نصوص أدبية

نصوص أدبية

عاش خياّم اللهواني ردحا مديدا من حياته، واكاد اقول حتى.. مماته، مع انه حي يرزق، عاش حياته معزولا وحيدا، وكان ما ان يخرج من وحدته حتى يعود اليها مضطرا مُكرها، وقد قضى جُلّ حياته بعيدا عن الناس وقريبا منهم في الان، فهو ما ان يقترب منهم حتى يأتي مُنغّص، لا يدري من اين، ليعكر عليه اجواء خروجه من امواه وحدته الفاتكة القاتلة، وقد علّمت التجارب اللهواني على العديد من الطرائق للخروج من وحدته، منها.. ما ان كان يُعرّفه احدُهم على صديق له، حتى يأخذ في التقرب اليه، متجاوزا من عرّفه عليه، ومحاولا بناء علاقة خاصة به، الامر الذي كان يُغضب الطرفين، صديقه وصديق صديقه.. فينفضان عنه، بل انه بالغ ذات يوم في غيه، فما ان عرّفه صديق صحفي على زميل.. عامل له في الصحيفة، حتى نزل عليه بأشواك كلامه الحادة.. اعتقادا منه ان ما يقوم به انما يُقرّبه منه!! وكان ان رد عليه هذا الصديق بعنف وطرده من مكتبه شر طردة.. واصفا اياه بالأفعى الناكرة للجميل، وقائلا له: انك لم تحفظ الود لمن عرّفك عليّ.. فكيف تطلب مني ان اتصادق معك.. واضعك في عبي.

بقي اللهواني يتعرف على آخرين من خلال اناس اخرين، بينهم اقارب له، حتى بلغ الثلاثين من عمره، فعاف حياته ليغادرها الى الغرب، وليستقر به المقام في مدينة دبلن الايرلندية، منضما ولاحقا باخ له، استقر به المقام فيها، وارتبط بامرأة ايرلندي. اصطحبه اخوه فور نزوله من الطائرة الى بيته ليعرف زوجته به، وما ان انقضى يومان حتى سألت صاحبة البيت زوجها الى متى سيبقى اخوك عندنا؟، فهم اخوه.. ان زوجته ضاقت ذرعا بأخيه، فاقترح عليه ان ينزل عند صديق له يعيش وحيدا في شقة بعيدة عن مركز المدينة، ريثما يعثر على فرصة متاحة للبقاء في تلك البلاد.

تقبل خيام الاقتراح، وانتقل للإقامة مع صديق اخيه، ولم يمض اكثر من يوم ونصف اليوم حتى جاءت النتيجة القاسية، قال له صاحب الشقة بصريح العبارة انه لا يمكنه استضافته للابد، عندها خرج اللهواني، كما خرج في اكثر من لحظة من لحظات حياته، هائمًا على وجهه، وجلس في محطة القطار عاضًا على شفاف الندم، لكن كما ارسل له الله من يُخلّصه في اللحظة الاخيرة من كل وقعة جديدة، لم يخذله هذه المرة، فقد عَلِمَ اخوه بما صارت اليه اموره، فبحث عنه طوال ساعات، حتى عثر عليه منكمشا في محطة القطار، وفي عينه دمعة.

تقدم منه اخوه وفي عينيه رأفه واعتذار وربت على كتفه قائلا له، انه عثر اخيرًا على الحل الملائم لإقامته الدائمة في دبلن، وامسكه من يده جارا اياه، الى مقهى يقوم في اعماق المدينة، وهناك قدمه الى فاتنة ايرلندية، قائلا لها: اعرّفك على اخي. ارسلت الايرلندية نظرة الى اللهواني، وهزّت رأسها علامة الموافقة، ما رسم ابتسامة على جبين اللهوني، فقد فهم بحاسته المُدرّبة على الوحدة، المتحسبة لها دائما وابدا، انه عثر على المرأة التي تُمكّنه من الحصول على تصريح اقامة دائم في تلك البلاد، وعلى بيت دافئ يشرب فيه الكباتشينو ويُمدّد رجليه فيه وعلى كنباته باسترخاء، وبينما هو يتخيل نفسه وقد عثر على رفيقة، زوجة وبيت دافئ، كانت تلك الايرلندية، ترسل نحوه نظرة مُعجبة بملامحه الشرقية وشعره الليلي الاسود، وتأكدت من جسمه الممتلئ، انه سيخفف عنها متاعب الحياة، وسوف يكون معينا لها على مصاعبها ومشاقها.

في مساء ذلك اليوم، دخل اللهواني واخوه وزوجته الجديدة الى شقتها، وبعد نحو نصف الساعة، استأذن الاخ في المغادرة الى بيته، مُخليًا الفرصة لأخيه ان يعب من المياه الايرلندية ما شاء وما رغب، وهكذا كان، فما ان اغلق الاخ باب الشقة مُوليًا ومختفيًا في فضاء الشارع المحاذي، كما ظهر للزوجين المتعانقين من نافذة شقتهما، حتى التصق الزوجان التصاقة غريق عثر بعد عناء وشقاء، على خشبة الخلاص المنشودة.

شهدت الايام التالية ازدهارا لم تشهد مثله حياة اللهواني خلال سنوات عمره الثلاثين الماضية، وربما حياة زوجته الايرلندية ايضا، فقد كان كل منهما يحلم بالسكينة والاستقرار، وها هو الله قد يسرهما لهما، بأيسر السبل، الزوجة فرحت بزوجها المشتاق لجسد امرأة، والزوج فرح لأنه استقر هناك في دبلن، بعيدا عن الشرق ووحدته.. بل وقرفه فيه.. ما عدا هذا، تبين للزوجة انها اخطأت نوعا ما في حساباتها، فقد اكتشفت خلال الايام التالية ان زوجها اللهواني انما سيعيش على حسابها، فتوجهت اليه طالبة منه بكل ادب، ان يخرج للبحث عن عمل، فالمصروفات كثيرة.. ويد واحدة لا يمكنها تعيل اثنتين.

خرج اللهواني من شقة زوجته حائرًا في ماذا يمكنه ان يفعل في تلك البلاد الغريبة عنه، وللحق نقول انه حاول ان يدخل الى مطعم وبعده فندق ليسأل عن عمل، إلا انه تهيّب ولم يفعل، الامر الذي دفعه للاتصال بأخيه طالبًا منه المساعدة، غير ان اخاه كان قد اغلق تلفونه، فعاد الى زوجته وعلى وجهه اكثر من علامة ضيق. سألته زوجتُه عن سبب ضيقه ذاك، لتواجه بصمت شرقي لا تعرفه، الامر الذي دفعها لإعادة السؤال. حين شعر اللهوني بنبرتها الغاضبة قليلا، خشي ان يصيبه ما اصابه في كل مكان وزمان حلّ فيهما، فأخبرها انه لا يعرف كيف يمكنه العثور على عمل، في مدينة كبيرة مثل دبلن، ما ان سمعت الزوجة المستريبة كلمات زوجها هذه، حتى افترشت وجهها ابتسامة واسعة، وهمست في اذنه الحبيبة قائلة له: ولا يهمك.

في اليوم التالي كان اللهواني يعمل نادلا في مطعم ضخم فاره، ويشعر بثقة لم يشعر بمثلها طوال ثلاثين عاما الماضية، فقد بعث له الله بعد صبر جميل زوجة جميلا وعملا يقيه شر الوحدة والسؤال.

انغمس اللهواني في عمله ناسيا ذاته القديمة، لكنه عندما تذكرها وعادت اليه اطيافها العتيقة، حتى افتعل خلافا كما فعل في حالات اخرى مشابهة مع صاحب المطعم، ليجد نفسه بعدها ينطلق باتجاه شقته وزوجته، اما شقته فقد فتح بابها بالمفتاح الخاص به، واما زوجته فقد اضطر حتى عودتها من عملها في المساء. بعد دخول الزوجة الى شقتها بوقت قصير لاحظت ان زوجها يعيش حالة من الحيرة والارتباك، ولم يمض وقت طويل على حديث الزوجين، حتى اقبلت الزوجة على لهوانيها ضامة اياه الى صدرها الطري، ومربتة على ظهره وهي تقول له: ولا يهمك.

بعد يومين، وجّهت الزوجةُ رجلَها الى عمله الجديد نادلا في قاعة للأفراح، فطار اليها مندفعا باحتضان زوجته الليلي له، واندمج بسرعة كسول مُحبٍ في عمله، ليعافه بعد فترة قصيرة وليتكرر شجاره مع مدير القاعة، ولتأتي النتيجة المحتّمة مغادرة القاعة بأسف.

قضى اللهواني على هذه الحالة مُدة سنوات، انجبت فيها زوجته الايرلندية ابنة مثل القمر، ففرح بها الزوجان، ونسيا مشاكلهما الصغيرة مع وحدة اللهواني وبطالته المزمنة، وعجزه عن التأقلم مع آخرين ممن يتعرف عليهم بهذه الطريقة او تلك، غير ان ما بدا في تلك الاثناء ان فرحة الزوجين لم تدم طويلا، فقد نفرت به زوجته عندما لاحظت ان دمه لا يتحرك، وانه عثر على طريقة مستحدثة، لكن ليست حديثة لمشكلته مع التأقلم والعمل. كان لا بد لها من وضع حد لما عانت منه طوال سنوات زوجها، فقامت بطرده من بيتها شرّ طردة، وهي تصرخ به انها اعطته كل ما بإمكانها اعطاؤها اياه من فرص، وان قدرتها الايرلندية الجبارة.. قد نفذت.

