر مدى أهمية إحياء ذكرى وفاة طه حسين بمثل هذا المشروع الذى يمثل نوعاً من الوفاء والامتنان لمثقفى ومفكرى وأدباء مصر ممن هم فى وزن وقيمة طه حسين ..لهذا فإن هيئة الكتاب تستهدف طباعة عناوين إضافية خلال مرحلة تالية من المشروع ، لعل أهمها: (تجديد ذكرى أبي العلاء، ، ومع أبي العلاء في سجنه، ومع المتنبي، وعلى هامش السيرة، ومرآة الإسلام، والوعد الحق، والشيخان، والفتنة الكبرى بجزئيها، وصوت أبي العلاء، ومن أدب التمثيل الغربي، من هناك، الأيام، فصول مختارة من كتب التاريخ، ومذكرت طه حسين". كما سيتم جمع مقالات العميد المتناثرة في المجلات المختلفة،بهدف إصدارها فى كتاب، وهي تمثل كنزًا ثقافيًّا من كنوز العميد، ينبغي النظر إليها وقراءتها في سياق واحد...لقد أكد بهي الدين عزم الهيئة لاستكمال المشروع بنشر الكثير مما ألَّفه طه حسين أوشارك في تأليفه مع آخرين ، حتى ما تمت دراسته فى مناهج التعليم مثل كتاب "المجمل في تاريخ الأدب العربي"، وكذلك الكتب التي قدَّم لها طه حسين، ومن بينها "كليلة ودمنة"، الذي حققه عبد الوهاب عزَّام.. وهناك نية لإعادة نشر أعماله الإبداعية في سلسلة "أدباء القرن العشرين" التي تعاود الصدور، حيث تم إصدار خمسة عناوين أخرى من مؤلفات عميد الأدب العربي وهي: «الحب الضائع، وأديب، وجنة الشوك، والمعذبون في الأرض، ودعاء الكروان»، وسوف تستكمل باقي الإصدارات على مدار الأشهر المقبلة.

لا ريب أنه مشروع طموح ومهم يعيد بناء الجسور بين جيل الشباب، والجيل الذهبي للأدباء والذى كان طه حسين أحد أعمدته الرئيسية.

***

عبد السلام فاروق

انتشرت ظاهرة البيع بالإهداء والتوقيع في المعارض الدولية للكتب، فنجد كل دار نشر إلا وخصصت جناحا لكتابها ليبيعوا نسخا من أعمالهم الإبداعية والفكرية وهو نوع من التواصل بين الكاتب وقرائه وهو أيضا عربون محبة فالقارئ المحب لكاتبه المفضل يستغل الفرصة لشراء كتابه مع الإهداء وأخذ صورة تذكارية للتاريخ فهذا العمل يعد سلوكا حضاريا لا غبار عليه ..

ولكن في رأيي أن هذه العملية تنجح وتحقق مبتغاها مع مشاهير الكتاب الذين يملكون صفحات فيسبوكية يتابعها الملايين فهؤلاء الكتاب عندما ينظمون جلسة بيع بالإهداء يتهافت عليهم مئات المعجبين فتنفد أعمالهم بسرعة وهذا ما حدث في طبعات سابقة من المعرض الدولي للكتاب مع الكاتبة والروائية الجزائرية أحلام مستغانمي أو مع الكاتب محمد مولسهول "ياسمينة خضرا" أو مع الكاتب الروائي الأردني أيمن العتوم الذي باع في العشر سنوات الأخيرة بالإهداء أكثر من مئة الف نسخة من كتبه ...

أما أن يأتي كاتب نكرة مثلي ومثل غيري من الكتاب المسكونين بالوهم ويبقى ينتظر ويستجدي عابر سبيل عساه يتفضل عليه فيأخذ نسخة منه ولو بالمجان فهذا في نظري سلوك غير حضاري يذهب هيبة الكاتب غير المشهور...

من هذا المبدأ رفضت فكرة بيع كتبي بالإهداء حتى تتوفر الشروط المناسبة من شهرة وانتشار وإلا رحم الله امرأ عرف قدر نفسه ...

***

الكاتب: شدري معمر علي

لعل القارىء النهم إلى مجال الأدب الوسيط في أو ما يسمى بالعالم العمري الوسيط، يلاحظ أن الأدب الروائي كان أكثر حيوية وعضوية وفنية وجمالية من تمظهرات الرواية الحداثوية أو ما يطلق عليه حساسية الرواية الجديدة. أنا شخصيا لا أجد في هذه الروايات سوى ذلك الطابع البنائي من القصص القصيرة المجملة في سلم تتابعية تلصقية من مسرود يطلق عليه الرواية، في محاولة منها أي هذه الرواية إتباع الشكل النوعي من بنية تراصف الصفحات المعنونة إلى مجال خطية مفتعلة من الزمن الروائي، ولكن ليثق كل قارىء بأن ما يقرأ اليوم من حشود مصدرة بأسم الرواية، هي حقيقتها النوعية السردية، لا تتعدى بناء وأسلوب وإطار القصص القصيرة المجمعة في شكل سلس من التسمية للرواية، أين هذه الهزلات من روايات عبد الرحمن منيف وإبراهيم الكوني وتجارب أخرى من الأدب الروائي. أنا شخصيا ليس ضد ما ينمو في سلم تطور الحداثة الروائية، ولكن ضد هذه المهزلة التي صارت فيها القصص القصيرة تلصق في أشكال بنائية وتدعى إنها صناعة روائية ولا يمكن بخس شرعيتها في مجال تطورها الحداثوي: أي حداثة هذه قسرية. لقد زورتم دماء وروح الجسد الروائي، من خلال حكايات لها طابع ومزاج الأدب القصصي القصير ليس إلا. أنتم خلقتم في نصوصكم هذه رواية تحمل نكهة وطعم وظلال القصة القصيرة ليس إلا؟!.

***

رأي: حيدر عبد الرضا

يسألونك لماذا تكتب قل لهم في زماننا الردئ؟..

الكتابه هي صراخنا الذي فقد صوته.

هي الوصيه الأخيره للكبرياء.

هي الروح الممزق أشلاء.

هي الأحلام المتناثره.

هي حياه رغم اللا حياه هي كل ما تبقى من الوجود المعدوم.

هي كل ما تعانيه من الألم هي الحزن المدفون الذي يسكن داخلنا.

ليس كل من يكتب هو باحث عن شهره أو غايه، أنما هناك أرواح أرهقت..

فأحبت أن تبكي بالحروف هذا كل ما في الأمر.

يقول محمود درويش / الفقراء يعشقون الإبداع والجمال، وقد كنتُ فقيراً، كذلك المكان لعب دوراً كبيراً فقد عشتُ في مدينة تمتهن الشعر، فعاصرتُ الكبار من المبدعين في مدينتي، كذلك الرغبة العارمة في التعرف على كبار المبدعين العرب، إنها عوامل كثيرة دفعتني للدخول إلى هذا العالم.

ويقول احد الفلاسفة  / هناك صراع بين الآباء والأبناء، وهناك صراع بين جيل وجيل عندما يتمسك كل طرف بآرائه ومعتقداته، نتيجة التغيير الحاصل في مجمل التصورات نحو الكون والحياة. في مجال الإبداع تكون القراءة المستمرة والاطلاع على تجارب الآخرين، ودراسة مناهج النقد بروح رياضية منفتحة والتفاعل الإيجابي مع ما يستجد تساهم جميعها على تضييق الفجوة بين زمن وآخر. لقد انسلخت من مسيرة حياتي سبعة عقود وثلاث سنوات، وما زلت أشعر بالفتوة مع قلمي رغم أن جسدي يقترب من نهايته وكل مؤشراته تنذر بالرحيل.

ونتساءل احيانا... هل نكتب عن اولئك الذين امتطوا صهوات المجد؟ ام اولئك الذين امتطوا صهوات الأمال البيضاء؟ ام نكتب عن الحائرين والمتلظين بالجمر من شظف الحياة ومأسيها؟ ام نكتب عن الواقع المتردي لمجتمعاتنا بوجه عام؟

ونتسأل ايضا/ اين وضوح الطريق لهذه الوجوه الكالحة المتخبطة في ظلمات الجهل والأنانية والتصرفات اللاخلاقية—احيانا—في مجتمع فوضوي، انعدمت فيه الرؤيا وضاعت معها الاحلام!!

لابد آن يدرك الجميع أن الكتابة وجع وهم ولن يكون لها الحضور المشرف ألا من خلال انسياقها في قانون يحررها من النفاق، والكاتب الجيد لابد أن يتمرد على القيود فهو يموت بين حضيض الورق لان الكتابة تظهر بدون وساطة وتخرق كل القوانين وتكشف العيوب ولا تلمع الباهت فهي نظام يقوم على الحق أو الباطل بحسب نوعية الضمير الذي يحمله الكاتب لكي يُمتع الآخرين ويلغى نموذجه ويكون هوية لقلمه الذي يمثل وعية أو يكون مطبل لمن يكتب عنهم أو لهم !! لكي تكون كاتب جيد يجب أن لاترقص لمن حولك بقلمك أو بفكرك أو بورقك لكي يكون اكثر بياضا!! يعتبر الكثير من المبدعين أن الكتابة وجع يتشرب الروح ولا يستطيع الإنسان أن يساير الواقع إلا من خلال العمل، والكتابة من الأعمال الشاقة التي تربط بين الجسد والروح بين الحياة والموت، والكتابة خلدت الكثير من المبدعين في ذاكرة التاريخ وكل مبدع وكاتب قادر على أن يدخل قلوب الآخرين والكاتب اقرب الناس آلي القلوب إذا أراد أن يكون له السبق في شرف الحضور لذلك يعيش الكاتب اجمل لحظات العذاب والروعة والألم لان الكتابة لغة المعارف والتجلى مع وظيفة الحياة لأنها الروح التي تضخ الدم للحياة والموت!!

وجيل الخمسينيات وماتلاها انجب ابداعا عربيا غزا المشرق والمغرب بروائع الاقلام والحكم السياسية والنضالية والثقافية، واسسوا لنهضة عربية اعلامية- ثقافية تفتخر بها الاجيال لقرون طويلة، واليوم نعود ونبحث عن كاتب كبير يملأ الساحة الثقافية والابداعية كايام نجيب محفوظ والمنفلوطي والسباعي واحسان عبد القدوس، وشعراء ملؤا الدنيا ضجيجا ولكننا.. للاسف لا نجد الا احباطا وغزارة في الانتاج وكتب الرفوف!! حتى الكتاب والمثقفون ماعادوا يقرأون الا اعادة قراءة كتب ودواوين قديمة

لمن نكتب ايها السادة؟!، فاعيد القول ان عبقرية الادب العربي  انه جسد شخصيات الناس البسطاء لمن عضهم ناب الزمان بمكره وكفره واستوحشتهم وعود صفراء تبرق كالسراب اذا طلبته لم تجده شيئا ووجدت الموت عنده، وعندما تصرخ وامعتصماه تجد صدى الف صرخة وليس ثمة معتصم هناك!.

***

نهاد الحديثي

التراث الثقافي خاضعا للحجر الصحي

إلى جانب كل ما يرتبط بها من رهانات تنموية شاملة، فإن السياحة الثقافية تعد ركيزة أساسية محققة لقيمة حوار الثقافات بين الشعوب؛ الشيء الذي يجعل هذا المجال في بحث مستمر عن إيجاد أنجع السبل للتسويق السياحي الثقافي، كخطوة موازية للسعي نحو جعل الثقافة مدار الأمر في الاهتمام العالمي، بمكونيها المادي واللامادي. واعتبارا لسياق الطفرة التقنية والثورة الرقمية التي طالت كل مجالات الأنشطة البشرية، فإن قطاع السياحة الثقافية وجد غايته المثلى بولوجه أحدث الإمكانيات التي توفرها التقنية الرقمية.

غير أن علاقة السياحة الثقافية بالعالم الرقمي تجاوزت بساطة التوظيف التسويقي، لتكون من بين المواضيع المستجدة التي كانت قد تصدرت النقاش خلال أزمة "كوفيدـ19"، كونها أزمة وجهت ضربة قاضية مباشرة لقطاع السياحة، الذي طالما شكل دعامة أساسية في تنمية الاقتصاد العالمي؛ وذلك نظرا للانهيار الشامل الذي كان قد أصاب حركة السياح في العالم بأسره. ففي إعلان مشترك بين "منظمة السياحة العالمية" (UNWTO) و"منظمة التجارة والتنمية" (UNCTAD) التابعتين للأمم المتحدة، جاء أن جائحة "كورونا" تمكنت من إحداث خسارة فادحة في السياحة العالمية سيكون من الصعب جبرها وتداركها، وهي الخسارة التي قدرت بأزيد من أربعة تريليونات دولار  فقدها الاقتصاد العالمي جراء أزمة الوباء.

أمام هذا الشلل السياحي العالمي المفروض إذن، والحاجة الفطرية إلى التنقل والاستكشاف لدى الإنسان ـ المخلوق الثقافي بطبعه ـ فقد كان لعلاقة السياحة الثقافية بالعالم الرقمي أن تكتب لها قصة أخرى تكون تَرِكةً لوباء "كورونا".

ـ منصات سياحية افتراضية في الحجر الصحي:

تزامنا مع ما كان قد عرفه العالم في مطلع عام 2020 من فترة طوارئ صحية مشددة، فمن المؤكد أنه لا يخفى ما أدته التكنولوجيا الرقمية من خدمات وأدوار حاسمة في مختلف المجالات، إذ إن جوانبها الايجابية بدت جلية واضحة في عمومها ولا تنكر، بما في ذلك الجانب السياحي الذي يهمنا منه هنا شقه الثقافي.

فمن إيجابيات التكنولوجيا الرقمية إبان الظرفية الاستثنائية التي عرفها العالم، أنها أتاحت بدائل ذكية للسياحة، تمثلت في ظهور العديد من المنصات الرقمية التي وفرت جولات سياحية افتراضية، شملت مختلف المعارض الفنية والمتاحف والمواقع الأثرية عبر العالم، بعرضها للمستخدمين ـ أو بالأحرى للسياح الافتراضيين ـ بجودة تصوير ثلاثية الأبعاد متناهية الدقة. ومثالا على ذلك أن رقمنة موقع «وَلِيلِي» الأثري، كانت أولى المبادرات في هذا المسعى على الصعيد المحلي بالمغرب، بوصفه أحد المواقع المسجلة ضمن قائمة التراث العالمي لدى منظمة "اليونسكو"، والذي طالما كان بؤرة جاذبة للسياح من مختلف أنحاء العالم. وبهذه الصيغة إذن وفرت الجولات الافتراضية في الحجر الصحي متنفسا وفرصة في متناول الجميع للوصول إلى المواد الثقافية المرقمنة بكل سهولة ويسر؛ الشيء الذي مثل بديلا فريدا أمام تعذر إمكانية السياحة بمعناها المحسوس.3889 رقمنة السياحة

(صورة لمتحف «أنثروبولوجيا» الوطني بميكسيكو، مثال للمتاحف التي تمت رقمنة أروقتها وموادها الثقافية بالتقنية ثلاثية الأبعاد، أثناء أزمة "كورونا").

