اخترنا لكم

دائماً ما يكون التساؤل ملحاً حول الفلسفات التي مرّت عليها القرون المتعاقبة لجهةِ الاستفسار عن وجوه الفرادة في إنتاجهم، وأخص بعض فرادات «ديكارت» بهذه المقالة. تتيح الفلسفة الديكارتية للقارئ مداخل متعددة، وذلك لخصائص كثيرة متنوعة، توافرت للمرة الأولى لدى ديكارت في فلسفته، فهو في فلسفته مارس «التجاوز الفلسفي»، إذ كانت الفلسفة قبل ديكارت تتجه إلى موقعٍ محدود من المعرفة، فإذا كان المشروع الديكارتي قائماً على محاولات تأسيسية لوضع إطار منهجي علمي لنظرية المعرفة، فإن الحركة الفلسفية قبل ديكارت كانت تبحث عن معارف وفق أسئلة يضعها الفيلسوف مبدئياً، لقد كان ديكارت وفق - هيغل - هو المحرر للفلسفة من طابعها المتعلق بالإشكال إلى فتح الإشكاليات، ومن السؤال المخصوص إلى الأسئلة تتجسد قيمة ديكارت في ممارسة «التجاوز»… انتقل ديكارت بالفلسفة من سؤال «معرفة» إلى سؤال «المعرفة».

ديكارت شدد على أهمية الوعي بـ«الرهان الأنثربولوجي» القائم في فلسفته، خصوصاً في «التأملات»، إذ يرى أن الواقع المعرفي، كما يشرحه ديكارت، ليس ذاك الواقع الذي تكتفي «الأنا» بمجرد تأمله على نحوٍ من انفعالية الموقع، بل على العكس، إذ المعرفة في صلب الإنسان، فهي المعرفة بالإنسان، ولهذا رأى فوكو: «أن لقاء الأنثربولوجي بالمعرفي ليست إضافة مفاجئة من «كانط»، بل هي ديكارتية في الأصل، وهو ما عبّر عنه «هيغل» في معظم نصوصه عن ديكارت، على رغم أن الإنسان الديكارتي وفق المفهوم الهيغلي يبقى سجين ذاته وفرديته التي يعجز في الغالب عن مفارقتها».

لقد تحولت الفلسفة الديكارتية إلى المحور التأويلي الذي اشتغلت عليه الفلسفة خلال القرنين الـ«18»، و«19»، ويوصف ديكارت بأنه «ملتقى الفلسفات الحديثة»، فهو من جهة سلم بتعاليم الكنيسة، وآراء فلاسفة العصور الوسطى، كالقديس أوغسطين والأكويني وسواهما في الروح والخلود والأخلاق؛ لذا انصب معه التيار الفكري الوسيط من جهة، والتيار الفكري الحديث، الذي أخذ عن ديكارت التفسير الآلي للعالم.

أصبح العالم آلة ضخمة، لا تخضع إلا لقوانين المادة المتحركة، ولم تعد السماوات سوى آلة أو دوامات هائلة ودقائق متحركة انفصلت عن مادة لا صورة لها ولا شكل، في الأصل، كما أصبح الدماغ البشري هو الآخر آلة تكيفت لتسلم الدم والإحساسات، فأصبح كل شيء باستثناء الروح مادة خاضعة لقوانين الحركة، وأصبح كل تغاير في المادة، وكل تنوع في صورها وكيفياتها، يُعزى إلى الحركة، للمرة الأولى في تاريخ الفكر يحتل التفسير الآلي للطبيعة محل التفسير الغائي مصطنعاً الامتداد والحركة متغيرات أساسية في التفسير.

تجلى هذا الجهد في تأصيل «الكوغيتو»، إذ استعادت الفلسفة منزلتها حين تأسس ما يشبه «ايتيقا الكوغيتو» بما يفرضه هذا التأسيس من وعي بتجذير الفكرة القائلة بسلطان الإنسان على الطبيعة، يبدو أن المشروع المعرفي الديكارتي لا يقوم على الانتقال إلى واقع معرفي يكون نموذجاً متعالياً على الإنسان، يكتفي الإنسان معه بمجرد التأمل، بقدر ما يطمح إلى تأسيس معرفة محايثة للإنسان تكون معرفة إنسانية محضة.

هذا مع أن «الكوغيتو» أصبح موضع ارتكاز نقدي في الفلسفات اللاحقة لديكارت، لذا جاءت الفلسفات الحديثة اللاحقة لتنبجس أول ما تنبجس على هيئة «تعديل أو نقد للكوغيتو الديكارتي»، بل إن بداهة الكوغيتو «الأنا أفكر» كانت المبدأ الأساسي الذي يُقام عليه العلم الكوني أيضاً، إذ المطلب المعرفي ملزم بأن يقاس على «الأنا أفكر» بما هو إطار اختباري، وهو ما فضّل «هوسرل» تسميته بـ«التحليل الترانسندنتالي»، حينما اعتبر مسألة «الترانسندنتالي»، «هي سبق ديكارت لمفهوم أساسي حقق ولادة الفكر الفلسفي الحديث».

من هنا نرى أن الرهان الأنثربولوجي والتأويل والكوغيتو من أبرع الفرادات الديكارتية التي مكّنت فلسفته من أن تكون نقطة ارتكاز، بل وملتقى الفلسفات على مدى خمسة قرون.

***

فهد سليمان الشقيران - كاتب سعودي

عن صحيفة الاتحاد الامارتية

14 نوفمبر 2022 23:00

 

الكل يتكلم عن تجديد الخطاب الديني، الكل يدعو إلى تجديد الخطاب الديني، الكل يوصي بتجديد الخطاب الديني؛ ابتداء ممن لا علاقة لهم بهذا الخطاب علمياً، أو مؤسسياً، أو حتى إيديولوجياً، إلى المرجعيات المسئولة عن المؤسسات الدينية الكبرى كالأزهر، والأوقاق، والإفتاء، الكل يدعو ويوصي ولكن للأسف لم يقدم أحدٌ نموذجاً لكيفية تجديد الخطاب الديني، وماهية المناهج التي ينبغي اتباعها، والموضوعات التي يتم البدء بدراستها، وإعادة النظر فيها، لم نزل جميعا نقف عند حدود التوصية بالتجديد، أو الدعوة الى التجديد .. حالة من الفكر الإيصائي الذي يستبطن الوصاية على الآخرين فيدعوهم للقيام بما لم يقم هو به، الفكر الإيصائي الوصائي، يا سادتي، لا يجدد خطاباً ولا يصلح فكراً، ولا يحدث تغييراً في الواقع، فقط لأنه لا يفعل شيئاً، ولا يضرب مثلاً، ولا يقدم نموذجاً.

تجديد الأفكار والثقافات، وتغييرها عملية معقدة جداً؛ لها وسائلها وأدواتها، سواء أكانت هذه الثقافات دينية، أو غير دينية، من أهم هذه الوسائل المجلات الثقافية والفكرية التي تقدم عبر عشرات السنين رسالة ثقافية تجديدية معينة، فالتجديد عملية تاريخية لا تتم بخطبة جمعة، أو قرار وزاري، أو تغيير منهج دراسي فحسب، ولكن لابد من عملية فكرية ثقافية مستدامة ومستمرة، تعالج مختلف جوانب الثقافة، وعملية التفكير، بصورة زمنية تتناول في كل فترة جانباً أو بعداً معيناً، ولكي نفهم التغيير الثقافي الذي حدث في مصر والشام في بداية القرن العشرين نتيجة للحركة التجديدية التي قادها جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده وتلاميذهما، لكي نفهم هذا التغيير لابد أن نرصد المجلات الثقافية والفكرية والعلمية التي ظهرت في بداية القرن العشرين، حيث كان لكل تيار فكري مجلاته الخاصة التي تحمل رسالته، وفي النهاية حققت أهدافها واقعاً ملموساً لم نزل نعيشه حتى اليوم.