عندها تأكد خيام اللهواني، من ان عقد زواجه قد نفذت مفعوليته، وانه لا بد لها من العودة الى بلاده، شجّعه على هذا ان عددا من اهله ومعارفه، اخبروه انهم اشتاقوا إليه. هكذا عاد اللهواني الى البلاد، وكان ان دعاه معرفةٌ له الى شرب فنجان قهوة في " اروما"، وما ان تناول كلٌ منهما، هما الداعي وضيفه فنجان قهوته، حتى شرع اللهواني بالتحدث عن مكوثه مدة سنوات في ايرلندا، وهو ما شجّع داعيه على الاهتمام به وبما حدثه عنه، فدعاه مرة واخرى... الامر الذي مكن اللهواني من العثور على كلمة السر التي بحث عنها طوال سنوات عمره لعبور ابواب قلوب الآخرين وهي: كنت في اوروبا، غير ان فرح اللهواني لم يدم طويلا.. فعادت حليمة الى عادتها القديمة.. مثقلة هذه المرة بحمل رزين.. من الذكريات.

***

قصة: ناجي ظاهر

انتشر اسمه كالنار في الهشيم بين أفراد جيش المحتل وضباطه كأشرس المقاومين وأذكاهم، فلا أحد من الجند كان يعرف أين ولا متى سينقض عليه الناجي ليتركه  جثة هامدة أو أشلاء متناثرة ويغادر بسلام.. ظل الناجي لغزا واسما ورقما مخيفا ومحيرا ومطلوبا عند الدوائر الأمنية  والعسكرية للمحتل حيا أو ميتا، لذلك طوال الوقت كانت الخطط تجهز في سرية تامة على ضوء المعلومات التي يجمعها المخبرون من أجل رصد مكانه وقتله خاصة بعد أن تأكدوا بأنه لا أهل ولا بيت له فهو مقطوع من شجرة كما قال أحد المخبرين، فيما كان شوق الناجي وانتظاره هو أن يسود الظلام الدامس كل أرجاء القطاع ليتسلل من باطن الأرض كشبح مخيف إلى خيام العدو وحصونه ويجهز على الجميع هناك بلقطة سينمائية لا تتكرر إلا في أفلام الحروب المدمرة... وهكذا تجاوزت شهرته حدود القطاع وفلسطين وامتدت كالهواء إلى أرجاء العالم، وصار كلما شاهد الناس  صور قتلى العدو وانفجار دباباته على شاشات القنوات الفضائية إلا وقالوا إنه الناجي، وهناك من كان يقسم بأغلظ الأيمان بأن بصمة العملية وطريقتها وآثارها هي كلها من تنفيذ الناجي.. وكان  جل أهل القطاع يعرفون فقط قصته، ويجهلون اسمه الحقيقي وصورته، التي صارت نسيج الخيال وأسطورة من الأساطير التي تثير الغرابة والإعجاب، فقد نسي أهل القطاع ملامحه في زحمة الحياة وكثرة الحروب والأحداث وقسوة الحصار وخيانة الجيران، خاصة بعد أن كبر واشتد عوده وتنقل واستقر في أكثر من بلد عربي من أجل الدراسة أو البحث عن العمل وأسرار أخرى لا يعرفها سواه ارتبطت بنشاطه السياسي المحظور، فغابت بذلك ملامح طفولته ويتمه وجراحه عن الناس تحت وشاح الكوفية الفلسطينية ولباسه العسكري، ولم يعد يظهر منه سوى قامته الممشوقة وبندقيته وهو يواجه العدو وجها لوجه . فلم ينس غسان الناجي لحظة واحدة بأن له حساب قديم عند هذا العدو ولا بد  للعدو أن يدفع ثمن هدم بيت أسرته وذكرياته وطفولته فوق رأسه ورؤوس النازحين وأن يكون الثمن غاليا من روحه ودمه، فأصوات الانفجار الممزوجة بالدماء والصراخ والأنين وأنفاس أمه وهي تودع الحياة بجانبه لازال يسمعها لحد الآن ولم تبرد  نارها بعد. وكان غسان الناجي الوحيد من تلك المجزرة الرهيبة التي نزلت على المخيم والأحياء المجاورة له في تلك الليلة الممطرة مع آذان الفجر، فقد حمته يد القدر وهو مازال صبيا لم يلج المدرسة بعد، وأخفته عن نيران طائرات المحتل تحت سارية من سواري العمارة المتهدمة، ولم تصل إليه فرق الإنقاذ إلا بعد يومين من البحث والتنقيب، ونقل على وجه السرعة إلى المستشفى وجراحه مازالت طرية تنزف دما، وكان الناجي الوحيد  من أهالي المخيم الذي سوي بالتراب وسويت معه كذلك كل الأحياء المجاورة له وصار كل من  يرى تلك المشاهد من الأطلال والخراب والدمار يظن بأن التتر مازالوا على قيد الحياة، وبعد شفائه ودفن كل أفراد أسرته وجيرانه وأقرانه في مشهد يصعب على الوصف سلم لمدرسة من مدارس الأونروا لرعايته، وهناك بين النازحين واليتامى ترعرع واشتهر بالناجي بدل غسان الاسم الذي اختاره له خاله تيمنا بالشهيد غسان كنفاني.. ومنذ علم الناجي بقصته ويتمه ورأى جرائم المحتل أمام عينيه، قرر حمل السلاح والإنضمام إلى المقاومة، فأربك بعملياته الفدائية حسابات المحتل وجبروته وأحرجه أمام مستوطنيه وداعميه من الغرب والشرق، فذاع صيته بين المقاومين وأهل القطاع وتجاوز حدود فلسطين وصارت حكايته تروى على كل لسان، فكانت الانفجارات القوية إذا ما حدثت تدون باسمه، وإذا ما وجدت جثت جنود المحتل ملقاة على الطرقات أو بين أشجار الحقول والبساتين  قرب السياج الفاصل يقول الأهالي إن الناجي مر من هنا كريح عاتية ولابد للناجي إذا ما مر من مكان ما إلا وأن يترك أثرا يدل على مروره وثورته، وإذا ما سمعت صفارات الإنذار في المستوطنات والمواقع العسكرية للمحتل إلا ويتهامس الجميع حتى الصغار منهم بأن الناجي هناك وسوف يحرق كل شيء ولن يعود إلى القطاع إلا وقد صار الحدث حديث الساعة، فمن أجل تراب فلسطين ولد الناجي وبعث كالفنيق من رماده واحتراقه مرة أخرى ليظل اسمه  يطارد العدو في كل مكان ويتردد على كل لسان دون أن تطاله عيون المخبرين وبنادق المحتل وكلابه.

***

قصة قصيرة

عبد الرزاق اسطيطو

كانها كانت له في انتظار، ما ان دق الجرس حتى فتحت الباب وما ان دلف الى الداخل حتى وجدها أحضانا مفتوحة لهفة لعناق، وعيونا ضاحكة كزهرات الربيع،كل نظرة اليها تزيده تعلقا بها ورغبة شوق وحنين الى يوم يضمها بيته..

تعلق بسعيد من تعلق أم نظيرة بأختها التوأم والتي كان لها سعيد فلتة حظ مما أصاب الناس من مرض داهم اتى على الصغار قبل الكبار.

حرارة قبلاتها على خده كانت غير ما فاجأه من عينيها و فيهما قد انفجرت صرة غيم.. دمعة تدحرجت من خدها ألهبت عنقه:

ـ ما بك نظيرة؟ ما يبكيك؟

ـ لا شيء اجلس أولا واسترح..

ـ لا ليس قبل ان أعرف ما بك وعليك اطمئن..

وكأنه قد انتبه الى الصمت الذي يرين في البيت فأراد أن يسلي نظيرة عما أحسه يجثم على صدرها من أسى فقال ضاحكا:

ـ "العافية مطفية والقطة مجلية".. أين اهل الدار؟

تجاهد أن تكبت أحزانها ببسمة بين دموعها،تغمض عينيها وعليه تشير بالجلوس أولا..

اللهفة تطويه:"لماذا تبكي نظيرة؟.. وأين غاب أصحاب الدار؟..

ربما قد استثقلت وجودها هنا استثقال الزمن الذي يسير بها كسلحفاة قبل أن تصل مرحلة تتحرر فيها من تضايق الغير بها، فهو من اتفق مع صديقه إبراهيم صاحب البيت لاستضافتها بعد موت أبيها ريثما تصل سن الرشد القانوني والذي ما عاد يبتعد عنها بأكثر من سنة..

رضع إبراهيم في ثدي أم نظيرة قبل أن تزداد ، وكانت نظيرة مع أخته الصغرى اشبه بتوأم يتناوبان على ثدي أمه..

كان المشكل في زوجة إبراهيم،وسواس خناس لشك قاتل،غيرة تفوق الحد وكراهية الى درجة المقت..