ورغم أن رقمنة المواقع الأثرية ومعروضات المتاحف خصوصا، كانت في الأصل استجابة لحدث عالمي طارئ، فإن أبعادها امتدت أبعد من مجرد الترويح عن النفس في مثل ظروف الحجر الصحي العصيبة؛ إذ تمثل الدور المستدام لرقمنة التراث الثقافي في دور الأرشفة تحديدا؛ فأرشفة المتاحف والمواقع التراثية، إنما تعني حفظ صورتها المادية الأصلية، التي من شأنها أن تمثل لاحقا بوصلة دقيقة لعمليات الترميم وإعادة هندستها إذا ما تعرضت لحالات التلف لسبب من الأسباب، أو لعوامل أخرى كالكوارث الطبيعية مثلا؛ خصوصا وأن تقنية التصوير الثلاثية الأبعاد ذات الجودة العالية الدقة، تتيح حتما أرشفة في أحدث ما يمكن اليومَ أن تمد به الرقميات ميدان الثقافة؛ هذا بالإضافة إلى تحقيق أكبر نسبة من الاطلاع المعرفي العابر للحدود، خاصة لدى فئة الطلاب المتخصصين الباحثين عن وثائق رقمية من التراث الثقافي، والتي من شأنها أن تختصر عليهم مشاق وتكاليف السفر لأغراض علمية.

ـ «اليونسكو»: التراث الثقافي في مواجهةٍ نوعية للوباء

في تقرير صادر عن منظمة «اليونسكو» جاء التعبير على أن ما تعرض له العالم من إغلاق شامل زاد من تأزيم الأوضاع النفسية لسكان العالم أجمع بسبب تقييد الحركة، واصفة أن السياحة والسفر والتنقل هي حقوق طبيعية كانت مصدر أمن نفسي، وحاجة وجودية لا تختلف عن بقية الحاجات البيولوجية في الانسان.

كما وصفت الجهةُ ذاتُها أن رقمنةَ التراث الثقافي العالمي، تزامُنا مع أوضاع الحجر الصحي، كانت استجابة طبيعية تدل عن مدى الحاجة الوجودية لدى الانسان إلى تراثه الثقافي، مؤكدة أن هذه المواد الرقمية ستساهم ولو بنسبة ما فيما أسمته بـ«التشافي العالمي».

مع الاشارة إلى أنه منذ بداية انتشار وباء "كورونا"، واكبت منظمة «اليونسكو»    الحدث العالمي بإصدار مجلة أسبوعية بعنوان «الثقافة وكوفيد 19» (CULTURE & COVID-19)، التي رصدت فيها تأثير الإغلاق على مختلف القطاعات الثقافية، بما في ذلك التراث الثقافي الذي أولت له أعداد المجلة أهمية خاصة.

ـ السياحة الافتراضية واستشراف نحو عالم «الميتافيرس»

من المؤكد أن السياحة الافتراضية حل بديل أملته أزمة الوباء العالمي، غير أن الإمكانيات الرهيبة التي أثبتتها الرقمنة منذ انتشار الوباء نبه إلى التفكير بعمق في مستقبل الإمكانيات التي توفرها التقنيات الرقمية الحديثة.

على سبيل المثال، ليس من الغريب أن تغير شركة «فيسبوك» اسمها إلى «ميتا»؛ كونه اسما يحيل إلى مصطلح تكنولوجي رقمي جديد هو «الميتافيرس»؛ على أن «عالم الميتافيرس» هذا، حسب ما يتوقع خبراء التكنلوجيا الرقمية، سائر في طريق قلب الواقع التكنلوجي الرقمي رأسا على عقب.

وعليه، فإن التقنية الرقمية الثلاثية الأبعاد العالية الجودة، التي تمت بها رقمنة المواقع الأثرية والمتاحف والمعارض الفنية، وإتاحتها على المنصات الرقمية للمستخدمين، تزامنا مع فترة الطوارئ الصحية التي استحال فيها التنقل والسفر، أثبتت عن جدارة أن العالم يسير حقا نحو توجه رقمي فائق سيغير حياة البشر كل التغيير. نظرا لكون هذه الجولات السياحية الافتراضية قد أتاحت للسياح الافتراضيين فرصة معاينة المواد الثقافية المرقمنة عن قرب، وتفحصها إلى الدرجة التي يتماهى فيها الزائر في تفاعله مع ما يشاهده تفاعلا شبيها بالتموقع الفيزيائي في عين المكان.

بالتالي، فإذا كانت هذه الجولات مجرد تجربة آنية أملتها صدفة أزمة كورونا، فإنها تساهم قصدا في التوجه نحو صياغة واقع سياحي تفاعلي جديد ينشق من رحاب عالم «الميتافيرس».

***

كاميليا الورداني

كل الدول تحتفي سنويا بمعارض الكتاب، يلتقي الناشرون والكتاب وعشّاق الثقافة ومحبي الفكر والمعرفة كل يبحث عن ضالته عن كتاب يحتضنه، يستمد منه رحيق المعرفة يغذي به عقله حتى يطفئ لهيب الجوع المعرفي...

"مَعْرِض الكِتَاب هُو معرِض ومُلتقى سنوِيّ يُعنى بِالكِتاب؛ يجمع مُنتِجِي ومُسوِّقِي الكِتَاب وصُنَاعِهِ مِن مكتبات ودُور نشر ومُوزِّعُين ومُنتِجُي الوسائِط التَّعلِيمِيَّة ومُؤَسَّسات الثَّقَافة ومُنظَّمات حُكُومِيَّة وشبُه حُكومِيَّة والمكتبات العامَّة ومراكِز البُحُوث والجمعِيَّات ومُؤَسَّسات التَّعلِيمِ ووسائِل الإِعلام ومعارِض الكِتَاب ونحَّوها مِن التَّصنِيفَات ذَات الاِهتِمام والصِّلة؛ مع الجُمهُور والمُهتَمِّين وفِي أَغلَب الأَحيَان يتجاوز معرِض الكِتاب كونُهُ مُجرَّد سُوقٍ كبِيرٌ ومُؤَقت لِلكِتاب؛ فيشمُل العدِيد مِن الفعَّالِيَّات والأَنشِطة مِثل النَّدوات الثَّقافِيَّة ووُرُش العمل والمعارِض واللِّقاءات؛ ضِمن إِطار الكِتاب ومُحتواه وصِناعته"(1)

اول وأقدم معرض للكتاب عرفته البشرية هو معرض فرانكفورت الدولي يعود إلى خمسمئة عام، يعود إلى الفترة التي ظهرت فيها الطباعة على يد يوهانس غوتنبرغ في بلدة مينز القريبة من فرانكفورت بحيث فكر ناشرو الكتب إلى إقامة هذا المعرض للإعلان عن كتبهم وإصداراتهم ...

وفي عصرنا الحالي بدأ  تاريخ تأسيسه الفعلي يوم 18 سبتمبر 1949م...

كان أول معرض عربي  يقام للكتب في بيروت في 23 نيسان سنة 1956، ثم تتابعت بعده المعارض العربية كمعرض القاهرة الدولي

بدأ في عام 1969، آنذاك كانت القاهرة تحتفل بعيدها الألفي،  فقرر وزير الثقافة آنذاك ثروت عكاشة الاحتفال بالعيد ثقافيًا، فعهد إلى الكاتبة والباحثة سهير القلماوي بالإشراف على إقامة أول معرض للكتاب وهكذا بدأت الدول العربية تنظم معارضها للكتب وتجعل منها عرسا ثقافيا تقام فيه الندوات وتلقى المحاضرات وتدعى إليه الأسماء الثقافية الكبيرة المشهورة لتقدم تجاربها وخبراتها الثقافية وتستغل دور النشر الفرصة لعقد صفقات البيع وكذلك الكتاب يبيعون كتبهم بالإهداء ويسوقون إنتاجاتهم الإبداعية وينتهزون الفرصة لإجراء حوارات ولقاءات مع وسائل الإعلام وكذلك الفنادق تتهيأ لاستقبال الضيوف الذين يأتون من ولايات بعيدة فيضطرون للحجز فيها والمبيت طوال أيام المعرض...

فالمعارض الدولية للكتب هي مقياس ومؤشر على مدى تطور الدول واهتمامها بالثقافة والاستثمار في عقول ابنائها ...

وقد صدق ديفيد ثورو حينما قال: "الكتب هي ثروة العالم المخزونة، وأفضل إرث للأجيال والأمم "..

والحضارة تبدأ بالاهتمام بالكتاب، قال والفيلسوف والأديب اللبناني ميخائيل نعيمة : "عندما تصبح المكتبة في البيت ضرورة كالطاولة والسرير والكرسي والمطبخ، عندئذ يمكن القول بأننا أصبحنا قوما متحضرين ".

***

الكاتب: شدري معمر علي   

..........................

1- وكببيديا.

1- الثقافة هي التي تسمو بالإنسان، وتقرّب بين البشر بصرف النظر، عن الجنس والعرق والدين واللون، وهي جسر حقيقي للتقريب بين الشعوب.

2- تدمير الدولة يبدأ بتدمير الثقافة ورموزها.

3- ثقافة القراءة جزء لا يتجزأ من الثقافة العامة والتعليم، وهي قادرة على زرع

الفضائل في النفوس وحماية المجتمع من الشرور.

4- للمثقف الحقيقي أفكار وآراء خاصة به، ولا يردد أفكار وآراء الآخرين.

5- تتقدم المجتمعات بفضل أولئك القادرين على التفكير بشكل مختلف عن 99٪ من الأشخاص الآخرين.

6- القراءة رحلة عبر الزمن لا تنتهي. 

7- القراءة إختيار طوعي، وهي متعة ذهنية وجمالية، ما بعدها متعة.

8- يتوقف الناس عن التفكير،عندما يتوقفون عن القراءة.

9- قراءة الكتب تلبّي عدة حاجات نفسية لدى المرء، بينها الحاجة الإنسانية الأساسية للشعور بالانتماء.

10- قراءة كتاب واحد بتأن وتأمل أفضل من قراءة مائة كتاب على نحو سطحي .

11- ان الشيء الذي تقرؤه في سهولة ويسر، هو شديد الصعوبة في كتابته.

12- الكتب المفضلة لدى اي شعب، هي التي تحدد وعيه وثقافته.

13- السمة المميزة للكتاب الجيد، أنك تستمتع بقراءته أكثر فأكثر كلما تقدم بك العمر.

14- أفضل وسيلة لفهم الأمة ونفسيتها وثقافتها هي الأطلاع على الأعمال الأدبية للمبدعين من أبنائها.

15- الحياة هي التي تخلق الكتّاب المبدعين، وليس النظريات والتيارات الأدبية.

16- الفن يمكن ان يساعدنا في إستعادة الإحساس بالحياة.

17- التأريخ يحدثنا عمّا حدث، والأدب يحدثنا عمّا يمكن أن يحدث.

18- ليس مهمة الروائي ان يقصّ احداثا عظيمة، بل أن يجعل الأحداث الصغيرة مثيرة للإهتمام

19- الكتابة الإبداعية واحدة من أقوى طرق التخدير الذاتي، وهي طريقة فريدة لمكافحة انعدام معنى الحياة والوجود.

20- يخشى العبقري دائمًا أن يكون ما يكتبه سطحيًا، في حين أن الكاتب السطحي لا يخالجه الشك بأنه عبقري.

21- الكاتب الذي يفتقر الى الافكار وموهبة التخيّل، يلجأ الى الحذلقة اللغوية الفارغة.

22- الفن هو التفكير بالصور. وعندما لا تكون الصورة واضحة في الذهن، تأتي غامضة في الكتابة.

23- لكل منّا قيمه الخاصة، ونظرته الذاتية الى الأشياء، والتي تظهر دون وعي منّا فيما نكتب.

24- الأدب الحقيقي يسبق المجتمع في إستشراف المستقبل.

25- ما أكثر الأحاسيس والمشاعر التي يعجز الانسان - أي إنسان - عن التعبير عنها بالكلمات.

26- كل الكتاب المتوسطين متشابهون . اما الكتّاب الكبار فانهم مختلفون، ولكل منهم عالمه الابداعي الخاص.

27- ليس ثمة أية قواعد للعمل الروائي، ما عدا تلك التي يضعها كل كاتب لنفسه.

28- رواج الكثير من الروايات السطحية يعود الى ان مستوى تفكير مؤلفيها هو بمستوى تفكير قرائها.

29- لا يمكن لأي كاتب أن يكتب نصاً إبداعيا حقيقيا، الا اذا نسي خلال الكتابة االرقابة الحكومية، والرقابة الذاتية والتابوهات.

30- الروايات العظيمة تأخذنا بعيداً عن الواقع لتملأ الواقع بالمعنى.

31- الكاتب الحقيقي ينتج أدباً، أما الكاتب المزيف فإنه ينتج سلعة، ولكن الكثير من القرّاء لا يميزون بينهما.

32- العالم الجديد الذي تصوّره وسائل الاعلام يروعنا ليس بفظاظته فقط.

، بل بتجاهله التام والشامل للقيم الأخلاقية والروحية.

33- لا توجد محكمة أشد وأقسى من محكمة الضمير.

 34- مأساة الوجود الإنساني تسهم في فهم الحياة على نحو أقوى وأعمق.

35- الأمل آخر ما ينطفىْ قي روح الإنسان.

36- أثمن ما يمكن أن تقدمه لأي انسان، هو وقتك، لأنك لن تستطيع استعادته أو تعويضه أبدا.ً

37- يخشى العبقري دائمًا أن يكون ما يكتبه سطحيًا، في حين أن الكاتب السطحي لا يخالجه الشك بأنه عبقري.

38- الإبداع ينقذ الانسان من رتابة الحياة اليومية الباهتة، ويسمو به الى ذرى الوجود الانساني.

39 - الهدف الأسمى لأي عمل إبداعي، هو إدراك معنى الحياة وقيمتها.

40-  لكاتب الحقيقي ينتج أدباً، أما الكاتب المزيف فإنه ينتج سلعة، ولكن الكثير من القرّاء لا يميزون بينهما.

41- الحبر الوحيد الذي يستخدمه الكاتب الحقيقي هو دمه.

42- الكاتب الحقيقي يكتب عن عالمه الروحي ورؤيته للحياة في زمنه، لا عن أسطورة ملفقة يثرثر حولها في رواية من مئات الصفحات.

43- الكاتب الحقيقي ينتج أدباً، أما الكاتب المزيف فإنه ينتج سلعة، ولكن الكثير من القرّاء لا يميزون بينهما.

44- تتصف الرواية الجيدة بثلاث خصائص رئيسية وهي: الإبداع، والإمتاع، والإقناع.

45- لكل منّا قيمه الخاصة، ونظرته الذاتية الى الأشياء، والتي تظهر دون وعي منّا فيما نكتب.

46- مهمة النقد غربلة الحركة الأدبية المعاصرة، والنظر اليها بعين الحق، لا بعين المجاملة.

47- لا يمكن للانسان الواعي أن يعيش في هدوء وسعادة ما دام هناك أناس يعيشون في شقاء.

48- لا تقاس الحياة بعدد الأيام التي عشتها، بل بتلك التي تذكرها جيداً.

49- العقل يصبو دائما الى المستقبل، والقلب يرنو الى الماضي.

50- االسلطة الفاسدة أو الجاهلة تخشى المثقفين الحقيقيين وتريد قطيعا مطيعا لا اناسا يفكرون.

51- ليس المهم ما حققته في الحياة من إنجازات، بل كيف عشت كل لحظة من حياتك.

52- نحن لا نموت حين تفارقنا الروح..بل قبل ذلك، حين تتشابه ايامنا، ولا يتغيّر فيها شئء سوى اعمارنا و اوزاننا.

53- التقدم التقني من دون التطور الأخلاقي والروحي، لا يسهم في تحسين الطبيعة البشرية، بل يهدد بقتل إنسانية الإنسان.

54- يمكن للإنسان أن يتحمل أقسى المحن إذا كان لحياته معنى.

55- الوقت أثمن ما يملكه الإنسان .ومن العبث، إضاعته في قراءة روايات هزيلة، في حين ان الأدب العالمي زاخر بروائع أدبية عظيمة.

56- على الإنسان أن لا يخشى الموت، بل الحياة الفارغة.