وللاسف في مطلع القرن الحادي والعشرين لا يوجد من هذه المجلات الثقافية إلا القليل، إذ إن الغالبية العظمى من المجلات الفكرية الرصينة مخصصة لنشر أبحاث الترقية لأساتذة الجامعات، وغالبا هذه الأبحاث لا علاقة لها بالتجديد، أو الفكر أو الواقع، إذا غالبها صناعة لغوية دائرية لا يخرج منها شيء، أما المجلات الفكرية الرصينة فعددها قليل جداً، والمتخصص منها في الفكر الديني نادر جداً، لعل منها مجلة تكاد تكون وحيدة في مجالها هي “قضايا إسلامية معاصرة” التي يصدرها ويترأس تحريرها الدكتور عبد الجبار الرفاعي المفكر العراقي صاحب الرؤية التجديدية المتجاوزة لكل حمولات التراث السلبية من تقليد، وانغلاق، وطائفية، هذه المجلة تحمل على عاتقها الفعل التجديدي بمنهجية رصينة تقوم أولاً، على تقدير التراث، والتعامل الجدي معه من خلال البحث، والتحقيق، والتدقيق، والتحليل، والاستنطاق الذي يسهم في فهم مشاكل العصر، وليس إسقاط أفكار الماضي على مشاكل العصر كما يفعل الكثيرون من المتخصصين في الفكر الديني فيزيدون الأمور تعقيداً؛ لانهم يتوقعون من مفكري الإسلام الذين ماتوا من مئات السنين أن يقدموا لنا حلولا وإجابات عن مشاكل واقعنا المعاصر.

وتقوم منهجية “قضايا إسلامية معاصرة” ثانيا على ربط قضايا الدين بالواقع المعاصر وقضاياه وإشكالياته، وتعيد قراءة النص الديني في ضوء معطيات العصر، باحثة عن رؤية تصلح الواقع وترتقي به إلى مستوى يتناسب مع مقاصد النص الديني وغاياته وقيمه، بحيث تكون عملية التجديد هي عبارة عن جدلية مستمرة بين النص والواقع، صعودا من الواقع إلى النص، ونزولا من النص للواقع؛ وهنا يدخل العنصر الثالث الذي تعتمده هذه المجلة في منهجيتها وهو الانفتاح على العلوم الإنسانية والاجتماعية المعاصرة والاستفادة من مناهجها، وما تقدمه من أدوات في فهم الواقع، وتحليل النص، من خلال هذه المنهجية الثلاثية: المزج بين التراث والواقع والعلوم الاجتماعية والإنسانية استطاعت هذه المجلة عبر ما يقارب عقدين من الزمان أن تقدم نموذجاً تجديدياً يصلح أن يكون قياسياً لأي محاولات قادمة.

هذا الجهد الفكري المتميز انتظمت في إطاره عقول شابة، وخبرات رصينة من أساتذة مخضرمين منذ ١٩٩٤ حتى اليوم لم تزل تمثل نافذة فكرية تطل من خلالها أفكار أصيلة وجديدة، دينية ومعاصرة، إسلامية وفي نفس الوقت متفاعلة مع العلوم الإنسانية والاجتماعية، هذا النموذج نقدمه للمؤسسة الدينية الرصينة في مصر، إلى الأزهر الشريف ليعيد النظر فيما لديه من مجلات قائمة، ولعله يبادر إلى تجاوز الماضي، وإنشاء من المجلات الفكرية والثقافية ما يستطيع أن يحقق هدف التجديد وغاياته.

 

د. نصر محمد عارف

مفكر وأكاديمي مصري

              

نظرا لأهمية هذا المقال نعيد نشره عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية

في الكتاب الأخير للتنافسية الدولية الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية بسويسرا تم تصنيف حكومة الإمارات الحكومة الأكثر كفاءة عالميا، ولا أذيع سرا عندما أقول بأن السبب الرئيسي لتفوق أدائنا الحكومي هو أننا خلال سنوات طويلة لم نتعامل مع مؤسساتنا الحكومية على أنّها جهات حكومية بل على أنّها مؤسسات خاصة تنافس القطاع الخاص وتعمل بنفس عقليته، وتتبنى أفضل ممارساته، وتقاس أعمالها وخدماتها بنفس معاييره، بل ذهبنا أبعد من ذلك وبدأنا نقيس سعادة متعاملينا ونصنف مراكز خدماتنا وفق أنظمة النجوم الفندقية المتعارف عليها عالميا. وأثبتت التجربة نجاحها حيث ارتفع أداء مؤسساتنا وحققنا الكثير من أهدافنا، ولعلنا نناقش ذلك بشيء من التوسع في القمة الحكومية القادمة.

ولكن شركات القطاع الخاص تمر بدورات في أعمالها، فهي تبدأ صغيرة ثم تنمو وتنطلق وتكبر، ثم يأتي من ينافسها ويطلق منتجات أفضل من منتجاتها، فيتراجع نموها ويتضاءل حجمها وتقل أهميتها ويضعف تأثيرها وقد تخرج من دائرة المنافسة. وهذا ما تثبته الكثير من الدراسات، فأكبر 500 شركة عالميا في عام 1955 لم يبق منها اليوم إلا 11 في المائة فقط، أمّا الـ89 في المائة الباقية فقد خرجت تماما من دورة الحياة والتأثير، بل الأكثر إدهاشا في الموضوع أن متوسط عمر الشركات في تلك القائمة سابقا كان 75 عاما، أما اليوم وفي عالم سريع التغير والتفاعل، فإن متوسط أعمار الشركات في هذه القائمة هو 15 عاما فقط، لأن المنافسة اشتدت، والمنتجات تغيرت، والمجتمعات تطورت.

السؤال هو: هل يمكن تطبيق نفس التفكير على الحكومات؟ هل تشيخ الحكومات والدول وتتأخر مع مرور الزمن؟ هل تبدأ قوية وتكبر ثم يأتي من يزيحها من مراكزها فتتراجع ويقل نموها حتى تخرج من دائرة المنافسة؟ لا أعتقد أن أحدا يمكن أن يختلف معي على الإجابة: نعم الحكومات تشيخ، وتشيخ معها دولها وشعوبها أيضا، وتتراجع أهميتها، ويقل تأثيرها، فتصبح خارج دائرة المنافسة والاعتبار، أو لنقل بعبارة أخرى خارج دائرة التاريخ.

ولكن لنكن إيجابيين - مع الاستمرار في تطبيق نظريتنا في التعامل مع الحكومات كشركات - ولنركز على الـ11 في المائة من الشركات التي بقيت في القائمة، ولنسأل أنفسنا كيف استطاعت البقاء في المنافسة؟ وما هو السر في طول شبابها وتجدد طاقاتها؟ نسأل هذا السؤال حتى تبقى دولنا وشعوبنا أيضا ضمن سباق التنافس الدولي، أو لنقل لتبقى في سباق الحضارة الإنسانية وضمن تاريخ الأمم والشعوب التي تشكل العالم اليوم وتصوغ مستقبله.

