أقلام ثقافية

أقلام ثقافية

تضمُّ القراءةُ منافعَ كثيرةً، وتسدي للإنسان القارئ خدماتٍ متعددةً، بيد أن قراءاتي منذ سنوات علمتني لغة الصمت، واكتشفت أن في الصمت غطاءً للروح، وإخفاءً لجوهر النفس العميق؛ ولأن الكلام مرادف للكشف والتعري، لذلك وجدتني مع مر الأيام متوغلا أكثر في الصمت، ومبحرا في لججه الهادئة والمظلمة، حتى لكأني ولدت صموتا، وكاتما لأسرار نفسي.

أقرأ كتبا مختلفة من حيث جنسها ونوعها وموضوعها، لكنها تعمق في نفسي شيئا أساسا، وتدفعني إلى عيش حيوات الآخرين، والوقوف على لحظات ضعفهم وقوتهم، وتتعرى أنفسهم وعقولهم على الورق الأبيض أمام عيني، فآخذ نفسي في رحلة التنقل بين هذه السطور المستقيمة، وأرى الأسرار تنبلج من رحم الكلمات الخرساء، والأفكار تخرج من العقول شفافة عارية. أما عن نفسي، فإنها لا تتعلم إلا الصمت، ولا تتقن إلا التوغل في غياهبه المعتمة، وهكذا، أسيج نفسي، وأفكاري، وحياتي كلها بجبال شاهقة من الصمت والغموض، وأعود هذه النفس التواقة على الصمت؛ لأن في الصمت سترا وحكمة كما قيل.

يقول أحد الروائيين على لسان سارده إن الكلمات تعري الإنسان، وإن الصمت عن الكلام يجعل هذه النفس الإنسانية منكمشة على أسرارها. لكني أرى أن الصبر على الصمت لم يؤتَ لكل الناس، وأن ما يكابده المرء، وهو يخوض تجربة الصمت ويرتقي مدارجها ومراتبها، شيء عظيم ممزوج بالألم الممض، وبالشوق المتأجج إلى الأنس والبوح، وبالرغبة المستمرة في الكلام ومشاركة الهموم الثقال مع الآخرين. فلماذا يصرخ الإنسان صرخته الأولى بعد الولادة؟ لماذا يتعلم الصمت وهو جنين في بطن أمه، لكنه ما إن يفتح عينيه عن الحياة حتى يصرخ، ويطلع الآخرين على أنه موجود؟ فهل الصمت معناه الغياب واللاوجود، والكلام معناه الحضور والوجود؟ أنحن محتاجون إلى الكلام حتى نعرب عن وجودنا للآخرين؟

نتعلم الصمت قبل الكلام ونحن في بطون أمهاتنا، ولكننا ما إن نولد حتى نسعى سعيا حثيثا ومتواصلا إلى الكلام، إلى تعلم العيش مع الآخرين، إلى البوح لهم برغباتنا وأسرار أنفسنا.. لذلك، نعيد بناء ذواتنا وذوات غيرنا بالكلمات، ونعبر عن كينونتنا بهذه الكلمات؛ لأننا لا نوجد إلا باعتبارنا كلمات، ولا نبني تصوراتنا ومفاهيمنا إلا بالكلمات، ولا نتفاعل مع محيطنا إلا بها. أليس أمر الله تعالى إن أراد كينونة شيء أن يقول له "كن فيكون"؟ ألم يبدأ الإنجيل بالقول "في البدء كان الكلمة"؟

إن الكلمة سر الوجود و سيلته، وأصله ومبدؤه، لذلك نسعى دوما إلى تعلم هذه الكلمة، والقبض على معانيها الهاربة، والسيطرة عليها بحسبانها سلطة؛ إذ هي بداية المعرفة التي تعد سلطة، والسلطة بدون كلمة تفقد الحياة لتغدو سلطة جوفاء قائمة على القمع والقهر. هكذا، تولد السلطة من رحم الكلمة، وتولد، أيضا، من رحم الصمت؛ لأن للصمت سلطته الخاصة، والتي قد تكون أقوى من سلطة الكلام. فالغموض موطن الأسرار، والإنسان مولع بالغموض، بالبحث عن الأسرار التي تخفى عنه، ويطمح دوما إلى المعرفة التي تكون بهتك حجب الغموض وأسراره، لهذا يكتسب الإنسان المكلل بالصمت هالة وقداسة من نوع خاص، تجعله مهابا ومحط حيرة وقلق للآخرين؛ لأننا نخاف الغموض والأسرار، ولا نجد طمأنينتنا إلا في الأشياء العارية أمام أنظارنا.

يفقد الصمت سلطته وقداسته بفعل الكلام والكتابة، لذلك نكتب لأنا نريد أن ننقل أسرارنا بالأشكال الخرساء، وأن لا نجشم أنفسنا عناء الكلام مع الآخرين، وخوض حرب الغموض وسوء الفهم معهم، ومن ثم، تبقى الكتابة سبيلا للفرار من الصمت، والتخفيف من وطأته على النفس؛ لأن الصمت إن طال تضاءلت الكينونة في الوجود، وأضحت كتلة تتحرك في المحيط حركات عمياء.

لقد تعلمت الصمت واستهواني الغموض الذي يولده في نفوس الآخرين؛ لأني أرى في الصمت بداية للحكمة، والحكمة لن تكون إلا تربية للنفس على رياضة الصمت، والتدرج في مراتبه ومدارجه، لذلك ما فتئ المتصوفة ينبهون العارف إلى أهمية الصمت، وارتباطه بالكشف عن الأسرار الباطنية، هذه الأسرار التي تفيض بها نفس العارف بعدما تثمل الصمت، وتتقن لغته مستعينة بالعزلة والغياب، والفرار من الدنيا وملذاتها، من الفانين وصخبهم الذي ينزع الروح من صفائها المقدس، ويرمي بها في لجج الحياة الفانية.

***

محمد الورداشي

 

لمناسبة معرض العراق الدولي للكتاب

يمتاز العراقيون بأنهم يحبون الكتاب من يوم تعلموا القراءة، فهو بوصف البصري أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (الجليس الذي لا يُطريك "لا يمدحك"، والصديق الذي لا يُغْريك، والرفيق الذي لا يَمَلُّك، والمستميح الذي لا يَسْتِريثُك، والجار الذي لا يَستبْطِيك، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالمَلَق، ولا يعاملك بالمَكْر، ولا يَخْدعك بالنفاق، ولا يحتال لك بالكذب) ويضيف بان الكتاب يحيى القلب، ويقوّي القريحة، ويمتع في الخلوة، ويؤنس في الوحشة.. وعنه قال المتنبي (وخير جليس في الزمان كتاب).

وكنا (نحن جيل الكبار) في ستينيات القرن الماضي نلتقي بمقهى (البرازيلية) وكل واحد منا جاء وبيده كتاب. واكتشفنا مبكرا ان اكتشاف الكتابة تعد واحدةً من أهم الإنجازات الإنسانية عبر التاريخ بوصفها وسيلة للتعبير عن المشاعر الصريحة والمكبوتة التي تجعل القاريء يتوحّد بالكاتب. وان للكلمة المكتوبة وقع السحر على النفس الإنسانية؛ القادرة على التغلغل إلى الأعماق، وإبراز المواهب والقدرات، لاسيما الرواية والقصة والشعر التي تساعدعلى تطوير شخصية الإنسان، والنهوض به عقليا ونفسياً و وجوديا!.

وسيكولوجيا يعمل الكتاب على تغيير نظرة الإنسان الى الحياة والناس بشكل إيجابي، وتحفيز الخيال عبر جمل ستتشكل في دماغ القاريء كصور حيّة في النهاية لا ككلمات، ولطالما قال الناس:الرواية أجمل من الفيلم، لأنّهم يترجمون كلمات الكتب كلاً بشكل مختلف وأجمل وأكثر ابتكاراً، ويشاركون كاتب الموضوع في بناء المعنى وتكوينه.

ويؤكد كثيرون ان اغلاق الكتاب وفتح شاشات الأنترنت على الفيسبوك واخواته تفقد ثقافتنا وحضارتنا الشيء الكثير، ونفقد أيضا على المستوى الشخصي ما لا يُمكن تعويضه. فمواقع التواصل بصفحاتها اللانهائية التي تغرينا بالاستمرار بالتقليب فيها تُصبح ثُقبا أسودا يبتلع الساعات والأيام، ولا تمدنا بما يُساوي الوقت الذي نُضيعه عليها، فيما صُحبة كتاب جيد تجعل الوقت يمر أبطأ، وتفتح أفقا آخر بعيدا عن هنا والآن يجذبنا إليه و(نذوب) فيه. وحتى عندما نغلق الكتاب ونعود لتفاصيل الحياة، نبقى نحمل في داخلنا ذكريات وتجارب من عوالم أخرى بعيدة طافت فيها أرواحنا، وعشنا فيها زخما من حيوات موازية ننتمي لبعضها أكثر مما ننتمي لواقعنا المُعاش، وتجعلنا نتفق مع ما تنبأ به برادبوري في "فهرنهايت 451″، من أن الإنسانية ستفقد مرآتها العاكسة التي ترى من خلالها كل ما بها من عيوب وخطايا، ولن يبقى حينها سوى صور "سيلفي" برّاقة تُظهر كل قُبح جميل.

وهناك خطر آخر يهدد الكتاب يتمثل بالذكاء الاصطناعي، وهو تقنية تحاكي الذكاء البشري نجح في التشكيل والاعلام الى حد ما، الا انه لا يمكنه ان يبدع في نظم قصيدة تقترب من قصيدة للمتنبي، الجواهري، نازك، السياب.. .ولا يمكن ان يكتب رواية تقترب من اضعف رواية لنجيب محفوظ ، لأنه يفتقر الى الحساسية في التعبير عن المشاعر والتفاعل الأنساني مع الاحداث بشكل مباشر، كما يفتقد الى البصمة البشرية بكل ما تملكه من حيوية.

ورغم ان الشعب العراقي تعرض الى ما لم يتعرض له اي شعب في العالم المعاصر من كوارث وفواجع وفقدان احبة خلال الثلاثة والاربعين سنه الماضية ، فانه يشهد في كل عام اقامة معارض(تتصدرها مؤسسة المدى باقامة معرضين كل سنة) يتنافس فيها اصحاب دور النشر الذين يشكون الآن من ارتفاع اسعار الورق، وفي ذلك خطر يهدد الكتاب والكاتب والقاريء، ونتمنى على لجنة المعرض عقد ندوة لمعالجتها.

وخاتمة القول..

قد يختفي الكتاب في كل الدنيا بفعل الثورة المعلوماتية والذكاء الأصطناعي .. لكنه سيبقى في العراق!

***

أ.د. قاسم حسين صالح

تعرفون اسمي ولا تعرفون قصتي، تعرفون ماذا فعلت ولا تعرفون الظروف التي مررت بها، فتوقفوا عن الحُكمُ عليٌّ وانشغلوا بأنفسكم. " ميشيل كومو"

بعد أربعة عقود من الزمن، وبعد اغتيال الأديب المصري/ يوسف السباعي بسبب اتفاقية السلام (كامب ديفيد) هل كان ضحية وبرِيئًا أَرْغمَ علي السفر مع الرئيس المصري {السادات} إلى رحلتة الي القدس بسبب رفض عربي للزيارة ...؟ هل يغفر له التاريخ بعد تطبيع معظم الدول العربية مع إسرائيل. وإسقاط تهمة الخيانة ..؟ أول أمس أخذني الحنين الي الماضي القريب ، وسافرت مع الذكريات، وأنا أمام شاطئ البحر المتوسط، الحنين إلى ذكريات غروب الشمس الدامي علي سطح البحر،، كان قدري أن

سافرت أكثر مما سافر الكثير،، وشاهدت أعظم المدن والبحار وقابلت حمقى يتصورون أنهم يوجهون العالم، ودخلت أغنى القصور وأفقر الأكواخ واستمعت إلى منطق الفلاسفة وهذيان العشاق وجربت النجاح والفشل، والحب والكراهية، والغنى والفقر، وعشت حياة مليئة بالتجربة والسفر والقراءة والتأمل، ولعبت مع الكبار،، لكنني أعترف بأنني لم أكتشف حتى الآن لغة البحر، رغم في بداية حياتي كان العمل علي مركب في البحر في قبرص،، في لحظة صفاء أمس علي شاطئ البحر المتوسط في مدينة( جمصة شمال دلتا مصر) جلست علي كورنيش شاطئ البحر أتأمل سطح البحر كان هَادِئًا كأنه طفل في نوم عميق، وفجأة تغير،رُوَيْدَا رُوَيْدَا ،وبدأ يقذف بموجاته وكانت نظراتي إلى البر الآخر إلى قبرص حيث" الزمان والمكان"،

والذكري وبداية تسعينيات القرن المنصرم، تهبط الطائرة ظهر يوم/ 15 يوليو عام 1990 م/ في مطار لارنكا،، وما أدراك ما لارنكا، فيها تحطمت وسالت دماء كتيبة من الصاعقة المصرية، بقيادة العميد/ نبيل شكري/ وعملية اغتيال الأديب والكاتب والعسكري يوسف السباعي فارس القلم، علي يد شاب / فلسطيني، للانه كان من ضمن الوفد المرافق مع السادات في رحلته الي القدس، كان "يوسف السباعي يمثل مصر في مؤتمر الدول الآفرو اسيوية في مدينة لارناكا في قبرص" الواقعه في الشطر اليوناني، تم إطلاق النار عليه أثناء اقامتة في الفندق ولقي مصرعه علي سلالم الفندق، انها جزيرة وكر الجواسيس او كما يطلق عليها جنة الجواسيس لكل حكاية علي ارضها الف قصة وقصة اطلق عليها الإغريق (جزيرة الحب والعشق) وهناك اسطورة اغريقية. تحكي عن هذا، وبعد حرب لبنان أصبحت جزيرة العشق الممنوع بالنسبة للبنانيين وبعض العرب، حيث الزواج المدني، بسبب قوانين الأحوال الشخصية، التي تمنع الزواج من طوائف أو ديانات أخرى، لذلك يطلق عليها جزيرة الحب والعشق الممنوع، وقفت على سلالم فندق الجريمة وتصفية يوسف. السباعي وعلي بعد أمتار جلست على شاطئ النخيل في لارنكا. أثناء الغروب أتذكر الفيلم السينمائي اذكريني لقصة يوسف السباعي، عن روايته بين الأطلال، والنهاية المأساوية، لشخصية الكاتب الذي تنبأ بالموت المفاجئ في الحقيقة كما كتب نهاية روايته أن تكون، نهايتة مأساوية في مصرعه في الحقيقة، إن الأحداث التي وقعت في مطار لارنكا. بين القوات المصرية والقبرصية كثير من شباب هذا الجيل لا يعرف عنها شَيْئًا. إن الأحداث التي جرت عقب عملية الاغتيال ومحاولة القبض علي الجاني، شابتها الرؤية من قرار منفرد من القيادة المصرية في عدم وجود رؤية واضحة للحادث  والتسرع في إرسال قوات مصرية وعدم التنسيق مع الجانب القبرصي، وعدم إرسال  إشارة للمطار بنزول قوات مسلحة مصرية اعتبرها القبارصة بسبب وضع الجزيرة الأمني من الشطر المتاخم من الجزء القبرصي التركي ، قوات معادية تهاجم المطار دارت معركة شرسة بين القوات المصرية والقبرصية راح ضحيتها أبرياء من الجانبين  وبعد سنوات تفرج قبرص عن المتهم. ويعيش طلِيقًا ولكن ما زالت قصص وروايات يوسف السباعي تعيش معنا كلما ذهبنا إلى البحر. أثناء الغروب ، رغم ذلك "لم تغيب شمس يوسف السباعي عن عالمنا العربي انه فارس القلم"، اتفقنا معه أو اختلفنا، في فكرة. السياسي، ما الذي يهمنا مثلًا كيف كان يعيش أكثر مما يهمنا نصوصه الإبداعية العظيمة، وكانت الصدفة في مساء أمس وأثناء البحث عن إحدى القنوات الإخبارية، توقفت عند قناة كانت تعرض، روائع يوسف السباعي/ وأجمل كلمات الحب في السينما المصرية عن رائعته بين الأطلال/ التي تم تجسيدها في عمل سينمائي عام 1959/ بطولة عماد حمدي والفنانة فاتن حمامة/ وفي ثمانينيات القرن الماضي تم إنتاج نفس الفيلم/ بطولة محمود ياسين ونجلاء فتحي بنفس القصة،،

أجمل كلمات الحب في الأفلام بين/ محمود ياسين ونجلاء/ محبوبته ، في الوقت نفسه وهم يرددان الكلمات نفسها وهما ينظران إلى قرص الشمس وقت الغروب إن قرص الشمس الدامي بكلماته، الرائعه حين يرددان مَعًا

أنت يا توأم الروح. يامنية النفس الدائمة الخالدة... يا أنشودة القلب في كل زمان ومكان مهما هجرت ومهما نأيت عندما يوشك القرص الأحمر الدامي على الاختفاء علي سطح البحر تراقبيه جيدًا. فإذا ما رأيت مغيبة وراء الأفق... فاذكريني... اذكريني!!

***

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث مصري ومتخصص في علم الجغرافيا السياسية!!

 

نظم المركب الثقافي بالمنستير حفل توقيع كتاب " المرأة وغواية التصوير الفوتوغرافي في تونس" للفنانة الدكتورة تقوى مناد وذلك يوم الأربعاء 14فيفري 2024 بالمركب الثقافي بالمنستير بحضور مديرته ومندوب الثقافة وجمع من المثقفين والمبدعين وفي مناسبة سابقة كان لها لقاء بسوسة ضمن معرض وعرض للكتاب حيث تواصل الفنانة التشكيلية الدكتورة تقوى مناد نشاطها الفني الجمالي والأكاديمي ضمن سياقات من البحث والابداع حيث تنوعت مشاركاتها الثقافية والفنية والعلمية الى جانب المعارض التشكيلية سواء الفردية الخاصة او الجماعية.. وكانت مناسبة يوم السبت 10 فيفري 2024 مجالا ثقافيا وابداعيا لافتتاح معرضها الشخصي الجديد الذي ضم أعمالها الفنية وفق عنوان SPECCHIO MIROIR " " وهو عنوان لافت ومهم ودال وذلك بحضور عدد من الفنانين والجامعيين والاعلاميين وجمهور الفنون وتخلل هذا النشاط حفلا لتوقيع كتابها " المرأة وغواية التصوير الفوتوغرافي في تونس" وتم كل ذلك بفضاءات المركز الثقافي محمد معروف بسوسة. وقد صدر الكتاب عن شركة لوغوس للنشر والتوزيع. وحضر كذلك رئيس مدير عام شركة لوغوس للنشر والتوزيع الناشر الشابّ حسام الكيلاني..

تجربة جديدة بين العمل الفني والجانب العلمي الأكاديمي للفنانة التشكيلية والباحثة الدكتورة تقوى مناد التي تقدم لجمهور الفن التشكيلي وللقراء وطلبة الفنون هذا الحيز من عملها الابداعي.. والاطلاع على مسار وتقوى مناد يحيلنا الى عوالم فنانة تشكيلية وباحثة في عملها وفنها عن أصل الأشياء وهي تتجدد تبتكر كلماتها وأسماءها الأخرى.. فنانة تأخذ السياق التشكيلي مأخذ جد وبحث وفق عناوين شتى منها الابداع والابتكار في غير تكلف وافتعال فالفن هنا حلم لا يقنع بغير الجد والعمل والدأب ضمن تكامل بين الجمالي والأسلوبي.. تعددت معارض تقوى مناد ومشاركاتها ومنها وقبل حوالي سنتين المعرض المميز الذي شهده رواق الفنون علي خوجة بالمهدية وفق عنوان " الآخر " حيث اللوحات تضاهي بستانا من التشكيل والرؤى والتلوينات وكل ذلك للافصاح عن حلم دفين هو العين وما تراه جميلا في خطاب فني استطيقي يشبه فقط كيان وذات تقوى الفنانة التي وثقت صلتها بالرسم والفن بعد بدايات تلقائية وحالمة زمن طفولة عابرة. والفنانة التشكيلية تقوى مناد استاذة اولى ودكتورة في "جماليات ونظريات الفن".. جانب ابداعي للفنانة تقوى مناد وآخر علمي بحثي فهي الى جانب احرازها على شهادة الباكالوريا اختصاص اقتصاد وتصرف فانها حازت على شهادة الأستاذيّة في الفنون التّشكيلية اختصاص خزف وشهادة الماجستير المهني اختصاص فن وتكنولوجيا الخزف وشهادة الماجستير في جماليات وممارسات الفنون المرئيّة اختصاص فنون تشكيلية بملاحظة حسن وشهادة الدكتوراه في جماليات وممارسات الفنون اختصاص فنون تشكيلية بملاحظة مشرف جدا.. وبخصوص مسيرتها المهنية فهي عضو بوحدة البحث في جماليات وممارسات الفنون بالمعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة وقامت بتعويض بالمعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة وتأطير ببرنامج وطني "مبدعون يسكنهم الوطن" بدار الشباب الرياض وهي كذلك عضو بجمعية "طب، ثقافة، فن" MCA وعضو باتحاد الفنانين التشكيلين بتونس أستاذة بمدرسة إعداديّة خاصة بسوسة ولها تربص مهني 4 أشهر بفرنسا (Manufacture de Sèvres، Paris، France) ومشرفة على نادي الرسم بالمبيت الجامعي "الغزالي" وعلى نادي الرسم بالمبيت الجامعي "حي الرياض" الى جانب تكوين بورشة التصوير الرقمي في نطاق عشرينية أيام السينما الأوروبيّة بالمركب الثقافي بسوسة (JCE) وتكوين في ورشة تعليمية

technique rédactionnelles de la communication et de l’article scientifique

في إطار JEPTAV بسوسة وتكوين في الدكتوراه Outils bibliographique et bibliométrique pour les publications scientifiques assuré par l’UDARI

وبشأن مشاركاتها الفنية الوطنية والعالمية نذكر المشاركة في تظاهرة فنيّة للفنون التشكيلية بدار الشباب بقصر هلال والمعرض الجماعي بالصالون الدولي للتصوير الفوتوغرافي الدورة الأولى بعنوان "ألوان بدون حدود" بقصر خير الدين، تونس والمعرض الجماعي بالصالون الدولي للصورة الفوتوغرافية الدورة السابعة بالمركب الثقافي بالمنستير وحضور الملتقى الدولي JEPTAV في دورته السابع عشر بعنوان "سؤال الجندر في الفنون" والمعرض الجماعي في ملتقى المبدعين الدولي التاسع بالقاهرة، مصر والمشاركة في مهرجان كام السنمائي الدولي للأفلام القصيرة بالقاهرة، مصر ومعرض الفوتوغرافيين الشبان في دورته الثامنة بقاعة يحي البالماريوم والمعرض الجماعي للصور الفوتوغرافية أيام قرطاج الجهوية للفن المعاصر بقرقنةJRACC من تنظيم اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين والمعرض الجماعي في الفن التشكيلي "تنوع" في دورته الثالثة بفضاء جمعية صيانة المدينة بالمهدية DIVERSITY 3 والمعرض الجماعي لاتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين "الواصلة" بالمركب الثقافي بسوسة والعمل الجماعي l’émouvance des émouvants بإفريقيا عرض بSégou’Art بمالي في دورته الثانية وحضور الملتقى الدولي JEPTAV في دورته الثامنة عشر بعنوان "الحدس والذكاء في الفنون مع مداخلة في إطار مهرجان علي بن سالم للفن التشكيلي بالقلعة الكبرى في دورته السابعة بعنوان "تداخل الفنون" والمعرض الجماعي للفن التشكيلي "فن وفنون" بالقلعة الكبرى والمعرض الجماعي السنوي لاتحاد التشكيليين التونسيين برواق الفنون ببن عروس والمعرض الجماعي بصالون تونس للفن المعاصر "ميموريا" في دورته الرابعة بقصر خير الدين، بتونس والمعرض السنوي لاتحاد الفنانين التشكيلين التونسيين "الشهر الوطني للفنون التشكيلية في دورته الثامنة، قاعة يحيي البالماريوم، تونس والمعرض الجماعي في الفن التشكيلي "تنوع" في دورته الرابعة بفضاء جمعية صيانة المدينة بالمهدية DIVERSITY 4.. هكذا هي فكرة التلوين والبحث وفق حيز من النشاط بين السيرة والمسيرة عند الفنانة والباحثة تقوى مناد.. بين الابداع الفني التشكيلي والبحث العلمي الاستطيقي في نظرة مخصوصة تخيرتها صاحبتها حيث الفن والتشكيل عندها مجال مفتوح على البهي في الذات والعالم ولأجل الاضافة في هذا التلوين للأشياء والعناصر.. نشاط فني وعلمي وكتاب جديد ومعرض متواصل الى غاية يوم 25 فيفري 2024.

***

شمس الدين العوني - تونس

صدر في بغداد العدد الرابع عشر من مجلة السينمائي وهو عدد خاص مُكرّس للدورة الأولى من مهرجان بغداد السينمائي الأول الذي انطلقت فعالياته في 10 شباط/ فبراير 2024 وأُختُتمت في الرابع عشر منه. وقد جاء على الغلاف الأول بأنّ (مهرجان بغداد السينمائي هو الحدث الأبرز في العراق). تضمّن العدد الممتاز 26 مقالة دبّجها كُتّاب عراقيون وعرب مختصون بالشأن السينمائي. وقد جاء في افتتاحية العدد التي انضوت تحت عنوان "نحتفي بمهرجان بغداد بعددنا الخاص والممتاز" بقلم رئيس التحرير قبول فكرة مهرجان بغداد السينمائي الأول من قِبل رئيس الوزراء، المهندس محمد شياع السوداني شرط أن يكون عربي الطابع ولا يقتصر على بقعة جغرافية محددة من وطننا العربي الكبير وبادر إلى دعمه بملياريّ دينار عراقي لتعزيز الفن السابع الذي يساهم في بناء ونهضة الشعب العراقي الذي يقاتل ضد "ثالوث التخلّف والإرهاب والفساد". كما أشاد عبدالعليم البنّاء بالدكتور جبار جودي، رئيس نقابة الفنانين العراقيين لدوره الفاعل في تحقيق هذا المهرجان وتحويله من حلم يداعب مخيلة محبيّ الفن السابع إلى حقيقة راسخة على أرض الواقع. كما أشاد بدور وزير الثقافة والسياحة والآثار الذي يواصل العمل للارتقاء بكل مفاصل الوزارة مُركزًا على السينما والدراما وبقية الفنون القولية وغير القولية. وفي السياق ذاته أثنى على دور الدكتور عارف الساعدي، مستشار رئيس الوزراء للشؤون الثقافية وقد وصفه عبدالعليم البنّاء بأنه "همزة الوصل الأمينة والمميزة في تحقيق ما يتمناه ويطمح إليه كل شرائح المثقفين العراقيين بدون استثناء". وما إن نطوي الافتتاحية حتى نجد رئيس التحرير نفسه يحاور وزير الثقافة الدكتور أحمد فكّاك البدراني الذي أشار إلى أنّ رئيس مجلس الوزراء، المهندس محمد شياع السوداني قد دعم الصحفيين العراقيين بمبلغ 5 مليارات دينار عراقي وخصص لمهرجان بغداد السينمائي مبلغ ملياري دينار عراقي، ومن بين المعلومات الكثيرة التي يزخر بها هذا الحوار أشار الوزير إلى أنه سيتبنى دعم مجلة السينمائي وطبعها في دار الشؤون الثقافية. وهذه التفاتة كريمة نتمنى أن تتجسد على أرض الواقع ويتم دفع مكافآت مجزية للمساهمين في الأعداد القادمة أسوة بدول الخليج في أقل تقدير.3445 مهرجان بغداد السينمائي

مهرجان بغداد السينمائي.. الحدث الأبرز في العراق

يكتب المخرج والسينارست سعد نعمة عن مهرجان بغداد بوصفه الحدث الأبرز في العراق ويؤكد على ضرورة تشجيع الجمهور على المشاركة والتفاعل ودعم صنّاع الأفلام. كما توقف نعمة عند شعار المهرجان الذي استوحاه الفنان أحمد البحراني "من شكل المرأة العراقية التي قدّمت الكثير وتستحق أن تكون حاضرة في هذا الملتقى الفني المميز حيث تحوّل الرأس إلى شمس تشرق من جديد وكأنّ هذه المرأة تهزج مُرحبةً بضيوف العراق". كما تطرّق بالتفصيل إلى مسابقات المهرجان الخمس وتكريم ثلاث شخصيات فنية مهمة وهم المخرج محمد شكري جميل، والفنان قاسم الملاك، والفنان سامي قفطان.

يتناول كاتب هذه السطور الأفلام الروائية الطويلة المشاركة في مهرجان بغداد السينمائي الأول ويسلّط الضوء على ثيماتها المتنوعة ومن أبرز هذه الأفلام الاثني عشر "آخر السُعاة" و"ميسي بغداد" و"المُرهقون" و"رحلة يوسف"، و"إن شاء الله ولد" و"وادعًا جوليا".

ثمة مقال عن إعلان أسماء لجان التحكيم للمسابقات الخمس وهي مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، والروائية القصيرة، ومسابقة الأفلام الوثائقية، وأفلام التحريك (الأنيميشن)، ومسابقة فضاءات سينمائية جديدة. وتكريم الفنانين الثلاثة المُشار إليهم سلفًا إضافة إلى إزاحة الستار عن تمثال نصفي للمخرج محمد شكري جميل في مدخل نقابة الفنانين إلى جانب تمثال نصفي للفنان الراحل يوسف العاني علمًا بأن تمثال شكري من إبداع الفنان محمد جاسم الرسّام.