كان سعيد يتيما احتفظ بالسكن في بيت والديه، لا يستطيع أن يبقي نظيرة معه ولا ان ينتقل للإقامة معها في بيتها الرحب الفسيح، فما اكثر ما يتقول الناس ويتهمون بلا دليل،وهي رهافة حس ورقة شعور،كان الحل لديه ان يستضيفها قريبهما إبراهيم ريثما تبلغ سن الرشد، فهو اقرب اليها منه رغم الثقة الكبيرة التي القاها أبو نظيرة  على كاهل سعيد فجعله وصيا عليها مبعدا أخاها الشقيق السكير العربيد الذي لا يثاق،وقد سبق ان قضى فترة سجنية نتيجة السكر العلني والضرب المفضي الى عاهة ؛ حرمه ابوه من الميراث الا من نزر قليل وكتب للبنت جل ما يملك خوفا من ان يسطو عليها أخوها اويؤذيها كما آذى أمه الى ان ودعت الى دار البقاء بعاهة في يدها وهي عنه غاضبة "..

كانت نظيرة لا تتجاوز السادسة عشرة من عمرها، قمحية اللون بقد متناسق ورثت عن أبيها طوله وعن أمها جمال المحيا، أنف صغير جميل وعيون بنية بلمعات فاتنة، غمازة على الخد الأيمن تزيدها جمالا كلما تبسمت، تركت الدراسة مرغمة وهي في سن الثالثة عشرة بعد موت أمها وكان الاب عليلا ضاعف موت شريكة عمره من أسقامه ووهنه ففضلت ان تخصه برعايتها.خصوصا وهو حريص في أكله يرفض ان يأكل من يد اية خادمة بعد أن كاد ابنه أن يسممه فيطرده من البيت نهائيا.

كانت نظيرة تميل كثيرا الى سعيد فهو ابن خالتها، واع بضمير حي ومتيقظ، ينال ثقة جميع الأهل لأمانته وصدقه، من صباها وهي ترى فيه قدوتها وحلمها رغم مسافة الزمن بينهما وفيها يرى أمله المرجى في غد..

تتنهد نظيرة، تضع يديها بين يدي سعيد كما تعودت أن تفعل وكما يحب كلما ارادت أن تبلغه أمرا يهمها أو يهم والدها قبل موته:

ـ انفرط العقد وتشتت الملعب وكنت أنا السبب، من الأيام الأولى ادركت ان زوجة إبراهيم لن تحتملني وان الغيرة تقتلها والشك يفنيها بسوء ظن، هي لا تؤمن برضاعة ولا بأخوة، فايمانها بما يغلي في دواخلها من فقر عاطفي ولهفة على ما في يد غيرها وما ينفثه شيطانها بين تلافيف عقلها واضلاع صدرها من شك وسوء الظن بالناس والذين تقيسهم بيحموم نفسها..

رحم الله أبي رآها مرة تركب سيارة أجرة مع أخي فصار يكره أن تدخل بيتنا وكما كان يردد:

ـ هي نحس ولن تقوم لابراهيم قائمة الا بفراقها، افعى، لا تثاق ولن تموت الا بسمها..

حوقل سعيد وقد شد اليه نظيرة يهدئ مما تتوهم نفسها سببا فيه:

ـ هل تلفظ إبراهيم بالطلاق أم هي لحظة غضب أدت لفراق ؟..

ـ أخي إبراهيم كان في زيارة لماما ، وجد خاله عندها فاصرت أمه أن يظل مع خاله للعشاء، ثلاث مرات وإبراهيم يحاول ان يتصل بفطومة ليخبرها بتأخره، كنت اسمع هاتفها يرن وهي تتعمد ألا ترد ،لا ادري لماذا؟.. لكن حين عاد كان الشيطان قد اوقد ناره في صدرها وأول مابادرته به:

ـ هل كنت تحدد مع أمك تاريخ حفل عقدك على حبيبة عمرك نظيرة؟..

حقد بلا سبب،ومحاولة لاثارتي.. لأول مرة يغلي الدم في رأسي فأحس بالدونية أمام جاهلة لا تقر بمعروف أو تراعي أحاسيس غيرها.. فأتى ردي عليها قاسيا:

ـ اهتمي بعللك النفسية، وازيحي نظيرة  من حساباتك،فليس في عائلة نظيرة من ينكرأو يخالف شرائع ربه..

هنا ثارت ثائرتها حاولت أن تتهجم علي فواجهتها بيدٍ مرفوعة الى وجهها فتحولت الى أخي إبراهيم تمسكه من طوقه حتى خلت أنها ستقتله،قالت:

الآن يمين الطلاق او تخرج نظيرة من بيتي حالا !!..

هي طريقتها حين تريد أن تهيمن عليه بهجومية يكرهها فيتلعثم وينشل عقله عن كل تفكير سليم فيبادر الى تلبية رغباتها بما يحقق ما تريد..

وجاء رد أخي صارما فاجأني دون ان يتردد او يفقد هدوءه:

أنت من سيخرج حالا وانت طالق..

انبهتت والجمت العبارة لسانها، سارعت الى غرفة نومها وأخذت ما استطاعت ثم انصرفت وهي تردد:

ـ حكمت على نفسك وعليها فانتظر !!..

حدثٌ كان منتظرا قبل أن تدخل نظيرة بيت إبراهيم فزوجته امرأة مستبدة بطبعها، غياب النضج، جهل وقلة وعي،تريد أن يسير حكمها على الكل، ورايها تفرضه بلا اعتبار لآراء غيرها، تقتلها الغيرة بشك وهمي يوسوس لها بما هو بعيد عن عقول الناس ، تتمادى في استبدادها كلما كانت في مواجهة خجول حيي كإبراهيم.. ما تأخر طلاقها الا اعترافا بفضل أبو نظيرة الذي قدم لزوجها شقة بثمن للكراء رمزي بعد أن ايقن بتعلق إبراهيم بها وعودتها اليه بعد خصام اثر ادعاء كاذب بحملها..

ـ " ليس طبيعيا أن ينساق رجل بثقافة ووعي كابراهيم الى امرأة جاهلة لاحظ لها من علم الا ما تؤمن به من شعوذة ودجل بهذا الشكل الذي جعل الرجل مسلوبا يجبن أمام صيحاتها وأوامرها !!..

كان سعيد يعرف جيدا عناد زوجة إبراهيم وحقدها على نظيرة وماهي قادرة على بلوغه لا لشيء الا ان الثروة التي ورثتها نظيرة عن أبيها قد تجعل إبراهيم يتعلق بها ويطمع فيها كأنثى غنية،  جميلة قريبة منه، لهذا لن تنفلت نظيرة من حقد زوجة إبراهيم وانها حتما ستفكرانتقاما في اذايتها فان يأتي الطلاق من أجل نظيرة فهذا اعلان باندحارها وهي من لا تتنازل او تستسلم الا اذا كانت يدها هي العليا وامرها مطاع وما خططت له قد تحقق..

ضم سعيد نظيرة الى صدره ضمة خائف على عمره، متهيب من كل قادم قد يعاكس ما يحسه نحوها وما ائتمن عليه:

ـ نظيرة حبيبتي !!.اجمعي كل ما تحتاجينه من لباس وتعالي معي..

تنزعج نظيرة فتسأل:

لماذا؟ والى أين؟ أليس هذا بيت كان في ملكية أبي و ما تركه ابي فهو لي؟ لننتظر عودة إبراهيم قبل تنفيذ أي قرار وأنا معك..

ـ صحيح، لا احد يجادل في ذلك، لكني اخشى عليك من مكر زوجة إبراهيم.امرأة جاهلة لاتؤمن الا بما وقر في صدرها من ضغائن وحقد ومكر..

كانت نظيرة تظن أن يأخذها سعيد الى بيته، أو يعيد فتح بيت أبيها لكنه عرج بها الى بيت عمته..

لايريد ان تفاجئه شكاية كيدية وهي معه أو باطل بشهود الزور أو يلحقها مكر من أحد وما بقي غير شهرين لتتحرر نظيرة من صرامة قانون سن الرشد..

غاب إبراهيم وهاتفه ظل خارج التغطية، بحث عنه سعيد في كل مكان يمكن أن يلجأ اليه،لا اثر..

شاب تربى يتيما التحق بالتعليم بعد الشهادة الثانوية، تصيدته فطومة التي كانت ترافق أمها منظفة في أحد الفرعيات المدرسية، واستطاعت أن تغريه بتحريض من أمها الى أن تزوجها.. استطاعت من خلال علاقة مشبوهة بينها وبين أحد موظفي التعليم أن تضمن لزوجها انتقالا الى أحدى مدارس المدينة لم يقض بها إبراهيم غير سنة واستطاع النجاح في احدى المباريات التي فرضت عليه أن يغادر المدينة الى العاصمة للدراسة، وأمام ما كان يصله من مشاكل تلف زوجته التي لم يصحبها اضطر الى أن يلحقها به..

قبل زفاف سعيد ونظيرة بيومين تناقلت الصحف خبرا مفاده أن قنينة غاز قد انفجرت في أحد البيوت الشعبية،أتت النارعلى صاحبته وقد وجد رجال الإطفاء في إحدى الغرف رجلا مقيدا تحت الأنقاض كان حبيسا لديها اشبه بانسان الكهوف..