لا أشك لحظة واحدة في قدرات عقولنا البشرية، فقد خلقنا الله لعمارة هذه الأرض، نحن خلفاء الله في أرضه، وركّب فينا سبحانه من الذكاء والقدرات الذهنية والدوافع النفسية ما يجعلنا صالحين ومؤهلين لهذه المهمة العظيمة، مهمة تحتاج عقولا متطورة ومتعلمة ومتجددة ومبدعة ومبتكرة.

لو لم يبتكر الإنسان الزراعة لما قامت حضارة، ولو لم يكتشف فوائد النار لما تطورت تلك الحضارة، ولو لم يبتكر العجلة أو الكهرباء أو الإضاءة أو المحركات أو غيرها لما تقدمت الإنسانية، ولو لم يبتكر الإنسان الإنترنت أو الهاتف الذكي لما وصلنا إلى ما نحن فيه اليوم. سر تجدد الحياة وتطور الحضارة وتقدم البشرية هو في كلمة واحدة: الابتكار! وأستغرب من بعض الحكومات التي تعتقد أنها استثناء من هذه القاعدة. الابتكار في الحكومات ليس ترفا فكريا، أو تحسينا إداريا، أو شيئا دعائيا؛ الابتكار في الحكومات هو سر بقائها وتجددها، وهو سر نهضة شعوبها وتقدم دولها.

إذا لم تبتكر الحكومات في طرائق التعليم مثلا، وتعدّ جيلا جديدا لزمان غير زمانها فحتما ستشيخ تلك الحكومات وحتما ستتأخر شعوبها. في دراسة حكومية أميركية أجريت مؤخرا تبين أن 65 في المائة من الطلاب في مرحلة رياض الأطفال سيعملون في وظائف غير موجودة حاليا بل سيتم استحداثها. وفي دراسة لجامعة أكسفورد تبيّن أن 47 في المائة من الوظائف الحالية في جميع المجالات الرئيسية ستختفي بسبب التقدم التقني والتكنولوجي، حيث ستحل الأجهزة محل البشر وذلك خلال عقد من الآن فقط! والسؤال هو: كيف نجهّز أجيالنا وأبناءنا لذلك الوقت؟ وكيف نعد دولنا للمنافسة ليس الآن ولكن بعد عقد أو اثنين من اليوم؟ الإجابة تكمن في الابتكار، وأن نعلّم أجيالنا مهارات التفكير الإبداعي ومهارات التحليل والابتكار ومهارات التواصل والتفاعل، وإلا فإننا نخاطر كحكومات بأن تتأخر شعوبنا وتتأخر نهضتنا، أو بكلمة أخرى أن تشيخ دولنا.

إذا أردنا أن نكون حكومات مبتكرة فلا بد أن نفكر كشركات مبتكرة. وهنا سؤال لا بد أن نطرحه على أنفسنا أيضا: ما هو الأهم للحكومات؟ أن تستمر في الصرف بشكل مكثف على البنية التحتية من شوارع وطرقات وأنفاق وجسور وغيرها؟ أم أن تهتم بالصرف على البنية التحتية غير المرئية من تغيير في الأنظمة وتطوير في التعليم والمهارات وبناء للتطبيقات وإجراء الأبحاث والدراسات ودعم الابتكارات؟

تخبرنا الدراسات بأن أكبر 500 شركة عالمية قبل 40 عاما كانت أصولها المرئية تمثل 80 في المائة من إجمالي الأصول، لكن اليوم أصبحت الأصول غير المرئية كالأبحاث والدراسات والاختراعات تمثل أكثر من 80 في المائة من إجمالي الأصول في قائمة الشركات الـ500 الأولى عالميا. وأنا أقول: إذا أرادت الحكومات أن تبقى في دائرة المنافسة العالمية وألا تشيخ فلا بد أيضا أن تحذو حذو تلك الشركات، وأن تبدأ بإعادة التفكير في ميزانياتها وأين تصرف أموالها؛ فتقليد القطاع الخاص لا يكون فقط في الخدمات بل حتى في طرائق صرف الميزانيات وأولوياتها. وليس سرا أن حكومات أميركا وأوروبا تصرف مجتمعة سنويا أكثر من 250 مليار دولار من الأموال الحكومية على الأبحاث والتطوير لتبقى في مواقع الريادة العالمية، وليس خافيا على أحد أيضا أن سر تطور دول مثل سنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية خلال فترة قصيرة هو تأجيل الصرف على البنية التحتية وتركيزها الكبير على تطوير التعليم وبناء مهارات ومعارف شعوبها، أي البنية غير المرئية. بل إن دولة مثل بريطانيا تصرف من ميزانيتها سنويا على البنية التحتية غير المرئية كاستحداث الأنظمة والتدريب والأبحاث والتطوير أكثر مما تصرفه على البنية التحتية المرئية من شوارع وأنفاق ومبانٍ وغيرها (124 مليار جنيه مقارنة بـ93 مليار جنيه حسب أرقام 2009).

عندما تكون الحكومات مبتكرة فإن بيئة الدولة تكون كلها مبتكرة، وعندما تشجع البيئة على الإبداع والابتكار تنطلق طاقات الناس نحو آفاق جديدة، وتتفتق مواهبهم، ويصبح تحقيق أحلامهم وطموحاتهم ممكنا، وهذا أحد أسرار نجاح الدول التي تشجع شعوبها على الابتكار. وفي العالم الذي نعيش فيه اليوم والذي أصبحت فيه حركة العقول والمواهب والمعلومات مفتوحة كما لم يحدث في تاريخ البشرية من قبل، أصبحت مدن العالم المختلفة تتنافس لتوفير البيئة الأذكى والأكثر إبداعا لاستقطاب هذه المواهب والاستفادة منها لبناء قوتها وتميّزها وزيادة تنافسيتها.

الحكومات المبتكرة هي حكومات جاذبة للمواهب، فعّالة في الأداء، متجددة في الأنظمة والسياسات والخدمات. الحكومات المبتكرة هي القاطرة الأساسية لنهضة الشعوب وتقدّم الدول وارتفاع شأنها. الحكومات المبتكرة تطلق طاقات الشعوب، وترفع من قيمة عقل الإنسان، وتحقق الحكمة الربانية في أن نكون خلفاء الله في أرضه.

الابتكار هو أن تكون أو لا تكون: أنا حكومة مبتكرة، إذن أنا حكومة موجودة.

 

الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم

صحيفة الشرق الاوسط اللندنية

4-2-2015

http://aawsat.com/home/article/281386/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D9%86-%D8%B1%D8%A7%D8%B4%D8%AF-%D8%A2%D9%84-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D9%85/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%A8%D8%AA%D9%83%D8%A7%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AF%D8%AB%D8%A7%D8%B1

 

لا يُمكِن إرجاع مَوْجَة التبجيل التي حظي بها المؤرخ العربي، ابن خلدون، إلى مجرّد الانبهار بـ"النظرات العلمية أو الموضوعية" التي تناثرت في المقدمة الخلدونية، بل لا بد من وضع هذه الموجة التبجيلية، المتكئة على إشادات استشراقية، في سياق بداية عصر النهضة العربي، حيث استشعار التفاهة القومية في لحظة الانكشاف على الآخر، بل في لحظة الانبهار بهذا الآخر مقرونا بالعجز النفسي عن الاعتراف بهذا الانبهار، الذي تحوّل إلى جرح نرجسي نازف في مستقبل الأيام.

هذا الحكم بأن ثمة ما هو "غير علمي" وراء ما ينطق بلسان العلم، ينطبق على معظم الدراسات العربية التي صدرت عن ابن خلدون، حتى تلك التي تبدو وكأنها دراسات نقدية جادّة للظاهرة الخلدونية، بما في ذلك كتابات طه حسين، والحصري، وعلي عبد الواحد وافي، وعلي الوردي...إلخ، فهي، في النهاية؛ فيما وراء الاستدراكات النقدية، تُخْفي إرادة تبجيل.