تضمّن "ملف العدد" ست مقالات دشّنها رئيس التحرير بمقالة تحمل عنوان "مهرجانات السينما في العراق.. إلى أين؟ قدّم فيها نبذة تاريخية عن أوائل المهرجانات العالمية مثل البندقية 1932 ومهرجان موسكو 1935 واعتبر الجوائز والتكريمات المنصفة هي من أهم الحوافز للمشاركين في صناعة أي فيلم متميز. وأنتقد بعض المهرجات العراقية التي لا تكشف عن المصادر والممولين وتعظّم الاستقطاب والشللية متناسين الاشتراطات والمقاييس العربية والعالمية.3444 مهرجان بغداد السينمائي

مهرجانات عراقية تشكو من قِلّةالدعم وشحّة التمويل

يسترسل الناقد والمؤرخ مهدي عباس في مقاله المعنون "المهرجانات السينمائية في العراق" ويرصد ازدياد عدد المهرجانات بعد 2003 بحيث وصلت إلى 20 مهرجانًا أو أكثر في بعض السنوات. وأورد سبع ملحوظات مهمة من بينها قلّة الدعم أو انعدامه، وأنّ بعض المهرجانات لا يدعو ضيفًا عربيًا أو أجنبيًا واحدًا، وتشابه المهرجانات لدرجة أنها تعرض الأفلام نفسها. توقف مهدي عند مهرجان بغداد السينمائي الدولي الذي يشرف عليه الدكتور عمّار العرّادي والدكتور طاهر علوان واعتبره الكاتب أهم مهرجان عراقي على الإطلاق وقد نُظمت منه ثماني دورات ناجحة وتوقف بسبب قلّة الدعم. وجدير ذكره أنّ هذا المهرجان المحترف والناجح كان يعرض أفلامًا طويلة وقصيرة ويدعو ضيوفًا عربًا وأجانب بخلاف المهرجانات العراقية الأخرى الأمر الذي يدعو إلى الالتفات إليه وإعادة النظر بدعمه وتمويلة لكي يواصل مشروعه الفني الذي ظل متألقًا على مدى ثماني سنوات متتالية. ومهرجان (3 X 3) الذي يشرف عليه الدكتور حكمت البيضاني وهو المهرجان الأكثر حضورًا في بغداد بحسب كاتب المقال وكانت مدتة ثلاثة أيام ويعرض أفلامًا لا يزيد طولها عن ثلاث دقائق. و"مهرجان العراق الدولي للفيلم القصير" الذي أقامه نزار الراوي وتوقف بعد دورتين. و"الملتقى النسوي السينمائي" الذي أقيمت منه دورتان ثم توقف. وحاول المخرج نزار شهيد الفدعم إقامة مهرجان "سومر السينمائي" لكنه لم يتحقق على أرض الواقع. إضافة إلى مهرجان گلگامش المستمر حتى الوقت الحاضر ويشرف عليه الفنان محمد عبدالمنعم. كما يتوقف الكاتب عند مهرجانات الإقليم وتسع محافظات عراقية إضافة إلى مهرجانات أكاديمية الفنون الجميلة.

يتساءل الناقد السينمائي علاء المفرجي في مقاله الموسوم "ما جدوى المهرجانات إذن؟" ويقترح إعادة النظر بالمهرجانات العراقية وتقديم ورقة عمل يضعها المتخصصون لتوحيد الجهود المتناثرة من أجل إقامة مهرجان سينمائي واحد في الأقل على أن يكون مستوفيًا للشروط المُتعارف عليها في المهرجانات السينمائية الدولية ولا بأس من تنظيم مهرجانات متخصصة شرط أن يكون ذلك مقرونًا بزيادة الإنتاج العراقي.

إشاعة ثقافة اللغة البصرية

يستفيض الدكتور الناقد صالح الصحن في مقاله "شغف المهرجانات السينمائية" ويذكر ويشخَّص 30 ملحوظة جديرة بالقراءة والتأمل من بينها إشاعة ثقافة اللغة البصرية، وتبادل الأفكار والتعارف الثقافي بين الضيوف المدعوين، ودعا إلى أن تحمل المهرجانات اسم الفكرة والموضوع المحوري الذي تدور حوله مثل البيئة، التسامح، الطفولة، المرأة وما إلى ذلك.

يتناول الدكتور سالم الشدهان موضوع "المهرجانات بين الاستقلال والحكومة" ويقول بأنّ إنتاج الأفلام القصيرة في العراق يتجاوز الـ 200 فيلمًا لكن نسبة ما يمكن أن نطلق عليه تسيمة الفيلم السينمائي لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة. ودعا إلى التفريق بين المهرجانات الحكومية والدولية، فالحكومة طارئة وتتغير لكن الدولة باقية وراسخة في ذاكرة الناس الجمعية.

يرصد الناقد الفني رضا المحمداوي في مقاله المعنون "البحث عن جمهور السينما الضائع" الذي يرتاد صالات السينما العراقية والذي يُفترض أن يكون جمهورًا عريضًا وواسعًا وجادًا وحريصًا على متابعة الأفلام العراقية والعربية والأجنبية ويتساءل عن سبب اختفاء هذا الجمهور الذي يحتاجه صانع الفيلم كي يعرض عليه بضاعته البصرية وما تنطوي عليه من آفاق ثقافية وفنية جديرة بالمشاهدة.3446 مهرجان بغداد السينمائي

قاسم الملاّك.. جوهرة السينما العراقية

يحاور الكاتب عبدالعليم البنّاء أيضًا الفنان المخضرم قاسم الملاك الذي وصفه المُحاوِر بـ "الجوهرة السينمائية التي صقلها بفنه وإبداعاته التي كانت مغايرة لما يقدّمه الآخرون". ثمة معلومات مهمة لابد من الإشارة إليها من بينها أنّ الفنان حمودي الحارثي هو الذي نصحه بالالتحاق بمعهد الفنون الجميلة، وأنّ الفنان أسعد عبدالرزاق هو الذي اقترح عليه العمل في فيلم "الجابي"، ثم توالت مشاركاته حتى بلغ رصيده 22 فيلمًا بضمنها فيلم "المسألة الكبرى" للمخرج محمد شكري جميل. كان الملاّك معجبًا بالمخرج عبدالهادي الراوي لأنّ خياله كان خصبًا وملحوظاته دقيقة جدًا. ومع أنه تعب وبذل جهدًا كبيرًا في فيلم "افترض نفسك سعيدًا" لعبدالهادي الراوي إلاّ أنّ عرّابه هو المخرج محمد شكري جميل الذي مثّل معه كثيرًا وأفاد من خبراته إلى حدٍ كبير.

كما تُحاور هدير هادي في باب "سينمائيون عراقيون" المخرج والسينارست سعد نعمة الذي حصد جائزة الإبداع العراقي لأفضل سيناريو فيلم روائي طويل استلهمه من رواية "عذراء سنجار" للكاتب المبدع وارد بدر السالم. أخرج سعد نعمة "خطوات واثقة"، و"الفردوس المفقود"، و"مدينة الفقراء"، و"ليلة رحيل القمر" و"قناديل المعرفة" كما كتب عدة سيناريوهات من بينها "بغداد"، و"الفراشة البيضاء" ويتمنى أن يُخرج "عذراء سنجار" بدعم ورعاية وزارة الثقافة والسياحة والآثار ودائرة السينما والمسرح.

يتناول الناقد والسينارست استناد حدّاد فيلم "الدكتور حمّودي" للمخرج هادي ماهود ويصنّفه ضمن "أفلام الهجرة" ويتساءل الناقد:"هل تستحق الهجرة أن نفني أعمارنا من أجلها؟" ثم يضيف:"أننا أمام فيلم يحاكم عصر الطاغية بلغة بصرية فيها الكثير من التشكيل على مستوى اللقطة واختيار الزوايا". مقال مكثف ورصين يستنطق روح الفيلم ويقدّمه على طبق من ذهب إلى القارئ الكريم.

يرصد الناقد اللبناني محمد رضا "حصيلة 2023 السينما العربية.. تتقدم هنا وتتأخر هناك لكنها عمومًا في مكانك سرّ" ويشيد بعدد من الأفلام السعودية مثل "مندوب الليل" و"إلي ابني" و"نورة"، و"الناقة"، و"حجين"، كما يُثني على تجربة نادين لبكي وفيلم "وادعًا جوليا" لمحمد كوردفاني.

يراجع أحد القائمين على مجلة "السينمائي" مهرجانيَ "الجونة" و"البحر الأحمر" ويتوقف عند جوائز المسابقات الرسمية وثمة تركيز على فيلم "سعادة عابرة" للمخرج الكوردي سينا محمد الذي فاز بجائزة أفضل فيلم عربي كما خطفت السيدة بروين رجبي جائزة أفضل ممثلة مع أنها لم تمثّل من قبل. أما مهرجان البحر الأحمر فقد تميز بعرض فيلم إشكالي مثير للجدل وهو "إخفاء صدّام حسين" للمخرج الكوردي أيضًا هلكوت مصطفى. يسرد هذا الفيلم قصة علاء نامق، الشخص الذي قام بإخفاء صدام حسين لمدة 235 يومًا بينما كان يبحث عنه أكثر من 150 ألف جندي أمريكي خلال الحرب الأمريكية على العراق.

يكتب رسالة باريس كالعادة الناقد السينمائي صلاح سرميني مركزًا فيها على معرض احتفائي بالمخرجة الفرنسية آنييس ڨاردا التي كانت تطالب بسينما حرة.

يحلل الناقد سمير حنا خمورو فيلم "القاتل" للمخرج ديفيد فينشر ويصفه بفيلم الجريمة والإثارة السايكولوجية الذي كان يحلم بإخراجه وإنتاجه منذ 15 عامًا. ويتميز هذا الفيلم بسرعة التقطيع في المونتاج. وعلى الرغم من ثناء الناقد لهذا الفيلم إلاّ أنه يرى بأنّ الجمهور لن يتذكروا هذا الفيلم طويلاً والذي يبدو كأنه استراحة محارب لا غير.

السينما اللاتينية مرتبطة بالواقع الوطني وترفض الهروب منه وتشويهه

يتناول الناقد السينمائي رضا الأعرجي في دراسته الموسومة "السينما الجديدة في أمريكا اللاتينية.. لمحة تاريخة" وهي "سينما مرتبطة بالواقع الوطني وترفض أية صيغة للهروب  من الواقع أو تشويهه، وبالتالي هي سينما واقعية تنتقل من الأحداث البسيطة إلى التحليل المتعمق والتحريض المفتوح على التغيير" كما يذهب الناقد وقد اقتفت السينما اللاتينية أثر الموجة السينمائية الجديدة وأنّ ما يجمع صانعي الأفلام اللاتينيين هو فكرة وهدف مشترك. وكان نجم البرازيل هو أول من حلّق في سماء السينما الجديدة. مقال جميل لا يمكن الإحاطة به بعجاله وأدعو إلى قراءته بتأمل كبير.

يقدّم الدكتور ماهر مجيد إبراهيم دراسة قيّمة بعنوان "الواقعية والأثنوغرافية في بنائية الفيلم السينمائي" ويرى أن الفيلم السينمائي الأثنوغرافي قريب جدًا إلى حد التماهي مع المفهوم الواقعي للفيلم السينمائي من أجل إيهام المتلقي بأنّ ما يراه هو الحقيقة من دون أية إضافات. ويتخذ من فيلم "أپوكاليپتو" لميل غبسون أنموذجًا لأنه يتناول حضارة المايا قبل دخول المحتل الغربي.

يقرأ الدكتور عقيل مهدي كتاب "محطات سينمائية" للناقد السينمائي علي حمود الحسن ويصف فصول هذا الكتاب "مقالات رصينة بشفرات سينمائية" يتوزع الكتاب على خمسة فصول من بينها "السينما والسيرة" و"السينما والحياة" و"السينما أنثى" وثمة إشادة كبيرة بهذا الكتاب الذي سد فراغًا في المكتبة السينمائية العراقية على وجه التحديد.

يكتب الدكتور علي علاوي عن فيلم "لو يطيحوا لحيوط" للمخرج حكيم بلعباس الذي يضعه ضمن خانة المخرج الثعلب لأنه ببساطة يصوّر ما لا يُصور، ويسرد ما يجب أن يُسرد لكن برؤية فلسفية تنفلت من الإطار المفروض.

يتابع الدكتور شاكر لعيبي نشر مقاله "سينمات العراق بين 1918-1950 وثائق تاريخية وبصرية" يتناول فيه عرض عروض سينما رويال لبعض الأفلام من بينها "الفرسان الثلاثة" و"الأيدي الشريرة" و"الصبي الكشّاف". كما يتابع عروض سينمات عراقية أخرى مثل سنترال وأولمپيا مثل "الشبح الرمادي" و"الآىس الأحمر" وغيرهما من أفلام تلك الحقبة التي باتت بعيدة نسبيًا.

يكتب الدكتور خليل الطيّار موضوعًا بعنوان "تقتير الصورة.. قلق الذاكرة في مشتتات عامر جاسم" ويؤكد بأنّ "الأشياء لم تعد واضحة وصريحة في عالمنا.. كل ما فيه يمر أمامنا بغواش ويدعو للقلق".

المخرج فاضل عباس عضوًا في لجنة تحكيم مهرجان برلين السينمائي

ترصدالدكتورة ورود ناجي في مقال "متابعات سينمائية" عشرة أخبار من بينها حصول المخرجَين محمد الدراجي وعلي الفتلاوي على دورة مُنَح الخريف 2023. وخبر عن فيلم "يا حسين.. أربع رايات" سيناريو وإخراج حيدر مكي. وهناك خبر ثالث عن عضوية المخرج فاضل عبّاس في لجنة تحكيم مهرجان برلين السينمائي الذي ينعقد من 15 إلى 25 فبراير / شباط 2024. وشاكيرا تسلط الضوء على حياتها في فيلم وثائقي بعد انفصالها المؤلم عن جيرار بيكيه.

يختتم الدكتور جبار جودي مواد العدد بعمودٍ عنوانه "المهرجان.. الحلم.. أخيرًا" الذي قال فيه "نأمل أن يكون هذا المهرجان باكورة لانطلاق العجلة السينمائية بلا توقف وأن تسترد السينما عافيتها وألقها". وفي الختام لابد من الإشارة إلى أنّ هذه التغطية الشاملة والواسعة لا تغني المتلقي عن اقتناء المجلة وقراءتها فلربما فاتتني بعض الأشياء المهمة على الرغم من حرصي الكبير على أن أُحيط القارئ بأهم الموضوعات والتفاصيل الدقيقة التي وردت في متن هذا العدد الممتاز حقًا الذي يدفعني لأن أحيي رئيس التحرير، الكاتب عبدالعليم البناء، ورئيس التحرير التنفيذي المخرج والسينارست سعد نعمة، ومدير التحرير، الناقد والمؤرخ السينمائي مهدي عباس، والمدير الفني محمد عبدالحميد، والمُحررة الدكتورة ورود ناجي والفوتوغراف حيدر حبّة وكل مَن ساهم في إصدار ورفد هذا العدد بشكل مباشر أو غير مباشر.

***

بغداد: عدنان حسين أحمد

 

ما أبهجها من لحظات عندما تجد الأصدقاء القدامى في اِنتظارك وأنت قادم إليهم من تونس العاصمة وتنزل بينهم ليستقبلوك بالأحضان في مدينة المهدية هذه المدينة التونسية العريقة التي تتربع  وسط السواحل التونسية تبعد عن تونس العاصمة مسافة 250 كلم وكانت عاصمة الدولة الفاطمية على كامل أنحاء إفريقية في القرن الرّابع الهجري إنّها مدينة المعزّ لدين الله وقائد جيشه جوهر الصقلي ومدينة الشاعر اِبن هانئ الأندلسي

ــ 2 ــ 

قصدت المهدية يوم السبت 17 فيفري 2024 لأحضر اِفتتاح المكتبة الخاصة لصديقنا الفقيد الأديب عبد المجيد يوسف رحمه الله وقد هيأتها عائلته الكريمة بعناية لتكون كتبها المختلفة في متناول الأدباء  والدارسين والباحثين وهذه بادرة جديرة بالتقدير لما ترمز إليه من تقدير ووفاء لصديقنا العزيز من ناحية ومن ناحية أخرى لما تُتيحه من مجالات بحث في أدبه وفي الأدب التونسي والأدب العربي وحتى في بعض الآداب الأخرى لأن مدوّنة الأديب عبد المجيد يوسف تشمل أجناسا مختلفة من الكتابات شعرا وقصة ورواية ونقدا ومقالات في اللغة ومقدّمات وغيرها من المترجمات من اللّغة الفرنسية والإيطالية وقد حملتُ معي إلى هذه المكتبة صورة جميلة كبيرة لصديقي الرّاحل لتقابل كل من يدخل إليها     بسلام... فسلام وسلام على روحك يا صديقي وأرجو من ـ الصّالون الأدبي والفكري ـ الذي تسمّى  باِسمك أن يواصل التعريف بمختلف إصداراتك وأن يعمل جاهدا لجمعها ونشرها ضمن طبعة ـ أعمال كاملة ـ كي لا تضيع ويطويها الإهمال والنسيان وما هذا بعزيز إذا صحّ العزم

ــ 3 ــ

كانت مناسبة إذن للإلتقاء بأصدقائي القدامى والجلوس معهم والفضل يعود لصديقي الطبيب الدكتور المولدي فرّوج الذي أعلمهم بقدومي وهو شاعر وروائي ومسرحي وكاتب صحفي عرفته منذ أوائل سبعينيات القرن العشرين عندما كان طالبا في الطب ومن روّاد ـ  النادي الثقافي الطاهر الحداد ـ ثمّ تعارفنا أكثر بمناسبات اِتحاد الكتّاب التونسيين وجلسات نادي الشعر وعلى صفحات ـ جريدة الرأي ـ وفي ملتقيات الشعر بتوزر والمتلوي وغيرها وهاهو اليوم أجده في اِنتظاري فذكرنا بأسف ولوعة أصدقاءنا الشعراء والأدباء الذين فارقونا في المدة الأخيرة واِسترجعنا بعض الذكريات معهم ولم يغب عنا كذلك الخوض في أحوال اِتحاد الكتّاب التونسيين وما يشهده من ركود في نشاطه وتواصينا أن نساند في المؤتمر القادم المترشّحين الذين نتوسّم فيهم العمل الجدّي والإضافة للخروج بالاِتحاد من أزمته الحالية ليُحقّق طموحات الأدباء وليكون صوتا متميّزا وعاليا في كل ما يهمّ الشأن الثقافي خاصة والقضايا الوطنية عامة وقد تبادلنا الحديث في هذا الموضوع مع الأصدقاء الحبيب بن فضيلة عمار العموري وخالد الرداوي الذين عبّروا عن أملهم وتمسّكهم بالاِتحاد باعتباره مكسبا يمكن أن يكون ناجعا أكثر بفضل ما في رصيده من إنجازات وبما يزخر به من طاقات وخبرات .

ــ 4 ــ

عدت من المهدية بهدايا ثمينة هي إصدارات جديدة للصديق المولدي فرّوج

 * رواية ـ في الاِنتظار

* مجموعة شعرية ـ  هذا كلام في الريح

ومجموعة قصصية للصديق الحبيب بن فضيلة

* أجراس صدئة

ــ 5 ــ

بعد الجلسة في المقهى دُعيت إلى الغداء في أحد المطاعم الفاخرة ولكني شكرتهم على كرم الضيافة واِخترت الأكلة التي تختصّ بها المهدية وهي ـ الشّاباتي ـ فأخذوني إلى دكّان مشهود له في هذه الأكلة التي تتكوّن مع عجين مطروح رقيق ثم يُحشى ببيضًا مسلوقا وجُبنًا وفُتاتَ التّن مع شيء من البهارات ويُلفّ الجميع على شكل قرص نصف دائرة ثم يوضع في الفرن وما ألذّه وأشهاه !

سألت صديقي الدكتور الطبيب مولدي فرّوج قبل أن أبدأ تناوله عن طريقة أكله ـ كي لا أوضع في حرج ـ فأرشدني ناصحًا أن أبدأ من زاويته السّفلى المكتنزة

 إنّ حكمة طريقة أكل لحمة الكتف إذن تشبه تماما طريق أكل ـ الشاباتي ـ إذ كلاهما يؤكل بداية من الزاوية السّفلى حتّى لا يسيل ماءُ لحمة الكتف على الثياب وكي لا يتساقط ما في ـ الشّاباتي ـ بين اليدين !

ولم أبدأ إلا بعدما رأيت صديقي يتناول ـ الشاباتي ـ التي أو الذي ـ أمامه بخبرة ومهارة...كيف لا وهو الطبيب الأديب !!

***

سُوف عبيد ـ تونس

 

ماذا لو قيل لك: قم بتأليف كتاب عن حياتك واتركه لأبنائك؟ ماذا ستكتب؟!

 البعض ممن يُسأل مثل هذا السؤال سيقول: حياتي عادية ليس فيها ما يستحق السرد، أو ليس عندي وقت. رغم أن حياة كل إنسان غاصة بأحداث ومواقف وشخصيات لا حصر لها. وكلها ذات نفع، وأول من ينتفع بها صاحبها؛ لأنه يتعلم من مواقف الفشل والإحباط والانهزام، يتعلم الصبر والصمود والصلابة. كما يتعلم من النجاح الاستمرار فيه والبناء عليه. ولو لم يكن لديك وقت لتجلس مع نفسك جلسة مصارحة وتذكر وتأمل. فهل ليس لديك وقت لتقرأ ما يدور في عقول الآخرين؟

  لهيئة الكتاب مشروع فكري جديد يقوم على فكرة إعادة استقراء عقول عباقرة معاصرين وسرد حياتهم. هذا المشروع اسمه: (سلسلة عقول). وسلسلة "عقول" وإن كانت تقليدية النزعة، فهي مبتكرة الاتجاه والأسلوب والمحتوي الفكري. إن لديها رسالة: أن تضيف لقارئها عقولاً وأفكاراً جديدة باستمرار..

التراجم ومهمتها الخطيرة

أكثر الناس لا يلتفت إلى الدور الخطير للسير الذاتية والتراجم. ويعتقد أن القراءة في الآداب والعلوم ربما يكون أكثر نفعاً أو متعة. بينما قلة من النابهين يدركون أبعد من هذا..

 في فترات تاريخية سابقة انصرف الناس لقراءة الصحف لأن كتابها أدباء. بل إن رؤساء تحرير تلك الصحف وأصحابها كانوا من كبار الشعراء والروائيين. خليل مطران وطه حسين والعقاد وإحسان عبد القدوس كلهم أنشأوا صحفاً وأداروها. وانتظر الناس ما يكتبوه وتابعوه وأحبوه، قرأوا أشعار شوقي وحافظ والمازني، وقصص إحسان وتيمور ويوسف السباعي. وتحولت رواياتهم لأفلام سينمائية باتت علامات ومحطات تراثية من ثقافتنا المصرية. فكيف فعلوا ذلك؟ كيف يصنع الناس التاريخ؟ ولماذا لا نكون نحن، أنا وأنت، مثل هؤلاء؟

 هذا السؤال قيل للعباقرة، فقرروا سرد حياتهم ووضعها بين دفتي كتاب لا يستغرق إلا ساعة أو ساعتين قراءة. سطور قليلة يكمن فيها سر نجاح هؤلاء. وقد يكمن السر فيما بين السطور لمن يستوعب ويستنبط ويحلل ليدرك ما خفي ودق من رسائل التراجم!

لهذا فإن تراجم العظماء يعاد كتابتها مراراً. وفى كل مرة يختلف التناول وتختلف الرسالة. لأنها خاضعة لرؤية المؤلف، وما يريد بثه من رسائل وطرحه من أفكار.

 قد تقرأ رواية من خمسمائة صفحة، وتشدك أحداثها، لكنك تخرج من قراءتها صفر اليدين والعقل. فلا أنت أضفت لنفسك درساً، ولا لشخصيتك وذاتك معني أو فائدة! بينما تلعب السير الذاتية دور حكماء العائلة، هؤلاء الذين يعطونك خلاصة تجاربهم في الحياة. فما بالك لو كان حكماء عائلتك هم عباقرة زمانك وأزمنة قبلك؟!

 سلسلة "عقول" نشأت منذ البداية برسالة ناصعة شديدة الوضوح والتركيز. وهي إعادة طرح سير العظماء والعباقرة بطريقة مشوقة مكثفة ومختصرة تناسب إيقاع العصر السريع. ولها هدف أسمي: أن تضيف للعقول عقلاً جديداً كل مرة. تختار من عباقرتنا عقلاً فذاً له تأثير عميق وواسع. يقدمه ويدرسه عقل لمؤلف بارع ذو رسالة، ليقدمه لعقول متفتحة نهمة للمعرفة. ومن هنا جاء اسم السلسلة: عقول..

باكورة العقول

أول إصدارات السلسلة استطاع اللحاق بمعرض الكتاب 2024. وهو كتاب عن عميد الأثريين (سليم حسن). ولأول مرة تجد كل ما كُتب عن هذا العالم الفذ مجمعاً في كتاب واحد صغير ومختصر. حتى القضايا التي كانت تبدو شائكة في حياته، كقضية سرقات الآثار، تناولها الكتاب بشكل حيادي فيه من الوضوح والجلاء ما فيه الكفاء.

الكتاب بسيط وصغير ومكتوب بأسلوب أدبي رائق راقي. وتقرأه في جلسة لا تزيد عن ساعة، لكنك لا تكاد تشعر بها لسهولة وبساطة أسلوبه، وكثافة ما فيه من معلومات ملفتة ومشوقة. لا أقول هذا باعتباري رئيس تحرير السلسلة الذي يريد الترويج لها. بل هو رأي من قرأ الكتاب من نقاد أعرفهم قرأوا الكتاب واستحسنوه.

الكتاب الثاني يوشك على الصدور، وهو عن الدكتور/ نجيب باشا محفوظ. وهو شخصية مفاجئة لكثيرين. وأول هذه المفاجآت أنه الطبيب الذي استقبل أديب نوبل (نجيب محفوظ) على يديه في ولادة مستعصية كاد الوليد فيها أن يفقد حياته لولا هذا الطبيب البارع!

 إن قصة رائد النساء والتوليد د/نجيب باشا محفوظ قصة مثيرة للغاية وممتعة، وفيها الكثير مما يثير الدهشة والتأمل. دارت في فترة من الفترات المفصلية في تاريخ مصر. وقد امتد عمر هذا العالم نحو تسعين عاماً، ختمها بسرد سيرته الذاتية سرداً تفصيلياً استغرق كتاباً كبير الحجم تم نشره عام 2013 في هيئة الكتاب ونفدت طبعته. ثم رأينا أن نختصر هذه السيرة الاستثنائية في كتاب يطرح رؤية جديدة لتلك الشخصية الفذة.

إنك عندما تقرأ هذين الكتابين وما سيتلوهما من كتب السلسلة ستشعر أنك تنتقل زمنياً إلى عصر قديم عاش فيه جدي وجدك. إن كل كتاب من هذه الكتاب هو شريحة زمنية مستعرضة من تاريخ مصر، وإن كان تاريخ فرد واحد، لكنه عايش تلك الفترة الزمنية بكل تفاصيلها.

  السلسلة وإن كانت تستهدف الشباب وتخاطبهم، لكنها مناسبة لجميع الفئات العمرية لبساطة أسلوبها، وأتمنى لقارئيها الاستمتاع بها والاستفادة منها على النحو الذي استهدفناه. كما أتمنى منهم الاشتباك معها نقداً وتفنيداً ومدحاً وذماً كما يشاؤون..

القارئ أولاً

سلسلة عقول لن تكون منفصلة عن قارئها. بل نريد من قارئها أن يكون بطلها الأول..

تفاعل القراء مع السلسلة أمر نتمناه ونشجعه بشدة. نريدهم حقاً أن يشاركوننا إنتاج تلك السلسلة. أن يكونوا من عقولها المؤثرة. يمدونها بآرائهم وأفكارهم في كل شيء يتعلق بها: أسلوبها أفكارها شخصياتها مؤلفيها مظهرها مضمونها.. مثل هؤلاء القراء الإيجابيون سيصبحون من المشاركين لإنجاح هذا المشروع ومن مطوريه الأساسيين.

سوف يكون للسلسلة منصات إليكترونية يشتبك معها القراء ويتفاعلون معها بكل ما يطرأ على أذهانهم من رؤي وتفاعلات وآراء. وللقراء الجدد للسلسلة ومن يحبون المشاركة في خطواتها الأولي أقول: قوموا معي ببناء أفكار تلك السلسلة، قولوا ما تشاؤون، عبروا عن رؤاكم وخلاصة تجاربكم في الحياة بتوجيه دفة سلسلة عقول نحو الاتجاه الذي تفضلوه وتحبوه، هي بالفعل سلسلتكم أنتم، موجهة إليكم متناً وفكراً وعاطفة. اجعلوها من ممتلكاتكم فكراً وتوجيهاً وتفاعلاً..

 سلسلة عقول دورية يصدر عنها كتاب كل شهر تقريباً. ومؤلفوها متنوعو التخصص والمزاج الأدبي؛ وهم مزيج من الأدباء الشباب البارعين ومن أساتذتهم ذوي الخبرة الأكبر. وأكثرهم من المتخصصين في مجالهم. وشخصيات السلسلة متنوعة المجالات: شعراء وروائيين وصحفيين ونقاد وعلماء وفنانين ومؤرخين ومفكرين من ذوي التأثير الكبير في محيطهم الثقافي والاجتماعي. وقد بدأت السلسلة خط التاريخ بدءاً من أوائل القرن العشرين وأواخر القرن التاسع عشر. أي من جيل الرواد في الفنون والآداب والعلوم. وليس هدفها حصر المبدعين والتحدث عنهم جميعهم، وهم كثيرون. فمصر غنية بنماذج لا حصر لها من قواها الناعمة. لكننا آثرنا انتقاء شخصيات محددة هم الأكثر تأثيراً في ملمح من ملامح التأثير الجمعي.

 إن قراء هذه السلسلة والحريصين على الانتفاع بما تقدمه سيكون انتفاعهم الأكبر بمتابعتها واستمرار تفاعلهم معها. لأن لديها تصور استراتيجي يكتمل قطعة بعد قطعة وعدداً تلو عدد. بحيث يكتمل هذا التصور بمجموعة من هذه الأعداد معاً أو بجميعها معاً. بل إن المنصة الإليكترونية المزمع إنشاؤها لمتابعة آراء قراء السلسلة والتفاعل معهم لها دور في اكتمال الصورة وتحقيق مستهدفات السلسلة، وأجلها وأسماها تحقيق رسالتها الفكرية المتضمنة في كل عدد من أعدادها.

***

عبد السلام فاروق

في صمت العينين قد يبدو التاريخ يؤرخ لكل الدموع، ثم يُنتج قصة حب من زمن متاعب همِّ الحياة. مرات عديدة، تبدو التساؤلات عالقة بعلامات استفهام كبرى، وترتد على الشفاه المطبقات لتقتنص بَوح: أحبك وجعي. لم أسلم من تيار شدِّ العيون العسلية استهلالا للحديث، وإعلان أنَّ الحب ليس رواية شرقية ولا غربية. مع الأيام بدوت أعشق تلك العيون العسلية، وحين يتموج اللون متغيرا مع قرب الأجساد والأرواح. في صمت كلام العيون، فأنا فقير في قراءة علامات الترميز والإضمار، ولم أقدر يوما على فك شفرات ظلال العيون المخملية.