في أحد المستشفيات وأمام رجال الشرطة يحكي إبراهيم ماعاناه من تعذيب وتنكيل وهو مقيد بحبال لدى طليقته..

***

محمد الدرقاوي ـ المغرب

تعانق  فوق الرمال

دروب السراب

وقد كنت أحثو الشقائق سرّاً

وأسأل سدرا

بأيّ الدروب أسير

تذكرت ليلى

وشوكا يصرّ

صرير الجنادب فوق الكثيب

ونفلا[2] تخطى المديد

يغنّي بعرس الحواء

فيا ليت ريح الجنوب

تُداني إليّ الثمام

وسنطا

تباهى بعطر مثير

فلاعهد بيني وبين الاراك

سوى حرنجوى

تنوء بسر خطير

كأنّي

بنار الغضا

-إذ تنوّرت من أذرعات[3]-

تهشّ الغزالةَ قسرا إلى حيث الحميض يشير

وكم كنت وحدي أظن السراب

كناسا

وشالا حرير

أسيرالهوينى

على الرمل مثل الحواة

على النار

استاف بعض العبير

أماميَ أثل

وخلفيَ سنط

إذن يارمال بمن أستجير

وإني أتابع شوقا

لناي بعيد

يراقص تنومة الشطّ

حين يدبّ الهجير

وقفت على  علقميّ

يلوح عليه الذبول

وثندة هند

يراودها عوسج

وحاذ تراخى

بجنب الغدير

بُعيد اللقاء

تثاءب شيح

وناح حمام

قبيل الغروب

ولم تبد  إلا خيام

لليلى

وأخرى تلاشت كقلبي

وراء القراص

وبوح الضمير

بأول جرح أقابل

لفح  الثمام

وأبقي  العرار

سلوا لقلبي الكسير

أغيب

كما القارظين[4]  دهرا

أفك طلاسم الرمل يوما

ولكن أعود

على رأسيَ الشوك تاجٌ

وعلّيقة فوق كفّي

لعلّ الثمام

ووادي الثّمام الملاذ الأخير

***

شعر قصي الشيخ عسكر

..........................

[1] قبل مدة ترجمت ونشرت قصيدة لأحد الأصدقاء الشعراء الأمريكان جمع فيها عددا كبيرا من الأعشاء والنباتات البرية أو الأعشاب الضارة فأحببت أن أضارعها  وقد أترجمها وأرسل الترجمة له، فجاءت قصيدتي هذه مضارعة لقصيدته .

المديد،، الحواء، الثمام، السنط،، الغزالة، الحميض، السنط، التنّوم، العلقمي، والثند، أالعوسج، الشيح، القراص، العليق كلها نباتات صحراويّة1

[3] إشارة إلى قول امرئ القيس: تنوّرتها من أذرعات وأهلها بيثرب أدنى دارها نظر عال

[4] القارظان مثل مشهور يتعلق بنبات القرض

ذئــبانِ يَــختصمانِ حولَ حَظيرة

وكــلاهُما كَــشَرَا عــن الأنــيابِ

*

أمّــا الخرافُ تَحيَّزتْ و تَنَاطَحَتْ

كــــلٌّ يــؤيــدُ ذِئــبَــهُ ويُــحــابي

*

ويــقولُ كُــلْ باقي الخرافِ فإنهمْ

باتوا الخصومَ وأنتَ من أصحابي

*

ضَحِكَ الذئابُ من القطيعِ تَعَجَّبوا

بــخــلافِنا قــد صَــدَّقَ الــمُتَغابي

*

نــحن الــرفاق ولن يُـفرِّقَ بــيننا

خُــبْلٌ مــن الــدَّهْمَاءِ والأغــرابِ

***

عــبــد الناصر عــليوي الــعبيدي

الظل خيّال يتمطى في حضن جدار

وانت كائن غريب يمتطي صهو الزمن

يصارع الانواء في سباق مرير مع القلق

مع الشوارع المكتظة بالفانتازيا..

اواني الخزف.. قاريئي المندل..

وبائعي عصير القصب

مزيج يستدعي الاسطورة لرسم لوحة

تصلح ذات البين بين التناقضات

ليتنفس الرصيف الصعداء..

ويتخذ عمود النور قوام كائن غريب

في ريبة.. يرصد حركات العابرين

الانتظار يُجَدّل العتمة

تحت انطفائه المقصود

وانت تقَاطُع افكار.. تَصادُف انواء

في ساحة خالية.. تنتظر اشارات سماوية

تمنحك تاشيرة عبور نحو هدوء نسبي

او تقدمك قربانا لضجيج يطلع

من مقابض الابواب الصدئة

وعلامات الاستفهام المتربصة

ما الموجع اكثر = ان تتوه عن ماواك....؟

او ان تقصده بلا رغبة.. بلا مفتاح

صورة باهتة تتوسل الالوان اختراقها

لتضفي بعض الحياة على هيكل اجوف

غادرته الاحلام.. لتحل في المقابر

وترقص الشواهد انتشاء بانكسارك المعلن

واستشهادك المخذول في معركة افكار

زاحفة.. زائفة.. زائلة

وسط ليل بهيم تتخذ متكأ

قبالة صورة مشبوهة منقوشة

على الجهة الاخرى من منفاك

وحلمة الفراغ تغذيك

حليب الصمت والاستسلام

***

مالكة حبرشيد - المغرب

بيني وبينك ظلٌ

يكشفُ، اني

عانقتك يوماً في السر

فشعرت بأن الظل

يأكل أحشائي..

وينثر أشلائي..

في حقل الصبر

حتى بات الخِلُ

يلازمني في اليقظة والنوم

يحمل صبري ودعائي..

**

ظلان ، هما ملتصقين..

أمام الضوء مفترقان

وظلال تأتي،

وأخرى تذهب في رمشة عين..

والخِلُ يأخذ ناصية المعنى

لا يأبه إن كانت وارفةٌ أغصانُ التين..

أم خاوية لا تجذب عقلاً أو رمشاً أو عين..

**

طيبة أنفاس الخلِ

يملؤها شغفاً بالحب

لا كرهاً،

وتحب العالم كله

وتخاف علامات العمر

وتخشى الظلمة

وتمرح في وهج الشمس

هي والصبح سيان ..

هما ظلان رقيمان

منذ عصور الحب الأولى

لا يفترقان ..

ونظل ملتصقين..!!

***

د. جودت العاني

17/ نيسان/2024

(أول حب ..آخر موت)

بيني وبينك حسابٌ

لم يُصفَ من بنوك الجراح بعد

وخطوط متوازية لم تتقاطع

عند منعطفات المواجهة بعد

وعلاماتٌ فارقة متناقضة

جداً.. جداً

ومساحاتٌ شاسعة

ممتدة

من نهر الحب.. الى جحيم الألم والنكران

*

نقشتك على مرآة قلبي

ولكنك طعنتها

بسكينة

فنزف قلبك دما أسودا

كنتُ أريد ان أغرف

لآليء البحر وأصنع منها

طوق حبنا

ولكنك رفضت

أردتُ ان اضع رأسي

على كتفك

ولكنك

غرزت مخلبك في عنقي

فرحتُ أنزف

على جرف الأمنيات

كان بامكاننا أن نصهل معاً

نحو الأفق الأخضر

ولكنك أطلقت الرصاص

على كاحلي فوقعت

كان بودي أن أُطرز

اسمك بأهداب عيوني

عل منديل عشقي

ولكنك تكبرت

*

تقاسيمك تتموجُ

مع ضوءٍ خافت

في عتمة الباص

وشيطانٌ يحضنُ

الشهوات الحرام

وجوه من الماضي تخترقُ

ستارة الحاضر

وتُلقي السلام على الحاضرين

شخوص من المستقبل

تدورُ وتدورُ

في العتمة

وضوءٌ ابيضٌ

وضوءٌ اسودٌ

في سباقٍ وصراع

إشاراتٌ

من عالمٍ غريب

رغباتٌ بركانية

تتطايرُ

في اجواءٍ مُلتبسة

من هنا وهناك

هروبٌ الى العالم الفسيح

تعقباتٌ، مؤامراتٌ، صفقاتٌ

منذُ الطفولة

منذُ إنبثاق البرعم الأول

منذُ الحلم الأول

منذُ تساقط أول قطرة ندى

على زهرة الربيع

منذُ الجرح الأول

*

جمالٌ بريء يفيضُ

أملاً

في زرع النقاء

في روح إبليس

عبثٌ طفوليّ

يلعبُ بين مخالب الشيطان

فراشاتٌ تتفحمُ بين اصابعه

ودرةٌ في شباك الاحتضار

عناكيبٌ سامة تطربُ

للعرسان

طرحةُ عروسٍ باكية

تمشي باستحياء

وديكٌ روميٌ بذيل

طاووسٍ منفوش

قبلةٌ مرة

رائحةٌ مرة

وعينين مشدودتين

الى الظلام

أملٌ يتضرجُ بخدوش

الشهوة والحب

*

تمضي الأيام وتدور الساعات

ويتعاقبُ الليل والنهار

على مدار 360 جُرحاً

فالسبتُ يتحسر

على يوم الجمعة

والأحدُ ينظر بتوق

الى يوم الاثنين

أما فجر الاثنين

فينتظر بزوغ الشمس

عسى أن نُلصق المرآيا

المكسورة

ولكن

تمضي الفصول بخطاها الثقيلة

ألماً

لوردةٍ تفتحت قبل أوانها

يجُر البحرُ أذيال أمواجه

خيبة

لسمكةٍ تتخبطُ بين الحياة والموت

عند شاطيء النسيان

كؤوس تُكسر احتفالاً

برجولةٍ كارتونية

ودور الفارس لا يليقُ

بعابث الزمان

وبكارةٌ تبكي حظها العاثر

في الحياة

وأنا حاضرة للانتقام

***

سميرة عباس التميمي

ضَواري الدِّينِ يَنْتَهِجُونَ وحْشَا

ويَبْتَهِجونَ إنْ نَهَشُـــــوهُ..نَهْشَا

*

و(بَنَّاؤُونَ أحرارٌ) مطـــــــايا

ليَرْكَـبَهُمْ (...) مُؤَخِّرَةً...وعَرْشَا

*

ويَرْتَكِبُونَ أفْـــضَعُ مــالديهمْ...