لقد طُرِح ابن خلدون وكأنه لحظة إشراقة علمية فارقة. ثم كان الاندراج في هذا السياق التبجيلي؛ بالتأكيد الرتيب المتواصل عليه "بما يُشْبه التراتيل الدينية التي تتغيا رفع درجة القداسة" الذي من شأنه التغرير بقارئ ابن خلدون على سبيل الابتداء، وعلى سبيل الاكتفاء بهذا الابتداء.

فكثيرون سيظنون أن ابن خلدون مفكر علمي أو موضوعي بحق، وسيأخذون ادعاءاته الصريحة أو الضمنية في المقدمة بأنه إنما يتحدث بلسان قوانين العمران، وكأنها حقائق ثابتة بمجرد الادعاء. بل سيقفزون من ذلك إلى متابعته في تاريخه، فيظنون، لضخامة ادعاءاته الموضوعية في المقدمة، أنه طبّق قوانين العمران حتى في تاريخه الكبير، وأنه في كل ذلك كان متجردا من تحيزاته الدينية والمذهبية والعرقية والجهوية.

إلا أنه في الحقيقة على العكس من ذلك تماما، لقد كان وَفِياًّ، أشد ما يكون الوفاء سذاجة وبلادة، لتحيّزه الديني والمذهبي والعرقي والجهوي، بل وللأطماع الشخصية المبتذلة التي كان سجينا لها إلى درجة الافتضاح.

مؤكد أن ابن خلدون كغيره من المؤرخين في مسألة الوقوع في فخ التحيّز، مع ادعاء الموضوعية في آن. معظم المؤرخين لا يعترفون بتحيّزهم، وربما لا يعونه أصلا. لهذا يعمد كل مُؤرِّخ إلى الزعم بأنه قد تجرّد للحق، وللحق وحده، وأن دوافعه علمية خالصة، وأن كل هدف آخر، إن وُجِد افتراضا !، فهو ثانوي، ولن يؤثر في الموضوعية العامة بحال، وأنه سيكتفي بنقل الواقع كما هو، وأن تفسيراته وتعليلاته للوقائع التفصيلية هي مجرد كشف لما هو أكثر واقعية فيها، هي إضاءة لحقائقها، وبالتالي، لن يكون هذا التفسير وذاك التعليل تَعْميةً لحقائق تلك الوقائع أو توجِيهاً لمضامينها بما يخدم الدوافع الذاتية لكاتب التاريخ.

هذا هو حال الأغلبية الساحقة من المؤرخين. ولكن يبقى أن ابن خلدون قد زاد عليهم في بُعْد المسافة بين الادعاء والواقع، إذ هو قد كتب مقدمةً لتاريخه أصبحت أهم من تاريخه بكثير.

وهذه المقدمة في منطقها العام تقول بضرورة الموضوعية العلمية، وأن ثمة معيارا علميا موضوعيا يمكن أن يُطَبَّق على وقائع التاريخ، حتى تلك الوقائع التي مضى عليها أكثر من ألف عام، وأن هذا "المعيار العمراني" هو أصدق من تواتر الأخبار، وأدقُّ من فحص أسانيد الرواة، وأوثق من شهادات كتبة التاريخ المعاصرين الذين كتبوا ما شاهدوه بأعينهم وما سمعوه بآذانهم. وهذه دعوى مُغرية بلا شك، خاصة عندما تأتي في الحقل التاريخي المتعطش إلى الموضوعية العلمية المصادرة بقوة اختلاف كبار المؤرخين.

 إن ابن خلدون يتناقض مع نفسه حتى داخل مقدمته، فضلا عن كونه يتناقض في تاريخه مع قوانينه في مقدمته. وبالتأكيد، أنا هنا لا أنكر تلك اللمحات الذكية في المقدمة، ولا أبخسه محاولتَه التأسيس لعلم جديد، بصرف النظر عن كونها محاولة قيّمة أو متواضعة.

ولكني أنكر منح تلك اللمحات أكثر من حجمها في سياقها، وأنكر، بصورة أكبر وأوضح، اتساق ابن خلدون مع دعاويه العريضة بالوفاء للمنطق العلمي. فهو، في الواقع، كان وفيا أشد الوفاء لدوافعه الذاتية، ولتحيزاته الدينية والمذهبية والعرقية والجهوية، قبل أي شيء آخر؛ علميا كان أو غير علمي.

مثلا، عندما تحدّث عن "منطق العمران" في بناء الدول، ذكر أن الجيل الأول يكون خشنا متقشفا، ثم الجيل الثاني أقل، ثم الجيل الثالث ينغمس في الترف والنعيم واللهو...إلخ.

لكن، عندما عرض للأخبار التي  تناولت ترفَ هارون الرشيد ولهوه ومجونه...إلخ، انتفض مدافعا عن الرشيد، واصفا أخبار ترفه ولهوه ومجونه، على كثرتها وتواترها، بأنها من "أغاليط المؤرخين"؛ ناسيا، أو متناسيا، ما قاله في قوانين العمران عن أبناء الجيل الثالث، والرشيد من أبناء الجيل الثالث "أبوه: المهدي، وجده: المنصور"، فكأن القوانين الموضوعية (أي قوانين العمران) تنطبق على كل أحد؛ إلا على هارون الرشيد!.

بل أنه يُعَقِّبُ على تلك الأخبار بلغة دينية وَعْظِية بقوله: "فحاش لله ما علمنا عليه من سوء وأين هذا من حال الرشيد بما يجب لمنصب الخلافة من الدين والعدالة، وما كان عليه من صحابة العلماء والأولياء"، فهذا تناقض صارخ لاحظه كثير من الباحثين؛ وفقا لعالم الاجتماع العراقي، علي الوردي.

 أيضا، عندما حاول الدفاع عن معاوية في تولية ابنه يزيد الخلافة، وبعد أن ساق ما يراه "مُبَرِّرات موضوعية" دفعت معاوية لهذه الخطوة الكارثية التي كانت محل إنكار الناس في عصره وبعد عصره، شعر  ابن خلدون أنها مُبرّرات غير مقنعة، بل وأنها مُتَكلّفة إلى حد بعيد.

ولهذا، بادر، وبلغة دينية مذهبية تقليدية لا علاقة لها بالعلم، إلى أن "هذا هو الظن بمعاوية!"، وهنا سرد قناعات دينية مذهبية خاصة؛ لا علاقة لها بالمبررات العلمية المرتبطة بضرورات العصبية التي كان يُكْثِر من  التأكيد عليها.

إننا في هذا المثال، نلاحظ أن ابن خلدون عنده "قاعدة دينية عقدية مذهبية" تسبق فحص الحدث التاريخي أصلا، وهي أن معاوية يستحيل أن يُقْدِم على هذه الخطوة الخاطئة لمصلحة خاصة، لميل عاطفي خاص، بل إنما أقدم عليها لمصلحة عامة (لاحظ هنا إضفاء العصمة أو عدالة الصحابة على معاوية، دون أن يفهم لازم "العدالة" هنا، حتى عند القائلين به).

إنه يضع هذه القاعدة الدينية المذهبية الخاصة به، ثم ينطلق منها لتبرير الحدث التاريخي وَلَيّ أعناق الوقائع الصريحة. وعندما يشعر أنه يبدو مُتَهافتا في هذا الدفاع من الناحية الموضوعية؛ يلجأ مباشرة إلى التصريح بالقاعدة المذهبية التي وَجَّهت رؤيته لتفسير الأحداث؛ متوهما أنه إنما يكتب حصرا لأبناء دينه أو مذهبه الخاص، على الرغم من ادعائه تحكيم العقل الكوني في معاينته لأحداث التاريخ.