 57- يمكن للإنسان المثقف أن يتحمل أقسى الظروف، إذا كان لحياته معنى.

58- نحن لم نختر الزمن الذي نعيش فيه، بل نحاول أن يكون لحياتنا معنى. 

59- لا تستطيع المرأة تغيير الرجل لأنها تحبه، أما الرجل فإنه يغيّر نفسه لأنه يحبها.

***

جودت هوشيار

تنوعت الأعمال الفنية في  المعرض الشخصي للفنانة التشكيلية عائدة الكشو خروف والذي تواصل الى حدود يوم 25 أكتوبر الجاري بفضاءات العرض في المسرح البلدي بمدينة صفاقس وذلك بالتعاون مع مندوبية الثقافة وبلدية صفاقس ..

المعرض تجربة أخرى تخوضها الفنانة عائدة ضمن سياقات عملها التشكيلي وفق وعي مخصوص بعلاقة الابداع الفني بعوالم أخرى ومنها الطاقة وما تمثله للانسان والكائنات من حاجات حياتية مهمة..عنوان المعرض كمضامينه الفنية وهي المحيلة اليه وهو" الطاقة " وقد تطلب الاعداد والعمل بخصوصه فترات من الزمن ويندرج ضمن مشاريع الدعم لصندوق التشجيع على الإبداع الأدبي والفني لوزارة الشؤون الثقافية..

في هذا الخصوص وعن منجزها الفني في معرضها هذا تقول الفنانة التشكيلية عائدة الكشو خروف "...أعرض هنا أعمالا فنية متعددة التلوينات والتقنية تماهيا مع الفن في علاقته بالطاقة حيث العلم يتقدم في مجال الطاقات وقد افدت من الجوانب الفيزيائية وكذلك من الناحية التقنية ومنها الطاقة البحرية وقد بحثت فيها حوالي سنة ..في مثل هذا العمل الذي توغلت فيه كان هناك احساس..نعم ولا بد من الاحساس بالقوة في هذا العمل المضني والممتع  وهو ما عشته كما أني عملت على المادة والتشاف وفي لوحة "طاقة "هناك عمل تقني  مع " داتاشو "حيث ما هو لا مرئي يصبح مرئيا كما ان ذلك مكنني من عرض ما هو فراغ واعني طاقة الفراغ وعملت بقواعد كيميائية عبر تقنية الحفر ..و هناك أعمل اخرى. وكل هذا تم بحساسية فنية عالية عشتها مع الطبيعة في علاقة حميمة ويومية منذ صغر سني الى جانب ما يتوفر في البيئة من تنوع وطبقات وهذا رافقني منذ طفولتي والمهم في كل هذا انني اعي واعرف ما يلزمني عمله وفعله وانجازه...".

عمل فيه بحث أفدت خلاله كثيرا من المعارف والتقنيات والعلم وبالمناسبة أشكر هنا كل من المختصين في المجال على غرار الدكتورة إيناس الصافي والأستاذ خالد الكراي.

أعمال فنية.. لوحات مختلفة الأحجام والأشكال قولا بحسب الفنانة صاحبة المعرض عائدة كشو خروف بالفن اللامرئي المحيل الى ما هو غير مرئي في عناصر الطاقة وقد استعانت في منجزها الفني هذا بخبراء في مجالات الطاقة لمزيد اثراء الأعمال الفنية واكسابها حالات من التعبيرية الجمالية البينة .

المعرض شهد اقبالا من الفنانين التشكيليين وزملاء وزميلات الفنانة العارضة من المجالات الابداعية والتشكيلية فضلا عن النقاد والأكاديميين من معهد الفنون الجميلة بمدينة صفاقس.

تجربة جديدة للفنانة عائدة الكشو خروف ضمن نشاطها الفني التشكيلي بعد عدد من المشاركات الفنية والمعارض الجماعية وكذلك المعارض الفردية التي أبرزت فيها نظرتها المخصوصة للفن ومنها هذا المعرض الذي يشير بحسب الفنانة عائدة الى مكانة الطاقة كمعطى حيوي في حياة الناس وما يمكن أن يحدث بسببه من ارباكات ونزاعات وحروب وهنا تمضي الفنانة في رسالتها الفنية الدالة على كون الطاقة فكرة أمان وسلام قبل أن تشكل مشاغل ومشاكل في العالم وفق فهم الانسان المختل والمنقوص للأشياء والعناصر.

عائدة كشو خروف في سياق تجربتها ومعارضها الفنية ومنها المعرض الأخير "طاقة " بالمسرح البلدي بصفاقس فنانة تخيرت نظرة مخصوصة في كون الفن لا يعيش لوحده معزولا ومنعزلا عن قضايا الناس ومشاغل العوالم بل انه في صلب الاهتمام الانساني وقضاياه وحاجاته الملحة..انها لعبة الفن كطاقة حسية وجدانية حالمة ومعبرة تجاه الانسان والعالم.

***

شمس الدين العوني

Broken heart syndrome - هي حالة مَرَضية للقلب تحدث خاصة بسبب التعرض إلى مواقف مثيرة للتوتر ومشاعر شديدة الوطأة.

تسمى أيضا هذه المتلازمة باعتلال "تاكوتسوبو القلبي" (Takotsubo) وهو اسم  ياباني يستخدم لوصف الوعاء الدائري ذي القاع الذي يكون ضيقا من العنق، ويستخدمه اليابانيون لصيد الأخطبوطات وجعله فخا للإيقاع بها، ولأن شكل هذا الوعاء يشبه بدرجة كبيرة مظهر البطين الأيسر لقلوب المصابين بالمتلازمة، فقد سميت بهذا الاسم.

وتتمثل  متلازمة القلب المنكسر في أنه  نتيجة للحزن  و الضغوط النفسية والجسدية فإن الجسم يفرز هرمونات التوتر في الدم، مثل الأدرينالين والنورأدرينالين فتتداخل هذه الهرمونات بشكل مؤقت مع وظيفة القلب وتؤثر عليها، مما يسبب تشنجا في الشرايين التاجية لينتهي الأمر بحدوث خلل في تدفق الدم إلى القلب..خلل يؤدي إلى ضيق في التنفس وأوجاع في الجنة اليسرى للقفص الصدري.

ما أكثر الأحداث التي عشناها فانكسرت لها قلوبنا..فقدان قريب ..خذلان حبيب..انطفاء صديق..

إن ذاكرتنا وهي تستحضر تلكم المواقف التي عشناها وانفطرت قلوبنا بسببها نعجز معها على وصف ما ٱلمنا، حينها، بالعبارات التي تقتضيها مشاعرنا..تكون الذكرى موجعة إلى درجة نعجز معها عن وصف شدة الأسى.

 ربما أصبنا وقتها بمتلازمة القلب المكسور..

من المؤكد أنها لم تود بحياتنا ولكن من الراجح أننا أحسسنا بمضاعفاتها.

ربما  لو راجعنا الطبيب خلال حزن ألم بنا أو وصب كابدناه  لأكد لنا المضاعفات التي حصلت بسبب ذلك  كتراكم السائل في الرئتين أو عدم انتظام ضربات القلب أو احتمال حدوث جلطات دموية في القلب.

ونحن نتابع ما يتعرض له إخوتنا في ف-ل-س-ط-ي-ن من إبادة تدمى لها القلوب..صحيح أننا نشعر بألم كبير من أجلهم ..ولكن ماذا يساوي ما نحس به بالمقارنة مع أم يدفن العدو أولادها أحياء أمام عينيها..أمام رب أسرة قضى كافة أفراد أسرته بفعل قنبلة ألقاها العدو..ماذى يساوي ألمنا أمام لوعة من يشاهد أشلاء أقاربه وجيرانه متناثرة وليس هناك أكفان تكفيها وتسترها..أمام والدين يتضور أطفالهما جوعا وعطشا والمؤونة تنفد والحدود مغلقة..

أمام كل هذا وأكثر.. أمام كسر قلوب إخوتنا..أمام التنكيل بهم، ماذا تساوي انكساراتنا..وماذا تعني معاناتنا ..ومامدى وجع خيباتنا وٱلامنا بالمقارنة مع ما يشعرون به؟

***

درصاف بندحر - تونس

ترميم الثقافة بمكناس يشابه تأهيل المدينة العتيقة المهترئة من حقب الزمن الماضي. فالمدينة باتت تنتج القصور الثقافي الملازم، وتسلية الزمن التنموي التكميلي بمهرجانات لا أثر لملمح الجدوى فيها. فيما القبة الخضراء، فهي تعيش في جفاء إن صح التعبير مع مكونات الثقافة بمكناس. قد لا نتعلم من نقاش أزمة الفعل الثقافي بمكناس الحوار الديمقراطي، ولكن قد نتعلم لزوما منه، التخلي عن مواقفنا السلبية المسبقة، وعن فكر الإقصاء والاستئصال. نتعلم بدايات طرح السؤال المستفز: هل مكناس تعيش أزمة ثقافة، أم بنية الأزمة الكلية؟ من هذا قد نتعلم فسحة من الأجوبة غير السفسطائي، وغير البلهاء بالتراخي.

مكناس تَهربُ الثقافة منها بدا، ونحن لازلنا نقعد ونفكر في استلهام علامة لمدينة الثقافات! ففي النقد المباح، نرفع الحرج عن الذات، وعن الآخر المؤسساتي (الرسمي)، لكنا في الحقيقة سواء في تحمل تبعات نكوص وتخلف الفعل الثقافي بالمدينة. وعند البحث عن السبب والعلل، نجد عوامل صغرى وأخرى كبرى، ساهمت في التخلف الثقافي، ساهمت وبقوة العوامل الداخلية المنتجة للفعل الثقافي المؤسساتي بالمدينة في تتميم وتثمين بناء هرم أزمة الثقافة بمكناس!!

من حقيقة الفرضية، أن معوقات التنمية بمكناس ليست لصيقة بالسياسة، ولا بالنمو الاقتصادي، بل هي آتية من عوامل إتلاف الثقافة المرجعية للمدينة، والتي ضيعنا فرصا بمتتالية (ادفع) لإعادة الاعتبار لمكناس بالمكانة المعيارية، وصناعة نهضة ثقافية تكون الحصن الحصين لموجهات التنمية الركيزة في بناء الإنسان والمكان. فإذا كانت المسؤوليات الأولى في القبة الخضراء (المركز الثقافي محمد الفقيه المنوني)، في شق حماية الوجه مُسْبقا من كل الضربات الجانبية، تعمل على افتتاح الموسم الثقافي بالاحتفاء والصورة النمطية (الثقيلة) و(المفبركة)، فإن إمطار النقد لهذه القبة بوابل من العتاب اللين، ممكن الوجود بالترميز والتصريح، على اعتبارات أساسية فرز المعوقات الداخلية لهذه القبة الخضراء بالتشخيص !! والعمل على إيجاد حلول لما سد الخبر من مبتدأ الثقافة المغيبة بمكناس.

طبعا، نحن لا نتحدث عن ثقافة المهرجانات (المنشارية) المدعمة بالكرم الحاتمي، ولا عن ثقافة ندوات الظل والرطوبة الوسائطية، فاليقظة الثقافية العالمة بمكناس باتت سلعة تاريخية نادرة، بمرجعيات المدينة المنهكة في خلافاتها الجدلية. وهذا ليس هو القاعدة القطعية في الثقافة السائدة بثابت الحمولة النظيفة (الاستثناء)، وبمتحول المؤقت الدخيل بالتفاهة الرخوة (المتغير). لن نختلف باعتبارنا للثقافة سلطة واضحة وحاكمة وغير مرئية (طَاقيةُ الإخفاءِ)  لصناعة مستجدات القيم والسلوكيات، وتجسير التحولات الاجتماعية بتوليفة التواؤم. لن نختلف بتاتا، ويمكن الافتراض أن تكون أزمة الثقافة بالمدينة، معولا يعوق نمو ذكاء الساكنة، وسياسة التمكين الشمولية.

إن عطب المدينة الأول، هو عطب أزمة الثقافة التفاعلية. عطب في غياب امتلاك الثقافة السياسية والتنموية. عطب مزدوج آت من شق البناء الاجتماعي والديموغرافي، وغياب استيعاب عناصر التحولات التي جانبت القيم والأخلاق النظيفة. إن الهندسة الثقافية بالمدينة، لن تتم عبر برنامج سنوي من مند وبيات وزارة الشباب والثقافة والتواصل، بل الهندسة الثقافية المندمجة، وما يليها من هندسة الأبعاد السياسية والاقتصادية، تتكون بداية من فهم رهانات المدينة الكبرى، وتلك الأذن للإنصات صاغية على اعتبار أن" الثقافة مسلك تكوين أكاديمي/ هندسي/ تواصلي...).

فالدعوة التي يطفو الرأي الرصين من خلالها كخلاصة من هذا (البوليميك/Polemique) في أزمة الثقافة بمكناس، هو البحث عن الفئة المستهلكة للثقافة من ساكنة مكناس، وعن حاجياتها السبقية، قبل إيجاد المثقفين الأوائل والجدد، والمتفهمين من جيل مهرجانات الثقافة (المنشارية/ طَالعْ وَاكلْ... نَازَلْ وَاكلْ)!  إنها مكناس يا سادة  من فضلاء ثقافة القبة الخضراء، ومن يليهم بالصفات والألقاب، التي تحاول الإقلاع من دوامة دوارة المعيقات المتعددة المشارب! إنها مكناس التي باتت تُراهن على إحياء عمقها التاريخي، وإعادة توظيف الموروث الثقافي الأصيل المادي واللامادي، في غياب النهضة الثقافية الموازية.

***

متابعة للشأن الثقافي محسن الأكرمين

قضيت سهرة في حوار إستنزف طاقتي وأعصابي مع مراهقي جيل الألفية كنت أحكي لهم عن مراهقتنا وعن تلك الفجوة السحيقة بين الأجيال..

أنا من جيل الثمانينات الجيل الذهبي  الذي شهد صراعات وحروب وبداية تحول العالم إلى التطور التكنولوجي الممل الباهت وغياب للمتعة الحقيقية. شهدنا حرب الخليج وغطينا نوافذنا بأوراق الألومنيوم والأكياس السوداء في حالة من الرعب والترقب والكثير من الأمل، أقمنا في منزل عمي الأكبر رحمه الله مع عائلة من أشقائنا الكويتيين لعدة أشهر،  كأطفال كنا نلعب في الفناء ثم ننقسم إلى أحزاب وينشب نزاع حاد على قطعة حلوى ينتهي حالما تنزل أمهاتنا ليخبروننا أننا إخوة نحضن بعضنا ونتقاسم الحلوى بالتساوي ثم نتعاهد على الصلح.

عند كل صافرة إنذار يحملني أخي على أكتافه قائلاً "عند بدء الصافرة يستطيع بابا سماعنا" ألوّح لأبراج المراقبة والأقمار الصناعية بكل قوتي وأصيح في الشارع وأنا على يقين تام أن صوتي سيصل إلى والدي المرابط في الجبهه كي يعود إلينا سريعاً، لا أذكر كيف إنتهت الحرب ولا متى ولماذا بدأت ، معتقدة أن الحرب كان من الممكن أن تنتهي كما ينتهي شجارنا في الفناء، تأتي أمهاتنا ويذكروننا أننا إخوة ثم نتقاسم الحلوى بالتساوي ونتعاهد على الصلح ، يؤرقني سؤال "كيف لنا كمسلمين أن نقتل بعضنا؟"  أسأل بقلب طفلة يلتهمه الحيرة ولم أتلقى إجابة مطلقاً.

في الحب..