طَوِيَّتَهُمْ تَغُـــضُّ الكُفْرْ حَشَّـا !

*

ويَنْتَحِلونَ باسْمِهِ وجْـــهَ مَلْكٍ

وَصِـــــيٍّ خَصَّهُ اللهُ ووَشَّـــى

*

وأَلْهَمَهُ التُّقَى وحَبَـــــــاهُ نوراً

يُظِلُّ الناس..يُغويهمْ..ويَغْشَى !

*

يَدينُ بــدينِ (لُــــــوبِيٍّ) خَبيثٍ

ودَيْدَنَهُ الفَــــــــوائِدَ والمُعَشَّى

*

يَخِيسُ بِعَهْدِهِ أبـــــداً ويَرْمي

سِوَاهُ بالتي تُـــــزري وتُخْشَى

*

هُمُ الجاني الذي يَجْني ويَنْجو

بِفِعْلتِهِ..ويَحْمِـــلها (ابنُ أَغشَى)!

*

لهُمّ في صَفْقَةِ القَرْنِ (قُرونٌ)...

أباحُـــــــوهُا لِواذَاً حين هَشَّ !

*

وزُمْرتهم دمـــــــــــاءٌ أفسدوها

بفيروسِ (الريالِ) وقد تَفَشَّى!

*

سَـــلو الأوطـــان مَنْ رَوّعْ بَنِيهَا

وأَهْدَرَ دَمَّــــــهَا وازدادوا فُحْشا

*

فلولاهُمْ لَمَـــا دَامَــتْ لِطَــاغٍ...

يسُومُ حيـــاتنا خَسْفَاً..وبَطْشَا

*

أضَـاؤُوهُمْ بـ(قَيْنَاتِ) الليـالي

يُدَفِّئْنَ التُّخُوتَ... يَطِبْنَ رَعْشَا

*

يُعاقِــــرْنَ حُلُومَهُـــــمُ اللـواتي

عَقَرْنَ سُؤْدُدَاً... وأَعَقْنَ... جَيْشَا

*

وشعباً يَسْتَدِيٰنُ حُقُوقَهُ: ماءً...

دواءً...كَهْربَاءَ... هَــــــلُمَّ نَعْشَا

*

وتَعْليماً... وتنميـــــــــــــةً توارتْ

وإنسان النُّـــــــزُوحِ يَرُومُ عُشَّا !

*

ضواري الدِّينِ يَصْطادونَ عَكْرَاً...

ويَلْتَهِمُـــــــــــونَ دُنيانا..وإنْشَ!

*

مَـــــــــآرِبهمْ إلى اللَّـحْدِ..وأُخْرَى

مِنَ المَـهْدِ تَرُومُ العُمْرَ  قِـــــرْشَا!

*

فَصُبـــُّـــــوا فوقهُمْ زَيْتاً...أَسِيْدَاً

وذُرُّوا رَمَادَهُمْ في الريـــحِ نَفْشَا!

***

محمد ثابت السُّمَيْعي

 

تبدو الفتاة قلقة حياله.. والسؤال الذي يبقى ملحا داخل راسها لم تنطقه بعد أمامه.. فهي تلوذ بالتأني.. كانت تنتظره كل يوم بعد عودته من نهار عمل مضن من خلال كوة في غرفتها دون ان يلاحظ ذلك الترقب وتلك القطرات المتساقطة من مسام جسدها الرقيق في نهار تموز اللاهب.. لقد غدت تدور في أفلاكه ولا انفكاك منها وليت الزمان ينصفهما ويلم شملهما دون عناء..

بضفائرها السود وعقد يطوق جيدها ونظرة عينيها الصغيرتين الحادتين تبدو أجمل صبية رأتها عيناه.. عشتار (كما يناديها) أضناها تعلقها به ولوعة روحها.. لكن أحلامها تبقى نقية..

فقد قال لها يوما ان قاربنا لن يغرق أبدا وستجري الرياح بما تشتهي السفن ولن تبقى لهفتنا مضطربة في غد.. وهي تصدقه تماما لكن في دواخلها تسكن أفكارا مرعبة لا ترغب ان تبوح بها أمامه..

جرأته وحماسته أزاء الأحداث في ساحة التظاهر وازاء البطالة التي رافقته منذ سنين عالقة بمخيلتها.. فهي تقف بين نارين كليهما يعذب روحها..

براءتها تروي قصة شقائها انها تهرب منه واليه..

ومن الحاح اسرتها وسعيهم لتزويجها دون يعرفوا سبب رفضها.. فهذا زمن تتفجر فيه صخور الارض لمعاناة الارواح المثقلة بشظف العيش..

فكان التظاهر وسيلة العاطلين الوحيدة ليطالبوا بحقوقهم بعد تخرجهم من الجامعات.. فقد اكلت معاول السنين أجمل محطات أعمارهم الفتية ونبذتهم ساحة عمال البناء وذاقوا لهب سياط العوز والفاقة..

عشتار مصممة ان تمضي بانتظارها دون ان تضل طريقها.. لكنها تتوجس خوفا من اجله انه يسلك طريقا وعرا وإنها ابدا في قلق مريب.. حين يلقي قصائده بين حشود اقرانه.. وبين حشود المتظاهرين.اشعاره تلهب حماستهم ليطرقوا كل الابواب المؤصدة امام ربيع صباهم.. وكما يقول سيد البلاغة ( الفقر في الوطن غربة )..

في سوق المدينة تسحب غطاء رأسها برقة وتأنٍ وترمقه بنظراتها الوله وهي تتهجى حروف اسمه مرارا في سرها وتتعمد ان يراها.. خطواته المتعثرة تنبئها بلهفته وشدة شوقه.. تبتسم له بغنجها المعهود وتمضي.. وكيف تفضح سر قلبيهما وان يشاع خبر قصتيهما..

ستجبر بالتأكيد على زواجها عنوة من أي طارق يتقدم لخطبتها.. وربما لا يتقدم لخطبتها أي رجل وتلك هي سمة تقاليدنا والعشائرية التي غدونا نسبح بفضائها عند ذاك يتهاوى قطار عمرها سدى..

في المقابل هناك في ساحة المدينة حيث يتجمع الفتية.. لم ينتبه الفتى الى ما حل بقدميه الحافيتين وقميصه المتهدل وهو يدس جسده المتهالك وروحه الهائجة بحماسة آمالهم الضائعة وغير آبه بمن قضى نحبه في هذا المكان.. .. فهم لا يمتلكون صخرة يستندون اليها ولا حتى قريب ذو نفوذ يسندهم بعد الله سبحانه وتعالى..

حتما سيكون التظاهر وسيلتهم الوحيدة وعزاء نفوسهم للتعبير عما يجول بخواطرهم المتعبة ومعاناتهم الأبدية مع الفقر الذي عصي الفكاك عنهم..

تقول فتاته.. يا لدهشتي ظننته لا يقوى على حمل جسده وسط حشود المتظاهرين.. كان الفتى يفتح ذراعيه واسعتين لإحساسه بوجع يدفعه بإرادة لم يشعر بها من قبل لكنه لا يعرف كيف يصفها لحبيبته التي تؤنبه وتخاف عليه من الأذى وترفض ان يندس بين تلك الحشود الصاخبة وهي تسمع وترى عويل الامهات الثكلى وأنين الحبيبات.. الخوف يملأ قلبها الغض دائما وأبدا من أجله..

كان التفكير بالهجرة أمرا واردا بالنسبة له.. لكن ذلك قبل ان يعرف تلك الحبيبة التي شدته لجذور هذه الأرض.. انها المرأة وهي الحبيبة والوطن..

أما الصبية.. فكانت تراقب سنان الرعد والغيث الهاطل.. أمانيها الموحشة يتسامق فيها العوز والضجر ولحظاتها أشد قسوة مما يعانيه فتاها فهي مثله غدت جليسة الدار بعد سنوات المثابرة لسنين خلت فهي تعيش ضمن أسرة كثيرة العدد قليلة المورد تشكو العوز هي الأخرى.. فلا منقذ لهما سوى مصباح (علاء الدين )..

تطفح حمرة على ملامح وجهها الأسمر وهي ترمقه بنظراتها المتفائلة.