هنا، من خلال مثالين فقط، يقطع ابن خلدون علاقته بالعلم تماما، إنه يبدو كأشد المؤرخين سذاجة و تقليدية، إلى درجة أنه يعجن الديني الذاتي الخاص بالموضوعي العام دون الشعور بأدنى حرج، بل ودون أن يشعر بأن أي قارئ بسيط سيكتشف تزييفه الساذج المدفوع بتحيّز مذهبي خاص.

لقد أضفى ابن خلدون على معاوية عصمة جعلته ينفي عنه إرادة الخطأ، ويُثبت له، بالقطع، سلامة المَقْصَد، مع أن المُحَدِّثين المتحمسين لما يسمونه "عدالة الصحابة" أو العصمة الجزئية، لم ينفوا قط أن الصحابي قد يرتكب المعاصي، بل حتى كبائر المعاصي، وبقصد أيضا، وإنما نفوا عن الصحابي، بهذه العدالة !، أن يتعمّد الكذبَ في الرواية الحديثية، حتى يضمنوا اتصال السند في المرويات.

وسذاجة بن خلدون هنا، أي في اضطراب رؤيته لما هي "عدالة الصحابة" عند المحدثين حتى وجدناه سحب العدالة على ضرورة صلاح النوايا، لا تقل عن سذاجته عندما تحدّث عن "ما يجب لمنصب الخلافة من الدين والعدالة"، وكأن تولي الخلافة ضامن للدين والعدالة؛ مع أنه يعلم حال الوليد بن يزيد، وحال أبيه، يزيد بن عبدالملك، وحال يزيد بن معاوية، ونذكر هؤلاء تحديدا؛ لأن الحديث هنا عن المجون والخلاعة، لا عن الظلم والطغيان، وهؤلاء كانوا "خلفاء"، وقد سبقوا هارون الرشيد بثمانين عاما وأكثر، فلماذا لم ينفِ عنهم الأخبار المتكاثرة المتواترة التي تحكي من أخبار الفسق والمجون ما يفوق بكثير المنسوب إلى الرشيد؟

إذا، ابن خلدون ليس مفكرا أصيلا، ليس مبدعا بحال. ليس هذا فقط بسبب ما تقوله البحوث الحديثة عن السرقات الخلدونية من إخوان الصفا ومن الغزالي...إلخ، بل بسبب أنه كان محكوما بحماس ديني مذهبي تقليدي خاص يَتعذّر معه أي مستوى من الموضوعية العلمية، ويستحيل التوفّر معه على أي حالة إبداع.

إن ابن خلدون، قبل كل شيء وبعد كل شيء، مُتَديّن، سلفي تقليدي، مَالكي، أشعري، لم يخرج عن شرعية منطق هذا التديّن في كل ما كتبه؛ لا في قليل ولا في كثير. وهذا يعني، وباختصار، أنه في أحسن أحواله موضوعي في حدود أو شروط هذا التدين الذاتي الخاص.

***              

محمد المحمود - كاتب سعودي

عن صفحة الحرة

17 أكتوبر 2022

قائل هذا السؤال هو المفكر المرموق لويس عوض. قاله إثر اختلافنا حول موقف رفاعه الطهطاوى من التنوير، إذ كان رأيه متسقاً مع الرأى الشائع أن رفاعه من الرواد الأوائل للتنوير، أما أنا فكان رأيى على الضد من ذلك الرأى الشائع، إذ بالرغم من ترجمته لاثنى عشر كتاباً من كتب التنوير الأوروبى إلا أنه حذر القارئ من قراءتها. يقول: إن لهم (أى الفرنساوية) حشوات ضلالية مخالفة لسائر الكتب المقدسة، ويقيمون على ذلك أدلة يعسر على الانسان ردها. وسيأتى لنا كثير من بدعهم وننبه عليها فى مجالها إن شاء الله. ولنقل هنا إن كتب الفلسفة بأسرها محشوة بكثير من هذه البدع. فحينئذ يجب على مَنْ أراد الخوض فى اللغة الفرنساوية المشتملة على شيء من الفلسفة أن يتمكن من الكتاب والسٌنة وإلا ضاع دينه. والسؤال بعد ذلك: ماذا يعنى هذا النص؟ يعنى تحريم الفلسفة بوجه عام وتحريم الفلسفة الفرنسية التنويرية بوجه خاص. أليس هذا هو ما يتسق وفكر الاخوان ؟ وأليس هذا هو ما يتسق مع الشعار الشائع فى العالم الاسلامى من تمنطق تزندق.

والمفارقة هنا أن وزارة الثقافة أعلنت فى عام 1992 أنها تحتفل بمرور مائة عام على مولد التنوير فى مصر برعاية مهرجان القراءة للجميع وباشراف الدكتور سمير سرحان الذى قال إن عصر التنوير المصرى قد نقل العالم العربى كله من عصور الظلام المملوكية والاستعمارية إلى شعوب تعيش عصر العلم والتقدم. فهل كان ذلك كذلك أم أنه لم يكن كذلك، وإذا لم يكن كذلك فماذا كان هذا الذى حدث وقتذاك؟ للجواب عن هذا السؤال أنتقى ثلاثة كتب: فلسفة ابن رشد لفرح أنطون وأحمد أمين من زعماء الإصلاح وضحى الإسلام بتعليق من شوقى ضيف. فماذا حدث للكتاب الأول؟ حدث تغيير لعنوانه الأصلى من ابن رشد وفلسفته إلى فلسفة ابن رشد. ومغزى التغيير حذف مقدمة فرح أنطون التى يدعو فيها إلى فصل الدين عن الدولة مستنداً فى ذلك إلى فلسفة ابن رشد. وحذف الباب الأول الذى يتحدث فيه ابن رشد عن أهم حوادث حياته، وحذف الحوار الذى دار بين فرح أنطون والشيخ محمد عبده حول ما جاء من آراء كل منهما. وبذلك يكون ما حُذف 200 صفحة.

هذا عن الكتاب الأول فماذا عن الكتاب الثانى؟ يتحدث فيه أحمد أمين الذى قيل عنه على غلاف الكتاب إنه من زعماء الإصلاح. فمن هم زعماء الإصلاح فى رأيه؟ العنوان فى الصفحة الأولى من الكتاب هكذا: محمد بن عبد الوهاب زعيم الفرقة السلفية. وهكذا يكون أحمد أمين مدعماً للسلفية وداعياً إليها وذلك كله فى سياق الاحتفال بالتنوير. وفى هذا السياق صدر الكتاب الثالث وفيه يتحدث شوقى ضيف عن أحمد آمين فماذا قال؟ قال ما يفيد أن أحمد أمين كان متحكماً فى الفضاء الثقافى برمته سواء كان أستاذاً فى جامعة القاهرة أو مسئولاً عن مجالات ثقافية. فهو رئيس لجنة التأليف والترجمة والنشر منذ تأسيسها فى عام 1914 حتى وفاته فى عام 1954 وعُين عميداً لكلية الآداب فى عام 1939. وفى أثناء عمادته اختير عضواً فى المجلس الأعلى لدار الكتب وعُين عضواً فى المجمع اللغوى. وفى ذلك العام ذاته صدرت مجلة الثقافة وكان هو مديرها. وفى عام 1945 انتدب وهو أستاذ بكلية الآداب مديراً للإدارة الثقافية بوزارة التربية والتعليم. وكان هو الذى أنشأ الجامعة الشعبية واختير عضواً بالمجلس الأعلى للمعلمين. وفى عام 1946 عين مديراً للإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية.