في السر أكتب رسالة حب، وأمزق كل ذكرياتي الباقيات، وأسميك الخوف والشجاعة. في كل الليالي الممطرة، أكتب شعر الصمت بأنين الرياح وموج البحار، ومن بدايات أنشودة الغزل أمزق على وجه الحياة أوراقي، وأقف معاندا ظلي المعاكس.

أناديك، بكل صور بلاغة فرح اللغة بذات "العينين الصاحيتين الممطرتين". أناديك الحكايات، التي لا تنقضي بنوم شهريار عن سماع حكي شهرزاد الأسطوري. أناديك في السر، وأعلن العصيان والثورة على قلبي عند مرمى حرائق بقايا الحب، وأزداد جمالا بحضور أميرة (وجعي في حبي) أمام عيوني.

حبك سيدتي، وجع من ذات الوجدان، آت من عمق قلب الحياة ومتاعبها. حبك مثل البارود يوقظ العشق والحكايات الأزاهير، ويُفتن بادية العشق. حبك قسمة ارث من وجعي الخفي والظاهر، فكيف لي أن أفسر ما لا يفسر وأنت الوجع الجميل؟  أحبك وجعي بلا منومات عشق، أحبك بلا انقلاب على عرف الحياة، ومواثيق عشاق العالم. أحبك، كالطفل وهو يرقص نشوة تحت تيار سحر العيون العسلية، وتحت رذاذ ماء المطر.

سيدتي: لم يكن عشقي الممنوع والمباح بفيضه الروحاني عالقا فوق الجسر، فهو دائما كان في مأمن بدوام روحي العاشقة، ولم ينجرف يوما بسرعة مياه عمق الوادي والتيار. يوما بعد يوم، قد كنت أَغلقت صفحات روايات الحب عند مرمى نار الحزن، مثلما ألغيت مسافات الذكريات البعيدة. يوما بعد يوم، لم أعد أستسغ طعم اختلاف عطر النساء، ولا فزع موج طوفان المواجع والألم، إلا أنت (وجعي في حبي).

سيدتي: أيتها الأيام المتسربة بين الأيدي والقلوب، حبيبتي عرشها في سفينة بحر لا شط له غير قلبي. تتواجد عند كل حروف النداء: أحبك يا وجعي، أنت القلب والحياة بحجم حنيني عشاق العالم. أنت الورد بلا شوك، ينبض مقطوفا بدم الحياة.

سيدتي: ذات العيون العسلية، أرى العالم يتأثث في لوحة على مرمى كل العيون على الجدار. ألعب... أرسم ...أبكي ... أضحك... ألون الحياة من الأبيض الداكن بالسواد، بمساحيق تجميل العيون المخملية...أنت وجع حبي، فمدي يديك... نرقص على شرفة الحياة...

***

محسن الأكرمين

خمس سنوات في ليبيا

"سوف أمضي بعيدا.. بعيدا جدا مثل غجري!"

آرثر رامبو

***

نـحـو المجـهول

لم يخطر ببالي يوما أن أكون في ليبيا،وإنْ لبضع ساعات  فهي بالنسبة لي لم تكن سوى مساحة جغرافية نائية، أشبه ما تكون على كوكب آخر. كل ما اعرفه عنها هي عاصمتها  طرابلس وفيلم أجنبي شاهدته ذات مرة  تدور أحداثه في مدينة (طبرق) شرقي البلاد إبان المعارك  التي خاضها ثعلب الصحراء رومل ضد الحلفاء والتي اختتمت بهزيمة الألمان في معركة العلمين في مصر. وسينمائيا عرفت ليبيا من خلال فيلم (اسد الصحراء) الذي تناول كفاح شيخها المجاهد عمر المختار ضد الاستعمار الايطالي والذي قام الراحل مصطفى العقاد بإخراجه عام  8019 وهو الفيلم الذي تألق فيه الممثل العالمي انطوني كوين جنبا الى جنب الممثلة اليونانية ايرين باباس.

وفي أواخر السبعينات اقتحم اسم ليبيا ذاكرتي مرتين : مرة حين عملت محررا بالقطعة للصفحة الثقافية لمجلة خليجية أسبوعية مغمورة علمت فيما بعد انها كانت تعتمد في تمويلها على ليبيا، رغم أنني طيلة الفترة التي عملت فيها هناك لم التق شخصية ليبية واحدة على الإطلاق. والمرة الثانية تمثلت بهجرة شقيقتي مع زوجها والأطفال الى ليبيا في العام نفسه.

في بداية التسعينات من القرن المنصرم، واثر عودتي الطوعية من الكويت وجدتني بدون عمل بعد ان أنفقت جل مكافأة نهاية الخدمة على استكمال بناء الدار التي استنزفت مني ثلثي مدخراتي في فترة اخذ الحصار يمسك بتلابيبنا ــ نحن العراقيين ــ ، إضافة الى عزوفي عن العودة للعمل في سلك التعليم لهزال الراتب الشهري المخصص  للمعلم وغير المعلم إبان فترة الحصار البغيض، وبالفعل قمت بأكثر من سفرة مكوكية للأردن، غير ان تلك المحاولات باءت بالفشل رغم ممارستي للتدريس في احدى مدارس الأردن لعام كامل لكن من دون توفير اقامة لي ولأسرتي !

ومع نهاية العام الدراسي 1994 ــ 1995 وغبّ سفري للأردن، من دون اسرتي التي بقيت في البصرة، من اجل مواصلة العمل لعام دراسي ثان في عمان، فوجئت بقرار مدير المدرسة الأهلية في صويلح بعمان بإنهاء خدمتي من دون سبب مقنع مما سبب لي صدمة كبيرة لم أتمكن من كبحها إلا من خلال ورقة كانت في حوزتي تمثلت في عقد مبرم بيني وبين الجانب الليبي والذي أبرمته في السفارة الليبية ببغداد.  والواقع أنني كنت مترددا حول فكرة السفر للعمل في بلد ناء ليست لدي عنه فكرة الا ما ندر. كان الرحيل يعني ان ادفع ضريبة باهظة مع أفراد أسرتي وكلهم من الصغار المحتاجين لظلّ أب يرعى حوائجهم لا سيما وأنهم  قد مروا بتجربة العودة الى العراق بدونيٍ نظرا لعدم حصولنا على الإقامة في الأردن كما أسلف ذكره قبل قليل.

وضعت ما خف حمله وبخس ثمنه من ملابس في حقيبتي الصغيرة  ثم ودعت أفراد أسرتي على عجل خشية ان اعدل ــ في لحظة تردد ــ  وأغير قراري بالسفير الى ليبيا.. جنة الرب المجهولة الموعودة ! كما انني كنت حينها أسيرا لفوبيا خانقة من ان يصدر قرار شامل بمنع السفر. وهكذا عدت الى عمان بعد ان دفعت رسم المائة ألف دينار لجوازات البصرة. وكان في معيتي مبلغ يناهز الألف دولار قمت بادخاره من واقع عملي في الأردن مع ألف دولار أخرى تركتها لدى زوجتي من اجل الإنفاق على الأسرة.

فور وصولي للعاصمة الأردنية توجهت صوب احد مكاتب الخطوط الجوية من اجل حجز تذكرة لطرابلس وكلي لهفة في ان التقي شقيقتي المقيمة هناك بعد فراق ستة عشر عاما انقطعت خلالها إخبارهم او كادت  وأن أجد مصدرا للرزق بعد انقطاع مصدر رزق بحكم عودتي الطوعية من الكويت.وقتذاك لم يكن طريق مصر البري قد افتتح، لذا كان لزاما علي ان أسافر جوا الى طرابلس غير ان موظفة المكتب اعتذرت عن عدم وجود حجز الى هناك، وكان البديل دخول ليبيا عن طريق تونس. وقد فاتني ان اذكر أنني قبل قدومي للأردن كنت قد حصلت على فيزا ترانزيت عبر تونس العاصمة من جهة السفارة التونسية بمنطقة الوشاش ببغداد.

لقد حجب تلهفي للوصول الى ليبيا أمور كان ينبغي التروي فيها  من بينها ان العقد المغترب ينص على ان نفقات السفر تدفع من قبل  الطرف الأول أي الجانب الليبي. كنت احمل مع اندفاعي قلبا يثق بالآخرين لأدرك في وقت متأخر ــ فيما بعد طبعا ـــ أنني سأصل الى ليبيا على نفقتي الخاصة ! وكان ثمن التذكرة يتجاوز الخمسمائة دولارا أي نصف ما لدي من ذخيرة مالية دفعتها بكل سرور وغفلة لتنزل بالتالي في جيوب جهات التعاقد.أمّا من تحلوا بالصبر فكانوا من الفائزين طبعا لأن الجانب الليبي اضطر أمام لوبي الضغط الذي شكله الجانب الثاني ومعظم أفراده من  المدرسين العراقيين المتقاعدين وتاركي العمل الى التكفل بدفع نفقات السفر لصالحهم.وذلكم كان المطب الأول الذي مررت به كمحصلة لغفلتي وتعجلي وعدم تدقيقي في بنود العقد !

بعد رحلة دامت ما يقارب الساعتين هبطت الطائرة التابعة للخطوط الجوية التونسية  في مطار تونس لأفاجأ بمسلك غريب عني وهو ان الركاب، وحالما حطت الطائرة على ارض المطار، راحوا  يصفقون ابتهاجا بسلامة الوصول، ولعله تقليد تونسي محلي، لا ادري !

لحظة لفظني مايكروباص المطار في قلب العاصمة التونسية، شعرت بالجوع فدلفت الى احد مطاعم الوجبات السريعة وطلبت شطيرة هامبرغر وحين سألني عامل المطعم ان كنت ارغب بإضافة قليل من الهريسة أجبته انْ نعم وكلي شوق لطبق الهريسة المعد من جريش القمح والذي اعتدنا تناوله في المناسبات الدينية. وكانت الصدمة هي ان الهريسة في بلاد المغرب لم تكن سوى صلصلة الفلفل الشديد الحرارة !

قذفتني الحافلة في ساحة برشلونة  بقلب العاصمة التونسية حيث سأقيم في فندق شعبي يدعى (سيدي بلحسن) في غرفة واسعة تضم ستة أجساد لنزلاء نائمين او منشغلين بالتدخين. ثم استغرقت في نوم عميق.

في مساء اليوم التالي كنت في ساحة (باب عليوة) التي كانت تضم صفا من حافلات الأسفار البعيدة. حجزت تذكرتي وارتقيت الحافلة التي انطلقت شرقا باتجاه مبتغاي : ارض ليبيا.

في صباح اليوم التالي وبعد سفرة مضنية وصلت الحافلة الى منتهى رحلتها.. ساحة الجزائر بقلب العاصمة الليبية طرابلس الغرب حيث سأستكمل إجراءات عملي الجديد والتقي شقيقتي وأسرتها.

لم يكن لدى صهري أدنى فكرة عن موعد قدومي الى طرابلس فإثناء مكالمة مرحة بيننا بعمان وحين سألته اين يسكن في طرابلس أجابني :

ــ حي الشرقية.. زنقة الشجرة اليابسة !

وقتها دونت العنوان في مذكرتي الصغيرة ظانّا انه كان يمزح.غير انه بعد مكالمة ثانية وتأكده من جدية قدومي زودني بعنوان الشركة التي يعمل فيها بطرابلس. ولهذا تعين علي ان أبيت في احد فنادق المدينة كيما أريح جسدي من وعثاء سفر بري تجاوز السبعمائة  كيلومتر قبل الوصول الى طرابلس العاصمة.

وفي صباح اليوم التالي وبعد جولة قصيرة تمكنت من الوصول الى الشركة التي يعمل فيها صهري، غير انه لم يكن موجودا هناك انما كان قد اوصى سائق الشركة المصري بإيصالي للبيت.

وهذا وبعد ستة عشر عاما تمكنت من الالتقاء بأختي وأسرتها لأنعم بليلة هانئة بعد حفلة اللقاء الممزوجة بالآهات والدموع والضحكات.

يـــتـــبـــع

***

محمد سهيل احمد

إن الطاقة الزمنية تكمن في عمر الإنسان، في خطواته ويومياته آلتي يعيشها، فالإنسان مسؤول عن عمره كيف أفناه فإذا ما مات إبن ادم انقطع عمله إلاّ من صدقة جارية أو ولد صالح يستغفر له، أو علم ينتفع به، فما دام موجودا فإنه يتمكن من أن يصنع الخير.

لقد تساءلت في نفسي كثيرا، لماذا لايدفع هذا الإنسان الحقوق المتوجبه عليه؟ لماذا لايذكر الله؟ لماذا لايذكر الفقراء والمساكين والمحتاجين؟ لماذا لايكون ساعيا في خدمة الناس مادام قادرا مستطيعا؟ لماذا لايساهم بالأعمال الخيرية.

إن هنالك ألف باب وباب يمكن أن يدخل الإنسان فيها إلى قلوب الأخرين، وعندما يكون بهذه المنزلة بين الناس فهو بلا شك سوف يكون ذا حضوة ومرضاة عند الله، اذا ماعلمنا بأن كثرة حوائج الناس إلى شخص ما هي (من نعم الله عليه) .

خدمة الإنسان هي أروع صور استغلال الطاقة الجسدية والذهنية والنفسية وتسخيرها لتكون نافعة مفيدة في اي مجتمع كان،ولايهم ان كان الناس في هذا المجتمع مسلمون، مسيحيون، صابئة مندائيون، عربا أو غير عرب .. المهم انهم يشتركون في الإنسانية وفي المواطنة.

فنحن كما نوجه الطاقة الذهنية في الاختراعات المفيدة للبشرية مثلا.. علينا ايضا أن نوجه الطاقة البدنية كذلك. لخدمة الإنسان من حولنا، عند ذلك سوف نشعر فعلا أننا حققنا ذاتنا وارضينا الله عنا، وادخلنا السرور إلى قلب نبينا (ص) .

***

بقلم: تهاني الطرفي

لا ينبغي أن أنحاز إلى الكتاب الرقمي ولا أن أنصِّب نفسي مدافعا عن كبرياء الكتاب الورقيّ المهدور. ولا أخفي قناعتي بأن حظ الكتاب الورقي سيكون مثل حظ التكسيفون في صراعه مع الهاتف الجوّال.

لكنّني عندما أبحث عن كتبي الأولى المنشورة في بداية الثمانينات من القرن الماضي ولا أراها الا في مكتبتي الخاصة أطرح على نفسي سؤالين بسيطين:

الأول: لماذا انسحبتْ أو اندثرتْ الكتب المهمّة وإن في الدراسة والبحث في زمن قصير جدا؟

الثاني: هر نحن مقدمون على عصر الكتاب ذي الاستعمال الواحد؟

وقد تأتي الاجابة من الواقع والواقع مقنع بالرغم عن الأهواء والأماني والأمزجة. يقول الواقع إن العالم مُقْدم على تغييرٍ عميق لا أحد يدري حجم المعجزات التي سيجود بها علينا. وأنا أخمن أن العلاقة بين الصّنفين (الورقيّ والرّقمي) ستتحسّنُ لتصبح علاقة تكامل لا علاقة تنافر، متوقِّعا أن تكبر الهجرة نحو الوسائل المسموعة والمصوّرة. فالكتب الرّقمية مستمرة في التّطوّر والانتشار بفضل ما أصبح عليه العالم الافتراضي من سهولة وسلاسة فهو   معروض لكل راغب فيه، منفتح لكل من طرق أبوابه ومستسلم لكل باحث، دون أن يحتاج إلى كثير من الدّراية، إذ يحتاج فقط إلى قليل من الصبر والجهد والى خبث وحيلة جميلة. إنه يشبه إلى حد كبير عالم الإبداع.

 فهل يختلف الكتاب الرقمي عن الكتاب الورقي أم يخالفه؟

الكتاب الرّقمي نصّ مكتوب ومقروء بلغة ما، يشبه النّصَّ الورقيّ في الإعداد والإحضار والجمع ويخضع للمراجعة والإصلاح إلا أنه يختلف عنه كثيرا فهو مكتوب على حوامل الكترونية ذات شاشات للقراءة ويخضع إلى تصفيف خاص يُمَكّن متصفِّحه من الوصول السّريع   إلى مختلف عناصره وإعادة الرّبط بين الفقرات إن لزم الأمر، ويمنحه أساليب البحث السّريع والاسترجاع. والكتاب الرّقميّ قابل لإضافة الصّوت والصّورة إليه بحيث يستطيع القارئُ سماعَ صوتِ تقليب الورقة كلما طُويت صفحةٌ أو الاستمتاعَ بموسيقى مصاحبة للنّص. ومن خاصيته أيضا أن محتواه يُخزَن في ملفّات ويودع في حاسوب سواء بالكتابة على لوحة المفاتيح أو بماسح ضوئي يتولّى تصوير الكتاب وخزنَه. وهكذا يكون الكتاب جاهزا للقراءة أو للنشر على الانترنت وقابلا للتنزيل في أي مكان من العالم، ومحمولا في الجيب.

ظهر الكتاب الالكتروني سنة 1971 في أمريكا على يد مايكل هارت الذي أراد أن يؤسس مشروعا سمّاه غوتنبارغ يهدف إلى تحويل عديد الكتب وخزنها في مكتبة رقميّة ليتفاعل معها النّاس عن بعد.

استمر النّشر الالكتروني بطيئا نسبيّا ثم انفجر دفعة واحدة في العشرية الأخيرة من القرن الماضي وأقنع الناس بمزاياه المتعددة. ويمكن أن نسوق بعضا من هذه المزايا:

1 ـ مدة انجاز الكتاب الرقمي قصيرة.

2 ـ الكتاب الرّقمي متحرّر من شروط الطّباعة.

3 ــ تكلفة إنتاج الكتاب الرّقمي بسيطة.

4 ــ سرعة الانتشار والارسال الشبه مجاني.

5 ــ يستجيب بسرعة لكل سائل وباحث عن معلومة.

6 ــ سهولة في الاشتغال على النص وإصلاح الأخطاء حتى والكتاب منشور.

7ــ يمكن اختيار شكل الغلاف وألوانه وحجم الكتاب في ظرف وجيز

8 ــ يستجيب للتّرجمة الفورية.

9 ـ يُحمَل في الجيب مع آلاف الكتب في قرص فلاش واحد.

10 ـ يمكن إنتاج الكتاب الرقمي أو الصوتي في المنزل.

لهذه الاسباب بادرت بنشر كتبي على الانترنت، تحديدا على موقع الامازون لهدفين

اولهما سرعة وسهولة الانتشار. وثانيهما امكانية البيع ودوام العرض. اذ يكفي ان يكتب القارئ اسم الكاتب على الموقع بالعربية او باللاتينية لتبدو له غلافات الكتب وطريقة الاقتناء وكيفية التحويل وشكل الكتاب.

وهكذا يطمئنّ الكاتب على كتبه. فهي لن تندثر ولن تمزّقها الأيدي ولن تؤذيها رطوبة المكتبات. يكفي ان تبقى نسخ منها في الارشيف الوطني لتأثيث الذاكرة الجماعية. أما المعروضة للقراء فالأفضل أن تبقى حيّة على الانترنت.

***

المولدي فروج

ونحن صغار، نُمرغ أجسادنا المنتفخة بالأمل في تراب الطفولة التي لا تَرحل عن عيوننا التواقة إلى تسلق أعمدة الكهرباء والعبث بالطين والماء. أما ونحن كبار، فلا نكف عن السخط والتذمر، لأننا بقدر ما نكبر نصبح أقل مقاومة لأدنى تيار كهربائي يصعقنا تحت سماء الحياة، صَدِّق يا صاحبي أنها الحياة التي تتلذذ بكوننا نموت.

نموت مع إخفاقنا في قطف عنب النجاح الذي يخبئه ثعلب ماكر في جيب الصداقة الوهمية، نموت كلما تأخر لبن الحظ الذي لا يحضر إلا متعثرا، نموت تحت غيمة القَدَر الممطِرة بالأمل والألم تباعا، نموت بين تضاريس المناخ النفسي ذاك الذي لا ينصفنا إلا جثثا طريحة اليأس، نموت، كالأشجار نموت واقفين، ولا ننحني لمن زاد عيبُه وقلَّ رُطَبُه.

مع كل تنهيدة نطفئ حرائقَ زمنٍ لم يُنصفنا صُنَّاعُها، مع كل بوحٍ نُفجر أنهارا تتربع على حجرها سدرة القسوة الحالفة ألا يبخل علينا شوكها بعناق، ومع كل صباح نمدِّدُ آية الكرسي على ألسنة كفاها الزهد أن تندفع لتنبس ببنت شفة أخرى لا تليق بمنفى الربيع.

طاحونة الأيام تُهَرِّبُ خبزَ المحبة الصافية لوجه الله بعيدا عن لهفة العين، وغِربان الظلام لا تَترك لاجتهادنا مُتَنَفَّسا إلا لتُعْمِيَ بصائر من يهابهم البصرُ، والبشرُ صَدِّقْ يا صاحبي أن أكثرهم كأعجاز النخل بلا رؤوس، يفكرون بلا منطق يحتكم إلى شريعة العقل، يبيعون الوهم، ويفصلون الحضور على مقاس المزاج.

السنوات تَأكل من الواحد ما يأكله المنشار، والمواقف وطن أكثره منفى لا دفء يسري في العروق ولا رائحة تنبعث مع كل حبة تراب.

السطو! السطو على العقل أبشع أنواع الغزو! غير أننا مازلنا نَدبّ، ندبٌّ دبيب دودة عمياء لا تخونها ثقة بقية الحواس فيها، ونَزحف زَحْفَ بطريق يُجيد اللعب بريشه الأبيض والأسود وهو يجني بطولة شطرنج التمويه على امتداد مساحة الزمن البارد.

لَوْز مُرّ:

- وفي قلب الليل أنفاس، تجهش الأنفاس التي قَيَّدَها الحرمان بدموع الأمومة المهرَّبَة مع تين الشتاء بعيدا عن كفّ الممكن.

- أما آن لمسطرة قانون حفار القبور أن تُنْصِفَ الموتى بعيدا عن صرخة نفاق جرذان الوقت الحالفة أن تَقضم كَفَنَ الحُلم والحِلم؟!

- صرخة واحدة لا تَكفي ليُجِيدَ الفمُ ترتيب شفتيه إذعانا لأمر الروح التي فاتها أن تُغادِرَ معركة النضال الزمني مغادرةً طَوعيةً من باب ترتيب أوراق الجسد الذي نسي أن يَحمل مظلة المقاومة عند سقوط آخِر ورقة من أوراق شجرة التحدي الحالفة أن تُعَرِّيك يا جسدَ الأيام الأمَّارة باستمرار رحلة العته بعيدا عن قطار منتصف الرغيف.

***

بقلم د. سعاد درير

لا يوجد فيلسوف، أديب أو مثقف لم يقرأ الفيلسوف الألماني الكبير فردريك نيتشه (1844ـ1900)، أو قرأ عنه وعن فلسفته، وليس في بلده ألمانيا، أو أوروبا وإنما في العالم أجمع بشرقه وغربه .

فقد كان لهذا الفيلسوف تأثير طاغ ومؤثر في الفلسفة، التاريخ،النقد، اللغة، الشعر  والفن، وقد ترك تأثيرا على الفلسفة الغربية الحديثة، وتاريخ الفكر العالمي الحديث، كما أنه كتب بلغة ألمانية جميلة ورائقة لذلك  تعتبرُ مؤلفاته من روائع الأدب الألماني ..

والمثير في سيرة هذا  الفيلسوف الكبير أنه كان ناقدا للجميع وناقما على الكل، فكل فيلسوف أو أديب أو  فنان إلا   ونال منه  وانتقده وهدم إبداعه أو وجوده الأخلاقي أو الإبداعي .

انتقد أرسطو، والمسيحية، وهيجل، وكانط، وريتشارد فاغنر، وشوبنهاور  ويعقوب بوكهارت وغيرهم من الفلاسفة أو الأدباء الذين عاصروه ...

وهذا أمر عجيب في تاريخ الفلسفة الطويل والممتد الى أيام الإغريق، أن يقوم فيلسوف برفض كل القيم الاجتماعية والسياسية والدينية والأخلاقية والجمالية رفضا تاما ومطلقاَ! بل الحياة نفسها اعتبرها نيتشه بلا معنى، وهذا حكم غريب وعجيب يصدر عن فيلسوف متعمق، فلذلك اعتبره مؤرخو الفلسفة   الممهد لظهور الوجودية التي تطورت مع وهايدغر وسارتر وكامو!...

ويعتبر كتابه هكذا زرادشت من الروائع العالمية، حوي مجمل أفكاره مثل إرادة القوة، نقد عنيف للمسيحية، الإنسان الأعلى والكامل أو السوبرمان، أخلاق السادة  والعبيد ....

وحينما بلغ الخمسين من عمره أصاب المرض جسده، فأنهكه حتى أنه أصيب بالشلل والالتهاب الرئوي، وسرعان ما توفي سنة 1900م وهو يبلغ من العمر 56 سنة؛ توفي مع بداية القرن العشرين. وبعد ثلاثين سنة أو أقل من وفاته بدأ التأثير الواضح والمزلزل لفلسفته على بلده ألمانيا وعى أوروبا بشكل عام، وحتى اليوم إذ يعُد من أكثر وأعمق الفلاسفة تأثيرا في تاريخنا المعاصر.

***

بقلم عبدالقادر رالة

 

لا تزال تحفة جورج أورويل التنبؤية البائسة، "1984"، المكتوبة عام 1949، يتردد صداها في القرن الحادي والعشرين بسبب تصويرها المؤلم لحالة المراقبة الحكومية، والتلاعب بالمعلومات، والسيطرة على الأفكار والأفعال الفردية. على الرغم من وقوعها أحداث الرواية في عالم خيالي، فإن هذه الرواية تعد بمثابة انعكاس للمجتمع المعاصر، حيث تسلط الضوء على التهديدات التي تتعرض لها الخصوصية وحرية الفكر وتآكل الحقيقة. وبينما نتعمق في تعقيدات الرواية وموضوعاتها ورؤى أورويل العميقة، يصبح  من الواضح أن رواية " 1984" تظل وثيقة الصلة بعالمنا اليوم على نحو مقلق.

 في "1984"، أنشأ أورويل نظاما قمعيا يسمى أوقيانوسيا، والذي يراقب مواطنيه باستمرار من خلال شاشات الرصد والميكروفونات وشرطة الفكر. وتذكرنا هذه المراقبة المستمرة بأنظمة المراقبة السائدة في المجتمعات الحديثة. إن انتشار كاميرات المراقبة في الأماكن العامة، وظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وجمع البيانات الشخصية من قبل عمالقة التكنولوجيا، يعكس حالة المراقبة الموضحة في الرواية.

 يعد التلاعب بالمعلومات والتحكم فيها موضوعا آخر تم استكشافه بعمق في "1984". إن مفهوم "التفكير المزدوج"، حيث يُجبر المواطنون على قبول معتقدات متناقضة، يتردد صداه مع انتشار المعلومات المضللة والدعاية في عصرنا. إن لغة "نيوزسبيك" لأورويل، وهي لغة تهدف إلى الحد من حرية الفكر، لها أوجه تشابه في الرقابة وتصفية المعلومات في العصر الرقمي.

 يجسد أورويل بدقة مفهوم الحرب الدائمة في رواية 1984، حيث تتوحد الصراعات وتشتت الجماهير عن القضايا الداخلية. وينسجم هذا مع انخراط العصر الحديث في حروب لا نهاية لها والاستغلال السياسي للاشتباكات العسكرية لتحويل انتباه الرأي العام عن الاهتمامات الداخلية.

وتوضح "1984" مخاطر سيطرة النظام الاستبدادي على أفكار الفرد وأفعاله. إن تلاعب الحزب بالتاريخ، والمراقبة المستمرة، واستراتيجيات السيطرة على الفكر، والتي تجسدت في إعادة تعليم بطل الرواية ونستون سميث، تدعونا إلى التفكير في مدى قابليتنا للتلاعب الجماعي وتآكل الإرادة الحرة.

 تصوير أورويل للغة الجديدة، وهي لغة مصممة للحد من التعبير والفكر المستقل، هو بمثابة قصة تحذيرية للمجتمع المعاصر. إن صعود الصواب السياسي والضغوط المتزايدة للتوافق مع معايير أيديولوجية معينة يعكس جهود الحزب لقمع الفردية والمعارضة في الرواية.

 تؤكد الرواية على أهمية الذاكرة والمقاومة. علاقة وينستون السرية مع جوليا وأعمالهما التخريبية تنقل رغبة الإنسان في الأصالة والحرية. وحتى في غياب الحرية، تؤكد الرواية أهمية الحفاظ على هوية الفرد الأساسية.

 "1984" تحث على التفكير في دور التكنولوجيا في حياتنا. تشبه شاشات الرصد التي تراقب المواطنين على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع التأثير المنتشر للهواتف الذكية والأجهزة الأخرى في مجتمعنا الحديث. إن تحذيرات أورويل بشأن المخاطر المحتملة وفقدان الخصوصية وسط التقدم التكنولوجي يجب أن تجعلنا نتوقف ونقيم التضحيات التي نقدمها دون قصد.

يتردد صدى مفهوم أورويل عن "الأخ الأكبر" مع صعود القادة الاستبداديين في القرن الحادي والعشرين. إن عبادة الشخصية، والمراقبة الغازية، وخنق المعارضة الموجودة في الرواية تذكرنا بالأنظمة المعاصرة التي تعزز سلطتها من خلال تكنولوجيا المراقبة وقمع الأصوات المعارضة.

 تؤكد الرواية على أهمية الحقيقة كتهديد للنظام الشمولي. إن وظيفة وينستون في وزارة الحقيقة، حيث يقوم بتغيير الوثائق لتناسب رواية الحزب، تشبه التلاعب بالحقائق واستخدام المعلومات كسلاح في عصر ما بعد الحقيقة اليوم. يذكرنا أورويل بأن الحقيقة يمكن قمعها وتشويهها ومحوها في نهاية المطاف.