كفتيات إستشعرنا معنى دعاء "اللهم إنا نعوذ بك من كآبة المنظر وسوء المنقلب" ورأينا "كآبة المنظر" أمام أعيننا ، شباب يتصرمحون في الشوارع بأشمغة الكوبرا يتجولون بسيارات من نوع "الكوريلا والكامري والكرسيدا" يمسكون بلوحات بيضاء مكتوب عليها رقم هاتف بأكبر خط ممكن يعبرون عن إعجابهم عبر أغاني مسرّعة وبمعجزة ما كانت أسماؤهم جميعاً "فهد أو خالد"

أما "سوء المنقلب" فهو وقوعنا بالحب.

ومع ذلك وبالرغم من كل الرذى أحببنا بصدق..

لعنّا المسافات وكرهنا البعد، وعرفنا ماذا يعنيه الشوق والحنين،إشترينا بطاقات  "ألو وزجول" للإتصالات المحلية والدولية وتعلمنا أن نقول كل ما أردنا خلال عشرة دقائق لأن الوقت والظروف المادية لم تسعنا لدفع ثمن بطاقة أخرى فضلنا أن نوفره لشراء "كاسيت" لألبوم أغاني كاظم الساهر وماجد المهندس وإيهاب توفيق وأغاني الزمن الجميل لنشغله في محادثتنا القادمة على مسجل محمول ونسمعه للحبيب.

تعلمنا كيف نحشو كلماتنا بالعاطفة بأي طريقة نعبّر؟ وأي شعر نقرأ؟ وهل نتكلم نحن ونعترف بكل صراحة وجرأة؟ أم نختبيء خلف أغنية؟

كان إشتياقاً حقيقياً ساخناً موجعاً، شعوراً يختلف كثيراً عن الشوق الإفتراضي الآن..

قرأنا دواوين نزار قباني والأمير خالد الفيصل وكبرنا على قصص الحب الخالد والعذري. في صالوننا مسجل قديم يعود لجدي وإسطوانات أغاني أم كلثوم وعبدالحليم حافظ ،كنا نجلس على ضوء الشموع وتلك الألحان تصدح بالمكان بسهرة شاعرية دافئة مع أمي وخالتي وعماتي يحكين إلينا عن زمنهم الجميل ويشتكين أيضاً من صراع فجوة الأجيال..

كتبنا رسائل ورقية مرفقة مع صورنا التي انتظرنا تحميضها ووضعنا معها ورود حمراء ذبلت وماتت في طريقها الشاق للحبيب  إحتفظنا بها في علب حديدية بمفتاح صغير لايملكه سوانا، ذهبنا لغرف كبائن الإتصالات لمحادثاتنا العاطفية وعرفنا معنى السرية، معنى الخصوصية ، معنى القداسة قبل أن يتجسس علينا العالم..

رغم أنني كنت صغيرة جداً على الحب لكني أردت دوماً أن يعترض طريقي بالصدفة وأعيشه على تلك الطريقة التقليدية.

دائرة معارفنا محدودة ولاتتخطى الجيران وصديقات المدرسة لعل هذا ما أضاف لها عمقاً إستثنائياً ، لم نمتلك وسائل ترفيه كبيرة لهذا كان علينا أن نخلق متعتنا بأنفسنا..

إعتدنا انا وبنات الجيران أن نجتمع في السطح نحضر الكعك والشاي والقهوة العربية وسجادة حمراء نجلس عليها نخبيء مسجل صغير لسماع أغاني عبدالكريم عبدالقادر بصوت منخفض  خوفاً من أن يصعد جارنا الملتزم ويكشف أمرنا،نصغي بإنتباه إلى قصة الحب السرية لجارتنا بإعتراف إنتظرناه سبع سنوات نتجاوز حقيقة أن ذلك الحبيب الشبحي لايعلم عنها شيئاً وأن قلبه مع فتاة أخرى ..لم يكن المكان ولا الأجواء شاعرية بل كان سطح يعلوه الغبار تتدلى منه الأسلاك الكهربائية وخزانات المياه وحبال الغسيل، يختلط صوت عبدالكريم عبدالقادر بأغنية "الحب لك وحدك" مع صراخ الأطفال في الشارع وشتائم لاعبي كرة القدم النابية.

ومع ذلك وجدنا المتعة في تفاصيل صغيرة، منظر غروب الشمس،  نسمة الهواء، جمال عيون خلود وجاذبية كثافة شعري، في بساطتنا ومنظرنا بالبجامات وقمصان النوم وذوق فاطمة الكارثي في الملابس في جمعتنا، في مواضيعنا وقصصنا حقيقة كانت أم ملغمة بالأكاذيب..لايهم

و لأنني كنت لا أمتلك قصتي الخاصة أعيش الحب بحياة الآخرين أتقمص معاناتهم وأكتب النهايات التي تمنيتها طويلاً، أعتقد أن كيوبد"إله الحب في الأساطير الإغريقية" قد زارني في إحدى الليالي المظلمة ليطلق سهم حب واحد أصابني في رأسي ثم أدار ظهره وهجرني للأبد ليتركني بطاقة حب مهدرة وبثروات عاطفية مهملة أسأت إستخدامها ..

في المدرسة..

معظمنا ذهب للمدرسة مشياً على الأقدام، داومنا في الحر وفي الصقيع وتحت المطر وإمتحنا في نهار رمضان لأننا كنا نعلم أن للنجاح طريقاً صعباً وشاقاً لايختصر بمجرد فتح حساب على سناب شات والتيك توك وتجميع متابعين وثمناً حقيقيا غالياً غير صناعة المحتوى الرخيص وإثارة الجدل..

كان للمعلم قيمة وتقدير وهيبة والمعرفة صعبة والوصول لمعلومة ما ليس في متناول الجميع وتحصيل الدرجات إشترينا أشرطة الفيديو ذات الجودة السيئة لشرح أساتذة الرياضيات والكيمياء والفيزياء

كنا نبيت مع بعضنا أيام الإمتحانات لنداكر سوياً وللكثير منا عضوية في مكتبة المدرسة أو المكتبة العامة نتفاخر بدرجاتنا لأننا لم نحصلها بسهولة  نذهب مع أمهاتنا لإستلام الشهادات صباحاً بفساتين العيد ثم نتسلل خفية للبقالة نشتري تسالي وألعاباً نارية..

في العطل المدرسية..

لم يمتلك العديد منا رفاهية السفر كل عام نسلي أنفسنا بالمجلات الفنية وأخبار المشاهير نقرأ صفحات الأبراج وصفحات طالبي الزواج نقلب التلفاز على قنوات الفيديو كليب ونلعب لعبة إختيار رقم عشوائي لقائمة العرسان في المجلة ونهديه الأغنية القادمة نعطيهم أسماء ونتنمر على بعضنا بإختيارتنا وتعاسة حظنا الذي كثيراً ما حذفني إلى اليوم على العجائز ومراهقي الخمسينات ..

نجتمع لمشاهدة أفلام الرعب أو سماع قصص عفاريت كبار العائلة وبطولاتهم الماورائية

إلتزمنا بنظام حمية غذائية صارمة وتابعنا برامج مريم نور وأعشابها السحرية فتناولنا الطحالب البحرية وشربنا شاي الكمبوكتا والأمبوشي وخبز الشعير ومحلول الكركم  وجدول عناية شخصية طوال عطلة الصيف لنبدو بأجمل صورة عند عودة المدرسة أو ربما لعريس منتظر..

كنا نملك دليل الهاتف الضخم بأوراقه الصفراء لأرقام معظم عائلات مدينتنا ولأني أبتليت بخرافة الحب الأسطوري الذي سوف يظهر من العدم تخيلت أني ربما أعثر عليه برقم عشوائي أختاره مغمضة العينين من دليل الهاتف  كل مصيبة وقعت بها أكبر مما قبلها بسبب هذه القناعة..

نحن جيل لم تركع عند أقدامنا الفرص ولم نصل إلى ماوصلنا إليه بسهولة ولم نتعلم فنون الإقناع والغواية والوصول السريع.

لهذا ..نقدر كل شيء.

***

لمى ابوالنجا – كاتبة سعودية

خلال حياتنا اليومية نواجه العديد من المنغصّات الاجتماعية والسياسية التي تفسد علينا متعة الفوز بلحظات هانئة بعيدة عن كل ما هو ثقيل يعكّر المزاج  ويزيد من التوتر النفسي الناتج عن ضغوطات العمل ومتطلبات العيش وكوارث الطبقة السياسية، ومن بين هذه المفسدات هو تواجد الثقلاء في مجالسنا، فقد كشفت تجارب الحياة الاجتماعية ان المجالسة تطيب بخفة الجلساء، فكم من المجالس الممتعة دخل عليها ثقيل فأفسدها بتفاهة حديثه وتطفله وسذاجته، فالثقلاء لا يفسدون المجالس فحسب انما ايضا يسقمون الروح فقد قيل للأمام والفقيه "الشعبي " هل تمرض الروح ؟ قال : نعم من ظل الثقلاء، والثقلاء هم فئة من الناس الذين لا تطاق معاشرتهم لأنهم يفتقدون الى الكياسة والتهذيب وسوء التعامل مع الاخر وكذلك اصحاب المشاعر المتحجرة، وبسبب هذه الخصال التي فيها الكثير من الغث صارت هذه الفئة هدفا للذم والتحذير من مصاحبتهم والجلوس اليهم لما في سلوكهم من ذمامة غير محببة في المجالس والصداقات، وقد ترددت شكوى الشعراء والأدباء من الثقلاء فوصفوهم بأسوأ الأوصاف حتى ان الشاعر احمد  شوقي كان شديد الدقة في تصوير الكره للثقيل في قوله:

سقط الثقيل من السفينة في الدجى

فبكى عليه رفاقه وترحموا

حتى اذا طلع الصباح أتت به

نحو السفينة موجة تتقدم

قالت خذوه كما أتاني سالما

لم أبتلعه لأنه لا يهضم !

والأشعار في الثقلاء كثيرة وفي كتب الآداب مشهورة، فقد كتب العلماء والأدباء الكثير عن اخبار الثقلاء والتحذير من مخالطتهم حيث  تصدر اسم الثقلاء عناوين كثيرة من الكتب، كما تزاحمت الشعراء والأدباء على ذكرهم وكانت كلها تتضمن ذمهم وتدعو الى تجنب مؤانستهم ووصفهم بـأنهم ( أثقل من ثهلان ) وهو جبل ضخم من نجد وكان أكثرهم رأفة بالثقيل من وصفه بأقل من جبل ثهلان وذلك في بيت الشعر الشهير:

أنت يا هذا ثقيل وثقيل وثقيل

أنت في المظهر إنسان وفي الميزان فيل

وخصلة سيئة اخرى يمتاز بها الثقيل هي الفضول والسؤال عما لا يعنيه  ومن الحكايات الشهيرة عنها، هي : ان احدهم سأل الشاعر بشار بن برد ــ وكان أعمى ــ ما أذهب الله كريمتي مؤمن الاّ وعوضه الله خيرا منهما، فيم عوضك ؟ قال بشار : بعدم رؤية الثقلاء من أمثالك .

كما كتبوا في بلاهتهم وعدم احساسهم بالحرج من سوء افعالهم فقد قيل  ان صديقا زارَ أخا له، فمكثَ عندهُ شهرًا كاملًا، فقال صاحبُ الدار: ألا تظنّ أن عائلتك قد اشتاقتْ إليك؟ قال: أعرف ذلك، وقد كتبتُ لهم أن يقدموا إليَّ هنا.

هذا بورنريه غير مكتمل  لصورة الثقلاء فهو غيض من فيض مما وصف وقيل فيهم .

***

ثامر الحاج امين

هذا ما جاء في رسالة وضعت في مظروف داكن السواد تحت باب احد المفجوعين بولده في صباح يوم لم تشرق فيه الشمس بعد.

يوم تشريني. الشفق الأحمر يغطي الأفق البعيد ودخان كثيف يلف المكان. حسب الإحصاء الرسمي وهو دائما ما يجانب الحقيقة ويخفي قدر المستطاع وقائع الأحداث ونتائجها، ولكن اليوم اضطرت السلطة  في نشرة الأخبار المسائية، الإعلان  وعلى لسان ناطقها الرسمي ، عن عدد الشهداء الذين سماهم بثلاثة  قتلى، وأكمل جملته الصماء اللئيمة بكلمة لا غير.

ولكن ما أعلن رسميا عنه، ما كان ليطابق إحصاء من وقف وشاهد الواقعة عند ذلك المساء الكالح. فجميع من حضر الواقعة تبادل الروايات مع البعض ودون في ذاكرته ، خمسة شهداء دون نقصان.  جميعهم كانوا يتحلقون حول عربة التك تك ذات اللون الأصفر البراق، وتدلت عند مقدمتها قطعة قماش بيضاء صغيرة كانت موضوعة تحت مصباح الإنارة، كتب عليها بخط مرتبك، أريد وطن.

***

كانوا يتراقصون جذلا ونشوة على أنغام موسيقى أغنية كاظم الساهر " وين أخذك وين أنهزم بيك.. بضلوعي لو بعيوني أخليك " فجأة باغتهم سيل رصاص وقنابل دخان. سقطوا جثثاً هامدة جوار عربة التك تك،كان ذلك في ساعة نحس عند نقطة قريبة من مفترق نفق ساحة التحرير الذاهب نحو شارع الجمهورية .

بقع الدم التي خلفتها أجسادهم الغضة إثر عربدة سيل رصاص ما سمي بالطرف الثالث، راحت تسيح فوق الأرض الإسمنتية .ما كان بمقدور احد أن يحدد اتجاهات انسيابها، ولكن الدم  كان فواراً قانيا أحاط بعربة التك تك من جميع أطرافها، ثم أنحدر ليتجمع أمامها، فاختلط مع بعضه ليكون بقعة دم كبيرة قانية.

بين هؤلاء الشهداء من جاء العاصمة من قرية قريبة من بلدة الرفاعي في الجنوب، وهناك من أتى تاركاً وراءه محلة الطويسة في البصرة، وثمة آخر يسمي نفسه بالمعيدي كان قادما من مدينة الشعلة،وحده أبن الأعظمية كان الأنيق بين هؤلاء رغم اتساخ ملابسه خلال عشرة أيام مضت دون رغبة تساوره في الذهاب إلى أهله والاغتسال بحمام دافئ. بينهم من هو دون دالة أو هوية، ولكنه كان أكثرهم مرحا وإفراطاً بالهزل، وكان وفي كل مرة يروي شيئا عن قسوة ما كان يلقاه على يد صاحب العمل، ينهي حديثه بضحكة طويلة شبيه بكركرة طفل. أما ذاك الصغير المقصب الشعر صاحب البشرة الداكنة، الضاج بذكر مغامراته العاطفية، وما كان ليتوقف عن سردها حتى وإن تلقى تشويش واستهزاء رفيقه المسمى المعيدي. بينهم من يرفض اليقين بتاريخ ولادته المدونة في الهوية التي يحملها. صاحب الكنزة البنية يقول إن حياته تخلو من أي أهمية يود ذكرها لرفاقه، فقط الشيء المهم الذي ممكن أن يبعث في روحه الفرح هو منظر عربة التك تك التي يمرر عليها صباحا برقة متناهية قطعة القماش المبللة وهو يصفر لها بأغنيه كان يعشقها.

صباح الخير يالوله.

لوله، اسمها الذي أطلقه عليها حين أبتاعها له خاله صاحب بسطة الملابس المستعملة.لم يكن يدري السبب الذي دفعه لإطلاق أسم لوله على عربة التك تك، ولكن الأغنية كانت تستهويه لذا علقت بذهنه ذلك الصباح البلوري المبهج، وحان لها أن تكون أسما لعربته، فاخذ يغني لها مزهوا.