والسؤال اللازم بعد ذلك: من أين جاءته هذه السلطة الثقافية التى جعلته متحكماً فى الفضاء الثقافى المصرى برمته؟ والجواب اللازم من ذلك السؤال يلزمنا بالبحث عنه فى قوة خفية تدفعه فى هدوء وبلا مقاومة لنشر أفكارها؟ وهذه القوة الخفية لن تكون إلا الاخوان الذين تكمن رسالتهم فى الدعوة إلى فكر السلفية. وإليك ثلاثة أدلة: الدليل الأول من حسن البنا عندما دعاه إلى الانضمام إلى الجماعة فى خطاب مفتوح بجريدته وذلك ما ورد فى كتاب حسين أحمد أمين وعنوانه: فى بيت أحمد أمين. والدليل الثانى من زميل له فى قسم اللغة العربية بكلية الآداب وهو الدكتور شكرى عياد الذى قال عنه إن مواقفه متعصبة وكان يقرنها برجعية الفكر وانغلاقه. إذ كان أحد الذين تسببوا فى محنة أحمد محمد خلف الله عندما كتب أطروحته الإشكالية الفن القصصى فى القرآن الكريم, ورفض قبولها للمناقشة لخروجها على المأثور من القواعد المألوفة فى معالجة النصوص القرآنية. وقد تم إلغاء أطروحة خلف الله. والدليل الثالث أنه كان رئيساً لمجمع اللغة العربية وعرضت عليه مذكرة فى جلسته بتاريخ 14/12/1992، أو بالأدق فى إحدى جلسات بداية الاحتفال بالتنوير. ومفاد هذه المذكرة اقتراح بترشيحى خبيراً فى لجنة الفلسفة والاجتماع. والمفاجأة هنا أن رئيس المجمع طلب حذف ذكر اسم الخبير الأستاذ الدكتور مراد وهبه وبدون ابداء الأسباب. وكانت استجابة رئيس اللجنة على النحو الآتى: إن المرشح لديه معجم فلسفى الذى يتميز بدقة ايراد للمصطلح الفرنسى والانجليزى لاصطلحات فلاسفة العرب المسلمين على النحو الذى فهمها به المستشرقون وغير المسلمين وهو ما يهم اللجنة التركيز عليه، وبذلك انتصر رئيس اللجنة على رئيس المجمع وتم تعيينى خبيراً بالمجمع.

ويبقى بعد ذلك سؤال: هل يتكرر السؤال الوارد فى عنوان هذا المقال؟ الجواب متروك لقارئ هذا المقال.

***

د. مراد وهبة

..................

* عن صحيفة الأهرام المصرية: الثلاثاء 14 من ربيع الثاني 1444 هــ 8 نوفمبر 2022 السنة 147 العدد 49645

 

 فيما ترى التيارات الإسلامية السلفية والسياسية، وأهمها الإخوان المسلمون، أن ما تعانى منه مجتمعاتنا من انحطاط تام على كل المستويات هو شأن هين وسهل، وأن الحل عندهم وجاهز بأيديهم،

في الأمس رحل أبرز مفكر إسلامي حر وشجاع عرفته شخصياً، وهو محمد أركون. ويبدو أن عام 2010 هو عام الرحيل الجسدي عن هذا العالم، للمفكرين الإسلاميين الأحرار، الذين حطموا كثيراً من الطواطم السلفية والأصولية الدينية،

مبدأ الاعتقاد: "إن الذي لا يعرف كيف يملي إرادته على الأشياء يضع فيها على الأقل معنى: أي يعتقد أن ثمة إرادة فيها". بهذه الحكمة المختصرة، يشرح نيتشه بإسهاب فهمه للآلية النفسية لفعل "الاعتقاد". فالشخص الذي لا يستطيع استخدام الأشياء وفق ارادته الخاصة، أي لا يستطيع أن يضع فيها معنى لصالحه، يعتقد أن في هذه الأشياء معنى لا يفهمه، كإرادة الله أو ما شابه. وعلى هذا الأساس يفسر الإنسان كل شيء وفق هذا المفهوم للعالم، بمعنى أنه يجب أن يكون في كل شيء غاية أو قوة تحركه، وذلك كي يفهم أن لبعض الأفعال إرادة ما تسببها، كما يملي هو إرادته على أشياء بعينها.

لكن: ما فائدة الاعتقاد عمليا؟ يقول نيتشه بسخرية بليغة: "تحمي الاعتقادات حتى من الزكام. هل أصيبت امرأة تعرف أنها ترتدي ثيابا جميلة بالزكام يوما؟ افترض أنها تكاد لاترتدي ثيابا". بمعنى أن ملابسها عارية للغاية. إن الإنسان بحاجة "نفسيا" إلى الاعتقاد لحاجته إلى الحماية: فالاعتقاد يحمي. وخوف المرء على اعتقاداته ليس ذا منشأ موضوعي، بل ذاتي. فالاعتقاد هو الأساس الذي تقوم عليه "ذاتية" أمان الفرد، وحين يهز واحدنا هذا الاعتقاد عن طريق كشف مدى زيفه مثلا، فهو لا يهز الاعتقاد وحده، بل يهز ذاتية الأمان المرتكزة عليه. وحين يستخدم نيتشه، عدو المرأة الشهير، النساء كأنموذج للتدليل على أصحاب الاعتقادات السهلة، فذلك لمعرفته مدى عاطفية المرأة في تبني قناعة وربما: تبديلها. لذلك، يقول: "إني أشك بالنظم وأتحاشاها. فالرغبة بنظام نقص في الكمال".

ثمة مسألة هامة جدا في النقد النيتشوي لعلم نفس الاعتقاد: الفرق الشاسع بين ماهو حقيقي وما "يعتقد" بأنه حقيقي. وهو يرى أنه، في أديان الشرق، تحتل مسألة "ما يعتقد" أنه حقيقي اهمية عظمى. في حين تصادفنا اللامبالاة المطلقة في شأن الأمر الحقيقي. لكن الحقيقة من جهة، و"الاعتقاد" أن شيئا حقيقي من جهة أخرى، عالمان مختلفا الأهمية بالكامل، بل شبه متضادين، ويصل إليهما المرء بطرق مختلفة أساسا. ولتفسير الكلام السابق، يضرب نيتشه المثال التالي:

"إذا كانت ثمة سعادة في "الاعتقاد" بأن الذات مفدية من الإثم، فليس من الضروري أن يكون الإنسان آثما أولا، بل مايهم هو أن "يعتقد" أن ذاته آثمة: "الاعتقاد" هو الضروري، وهكذا تتم الإساءة إلى سمعة العقل والمعرفة، وتصبح الطريق إلى الحقيقة محرمة. هنا يلعب الأمل دورا بارزا كمحرض على الحياة اقوى من أي مثال آخر عن السعادة التي تحدث فعليا. ويعزز المعانون، على نحو خاص، بأمل لايمكن دحضه بأية حقيقة واقعية - الأمل بالماوراء".