 عندما نتأمل رواية أورويل "1984"، يصبح من الواضح أن موضوعاتها العميقة لا تزال تضرب على وتر حساس مع حقائق القرن الحادي والعشرين. سواء كان الأمر يتعلق بتآكل الخصوصية، أو التلاعب بالمعلومات، أو السيطرة على الأفكار والأفعال، فإن حكاية أورويل التحذيرية بمثابة تذكير دائم بأهمية حماية حرياتنا والحفاظ على القيم الأساسية للحقيقة والاستقلال الفردي. من خلال الفحص النقدي لتصوير الرواية للديستوبيا، نكتسب نظرة ثاقبة للتهديدات والتحديات التي لا تزال قائمة في مجتمعنا، مما يلهمنا لنظل مدافعين يقظين عن الديمقراطية وعملاء التغيير.

***

محمد عبد الكريم يوسف

الخواء داء ليس مثله داء.. لا دواء له ليس منه شفاء.. خواء الروح..  غباء القلب مقبرة للوجود...

سألتني صديقتي عن الغرق في مكان السقوط.. ثم أردفت بقصيدة لوديع سعادة:

 "كيف يمكن انقاذ الزهرة الداخلية في هذا الجرف؟

هذا البهاء اليتيم كيف يمكن انقاذه؟

الطافي يحيا..الغارق يموت.."

عندما تكون وجها لوجه مع الخواء..

مع غباء الروح...

قد تسقط وتغرق وياليتك تموت مرة واحدة وتنتهي المعاناة..غير انك تظل تغرق الى ما لانهاية في مهزلة وجودية لامعنى لها إلا الشقاء الاعتباطي ..

أبيات وديع سعادة واسمه جرتني جرا للبحث عنه واكتشافه فأنا لم اسمع به قبل.. واكتشفت أنه لبناني مهاجر في استراليا. هو مبدع بقلم مميز وكلماته مبهرة لا مثيل لها ..

 قال فيه صديقه اسكندر حبش «الراكب غادر الباص ونزل في محطة نائية، بعيدا عن كل ما جعله يندم على هذه الإنسانية التي لم يتوقّف عن التمسّك بها. لكن من الصعب الجزم أنه سحب لبنان من صدره نهائيا».

اختار وديع سعادة الحياة.. أختار أن يطفو بدل التجديف عكس التيار بل أنه إنساب مع التيار حيث يجرفه فكان الشعر وديعا يسعد الروح وينعش القلب..

اختار أن يطفو، بدل الغرق، عبر الكتابة بأسلوب فريد متفرد...

بينما ثمة من اختار الغرق ويصفهم كاتب" لا بطعم  الفلامنكو " الدكتور النفسي محمد طه فيما معناه أن ثمة اناس أغلبهم من الذكور للأسف يتصورون أنهم الطرف الأقوى في المعادلات.. الطرف الذي لا يحتاج ان يعرف ولا يحتاج ان يتعلم ولا يحتاج أن يعي.. ويختار أن يقاوم التغيير بكل طريقة ويعاند الحياة نفسها وقوانين الطبيعة منذ الأزل ويصر على المشي عكس التيار حتى تنهار كل المعابد على رؤوس قاطنيها .

لا أدري لماذا تقودني كل هذه الأفكار والمقالات والتجارب الى مفهوم "المقاومة" ولكن ليس بمعناها الثوري الإنساني الذي يعبر عن رفض الظلم والتصدي له ومكافحته بكل الأساليب.. فالف تحية لكل ثائر حر والمجد والخلود للشهداء..

إنما أنا اقصد المقاومة حسب مفهوم علم النفس والتي تأخذ نفس معنى الرفض والتصدي والإنكار لكن هذه المرة ضد  الحقيقة ..المقاومة في علم النفس هي إحدى ٱليات العقل للدفاع ضد الألم وهي في الحقيقة إحدى اسلحة الإيقو للدفاع عن نفسه بشكل ما.. تجديف ضد التيار ومحاولة مستميتة   للهروب من الوجه البشع للحقيقة ..

عندما تصر على رفض الواقع أو رفض بعض الأشخاص ويؤدي هذا الفعل  إلى طاقة مهدورة تسبب المعاناة.. إننا من خلال رفض هذه الأمور التي لا نحبها نرفض تمظهرها في حياتنا ونرفض وجودها اصلا وهو  تصرف ورد فعل ضد الفطرة وضد الطبيعة فالمتضادات والمتناقضات والاختلافات هي سر معجزة الوجود كل المتناقضات تتفاعل في الطبيعة بسلام وتقبل وانسجام إعجازي...

لكن مجاراة الايقو الذي يحب ان يخلق المعاناة من كل  ما لايسير على هواه فيصورلك انك وجدت في المكان الغلط أو الزمان الغلط لأن كل من حولك لايفهمونك ولايصلون الى عمق ماتصل إليه لانهم تافهون سطحيون...

وقد يكونون هم فعلا كذلك ولكن ماهو مضيعة للوقت هو ان تجعل بساطتهم أو تفاهتهم أو سخفهم أو غباءهم سببا لألمك ..أنت يجب أن تتقبل وتستقبل الحكمة الإلهية من وجودهم في حياتك وتستثمر هذا الوجود لخلق سعادتك الخاصة يجب ان تستثمر حتى الأنانية  وتتعلم الدرس كما تفعل ميكانيزمات جسمك للتعلم من الطفيليات لجعل بعضها نافعا ..وكما يتعلم من الفيروسات كيف يكتسب المناعة ..

الله خلق لك كل هؤلاء المعلمين حتى تستمر وتتفوق وتبدع وتتالق ...

عندما تسقط في لج عات لا تظل تتخبط ولاتجذف عكس التيار بل لابد من الاستفادة من القوة الدافعة حتى تطفو ..

وان استطعت ان تتنفس من حين لاخر تحت الماء لن تكون النهاية ابدا.. ونجاتك ستكون رهينة مدى حبك  للحياة وتمسكك بحقك في العيش الذي أنت تريده وتصبو إليه بروح وقادة وضمير حي وانسجام مع الوجود واستقبال لكل هداياه حتى التي لا تعجبك وليست على مقاسك ولا على مزاجك ..

انفتاحك على كل الاحتمالات سيجعل أعتى عدو أجدر معلم واشرس مفترس سيكون أقوى ملهم.

إن الفوز بفرصة جديدة في عمر جديد يبدأ الآن في ذات هذه اللحظة التي أمامك وأنت وجها لوجه مع المخاطرة فإما حياة بشغف وإما موت بشرف.

يقول وديع سعادة:

"مهما كان هذا الحمْل ثقيلاً

يمكنك أيضاً أن تكون

نسمة."

اذا ابتليت بشيء من جمال الروح فلابد أن تشقى ..

اذا ابتليت بشيء من جمال الروح لاتقل كيف هي أقصر الطرق إليك  ...

إن تذوق حلاوة العسل تبدأ باولى الخطوات إليه والطريق صعب ..

لابد أن تفنى ..

***

عواطف نصرلي - تونس

 

مسرحية فتى العالم الغربي، كتبها الكاتب المسرحي الأيرلندي جون ميلينجتون سينج، تستكشف موضوع الاستعمار وتأثيره على الشعب الأيرلندي. تدور أحداث المسرحية في ريف أيرلندا في مطلع القرن العشرين، وتصور وصول شخص غريب يدعى كريستي ماهون، الذي يدعي أنه قتل والده. يثير هذا الحدث قدرا كبيرا من الاهتمام في المجتمع الصغير، مما يعكس العلاقة المعقدة بين المستعمِر والمستعمَر. وتسلط المسرحية الضوء من خلال شخصياتها وتفاعلاتها على الآثار النفسية والثقافية للاستعمار.

أحد العناصر الرئيسية للاستعمار التي تم استكشافها في المسرحية هو التأثير النفسي الذي يحدثه على المستعمر. يتم تصوير الشعب الأيرلندي على أنه متأثر بشدة بمنظور المستعمر وقيمه. يظهر هذا عندما يتقبل كريستي ماهون بفارغ الصبر الإعجاب الذي تلقاه من السكان المحليين عندما يكشف أنه قتل والده. في هذا العرض للعنف والتحدي، تجسد كريستي رغبة المستعمرين في تأكيد استقلالهم والاعتراف بهم من قبل مضطهديهم.

 تتعمق المسرحية في الآثار الثقافية للاستعمار. ويعرض كيف استوعب الشعب الأيرلندي الصور النمطية التي فرضها عليهم المستعمر. على سبيل المثال، عندما لاحظت بيجين مايك أن والدها يحذرها من "حيل الرجال"، فإن ذلك يعكس ديناميكيات السلطة في المجتمع المستعمر حيث غالبا ما يُنظر إلى النساء على أنهن مجرد أشياء للرغبة وليسن أفرادا لهن فاعليتهن الخاصة. يتم تسليط الضوء بشكل أكبر على هذا الاضطهاد الثقافي من خلال شخصية أولد ماهون، الذي يتم تصويره على أنه شخصية ضعيفة وخاضعة، تجسّد آثار الاستعمار المُضعفة.

بالإضافة إلى الآثار النفسية والثقافية، يولد الاستعمار أيضًا ديناميكيات السلطة بين المستعمر والمستعمر. تمثل شخصية كريستي ماهون جاذبية قوة المستعمر. اعترافه بقتل والده يمنحه احتراما مؤقتا وسلطة بين السكان المحليين. تتحدى هذه الديناميكية فكرة أن الأفراد المضطهدين عاجزون تمامًا وتوضح كيف يمكن استخدام القوة المتصورة للمستعمر للحصول على ميزة اجتماعية داخل المجتمع المستعمر.

 تتناول المسرحية صمود ومقاومة الشعب المستعمر. تُظهر شخصية بيجين مايك القوة والاستقلالية في تحديها للأعراف المجتمعية. إن قرارها باختيار كريستي خطيبا لها، على الرغم من اعترافه العنيف، يدل على مقاومتها لقيم الانقياد والقمع التي فرضها المستعمر على المرأة. ترمز أفعالها إلى صمود الشعب الأيرلندي في مواجهة الاستعمار، وتسلط الضوء على تصميمه على الحفاظ على هويته وقدرته على الصمود.

تستخدم المسرحية أيضا السخرية لتسليط الضوء على تعقيدات الاستعمار. يبدو في البداية أن وصول كريستي والانبهار الذي أثاره بين القرويين كان وسيلة للهروب من صراعاتهم اليومية. ومع ذلك، مع تقدم المسرحية، يصبح من الواضح أن هوسهم بقصته يعزز فقط الدونية التي فرضوها على أنفسهم. بهذه الطريقة، يصبح وصول البطل المحتمل بمثابة تذكير مؤلم بهياكل السلطة القمعية الموجودة في المجتمع المستعمر.

 تستكشف المسرحية موضوع الاستعمار الداخلي داخل المجتمع الأيرلندي. تمثل شخصيات مثل مايكل فلاهيرتي الشخصيات القمعية داخل المجتمع والتي تعمل على إدامة عقلية المستعمر. إن تصميم مايكل على الحفاظ على الصورة النمطية للأيرلنديين المضطهدين يؤدي إلى إدامة الاستعمار الداخلي للشعب الأيرلندي، مع التركيز على الطبيعة المعقدة لديناميكيات السلطة داخل المجتمع المستعمر.

 تسلط مسرحية فتى الغرب اللعوب الضوء على التأثيرات المتعددة الأوجه للاستعمار على الشعب الأيرلندي. من خلال استكشافها للديناميكيات النفسية والثقافية وديناميكيات القوة، تلقي المسرحية الضوء على تعقيدات العلاقة بين المستعمِر والمستعمَر. وتلقي الضوء على الآثار النفسية لاستيعاب قيم المستعمر وصوره النمطية، فضلا عن القمع الثقافي المفروض على الشعب الأيرلندي. في النهاية، تعرض المسرحية أيضا مرونة المجتمع الأيرلندي ومقاومته، وتقدم فهما دقيقا للديناميكيات التي تلعبها في المجتمع المستعمر.

***

محمد عبد الكريم يوسف

مقدمة: تتعمق قصيدة إليوت الشهيرة "الأرض اليباب"، التي نُشرت في الربع الأول من القرن العشرين وتحديدا عام ١٩٢٢، في النفس المجزأة لمجتمع ما بعد الحرب العالمية الأولى. إلى جانب تقديم مشهد مقفر من اليأس والانحلال، يقدم إليوت تنبؤات مذهلة بالمستقبل في هذا العمل الأساسي. من خلال الصور الحية، والروايات المجزأة، والاستكشافات المواضيعية، حيث يتحدى إليوت القراء لمواجهة مشهد يبدو فيه الأمل بعيد المنال وينتظره مستقبل شرير. تحلل هذه المقالة عشرة تنبؤات رئيسية قدمها إليوت في "الأرض اليباب" ومدى صلتها بمجتمعنا المعاصر.

تدهور المشهد الحضري:

في "الأرض اليباب"، يصور إليوت رؤية بائسة للانحطاط الحضري، مما يعكس تدهور الجوانب المادية والمعنوية للإنسانية. إن هذا التصوير القاتم للمشهد الحضري يحذرنا من الصراعات البيئية والاجتماعية والاقتصادية الوشيكة التي تنتظرنا.

الفراغ الروحي والإفلاس الأخلاقي:

تسلط قصيدة إليوت الضوء على الفراغ الروحي والانحطاط الأخلاقي لمجتمع ما بعد الحرب. إن المستقبل المتوقع الذي يظهر من خلال هذه الأرض القاحلة هو بمثابة قصة تحذيرية لاستمرار انحدار البشرية إلى الإفلاس الأخلاقي.

خيبة الأمل في التقدم:

تُظهر وجهة نظر إليوت للتقدم والحداثة في "الأرض اليباب" خيبة أمل عميقة الجذور تجاه التقدم التكنولوجي وما تلا ذلك من عزلة ناجمة عن هيمنتها. يتصور الشاعر مستقبلا حيث يصبح البشر منفصلين بشكل متزايد عن بعضهم البعض، ويستعبدون لاختراعاتهم الخاصة.

فشل الاتصال:

يتنبأ تصوير إليوت للروايات المجزأة والأصوات المفككة في "الأرض اليباب" بمستقبل يصبح فيه انهيار الاتصالات وعواقبه أكثر وضوحا. يتم تصوير عدم القدرة على فهم وجهات نظر بعضنا البعض وما تلا ذلك من تصاعد سوء الفهم والصراع بشكل صارخ في القصيدة.

انهيار التقاليد الثقافية والأخلاقية:

تتنبأ "الأرض اليباب" بتآكل القيم الثقافية والأخلاقية، وهو ما يتضح من خلال إشارات القصيدة إلى الأساطير والتقاليد الدينية المختلفة التي تعاني من الفوضى. يقترح إليوت أن المستقبل الخالي من التماسك الثقافي والأخلاقي يولد عدم اليقين والفوضى.

فقدان الهوية وأثره على الصحة النفسية:

تستكشف قصيدة إليوت موضوع الهوية المجزأة، وتتنبأ بمستقبل حيث يعاني الأفراد من شعور مكسور بالذات. تستبق هذه الصورة التداعيات النفسية لمجتمع يفشل في تزويد الأفراد بأساس لبناء هوية متماسكة.

النزعة الاستهلاكية والمادية المفرطة:

"الأرض اليباب" تحذر من مخاطر النزعة الاستهلاكية والمساعي المادية. يتنبأ إليوت بمستقبل يظل فيه الأفراد محاصرين في دائرة من الاستهلاك المتواصل، مما يؤدي إلى مجتمع محبط ومليء بالسخط والتدهور البيئي.

زوال الحب والعلاقات التقليدية:

تسلط قصيدة إليوت الضوء على تآكل الحب والعلاقات التقليدية، والذي يتضح من خلال التفاعلات المختلة والعلاقات الفاشلة بين شخصياتها. يثير هذا التنبؤ مخاوف بشأن مستقبل العلاقة الحميمة والوفاء العاطفي في مجتمع منفصل عن الانحرافات وإشباع الذات.

الصدمة المستمرة وآثارها على المجتمع:

تستكشف قصيدة "الأرض اليباب" صدمة الحرب وتأثيرها الدائم على الفرد والمجتمع ككل. إن توقعات إليوت حول الآثار المتبقية للصدمة تحثنا على معالجة عواقب الصراعات الماضية لمنعها من الظهور مرة أخرى وإدامة حلقة مفرغة من الدمار.

إمكانية الفداء والأمل:

على الرغم من أنه تصوير مؤلم لمستقبل مقفر، إلا أن "الأرض اليباب" تقدم أيضا بشكل غامض لمحات من الخلاص وإمكانية استعادة الأمل. تشير القصيدة إلى أنه من خلال مواجهة الحقائق القاسية للأرض القاحلة، يمكن للبشرية أن تجد القوة لإعادة بناء نفسها وتجديدها.

خاتمة:

من خلال "الأرض اليباب"، يقدم إليوت لمحة مثيرة للتفكير في المستقبل، محذرا المجتمع من مخاطر الانحلال الأخلاقي، والتدهور البيئي، والانفصال. ومن خلال دراسة تنبؤات إليوت، نكتسب نظرة ثاقبة لعصرنا والعواقب المحتملة التي تنتظرنا إذا فشلنا في الانتباه إلى حكايته التحذيرية. دعونا نغتنم هذه الفرصة لإعادة التفكير في طريقنا والعمل على خلق مستقبل يعزز الترابط والتعاطف والاستدامة.

***

محمد عبد الكريم يوسف

 

خواطر

هذا الصّباح، أطلّت علينا الشّمس الدّافئة، بعد أيّام متواصلة من المطر، باستحياء أطلّت من بين الغيوم، ترسل أشعّتها النّاعمة لتملأ الأرض بهجةً وإشراقا. إنّه أجملُ الصّباحات، تفوح منه رائحة الأرض بعد المطر، أكثرُ الصّباحات صمتًا، يبعث السّكينة في النفس، يُنسي البال ما كان بالأمس يشغله، ويملأ النفس فرحًا لا يشبهه فرح. صباحٌ باردٌ بردًا يوقد الأشواق، مغسولٌ بماء المطر وقطرات النّدى. صباحٌ يغري بالكتابة.

شكرا

يمتلئ البال بالخواطر كلّ يوم طوال الأسبوع، معظمها تذهب وتتلاشى في غمرة الأحداث وتسارع الأيام، لكنّ ما يبقى محفورًا في الذّات هو أكثرها صدقًا وعمقًا.

هذا الأسبوع تذكّرتُ جدّي مرة أخرى، عندما سمعتُ أغنية «شكرا»*:

شكرًا لأبطال الحكاية كلّهم

من شكّلوا فينا الحقيقة والخيال

فلكلّ فصل في حياتي قصةٌ

ولكلّ سطرٍ ما يُقال وما يُقال

يقولون إنّنا لا نعرف قيمة الأشياء إلّا بعد أن نفقدها. فكم من مرةٍ لا نقول شكرًا لأناس عبروا من حياتنا، نكتشفُ أنّنا ممتلئون بهم. شكرًا واحدة لا تكفي ولا توفي حقّ جدّي ومنزلته في قلبي، ولا حتى ألف شكر، فهو من علّمني حبّ اللغة العربية، وحبّ الكتب والقراءة وعلّمني ما لم يعلّمني أحدٌ دون أيّ كلام.

وتقول الأغنية أيضا:

شكرًا لمن غرسوا كلامًا طيّبًا

بقلوبنا فغدت ربيعًا لا يزال

ولنا ابتساماتهم كأجمل بُردةٍ

ولهم علينا دائمًا صبر الجبال

وكان السّؤال الذي أثير في بالي: هل هناك فرق بين (شكرا) و (أشكرك) باللغة العربية؟

فخطر لي أنّ شكرًا هي كلمة عامّة جدًّا، تُقال لأيّ أحد، بلا مشاعر خاصّة، وأحيانا كثيرة للمجاملة. لكنّ (أشكرك) هي كلمة موجّهة بشكل خاصّ، محمّلة بالأحاسيس، نابعة من قلبٍ إلى قلب، لها وقعٌ خاصٌّ في القلب، فيها تقرّبٌ، تمييزٌ وامتياز، مملوءة بالمحبة والألفة، تكسر الحواجز بين القلوب.

شكرا أيقظت بي العديد من الأفكار. فقد خطر لي أنّنا لا نستعملها كثيرًا، ليس كما ينبغي ربما، بلغتي الأم الشّركسية، ولطالما كانت مبعثًا للحيرة وربما الحرج لاستعمالها. وقد أكون مخطئة في ذلك.

لماذا؟ هل لأنّها جُملة طويلة؟

«تح ويغبسو» بما يعني: الله يحفظك. وإذا كانت (شكرا) هي (الله يحفظك) فكيف نشكر الله بلغتنا؟ سؤال بقيَ عالقًا في ذهني إلى اليوم بلا إجابة.

هذا الأسبوع أدهشني أحدهم عندما قال لي إنّ طول جملة (شكرا) بالشركسية فيه جُهدٌ وعمقٌ أكثر، وهي تحمل زيادةً في المعنى وتُلغي الغفليّة.

ربما... من يدري*.

خصوصيّة

هذا الأسبوع قرأتُ عن مسلسل «كبرى» الذي يُعرض على نيتفليكس فشاهدتُ الإعلان الترويجي للمسلسل. يظهر فيه رجلٌ وامرأة مستغرقين في حديث، عندما تصل رسالة نصّية إلى الرجل، فتفتح المرأة الرسالة وتقرأها: أنت مختلف.

فتسأله: ما هذا؟

يقول لها: لا أدري.

هل تعرفها؟

لا.

من الواضح أنها تعرفك لأنها تقول لك إنك مختلف.

أنا لا أعرفها حقا.

إن كنت لا تعرفها فلماذا تراسلك؟

لا أدري لماذا، لكنّ هذه المعاتبة للرجل من قبل المرأة بسبب شكّها بأنّه يغازل امرأة أخرى غيرها، والتي نراها ونسمع عنها كثيرا، لا تروق لي. أحسّ فيها شيئًا من الغباء وحتى الإذلال للمرأة، في حال كانت المعاتبة من قبلها، فالحبّ هو الثّقة أولا وأخيرا، وإن ذهبت الثّقة فكيف يبقى الحب؟

 تلك المعاتبة أثارت في ذهني مرةً أخرى خواطر عن الغيرة بين الرّجل والمرأة. أين الحدود؟

هل من حق المرأة (لنفرض أنها الزوجة) أن تفتح رسائل زوجها النصّيّة أو رسائله الالكترونية؟

هناك العديد من الأزواج يطلبون من الشّريك معرفة كلمة السّر لهاتفه الخليويّ أو بريده الإلكتروني ويصرّون على ذلك بادّعاء أن هذا من حقّهم. هل من حقّ الزوجة أن تتابع زوجها خطوة بخطوة وتتدخّل بعلاقاته وصداقاته وخطواته؟ أليس الرّجل هو إنسانٌ أولا ويحتاج إلى شيء من الخصوصيّة ليحتفظ فيها بنفسه، برغباته؟

ألا توجد مساحة شخصيّة بين الأزواج؟

هناك من يدّعي أن لا خصوصية بين الأزواج، يعني كل ما هو لك لي وكل ما هو لي لك.

ما الذي يدفع الإنسان ليجبر أحدًا للتنازل عن خصوصيّته؟

هل هذا هو الحبّ؟ أم الزّواج؟ أم الغيرة؟ أم أنّه حبّ الامتلاك؟

عندما يحاول أحدهم التّحكّم بكلّ تصرّفاتك، كلماتك وعلاقاتك ويعاتبك على كل كبيرة وصغيرة فهذا لا يعني أنّه يحبّك، بل يعني حبّه لامتلاكك والسّيطرة عليك جسديًّا، مادّيًّا وعاطفيًّا، ويعني أنه لا يحترمك ويدلّ على عدم تقديره لذاته حتى تظلّ الشّكوك تراوده. 

كلّنا نحتاج إلى مساحة شخصيّة أو خاصّة بنا بطريقة وإلى حدّ ما، مساحة نشعر فيها بالأمان والاستقلاليّة، ونشعر أنّنا لسنا عرضةً للانتقاد. فيها يمكننا التفكير والتأمّل والتساؤل وتطوير آرائنا ومواقفنا المختلفة بما يتناسب مع أنفسنا، ومنها يمكننا الانفتاح على الآخرين عندما نقرّر ذلك بإرادتنا.

صحيح أنّ الشّفافية مطلوبة وضروريّة في العلاقة الزّوجية، لكنّ الحاجة إلى الخصوصيّة عند الإنسان لا تختفي بعد الزّواج. على العكس، ربما تكبر أكثر. لذا، على الأزواج التوصّل إلى تفاهم بأن العلاقة الزّوجية لا تعني إلغاء الخصوصيّة، بل عليهما احترام خصوصيّة الآخر ومساحته الشّخصية والحفاظ على الثّقة بالآخر.

غضب

هذا الأسبوع أيضا كانت لي محادثة مثيرة للتساؤلات مع إحدى السّاكنات في بيت المسنّين الذي أعمل فيه، والتي وصلت إلى البيت قبل نحو شهرين أو أكثر، مع غيرها من المسنّين والمسنّات الذين سكنوا البيت بعد أن تمّ إخلاؤهم من بيوتهم في شمال إسرائيل بسبب الحرب. إنّها امرأة لطيفة في الثمانينيات من العمر، صاحية وواعية تماما، كانت تعمل في رعاية المسنّين في شبابها، والآن تحتاج إلى الرعاية. منذ سنوات تعاني من مرض الربو، وتنتابها نوبات الربو، ويعني ذلك صعوبة في التّنفس، وما يصعب عليها أيضا أنّها، مؤخرًا، لم تعد قادرة على المشي، وهذا يعني أنّها تعتمد على الآخرين في كلّ شيء تقريبا، وخاصة، في قضاء حاجتها، الأمر الذي تحتاجه مرات عديدة خلال النهار. مكثت في المستشفى لعدة أيام بسبب صعوبة التنفس، ومنذ عودتها إلى البيت كانت مريضة وضعيفة وكثيرة التّذمّر.

جلستُ أمامها وسألتها عن حالها، فقالت: حالي ليس جيّدًا أبدًا، أنظري إليّ. هل هذه حياة؟

أخبرتني عن مدى صعوبة هذا المرض وعدم قدرتها على المشي لقضاء حاجتها بنفسها.

استمعتُ إليها وحاولتُ تشجيعها والتّخفيف عليها قدر الإمكان، فقلتُ لها إن هناك أمورًا لا سيطرة لنا فيها وعلينا فقط مواجهتها والتعايش معها وأنّ ذلك هو قضاء الله.

فقالت: أنا أعرف أنّ ذلك هو قضاء الله وأنا قابلة بذلك، ولكنّني غاضبة أيضا، غاضبة على الله، وأتساءل: لماذا يخلقنا ويعذّبنا؟ هذا مرض صعب جدا، لا أتمنّاه لأحد.

أحيانا، مجرد الحديث عن الصّعوبات يخفّف عنا الكثير، وهذه السّيّدة بالذّات، ربما جزء من معاناتها أنها واعية تماما، بعكس كلّ السّاكنات والسّكان الآخرين في هذا القسم بالذّات من البيت، الذين يعانون من مرض الخرف والزهايمر. وأحيانا قد يساعدنا أن نعرف عن غيرنا الذي يعاني أكثر ويتحلّى بقوّة التّحمّل والصّبر، فأخبرتها عن معاناة سيّدة أخرى أعرفها تعاني أكثر منها منذ الصّغر، وكيف أنّها تحافظ على ابتسامتها وتبقى راضية رغم كلّ شيء، فرأيتُ كيف تبدي تعاطفها معها، وفي نهاية المحادثة سررتُ برؤية الابتسامة ترتسم على شفتيها رغم كلّ شيء. أحيانا، نحتاج فقط إلى من يسمعنا وينصت إلينا، حتّى لو لم يكن بإمكانه فعل شيء.

***

حوا بطواش

كفر كما 3.2.2024

.................................

* شكرا – كلمات: محمد موسى، ألحان وغناء: رامي محمد، توزيع: محمد هارون.

** ربما من يدري- مقتبس من أسطورة صينية بنفس العنوان.

ما كنت أحسب أن الدعوة الكريمة التي أرسلها إلي صديقي محمد المي قبل أيام من افتتاح معرض مدينة تونس للكتاب لحضور أمسية ليوم الإثنين 2 فيفري 2924 خاصة بمنتدى التنوير الذي يشرف عليه منذ سنوات والذي كنت من بين الأدباء التونسيين الذين قدمهم ونشر لكل منهم مجموعة المداخلات الخاصة به في كتاب...

ما كنت أحسب أن تكريما ينتظرني أيضا فجزيل الشكر لصديقنا الأستاذ محمد المي الذي دأب بلا كلل ولا ملل على مدى سنوات عديدة يحتفي بالأدب التونسي في مختلف أطواره وأجياله وعلى تنوع أصنافه وأجناسه متحديا المصاعب والتحديات مؤمنا بأن هذه البلاد التونسية زاهرة بالعطاء واصلا القدامى بالمعاصرين ومحتفيا بالقدامى منهم والأحياء على حد السواء !3381 تكريم سوف عبيد

إن ما أضاف إلى هذا التكريم البهيج الذي حظيت به أنه كان برفقة أصدقاء أعزاء من الذين جايلتهم وعرفتهم عن قرب وهم الأديبة نافلة ذهب صاحبة القلم القصصي المتميز بلغته الشفافة الناصعة وبسبر أغوار شخصياتها القصصية وبالتقاطها لأهم هواجس المجتمع التونسي وتحولاته بالإضافة إلى منجزها المهم في الكتابة للأطفال واليافعين وقد ولجت بقصصها تلك بابا مهما في أدبنا المعاصر وأسدت معروفا لعديد الأجيال بما بذرت فيها من شغف المطالعة وحب اللغة العربية.

وكم كنت سعيداً أيضا بتكريم صديقي الأديب جلول عزونة الذي رغم اختصاصه في تدريس الأدب الفرنسي بالجامعة التونسية فإنه اختار كتابة أقاصيصه باللغة العربية وكذلك دأب على كتابة بحوثه الاجتماعية والتاريخية بلغة الضاد ناهيك أيضا أنه محقق حصيف لكثير من كتب التراث التي نفض عنا غبار النسيان وأعاد إليها وهجها وإشعاعها.