فاجأته بضحكتها الخافتة وهي تسأله بشيء من الخجل : ما الذي يجري هناك في تلك الساحة.. ؟؟؟ وهل هناك نتائج بشرى قادمة.. ؟؟؟.. اتمنى المشاركة بالرغم من هواجسي وخوفي ولكن اهلي منعوا تواجدي هناك فهم يعرفون أساسا ليس هناك من يحترم انسانية الانسان وحقه في التظاهر..

أجابها بحماسة.. الشمس وحدها تعرف ضراوة المشهد وحماسة القلوب التي تحترق هناك

انها لحظات تعسر فيها الطلق وصراخ الوليد..

.. قالت : تقودني محنتي الى اسئلة كثيرة..

***

قصة قصيرة

سنية عبد عون رشو

أشعُر بمللٍ خطيرٍ يُبعدُني عنكَ

هل بعتُ للأسابيعِ دماء شبابي

وأمضيتُ خيرةَ أيامي في احتسابِ

جنونكَ؟

أستحق أن أكون حبيبةً

تُمطرِها مراسيلُ قد تأتي

وأغانٍ نسجَتها الرقةُ وفقَ حُروفي

فأنا أخافُ أن أكبرَ دونَك

وأظل شجرةً معمرةً يبعثرها الندم!

*

ما زلتُ أرتِّب في ذهنيَ صغارا منك

وأعِدُ حبالَ غسيلي بقمصاِنك

لأروي في ليل الوحشة

حكاياكَ على رفوفِ مكتبتي لتنامَ

هكذا ..

أُعِدُّ الشايَ كوبينِ كالعادةِ

أشربُهما وحدي!

عفوًا

نافقت كثيرًا كي أبدو أقسى ..

وبعد سنوات

قد أتعب ... قد أهدأ

وأنفي أُنشودةَ قلبي

الى وادٍ ذي صمتٍ

وأغلقُ على ملامحِ وجهِكَ بوابةَ أحاديثي

لأقفَ أمام المرآة ككل مساءٍ:

أشتُمك وأبكي!

***

سمرقند الجابري

دعْنا سيِّدي

نوشم الحُرُوف بحْرَ نار

ونكفُّ عن هدْرِ

قسَمٍ وفَيضِ عار

ونكْسو ليلنا شِراعَ حبرٍ

واختصار...

*

دعْنا نتفق أوْ لا نتفق

دعنا نُهدي الراهبَ

سبْحةً وزنّار

دعنَا نشْهِر عيدانَ الصنَوْبر

ونقبِّلُ سيقانَ فجْر يتبَخْتر

دعناَ نكسو خريفنا ألْواحا

وَدُسُر

دعنا نوقظ ذكرَياتِنا

المعَطَّرة بصحْوِ الغُبار

ونحفِرُ شقوق

العمر

نسائِلُها أيْن خبَّأت أعْقاب الثأر

حبلاً من دمعٍ منْهمر

وطاعونا منتشر؟

***

لطيفة أثر

 

كُلَّ صباحٍ كانُوا يجتمعونْ

مِنْ أولِ جارٍ

حتّى سابعِ جارْ

يَجْتَرُونْ

ما سَمِعوا مِنْ آراءٍ أو أفكارْ

ويُغَنّونْ

أغربَ ما حَفِظوا

مِنْ حِكَمٍ أو أشعارْ

ذاتَ صباحٍ

أكْبَرُهمْ سِنَاً قالْ

منذُ عقودِ نحنُ نُكَرّرُ  ما نَسْمَعُ

فلماذا لانُبْدِعُ

في الصّبحِ التالي جاؤوا،

كُلٌّ منهم يَحْمِلُ قيثارْ

عَزَفُوا ..

عَزَفُوا ..

لَمْ يُعْجِبْهُمْ لَحْنٌ

كَتَبُوا ..

كَتَبُوا ..

لَمْ يُعْجِبْهُمْ شِعْرٌ

عَزَفُوا .. كَتَبُوا

كَتَبُوا .. عَزَفُوا

وجدوا اللّحْنَ ولكِنْ

لَمْ يَجِدُوا

ما يُعْجِبُهُمْ مِنْ أشعارْ

.......................

.........................

قالَ الجارُ التّاسِعُ

إنّي لَمْ أحضرْ مَعَكُمْ

لكنّي كُنْتُ أتابعُ

وأنا صوتي قَدْ بُحَّ،

ولا أحدٌ يَسْمَعُ :

إنَّ الأشْعارْ

تَختارُ متى تأتي

لا الشّاعِرُ  يختارْ

***

شعر: خالد الحلّي - ملبورن – أستراليا

 

منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟

منْ يُوقظ بِداخلي أصْوات ناياتٍ قديمَة

نامتْ بينَ كلماتي المُبْهمة، حِينَ

خَرَّ لِساني

حَجراً..

منْ

شرْفةِ

المَعنى؟

*

أنا مِثلكَ أيًّها الرِّيحُ المُتعبُ بالصَّفيرِ

وغُبار الحكاياتِ العِجافِ

لا وِجْهة لِي فِي أفقٍ ضيق يُلوِّحُ

لِصمْتي..

بِاليقظة.

*

وَأنا مِثلكَ أيُّها الصَّدى الخائفُ منْ،

امتدادِ هَمْسكَ بِلا صَدى...

قادمٌ أنا، منْ هوامِش مُدنٍ مُهمِلة

لمَداخنِ بُؤسِها

أصدُّ عَني كُل مَنفذٍ لِلتحْليق بَعيدا

بَعيداً عَني.

فهلْ كانَ مُقدَّراً أنْ

أراني مُعلقا طيراً دَبيحا

بيْنَ ثقوبِ شِباك المَاضي

وَظلالِ الحَاضرِ

الغائبِ فينا.

*

الصَّمتُ ..

ثقيلُ الوَطئ على العيْن النائمَة

حينَ يهُبُّ صَقيعا مُنتشيا بِفقْدِ

تفاصِيلنا الصَّغيرة للدفْء

نرُش مِلحَ الخُطواتِ عَلى

ثقوبِ الذاكِرة..

فلا الكلمَات العَابرة بالأمْنياتِ تكفي،

لإعادَة ترتيبِ هواءِ غُرفِنا البارِدة..

النافِذة اليتيمَة؛

مُغلقة بِاستمرارٍ في وجْهِ الجِدارِ الرَّطب.

المِصْباحُ الواهن تدلى بِلا لون،

فوْق مِزهريةٍ ذابلةٍ من

عطشِ الذكريات.

وَكرَاسي الخشبِ الأثريةِ تآكلتْ

منْ فرطِ النسْيان.

*

ينْبُث الصَّمت في الأعينِ

كفطرِ حديقةٍ بلا بَاب.

أجَرْجِرُ خيباتي منْ أحداقِ يوْمِياتي المُتلاشية.

أخشى الأماكنَ المُغلقة.

لمْ أعُد أكبُر فيها إلا لأشيخَ سَريعا

طِفلا لا يتذكرُ سِوى

أرْجُوحتهُ الخَشبية المُكسرَة.

*

مَا كانَ عليَّ التفكِير فِي الكلام.

عُدتُ نِصفَ جُملةٍ مُبْهمة..

نِصفَ نظرةٍ بِلا مَدى..

نِصفَ حياةٍ بلا حَياة..

*

وارْتمي بِما تبَقى مِنْ جَسدِي الحَجَري

في غياباتِ جُبِّ الحَيْرة،

منْ صَمتي المُحتمَل

أنهُ صوْتُ ذاكِرةِ الحَنين إلى لغَة..

لغَة

بِلا

مَجاز...

***

حسن حصاري

هي ذي

فراشات وقبرات

الحقل الحزين

تستنشق عبير

نرجسات وبنفسجات

الحقل الاخضر

مادة اجنحتها

صوب مدارات

قوس قزح

الصباح

والشفق الازرق

وصوب احلام

وامنيات

ورؤى

الاوزات الحزينات

والمهجرات

صوب شواطيء

احلامها وامنياتها

وهي ذي هي ذي

خيول البرق

الحزين تعزف

على قياثر

احلامها

ورؤاها

لحن البنفسج

لحن الخصب

ولحن المطر .

***

سالم الياس مدالو

 

لحسن ظنّي

أودعت للريح

حلمي

متناسية

ما قالوه ذات يوم عنها

لتقذف به

إلى حيث

لم تشته سفنه

آه يا حلمي الوديع

*

إياكم والتفريط

فليس في كل مرة

تجود النفس بحلم

ومعذورة

فقيصرية ولادته

تجعلها تفكّر مرات ومرات

*

لأن الحُلمَ

حلمَ أن يحلّق

وأسقط عن باله

أن الفضاءات

زادها كابوس

وزوادتها مقصلة قانية الشهقات

*

انتزعتهُ عنوة

قاذفة أياه

في دوّامة

تضجُّ بأنين لأحلام

منتزعة عنوة

من عالم مسكون بالأحلام الوديعة

*

ليته لم يحلم

وليته أدرك الحقيقة

لادّخر كل هذا العناء

ولمنح

حلمه نزرا من الهدوء

المدّعى

***

ابتسام الحاج زكي /بغداد

 

يا وهماً

ما زال يرافق ظلي ..

خلصني من صمتي

ومن ذروة أحلامي

اسكبْ في قلبي شيئاً منك

يشاغل همسي ..