مقولة أخرى يشير إليها نيتشه في نقده "لعلم نفس الاعتقاد" هي "البرهان بالإمكانية" - فماذا يعني ذلك؟

يضرب نيتشه مثالا شهيرا يتعلق بتأكيد رجال الدين بأن "الاعتقاد يبارك" هو حقيقة لا ريب فيها. لكن هذه المباركة ليست مبرهنة بل موعودة ليس إلا. والمباركة هنا مشروطة بالاعتقاد: سوف يصبح المرء مباركا لأنه يعتقد. لكن ما يعد به رجل الدين المعتقدين يتعذر الوصول إليه على اي جهاز ضبط موجود فعلا، فكيف يبرهن على ذلك إذن؟ إنه "البرهان بالإمكان": أي: مجرد "اعتقاد" آخر يقول إن النتيجة التي يعد بها المرء ذاته من "الاعتقاد"، لن تخفق في الظهور. وإذا ما وضعنا الكلام السابق في صيغة مختصرة، نقول: أعتقد أن الاعتقاد يبارك - فهو "بالتالي" حقيقة. لكن هذه الـ"بالتالي" ستكون السخافة بعينها كمعيار للحقيقة.

وإذا ما افترضنا أن حقيقة أن الاعتقاد يبارك تعتبر مبرهنة: هل هذا يعني أن المباركة - بتقنية أدق: السرور - ستعتبر برهانا على الحقيقة يوما؟ إطلاقا: لأن اقوى مشاعر الارتياب بالحقيقة تتملكنا عندما تدخل أحاسيس السرور في الإجابة عن سؤال: ماهي الحقيقة؟.

الحقيقة: إن البرهان بالسرور هو برهان عن السرور ليس إلا. ومتى أثبت أن الأحكام الحقيقية "تسر" أكثر من الأحكام المزيفة؟ إن خدمة الحقيقة هي الخدمة الأقسى - يجب أن نحارب لأجلها. وماذا يعني أن يكون المرء نزيها في الأمور الفكرية؟ إنه يعني أن يكون قاسيا على قلبه، محتقرا للمشاعر الناعمة، أن يجعل كل "نعم" و"لا" مسألة ضمير.

الاعتقاد يصنع بركة: إنه "بالتالي" يكذب.

لكن: كيف يمكن أن نفهم مقولة "الاعتقاد يصنع بركة"؟ يقول نيتشه: إن زيادة سريعة لمشفى المجانين تقدم شرحا مسهبا لمثل هذه الأمور.

فالعالم الداخلي الإنسان المتدين، يشبه للغاية العالم الداخلي للمنهكين والمفرطي الإثارة، لكنه يرفض أن يقوم بزيارة كهذه رجل دين، لأنه ينكر، بالغريزة، أن المرض مرض.

لايقف المرء عند حدود رجال الدين، بل يتعداه إلى الفلاسفة. فهؤلاء، برأيه، عدا الشكوكيين منهم، يعتبرون المشاعر براهين، والاعتقاد معيارا للحقيقة. وقد حاول كانط إعطاء هذا الشكل للتفسخ، هذا العوز للضمير العقلاني، طابعا علميا عبر مفهوم "العقل العملي"، لكنه بذلك صمم عقلا مخصصا لحالة يفترض فيها أنه على الإنسان أن لا يقلق على العقل: أي حين تجعل الأخلاقية، الطلب الفائق"أنت سوف" ذاتها مسموعة.

إن ذوقا جماليا، برأي نيتشه، هو الذي اعمى الجنس البشري لفترة طويلة فعلا، وهكذا فقد رغب باثر منظراتي عن الحقيقة، ورغب بشكل خاص ان يقدم رجل المعرفة انطباعا قويا على الحواس.

"الاعتقاد يبارك" يعني، برأي نيتشه، أن صاحب "اعتقاد" كهذا، مرض. ويختار الكنيسة (والمسيحية) كمثال على الدين الذي يسعى إلى إمراض الناس "باعتقاداته" بغية السيطرة عليهم: فالإمراض هو الهدف الخفي لإجراء الفداء في الكنيسة. وكل عرف الكفارة والفداء المسيحي هو جنون دائري مغو بطريقة منهجية. والإنسان المعتقد، المتدين، كما ترغب به الكنيسة هو المتفسخ الأنموذجي. فالحالات العليا التي ألصقتها المسيحية على الجنس البشري، بوصفها الأكثر قيمة هي أشكال صرع - فقد قدست الكنيسة المجانين والدجالين العظماء لأجل الله الأعظم. والمرء بالتالي ليهتدي إلى المسيحية - يجب أن يكون مريضا كفاية كي يفعل ذلك.

يقول نيتشه إن ثمة خطأ شائعا بين رجال الدين، يكمن في اعتقادهم أن من لديه اعتقاد "أو إيمان" صحيح، فإنه سينتج عن ذلك أفعال صحيحة. لكن الحقيقة أن الاعتقاد لا يحرك سوى التفكير أو المخيلة، مثلا: إذا اراد أحدهم لعب كرة المضرب، فإنه لا يكفي إطلاقا "اعتقاده" أنه لاعب جيد، بل يجب أن يمارس هذه اللعبة كثيرا حتى يعتاد على الحركات الخاصة بها. فالاعتقاد الصحيح بأي شيء يأتي عن الأقل بعد إتقان تنفيده بشكل مقبول. وهذا الخطأ - الاعتقاد أن الاعتقاد "أو أخاه الإيمان" يجب أن يكون قبل الأفعال - هو سبب وجود مؤمنين كثيرين لا يستطيعون العمل حسب إيمانهم، أي ليست لديهم الخبرة الكافية او التدريب اللازم لفعل الخير حسب "اعتقادهم" الديني.

وهكذا، فنيتشه يفضل الاعتقاد بالخرافات على الاعتقاد الديني. فالاعتقاد بالخرافة مرتبط بالذات الفردية، بمعنى أنه نتيجة لتفكير فرداني، وحتى لو كانت النتيجة خاطئة، فإنها على الأقل نتيجة تفكير يمارسه الفرد بذاته، ودون اعتماد على الرأي العام. لذلك فاعتقاد كهذا إشارة إلى تزايد الاهتمام بالتفكير الذاتي. يقول نيتشه: "المعتقدات بالخرافات، قياسا إلى المتدين، هو دائما أكثر "شخصانية" وهكذا ايضا يكون المجتمع الخرافي، اي يوجد فيه الكثير من الفردانيين ومن اللذة في الفردانية. من وجهة نظر كهذه، تظهر الخرافة أكثر تقدما من الإيمان، وبإشارة إلى ذلك، يصبح العقل أكثر استقلالية ويريد حقه".

لايتوقف رفض نيتشه عند حدود الأنظمة الدينية واعتقاداتها، بل يتعدى ذلك إلى سائر الأنظمة الفلسفية. لأنه "في كل فلسفة هنالك مرحلة تخطو فيها "قناعة" الفيلسوف داخل المشهد"، "تظهر لرجل العلم في رحلاته المتواضعة والمرهقة، والتي غالبا ماتكون رحلات عبر الصحراء، تلك السريات المتلألئة التي تدعي "الأنظمة الفلسفية": مع قوة خادعة آسرة تظهر أن كل المعضلات وأعذب جرعة من ماء الحياة الحقيقي قريبان من متناول اليد، فيفرح قلبه، ويبدو للرحالة المرهق أن شفتيه ستمسان لتو هدف كل مثابرة الحياة العميلة وأحزانها، فيضغطهما بالتالي إلى الأمام طوعيا. من دون ريب، ثمة طبائع أخرى، والتي تقف، كما لو أنها مربكة بالوهم الجميل: تبتلعها الصحراء وهي ميتة بالنسبة للعلم. طبائع أخرى ايضا، والتي اختيرت من قبل هذا العزاء الذاتي، تزداد شكاستها وتلعن الطعم المالح الذي تخلفه هذه الأشباح ورائها في الفم والذي يؤدي إلى عطش عنيف - جون أن يقترب المرء خطوة واحدة من أي نوع الينابيع".