يعز من يبات قانع من الرحمن يتطلب

يذل من يبات طامع يبات الليل يتقلب

على الجنبين يالوله ولا يرتاح يا لوله

صباح الخير يالوله  صباح الخير.

ثم يروح بموجة من التصفيق والقفز راقصا حولها كالهنود الحمر، يشاطره فرحه  بحمية وصخب بعض أصحابه.

***

حين أنبلج ضوء الصباح كان شاحبًا رجراجًا مغبرا، وثمة أصوات أنين وبكاء خافت تتسرب من جوف نفق التحرير. في البعيد تختلط نداءات تحذير وتحوط  ترافق أصوات رشق رصاص وانفلاق قنابل الغاز. ثمة ضحكات صاخبة وضجيج مزاح يأتي من الطابق الثاني للمطعم التركي.

عند ذاك الفجر الندي، جلست خمس نسوه مصفوفات متراصات بسوادهن حول بقعة الدم، يحطنها مثل السِوار، نائحات مفجوعات، يغطينها بعباءاتهن الكالحة، كان دمعهن مدرارا يخالط بقعة الدم الخاثر الذي يلتصق بثيابهن فيأخذنه ويهيلنه فوق رؤوسهن.هكذا كان الحدث وسوف يتكرر.

لكم الصبر والسلوان ولأرواحهم السلام والذكر الخالد.

***

فرات المحسن

غير ما مرة تصيبني أزمة لعنة الكتابة التي تماثل لعنة الشيطان الكبرى، فأبيت ليلي محاطا بكوابيس من جهنم. مرات عديدة لا يُسعفني التفكير على إنتاج جملة مبعثرة، فبالأحرى الأفكار المتناسقة. مرات متكررة من ليلي، أبِيتُ ألعن كل الكتابات التي لا تقتحم مناطق الظل المتكهربة، والتي لا تبحث عن معنى جديد للحرية. ألعن كل الكتابات التي لا تحمل أسلحة مقاومة أشكال الفساد والتفاهة والتغرير بلا نهاية. ألعن كل الكتابات التي لا تُفزع عش الدبابير بنار التنوير والتجديد والحكامة.

لن تغنينا كل الكتابات نفعا إن لم تسعنا بوابة العيش المشترك، والسعيد في حضن تأمين السلام وجودة الحياة. وقد لا نصل إلى التحديث المتكامل بتلك العقلانية العمودية المنتصبة بالنقد وتفتيت صفحة البدائل، ولكنا في نفس الصفحة البيضاء يجب الإبقاء على السيرة التاريخية للوطن والمجتمع التضامني حاضرة، وتأصيلها بالتداول الرمزي والتكافلي.

حقيقة متزاحمة بالتراكم، فكم استهلك المجتمع توابل التنوير والحداثة (البعدية)، لكنا بالمقابل بقينا أوفياء لقيم ثقافة الأجداد، والإرث الشعبي المتواتر بالنقل. بقينا نلاعب التصورات الفلسفية والفكرية، من منظور وضعياتنا الاجتماعية والسياسية، ونحن نبحث عن حلول لاصقة لتحديد أجوبة عن (من نحن؟ ومن الآخر؟). ومن بين المستملحات، وكانت ضمن خيبة رسوبنا، فقد أصبحنا (نحن) لا نُحسن مشية الطاووس (الآخر)، ولا نتقن حتى ما علم الغراب (قابيل) من عمليات دفن أخيه القتيل.

لم يَعدْ أحادي المعرفة متمكنا ولا أقصد مسلك اللغة، بل بات البحث عن التنويع الثقافي مشروعا لتشكيل الهويات المشتركة، وسد فجوات الهوية الفردية المجحفة. فمن الأكيد أن البحث عن الملاءمة الكونية (أنا والآخر) أصبح بحث مُضنيٌ، وغير ميسر في ظل صراع الحضارات المتنافرة. ومن نوافل القول: حين يبقى التفكير متحركا على بِرْكة من الخوف، ويحتفي بالرمزية التقليدية في القادم من الحياة، دون التفكير في نواعم السعادة والتجديد، تنتهي سلطة الترقي العقلي.

من الأكيد أننا نفكر في السعادة وجودة الحياة، مثل رؤية قبلة البطل للبطلة الجميلة في نهاية فيلم الحياة، ونحن لا نفكر غير في النهاية السعيدة من همِّ الحياة. لنُقَعد قولا: فحين تُفسد السياسة العامة للدولة ومكوناتها الحزبية، قد تفسد المؤشرات الكبرى البنائية لزوما، ويصبح المستقبل متقلبا بالتوتر. من هنا فاعلم أن عيش الهوية لن يكون سويا في الغايات والموجهات المشتركة، بل يتحدد في إنشاء مخفضات للصدامات غير المحسوبة ولا المقدور على ضبط أثرها.

فكم كان فصاحة الحمار تصريحية حين قال: بصيغة المطالبة بمقاربة الإنصاف في الأكل والمشرب والنوم مع نوع جنس الجمل، فحين بقيت تلك الحصيرة الخفيفة لانطلاقة رحلة التغيير، صاح الحمار حكمة (زيدها ما نايضش ... ما نايضش...). هو التمثل الكافي بين رؤية الحمار و صمت الجمل حين حملنا الديمقراطية ما لا تطيق من كمّ تعليق الحرية على مشجبها. حينها أغفلنا سلطة الحكامة الحاسمة في التخطيط والمتابعة والضبط، حينها بتنا نصنف القوم بالتمايز والتفاضل فمنهم (الذهب الخالص) لمن يوافقنا الرأي ويقول: دوما (نعم) وبلا نقاش ولا جدال ولا مطالب، لأنه أصلا مستفيد من الريع (حلال) .

حينها صنفنا المعارضين والناقمين على الوضعيات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية باسم (الحديد المصدي). حينها بات أصحاب الأعراف والوسط، من الذين يجمعون حسنة (الذهب المشحر) من التحكم، و منقلب رمز (الحديد المصدي) عند من نصبوهم من الشعب للترافع عنهم. هم إذا، فصائل من قومنا من متغير (النحاس المصقول)، والشبيه بالذئب الذي يبكي مع الراعي حين ضاعت أغنامه ، ويلهو مع الغنم المغرر بهم خفية، وهو الذي يأكل من أغنام (الراعي)، ويستغل سياسة (الريع حلال) عند غفوة الجميع.

تسقط مِنَّا الحكمة لزوما، حين بات القوم خليطا غير متجانس من المعادن والكائنات المتحركة. تسقط الحكمة، ومن بابها تسقط لعبة الديمقراطية التي لم يقدر تعبير الحمار الاستدلال عن مفهوم (الإنصاف والمناصفة). اليوم بات الفعل السياسي والثقافي من الخطابات التي لا تصنع نمارق السعادة. بات فرح السعادة من الصعب أن تجسدها أية كوميديا (ملهاة) مسرحية. بات الفرد يمشي وهو يفكر بجسده كأنه جثة متحركة بلا عقل، وهو لا يعلم أفق الانفراج وجودة الحياة.

***

محسن الأكرمين

لا أريد السفر

لا أريد أن أرى بلاداً أخرى

أعيش وأموت هنا

هناك نوع من البشر يرتبطون في الأماكن لدرجة أن أرواحهم تصبح جزء من الحجارة والأشجار والتراب؛ هناك نوع من البشر لا يهتمون بالعواصم العالمية ولا السياحة الجذابة، بشر عاشوا في مكانٍ واحد بيتٍ واحد وتحول إلى عاصمة ودولة وكوكب صغير يمتلك أرواحهم وتسكنه أجسادهم؛ هناك بشر تجاوزوا كل الشهوات والمتع الجسدية وسخروا حياتهم للآخرين، ماذا يحبون وماذا يريدون، وقبعوا في ذلك البيت الصغير أو الكبير يرون العالم من خلاله دون تلهف ولا رغبة، وينظر إليهم العالم باستغراب لأنهم ليس لديهم أدنى فضول ليكونوا في مكانٍ آخر غير هذا المكان.

هذا النوع أصبح حجر في البيت وشجرة في الحديقة ونافذة في الجدار، لم يعيش سوى في ذلك البيت يزرع أشجاره ويرمم أي حجر به ويربي حيواناته التي يحبها وتحبه.

يكفي أن يجلس على شرفة منزله في الصباح يشرب الشاي ويفطر مع أولاده تحت أشعة الشمس الدافئة كي يتحول الكون إلى جنة على الأرض، يكفي أن يناديه جاره ليساعده في أي أمر من الأمور ليذهب راكضاً إليه لأنه جاره وأخيه منذ عشرات السنوات بل منذ الأزل وإلى الأبد، يكفي أن يذهب على شاطئ غزة يجلس على إحدى صخور الميناء المهترئ يراقب بحر غزة شديد الزرقة وأمواجه التي لا تتوقف عن ضرب أحجاره لسنوات وسنوات دون أن تتمكن من إغراقها وسحبها لأعماقه، تأبى أحجاره الميناء المهترئة أن تغرق كي لا يحزن أهل غزة لأنه الميناء الوحيد لمدينتهم، ميناء وحيد ومهجور ولكنه يجعل أهل غزة يشعرون أنه توجد لديهم صلةٍ ما مع العالم الخارجي، يحلمون بأنه ربما تأتي سفنٍ ما يوماً ما تحمل أقاربهم وأهلهم في الشتات، أن تأتي البضائع والتجار، أن تأتي الحياة مع تلك السفن الآتية من خلف الأفق، ولكن لا أحد يأتي ويبقى الميناء المهجور في الانتظار وفي مقاومة الأمواج.

يكفي أن يمشي في شوارع غزة يشتري سندويشات الفلافل مع أولاده ويأكلون البوظة في محل كاظم، ثم يشترون الأشياء الجميلة في شارع عمر المختار؛ يكفي أن يزور جدته وأقاربه ويجلسون تحت شجرة التين الكبيرة، يضحكون ويأكلون وينسون ولو لبعض الوقت من استشهد ومن تم إبعاده ومن رحل ولم يعد ومن مات قهراً ومن مات حزناً؛ يجلسون معاً كي ينسوا تلك البنادق المصوبة عليهم عند نقطة "إيرز"، كي ينسوا أنهم حين يسافرون يكون سفرهم قطعة من الجحيم.

يكفي أن يشعر بذلك الدفء والكرم والمحبة في قلوب من حوله، لم يكن يريد حباً آخر، ولا بلداً أخرى، ولا وجوهاً أخرى؛ اكتفى بغزة بحزنها وجمالها ووحدتها وعزلتها وصمودها، اكتفى بها قطعة في القلب ونور في الروح، حتى أنه حين يسافر لأي بلدٍ أخرى يشعر بالاختناق ويريد أن يعود مسرعاً إلى بيته وأهله وغزته.

أجل، هناك بشر يرضون بالقليل ويجدون أن هذا القليل كثير ولا يريدون غيره، ولكن حتى هذا القليل أصبح كثيراً بالنسبة للصهاينة ولابد من انتزاعه وتدميره.

تأتي رسالة تهديد صهيونية: غادر بيتك خلال ربع ساعة قبل أن يُهدم.

نظر حوله ماذا سوف يأخذ وكيف سيخرج مع أسرته وهل يمتلك الوقت الكافي كي يهرب معهم إلى أين، أين الأوراق الرسمية، أين ذهب زوجته، أين الأولاد، أين...أين...

وقف وسط بيته ينظر إلى كوكبه الصغير الذي لم يكن يريد من هذه الحياة سوى أن يكون به، أن يموت ويعيش به، وتخيل للحظات أنه يخرج مع أولاده وزوجته، يركضون في شوارع غزة يهربون إلى اللامكان، أو ربما يتم ترحيلهم إلى مدنٍ أخرى ودولٍ أخرى، والذل يحلق فوق رؤوسهم، والبؤس يسكن قلوبهم والقهر يكسر أرواحهم؛ وفجأة قرر وقال لأولاده وزوجته:

_ إذا رغبتم بالرحيل غادروا، ولكن أنا باقٍ هنا، عشت هنا وأموت هنا، الصهاينة كسروا الكثير في حياتنا ولكن لن يكسروا أرواحنا؛ نحن بشر ولم يعاملونا كبشر، لكن الموت فقط يُثبت لهم أننا بشر، وأن الروح لا تموت ولا تُقتل ولا تُحرق بقنابل الفسفور، روحي وأرواح الشهداء ستكون لعنتهم الأبدية. أريد الشهادة لأشعر أنني عشت ومت بشراً بعزتي وكرامتي. مقابل الذل أرحب بالموت؛ ومقابل التهجير أرحب بالشهادة.

***

سناء أبو شرار

ترجمة: محمد هاشم محيسن

خوسيه ماريا ميرينو روائي وشاعر وقاص وكاتب مقالة وعضو في الأكاديمية اللغوية الملكية الأسبانية ولد في مدينة غاليثيا الأسبانية عام 1941 ويعد من الكتاب الأسبان المعاصرين الذين لهم صدى واسع في المجتمع الأسباني لديه نتاجات أدبية في مجال القصة والرواية والشعر والمقالة وتتميز قصصه بموضوع السفر والغربة والخيال ووصف الطبيعة. حاصل على عدة جوائز أدبية منها الجائزة الوطنية الأسبانية للآداب في عام 1986عن عمله الموسوم "الضفة الغامضة"، والجائزة الوطنية لأدب الطفولة، والشباب في 1993 عن عمله الموسوم "قطارات الصيف". لديه دواوين قصصية مشهورة من بينها يبرز ديوان " المسافر التائه" الذي أصدره عام 1990، الحافل بالمتعة وجمال الأسلوب الأدبي، وبتقنية التشويق القصصي التي يثيرها عند القارئ، ويتحدث فيه عن السفر والغربة والخيال ووصف الطبيعة وحياة الناس اليومية. وضياع الأمل، والخيال القصصي الأدبي . هذا الديوان يضم مجموعة قصص ابرزها: "المسافر التائه" و"مضمار ريفي" و" الأسرى" و"مناظر خيالية"، و"اللحن الأخير". يقدم شخوص هذه القصص مسألة الغربة والسفر وضياع الفكر، واستحالة الذاكرة، يمزج فيهم الكاتب واقع الحياة اليومية والغموض الأدبي، ولا يمكن تخمين كيف تكون نهايتهم في نهاية القصة.

 في المقطع الاخير من قصة "اللحن الاخير" في ديوانه القصصي يقول الكاتب:

وصل الرجل العجوز منطقة (ريتيرو) المليئة بالأشجار والظلال وجلس على مقعد مستندا على عصاه الخشبية البالية. وبدأ يعزف بمزماره ووصل لحنه الجميل إلى أناس القرية، وتجمع حوله بعض الصبيه وهم يتأملون كيف يمسك بيد مزماره، وباليد الأخرى يمسك عصاه الخشبية وعندما شاهدهم حوله فرح وكان يرى في أعينهم ذكريات الماضي، في ذلك الحين كان الطقس جميلا والحرارة معتدلة، وضوء الشمس منكسر على أغصان الأشجار، وهذا المنظر ذكره بالجبال في قريته . وعندما انتهى من العزف ذهب الصبية وبقى يتأمل الأشجار وظلها متخيلا أشياء كثيرة كأنها تدور حوله، وعلى الرغم من الطقس المعتدل الحرارة إلا أنه شعر بالبرد ورفع مزماره، وعزف لحنا، ومن بعيد رأى مصابيح المدينة وترك العزف ليستعيد نفسه برهة من الوقت ثم عاود من جديد العزف لكنه رأى الشيء الغامض الذي كان يتابعه في سيره، وحاول أن يغمض عينيه كي لا يراه غير أن ذلك الشيء الغامض اقترب منه كثيرا، وانتهى عزفه. وفي ساعات الصباح الأولى من اليوم التالي مر من قربه فلاح فرآه جاثما لا يتحرك فأدرك أنه ميت، وهو جالس ويده اليمنى على عصاه الخشبية البالية المعقوفة الرأس، ويده اليسرى على مزماره، وهو قرب صدره كأنه يرتاح برهة من الوقت، لينشد لحنا آخر جديدا.