وانشرْ في دربي سراباً

واحفرْ في قلبي قبراً لهمومي..

لكن لا تحجب عن عيني ضياء الشمس

ودعني أدور هياماً بين نجومي..

أٌحَلِقُ مذهولاَ في مجرى سديمي..

فأنا لا أحفل

إن كانت نفسي

تحلم في وهم يجتاح وجومي..!!

***

د. جودت العاني

12/04/2024

(كابوس في ليلة مقفرة)

تحت سقف غرفتي

صوت المطر يصفع نافذتي

كأجنحة طائر

وبين إصبعي وإبهامي

ظلال كلمات تعانق الأوراق

تتمايل

تقطع الزمن المعتق بحبر وأفكار

تترنم بلحن هادئ

بين سطورٍ  بور

حيث كنت أريد أن أكتب.

إنها أناملي تبحث عن قلم الآن

لأرسمُ الكلمات وأراها تستقر

عبر سنين القراءة

متمايلةً بإيقاع بين الجُمل

حيث أريد أن أكتب.

على حافة الورقة

الفكرة تلوذ خلف ستار الكلمات

مُتخفية،

ومُرتبة بدقة

بينما أقتلع الأفكار العميقة

أدفنُ النقاط الجزلة

عميقاً لأبعثر معاني جديدة

معجبة بحدتها الباردة بين سطوري.

كان إلهامي

ماهرًا في العمل بالقلم

تماما مثل صانع متمرّس

أو معلمي القديم

كان بإمكان معلمي أن يسطر من المعاني

في يوم واحد

أكثر من أي كاتب آخر

ذات مرة حملتُ إليه الأفكار

في دفتر

له غلاف غير مُحكم

نهض ليستلهم

ثم انهمك لفوره

يكتب بمهارة يطرحُ الأفكار

بحثاً عن الجوهر.

في دمي رائحة الحبر البارد

تسري

ونبض الابداع الخفي

للكلمات العصية

وروح فكرة

كلُّ هذا يُبعَثُ في ذهني

لكنني لا أملكُ قلماً

لذا فكرت أن أزرع نبتة

لتورق غصنا

أكتب به.

***

ريما الكلزلي

 

نَـصْبُ الـحُريّـةِ والـنَـصْبُ

زَيْــفَــانِ وبـيـنـهــــما دربُ

*

زيْــفَــانِ قـامــا في بــلَـــدٍ

بـهـما الـصهـيـونيُّ يَـلِـبُّ*

*

لا حَـــدٌّ يُـرضي شـهـوتَـهُ

عَــرمُ الـســاديِّ بـه يـربـو

*

مُــذْ كان وكانتْ أمـريكا

في مـنهجها قـامَ الـرُعـبُ

*

أمـريكا فـيـها مـا فـيـها

والـمـسـتـثنى الرقمُ الصعبُ

*

أربـابًا سـادوا في الـدنيا

والـشعبُ الـمُـخـتـارُ الـقـلبُ

*

والـطُهرُ شِـعارًا تَـحمِلُـهُ

والـعِهرُ الـديـدنُ والـكِـذْبُ

*

أمـريكا الـشـيطانُ تَـجَـلّى

قِـدّيـسًا شـاكَـلَـهُ الـغَــربُ

*

وعـلاقــتُـهُـمْ لـيسـتْ إلّا

جَـــزّارًا يَـتْـبَـعُــهُ كـلـبُ

*

أمـريكا لـيـسـتْ أمـريكا

أهـلـوها سُــكّـانٌ غُــربُ

*

أمـريكا مـاخورًا أمـسـتْ

في مـنـهجها هـذا اللـعـبُ

*

والـحـاكمُ فـيها مطبـوعٌ

وطـبـيـعَـتُـهُ دَغِـــلٌ ذئـبُ*

*

وعـلـيـهـا أَسَّــسَ دولـتَـهُ

مـفـهـومُ الـحُـريَّـةِ سَـــلْـبُ

*

كي يـبقى ســيـدَها الـسامي

بِـمَـعـيـتِـهِ يُـحـدى الـركـبُ

*

ورضـاهُ خِـلْـعَـتُـهُ الأسـنى

يُـعـطـيها مَـنْ فـيـهِ الكـسـبُ

*

في غَـــزّةَ بـانـتْ عَـوْرَتُـهُ

وعـلـيـها قـدْ صـار الـضـربُ

*

في غَــزّةَ طـوفـانُ الاقـصى

هَـدَّ الـحُـــلْــمَ وفـيـه تَــبّــوا*

*

طـوفـانُ الأقصى عَـرّاهـا

وبِـحُــكّامٍ جــــابَ فَـجُــبّـوا*

*

أعــرابًا لا عُــرُبًـا كـانـوا

عـاشــوا بـهَــوانٍ وتَــربــوا

*

فــــالآلُ آلَ لــمَـــوئـلِــهِ

أ يـعـيبُ الـمعـيوبَ العـيـبُ

*

حُـكّــامٌ هـــذا مــا يــبــدو

خُــدّامٌ هــــذا مــــا خَــبّـــوا

*

أوغــادًا قـامـوا أو قـعـدوا

أجــلافًـا هَــبّــــوا أو دَبْــــوا

*

نَـتَـنًا فـاحوا زَبَــدًا طـافـوا

وهُـــمُ الاشــنـانُ إذا لـبّـــوا*

*

خُـدّامًـا قـدْ عَـرِقـوا فـيها

أزبـــالًا حـــقُّــهُــمُ الـكــبُّ

*

يا لـيلُ الـصبحُ متى يـبـدو

في دُنــيـا يَـحـكـمُـها خِــبُّ*

*

نـصـبُ الحُـريّـةِ والـنصـبُ

أمـريـكـا الــعــجــلُ لـهـا ربُّ

***

الحاج عطا الحاج يوسف منصور

الدنمارك / كوبنهاجن

الثلاثاء في 9 نيسان 2024

.........................

* يـلِـبُّ: يُـقـيـمُ

* الدَغِل: فاسد الطويّةِ

* جـابَ بينهم: بمعنى دار بينهم

* الوأدُ: هو الدفنُ ووئـدَ الـحلمُ أي دُفِنَ الحلمُ  

* تـبّـوا: أي هـلـكوا

* جُـبّـوا: أي صاروا بلا رجولة

* لاشنانُ: الطُحلُب ولبّوا بمعنى  استجابوا

* الخِـب: الـمُخادع

 

وترحل

على حينِ غفوةٍ

كانفلاتِ الحُلم على عتبةِ الصحو

كأنك ما جئت

ولا وطئت قدماك أرضَ دهشتي

*

ثمةَ بقايا مِن صخبِ أيامنا معاً

لا تفتأ تُنكلُ بي

بين الفينة و الأخرى

وسؤالي الذي ما أمهلتني

باقتلاعِك من صدري عنوة

على حين غفلةٍ

مِن شروقِ شمسي على جبين قصتنا

لماذا؟

لم تأخذْ ذلك الطريق المطوي القابع

على شُرفةِ روحي؟

يُطالعني بعيون الهاوية

يحرمني القُدرةَ على السير ِمُجدداً

*

لمَ لمْ تُعِدَّ  لي  فنجان  قهوتي؟

و مِن غيرِ سُكر

أحتسِيه على و قعِ خطوات تجاهلك المرير

و اتوشحهُ لحظة حِداد

و أنت تدقُ المسمارَ الأخير

في نعش ارتعاشاتي

عندما تسقيني قُبلةً

في وسطِ نصوصك المترامية الأطراف

على جسدِ القصيدة

*

من للصباحاتِ التي لن تنجلي

فعيوننا غامت بسحابةٍ ما أمطرت

و تحجرت ما بين بردك و احتراقي

ما بين أوراقٍ و قصة مقدرٌ لها

الا تكتمِل

*

وتركتَ ذاك الباب موارباً ...

*

أنا لن أغادر

لن أعلن العصيان يوماً

على وحي نبوءتي فيك

سأتوضأ كل يومٍ

ببيتين من الشِّعر

وأصليك  بقُبلتين

على ضريحِ الملامةِ

و أزرعك وعداً

وسط أهوال الفجيعة

*

سترومني ...

تشتاقُ وجهي بين الاَف الجميلات

وترومني ...

وثرثرةَ  الليلِ كأسٌ من شفاهي

يُراقص ُ النشوة غواية

يمنحُ الأرواح َشيئاً مِن حميمِ الإقتران ....