أما الثالثة من المكرمين في منتدى التنوير بمناسبة معرض مدينة تونس للكتاب سنة 2024 فهي الأديبة مسعودة بوبكر هذه الأديبة التي سرعان ما فرضت قلمها بين الأقلام الراسخة في تونس وذلك بفضل غزارة كتابتها وتواتر إصداراتها قصة ورواية وشعرا ونقدا وغير ذلك من فنون الكتابة وقد تيسر لها ذلك لأنها أخذت الأدب مأخذ الجد والحزم وعكفت على النهل من معينه بالمطالعة والاستفادة من تشجيع السابقين لها ونذكر من بينهم خاصة أستاذنا الأديب محمد العروسي المطوي فالأديبة مسعودة بوبكر أعتبرها حقا ابنة الأدب التونسي من خلال منابره وفضاءاته المختلفة حيث كانت مواظبة على ارتدياتها ثم على تسييرها وتنشيطها مثل نادي القصة بالوردية وهادئة القصاصين باتحاد الكتاب وناديك الطاهر الحداد وغيرها فأكدت بذلك أن الموهبة هي أساس الإبداع متى حظيت من صاحبها بحسن الصقل وبالدأب والمثابرة.

أجمل التهاني إذن لأصدقائي المكرمين معي راجيا لهم المزيد من العطاء لإثراء المكتبة التونسية والسلام على أرواح الأدباء الذين غادرونا والشكر الجزيل لصديقنا محمد المي ولجميع الأطراف المنظمة لهذه المبادرة.

***

سوف عبيد

 

لوحة"الأخوات الثلاث" المستلهمة من أثر أدبي لأنطون تشيخوف في معرض خاص..

الفن بما هو مسار بحث وحيرة وتبدلات وأسئلة تجاه الذات والآخرين حيث الفكرة مجال ذهاب نحو العناصر والكائنات انطلاقا من وعي حاد للقول بالبهاء عنوانا والجمال فلسفة وو هنا تبرز الدوافع الكامنة في شواسع الفنان من أحاسيس وهواجس وتأملات عميقة وانسانيات وهموم حافة بالانسان في امتداداته في الزمان والمكان.الفنان التشكيلي الهادي فنينة في رحلته الفنية لعقود من الزمن وضمن تفاعلاته مع الأداب في علاقاتها بالفنون ووفق قراءاته للرواية في تعدد تلويناتها وفي أعماله الفنية وخاصة معرضه المنتظم بفضاء سيدي عيسى بالحمامات عرض عملا فنيا يحيل الى عوالم أدب أنطون تشيكوف وتحديدا " الأخوات الثلاث ".فالعمل الفني كان وفق التكعيبية من خلال الاشتغال على الألوان والفضاء في اللوحة وبأسلوب الفنان شكل حالة جمالية تنهل من هذا المنجز بقلم الكاتب والمسرحي الروسي أنطون تشيخوف الذي كتبت في سنة1900، وعرض أول مرة في سنة 1901 بمسرح موسكو للفنون.. فالمسرحية ضمن قائمة المسرحيات المتميزة لتشيخوف، إلى جانب " النورس " و" العم فانيا. ".. وهي بمثابة عمل يقوم على الخيال الأدبي الذي يخص ثلاث شابات شقيقات وهن أولغا وماشا وإيرينا، حيث عوالم مفعمة بالأحلام والانكسار والرغبات تجاه الحياة وتحدياتها ورتابتها في بلدة صغيرة بروسيا .. الفنان الهادي فنينة نقل كل ذلك مستلهما من هذا الأثر الأدبي حيث اللوحة تعبر بعمق على سردية وأحوال ومناخات رواية “الأخوات الثلاث”.. عمل فني التقى خلاله أدبيا وجماليا فنينة بتشيكوف ضمن رغبات الفنان في قراءة هذا الأثر العالمي فنيا.. وتشيكوف " كاتب مسرحي وكاتب قصص قصيرة روسي يعتبر من أعظم الكُتاب على الإطلاق. أنتجت مسيرته ككاتب مسرحي أربع روايات كلاسيكية، وتحظى أفضل قصصه القصيرة بتقدير كبير من قبل الكتاب والنقاد، كتب المئات من القصص القصيرة التي اعتبر الكثير منها إبداعات فنية كلاسيكية، كما أن مسرحياته كان لها تأثير عظيم على دراما القرن العشرين.. بدأ تشيخوف الكتابة عندما كان طالبًا في كلية الطب في جامعة موسكو، ولم يترك الكتابة حتى أصبح من أعظم الأدباء، واستمرّ أيضًا في مهنة الطب وتخلى تشيخوف عن المسرح بعد الاستقبال الأولي الفاتر لمسرحية النورس في عام 1896، ولكن تم إحياء المسرحية في عام 1898 من قبل قسطنطين ستانيسلافسكي في مسرح موسكو للفنون، التي أنتجت في وقت لاحق أيضًا العم فانيا لتشيخوف وعرضت آخر مسرحيَّتين له وكان ذلك لأول مرة " الأخوات الثلاث" و"بستان الكرز" وشكلت هذه الأعمال الأربعة تحديًا لفرقة العمل وكذلك للجماهيرلأن أعمال تشيخوف تتميز بـمزاجية المسرح والحياة المغمورة في النص.. كان تشيخوف يكتب في البداية لتحقيق مكاسب مادية فقط، ولكن سرعان ما نمت طموحاته الفنية كان أنطون عاشقًا للمسرح وللأدب مُنذ صغره، وحضر أول عرض مسرحي في حياته أوبرا هيلين الجميلة لباخ عندما كان في الثالثة عشرة من عمره، ومنذ تلك اللحظة أضحى عاشقًا للمسرح، وكان ينفق كل مدخراته لحضور المسرحيات...". الفنان الهادي فنينة الذي تماهى مع عمل من روائع تشيكوف كان يرى في الفن مجالا لالتقاء الابداعات والفنون وهو كقارئ لروايات تشيكوف وكونتر غراس وهمنغواي وياسمينة خضراء وغيرهم رأى ممكنات الالتقاء بين الابداعات المختلفة بل انه يسعى لاستلهام العديد من الأعمال الفنية من آثار أدبية قرأها وأحبها... واللوحة المعنية والتي عنوانها " الأخوات الثلاث " برزت في المعرض الشخصي للفنان التشكيلي الهادي فنينة بالفضاء الثقافي سيدي عيسى لجمعية صيانة المدينمة بالحمامات حيث قدم الفنان عددا من لوحاته وأعماله الفنية ضمن نشاطه الفني التشكيلي وذلك بعد معرض خاص انتظم قبل اسابيع بفضاءات العرض بدار سيباستيان بالمركز الثقافي الدولي بالحمامات.و تنوعت لوحات الفنان لتعكس جانبا من تجربته التشكيلية بين المشاهد الخاصة بالحمامات من البرج والبحر والمعمار الى جانب لوحات أخرى معبرة عن مواضيع شتى تهم الانسان. معرض ينضاف لعديد المعارض الفنية للفنان الهادي الذي بقي على علاقاته بالرسم يحمل بين أنفاسه حبه الدفين للحمامات بعطورها القديمة والحديثة وهو الذي عاش في ألمانيا لفترة وفي دوسلدورف حيث تعرف الى العديد من تفاصيل الحياة والناس والفنون ليعود وفي قلبه شيء من حتى...من قيمة الفن في حياة الناس.. هذه بعض شؤون وشجون الدلفين الحمامي مع الناس والمجتمع لتظل تونس في قلبه والحمامات التي يراها كما رسمها في لوحته الفنية ضمن عنوان " الحمامات التحفونة ". وما الى ذلك من من اللوحات المتعددة ومنها لوحة " الأخوات الثلاث " العمل الفني المستلهم من أثر أدبي لأنطون تشيخوف ونعني " الأخوات الثلاث ".

***

شمس الدين العوني

إن الطبيعة العنيفة للثورة هي موضوع متكرر في رواية تشارلز ديكنز "قصة مدينتين". تدور أحداث القصة خلال الفترة المضطربة للثورة الفرنسية، وتصور بوضوح الوحشية وسفك الدماء التي رافقت هذه الفترة من الاضطرابات. في هذا المقال، سأستكشف حالات العنف المختلفة وأهميتها في إيصال الطبيعة المدمرة للثورة.

تبدأ الرواية بوصف مجتمع يعاني من الفقر وعدم المساواة، وهي الظروف التي تزرع بذور التمرد وتقود إلى الدمار والخراب. ومع تزايد السخط بين الطبقات الدنيا، بدأت الثورة في التبلور. ومع ذلك، فإن ما كان في البداية معركة من أجل العدالة سرعان ما تحول إلى كابوس فوضوي من العنف. يعد اقتحام سجن الباستيل، رمز القمع الملكي، بمثابة مثال مبكر على هذا العنف، حيث يطلق الثوار العنان لغضبهم المكبوت على حراس السجن، تاركين وراءهم مشهدا قاتما من الموت والدمار.

علاوة على ذلك، يصور ديكنز ببراعة الطبيعة القاسية وغير المتسامحة للثورة من خلال شخصية مدام ديفارج. مدام ديفارج، الثورية الانتقامية، تحيك سجلا بأسماء أولئك الذين ترغب في رؤيتهم يُعدمون، وهو ما يمثل العنف العشوائي الذي يصاحب مثل هذه الحركات السياسية. يكشف هوسها بالانتقام وملاحقتها المتواصلة لأعدائها عن عمق القسوة التي يمكن أن تجلبها الثورة إلى الناس.

يضاف إلى ذلك، فإن المحكمة الثورية، التي أنشئت لتحقيق العدالة السريعة، أصبحت أداة للإرهاب. إن المشاهد داخل قاعة المحكمة تقشعر لها الأبدان، حيث يُحكم على أشخاص أبرياء بالإعدام لمجرد الاشتباه، دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة. يرسم ديكنز صورة مروعة لعقلية الغوغاء، حيث يطغى التعطش للانتقام على العقل والأخلاق. تسلط مشاهد العنف هذه الضوء على الآثار اللاإنسانية للثورة، حيث يمكن حتى للقضايا الأكثر صدقا أن تؤدي إلى عواقب وحشية.

بالإضافة إلى العنف الذي يمارس على الأفراد، تجلب الثورة أيضًا الدمار على نطاق واسع. إن اقتحام قصر فرساي وما تلا ذلك من تدمير لثرائه يسلط الضوء على رغبة الثورة في القضاء على رموز النظام القديم. يؤكد حرق القصور ونهب منازل النبلاء على الطبيعة المتطرفة والعنيفة للانتفاضة.

وفي ذروة الثورة، في عهد الإرهاب، يصل العنف إلى ذروته. يتم إعدام عدد لا يحصى من الأفراد بالمقصلة، حيث يكون مجرد اتهامهم بالخيانة كافياً لتحديد مصيرهم. نجد شوارع باريس ملطخة بالدماء، والخوف يتخلل كل ركن من أركان المدينة. يصور ديكنز بمهارة رعب هذه الفترة، حيث تتمزق العائلات، ويخون الأصدقاء بعضهم البعض، ويتفكك نسيج المجتمع ذاته.

وبينما يحتدم العنف في الخارج، يُظهر ديكنز أيضا الأثر النفسي الذي يلحقه بالأفراد. إن شخصية الدكتور مانيت، الذي تحمل سنوات من السجن، متأثرة بشدة بالعنف الذي شهده. تتجلى الصدمة التي لحقت به في عدم الاستقرار العقلي، مما يرمز إلى كيف يمكن للعنف أن يترك ندوبًا دائمة في النفس البشرية.

وأكثر من ذلك، فإن العنف في "قصة مدينتين" يتجاوز الحدود الوطنية، فحتى شوارع لندن الهادئة ليست محصنة ضد قبضته. إن القتل الوحشي لخادمة لوسي مانيت البريئة والفاضلة، الآنسة بروس، على يد مدام ديفارج، هو تذكير صارخ بأن العنف يمكن أن يمتد ويبتلع حتى أولئك الذين ليسوا مشاركين مباشرين في الثورة.

في الختام، تقدم "قصة مدينتين" صورة صارخة للطبيعة العنيفة للثورة. يصور ديكنز بمهارة الانحدار إلى الفوضى وإراقة الدماء بينما تتحول الانتفاضة ضد عدم المساواة إلى كابوس مرعب. ومن خلال استخدام الصور القوية والشخصيات المقنعة، يسلط ديكنز الضوء على العواقب المدمرة التي تصاحب مثل هذه الحركات. تعتبر الرواية بمثابة حكاية تحذيرية، تذكرنا بالفظائع التي يمكن إطلاق العنان لها عندما يصبح العنف هو المحرك الدافع للتغيير المجتمعي.

***

محمد عبد الكريم يوسف

كل شيء موجود في الخارج، حتى نفسي اليوم تتواجد خارج عوالم تحكمات القيم. اليوم، أعيش في عُزلة الفوضى والتي ليست بالخلاقة، حتى وأنا أسير وسط الجسم الاجتماعي الناضج. في الطريق ظللت عاجزا عن التغلب على مستويات القلق، وكنت أعاني من الإخفاق في خوض مراقي سلالم التغيير. كنت أخاف أن أثقل كاهلي بآمال وتوقعات لا ضرورة منها، ولا تُجدي نفسي من تجويد سعادة حياتي الباقية. أعراض الانسحاب من مكان لآخر كانت مستمرة وبلا توقفات. ومن التفكير الجوهري كنت أُعاني قسوة من سلطة الاستثناءات. لحظات أُخلط المعايير والمقاييس، وبات يومي ضحية للاعتباطية العشوائية، وأنا أمشي في هذا المُنْطق منتكس الشعور مع عَرجِ الحمق والتيه.

تحولت في مسار سيري رأسا على عقب، و صدري يضيق نفسا من الغرق المفرط من فراغات الروح العلوية، وحتى من ذاتي يأتيني الخوف والهلع. لحظة، وأنا في هذه الحالة الاستثنائية، سمعت صوتا يشابه صوت أبي (رحمه الله)، وهو في محراب الصلاة يرتل كتاب الله بالطريقة المغربية التقليدية. في انحيازي وجنوح ذاتي المتكرر نحو مصدر الصوت، وضعت نفسي موضع توالد التخمينات، وكأن شكي في سمعي كان واضحا. تذكرت، مقولة للمعلم الأول أرسطو(من مزايا العقل ... أنه قادر على التأمل في فكرة من الأفكار غير أن يقبلها...) كقيم مسلمة جاهزة، وهي مهارة وجدتها أكثر تطويرا، وملمس انتماء إلى عالمي الواقعي المنغمس في الخيال.

في إنقاذ جهازي النفسي، اعتمرت نظارة سوداء، وأنا الذي أكره رؤية عالمي الخارجي في ألوان الزجاج. أحسست أن عقلي يُجري نوعا من التقويمات والتعديلات، حينها عرفت أني أسير نحو الصوت، ولن أتردد من زيارة قبر أبي (رحمه الله) في هذا الصباح للبكاء والترحم على روحه الطاهرة .

ظللت أدور في نفس فلك تفكير الدرب. توقف وهو يلاصق سيري، شيخ لم أشهده قطا يطوف بذات الحي، كانت لحيته بيضاء يعتمرها تخصيب حناء طري، وبعصاه المعقوفة أوقفني بالسلام. أصبح ماثلا بالقرب مِنِّي، حينها أحسست بِبُرهبة غير مألوفة تلفني بالشعور المتدني نحو الخوف من صانعي سحرالسماوي، لكني استحملت رؤيته كذات يقينية لا خيالية، إذ لكل منَّا، نحن جميعا، قيمه الخاصة، وكل منا يعمل على حمايتها ودعمها من التلف، والشيخ كان تلك الصدفة الراقية التي جعلته اليوم بطريقي.

لم أتردد في استحضار الذات الخائفة أمام الذات الحكيمة ومفارقات إصراره على الحديث. كان شعره الكثيف يماثل حكايات سيدي عياد السوسي المتصوف الزاهد. كانت نظراته حادة وثاقبة، وغير رحيمة على نفسيتي المبعثرة بالتشرد البرهاني. قال: أعرفك، لست شخصا صالحا حين تبتعد عن الواقع وعن ذاتك !! ما مشكلتك المفزعة؟ أنت تحتاج إلى الهدوء، والعودة بالارتداد نحو ذاتك الأليفة !!

تساءل في عيوني حين نزعت النظارة: من الواضح أن شيئا ما يزعجك وينغص يومك!! لم أكن أعير لكلامه قيمة تركيبية، لكنه أصر إصرارا على النظر في عيني مرة ثانية بالتفحص الممل. كنت حينها أتردد بالتلعثم في اختيار كلمات مُريحة كإجابات مختصرة لتساؤلاته القصدية، وقلت بأدب: أتعرف سيدي علي الذهاب الآن. ابتسم في وجهي، وهو يخاطبني بشدة صوت العياء: لما تتلاطف مع الهروب الدائم بلا توقف، وترفض أن تكون مثل طائر الفنيق الذي يتحلى بمعاودة الحياة من رماده الناري!! لما لا تُغادر وقوفك المائل، وتترك أثرا لتقويض أسس الزمن المتردي !! لماذا يزعجك أمر التغيير إلى هذا الحد؟ وكيف ترضى أن تبقى في تحجر التفكير السلبي؟ فأبوك في مرقده ينعم بالجنة، فلا خوف على فقيه، لم يفارق محراب ولا ميقات الصلاة.

قلت له ربما علي اللحاق بأبي الآن للزيارة والترحم، فقد نزغ في قلبي ذكراه. لا عليك فالصبر أخلاق، ثم شد على يدي بقوة، وأفرغ وعيي الداخلي من شعور الألم والبكاء. كان يعلم بالعفوية أن الوعي عندي لا داخل به فارغ. حينها أحسست بهدوء التجربة، ولم أسحب يدي عنه، إلا بعد صوت منبه سيارة أرجع الفزع إلى داخلي المرتد. كان السائق المسرع، قد بصق على نافذة السيارة أمامنا انتقاما منّا، ونحن في ممر الراجلين نمشي على مهل بحد سن الشيخ الهرم. لم أعر هذا السلوك اللاأخلاقي بدا، بل جاء الجواب من ذاك الشيخ الذي جعل الله اليوم في طريقي ليفرغ من إرهاق نفسي قسطا وفيرا، حين خاطب صاحب السيارة باستدارة الدعاء: اذهب إلى الجحيم !! من الصدف العجيبة والتي لم أجد لها تفسير عقلاني، أن السائق أتلف مساره، فأوجد السيارة في وسط المدارة بالانحراف، والدخان يتصاعد من المحرك احتراقا!!

***

محسن الأكرمين

 

كريستوفر مارلو، أحد أكثر الكتاب المسرحيين تأثيرا في العصر الإليزابيثي، معروف بإضفاء عناصر غامضة ومظلمة على أعماله الدرامية. غالبًا ما تستكشف مسرحياته، مثل "دكتور فاوستوس" و"تامبورلين العظيم"، أعماق الفساد البشري وعواقب الطموح الجامح. إن استخدام مارلو للظلال الداكنة في دراماته يعمل على تعميق التعقيد النفسي لشخصياته، وزيادة التوتر الدرامي، وتسليط الضوء على الجوانب المظلمة للحالة الإنسانية.

في مسرحية "دكتور فاوستس"، يستكشف مارلو موضوعات الطموح والسعي وراء المعرفة. الشخصية التي تحمل اسمها، فاوستوس، تبيع روحها للشيطان مقابل قوة ومعرفة غير محدودة. إن هذا العهد مع الشيطان يمثل مثالا للظلام والانحلال الأخلاقي. يقدم مارلو فاوستوس كشخصية مأساوية مدفوعة بغطرسته ورغبته في السلطة، مما يؤدي في النهاية إلى إدانته. تخلق الظلال الداكنة المنسوجة في جميع أنحاء المسرحية جوا من الهلاك الوشيك وتؤكد على عواقب الطموح الجامح.

وبالمثل، في مسرحية "تامبورلين العظيم"، يصور مارلو صعود وسقوط الشخصية العظيمة ، والفاتح الذي لا يرحم. تُظهر أعمال تامبورلين المظلمة والعنيفة، مثل قتل المدنيين الأبرياء، عمق قسوته. يستخدم مارلو هذه الظلال الداكنة ليس فقط لتسليط الضوء على الانحلال الأخلاقي للبطل ولكن أيضًا للتشكيك في طبيعة السلطة وتأثيرها المفسد على الأفراد. تتعمق المسرحية في ميل الإنسان إلى الاستسلام للظلام الداخلي عندما يكون مدفوعا بالطموح.

ويتجلى استخدام مارلو للظلال الداكنة أيضًا في تصويره لشخصيات نسائية قوية ومعقدة. في فيلم "يهودي مالطا" يقدم شخصية أبيجيل، التي تدفعها رغبتها اليائسة في الانتقام إلى اتخاذ إجراءات متطرفة. إن تصوير تحول أبيجيل من شخصية تبدو بريئة إلى امرأة منتقمة ومخادعة يضيف عمقًا إلى المسرحية ويسلط الضوء على التعقيدات المظلمة للنفسية البشرية.

يمكن رؤية مثال آخر على استكشاف مارلو للظلال الداكنة في مسرحية "إدوارد الثاني"، وهي مسرحية تتعمق في موضوعات السلطة والمثلية الجنسية والخيانة. يخلق مارلو جوا حزينا وكئيبا للغاية طوال المسرحية، مما يعكس المصير المأساوي لبطل الرواية، الملك إدوارد الثاني. يؤكد استخدام مارلو للصور المظلمة وظلال اليأس على العزلة والعذاب الذي يواجهه الملك في بحثه عن الحب والقبول.

علاوة على ذلك، فإن معالجة مارلو للموضوعات الدينية في أعماله الدرامية تضيف طبقة من الظلام إلى أعماله. في "مذبحة باريس"، يصور الأحداث الفوضوية والوحشية لمذبحة يوم القديس بارثولوميو عام 1572. وتستكشف المسرحية موضوعات التعصب الديني والعنف، وتصور أحلك جوانب الطبيعة البشرية. إن إدراج مارلو لمثل هذه الأحداث الشنيعة يعزز الرسالة القائلة بأن الظلام يمكن أن يسكن حتى داخل أكثر الأفراد تقوىً.

تواجه أعمال مارلو الدرامية أيضا القضايا الاجتماعية والسياسية في ذلك الوقت، مثل الفساد وإساءة استخدام السلطة. في "التاريخ المأساوي للدكتور فاوستوس"، تمثل شخصية مفستوفيلس التأثير المفسد للسلطة والجانب المظلم للسلطة. يستخدم مارلو صورا وظلالا داكنة للتأكيد على عواقب مثل هذه الانتهاكات والانحلال الأخلاقي الذي يصاحبها. يضيف هذا التعامل مع القضايا الاجتماعية والسياسية عمقًا وأهمية لمسرحيات مارلو، ويسمح باستكشاف أكثر ثراء للحالة الإنسانية.

إن استخدام مارلو للظلال الداكنة في أعماله الدرامية يعمل أيضًا على تحدي الأعراف والتوقعات المجتمعية. يتعمق في مواضيع محظورة، مثل المثلية الجنسية والإلحاد، والتي كانت جرائم يعاقب عليها خلال العصر الإليزابيثي. إن جرأة مارلو في معالجة هذه المواضيع تضيف طبقة من الظلام إلى مسرحياته وتعكس الصراع بين القيود المجتمعية والرغبات الشخصية.

وفي الختام، فإن استخدام كريستوفر مارلو للظلال الداكنة في أعماله الدرامية يعمل على تعزيز التعقيد النفسي لشخصياته، وزيادة التوتر الدرامي، وتسليط الضوء على الجوانب المظلمة للحالة الإنسانية. من خلال موضوعات الطموح والخيانة والدين والسلطة، يثير مارلو الاستبطان ويشجع الجماهير على مواجهة الظلام داخل أنفسهم. تستمر مسرحياته في جذب الجماهير بعد قرون، حيث تعرض الأهمية الدائمة لاستكشافه لظلال الظلام في الطبيعة البشرية.

***

محمد عبد الكريم يوسف

كيف ألهمت كوت ديفوار والمغرب العالم بتضامنهما

في قلب كوت ديفوار، حيث الشمس تُشرق بأمل جديد، تجسدت قصة إنسانية رائعة تخطت كل الحدود. ليست قصة كرة قدم عادية، بل قصة أخوة ووحدة تسرد فصولها الجماهير والمؤثرون من المغرب وكوت ديفوار. هنا، في أرض الفيلة، تحولت الملاعب والشوارع إلى مسرح للعرض الأكثر تأثيرًا على القلب والروح. كل شيء بدأ بمباراة كرة قدم، لكن ما حدث كان أكبر من مجرد لعبة. المشجعون المغاربة، بكرمهم الأصيل، ارتدوا التي شيرتات الإيفوارية، ورددوا بكل فخر: "اليوم نحن إيفواريون". وفي الجانب الآخر، استقبل الإيفواريون أشقاءهم المغاربة بالأحضان المفتوحة، مرتدين الألوان المغربية ومعلنين: "نحن مغاربة". الأعلام المرفوعة والألوان الممزوجة صاغت لوحة تضامن بديعة، وكأنها رسالة سلام تحلق فوق السماء. ومن بين الزحام، برزت قصة المرأة المغربية كوثر التي عاشت عشر سنوات في كوت ديفوار. بيتها فتح أبوابه على مصراعيها لاستقبال المغاربة، ليس فقط كضيوف، بل كأفراد من عائلتها. بالزي المغربي والإيفواري، جسدت هذه المرأة الوحدة الثقافية، وقدمت المطبخ الإيفواري بلمسة المحبة. كل زاوية في بيتها روت قصة الاحتضان والتقدير. وفي شوارع أبيدجان، تراقصت القلوب على أنغام الموسيقى، حيث مؤثرون مغاربة ينثرون البهجة بين أطفال ميتم، يشاركونهم الرقص والغناء. تلك اللحظات البسيطة، حيث ذبح البقر وتوزيع الطعام، أصبحت فصولًا في قصة العطاء والأمل. القصة لا تتوقف هنا، فحينما قام أحد المؤثرين المغاربة بتوزيع القفطان المغربي على النساء الإيفواريات، ارتدينه بفخر وتوجهن إلى الملعب لتشجيع المغرب. هذا المشهد البديع، حيث تتداخل الثقافات وتتحد القلوب، يرسم صورة الانسجام الإنساني الذي يمكن أن يكون بين الشعوب. في كوت ديفوار، تحولت كرة القدم إلى رمز للوحدة والتضامن. تلك اللحظات، حيث تجاوز الناس الاختلافات واحتضنوا المحبة والتقدير المتبادل، هي بمثابة تذكير بأن الإنسانية تتجاوز كل الحدود. في عالم مليء بالتحديات، تلك القصص البسيطة من المحبة والكرم تبعث الأمل وتظهر قوة الروابط الإنسانية. "أكثر من مجرد لعبة" ليست مجرد عبارة، بل هي واقع عشناه في كوت ديفوار، حيث اجتمعت القلوب وتوحدت الأرواح في احتفالية الأخوة والتضامن، مؤكدة أن في الإنسانية ما هو أعظم من كل الفوارق.

***

زكية خيرهم

 

كثيراً ما ينبغي أن تكون الكتابة مثل الحُبّ، عَصيّة على المنطق والتّنميط، أشبه ما تكون بالمُغامرة، تتقاطع مع السّائد من الأنساق العقليّة، ترفضها وتوبّخها وتكفر بقدسيّتها المُدعاة..

الكتابة: أخالها انفجارات خُطِّطَ لها أن تكون على الورق، تستهدف تدمير كُلّ ما أنشأته الدّيكتاتوريّة العقليّة، ليتمّ التّأسيس من جديدٍ لكلِّ ما هو مجنون ونَقيّ، فمن يحاول الكتابة، عليه أن يُحاصر العقل بأكثر مما يستحقّ من المعنى..

الكتابة تكون أحياناً مُهمّة شاقّة مثل الحُبّ وبسيطة جدّاً مثل الموت في بلادي، لاسيّما عندما تكون عن رجلٍ كان يُمرّر لسانه على سكين الرّطانة، لأنّ قلبه يُخبره بالمزيد يوم قَرّر الجنون وهو يقول: مستشفى المجانين هو المكان الوحيد الذي يُمكنني أن أقول فيه ما أشاء فيه، دون أن يَتّهمني أحد بالجنون..

والكتابة الكاذبة لا يُمكنها تقديم رغبةً مفيدةً أو نتائج ذات مغزى، مَثَلها مَثَل رجال الدّين الذين يحشرون مؤخّراتهم في السّياسة، فيفسدون الدّين والسّياسة على حَدٍّ سواء.

أحاول الكتابة عن رجلٍ نَجَحَ في سَرقةِ حياته من أنياب العقل والتّديُّن الزّائف والسّلطويّة بشتّى أصنافها الدّينيّة والسّياسيّة والثّقافيّة والاجتماعيّة، وكان يتوزَّع في أكثر منه، وكان يتناسل فكراً وفلسفةً وأدباً وجنوناً..

 كان صاحبي الذي أتوق كتابته، أو الكتابة عنه أو الكتابة فيه، قد رأى ببصيرةِ جنونه، كُلّ الرّؤى خارج أسيجة العقل والتّمنطق وما قبله وما بعده وما فوقه وما تحته، وظَلَّ يرى ويرى ويرى حتّى ابيضت رؤياه من الحُبّ، وبات لونها إنسانيّاً أكثر مما ينبغي، أو أكثر مما تعوّدنا..

قَرَّر صاحبي أن يكون مجنوناً، لينجو من عبثيّة العقل السّائدة، بعد أن لم يبقَ له من الجروح ما تُناسب التحمُّل، وكان يعرف بأنّه لا يُمكن أن يكون حليفاً لمرايا المستقبل، بعد أن عاداه الأمل..

تَمَكَّن من إضاءة الأمكنة المُعتَمة والموحشة في العقل، بمصابيح الجنون التي صنعها لنفسه وللنّاس، مستنداً على عُكازة الوعي المحظور في عوالمنا العربيّة..

لم يثق صاحبي بهذا المستوى من العقل السّائد، ولم ينتسب إليه يوماً ما، وكان دائماً ما يُكرّر بأنّه: ما من جنونٍ ليس على حقٍّ، إنّما العقل وحده الذي يخطئ ويُصيب..

وهكذا غادرنا صاحبي المجنون لسببٍ وجيه، بينما ما زلنا نحن العقلاء عالقين هنا من دون أيّة أسباب..

***

علاء البغداديّ - باحثٌ وكاتبٌ من العراق

..........................