***

علي مدى يومين متتالين استمعت بقراءة رواية الكاتبة جميلة بلطي عطوي وهي روايتها الأولى بعد إصدارات أخرى في الشعر أهدتني منها مشكورة ديوانها أحلام ومراكب

تحكي الرواية عن السيدة (تونس) وهي أم لثلاثة أبناء (ولدان وبنت) هاجروا كلهم إلي أوروبا (الحلم ) وتركوا لها الوحدة و أمراض الشيخوخة تنخر جسدها الضعيف .الأم كانت تسكن شقة صغيرة انتقلت إليها بعد أن باعت منزلها الكبير كي تساعد الابناء في دراستهم (خارج الوطن) لكن الأبناء استقروا ثلاثتهم هناك وأخذتهم مشاغلهم ومشاكلهم حتي أنهم لم يعودوا يتصلوا بها إلا نادرا فضلا عن أن يزوروها

لكن فجاة أصابتها موجة من فرح قادم عندما اتصل بها ابنها البكر سمير وأخبرها عن نيته في العودة إلي بلده والاستقرار فيه بعد أن فتح له مشروعا اقتصاديًا ناجحا أخذت الأم تعد شقتها الصغيرة لاستقباله وعائلته الصغيرة المكونة من طفليه وزوجته كاترين، تخلت لابنها وزوجته عن غرفتها ولجأت لغرفة (المعينة) التي كانت تساعدها في شغل البيت بعد أن تخلت عنها منذ مدة وخصصت غرفة للطفلين وهيأت كل ما يريحهم في اعتقادها

وحل اليوم الموعود و(تونس) لا تصدق أن ابنها وأسرته سيعمرون بيتها وحياتها من جديد وأنها أخيرا ستتخلص من الوحدة القاتلة والموت البطيء لكن الصدمة جاءتها مباشرة عندما فتحت لهم الباب حيث فوجئت بجفاء كنتها وبرودتها عندما اندفعت لتحضنها فاكتفت الكنة بأن مدت يدها لها مصافحة، أما المفاجأة الثانية فعندما أخبرها ابنها بأنه سيعيش في بيت مستقل مع أسرته وليطمئنها قال أنها اشترى بيتا قريبا من الحي الذي تسكن فيه الوالدة لكن والدته من شدة صدمتها قررت أن تلجأ إلي دار المسنين التي قبلتها على مضض لان حالتها الاجتماعية كانت جيدة ولا تحتاج اللجوء إلى الدار وهنا اكتشفت (تونس) معاناة المسنين مع الإهمال وسوء المعاملة وتعرفت علي مآسي كثيرة لأناس آخرين فظهرت مشكلتها أمام ما رأت وسمعت بسيطة لأن ولدها كان بارا بها ولكنه أراد فقط تجنب الصدام بينها وبين زوجته خاصة وأن والدتها (حماته) كانت تملأ رأسها بالكثير من الحكايات عن تخلف (العرب) وسوء معاملتهم للمرأة كما أنها لم تكن راضية عن هذا الزواج أصلا لكن كاترين زوجته تحدت والدتها وتزوجت سمير الذي أحبته بصدق والأكثر من هذا جاءت لتعيش معه في بلده بعد ما وعدها بالحياة الجميلة التي سيوفرها لها هنا.

لكن سوء التفاهم الذي وقع بين والدته وزوجته جعله يقسو عليها وهذا جعل الوساوس تسيطر عليها ودخلت في دوامة الشكوك ومن ناحية أخرى كانت والدته تتألم لسوء تصرف ابنها وحاولت الإصلاح بكل ما استطاعت كما استعانت بجارتها نجاة وبرؤي الفتاة الشابة التي كانت مترجمة لكل ما تقوله كاترين أو تونس أونجاة.

وبعد صراع طويل ومشاكل كثيرة توصلت إلى رأب الصدع وعودة المياه إلى مجاريها ، كما عملت على تحقيق حلمها بأن تنشئ ناديا لتعليم المسنين وتكون أول طالباته لأن عقدتها المستحكمة هي الأمية وذلك بمساعدة مديرة دار المسنين والاخصائية الاجتماعية وغيرها من شخوص الرواية الدين كان يتحاورون بشكل راق جدا

وبعد لأي تحقق حلمها وانضمت إلى النادي تلميذة تحلم بالطباشير والألوان وآلت على نفسها أن تتعلم وتتخلص من الأمية التي لازمتها حيث حرمها عمها من التعليم لأنها يتيمة وظلت في بيته خادمة لزوجته وأولاده إلى أن أنعم الله عليها بالزوج الصالح فتزوجت وعاشت ترعى بيتها وزوجها حتى وفاة الزوج وهجرة الأبناء لقد قررت أن تعمل على إسعاد الآخرين نكاية في المعاناة التي تعرضت لها في طفولتها وذلك بكل ما أوتيت من قوة ومال

وهكذا أزهرت وأشرقت من جديد (عند غروبها) وراحت تعطي وتنفع بلا حدود حتى أحبها الجميع فانحلت كل عقدها الماضية وتحررت من نفسها وعواطفها كما تحرر ولدها من الشعور بالذنب وربما (الواجب) في اتجاهها.

فكرة نبيلة جدا لا تخطر على بال الكثيرين من الآباء والأمهات الذين تراهم (يسيطرون) على أبنائهم عاطفيا فلا يجدون أنفسهم إلا وهم يخسرونهم أو يخسرون أسرهم

وإن كانت (تونس) قد وجدت حلا لمشكلة ابنها فإن الكثير من الأمهات لازلن يعانين من ألم البعاد و(الخلافات) والأدهى والأمر أن أبناءنا في الضفة الأخرى يعانون كثيرا من (الزواج المختلط) وعدم تقبل زوجاتهم لأية مبادرة من الأزواج محتميات بقوانينهم التي تقف كلها إلى جانب المرأة وخاصة (النسويات) اللواتي يتسلطن على الأزواج ويضغطن بواسطة الأطفال على الآباء وهكذا تجد هذا النوع من الأزواج بين سندان الأبناء ومطرقة الآباء والأمهات دون أن ننسى اختلاف العادات والتقاليد وأشياء أخرى تعيق نجاح هذا الزواج وهذه هي مأساة شبابنا المغاربي والوجه المأساوي الآخر لكل أحداث هذه الرواية

هذا ما خرجت به من انطباع بعد قراءتي لرواية الكاتبة الكبيرة جميلة بلطي عطوي التي أتمنى أن يرى لها الجزء الثاني قريبا ولم لا رواية أخرى في موضوع اجتماعي آخر كما فعلت مع هجرة الشباب.

***

فاطمة الزهراء بولعراس

سألني زملائي الروس القدامى – هل شاهدت شولوخوف وهو يجلس بالقارب في شارع غوغول بموسكو؟ ضحكت أنا من طبيعة هذا السؤال، وقلت لهم، لقد تذكرت كيف كنّا نمزح ونضحك عندما كنّا طلبة وندرس معا في جامعة موسكو قبل ستين سنة، ولكن هل يمكن ان نمزح بهذا الشكل السريالي الغريب الان، وقد بلغنا من العمر عتيا؟ فضحكوا جميعا على اجابتي، وقالوا لي، هيا لنذهب الى هناك، كي ترى بنفسك اننا لا نمزح ولا نضحك، ولكي تقتنع، بانك لم تعد تعرف موسكو اليوم كما كنت تعرفها سابقا في الايام الخوالي، لانك (بلغت من العمر عتيا!). اندهشت انا من اجابتهم الحاسمة تلك وقلت لهم انني حتى لم اسمع، ان شولوخوف يجلس في قارب و(يتنزه!!!) بشوارع موسكو، فقالوا لي،لا يمكن للانسان ان يرى كل شئ ولا ان يسمع كل شئ، فهل نسيت هذه الحقيقة البسيطة في حياتنا؟ فاضطررت ان اقول لفولوديا، وهو الذي كان ولازال اكثرنا جديّة وصرامة – حتى انت يا فولوديا؟ فضحك فولوديا وهو يقول – نعم نعم، حتى أنا، هيا لنذهب معا، هيا لنذهب، وهكذا توجهنا جميعا الى هناك، وكنت لاازال بين مصدّق لتلك الاقوال او غير مصدّق لها...

وها انا ذا امام هذا النصب الهائل والغريب لشولوخوف وروايته (الدون الهادئ)، هذا النصب الذي لم اشاهد سابقا شيئا مماثلا له بتاتا، حيث يجلس شولوخوف فعلا – كما قالوا لي - في قارب، وهو رافع الرأس بشموخ، وعن يمينه مجذاف، ويجري (نهر الدون) تحت القارب هادئا كما أسماه في روايته، واسفل هذا القارب تحاول عشرات الحصن ان تعبر النهر سباحة وهي متعبة، ورؤوسها تبدو واضحة فقط ليس الا، اذ انها غاطسة باكملها في النهر، وامام هذا النصب المدهش تقف مصطبتان متلاصقتان ببعض من الظهر وبينهما جدارية تعلو حوالي المتر، ومحفور على تلك الجدارية مشاهد من المعارك التي كانت تحدث بين (البيض!) و(الحمر!) في الحرب الروسية الاهلية آنذاك، والتي تناولتها رواية شولوخوف الشهيرة (الدون الهادئ)، وكل ذلك مصنوع طبعا بشكل باهر، فماء نهر الدون الذي يجري هادئا فعلا، والقارب الذي يعلو النهر حيث يجلس شولوخوف شامخا من البرونز، والحصن التي تسىبح في ماء النهر متعبة وهي تحاول عبوره بعناد واصرار، والمصطبتان المتلاصقتان والجدارية الجميلة التي تفصل بينهما، والمليئة بالنحت البارز لاحداث الحرب الاهلية الروسية آنذاك. لقد أدهشني هذا النصب بافكاره الرمزية العميقة جدا وحجمه الهائل وغير الاعتيادي بتاتا وتصميمه الرائع المتناسق الجميل وتنفيذه بهذا الشكل الفني الحيوي المدهش، وفهمت بما لا يقبل الشك، ماذا يعني نصب تقوم الدولة بانجازه تخليدا وتكريما لأحد اعلامها الكبار مثل شولوخوف...

بعد ان مكثنا عند النصب اكثر من ربع ساعة ونحن نتأمّله من كل جوانبه بامعان واهتمام، قررنا الجلوس في مقهى قريب لتناول القهوة، وهناك بدأنا ندردش حول انطباعاتنا حول هذا النصب، فقال لي احد الزملاء، انه لاحظ باني لم انبس بكلمة واحدة بتاتا عندما كنّا هناك، فاجبته ضاحكا، نعم لاني كنت مندهشا أشد الاندهاش امام هذا الانجاز الفني الكبيبر لدرجة لم استطع فيها ان اقول اي شئ بتاتا، اذ اني طوال حياتي اهتم بالتماثيل والنصب، واطلعت على الكثير منها في مدن العالم التي سافرت اليها (وما اكثرها !)، وحتى بادرت بتنفيذ عدة تماثيل نصفية في روسيا والعراق لشخصيات عراقية (وحسب امكانياتي المتواضعة)، ولكني لم اشاهد ابدا مثل هذا النصب العملاق في اي مكان كنت فيه بالعالم. وأخذ الجالسون يحدثوني عن هذا النصب، وقد تبيّن من احاديثهم، ان الدولة السوفيتية اعلنت مسابقة عام 1980 لاقامة نصب لشولوخوف، وشارك طبعا عشرات النحاتين بتلك المسابقة، وفاز النحات روكافيشنيكوف بها، الا ان الدولة آنذاك لم تستطع تنفيذه، اذ كانت اوضاعها الاقتصادية والعامة في ثمانينيات القرن العشرين متدهورة، وليس عبثا ان الاتحاد السوفيتي نفسه قد انهار عام 1991، وهكذا بقي هذا المشروع الفني العملاق بلا تنفيذ، ولكن ابن النحات استطاع ان (يعيد الحياة الى هذا النصب!) لانه مشروع والده، وتمكّن من تحقيقه عام 2007، بعد اضافة بعض التعديلات عليه، وذلك بعد ان استقرت الاوضاع نسبيا في الدولة الجديدة، التي حلّت مكان الاتحاد السوفيتي، وهي - روسيا الاتحادية. امتدحنا جميعا موقف ابن النحات هذا، وقلنا يا له من ابن بار لذكرى والده. وتحدث بعض الزملاء ايضا عن اهمية هذا النصب مؤكدين، انه يجسّد موقف الدولة الروسية تجاه شولوخوف، اذ حاولت بعض الاوساط السياسية في خارج روسيا وحتى في داخلها تشويه سمعته الادبية والطعن بمكانته في مسيرة الادب الروسي، وقد جاء تنفيذ هذا النصب الكبير في موسكو لشولوخوف ولروايته الشهيرة (الدون الهادئ) جوابا حاسما على كل ذلك، اذ كانت تلك الحملة تدور بالذات حول هذه الرواية، ولهذا نرى شولوخوف في النصب يجلس بقاربه شامخا، وهو يعبر (نهره الهادئ)...   

***

أ.د. ضياء نافع

في الحنين الى اصوات عربية الجأ احيانا الى اليوتيوب بعد ما انتزعت الستلايت وتركت المحطات الفضائية العربية التي اتعبتني وكادت ان تقضي على ما تبقى من اعصابي.. فالبرامج الحوارية صار بعضها يقلد الاسوأ مثل برنامج فيصل القاسم واستعراض التهريج والتحريض فيه. بدل من متابعة برامج عمرو الليثي الحوارية الممتعة او برامج محمود سعد الغنية بمعلوماتها وغيرها من البرامج الحوارية الجميلة التي تعلم المشاهد كيف يصغي ويستمتع بما يسمع. من خلال تلك البرامج تعرفت على الكثير من المسلسلات الحديثة. وقد ادهشني مدى التطور فيها من ناحية المواضيع والاخراج والتمثيل والانتاج الذي يلعب الدور الكبير في اقناع المشاهد.

بدأت السينما المصرية قبل الايطالية او واكبتها في بداية الاربعينات من القرن الماضي. في البداية لم تكن هناك صناعة سينما وانما كان تقليد لكل ما ينتج في الخارج من افلام خاصة الامريكية. فيقوم فريق العمل من مخرج ومنتج وممثلين بتحويل نسخة من الفيلم الى مصرية لغة واسماء الابطال او شخوص الفيلم . مثل فيلم مرتفعات ويذرنغ وذهب مع الريح.. وغيرها العشرات من الافلام. بل كان يتم الحفاظ حتى على اجواء الفيلم من ديكور وملابس. ثم صار القائمون على تلك الصناعة بتمصير الفيلم الى حد ما. وهناك ايضا ملاحظة انه الكثير من الممثلين المصريين يختارون على اساس نقطة التشابه بينهم وبين ممثل اجنبي اخر. فعماد حمدي يشبه الى حد ما ممثل ايطالي قديم لا اذكر اسمه.

لكن اعتماد بعض المخرجين المبدعين مثل صلاح ابو سيف وعاطف الطيب على روايات لكتاب معروفين مثل روايات نجيب محفوظ ، خلقوا سينما لها وزنها وملامحها الواضحة والقوية.  اما بالنسبة للدراما التلفزيونية فهناك اعمال خالدة عديدة مثل مسلسل لحظة اختيار وزينب والعرش وثلاثية الساقية ورحلة ابو العلا ، والكثير من الاعمال المميزة. واخرى اعتمدت لقطات الكلوزاب واحيانا المبالغة والصياح. وطبعا كل مشاهد يراها وفق ثقافته ومنظوره للعمل.