***

د. نبيل فياض

نعرض في هذه الورقة جولة في فكر الدكتور محمد أركون، صاحب أحد المشاريع الفكرية والمعرفية، الذي استهدف أساسا فتح آفاق واسعة للفكر العربي الإسلامي عبر تطبيقاها لمنجزات ومناهج العلوم الإنسانية الحديثة على دراسة الإسلام.

تأملوا معي هذا المشهد الرائع من سورة النساء الممتد من الآية 105 إلى الآية 113، يقول الله في إحدى آياته:"ومن يكسب خطيئةً أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً"..

سبق وكتبت مقالات عديدة عن العلمانية، وربما ستشتمل هذه المقالة على بعض الإعادات، ولو من حيث المضامين، ولكني سأبحث هنا بشكل خاص العلاقة بين العلمانية والدين، وإن كنت بكل

sayd_alqamaniمعاوية بن أي سفيان وولده يزيد لم يمنعهما اسلامهما من قتال آل بيت الرسول وجز رأس الحسين

الحجاج بن يوسف الثقفي اعدم من العراقيين مئة وعشرين ألفا واستباح نساء المسلمين

هل هي ثنائية حتمية إما كفار وإما مسلمون..وهل كل من ليس معنا فهو علينا بالضرورة.. هذه النظرة الحدية في التعامل مع الآخر بحاجة إلى مراجعة وتدقيق خاصةً في عصر تبرز فيه قيم التعايش والتسامح والتنوع الثقافي،

ما من بلد يطارده ماضيه كالعراق، وما من حضارة يهيمن فيها الماضي على الحاضر، كالحضارة العربية- الاسلامية. وحين يجتمع الاثنان، ماضي البلد وماضي الحضارة، ينزل الكل الى الهاوية،

يعتبر مقتل الامام الحسين في كربلاء في اليوم العاشر من شهر محرم عام 61 هجرية، المصادف العاشر من شهرتشرين الاول عام 680 ميلادية أول تراجيديا في الاسلام، التي بقيت في الذاكرة

تجمع المعاجم العربية على أن البطولة هي الشجاعة الفائقة التي لا يتصف بها إلا قليل من البشر، ويقدم ابن منظور في "لسان العرب" أسباب هذه التسمية بقوله "سُمي بطلاً لأن الأشداء يبطلون عنه"،

هل قدر المثقف العربي أن يُوضع طوال الوقت في قفص الاتهام، ويُحاكم كمجرم مُحترف، مع المطالبة بوجوب تطبيق أقسى أنواع العقوبة عليه؟! هل محكوم على المفكر العربي أن يُرشق دون رحمة أو شفقة،

ليس من المبالغة القول إن الصورة التي يرسمها الأصوليّون الإسلاميّون للإسلام لا تفعل غير إخراجه من التاريخ. هكذا يقدّم الإسلام من دون مقدّمات، ومن دون تفاعل مع سواه، ومن ثمّ ذا

استشاط كثير من النساء في العالم الثالث غضبا ضد فكرة الحديث بالنيابة عنهن، ذلك الحديث الذي تبنته النسويات البيضاوات المنتميات إلي الثقافة الغربية، وتساءلن: كيف نتفادي استقطاب الجدل الدائر حول الاختلاف،

ماذا أصاب إيران؟ ما السبب الرئيس وراء الأزمة الإيرانية الراهنة؟ يبدو أن إيران باتت منقسمة في الوقت الحاضر بين معسكرين: (1) الحكومة (2) الأمة. والواضح أن أي حكومة لديها القدرة

احتفل الالمان في هذا الصيف بعيد ميلاد الفيلسوف وعالم الاجتماع يورغن هابرماس، الذي يعد واحداً من ألمع رواد مدرسة فرانكفورت في علم الاجتماع النقدي في المانيا، وآخر من بقي منهم على قيد الحياة.

ما معنى أن يكون المثقف مستقلا؟ ومستقلا عن ماذا؟ ثم ما علاقة ذلك بقوة الدولة أو ضعفها؟ المثقف، بالمعنى السوسيولوجي للمفهوم، ليس فقط من يتعاطى الأعمال الأدبية والفنية،

الكثيرون يرغبون في الدفاع عن بابا روما بعد كل الهجمات التي تعرض لها مؤخرا من قبل "الاخوان اليهود". ويود المرء ان يقول لهؤلاء منذ البداية: كفاكم تطرفا وابتزازا للشخصيات الالمانية بخصوص المحرقة.  

أظهرت الأحداث الإيرانية الأخيرة حيوية "المثقف" الإيراني الذي قاد حركة الاحتجاج ضد قبضة المؤسسة الدينية المحافظة. ويتعلق الأمر بنموذج ليس بالجديد في الساحة الإيرانية، لكنه برز بقوة

"السنة والجماعة" مفهومان مركزيان في عقيدة الأكثرية الإسلامية، وقد تكوَّنا خلال تجربتها التاريخية في القرنين الهجريين الأولين. وتعني"السنة" في مبانيها الأُولى الالتزام بسلوك النبي

ثم انتشرت الحركات الصوفية في العالم العربي والاسلامي. وظهر عندئذ العديد من الشيوخ المتصوفين الكبار الذين عرفوا كيف يستخدمون هيبتهم الحقيقية علي السكان الأميين من أجل

في تلاحق الدوائر الحضارية نشبت صراعات وسالت دماء وسُطّر تاريخ من التناحر البشري، غلب على المسارات الإيجابية التي نجمت عن هذا التلاحق، وذلك التلاقح، الذي لا ينتهي بين الحضارات الإنسانية،

«الثورة»، من العناوين الحديثة في مساعي الإنسان ومطالبه الوجودية. ومعظم أبناء جيلنا بدوا في طور شبابهم ثوريين حالمين. وكانت الحصيلة، على ما كابدنا وعانينا، تحطيم الشعارات بأيدي حامليها، أو ارتداد الأفكار ضد مطلقيها. 

يفتخر الغرب ويتبجح بأنه لم يعد أصولياً متعصباً من الناحية الدينية، وهذا صحيح عموماً إلي حد كبير، ونحن نعترف له ولحضارته بتحقيق هذا التقدم من جملة أشياء أخري عديدة، ولكنه ينسي أو

إن المحنة الناتجة عن المعتزلة تضعنا على طريق هذا البحث العلمي المزدوج المشار إليه سابقا. أقصد البحث الهادف إلى تقديم صورة تاريخية واقعية حقيقية عن التراث الإسلامي فيما وراء الصورة التبجيلية التقديسية الأسطورية.  

تنامى منذ النصف الثاني من القرن العشرين بين المؤرخين العرب والمسلمين اتجاه جديد لتفسير التاريخ عرف في ما بعد بـ «أسلمة علم التاريخ». ومع ذلك، ليس في الإمكان أن نجمع هؤلاء

من أكثر المباحث جدليةً في الفكر الإسلامي المعاصر بحث الحرية، وأوجه وجودها، وأشكال تجسدها، وتنوع ظهورها، في الفكر الإسلامي التراثي والمعاصر. فبعض التوجهات الفلسفية قديماً وحديثاً،

نواصل كلامنا السابق ونقول ما يلي: ينبغي العلم بأن المزاودة المحاكاتية تهدف الي تحريك المخيال الاجتماعي الجماهيري للسكان من أجل دفعهم الي التمرد والثورة.

الصفحة 6 من 7

في المثقف اليوم