* خصيّر ميري: كاتبٌ وشاعرٌ وفيلسوف عراقيّ، كَتَبَ في الفلسفة والنَّقد والشّعر والتّاريخ. تمّ اعتقاله وتعذيبه بوحشيّةٍ في عهد الحكم الصّدّاميّ. تظاهر بالجنون وتمّ حجره في مستشفى المجانين لسنواتٍ عِدّة.

تحتل العيون الزرقاء مكانة هامة في شعر الشاعر السوري نزار قباني. في جميع أعماله، يستخدم قباني هذه الصور لترمز إلى الجمال والرغبة والشوق، وحتى قدرة البشرية على التواصل مع بعضها البعض. القوة الساحرة للعيون الزرقاء هي موضوع متكرر في شعر قباني، حيث تمثل الجاذبية الجسدية وبوابة للمشاعر العميقة. يستكشف هذا المقال الدور المتعدد الأوجه للعيون الزرقاء في قصائد قباني، ويسلط الضوء على تأثيرها على تصور القارئ للحب والشهوانية والتواصل الإنساني.

تظهر العيون الزرقاء في العديد من قصائد القباني كرمز للجمال الجسدي والرغبة. غالبا ما يصف الشاعر عيني محبوبته باستخدام عبارات مثل العيون الداكنة باللون الأزرق السماوي أو عيون مثل السماء عند الغسق. تثير هذه الاستعارات الحية إحساسا بالشوق والرهبة، مع التركيز على التأثير الآسر للعيون الزرقاء على الناظر. من خلال هذه الأوصاف، يدعو قباني القارئ إلى تقدير الجاذبية الجسدية للعيون الزرقاء والعمق العاطفي الذي تعكسه.

وبنفس القدر من الأهمية، كيف أصبحت العيون الزرقاء تصويرا للشهوانية في شعر نزار قباني. غالبا ما تربط صوره العاطفية للعيون الزرقاء بالتجارب الحميمية الرقيقة. يكتب عن فقدان الذات في أعماق تلك العيون الزرقاء الجذابة و"الهمسات الحسية التي تنبعث منها". هنا، لا تمثل العيون الزرقاء الانجذاب الجسدي فحسب، بل تمثل أيضا الشهوانية والرغبة التي غالبا ما تتشابك معها. إن استخدام نزار قباني للعيون الزرقاء كرمز للشهوانية يضيف طبقة أخرى من العمق إلى قصائده، مما يثير استجابة حسية داخل القارئ.

علاوة على ذلك، أصبحت العيون الزرقاء تعبيرا عن الشوق والحب غير المتبادل في أبيات نزار قباني. من خلال استخدامه لهذه الصور، فإنه ينقل الألم والشوق للرغبة التي لم تتحقق. وفي قصيدة بعنوان "عيون زرقاء بعيدة عن متناول اليد"، يقول قباني: "ستبقى عيناك نسيجا... وقلبي إلى الأبد يحمل شوقا". العيون الزرقاء، التي يُنظر إليها على أنها جمال بعيد المنال، تمثل حبا لا يزال بعيد المنال. يعزز تصوير الشوق هذا الشعور بالضعف والكثافة العاطفية في شعره.

ومع ذلك، يستخدم قباني أيضا العيون الزرقاء لتمثيل العلاقة بين الأفراد، وتسليط الضوء على دورهم كنوافذ للروح. في كتابه "رموشها كالحبر" كتب: "عيناها صلاتان مقدستان لا تمران دون إجابة". من خلال هذه الصور، يشير الشاعر إلى أن العيون الزرقاء تمتلك القدرة على إيصال ليس جمال الشخص فحسب، بل أيضا عمق عواطفه ورغباته. إن تصوير العيون الزرقاء كقناة للروح يدعو القارئ للتواصل مع شخصيات وموضوعات شعر قباني على مستوى أكثر عمقا.

علاوة على ذلك، فإن العيون الزرقاء بمثابة استعارة لقدرة البشرية الفطرية على التواصل مع بعضها البعض. في كتابه "النار داخل عينيها الزرقاوين"، يكتب قباني: "العالم لا يشعر بالنار إلا عندما يحترق داخل تلك العيون الزرقاء". هنا، يشير قباني إلى أنه من خلال نظرة العيون الزرقاء يمكن للمرء أن يفهم العالم من حوله ويتعاطف معه حقا. تمثل هذه الفكرة الإنسانية المشتركة وإمكانية التعاطف والتفاهم الموجودة داخلنا جميعا.

تستكشف العيون الزرقاء في شعر القباني أيضًا الانقسام بين العالمين الجسدي والعاطفي. وبينما تمثل الجمال الجسدي، فإنها تكشف في الوقت نفسه عن أعماق مشاعر الشخص. على سبيل المثال، في "همسات العين الزرقاء"، يكتب قباني: "لقد تدفق قلبي من فمي من خلال فتح عينيك الجميلتين". تشير هذه الصور إلى أن العيون الزرقاء هي بوابة للتأمل العاطفي للفرد وقدرته على التعبير عن الضعف العميق. من خلال الجمع بين الجسدانية والعاطفية، يؤكد قباني على تعقيد وترابط التجربة الإنسانية.

وفي الختام، فإن تصوير العيون الزرقاء في شعر نزار قباني يشمل مواضيع وعواطف مختلفة. من تمثيل الجاذبية الجسدية والشهوانية إلى رمز الشوق والحب غير المتبادل والاتصال العاطفي، فإن العيون الزرقاء لها أهمية متعددة الطبقات في شعر القباني. ومن خلال استخدامه البليغ للصور، يحيي قباني الجاذبية الآسرة والعمق العاطفي الذي تمتلكه العيون الزرقاء. تدعو هذه القصائد القراء إلى التفكير في جمال وتعقيدات العلاقات الإنسانية والعواطف، مما يترك انطباعًا دائمًا عن القوة الموجودة في هذه القزحية الزرقاء الساحرة.

نموذج من قصائد نزار قباني في العيون الزرق:

رحلة في العيون الزرق

أسوح بتلك العيون

على سفنٍ من ظنون

هذا النقاء الحنون

أشق صباحاً .. أشق

وتعلم عيناك أني

أجدف عبر القرون

جزراً .. فهل تدركين ؟

أنا أول المبحرين على

حبالي هناك .. فكيف

تقولين هذي جفون؟

تجرح صدر السكون

تساءلت، والفلك سكرى

أفي أبدٍ من نجومٍ

ستبحر؟ هذا جنون..

قذفت قلوعي إلى البحر

لو فكرت أن تهون

على مرفأٍ لن يكون ..

عزائي إذا لم أعد

أفي أبدٍ من نجومٍ

ستبحر؟ هذا جنون..

***

قذفت قلوعي إلى البحر

لو فكرت أن تهون

ويسعدني أن ألوب

على مرفأٍ لن يكون ..

عزائي إذا لم أعد

أن يقال: انتهى في عيون..

***

محمد عبد الكريم يوسف

 

وثائقي يحكي قصة قرية فلسطينية في الضفة الغربية

السينما من أجل السلام.. توجه الأنظار لوقف الإبادة الجماعية في فلسطين

فاجأ الفلسطينيون، أبناء غزة المحاصرة، فجر السابع من أكتوبر 2023 العالم، بعبور جدار الفصل العنصري لإعادة قضيتهم إلى الواجهة ولفت الأنظار حول معاناتهم على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي لأكثر من خمسة وسبعين عاما.

في اليوم التالي قامت الحكومة الإسرائيلية بإعطاء الأوامر للجيش لشن هجوم عسكري كبير الحجم على غزة، استعملت فيه الأسلحة المتنوعة، الطائرات والصواريخ والمدفعية والدبابات على نطاق واسع... بعد شهرين ونصف من استمرار حرب الإبادة الجماعية التي راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ. نشرت "مؤسسة السينما من أجل السلام"، على موقعها، وهي مؤسسة لها فروع في العديد من دول العالم، عنوانا: "اليمنيون يبطئون تدفق النفط العالمي في البحر الأحمر" إلى جانب تذكيرها بأحداث فيلم "بدرس" لجوليا باشا. القصد كان بالارتباط مع تفاقم الحرب الهمجية وآثارها الخطرة على الصعيدين البشرى والبيئي. وتمادي أمريكا والدول الأوروبية في تزويد إسرائيل بكل أنواع الأسلحة والمعونات المختلفة مع صمت عربي ودولي يزيد من حماقة الحكومة الاسرائلية للاستمرار في حرب الإبادة الجماعية. فضلا عن توجيه الأنظار إلى معاناة الفلسطينيين وما يتعرضون له من دمار واضطهاد وتمدد "المستوطنين" إلى مزارعهم واغتصاب أراضيهم بالقوة.

في فبراير عام 2010 وخلال الدورة 60 لمهرجان برلين السينمائي الدولي "برليناله"، كانت فرصة لمشاهدة الفيلم التسجيلي "بدرس" لمخرجة الأفلام الوثائقية جوليا باشا، البرازيلية من أصل لبناني، بمعية الصديق الناقد السينمائي المصري الراحل سمير فريد والصديق المخرج السينمائي العراقي قيس الزبيدي. وخلال حفل تكريم الفيلم بجائزة "بانوراما" للجمهور، التقينا مخرجة الفيلم وبعض أبطاله وجرى بيننا حوار لا يخلو من الأسئلة حول الفيلم، الذي يدور حول مظاهرات غير عنيفة قام بها سكان بلدة "بدرس" الفلسطينية خلال أوائل عام 2000 للاحتجاج على بناء جدار الفصل الإسرائيلي في الضفة الغربية.

"بدرس" فيلم وثائقي مثير للتفكير، يحكي قصة قرية فلسطينية في إحدى بلدات محافظة رام الله في الضفة الغربية، وجدت نفسها في قبضة إقليمية مخيفة عندما بدأت الحكومة الإسرائيلية في بناء الجدار العازل في عام 2003 لتقسيم البلدة، التي يبلغ عدد سكانها 1500 نسمة، وتطويقها مما أدى إلى فقدان 300 فدان من الأراضي و3000 شجرة زيتون. لم تكن هذه الأشجار حاسمة للبقاء الاقتصادي فحسب، بل كانت أيضا مقدسة لتاريخ المدينة بين الأجيال، وكانت سبل عيش القرويين تعتمد بشكل كامل على أشجار الزيتون التي اقتلعتها جرافات الجيش بوحشية لبناء "الحاجز"، الذي يتعرج مساره بطريقة تعزل المجتمعات عن بعضها البعض وتجعل عيش المواطنين الفلسطينيين شبه مستحيل.

إنه حبكة سينمائية، تكشف قصة "عايد مرار"، الناشط الفلسطيني الذي ينظم مقاومة معلنة غير عنيفة تشارك فيها جميع الفصائل السياسية الفلسطينية المحلية، بما في ذلك حماس وفتح في حركة غير مسلحة لإنقاذ قريته من الدمار بمساعدة الليبراليين الإسرائيليين المتعاطفين والمراقبين والناشطين الدوليين. وبالطبع فإن "اللاعنف" يتعرض للضغط عندما يصطدم بقوات الجيش الإسرائيلي التي تقاوم المتظاهرين بقوة. أدى حراك عايد إلى تداعيات بعيدة المدى، اعتقال خمسة أشخاص من أبناء بلدته في السجون الإسرائيلية، لكن قراره الاستراتيجي، بقي ثابتا: "أفضل ما يمكن لمعارضة الجدار، هو المقاومة اللاعنفية".

نشاهد في الفيلم كيف منظم الحركة في بدرس، عايد مرار: يوحد أبناء القرية ويشجع مئات المناصرين الإسرائيليين لقضيتهم على العبور إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة والتظاهر معهم دعما لقريته. ابنة عايد "التزام" البالغة من العمر خمسة عشر عاما، تحفز شجاعتها القرية بأكملها وتؤكد أهمية المرأة في الحركة. هي المرة الأولى التي يلتقي فيها معظم شباب القرية بإسرائيليين ليسوا جنودا أو مستوطنين في بدرس. كوبي سنيتز ناشط إسرائيلي شارك في المظاهرات. أحمد عواد عضو في حماس ساعد عايد في تعزيز "اللاعنف كأداة استراتيجية، الأنسب، لتحقيق أهداف القرية". مشاركة نشطاء إسرائيليين في المظاهرات، ترك انطباعا يبين: بالفعل أن هناك إسرائيليين يريدون السلام مع الفلسطينيين. وفي المسيرات الأصوات الإسرائيلية في الحياة الحقيقية فاقت التوقعات. لم يكن مجرد شيء سمعت عنه ياسمين ليفي، قائد الفرقة المكلف بحمل القرية على وقف احتجاجاتها: تتطور علاقة معقدة لها مع النساء في القرية اللواتي يناديها بالاسم في هتافاتهن.

ما يلفت الانتباه في فيلم الباشا هو أنه يعرض شيء عن الجدار الإسرائيلي، الذي لا يفصل الفلسطينيين عن بعضهم فحسب، بل يتجول في الأراضي الفلسطينية، متعرجا وملتفا: الفكرة ليست مجرد وقف العبور إلى إسرائيل، بل فرض الشلل سرا داخل المنطقة الفلسطينية نفسها. في نهاية المطاف، تتراجع الحكومة الإسرائيلية وتكتفي بخط تقسيم بسيط حول "بدرس". وتترك لنا الباشا، ما إذا كان هذا انتصارا كبيرا للفلسطينيين أم وسيلة ماكرة لحملهم على قبول الجدار من حيث المبدأ.

ظهر فيلم "بدرس" لأول مرة في مهرجان دبي السينمائي في 13 ديسمبر 2009. وتم إصداره للعرض في فبراير 2010 في مهرجان برلين السينمائي. وفي سبتمبر 2010 في المملكة المتحدة. وفي أكتوبر 2010، في الولايات المتحدة) نيويورك. وهو فيلم لعام 2009 من إخراج وسيناريو جوليا باشا وإنتاج رونيت أفني ورولا سلامة وجوليا باشا. احتل المرتبة الأولى لقائمة النقاد على موقع مراجعة الأفلام ومقره بريطانيا، ويضم كبار النقاد السينمائيين حيث أعطي الفيلم أربعة من أصول خمسة نجوم. ووصف بأنه "شهادة في الوقت المناسب على قوة المقاومة السلمية، وبأنه" فيلم يفتح العين "، لما يثيره من قلق. هو أنه يظهر شيء من الحقيقة عن الجدار الإسرائيلي الذي أصبح يشكل خطر لابتلاع الأراضي الفلسطينية نفسها. كما يقدم صورة صارخة وقابلة للتصديق تماما لصراع الشرق الأوسط في صورة مصغرة. ومن خلال إضفاء الطابع الرومانسي على القرويين والتركيز لتسجيل النقاط السياسية في العديد من المشاهد التصويرية، يمنح الفيلم ركلة عاطفية ثقيلة مع أصحاب الأرض.

تم إدراج فيلم بدرس على" اختيار النقاد "من قبل مجلة نيويورك وآن هورناداي من واشنطن بوست، وحاز على قدر كبير من الجوائز في عدد من المهرجانات السينمائية: برلين وتريبيكا وسان فرانسيسكو وجائزة منظمة العفو الدولية لحقوق الإنسان، جائزة مهرجان بيلينجهام لأفلام حقوق الإنسان. جائزة هنري هامبتون للتميز في السينما والوسائط الرقمية. جائزة ريدنهور للأفلام الوثائقية. جائزة مهرجان القدس السينمائي شرف لأفضل فيلما وثائقيا في جائزة روح الحرية.

***

عصام الياسري

تلعب النساء دورا مهما في الأعمال الدرامية لوليام شكسبير. في جميع أنحاء أعماله، يخلق شكسبير شخصيات نسائية معقدة ومتعددة الأبعاد تتحدى الأعراف والتوقعات المجتمعية. تُظهر هؤلاء النساء الذكاء والقوة والفاعلية، وغالبا ما يتفوقن على نظرائهن من الرجال. سوف يدرس هذا المقال التمثيلات المختلفة للمرأة في مسرحيات شكسبير ويحلل تأثيرها على الموضوعات والرسائل العامة المنقولة في أعماله.

واحدة من أبرز الشخصيات النسائية في مسرحيات شكسبير هي الليدي ماكبث من "ماكبث". طموحة ومتلاعبة، الليدي ماكبث مدفوعة بالرغبة في السلطة والسيطرة. إنها تتحدى الأدوار التقليدية للجنسين من خلال التخطيط النشط وتشجيع ماكبث على ارتكاب جرائم القتل. من خلال أفعالها، تظهر أنها ليست قوية الإرادة فحسب، بل أيضًا مصممة وواسعة الحيلة. تواجه الليدي ماكبث التوقعات المجتمعية المتعلقة بالسلبية والطاعة، وتعرض إمكانية أن تكون النساء عوامل للتغيير.

شخصية نسائية مؤثرة أخرى هي كليوباترا في فيلم "أنتوني وكليوباترا". يتم تصوير كليوباترا على أنها حاكمة مغرية وقوية تستخدم حياتها الجنسية للتلاعب بمن حولها. على الرغم من عيوبها، تم تصويرها على أنها حازمة ومستقلة، متحدية التوقعات المجتمعية في ذلك الوقت. من خلال شخصية كليوباترا، يستكشف شكسبير موضوعات القوة والحب والولاء، بينما يتحدى المفاهيم السائدة عن ضعف المرأة وخضوعها.

في مسرحية "روميو وجولييت" يقدم شكسبير شخصية جولييت كامرأة قوية الإرادة وذكية تتحدى توقعات عائلتها. قرار جولييت بالزواج من روميو، أحد أفراد الفصيل المنافس لعائلتها، يتعارض مع الأعراف المجتمعية ويؤدي في النهاية إلى عواقب مأساوية. ومع ذلك، فإن تصرفاتها تظهر إصرارها على تحقيق رغباتها الخاصة وتحدي القيود المفروضة عليها كامرأة. يسلط تمرد جولييت ضد قيود المجتمع الضوء على النضالات التي تواجهها المرأة في المجتمع الأبوي.

تتميز مسرحيات شكسبير الكوميدية أيضا بوجود بطلات قويات وحازمات. في مسرحية "جعجعة بلا طحين"، تم تصوير بياتريس على أنها ذكية وصريحة وتتحدى الأدوار التقليدية للجنسين. تنخرط في مباريات السجال اللفظي مع بينيديك، لتظهر ذكائها واستقلاليتها. توضح شخصية بياتريس إمكانية حصول النساء على القوة والسيطرة على حياتهن، حتى في إطار كوميدي خفيف.

علاوة على ذلك، فإن شخصية فيولا في "الليلة الثانية عشرة" تتحدى التوقعات المجتمعية المتعلقة بالجنس بطريقة مختلفة. تتنكر فيولا كرجل، وتتنقل في مثلث الحب المعقد، مما يؤدي في النهاية إلى تقويض الأدوار والتوقعات التقليدية للجنسين. من خلال شخصية فيولا، يستكشف شكسبير انسيابية الجنس وتعقيدات الحب، ويسلط الضوء على قدرة المرأة على تحدي القيود المجتمعية وتجاوزها.

بالإضافة إلى هذه الشخصيات النسائية المؤثرة، يستخدم شكسبير أيضا شخصيات نسائية ثانوية لتقديم نظرة ثاقبة للمجتمع في ذلك الوقت. تعمل أوفيليا من "هاملت" وديسديمونا من "عطيل" كضحايا مأساويين للتلاعب والتحيز الذكوري. ومع ذلك، فإن وجودهن في المسرحيات يسلط الضوء على المعاملة القمعية والتمييزية التي تواجهها المرأة. ومن خلال تسليط الضوء على الضعف والظلم الذي تعانيه هذه الشخصيات، ينتقد شكسبير المواقف السائدة تجاه المرأة في المجتمع.

علاوة على ذلك، فإن معاملة شكسبير للمرأة لا تقتصر على الشخصيات النبيلة والفاضلة؛ كما أنه يستكشف الجانب المظلم من الأنوثة. تظهر شخصيات مثل الليدي ماكبث وزوجة ياجو، و إميليا، الطموح والمكر والخداع. من خلال هذه التصوير، يتحدى شكسبير التصور الثنائي للمرأة على أنها إما نقية وفاضلة أو غير أخلاقية ومتلاعبة. ويقدم فهمًا أكثر دقة لتعقيدات الأنوثة، ويعرض إمكانية امتلاك المرأة للصفات الإيجابية والسلبية.

وفي الختام، تلعب المرأة في مسرحيات شكسبير أدوارا قوية ومتعددة الأوجه، وتتحدى الأعراف والتوقعات المجتمعية. من طموح الليدي ماكبث وقوتها إلى ذكاء بياتريس وذكاءها، تتحدى الشخصيات النسائية في شكسبير الأدوار التقليدية للجنسين وتشكل بنشاط روايات مسرحياته. من خلال هذه التمثيلات، يثير شكسبير أسئلة مهمة حول السلطة والقوة والحب والقيود المجتمعية، مما يسلط الضوء على قدرة المرأة على تعطيل وتحدي المواقف السائدة. تعمل هؤلاء النساء بمثابة تذكير مؤثر لنضالات النساء ومرونتهن في زمن شكسبير ويستمر صداهن لدى الجماهير اليوم.

***

محمد عبد الكريم يوسف

يُفتتح قريباً في بغداد متحف يضم مكتبة وأثاثاً ومقتنيات للشاعرة العراقية نازك الملائكة، وهو إنجاز مهم للثقافة العراقية، خصوصاً أن العراق يشكو من عدم الاهتمام في هذا المجال؛ حيث فقد كثيراً من تركات ومقتنيات رموز فكرية وأدبية عراقية بسبب الإهمال وعدم الوعي بأهمية هذه الرموز،، حيث كان مقررا ان يتم الانفتاح العام الماضي، ولكنّ ظروفاً كثيرة أجّلت ذلك، حتى حانت فرصة تنظيمه من خلال اتصال المركز الثقافي البغدادي بعائلتها التي أبدت استعداداً لذلك

ويذكر ان المركز الثقافي البغدادي قدم مشروعا يتضمن نقل مكتبات ومقتنيات علماء بغداد إلى المركز الثقافي البغدادي، وبدأ المركز بنقل مكتبات عماد عبد السلام وميخائيل عواد مروراً بالدكتور أحمد سوسة وعبد الحميد الرشودي وعزيز السيد جاسم، وعبد الرزاق الهلالي، وجميع هذه الشخصيات كان لها أثر كبير بالثقافة العراقية... وقد خُصص أكثر من 30 مكتبة في المركز الثقافي البغدادي تضم مكتباتهم وبعض التفاصيل من حياتهم، والمعروف أن المركز الثقافي البغدادي يقيم أكثر من 1600 نشاط ثقافي سنوياً، يزوره أكثر من مائة ألف مواطن سنوياً، لذلك رأت عائلة الملائكة أنه المكان الأنسب لمتحف نازك الملائكة، خصوصاً أن شارع المتنبي الذي يقع في المركز في إحدى البنايات الأثرية في منطقة القشلة وسط بغداد، كان قبل ما يقرب من مائة عام مقراً للحكومة العراقية، وهو مركز استقطاب للجميع خصوصاً المثقفين، فكان أن اتصلت بالمركز الأديبة سيناء محمود وزوجها أكرم العكيلي، وابدوا رغبتهم بنقل مكتبة الملائكة وجميع مقتنياتها من المكتب الذي كانت تعمل عليه وجميع أدواته، وكذلك جميع أثاثها، وكذلك الكتب والمخطوطات النادرة والنفيسة، وبعض الهدايا من أصدقائها المشاهير في كل مكان من العالم، بعد نقل هذه المحتويات التي تخص الشاعرة التي ارتبط اسمها بأهم ثورة نوعية في الشعر العربي، ثورة الشعر الحر مع زملائها بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي وشاذل طاقة، تمت فهرسة المحتويات المختلفة وضمها في سجل خاص للمقتنيات يحتفظ به المركز وتم تخصيص واحدة من كبرى القاعات لها في المركز الثقافي البغدادي.

تضمنت المكتبة التي احتلت جانباً كبيراً من القاعة، لم يكن فقط كتب نازك الملائكة بل ضمت بعضاً من كتب زوجها الدكتور عبد الهادي محبوبة، وهو الأديب المعروف في العراق، وأول رئيس لجامعة البصرة، لذلك توزعت الكتب بشكل عام بين كتب التاريخ وكتب الأدب، وتضمنت كثيراً من المخطوطات والنفائس الثمينة، وكذلك العديد من الإهداءات من الأدباء العراقيين والعرب، وهناك الأثاث الذي كانت تكتب عليه أغلب قصائدها، وبعض الإهداءات مثل العود الذي أهداه لها الموسيقار محمد عبد الوهاب، إذ عُرف عن الشاعرة تعلمها أصول العزف على العود على يد الموسيقار والعواد الكبير جميل بشير عام 1950، والدرع الذي أهداه إياها النحات العراقي الكبير محمد غني حكمت، وكذلك مزججات تحوي كثيراً من صورها الشخصية والعائلية، وصورها مع بعض الأدباء العرب، وكذلك مستمسكاتها الشخصية، من بطاقة الجنسية العراقية وبطاقات عضويتها في المؤسسات الثقافية، إضافة للعديد من الوثائق المهمة... وهناك أيضاً جانب مهم في المكتبة يتضمن ما كُتب عنها من قبل أدباء عراقيين عرب.

ولدت الشاعرة نازك الملائكة في بغداد عام 1923م، ونشأت في بيت علمٍ وأدب، في رعاية أمها الشاعرة سلمى عبد الرزاق أم نزار الملائكة وأبيها الأديب الباحث صادق الملائكة، فتربَّت على الدعة وهُيئتْ لها أسباب الثقافة. وما أن أكملتْ دراستها الثانوية حتى انتقلت إلى دار المعلمين العالية وتخرجت فيها عام 1944 بدرجة امتياز، ثم توجهت إلى الولايات المتحدة الأمريكية للاستزادة من معين اللغة الانكليزية وآدابها عام 1950 بالإضافة إلى آداب اللغة العربية التي أُجيزت فيها. عملت أستاذة مساعدة في كلية التربية في جامعة البصرة.

تجيد من اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية واللاتينية، بالإضافة إلى اللغة العربية، وتحمل شهادة الليسانس باللغة العربية من كلية التربية ببغداد، والماجستير في الأدب المقارن من جامعة وسكونس أميركا.

مثّلت العراق في مؤتمر الأدباء العرب المنعقد في بغداد عام 1965.

آثارها: لها من الشعر المجموعات الشعرية التالية:

- عاشقة الليل صدر عام 1947.

-  شظايا ورماد صدر عام 1949.

-  قرارة الموجة صدر عام 1957.

-  شجرة القمر صدر عام 1965.

-  مأساة الحياة وأغنية للإنسان صدر عام 1977.

-  للصلاة والثورة صدر عام 1978.

-  يغير ألوانه البحر طبع عدة مرات.

-  الأعمال الكاملة – مجلدان – (عدة طبعات).

ولها من الكتب:

-  قضايا الشعر المعاصر.

-  التجزيئية في المجتمع العربي.

-  الصومعة والشرفة الحمراء.

-  سيكولوجية الشعر.

كتبت عنها دراسات عديدة ورسائل جامعية متعددة في الكثير من الجامعات العربية والغربية.

نشرت ديوانها الأول ” عاشقة الليل ” في عام 1947، وكانت تسود قصائده مسحة من الحزن العميق فكيفما اتجهنا في ديوان عاشقة الليل لا نقع إلا على مأتم، ولا نسمع إلا أنيناً وبكاءً، وأحياناً تفجعاً وعويلاً ” وهذا القول لمارون عبود.

حصلت على الماجستير من الولايات المتحدة عام (1370هـ= 1950م) في الأدب المقارن وأجادت اللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية واللاتينية، ثم عادت عام (1374هـ= 1954م) ثانية إلى الولايات المتحدة لدراسة الدكتوراة في البعثة التي أوفدتها الجامعة العراقية، واطلعت على الأدب الفرنسي والصيني والألماني والهندي.

وبعد عودتها للعراق عملت بكلية التربية ببغداد سنة (1377هـ= 1957م)، ثم انتقلت إلى جامعة البصرة وتزوجت في عام (14384هـ= 1964م) من الأستاذ الدكتور “عبد الهادي محبوبة” رئيس جامعة البصرة.

رحلت إلى الكويت مع زوجها وعملا بالتدريس في جامعة الكويت، ومنحتها الجامعة عام 1985م إجازة تفرغ للعلاج بعدما أصيبت بمرض عضال ثم عادت إلى العراق ومنها إلى القاهرة لتكمل علاجها الطبي بسبب نقص الأدوية في العراق بسبب الحصار الأمريكي. واتخذت نازك وزوجها وابنها الوحيد الدكتور “براق” القاهرة سكنا ومستقرا دائما.

وبعد وفاة زوجها الدكتور “محبوبة” سنة (1422هـ= 2001م) عاشت في عزلة بعيدا عن ضجيج الحياة، مما حدا ببعض الصحف أن تنشر أخبارا عن وفاتها رغم أنها ما زالت على قيد الحياة.

جمعت الدكتورة “نازك الملائكة” بين الشعر والنقد، ونقد النقد، وهي موهبة لم تتوفر إلا للنادر من الأدباء والشعراء، وأصدرت عددا من الدواوين والدراسات النقدية والأدبية، فمن دواوينها “عاشقة الليل” عام (1947م) و”شظايا ورماد” عام  1949م)، و”قرارة الموجة” عام 1957م)، و”شجرة القمر” عام (1388هـ= 1968)، وجمعت دواوينها في مجلدين ضخمين ونشرا في بيروت. ومن دراستها النقدية “قضايا الشعر المعاصر” و”الأدب والغزو الفكري” و”محاضرات في شعر علي محمود طه” و”سيكولوجيا الشعر“.وقد حصلت “نازك الملائكة” على عدد من الجوائز الأدبية منها جائزة الإبداع العراقي عام (1992م) وجائزة البابطين للشعر.

***

نهاد الحديثي

في القول رفضا أم قبولا.. ما يتبعهما من تغير في قادم الأعمار، وقد يترك أو ما قد تبقى منها؛ ما يطرق بالك حينا وأحيانا. وفي كلا القولين؛ ربما أنساك زمانك؛ ما قد أحاط القول في حينها من ضرف محيطك، أو هكذا أرتبطت حينها بأسوار حكمتك فهما لحياتك خصوصها وعمومها.