بعد انقطاع عن المسلسلات الرمضانية، فرحت وانا اتابع مسلسلات اخرجها شباب وحتى منتجيها شباب ايضا ومعظم الممثلين شباب مبدعين. اراها طفرة في عالم الدراما المصرية من ناحية الموضوع والسيناريو والاخراج والتمثيل والتصوير ايضا. مثل مسلسل لعبة نيوتن بطولة منى زكي ومحمد فراج.. ومسلسل كأنه مبارح  بطولة رانيا يوسف ومحمد الشرنوبي  وخالد انور، ومسلسل افراح القبة الماخوذ عن رواية نجيب محفوظ بنفس الاسم، معالجة الرواية بشكل فريد وابداعي منحت المسلسل قوة لم نعرفها في المسلسلات المصرية سابقا. بطولة منى زكي ومحمد الشرنوبي وجمال اسماعيل وسلوى عثمان وصابرين ونخبة من الممثلين المبدعين. ومسلسل هذا المساء بطولة محمد فراج وخالد انور وحنان مطاوع واياد نصار وغيرهم من الممثلين الشباب. تلك الاعمال يجمعها وسبب نجاحها هو الانتاج الواعي الكريم والاخراج المميز واختيار الممثلين بتفوق واكيد اعتماد العمل والسيناريو الناجح بتفرده وتميزه.                      

***

ابتسام يوسف الطاهر

قراءة في بعض التجارب التونسية المعاصرة

ضمن مشاركاتها الفنية التشكيلية والأكاديمية العلمية شاركت مؤخرا الفنانة والباحثة آسيا الكعلي في الملتقى العلمي الدولي الذي أقيم بجامعة 20 اوت 1955 سكيكدة كلية الآداب واللغات بالجزائر مع مخبر التراث الأدبي الجزائري حول موضوع "الرحلة والرحالة ما بين المشرق والمغرب". وقدمت بالمناسبة مداخلة علمية تحت عنوان "الارتحال في الفنون المرئية وإنشائية الانتقال قراءة في بعض التجارب التونسية المعاصرة". وقد لقيت هذه المساهمة العلمية تقبلا مميزا من قبل المشاركين والحاضرين وهي محطة مهمة من محطات نشاطها العربية والدولية ..هذا وتواصل الفنانة التشكيلية والباحثة آسيا الكعلي أنشطتها الفنية التشكيلية من خلال الحضور والمشاركة في الندوات العلمية والمعارض الجماعية والورشات الفنية فضلا عن عملها الدؤوب لمزيد الابداع والابتكار والبحث والاعداد لمعرضها الفني الشخصي برواق فني بالعاصمة مع بداية الموسم الثقافي الجديد 2023/2024 ...و في هذا السياق الفني الثقافي والابداعي تم تكريمها لمشاركتها في أيام قرطاج الجهوية للفن المعاصر بولاية المنستير حيث أنجزت عددا من الأعمال الفنية لتعرض ضمن مختارات من مجموعة الاعمال الفنية للفنانين التونسيين المشاركين في أيام قرطاج للفن المعاصر 2023. وقد عرضت الأعمال في المحطة الثانية للايام الجهوية مرحلة المنستير من 11الى 13 اوت بالمركب الثقافي بالمنستير. بحضور مديرة أيام قرطاج للفن المعاصر والمندزب الجهوي للشؤون الثقافية وأعضاء هيئة المهرجان واطارات المنستير الثقافية وعدد من الفنانين التشكيليين وأحباء الفنون الجميلة. وانتظمت أيام قرطاج الجهوية للفن المعاصر بولاية المنستير خلال يوم الأحد 13/08/2023 بالمركب الثقافي بالمنستير حيث تابع الجمهور استعراضا للموضة والفنون كما انتظمت ورشة للفن والرسم وتم تدشين اللوحة الجدارية الفنية الجماعية في ساحة المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بالمنستير في اطار أيام قرطاج الجهوية للفن المعاصر تحت شعار " الفن طريق "...و قبل ذلك بأسابيع وضمن تألقها واشعاعها وضمن فعاليات الدورة الاخيرة لملتقى المبدعات العربيات بسوسة لسنة 2023 وفي سياق الأنشطة المتعددة من ندوات ومعارض ولقاءات بحضور باحثات وفنانات عربيات ومنهن بالخصوص ضيفة الشرف الفنانة المصرية الكبيرة الهام شاهين تم تكريم الفنانة والباحثة آسيا الكعلي حيث قدمت عددا من أعمالها الفنية ضمن معرض جماعي بمشاركة كل من الفنانات التشكيليات حيث كانت الدورة مجالا لعدد من المشاركات من دول عربية هي ليبيا والعراق ومصرو اليمن والمغرب ولبنان وسوريا وفلسطين...و قد كانت للفنانة التشكيلية آسيا الكعلي عدة لقاءات مع المشاركات والصيوف وخاصة سلمى بكار والهام شاهين حيث تقول "...مشاركتي في ملتقى المبدعات العربيات بسوسة حول أسئلة الجندر في إبداع المرأة العربية تميزت بعدد من اللقاءات والنقاشات مع المبدعات كما كانت اعمالي في معرض الفن التشكيلي للدورة الخامسة والعشرين مجال متابعة من جمهور وضيفات الدورة واحباء الابداع والفنون الجميلة...".والفنانة آسيا الكعلي تخيرت طرائق فنها وفق نهج مخصوص قائلة بالابداع والبحث والامتاع وقد انطلقت في تجربتها الفنية في الرسم باستعمال القلم الفحمي وقلم الرصاص، بغاية ونشدان لصفات تشكيلية وجمالية معينة بلغة بصرية ثنائية الأبعاد، ولتمثيل مواضيع كالمجسمات والمنحوتات النصفية والأجساد والطبيعة الصامتة بمختلف أشكالها، وهو مسار له صلة بالذاكرة وفق المتحوّل بين الحقب الزمانية ...هي سياقات جمالية انتهجتها الفنانة التشكيلية والدكتورة آسيا الكعلي وعملت عليها في تجربتها المفتوحة بين البحث الأكاديمي والرسم والتلوين.. آسيا الكعلي فنانة تشكيلية وباحثة في مجال الفنون المرئية وخرّيجة المعهد العالي العالي للفنون الجميلة بتونس، متحصلة على الإجازة في الفنون التشكيلية (اختصاص رسم) وشهادة ختم الدراسات المعمقة اختصاص "علوم وتقنيات الفنون" بالمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس. وأستاذة بالمعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة منذ سنة .2011 . وشاركت في العديد من المعارض الجماعية بتونس، المنستير، سوسة، القيروان، الكاف، المهدية. كما أنها شاركت في العديد من الملتقيات والندوات العلمية بسوسة والمنستير وتونس ونشرت لها العديد من المقالات في مجال الفنون المرئية المعاصرة. لها عديد المعارض الشخصية: معرض تشكيلي فردي بعنوان" تجليات" بدار الثقافة بقصر هلال مارس 2013، معرض تشكيلي فردي بعنوان "عود على بدء" بالمركب الثقافي محمد معروف بسوسة جانفي 2021. معرض تشكيلي شخصي بدار الثقافة القلعة الكبيرة مارس 2023. شاركت في الملتقى الدولي للمبدعات العربيات بسوسة بعنوان "الثالوث المحرم في إبداع المرأة العربية، في ماي 2022 .و شاركت في المنتدى الدولي للفنون البصرية تحت إشراف المعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة وجامعة سوسة والجمعية الوطنية لتأطير الشباب من 21 إلى 26 سبتمبر 2022.و عن تجربتها تقول الفنانة آسيا "...انطلقت في تجربتي مع فن الرسم باستعمال القلم الفحمي وقلم الرصاص، لخلق صفات تشكيلية وجمالية معينة بلغة بصرية ثنائية الأبعاد، ولتمثيل مواضيع كالمجسمات والمنحوتات النصفية والأجساد والطبيعة الصامتة بمختلف أشكالها، هذا المسار الذاكراتي المتحوّل من حقبة زمنية إلى أخرى انعكس في هذه التجربة التي عكست بدورها مرونة هذه التقنية وانفتاحها ومطاوعتها للتوجهات الجديدة في مجال الابداع الفني. وهي رسوم تنتقل بنا من مرحلة إلى أخرى ومن زمن إلى آخر، لتشكل رؤية أو قراءة في ذهن القارئ، بل تنتقل لتحيك رؤية فنية تترجم وتألّف ما بداخلنا من أفكار وذكريات، هي ليست رسوم صامتة، بل فيها روح مني، وأسلوب يترجم أفكاري وطريقة تناولي للمواضيع. فذاكرتي مع الرسوم، في تصفحها، وتأمّلها مؤانسة وحنين وعود واستمتاع، فالماضي عود وإمتاع ومؤانسة في الحاضر..

الفنانة الباحثة ىسيا الكعلي ودآب مفتوح على الفن والمعارض والورشات بكثير من السعي والاجتهاد والرغبة في الابتكار حيث تعد لمعرضها الفني الخاص بالعاصمة.

***

شمس الدين العوني - تونس

إحدى المنشآت التي عملت بها سابقاً، كنت تحت إدارة مشرفة وتعد هذه كارثة بالنسبة لي أن تترأسني "امرأة" والكارثة الأخرى أن يرأسني "رجل" كذلك!، لعل الكارثة الحقيقية في أنا..

المهم أنني قرأت شخصية هذه الإنسانة منذ اليوم الأول قرأت لغة جسدها، نظراتها، تصرفاتها لمست مايفيض منها من حقد وكراهية وشر محتمل وفوراً رسمت الشخصية التي سوف أكون عليها عند التعامل معها منذ تلك اللحظة..

علمت أن ردود الأفعال المباشرة لا تجدي نفعاً مع من هم على شاكلتها ولا يجب أن يُرَد لها الصاع صاعين على الإطلاق، بعض الشخصيات يجب أن لا تتوقع ردود أفعالنا وعلينا التعامل معها بإستراتيجية الغموض يقتلها عدم الرد عن الرد، يحرقها الصمت والبرود الشديد والطاعة العمياء وذلك بحد ذاته يتطلب مقدرة كبيرة على ضبط النفس ومراقبة كل كلمة وكل تصرف وقد إستغرقني الأمر سنوات حتى تعلمت هذه المهارة.

مشرفتي هذه كانت تفعل كل شيء لتخرج مني رد فعل واحد متوقع، غضب، إحباط، بكاء، فرح، امتنان أي شيء..

لكنها لم تقابل إلا جداراً خشناً رمادياً لا شيء فيه ملفت لأي إنتباه..

للدرجة التي جعلتها تكلفني بأربع تقارير مفترض أن ينجزها أربعة موظفين كحد أدنى، كلفت بإدخال بيانات يصل عددها إلى ١٨٠٠ قبل بداية كل شهر وعلي إنجاز هذا التقرير خلال ثلاثة أيام.

كنت أبقى بالمكتب إلى ما بعد وقت الدوام الرسمي الذي يمتد من السابعة صباحاً إلى الساعة الخامسة عصراً لأغادر المكتب الساعة العاشرة والنصف مساءً ثم أستيقظ الخامسة فجراً، بقيت على هذا الوضع لقرابة العام..

أعمل بطريقة غير طبيعية، في يوم قال لي أحد زملائي أشعر إنك تعيشي على التمثيل الضوئي أتمنى أن أراكِ تأكلي، تشربي شاي، قهوة ماء أي شيء !عمل عمل عمل لا يصح أن تضغطي نفسك لهذا الحد..

كنت أفعل ذلك لأختبر حدودي بهذه الحرب الصامتة، كيف لي أن أحرقها غضباً وإظهار أسوأ ما لديها بدون أي ردة فعل مني وواجهت ضغطاً كبيراً من قبل جماعة التبرع بالنصائح والتدخل بحياة الآخرين دون طلب بضرورة تقديم شكوى رسمية، ربما كانت معظم تلك النصائح منطقية ولكن كما أسلفت من خلال تحليلي لتلك الشخصية ولتلك البيئة الموبوءة لم تكن المواجهه المباشرة خياراً جيداً بل هي الحرب الباردة والتكتيكات بعيدة المدى هي ما أطاحت بهم جميعاً، ولأنني كنت مضطرة أن لا أكشف شخصيتي الحقيقية تحملت إتهامي بالسلبية والضعف والخضوع

لم يجدي تنمرها معي نفعاً فقررت تحريض المدير ليبدأ هو الآخر تلك الحرب التي لا مسبب حقيقي لها سوى أنها لا تستسيغ شخصيتي!

كنت أحياناً أدخل المكتب وأقطع حديثاً عني بين زملائي والذي على ما يبدو كان مثيراً للشفقه..

في مرة دخلت المكتب ولم ينتبه لي أحد وسمعت مديري يتكلم عني عند مجموعة من أعوانه يخبرهم برغبته بطردي وأنه لا يستطيع نكران الكفاءة الإستثنائية التي أقدمها لكني "بومة" وأسد النفس ويفضل إستبدالي بسكيرتيرة غنوجة تفتح له نفسه..

لا أدري ماهو مفهومه الحقيقي للسكيرتارية عدا عن حقيقة كونه إنسان فاشل سواء فُتِحت نفسه أم سُدت؟

المهم أحد الزملاء كان يدافع عني بإستماتة قائلا: "اذا طردتها سوف تندم فلن تجد من يأخذ العمل بكل هذه الجدية والتفاني ويحتمل كل المهام دون شكوى أو تذمر" كان متحمس جداً بالكلام ولم ينتبه لدخولي، فجأة إلتفت خلفه ووجدني جالسة بمكاني، إصفر وجهه من الصدمة وقال:

- بسم الله ..! منذ متى وأنتِ بالمكتب؟

- رددت: منذ أن كنت بومة

فاجئه الرد وحاول طوال ذلك اليوم رفع معنوياتي بمدحي وإحضار قهوة وحلويات وغداء

بعد إنتهاء الدوام قال: كنت أراقب تصرفاتك أحاول أن أرى دمعة، كتمة، زعل أي شيء معقول لم تتأثري بالكلام؟

أنا رجل لكن إذا حصل وسمعت كلام عني بهذا الشكل ربما أختنق"

رددت عليه بكل برود: "تعتقد إني فعلاً ممكن اتأثر من هذا الإمعه؟ خيشة البصل الجالسة بالمكتب؟" ضحك وأطلق علي إسم "حديد" تعبيراً عن القوة والصمود..

اليوم التالي دخلت لمديري هذا لمناقشة مهمة عاجلة كلفني بها

وقبل أن اخرج من مكتبه قلت له على فكرة حتى أنا أكرهك وأحمل هم ضغط العمل ورؤية وجهك لكن دعنا نحتمل بعض إلى أن تجد الغنوجة وتفتح لك نفسك وإلى ذلك الوقت يخلق الله ما لا تعلمون..

بعد سنة وشهرين نقلت إلى قسم آخر وفي حفلة توديعي قالت مشرفتي: سمعنا إن عندك هوايات ومواهب كلمينا عنها

قلت: الفنون القتالية والكتابة والقراءة والتمثيل والصيد

قالت إحدى الزميلات: صيد ؟ كيف؟

قلت لها: "في الموية العكرة"

ضحكوا كلهم وقاطعتنا المشرفة قالت بما إن هوايتك التمثيل مثلي لنا مشهد، تحمس الجميع: وأصرّوا على تمثيل مشهد صغير أمامهم

لكني نظرت إليها وقلت:

غريبة .. ألم يعجبك آدائي سنة وشهرين!؟

***

لمى أبوالنجا – كاتبة وأديبة سعودية

" بلقيس ..