لأجل ذلك كله.. لا ينبغي لحزنك ندما نشر ظلاله ألوانا تلقى على شخصك جلدا لذاتك تارة، وأخرى تلقىيها على من هم سواك. فيا قلبا رقيقا أن قد أتعبتك الأعواما، فكن شجاعا ولا تدع يوما للحزن مكانا، ولا تأسف على ما قد مضى من قول.. لا.. او.. نعم.. فربما أراد لك خيرا بها... الواحد الخلاقا، وإليه تعالى فأحتسب دوما فعنده.. لا يضيع ما عنك قد ضاعا؛

إن كان مالا فهو آت اليك مختارا...

إن كان عـزا فالعمر في الأزمان دوارا...

إن كان فقدا ففي الادور كلنا مفقودا...

نسبح في الحياة وهما.. تلو وهما تغرنا بها؛ الأموال، والشهوات، والأمجادا، وسيان.. نقبل ذلك.. او.. لم؟.. فالأمر كله للمخلد.. ودونه إندثار الأكوانا.

** لكم.. الخير المبارك كله. ولكم من القلب طيب التحايا.

***

مجيد ملوك السامرائي - جغـرافـي، كاتـب ومـؤلف وأستاذ جامعي

 

تواصل الفنانة التشكيلية سنية الغزي المزغني عملها الفني التشكيلي وفق سياق حضورها ضمن المشاركات الفنية الجماعية وكذلك المعارض الشخصية التي أقامتها ومنها على سبيل الذكر المعرض الخاص برواق الفنون علي القرماسي وكذلك المعرض الشخصي بفضاء المعارض بدار الثقافة ابن رشيق فضلا عن مشاركاتها العربية الدولية ومنها تألقها في فعاليات ملتقىCANVAS الدولي للفنون التشكيلية بالقاهرة قبل فترة حيث تمت دعوتها للمشاركة في القاهرة من خلال انجاز لوحات فنية والمشاركة في المعرض لهذه التظاهرة الفنية التشكيلية العربية التي شهدتها القاهرة بحضور ومشاركة عدد من الفنانين التشكيليين والنقاد من عدد من الأقطار العربية. وبخصوص هذه الدعوة وكذلك تألقها في ملتقى العصاميات للتعبير التشكيلي المنتظم بالمنستير تقول الفنانة سنية الغزي المزغني ".. سررت بدعوتي للمشاركة في ملتقىCANVAS الدولي للفنون التشكيلية بالقاهرة. كل الشكر التقدير للساهرين على تنظيم هاته الدورة واخص بالذكرالدكتورة سناءعتيق والدكتورة رانية سيد.. وبشأن مشاركتي الأخيرة بملتقى العصاميات.. لقد ظللت شديدة الاشتياق للمشاركة في الملتقى الوطني للمبدعات العصاميات في التعبير التشكيلي بالمنستير بعد سنتين من الانقطاع بسبب جائحة كورونا.. كانت المناسبة مميزة وهامة في اللقاء بالمبدعات في المجال التشكيلي وما يمكن أن ينعكس على تجاربنا كعصاميات وهنا لا يسعني الا أن أشكر جزيل الشكر كل من ساهم في انجاح الملتقى وتنظيمه من المسؤولين والمشرفين والمشاركين.. ممتنة جدا بخصوص مشاركتي ودعوتي وخاصة العمل والنشاط وأجواء الفعالية بقصر المرمر قصر الحبيب بورقيبة وما في ذلك من حسن التسيير والتنظيم.. قدمت عملي الفني بما فيه من جمال ورونق لمجموعة نسوة وسط تجمع متناسق.. و لكن هوة المسافة والتنافر والتباعد تحدث المفاجأة بعد التدقيق والتركيز أكثر في فضاء اللوحة وأبعادها.. حشد متجاور متلاصق لا يجمعه في الحقيقة الا ايقاع ألوان نارية صاخبة حامية ولمسة فنانة ألهمها انعكاس مجتمعها اليوم وفق تنافر وتناحر وتفكك وسط ايهامات بالتجاذب والانصهار.. ".3280 سنية الغزي المزغني

سنية الغزي المزغني فنانة تشكيلية تواصل نشاطها بكثير من العمل والاجتهاد وفق دأب فني متواصل وبأعمال فنية متعددة فقد تعددت معارضها الفنية الخاصة والجماعية وفي سياق تجربتها الفنية والجمالية هذه وتشتغل الفنانة التشكيلية سنية الغزي المزغني على تنويع الأعمال الفنية في منجزها التشكيلي من حيث المواضيع وفق نظرة تقول بالرسم والتلوين كمجالي فعل للتواصل مع ما يوجد من حولنا من أشياء وعناصر تصلح كعبارات ومفردات للبوح الفني والثقافي.. فالفن التشكيلي هنا لغة اخرى تتعدد معانيها ودلالاتها ومن هنا فقد تخيرت الفنانة سنية الغزي المزغني في لوحاتها الزيتية وفي معرض شخصي سابق لها هذا القول بالانسجام كعنوان دال حيث اللوحة كون نظر وتأمل وبهجة وغيرها.. في رصيدها لوحات متعددة فيها دقة رسم وجمال تلويني لتسافر مع الشيخ وهو يغوص في تفاصيل الجريدة في حالة الشغف والغرام بالخبر ومنه القراءة.. كذلك في لوحة أخرى استراحة مع الجريدة والقهوة خلال شغل على الحاسوب.. عزف النسوة وحالة تفاعل مع الطرب والموسيقى..

الفنانة التشكيلية سنيا الغزي المزغني وفسحة أخرى من التجربة مع الفنون وأجوائها حيث تتواصل العلاقة بالألوان والقماشة قولا بالفن في حضوره البهي في حياتها ووعيها بالعالم والجمال والحلم.

***

شمس الدين العوني

 

إذا بحثت عن أصعب صحبة فى ظل عالم التقنيات اللاهث ستكتشف أنها صحبة أبنائك!

لا وقت لديك ولا لديهم للحديث الودى وتبادل الأفكار! وفى يد كل فرد من أفراد العائلة جهاز يشغله عن أحبائه ويفصله عن الواقع المعاش إلى الواقع الافتراضي. ولم نخرج من دائرة العزلة القسرية هذه إلا خلال فترات الحظر بسبب كورونا، تلك الفترة التي أظهرت سلبيات اجتماعية كثيرة لم نكن نفطن إليها.

نعم ثمة إيجابيات لا حصر لها للتكنولوجيا الحديثة التي سهلت الحياة  وأمكن من خلالها ممارسة التعليم عن بد والتدريب أونلاين وتطوير أية مهارة مختارة. واستطاع أصحاب الأعمال إنجازها فى وقت أقل كثيراً مما مضي. ثم إن البعض قد يزعم أن وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية تضمن نوعاً من التواصل مع الأقارب عن بعد فى حده الأدني، وقد يستخدمها بعض الآباء للاطمئنان على أحوال أبنائهم عن بعد فى حالة انشغالهم الدائم فى أعمالهم، خاصة لو كان الأبوان كلاهما يعملان.

وفى إطار المدح والإشادة أكدت منظمة الأمم المتحدة أن الطفرة الحادثة فى استخدام التقنيات فى بلدان العالم النامي خلال آخر عقدين من الزمان أسهمت فى إحداث تحولات كبري فى هذه المجتمعات. وأن أهم مكسب مادي لهذه الطفرة ارتفاع معدلات الخدمات التجارية سريعة الوصول، وأن جزءاً كبيراً من العالم العربي اليوم بات يستخدم الهواتف للطلبات التجارية اليومية والأسبوعية. وإذا كان مثل هذا الأمر قد أحدث منفعة لأصحاب المتاجر الإليكترونية وأصحاب خدمات التوصيل السريع، إلا أنها تسببت فى ضعف أصحاب الخدمات التقليدية وركود التجارة التقليدية فى بعض أنواعها. ثم إن الرفاهية التي ظللت البيوت فى المدن باتت سبباً فى ضعف المهارات اليدوية الشخصية، وأصبحت الأمهات والبنات فى البيوت المحافظة البسيطة أكثر ميلاً للكسل والدعة وعدم القيام بالخدمات المنزلية التي كانت معتادة فى جداول العمل المنزلي اليومية. فلا طبخ ولا غسل ولا تنظيف، وإنما أجهزة مبرمجة وخدمة توصيل سريعة أو فورية.

هناك اهتمام لدي المنظمات الدولية أن يصل الربط الإليكتروني لجميع القطاعات المحرومة منه، وبخاصة النساء وكبار السن وذوي الإعاقة والأقليات العرقية وسكان المناطق الفقيرة والنائية، وهم يستشعرون الفجوة بين استخدام الرجال والبنين للتكنولوجيا بنسبة أكبر بنحو 85% عن البنات والنساء. وهم يرون أن الاهتمام بتعميم التكنولوجيا يسهم فى التقليل من التحيزات الاجتماعية والفروق الطبقية.

هذا وتشير تقديرات منظمة العمل الدولية إلي أن الترويج للاقتصاد الأخضر من خلال وسائل التواصل قد يسهم فى توفير نحو 24 مليون وظيفة جديدة حتي عام 2030. وعلى الناحية الأخري قد يسهم تطوير التشغيل الإليكتروني وزيادة الاعتماد على التقنيات الحديثة بدلاً من العمالة البشرية فى فقدان نحو 800 مليون شخص لأعمالهم التقليدية حول العالم! فالتكنولوجيا سلاح ذو حدين فى مجال الأعمال..

الذكاء الاصطناعي أحدث طفرة إضافية خاصة فى مجالات البيانات الشخصية والعامة. ومثل تلك الطفرة لها بعض الإيجابيات، لكن لها سلبيات ضخمة قد تصل إلى حد الكوارث. خاصة إذا ضممنا إلى الفضاء الإليكتروني ذلك الفضاء المظلم فيما يعرف بعوالم الهاكرز وقناصي المعلومات والبيانات، وهؤلاء منهم من يستخدم تلك البيانات فى جرائم سرقة ونصب وابتزاز وربما تجسس وتهديد شخصي أو أمني.

أما نحن الآباء فإننا قد نقف فى حيرة أمام تلك الطبيعة المزدوجة للتقنيات الحديثة؛ حيث يصعب علينا تحقيق التوازن المطلوب بين سلبيات وإيجابيات التكنولوجيا. وفى رأيي أن أهم وأخطر سلبياتها إحداث تلك الفجوة الاجتماعية التي قد تؤدي بأبنائنا لحالات متفاوتة من العزلة والتوحد وربما الاكتئاب.. أخطر من هذا ما ظهر حديثاً من دراسات حول مرض شهير له اسم مختصر هو: (ADHD) والذي اتضح أنه قد يكون من إفرازات عصر التكنولوجيا وتأثيرات الموجات الكهرومغناطيسية على أدمغة الأطفال، فنجد أطفالنا وقد أصيبوا بكوكتيل من أمراض نفسية وذهنية تضطرب فيها أفكارهم ويتشتت انتباهم ويقل تحصيلهم العلمي وقد تزداد لديهم ميول العنف والعصبية والعناد والحدة فى التعامل فتزداد بهذا صعوبة علاجهم من الآثار السلبية للتكنولوجيا! فما عساه الحل الأنجح أمام مثل تلك المعضلة؟!

خبراء علوم النفس والاجتماع يتحدثون عن ضرورة العودة للطرق القديمة فى الدفع بأبنائنا بعيداً عن تأثيرات التقنيات.. وأن تشجيع الطفل على تطوير علاقاته الاجتماعية بأقرانه من الجيران وزملاء الدراسة، وأن يهتم بتطوير قدراته البدنية واليدوية بممارسة الرياضة واكتساب المهارات وإشباع الهوايات، كلها وسائل أثبتت فاعليتها فى هذا المضمار.. ويبقي على الآباء هنا توفير جزء من نفقاتهم على التكنولوجيا وتوجيهها نحو الأنشطة الرياضية والفنية والتدريب على اكتساب المهارات، ثم يبقي على الدولة دور فى تقليل تكلفة مثل هذه الأنشطة، إذ باتت أسعار اشتراكات النوادي باهظة، وقلَّ عدد الحدائق العامة التي تستوعب طاقات الشباب والنشء. ونتمني ألا يستغرق تطوير حديقة الحيوان وحديقة الأورمان زمناً طويلاً فقد كانا متنفساً للكثير من الأسر المصرية المتوسطة .

إننا على أعتاب افتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب، وهي فرصة للآباء فى استصحاب أبنائهم والاستمتاع برفقتهم للتحدث وتبادل الأفكار معهم، حتي يتسني لهم اكتشاف طريقتهم فى التفكير وسبر أغوار مشاعرهم الحقيقية نحوهم، ثم الأهم أن نبني جسراً للصداقة الأصعب فى هذا الزمان .. صداقتنا مع أبنائنا!

***

د. عبد السلام فاروق

(استرَقَ سمعي أنينَ الجسر فكتبتُ النصَّ في مقهى الشَّابندر على ضفاف دجلة)

إِيِهٍ بَغدادَ!  وَيْهاً دَارةَ الرَّشيدِ...

صَومُ العَوَامِ شَهرٌ كُلَّ عَامٍ مُتَوَاكِلٌ مُتَنَقِّبٌ، وصَومُكِ كَوَمُ أعوامٍ متَوَاصِلٌ مُتَعَقِّبٌ!

عُذرَاً بغدادَ، إِذ أُنَاجِيكِ وإذ يَغشَاني غَمٌّ شَارِدٌ مُتَرَقِّبٌ. وَلَئِن كَانَ لِلأفئِدةِ أن تَهوى مَدَائِنَها، فأنَّى لِفؤاديَ ارتِقاءٌ في هواها مُتَيَّمٌ مُتَهَيِّبُ.

أَمَّن يُفتِينِي في رَسمٍ كَرَسمِ بغدادَ مِن لُؤلُؤِ البَحرِ انبَجَسَ وَجهُها فَتَجَسَّم، فَعَلا ثمّ علا ثمّ علا فتجلّى في بأسِ التّبَرُّمِ فَعَرَشَ هنالك فَنَجَم.

"مَن لِي بِبَغدادَ أبكِيها وَتَبكِيني1".

أَمَّن يَأتينِي باِسمٍ كاِسمِ بَغدادَ مِن بُؤبُؤِ الزَهرِ اقتَبَسَ حَرفُها فَتَبَسَّم، فدنا ثمّ دنا ثمّ دنا فَتَدَلى في كأسِ التّبَرعم ففرشَ هنالك ووَشَم.

"قَد عَشَّشَ الحُزنُ بَغدادَ حَتى في رَوَازيني2".

وَيْهَا بغدادَ، مَا بَالُ جَبينُكِ يَتَصَببُ عَنبَراً يَا شَمعةَ الأعيَادِ. أَفَعَليلَةٌ أنت ومَا بَرحتِ تَسخَرينَ منَ عِلَلٍ وكُلِّ ضَمادِ، فَإن غَزاكِ دَاءٌ كَفَرتِ بهِ بِلَمزٍ وإلحادِ. أَم هُوَ ضِغثٌ مَرَّ بغَفوَةٍ، كيف وأنتِ الشَّاهدُ على النّجمِ والأشهَادِ.

تَأَهَّبي بَغدادَ وتَوَثَّبي حِسَّاً يا مَربَضَ الآسَادِ بَينَ الأممِ

تَوهَّجي بَغدادَ وتَأَجَّجي بسَاً يَا سُؤدَدَ الأجنادِ فَوقَ الحِمَمِ

انهضي فادحَضي رِجسَاً يا مَقبضَ الأوتَادِ بَينَ الخِيَمِ.

شُدِّي عَلى الأحزَانِ وَتَبَسَمي يَا هَديرَ الرَّوْحِ وَالأجسَادِ

مُدِّي عَلى الأفنَانِ وتَنَسَمي يَا غَدير الدَّوْحِ والسَّوادِ

شُدِّي ومُدِّي فمَا أنتِ بِرَقمٍ نُكْرٍ عَابِرٍ، بَل أنتَ مَن صَكَّ الرَّقمَ للأفرَادِ وأنتِ مَن دكَّ العظمَ للأوغادِ.

وَيْهَاً بَغدادَ، حَدِّثيني ولا تَذريني أغَمغِمُ يا كبرياءَ والدي وأولادِي. حَدّثيني وبُعداً لصَمتٍ وهجرٍ وإبعاد، فَثَنايايَ لا تَتَبَسَّمُ إلّا بكِ وإليكِ يا بَهاء

نَسبي وأجدادِي، وحناياي لا تَتَرَسَّمُ إلّا منكِ ومعكِ يا رِداءَ الفخرِ للأحفادِ. وعلامَ الصَّمتُ والسَّبتُ يا بغدادي. أفَأنتِ غضوبٌ من خنوعي يا سَماءَ عنفواني وأمجَادِي. فما كانَ سَمتُكَ إلّا نابِضاً بِتَغرِيدٍ وإنشَادِ، وَنَحتُكَ  رَابِضاً عَلى توحيدٍ بإسنادِ، وَنَبتُكَ قَابضاً في عُلُوٍّ على أطوَادِ، وَنَعتُكَ رَافِضاً لسبتٍ وإلحادٍ وَحِيادِ.

وَيْهَاً بغدادَ تَفَوَّهي وأنت المُهَلِلُ للعاكِفِ والمُضَّيفُ للبَادي، ولا تَتَأوَّهي فأنت أمُّ الضّادِ وضادُ الضَّادِ لِكُلِّ ضادِ

تَفَوَّهي وكفى صمتاً وسبتاً يا مَثوى الرَّشيدِ ومأوى السّندباد، فإنَّ صَمتَكِ مُكَمِّمٌ لِأنفاسِ الأجنادِ وَأقبَاسِ الرَّشادِ، ومُوجِعٌ لِخَافِقِي وَكُلِّ جَوارحِي تُبَّعٌ

لهُ بانقيادِ، بل ومُغَمِّمٌ ومُوجِعٌ حَتَّى لِمَن كانَ وإياكِ في تَضَادِ. وهاهمُ أولاءِ أَهلُ الضَّادِ مَا انفَكُّوا يَتَحَسَّسُونَ أَنباءَكِ بارتداد، يَا شَذاهُمُ وَشَذْو العِبادِ والبِلادِ ويا شَداهم وشَدْو المَناقِبِ للضَّادِ وهُدَى المُعاقِبُ للضَّادِ.

فكفى صمتاً يا عَبيرَ الأورادِ ويا نميرَاًلأسيادِ.

وها قد أطبَقَ أنينُ الجِسرِ في صَمتٍ كَظيم، فَتُهتُ في صَحارى أنينُ صَمتَيهما؛ الجِسرِ وبغداد، وبَدَأتُ أتَحَسَّسَ سبيلاً لِأنجَادِي؛

"لعلَّه مِن عارِضِ رِيحٍ صَرٍّ جَاءَ بها زُرّاعُو ضوضاءَ وإلحادِ، وأذنابٌ مِن خَلفِهم غوغاء وأوغَادِ، ولا رَوْمَ لهمُ إلا في إِحرَاقَ "سرجونَ" ومتونِهِ ذا العمادِ، ولا عَوْمَ لهمُ إلا في إغراقَ عرجونِ نخلتي ذاتِ العِنادِ. وإِيهِ بغدادَ...

ألم يأنِ أوَانَ فَتحِ البابِ وصَدِّ الرِّيحِ بتكاتفٍ واتِحَادِ فلا عَزاءَ ولا مراسمَ من حداد 

ألم يأنِ لساحةِ التَّحريرِ أن تقدَحَ؛ نحنُ الأصابعُ على الزِّنادِ وسيفٌ كارِهُ الأغمادِ

ألم يأنِ لساحة الميدانِ أن تمنَحَ مُستَبشِرَةً "سوقَ السّرَايَ" قِلادَةَ الحَرفِ والمِدادِ

ألم يأنِ لرَنّات "سوقِ الصّفافيرِ" أن تجنَحَ لِصُنعِ مَفاتِحَ القيدِ والأصفادِ

ألم يأنِ لِاستكانات "مقهى عزّاويّ" أن تصدَح بِملعقةِ الشّاي لتُضَيّفَ أكارِمَ الخِلّانِ والرّوادِ

ألم يأنِ لشَارعِ "الرَّشِيدِ" وخِلُّهُ "السَّعدَون" أن يتَهامَسا أمرَهم بينَهم؛ "نحنُ المُنتُدى للوِدٍّ ونحنُ المُفتَدى للجَهادِ"

قد آنَ أوانُ "حَجي مُقدَادَ" لينَادي على عُكازَتِهِ المُزَخرَف بتَنادِ: "إنّي لَفي شَوقٍ لخُطوةٍ رُوَيدَاً رُوَيدَاً على "الكورنيش" مُتَأنِقاً بسِدارتي الحَنونِ السَّوداءِ ورفيقتي عُكّازتي من أنفسِ الأعواد".

وقد آنَ أوانُ "جَمُّولِي" صغيرُ الحيِّ المُلَقَّب "قِمبيزَ" لينادي بينَ العِباد: "إنّي لَفي تَوقٍ لِسَطوَةٍ على صَدرِ مَقعَدِ طابقٍ علوِيّ لِحافلتي الميمونِ

الحمراء وأنا على أهبَةِ الاستِعدادِ".

وقد آنَ أوانُ زَغْرَدَةِ الحيِّ "بَسعادَ" لتنادي في تَهَاد؛ "إنّي لَفي جَذوَةٍ لِسُوقِ حَيّنا ذي البَرَكاتِ والإمدادِ، فأعودُ مٍنهُ تَمايِلاً بتَهادِ؛ أَقبِضُ بِشِمالي حقيبَتي على رَأسي وبِيَميني على عباءتي تُشبِهُ المِنطادِ، وبأنفاسٍ مُجتَرَّةٍ لاهِثَةٍ، وخُدُودٍ مُحمَرَّةٍ وبَاعِثةٍ ، وببسماتِ بَسعادَ تتراقصُ الأزقَّةُ بإسعادِ".

  إنَّك بَغدادَ في ذَرى العَافيَةِ، مَا كَذَبتُ أنا ومَا هي بشِيمَةٍ ليَ. فَهَيّا بغدادَ لتَسمَعَ دلدلُ منكِ ولنَستَمتِعَ كلُّنا بِنَبَراتِ صَوتِكِ مُؤَطَّرَةً بألحانِ زِريَاب ومُعَطَّرَةً بِألوانِ الأحسابِ والأنساب، فأمُري "عَزاويّ" بِصَحنِ كاهيّ وقَيمر، وليَعزِفَ بِمِلعَقَةِ الاستكانِ نَغَم "البستنگار" الشَّجيِّ؛ "يا حلو يابو السِّدارة"، ولتَتَهادى مَسابِحِ مقاهينا هُوَيناً هُوَينا، حَبَّةً على حَبَّةٍ، وَلِيَصدَحَ المَقهى عَالياً بمقام البيات؛

"وفراكُهُم بَجَّانِي جالمَاطِليَه بالضِّلع.. بِيك أشتِرَك دَلّالِي يكلُون حُبِّي زَعلان.

آآآآه.. يا كَهوِتَك عَزاوي بِيها المدَلَل زَعلان".

آه.. وإِيهاً بغداد، أَوَمِن رَحلِ استِبدادٍ خَرَجتِ إلى وَحلِ أَوغَادٍ وَلَجتِ!

فَدَتكِ عَينُ العَينِ وَفَلَذَةُ الأَكبَادِ.

***

علي الجنابي

........................

[1] من قصيدةِ (مَن لي ببغداد) للشاعر عبد الرزاق عبد الواحد (1930 -2015).

[2] بحثت على مفردةِ (روازيني) فلم أعثر لها على معنى في معاجم الضاد، لعلها موجودة في المعاجم أو ربما هي من اللهجة العراقية أضطر الشاعر لحشرها بين القوافي فتبعتُهُ أنا فنشرتُها على الخوافي. ويُذكَرُ أن شاعر العراق عبد ألرزاق عبد الواحد قد قالَ وهو على فراش المرض من المهجر في قصيدٍ رفيعٍ رغم أنه موجعٌ:

دَمعٌ لِبَغداد دَمعٌ بالمَلايين    

مَن لي بِبَغداد أبكيها وتَبكيني؟

*

مَن لي ببغداد روحي بَعدَها يَبِسَتْ

وَصَوَّحَتْ بَعدَها أبْهى سَناديني

*

عُدْ بي إلَيها فَقيرٌ بَعدَها وَجَعي  

فَقيرَة ٌأحرُفي خُرْسٌ دَواويني

*

قد عَرَّشَ الصَّمتُ في بابي وَنافِذ َتي

وَعَشَّشَ الحُزنُ حتى في رَوازيني

*

والشِّعرُ بغداد، والأوجاعُ أجمَعُها

فانظُرْ بأيِّ سِهام ِالمَوتِ تَرميني

وغالب ظني أنَّ ألسنةَ العربِ لا تعلمُ شيئاُ عن (الروازين) بل ينطقُونها (رَوَازِن)، [والرَّوْزَنة في "لسان العرب": الكُوَّة، وفي المحكم: الخرق في أَعلى السقْف، وفي التهذيب يقال للكُوَّة النافذة الرَّوْزَن، قال: وأَحسبه معرَّباً، وهو الرَّوَازِن] وهكذا تكلمت بها العرب، ولأني لستُ بمختصٍّ بصنعة الضاد فقد وجب علي التماس النصح من خبير فيها، فأبانَ لي الآتي؛ (الذي أعرفه أن الأمر في (روازين) طبيعي لأن الكلمة معربة فإننا أضفنا إليها صبغة عربية حين أضفنا الياء دليل على تملكنا لها ودخولها في لغتنا لأنها جرت على أوزاننا، ومن المعلوم أيضا أن كل جمع على فواعل يصح فيه فواعيل بزيادة الياء). أنتهى كلام المختص، وفهمتُ منه أنه قد سُمحَ لحرف (الياء) اقتحام فواعل (روازن) لكي تُمنحَ "روازن" نسبٌ وجواز سفر عربي" . ولئن ارتضينا ياءَ "روازيني" فما عسانا قائلين في قول الشاعر في (سناديني) إذ لا وجودَ لها في المعاجم  الا بمعنى الحَدِيدَةِ العَرِيضَةِ يَطْرُقُ عَلَيْهَا الحَدَّادُ الحَدِيدَ، ولا رابط بين المفردة وبين الورود البتة.

 

من فكرة بالدواخل حيث الذات في هيجانها الرجيم نظرا وحلما وتقصدا لما به تفصح الأحوال عن معانيها وهي في حلها وترحالها.. أخذا بناصية الفن وهو يعلي من شؤون وشجون شتى.. هو الكائن يحمل قلبه في الدروب يحاول ما تداعى به من خوف وشغف وألم.. وأمل قديم معتق يفضي الى الراهن في ارباكاته وانكساراته حيث التلوين مجال قول مفتوح على الأساطير والموحش والمبهج في سير المخلوقات..

كون من أحاسيس وهواجس عبر زمن مفتوح ومتواصل في هذيانه تجاه العناصر والأشياء والتفاصيل حيث جدة قديمة من بدايات قديمة أيضا تروي الما يحدث.. وتماما.. مثل شجرة قديمة في أزمنة نائية تحكي شجنها للأغصان.. تفصح عن نواحها الخافت.. هي تفعل ذلك بينما.. حطابون ينعمون.. بموسيقى الفؤوس..

هي لعبة الحكي في أرض الفن تعري ما تداعى من حال الكائن وهو ينعم بالألوان تغري القماشة بالقول في حميمية فارقة.. في تقابل بليغ بين ما أسطرته الشواسع في الانسان.. والحلم اذ يكفي أن يحدث ذلك ليمضي الهائم بالفن الى ركنه يلتقط سرديات ملونة من الفجائع وسوريالية بطعم الشجن وما الى ذلك.. ولكن في ضرب من التلقي والبث المبهجين حيث أن هذا ما يغنمه الفنان في صفائه تجاه الآخر.. العالم..

انها فتنة الحكي الجمالي في عالم معطوب منذ القدم ومفعم بعناصر السقوط المريع وفق تداعيات من أمزجة وقيم معكوسة ورداءات سائدة ومن ثمة وفي هذا الحكي وبحسبه لم يبق غير.. الحلم.. نعم الحلم هذا ابن النوم.. واليقظة.. وليس من مجال غير المواءمة الرائقة في سمو ذهني وابداعي بين الواقعي والمتخيل والأسطوري كحامل للاعتمالات والعواطف وما يتطلبه كل ذلك من نظر عميق في تأويل لى يخرج عن جماليات شتى هي محصلة الفن.. والفنان.

و الحلم هنا ذهب ليكون عنوانا لافتا محيلا الى قراءات مولدة ومتحركة في حدث فني جمالي بمضامين لها من عطور الشعر نصيبها المتخير.. مورفيوس (Morpheus) احالة ضمن الأساطير الإغريقية إلى إله الأحلام وباعتبار كونه أحد أبناء هيبنوس إله النوم.. حيث كان يعتقد أنه يأخذ شكلاً آدميًا ويظهر للناس في نومهم.. ومن هذا الاطار وغيره كان الفن وما يزال يتطلب الحلم الشاسع لتغذية الخيال والذات لأجل الابداع والتجدد واعادة النظر تجاه الأشياء وابتكار صياغات أخرى ومختلفة للمرغوب في قوله واستدعائه جماليا وأدبيا بما يحيل الى المنجز في خصوصياته التي منها وهذا الأهم ابداعيته.

هكذا نلج عوالم التجربة المفضية الى معرض مهم للفنانة التشكيلية والباحثة شيماء الزعفوري التي خلصت في معرض جامع لحيز لافت من أعمالها الفنية الى فكرتها الفنية حيث اللوحات في تعدد أحجامها وأشكالها تجتمع في السياقات المذكورة وعليها وبها لتفضي الى هذا العنوان الدال اسطوريا وأدبيا وجماليا الذي اتخذته كتعلة عميقة للقول برغباتها تجاه الفن والكامنة فيه نبشا واجتراحا وتوغلا في.. الحلم.. هذا الذي أرهق الانسان والكائنات.. الكل حلم ويحلم.. حيث يبقى الفن هذا الملاذ الممكن للحفاظ على الحلم ولشحنه وللقول بوجهه.. اننا نتقصدك ونحبك أيها الحلم.. لا تتركنا يا حبيبنا الحلم.. نحن هنا سيدنا الحلم..

و الفنانة شيماء الزعفوري متحصلة على الدكتوراه في علوم وتقنيات الفنون سنة 2019 بتونس العاصمة ودرست بالمعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس وتدرس حاليا بالمعهد العالي للفنون والحرف بسيدي بوزيد ولها مشاركات متعددة في الفعاليات الثقافية والتشكيلية والعلمية ضمن الندوات وذلك فضلا عن معارضها الفردية ومشاركاتها في معارض جماعية كما أنها شاركت في العديد من الملتقيات داخل تونس وخارجها من ذلك حضورها في بوركينا فاسو والكونغو وتركيا والمغرب والكاميرون وكوريا وفرنسا.

مورفيوس (Morpheus) العنوان الحاضن لهذا المعرض الخاص للفنانة التشكيلية شيماء الزعفوري المنتظم بالمعهد العالي للفنون والحرف بمدينة سيدي بوزيد وقد شهد اقبالا من قبل طلبة المعهد ورواد الفنون الجميلة وأحباء الابداع الفني التشكيلي حيث قدمت منجزة الأعمال بانوراما لشغلها الابداعي بما يحيل الى جانب من تقصدها الجمالي ضمن رؤيتها المخصوصة والتي رافقتها من سنوات في تعاطيها مع الرسم والتلوين وغيرهما من التعبيرات فهي فنانة مسكونة بهواجس الاختلاف والذهاب في الطرق غير المطمئنة بروح مغامرة فيها الكثير من الرغبة في الفن وتفاصيله وبحلم دفين فيه الكثير من شاعرية الأحوال وبمناخات من سرديات بينة وأسطورة موحية ومحركة وباعثة على المضي أكثر في أرض فنية تخيرتها شيماء.. تقصدا لدرب جميل للانسان يخلص فيه وبه الى عالم الأحلام قتلا للانكسار والصدام والسقوط المريع.. انها انتظارات فنانة ضمن مسارات تعبيرية في مجالات فنّ تشكيليّ معاصر وفق رؤاها المختلفة .. أعمال بتنوع في الشكل والحجم بتقنيات و بتصرف فيه الكثير من التعبيرية والحركة ضمن الفضاء العام للوحات فنحن أمام شخوص وأصوات في تعددها لتشكل بالنهاية نظر ولغة وحواس ورسائل الزعفوري في امتداداتها الزمنية قديييييما وراهنا حيث الفن هنا حمال معان وكلمات هي عين هذا " الحلم الزعفوري " المفتوح على الدهشة والبهجة والقلق وال ...أمل .

الفعل التشكيلي هنا مساحات خيال ضمن عوالم الإنسان والكون والطبيعة وفق الاحالة الى ديناميكية بها حركة الحياة الأشياء والعناصر والشخوص والمفردات يمكنها الحلم من التواصل جماليا في كل ما هو بينها.. هي فسحتها في أرض الفن الشاسعة في ضرب من النظر الجمالي والفلسفي والشعري تقصدا للكنه وما يعلي من شأن الجوهر.. جوهر اللعبة الفنية في مقابلتها الشاملة مع الكينونة..

معرض به أعمال هي ثمار سنوات من البحث والتفكير حيث الجمال الخفي والبين والتقنيات في بهاء توظيفها ليلنس المتلقي هذا النزوع تجاه تيارات السوريالية والتكعيبية الى جانب بروز حال القسوة وتبين مظاهرها بيسر وهو ما يطلبه جانب من مضمون اللوحات على غرار الوحشية..

عالم ومزيج من الأحاسيس تزخر بها أعمال مختلفة لشيماء الزعفوري في احالة الى عنفوان الوعي والادراك ساعات انجاز العمل الفني في سياقاته هذه بين الثقافي ولاجتماعي والانساني والوجداني والحضاري وفق المألوف والمختلف والثابت والمتحول ..

هكذا هي التجربة ضمن هذا السياق من المعرض الفردي لشيماء الذي حوى (22) عملا فنيا بنباهة من الاحساس وبجمالية تعمل ضمنها وتواصل فيها في شواسعها من الرمزي والأسطوري واليومي فكأننا تجاه ملحمة ملونة تستدعي الأسطوري لتدعم قولها في هذا الراهن المربك والموحش ولعل ما يحدث لغزة وشعب فلسطين المقاوم والصامد امام صمت كوني مريب من قبل آلة الابادة الصهيونية حيث بشاعة الأفعال.. شكل مجالا قديما متجددا من فعل الطغيان والخراب الانساني الذي واجهه الفن والملاحم بالادانة جماليا ووجدانيا وهذا المعرض في حيز مهم منه كان ضمن هذا السياق أو تزامن معه ولكنه يعيد للذاكرة الفنية فعل الوعي ودور الفن في مواساة الانسان..

تجربة فنية تفضي لهذا المعرض الفني المخصوص حيث تمارس شيماء الزعفوري شغفها الفني كما تقصدته مخاطبة الحواس والناس والكائنات بما اعتمل بدواخلها من شجن ووعي وجمال لأجل الحلم.. الفن هنا هو ذلك الحلم البليغ.. المؤلم.. الممتع.. والباذخ.

***

شمس الدين العوني - تونس

 

أعلام: من عَلَم، أي لواء أو راية لبلد أو ولاية أو مدينة.

صفي الدين الحلي عراقي من الحلة (1277 - 1339) ميلادية، شاعر معروف وإشتهر بقصيدته التي كنا نحفظها في المدرسة، ونرددها يوم رفع العلم كل خميس ومطلعها:

سلي الرماح العوالي عن معالينا

واستشهد البيض هل خاب الرجا فينا

ومنها:

إن الزرازير لما طار طائرها (قام قائمها)

توهمت أنها صارت شواهينا

***

قوم إذا استخصموا كانوا فراعنة

يوما وإن حكموا كانوا موازينا

*

تدرعوا العقل جلبابا وإن حميت

نار الوغى خلتهم مجانينا

*

إنا لقوم أبت أخلاقنا شرفا

أن نبتدي بالأذى مَن ليس يؤذينا

*

تغشى الخطوب بأيدينا فندفعها

وإن دهتنا دفعناها بأيدينا

*

بيض صنائعنا سود وقائعنا

خضر مرابعنا حمر مواضينا

البيت الأخير وضع ألوان أعلام دول الأمة، فكأنه رسم راياتها قبل أكثر من ستة قرون، وما إستطاعت دولة واحدة أن تشذ عن تلك الرؤية السلوكية المعبرة عن جوهر قيم وأخلاق إنسانها.

بل يبدو أنه إستطاع أن يختصر دوافع السلوك ويرمز لها بأربعة ألوان، وكأنه غاص في أعماق النفس وكشف عن مطموراتها المتناقضة، المتوطنة أعماق البشر.

والعجيب أن معظم أعلام الدول يبرز فيها اللون الأحمر الذي يرمز للدم.

ترى هل أن هذا البيت صار وهما، أو ولد من رحم خيال وتأسي، لأن الشاعرعاش في الفترة بعد سقوط بغداد (10\2\1258)، وكان ما جاء في القصيدة من أفكار وتصورات، تعويض عن الواقع الخسراني الإنهزامي الأليم الذي عاشته الأمة، فأصبحت فريسة للوحوش المنقضة عليها بين حين وحين.

إنه بيت خيالي وضعناه على أعلامنا، لنهرب من آلياته وندّعي بوجودنا، وما لدينا القدرة على التحدي والإستبسال، وأمعنا التغني بأمجاد الأجداث!!

فهل سنرتقي إلى مقام البيت الشعري، أم سنضع على رؤوسنا قبعات ألوان؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

حين نظرت صُبْحا إلى المرآة لم أعد يومها أَتذكر شكلي بكل تفاصيله الخارجية المُمِلَّةِ، لم أَعُدْ أُجري تلك الحركات التي كانت تُحفزني على خلق التوافق بين روحي وجسدي. ساَلِفَ الذكر، كانت رُؤيتي تجاه المرآة يَمرُّ عبر اهْتمامِي بذاتي كنمط من عصر اليقظة. فقد كان نوع من اهتماماتي بذاتي ومعرفتها بغاية رأب صدع الماضي المزدوج بين فَوالق الفرح والألم، ولما لا استيعاب عمليات تسرب الفكر الذكي نحو الوعي الخارجي الكفيل بتدبير القلق. اليوم قلقي مع ملمح المرآة صنع عدة تساؤلات من طينة الزوبعة الذهنية، بمؤشرات رَتقِ فُتُوقِ التباينات العمرية، وبكل أَنَاةِ استعادة الحالات العمر الزمني التي استعصى استحضاره للمحاكمة أمام المرآة.

انسحبت تاركا ذاتي باعتبارها كيانا مستقلا ومختلفا لاصقة على مُسطح لوح المرآة، وفي تلك العلاقة التقابلية ولما لا التناقضية. فقد كان هدفي الأول، أن أتعلم بِنْيةَ علاقة الانعكاس والتناظر بين تَضَاد الفطنة والسذاجة. اليوم، تحررت من فئة خوارج تفكير سلطة الذات بالثورة، ومن كل مُفرقعات الحياة السلوكية التي تصنع تجليات الوهم في صورة لوح المرآة. اليوم، أرنو طواعية إلى امتلاك جزء ميسر من الذات، والأنا، والفلسفة، والهوية بالواقعية، ولما لا كَسْبِ قسط تزكية من الوعي المنتج للأخلاق الخيرية، ولو عبر قناة مفهوم الراحة النفسية. اليوم، فكرت مليا على أن أفكر من الخارج إلى الداخل، و ضمن وضعيات استنطاق (الأنا) الأعلى بنهايات الذات الحاضرة، وكذا امتلاك المتعة الجمالية في الفهم والتخطيط الحياتي، وضبط تجليات الآخر الغائب. اليوم، كونت معرفة للعالم بمتغيراته، والتي تُفضي إلى معرفة فلسفة الذات، وصناعة القدرة على رؤية الوجود (المعرفة التوافقية والاصطلاحية)، والبحث عن أثر الحرية وتحريرها من ربقة العصيان.

أروي لكم سادتي الكرام ما استعصى عليَّ من الفهم والتدبر بالتفسير والسؤال، فقد كنت أتنقل داخل غرفة (الذات) بتلك الأحلام المستقظة، والتي كانت تُجسد سياقات متعة الخدع الحسية (السحر المعرفي)، ومراوغة المنطق والعقل بالتنويم. فحين أردت انتقاد صورتي المتبقية داخل لوح المرآة، رأيت أني لا أتسلح بالآليات المنهجية الحصينة بالتجرد عن الذات، وملاحق الزمن العمري. وجدت أن النقد العنيف، قد لا يقدم سوى فقاعات من الوهم والزيف، ووضع الحقيقة في غرفة الإنعاش. تعلمت بالفطرة، ربط ثنائيات فُتوقَ (الداخل والخارج) حتى لا أنزلق في إنتاج تفاهة الوهم. فلا غرو اليوم سادتي الكرام، أن تحمل تخوفاتي الأولية، ضُعف وجهي الذي بقي عالقا على لوح المرآة بلا رقيب ولا حسيب، وهو يتوجس قسطا من الخوف على مفارقتي بالبتة.

استيقظت لحظة باسترجاع (الأنا) المفكرة عندي، وجعلت منها لِحافا قُطنيا لتدثر روحي الزائدة من التآكل والتغيير المفرط في التجريد. حينها شعرت بالأمن، وأضحيت أبحت عن نفسي وهويتي وذاتي، وكيفية الاهتمام بهم إزاء التعيينات القاسية للنقد والسلبية. من فرحتي، أن المذياع صدح بمتنوع أغان من الماضي، من تم شعرت أني لا أمارس الانعزال عن العالم الخارجي، بل صارت ذاتي تُعلن الثورة على لوح المرآة، وسحب وجهي بالوجود الحقيقي المتنور بأخلاق الخير والقيم الاجتماعية.

اليوم، تحررت من سلطة المرآة (الآخر) ومن كل الأبعاد الثقافية والأخلاقية، ومن غيث سيولة انسياب الحداثة السائلة المفزعة. اليوم، تحررت من تلك النواة الصلبة في التحجر الفكري والسلوكي، والتي كانت لا تقبل معرفة ماهية اختلاف تصورات الكينونة والكونية. اليوم، وذاتي المتحررة تتناول وجبة الوعي والتفكير في الاتجاه الصحيح لا المنعرج في الغائر. اليوم تعلمت أن التغيير لن يتأتى حتى يمتلأ العقل والذهنيات بأنماط الوعي والسلوك الحضاري المتنور.

***

محسن الأكرمين

برعاية كريمة من لدن السيد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني للمدة من العاشر ولغاية الرابع عشر من شهر شباط فبراير 2024، ستشهد بغداد انطلاق مهرجان بغداد السينمائي (دورة المخرج الكبير محمد شكري جميل) الذي تقيمه نقابة الفنانين العراقيين بالتعاون مع وزارة الثقافة والسياحة والآثار ودائرة السينما والمسرح، أعلن ذلك نقيب الفنانين العراقيين رئيس مهرجان بغداد السينمائي الدكتور جبار جودي، وقررت اللجنة التحضيرية للمهرجان قبول ستة عشر فيلماً للمشاركة في مسابقة الأفلام الروائية القصيرة من بين الأفلام العربية والعراقية المتقدمة للمهرجان، وتشمل أربعة أفلام من جمهورية مصرالعربية، وفيلمين من مملكة البحرين، وفيلماً واحداً لكل من: تونس، وفلسطين، ولبنان، وسوريا، والمغرب، فضلاً خمسةأفلام عراقية, وأوضح جودي أن الأفلام التي ستشارك في مسابقة المهرجان للأفلام الروائية القصيرة هي أفلام: (ترانزيت) - باقر الربيعي- العراق. (خطاف)- ياسر الاعسم – العراق. (يد أمي) – كاردينيا هيمن – العراق. (دويرة) - سيف صباح – العراق. (كيمر عرب) - رانيا حمزة – العراق. (16 مللي) - عبدالله جاد – مصر. (عيسى أعدك بالجنة) - مراد مصطفى – مصر. (فطيمة) - أحمد عادل – مصر. (الترعة) - جاد شاهين – مصر. (نصف روح)- مروان طرابلسي- تونس. (فلسطين 87) - بلال الخطيب- فلسطين. (الحفرة) – علي بازي- لبنان. (العزلة) – جمال غيلان- البحرين. (عروس البحر) - محمد عتيق – البحرين. (فوتوغراف) - المهند كلثوم – سوريا. (الموجة الاخيرة) - مصطفلى فرماتي – المغرب, وأكد جودي أن المهرجان سيعلن قريباً عن الأفلام المشاركة في مسابقة المهرجان للأفلام الروائية الطويلة، وكذلك قائمة بأسماء نخبة من النجوم وصناع ونقاد السينما العرب البارزين بما فيهم مديرو المهرجانات السينمائية العربية، فضلاً عن كوكبة من صناع ونقاد السينما من العراقيين في الداخل والخارج، ناهيك عن عدد من الفعاليات والبرامج والأنشطة السينمائية المتنوعة. وتابع جودي وهناك (مسابقة فضاءات سينمائية جديدة) التي تشمل عشرة من الأفلام الروائية العراقية القصيرة والجديدة والتي أنتجت بموجب منحة نقابة الفنانين العراقيين في سابقة فريدة من نوعها تحصل للمرة الأولى في تأريخ المهرجانات العراقية والعربية، وتهدف الى تفعيل الحراك السينمائي وإنعاش المشهد السينمائي في العراق ودعم الطاقات والكفاءات السينمائية ودوران عجلة الانتاج السينمائي العراقي,, مضيفا / أن المهرجان سيعلن قريباً عن الأفلام المشاركة في مسابقة المهرجان للأفلام الروائية الطويلة، وكذلك قائمة بأسماء نخبة من النجوم وصناع ونقاد السينما العرب البارزين بما فيهم مديرو المهرجانات السينمائية العربية، فضلاً عن كوكبة من صناع ونقاد السينما من العراقيين في الداخل والخارج، ناهيك عن عدد من الفعاليات والبرامج والأنشطة السينمائية المتنوعة. وتابع جودي وهناك (مسابقة فضاءات سينمائية جديدة) التي تشمل عشرة من الأفلام الروائية العراقية القصيرة والجديدة والتي أنتجت بموجب منحة نقابة الفنانين العراقيين في سابقة فريدة من نوعها تحصل للمرة الأولى في تأريخ المهرجانات العراقية والعربية، وتهدف الى تفعيل الحراك السينمائي وإنعاش المشهد السينمائي في العراق ودعم الطاقات والكفاءات السينمائية ودوران عجلة الانتاج السينمائي العراقي.

ومن جانبه أوضح مدير مهرجان بغداد السينمائي الدكتور حكمت البيضاني، أن اللجنة التحضيرية تواصل مناقشة المهام التنفيذية واللوجستية المتنوعة لإقامة المهرجان على أحسن وجه، وقرارات اللجان الفرعية بما فيها قرارات لجنة قراءة وفحص سيناريوهات مسابقة إنتاج الأفلام العراقية القصيرة (فضاءات سينمائية جديدة) التي تضم عشرة أفلام وتهدف الى تفعيل ودعم الإنتاج السينمائي العراقي، وتابع الدكتور البيضاني أن اللجنة التحضرية تنتظر صدور القرارات النهائية للجنة مشاهدة وفرز الأفلام المرشحة للمشاركة في مسابقات المهرجان بغية الإعلان عنها في القريب العاجل في بيان خاص، إضافة الى مواصلتها مناقشة وإقرار الأسماء المقترحة لعضوية لجان التحكيم الرسمية، والندوة الفكرية حول (سبل تعزيز الانتاج السينمائي العربي المشترك)، وورشة الإخراج السينمائي، فضلاً عن الضيوف والشخصيات المقرر دعوتها، وجميعها ستضم نخبة من أبرزالمعنيين بالسينما من مخرجين وكتاب ونقاد ونجوم عراقيين وعرب

***

نهاد الحديثي

 

الفنُّ هو أحد الفنون التي يمارسها الإنسان في حياته الشخصية، القدرة والإتقان بمستوًى عالٍ من الجودة والكفاءة العالية في العمل أكثر جمالًا وتنظيمًا، الوظيفة ليست صعبة ولا بسيطة، إنّها مجمل التفكير في قرار ساحله أزرق العينين. توظّف قدراتك في التجادل مع الحياة، روية وهدوء.

هذه الأحداث الوصول إليها يغلب عليه التكاثر المعرفي التجريبي الواعي في تزويد ذلك العقل الباطن، بالرؤية التي تحلم بها في موطن حياتك. الأزمات ليست قليلة وقد لا تتوقف، لكنها طاقة أثيرية، توطّن إحساسك بالحياة، تلك هي الفلسفة التي تنير صفحاتك المتبقية قبل الرحيل من عالم إلى آخر مقدّس بما وراءه من صور ووعود جميلة وتحت رحمة لا تتوقف من العالي المُعيل، غدًا وما بعده يحمل كلّ الأمنيات.

لا تثقل نفسك بين عقول تناثرت عليك قاسية مؤذية، عندما تستوعب القاعدة الطبيعية للبشر في السباق بين الماراثونات المتعدّدة في الفوز الأول، حلّق مع أحلامك بهدوء وقدرة عالية، عليها أثر البسمات الجريئة النابضة بالحياة، قسمات قدرت، يغلب عليها التعب، لكنها طبيعية في حالاتها، انتصر عليها في وقتها.

التبعثر شقاء، القناعة جمال داخلي، أمثال البشر بين يديك، بين سقوط ونهوض، انهض بوعيك الذي ينبض، الغبار لا يتوقف والمطر لا ينتظر المظلات المهترئة، اضرب بين جناحيك، حلّق كما تستطيع، بين الإقلاع والإقلاع حياة وخبرات جديدة، الحياة جميلة رغم بعض محطاتها الحزينة، إنّها رواية لا تتوقف عند سطر حزين، صعابها قد تكون النهاية سعيدة وجميلة، متى ما ضغطت على أيقونة القبول، تبقى القناعة الأمل الأول والأخير.

الطائرة تنتظرك في الصعود بين رحاب العالم، يأتي الخيال بين الصخور الحافرة الصلدة، تخطو خطوتك، تشعر بأمانها تجلس بعد أن تطمئنّ الروح بأنّ غدك سوف يكون بين يديك، الموت لا ينتظر أحدًا والعزاء مستمر، بين القافية ينابيع تفجّرت من أعماق لا تدركها الأرقام، جميع المحطات منسجمة مع الطبيعة التي ولدت أمامك وقبلك.

منذ الأزل، البشر لديهم القدرات والأقدار التي تحطم طواحين الألم في خيال بعده واقع، تذكر بأنك ذلك الإرث الذي تخلفه يبقى ومن بعدك سوف يقرئه، إنّها المعارف المستمرة في النضج، ذلك المدّ الغائب يتحدّث إليك أن ترفع تلك الأشرعة أمام الأمواج العالية، بعيدًا عن الأرض ترى الوجود لم يكن من قبل، أيُّها القبطان، ابتسم أمام الريح التي أمامك، أنت الآن في الأمان الذي انتظرته وقت طويل.

***

فؤاد الجشي

 

في مقهى ينأى عن ضجيج المدينة ومتابعات مباريات الدوري الاسباني (لا ليغا/ La Liga). في مقهى يقع بالمحاذاة من بدال الطريق السيار الشرقي لمدينة مكناس. كعادتي، جلست منفردا لأحتسي فنجان بُن أسود يفوح بنكهة مرارته وبلا قطعة سكر. كان كل مَنْ بالمقهى المطعم في انشغالات أحاديث دائرية منغلقة، فيما كانت الخدمات في متناول الجميع، وبتلك الابتسامات والترحيب والسرعة المتناهية.

كنت في غفلة من أمري، وأنا أمارس صناعة فكر الانعكاس والتناظر، وفق علاقة التقابل والتناقض في نوعية المشاهد بين حركة من يلج وبين من يغادرها. كنت أمارس فِطْنة تأمل سقراط المعلم الأول (اعرف نفسك، اهتم بنفسك)، وتحرر من جاذبية السلطة الخارجية، ثم تخلص من الهيمنة المادية. كنت مرات أفكر من خارج الصندوق ثم أعود باللاوعي إلى داخل نفس الصندوق لأفتش عن ذاكرتي الذهنية الماضية.

كان كل من يقربني بالمجاورة في مجلس طاولتي المنفردة، في انشغال تام بالمأكل والمشرب، وتناول قسط من بذخ الحياة، وترف الحضارة المستحدث. مرات بالقلة، كنت أسمع ضحكات من مائدة يتحلق عليها ثلة شباب من متنوع الأعمار وصنف الجنس. هذا، لا يعني أني أمارس الانعزال عن العالم الخارجي، بل مشاهداتي المتنوعة كانت تفكر في المتغيرات ، حين كان المكان مزرعة فلاحية تنتج القمح والخضروات، لكن تحولات المدينة الجديدة، غيرت (بلاد الفلاحة) إلى منتزه رحب بالأداء، وتقديم خدمات للميسورين من الطبقات المتوسطة.

حين انتهيت بالعياء الفكري من تقابلات ثنائية (الداخل والخارج) و(المتغير والخالد)، كان مدخل المقهى المنير يستقبل أسرة تُدخلُ شابة أنيقة وجميلة على كرسي متحرك، كان كل من الأب و الأم والأختين في خدمة تامة لهاته الشابة العليلة، والتي يبدو الإنهاك على ملامحها الخارجية. لحد هذا المتغير، كل الأمور تسير وفق نظام الترحيب بالأسرة، وتيسير ولوجها بأخلاق العناية الفضلى لهذه الشابة في ذاك الكرسي المتحرك، بحق كانت الأخلاق الخيرة لمن يشتغل بهذا المطعم المقهى ترتقي إلى رفع القبعة لهم احتراما.

لم تُغْنِ عَنِّي المشاهد بدا، من متابعة الشابة التي باتت تتحرك إلا من خلال كرسي متحرك وهي ليست من ذوي الاحتياجات الخاصة. كانت تَعْتمر قبعة الرأس شديدة البياض، في ملمح وجهها النحيف، رأيت أن المرض أنهكه باستدامة الألم والمعاناة، وأفقده احمرار الشفاه والخدود. كان يبدو على تلك الفتاة أنها تجابه الداء والدواء، وقسوة الألم منذ زمن. كانت لا تبتسم، ولا تتكلم طويلا، ولا تعير المكان متابعة وأية اهتمام، فيما أسرتها الصغيرة فقد كانت بحق الله خدومة وتقدم لابنتهم العليلة كل المساعدة والابتسامة والفرح.

لحد جلوسهم وعناية النادل بهم، لم تَبُحْ هذه الشابة بأي كلمة تجاه مرافقيها، بل كانت تحول نظرات إلى شرود عن المكان ودون استطلاع. لحظة كشفت عن هامة رأسها، وأزالت القبعة الشديدة البياض، خطفت نظرة متأنية عنها والألم يُشعرني بالحرج، هنا كادت عيناي تسبقني إلى الدمع دون أن أناديه بتوجسات ذاكرة ألم الداخلي الماضي. كان شَعر الشابة قصيرة المورد والمنبت، كان خفيفا ويتسم بالرقة وقلة الكثافة، هنا جاء تفكيري ليربط العلاقة الخارجية للشابة والألم بمرضها، فقد كانت تبدو منهكة بالتمام، وكأنها خرجت تَوَّهَا من حصة العلاج الكيماوي      (  chimiothérapie). هنا زاد الوجود الحقيقي المتنور بالخير من أمها حين كانت تلهو بخصلات شعرها القصيرة، وهي تخاطبها بابتسامة لا تفارق ملمحها، فيما الشابة فقد كانت تنظر في عيني الأم حبا وعطفا، وكأنها تناجي قلب أمها بالفقد والافتقاد، لماذا  يا أمي يقتلني المرض يوما بعد يوم؟ لماذا يا أمي يعتصرني الألم، ويخنقني حتى في أمكنة اللعب والمرح؟ لماذا يا أمي أحمل مرضي على كرسي متحرك؟ لماذا يا أمي لا ينتهي الألم بنهاية زمن الحياة، حينها أشعر أنِّي انتصرت على المرض بقتله؟

كما وضع النادل قهوتي السوداء بنكهة البن المستفز، تركتها ولم أتناول منها غير رشفة بَلَعْتُ من خلالها ألمي الذي بات يعتصرني داخليا من شدة المشاهد المتكلمة بلا أصوات. تذكرت رثاء الخنساء وقلت: أعينيَّ جودا ولا تجمدا، ألا تبكيان هذه الشابة الجميلة العليلة الندى... تركت الشابة العليلة بنظرة دعاء، و ترجلت خارجا بمتغير زفير آهات لذاتي المتألمة، حين مددت ورقة نقدية للنادل، سألني ألم يعجبك اليوم فنجان قهوتك المفضل ؟ فقد لاحظت أنك لم ترتشفه !! ولم تمدده بقطعة السكر الوحيدة كعادتك !! اليوم، لم أبتسم في وجه النادل، ولم أشكره على خدماته، وتركت له ما يزيد مِمَّا تَبقى من الورقة المالية، وانسحبت نحو أبتغي العودة إلى المنزل، ورَتْقِ فُتُوقِ الألم بالبكاء.

***

محسن الأكرمين

 

أدركنا بحمده تعالى صبح عاما جديدا عبر الزمن الكوني المطلق.. بحلول 2024، وقد تقاطرت على أهل الأرض العواصف إعصارا تـلو إعصارا، ولا يتسع المقام هنا لذكر جميع أسبابها، مع ان إستقرائها يوضح أبرزها ممثلا؛ في تهافت الأنسان طمعا بمنافع الإثراء لموارد الأرض بباطنها وسطحها وسمائها، وبذلك تسابق الأنسان في كل دماره وصراعه وحروبه الدامية منذ فجر التأريخ ولحد اللحظة.. ظالما في تجاوزه لقوانين الكون طبقا لما فصلها الواحد الخلاق.

بعيدا عن ما سبق، وفي خضم أمواج بحار الحياة التي تلقيني احيانا على بعض من شواطيها، وقبل أن التقط أنفاسي؛ تأخذني بعيدا تلك المتربعة تـاجا بأعماق الذات.. ذاكرتي.. الى حيث كانت هناك مرابع الطفولة والصبا والفتوة لتكشف في ثناياها عن أناسا من الأستحالة وصفهم بالصداقة مدى السنيين، إنما وصفهم وتوصيفهم يرقى الى الأخوة  المطلقة بكل معناها .. وعندها تـرحمت على من غادر منهم دنيانا.

ثم ينفتح بابا لم يوصد يوما أمام تسجيل ما صقلته الأيام بالساعات حراكا في الحياة؛ مرة بالأفكار، وبالأبدان مرة أخرى.. تكريما وفاء للوالدين في كدحهم بين الصخور وعبر السنين السابقات بحلوها أحيانا وقسوة مرارتها بأحيان أخرى.. والى أن تسلق الوعي لإدراك كل معانيها.

لقد مضت بلمح البصر تلك السنون.. فكان الطائر كالصقر يجني ويجني بغابات الحياة ليس نفعا، إنما على الدوام تقضه عقولا قد تفتحت براعمها الندية ترنو نحو حرفا أو قولا من الجني ذاك، إذ إن من الحماقة أن يدفن بالموت الحصاد المثمر بالعلوم معارفا وأفكارا.. وقد حجبت عمدا عن عباد الرحمن .. وهو العظيم الذي علم الأنسان ما لم يعلم.

هـكذا.. تتمادى الذاكرة مرة أخرى لتخبرك عن من تكرمو خيرا عليك ساعات وأياما.. سواء بالمشورة الراشدة مرة، وبالجهد البناء مرة أخرى.. ليبصروك فقط للأخذ بذاك الأحسن من ذاك، ولأجل ذلك لا زالو في القلب بمحبة وإحتراما، ومن المؤكد هم مع تلك المحركات نحو السمو نجاحا وللهفوات تفاديا.. فمنها من مر كالأطياف يأخذ بالأحوال من هذا إلى ذاك، ومرة تكون للهمة حافزا، وفي أخرى تكون للطاقات الإثارة والإلهاما، وجميعها مماثل للسيوف البارقات شموخا في سماء قد تألق بضياء القمر العملاقا.

لا تبتأس.. عزيزي القاريء الكريم، فأنت أن علمت أو لم تعلم.. فأنت بصفاء قلبك من المؤكد أنت منهم.. وقد أتيت لنا فخرا وإلهاما، ولكم ما يليق من الأماني الباسمات نجاحات وأفراحا.. المقرونة بالإحترام الأسطع بياضا.

*****

د. مجيد ملوك السامرائي

جغـرافـي، كاتـب ومـؤلف وأستاذ جامعي

 

في المثقف اليوم