يا بلقيس ..

لو تدرين ما وجع المكان ..

في كل ركنٍ ..

أنت حائمةٌ كعصفورٍ ..

وعابقةٌ كغابة بيلسان ..

فهناك .. كنت تدخنين ..

هناك .. كنت تطالعين ..

هناك .. كنت كنخلةٍ تتمشطين... "

بهذه الكلمات رثۍ نزار قباني حبيبته وزوجته والأهم من ذلك كله، ملهمته “بلقيس الراوي” وذلك بعد أن وافـتها المنية على إثر انفــجار سيارة مفـخخة أمام مبنى السفارة العراقية في بيروت عام 1981.

في رثاء المغدورة بلقيس طبع الحزن وجدان نزار وأعماقه حتى كأنك تكاد ترى الألم الذي أثخن قلبه يلف كل حرف من حروف القصيد. إن الله فقط يعلم كم تألم الشاعر، مرهف الحس،  بعد رحيل بلقيس وكيف كانت أيامه ولياليه من بعدها.

  في حوار مؤثر أجري معه بعد وفاتها قال نزار : "كانت بلقيس واحة حياتي وملاذي وهويتي وأقلامي"..

لسائل أن يسأل كيف ستمسي حياة من فقد واحة حياته وملاذه وهويته وأقلامه؟

ماذا لو أنا خلقنا ونحن لا نرزأ بأي مصيبة في الحياة، ولا يلحق بنا أي أذى، لا تعترينا أية أعراض صحية أو مرضية، لا نشيخ، لا نموت، لا نحزن، لا نبكي ولا نتألم، فكيف تراه حالنا!

يبدأ الإنسان حياته لحظة خروجه من رحم أمه بصرخة. يخرج إلۍ الحياة ليواجه مصيره بنفسه. تحديات كبرۍ في انتظاره. هو لم يختر وجوده لكنه سيحاول جاهدا، وهناك من لا يحاول، أن يختار الصورة التي سيتشكل من خلالها هذا الوجود..سيختار صورة لوجود جميل أو قبيح..وجود حقيقي أو مزيف.

في سعيه إلى الإختيار سيواجه الإنسان مجموعة من القيود التي ستعيقه..تضغط عليه..والتي قد تقضي عليه.

 هذا ما سيسبب له المعاناة .. سيعاني من من الفجوة بين ما لديه وما يريده.. بين حقيقته وما يحلم به.. وبسبب هذه المعاناة سيلازم الإنسان الألم في حله وترحاله.

الألم شعور سلبي بعدم السعادة، وهو معطۍ من معطيات الحياة ولا يمكن لأحد أن يفلت منه. الألم كالموت. إنه فدية البعد الجسماني لوجودنا. إلا أن القول بأن الألم لايكون إلا ألم الجسم هو ضرب من التجريد لأن الألم كذلك نفسي.

الألم النفسي Psychological pain هو ذاك الذي ينتج بشكل أساسي عن عوامل نفسية، مثل الاكتئاب والقلق وفراق الأحبة والمشاكل العاطفية. ويُعرَف "إدوين شنايدمان" الرائد في مجال دراسة السلوك الانتحاري الألم بأنه «حجم الأذى الذي يتعرّض له الإنسان. إنها معاناة ذهنية، عذاب ذهني".

لقد برزت نظريات فلسفية عديدة بحثت في أسباب الألم.

 في كتابه Treatise of Man شبه رينيه "ديكارت" الجسد بالآلة.

فسّر "ديكارت" الألم على أنه اضطراب ينتقل عبر الألياف العصبية ثم يصل إلى الدماغ. فبعد أن كان يُنظر إلى الألم على أنه اختبار يجريه الخالق على النفس لتثبيت إيمانها حوّل "أبو الفلسفة الحديثة" إدراك الألم من كونه تجربة روحية إلى كونه إحساسا فيزيائيا. علاج هذا الإحساس يتطلب تحديد مصدر الألم عوضاً عن محاولة استرضاء القوة الإلهية للخلاص منه.

ومهما كانت أسبابه سواء كان جسديا أو نفسيا فالألم متأصل في عمق الوجود. هو موجود ليخبرنا أن هناك خللا يختبئ وراءه. خطب ما يتوارۍ في الجسد أو في الروح.

صحيح أن الشعور بالألم مرتبط بعدة عوامل كالهوية الجندرية والسمات الشخصية والثقافية، الأمر الذي يجعل نظرة المرء وتعاطيه مع الألم مختلفة عن نظرة وتعاطي غيره. لكن ليس هناك منا من لا يتألم لفقد حبيب أو مرض قريب.لا يوجد من لا يتألم لخذلان صديق. ليس هناك من لم يهرع إلۍ الطبيب ليخفف أوجاعه وطلبا للشفاء.  كلنا ننكسر ونسقط ونقوم وقد نبقۍ حيث أراد لنا الألم أن نكون.

مما لا شك فيه أن درجات الألم تتفاوت بين البشر لكن ما يجمعنا كافتنا هو الحاجة إلۍ مواجهته. مواجهة الألم هي أولى طرق الشفاء وأولى طرق النهوض بعد السقوط.

 إن قبول الألم ومحاولة التكيف معه هو ما يجعل منا بشرا فننسۍ كبرنا وغطرستنا. الألم يجعلنا بعد الفقد نتمسك أكثر بأحبتنا، هو كذلك ما يجعلنا نتذوق حلاوة اللقاء بعد الغياب وطعم الفرح بعد الحزن.

كم نحن مَدينون لك أيها الوجع فأنت ما تجعل لحياتنا معنۍ.

صدق من قال أنه لولا وجود عكس المعنۍ لما كان للمعنۍ معنۍ.

لكي يضفي الألم علۍ حياتنا معنۍ يتحتم قبلا أن لا يصرعنا ويلقي بنا في متاهات العذاب والحسرة. يجب أن يتحول النصب والوجع إلۍ محفز يدعم قدرتنا علۍ الحياة.

إن وراء كل إنسان عظيم ألما فظيعا!

***

درصاف بندحر - تونس

يقتحم الهلاك أنفاسهم، يتساقطون تباعا هكذا، تلتهم النيران أوجاعهم، ترتجف عروقهم، تجف بعدها على شاكلة أكداس تحترق، وبعد حين يغادر الجمع، يفترق الحضور، تُغتصبُ الحياة.

تهوى أحلامهم، تتلاشى، تتحول إلى صراخ يعلو، يرتحل بعيدا، معلنا انقطاعه عن الألم، تعود ذكرياتهم تلك البطاقات التي تتناغم حروفها مع رجاءات ذلك المبتغى خائبة، تتداعى جميع الكلمات التي يكتبها العاشقان قبل الحفل.

يفتقد المكان بطاقات هيبته متعثرا بفستان زوجة مرتقبة، يخر صريعا لحظة انشغاله بمصابيح أزمنة مقفلة، مفترقا عن أحداث ماض مرتبك.

تتعاقب مشاهد وقفتها المذعورة، متلازمة مع ارتباك فرحتها، تزامنا مع أحداث تشبه في تدفقها إيقاع كوابيس تحط مخالبها على حين غرة، لتسرق آخر ما تبقى لها من أمنيات.

 تكشف الحرائق عن لبوسها المضطرم دون اكتراث، يلتف اللهب الأسود حول حلقات ذلك الاشتعال مصرحا بحقيقة خبثه الماكر.

يمسك الخوف هراوة بغضه المقيت، أملا بتسجيل أكبر عدد من الضحايا، بينما في ذات اللحظة يختبئ الطاعون خلف أستار أبجدياته التي ما انفكت تستأنف مفردات بثها الغادر بطريقة ماكرة.

تنشغل الشابة بمفاتن حضورها الذي ما زال يتناغم مع مظاهر كأنما تم إعدادها لاغتصاب ثوب عرسها، تصبح مرتاعة لا تعرف اتجاه وقفتها، بينما يستحكم اضطرابها، تعدو تقصيا عن مخبأ تلوذ به، أملا ببقاء آمن.

تدب حركة المحتفلين مع صيحاتهم وفقا لأنباء عودة غائبة، تضج مساكنهم بالبكاء، يذاع الخبر على أسماع الجمهور، حيث يلوذ الجميع بسقوف مائدة أخلفت بوعدها.

يجد أحدهم نفسه على سرير حتفه المؤكد، يؤرق آخر ما تبقى له من عدةِ حياته الآمنة، يهوى ذلك الشاب مثل صخرة تتهشم شظاياها إثر زلزال عاصف.

يؤكد الطاغوت نفسه منتزعا جذور حدائق أريد لها أن تنبت عند محفل أرواح بهيجة

يتحول مهرجان المهنئين إلى ركام تلتهب أطرافه لتحترق على غرار أفران الموتى*

***

عقيل العبود

…....................

- عن حريق قاعة ابن الهيثم في الحمدانية.

- كتب النص بالفعل المضارع تأسيا لآثار الفاجعة التي ما زالت أحداثها ماثلة أمام الجميع.

- في الغربة عرفت أن هنالك أفرانا لإحراق الموتى عندما لم يتعهد أحد بتكاليف دفنهم، أما في العراق فصرت أعرف أن بعض المباني كالمستشفيات، وصالونات الأعراس تكاد أن تكون أشبه بتلك الأفران استعدادا لإحراق الأحياء قبل موتهم.

المرأة المغربية، بل وبصفة عامة، المرأة في المغرب، لم تقف أبدًا عاجزة أمام تحديات الحياة والمجتمع. إنها دائمًا ما تثبت نفسها كعامل فعال وفاعل في بناء وتطوير الوطن، وهي تمثل جزءًا حيويًا من عجلة التنمية في مختلف المجالات الحياتية. المرأة في المغرب ليست مجرد نصف المجتمع، بل هي كل المجتمع. منذ أسابيع قليلة، شهدنا الكثير من الشعارات والحملات التي رفعت شأن المرأة وأشادت بدورها المهم في المجتمع. هذه الشعارات ليست مجرد عبارات في الهواء، بل هي جزء لا يتجزأ من الثقافة الشعبية المغربية التي دائمًا احترمت المرأة. إنها المستشارة والحكيمة والمسيرة لشؤون الأسرة والمجتمع. في مختلف المجالات، تبرز نماذج رائعة للمرأة المغربية اللواتي أبدعن وتفوقن على المستوى الدولي. في مجال العلوم الاجتماعية، لا يمكننا إلا أن نتحدث عن فاطمة المرنيسي، السيدة التي جعلت اسم المغرب يلمع على الساحة الدولية. بفضل مثابرتها واجتهادها، أصبحت شخصية محترمة على الصعيدين الوطني والدولي. دراساتها ومحاضراتها تخطت الحدود الجغرافية للعالم العربي والإسلامي. هي شخصية تحظى بمركز مرموق بين الباحثين في مجال شؤون المرأة.

فاطمة المرنيسي ليست فقط حاصلة على جائزة أمير أستورياس، بل هي أيضًا عضو في حوار الحضارات الكوني، حيث تجلس إلى جانب كبرى العقول العالمية لبحث مكانة المرأة وتعزيز حقوقها. في مجال العلوم والتكنولوجيا، نجد نموذجًا مثل كوثر حفيضي، التي قادت أكبر مختبرات الفيزياء النووية في الولايات المتحدة. تعتبر كوثر استثنائية بامتياز، حيث وصلت إلى قمة قسم الفيزياء النووية بمختبر أرغون الأمريكي، وهو مرمى لوكالة الناسا. تعكس إنجازاتها وجهودها الكبيرة تحقيق النجاح في ميدان العلوم.

وفي مجال الفنون والإبداع، نجد الفنانة اللامعة الشعيبية، التي تعكس موهبتها وإبداعها من خلال أعمالها الفنية. انطلقت من قرية صغيرة لتجعل اسمها معروفًا في معارض العالم. إنها نموذج للإرادة والتحدي والنجاح الباهر في عالم الفن.

هؤلاء النساء ليسوا مجرد نماذج، بل هم أيضًا مصدر إلهام للجيل الجديد من النساء المغربيات. إن قصصهن وإنجازاتهن تعكس القوة والعزيمة والقدرة على تحقيق الأحلام بغض النظر عن العقبات. إن المرأة المغربية تظل نجمة تتلألأ في سماء التميز والإبداع.

***

زكية خيرهم

الامتاع سمة رئيسة في العمل الابداعي، والتجارب الابداعية الحقيقية تكتسب أهميتها ومن ثم انتشارها بقدر ما تقدمه من عوالم ممتعة ومشوقة منسوجة بأدوات مبتكرة يميزها ويفرد نكهتها عن غيرها من التجارب وكذلك في تجاوزها ما هو سائد من أنماط متوارثة في الصياغة تفتقر الى روح التجديد، والشعر قادر على تقديم هذا الامتاع والتميز فهو عالم زاخر بالجماليات من موسيقى وايقاع ولغة وصورة، والشاعر الحقيقي هو ذلك الذي يستثمر هذه المفردات ليرتقي بالذائقة ويؤسس لوعي راق من خلال ابتكاره لأنماط جديدة من التعبير ومن بينها اثارة الأسئلة التي تستفز القارئ وتأخذ به الى التأمل والبحث عن اجابات في شؤون كونية وحياتية، فالشاعر أدونيس يرى بان الشعر الذي لا يطرح الاسئلة لا يستحق ان يؤخذ مأخذ الجد، وقد تبنى هذا الرأي واشتغل عليه عدد من الشعراء من بينهم الشاعر (سيد حجاب 1940- 2017)، وهو شاعر عامية مصري عرف بكتابة أشعاره باللهجة العامية المصرية للكثير من الأعمال الدرامية والتليفزيونية المصرية ومن اشهرها مسلسل " الشهد والدموع " و" ليالي الحلمية " و " المال والبنون "، وامتازت اشعاره بوضوحها المجازي وفنيتها العالية وكذلك تناولها مشكلات كبرى تدور في ذهن الانسان، ففي عدد من قصائده انتهج الشاعر اسلوب الحوار بأسئلة ارتدت ثوب القصيدة كشف فيها عن استفهامات كثيرة تخص مشكلات كونية واجتماعية شغلت الانسان واستطاع من خلال اسئلته التي تبنى نيابة عن القارئ فك شفراتها والنفاذ الى جوهر الاشياء واحداث تغييرا بدرجة ما في الوعي ونمط التفكير فهو يسأل ويجيب:

منين بييجي الشجن

من اختلاف الزمن

منين بييجي الهوى

من اتلاف الهوى

منين بييجي السواد

من الطمع والعناد

منين بييجي الرضا

من الرضا بالقضا

كما ان شاعرا أخر هو " رسول حمزاتوف " لجأ الى ذات النمط من الكتابة وذلك في عدد من رباعياته التي ضمها ديوانه "طالما الأرض تدور" حيث تقرأ فيها حيرة الشاعر وانشغاله بأسئلة عن الحياة وصراع النفس البشرية:

ــ من هو أكثر الناس مشقة في حياته؟

ــ من لا يسمع نصيحة من أيما انسان

ــ من هو أكثر مشقة من هذا؟

ــ من لا يعطي نصيحة لأحد

.....

ــ من الأحقر بين البشر على الأرض؟

ــ الرجل الجبان الرعديد

ــ قل لي من هو الأكثر حقارة منه؟

ــ الرجل الجبان الساكت

.......

ــ من هو أكثر سعادة من رجل

لم يعرف الداء منذ ولادته؟

ــ من لم يعرف الحسد طوال عمره

لا لعدو ولا لصديق

........

ــ كيف نشأت القوة والتسلط؟

ــ ولدهما الضعف البشري

ــ ومن أين جاء هذا الضعف البشري؟

ــ ولدته القوة والتسلط

***

ثامر الحاج امين

في المثقف اليوم