***

أريج محمد احمد - السودان

من ديوان "منازل الوجد"

 

تعالي في كُلِّ الأوقاتِ

تعالي صَيفاً وشِتاءً

تعالي برقاً ورَعداً

تعالي خريفاً وربيعاً

فكُلُّ الفصولِ بكِ تليقُ

ولأجلِك تنحني الحُروفُ

تعالي برداً وزمهريراً

تعالي ثلجاً أو مطراً

فذلكَ لا يعنيني

لأنَّ كُلَّ المواعيدِ

لكِ تُناسبُ

وكُلُّ الأوقاتِ تُصيبُ

إن جِئتِ َتجَهُّماً أو تَبسُّماً

بصحبةِ ضِحكةٍ أو برفقةِ هَمسةٍ

أو حتَّى بنحيبٍ

تعالي صحواً أو غيماً

شمساً أو قمراً

لا يشغلني كيف تأتين

لو جِئتِ مثلَ العواصِفِ مُكفهرِّةً

أوفي سكينةٍ مثل دَعَةِ النَّسيمِ

تعالي بأغلى الفساتينِ

أو بأرخصِ الثِّيابِ

تعالي مِن غيرِ مواعيدٍ

ومن غير إشعارٍ ولا إعلانٍ

خلخلي كُلَّ المواقيتِ

وحَطِّمي كُلَّ الأوزانِ

فلا اختلالٌ ولا نكوصٌ

يُغيِّرُ مقاييسَ الهُيامِ

من أجلِكِ صَنعوا التَّقويمَ

واخترعوا حِساباتَ الأيامِ

لا تقرري أبداً حُكمَ الغيابِ

من غيرِ لِقاءٍ

ففي النِّهاياتِ يا حبيبتي

تموتُ الرُّوحُ

وحينها يكونُ الفناءُ

وما الحياةُ بعد الفُرقةِ

سوى احتسابُ أوراقٍ

لِما تبقَّى لنا

من جحيمِ الأحزانِ

كيفما شئتِ تَعالي

ولَكنْ لا تأتي ابداً كي تقولي:

وَداعاً

على البابِ ينتظرُني

وحشُ الغيابِ

***

جورج مسعود عازار

ستوكهولم السويد

هادئة ٌ جدا ً كمقبرةٍ ..

لا تسمعُ فيها

نأمةُ همسٍ

في سكرةِ موتٍ

لمحتضرٍ

تُهمسْ

**

ولا تُرى فيها

دمعةٌ في مآقٍ

في لحظةِ رعبِ

تتحجرْ

**

بينَ الأسوارِ

صليلُ سيوفٍ

صخبُ حديدٍ يتكسرْ

**

في المملكةِ - المقبرةِ

أشباحُ رجالٍ عميٌ

أمواتٌ لكنْ ينتحبون

بومٌ كسيحٌ أخرسْ

ينعبُ ليلاً ونهاراً

**

حُراسُ المقبرةِ

سُكارى نِيامٌ

والعَسسُ

على قدمٍ وساقٍ

للذبحِ  قيامٌ

**

شمسٌ تظهرُ فيها

للجَوعى في الليلِ

كقرصٍ شاحبٍ

وقمرٌ قبل بروغه

يأفلُ بطعنةِ خنجرْ

*

حدودُ المملكةِ رُسِمتْ

برمادِ ألأجسادِ

وشعارات المملكةِ خُطتْ

برشقات دم

على كفن

بحروفِ لغةِ الأجدادِ

أسرقْ أرضاً

واقتلْ شعباً

فأنتَ تُنفذُ

وصايا الربْ

**

تاريخُ مملكةِ قابيلَ

قديمٌ جداً

قِدمَ أبليس

حينَ عصى

وتكبرْ

**

حكماءُ المملكةِ

بكهفٍ سريٍ

يتوارونَ

بأساطيرِ التاريخِ

وبكتابٍ مرقومٍ

يقرأُ  آناءَ الليلِ ..

وأطرافَ النهارِ

يُرددُ ..  يُتلى

كلَّ صلاةٍ

لإلهٍ غاضبْ

يتوعدْ

**

الموتُ كأسُ زؤامٍ

يوزعُ فيها

مجاناً

**ً

أو يأتي سحباً

أشتاتاً ً

في لحظةِ نحسٍ يتلبدْ

ينزلُ ً ناراً

تنهمرُ أحياناً زخاتٌ

أو تنصبُ جحيمٌ

في كلِ الأوقاتِ

**

قرعُ طبولِ للحرب

تقيمُ الأمواتَ

ونفخٌ أكاذيبٍ

في بوقِ لا يهدأُ..

**

أترانا

في مملكةِ قابيلَ

قتلنا بأيدينا

آخرَ حلمٍ

بمدنِ اليتوبيا

يتوبيانا

التي حلمنا فيها

منذُ الفِ سنةٍ

بيضاء ..

***

صالح البياتي

...................

* ليست بمكان معين على خارطة العالم، ولكن قد تنطبق أوصافها على اي نظام سياسي، وقد تكون الدستوبيا، البديلة لليوتوبيا؛ حلم الفلاسفة الطوبائيين.

 

تصاعدت المعركة الخفية بيننا نحن المستخدمين وبين مدير المؤسسة.. رويدا.. رويدا، حتى باتت لا تطاق وكان مديرنا ذكيا ايضا.. الى درجة يصعب على بشر تعملها، فقد كان كلما وقعت عينه على خطأ او خُيّل اليه انه خطأ، يضع يديه على خاصرته ويرسل نظرته عبر نظارته الطبّية لائما ومحذرا: ":مش هيك بتصير الامور. مرة ثانية مش راح اسكت.. انتوا مش ولاد صغار".. وكان يستعمل اللغة الفصحى ليقلع بها عيون معرفتنا: "ها انذا قد انذرت.. وقد اعذر من انذر. لا ملامة علي اذا ارتكبت غدا حماقة قد تجعلكم تندمون عليها وعلى سببها التافه".

اما نحن فقد ابتدأنا بتقبّل وقائع مديرنا الحربية معنا، اولا بأول.. حتى باتت واحدة من عاداته اليومية، الغريب انه كان بين الفترة واختها يمسك شلّ واحد منا، والطريف انه ابتدأ بأضعفنا، فنزل عليه لوما وتقريعا امام الجميع، الامر الذي ترك اثره الواضح علينا.. وقد استمعنا اليه وهو يقول هكذا بإمكاني ان اقول لكم إنني علمتكم درسا لا يمكن نسيانه بسهولة.. درسا سيريحني قليلا من التعامل الصعب مع حماقاتكم الكثيرة.

"لن يريحه هذا"، قال اكثرنا جرأة واقداما، صحيح اننا نحن بحاجة إليه لكنه هو ايضا بحاجة الينا، وحتى لو انه يشغّلنا تكرما وتمنًا، فانه لا يحق له ان ينتقص من كرامة اي منا، وشد على يده مصرا على اسنانه المتراصة وراء شفتيه كاللؤلؤ المنضود:" عليه ان يعلم ان هناك فرقا بين ادرة العمل بصرامة وبين الاهانة"، وطلع عن طوره وهو يهز يده تعبيرا عن غضبه الجارف: احنا مش ولاد مرته.

في اليوم التالي مباشرة، جاءنا مديرنا فارعا دارعا، وراح يتهدّد ويتوعّد: لازم تعرفوا إنا بنشتغل في مؤسسة محترمة والها اسمها النظيف. انا مش ممكن اوافق على فلسفات البعض لما بفرق بين الصرامة والاهانة.. لا بالله.. بعدين انا بدي اعرف مين المدير هنا.. انا.. والا هو؟ ما إن قال هذه الكلمات وولّى، ربّما كي لا يستمع الى اي ردّ منا، حتى نظر كلّ منّا في وجه الآخر، كأنما هو يريد ان يسأله عمّا اذا كان هو الواشي.. ورنّت كلمات المدير عن الصارم والواشي في اذاننا رنين اجراس بلدتنا عندما تنطلق صاخبة بعد موت احد ابنائها.

بعد هذه البهدلة، وذلك الشك، لم ننم في الليل، فراحت التلفونات ترنّ في بيوت كلّ منا، مَن تُراه الواشي؟، وهل نحن نعيش في امن وامان.. ام لا، الخائن يجب ان يلقى عقابه، هذه المرّة لن نترك الامر لبهدلات مديرنا، بل ان احدنا دق على صدره قائلًا: انا من سيعلّمه درسا لن ينساه.. الخيانة هي خط احمر ولا يمكن ان نسمح بها.

في الايام التالية ازدادت تهديدات مديرنا وتوعّداته، غير اننا لم نُعرها اي اهتمام، فقد تجاهلناها وضمرنا بيننا وبين انفسنا، على ان نُعلّم ذلك الواشي درسا.. يتّعظ به ذاك الصارم ويتعلّم منه .. ويكون بذلك عبرة لكل مَن تسوّل له نفسه ان يخون اخوان العيش والملح، وان يعرّضهم للمزيد من الاهانات الادارية من المدير القاعد في العلية.

هكذا ابتدأنا في رحلة البحث عمّن نقل الحكي ووشى بنا، وكنا كلّما توصّلنا الى طرف خيط، تفلت منا خيوط، وبقي الامر على كفّة الريح هذه، الى ان اقمنا اجتماعا مطبخيا (في المطبخ)، واتخذنا فيه اغرب اقتراح، لكن انجع اقتراح كما تم الاجماع، وقد قضى هذا الاقتراح بأن يدلي كلّ منا بالقسم العظيم انه بريء ولا علاقة له بتلك الوشاية اللعينة. وزاد مُقدّم الاقتراح في كيله.. قائلًا: انا اول مَن سيدلي بقسمه.. بعدها همس في اذن كل منا على حدة قائلا انه قصد بذلك، ان يضع كلًّا منا في مواجهة مع ضميره، وعندما اعترض احدنا قائلا انه يوجد هناك مَن لا ضمير لديه. ارسل ابتسامة ملأي بالرقة واللطف والايمان الشديد وقال: لا يوجد على وجه البسيطة انسان لا يوجد لديه ضمير.. ثم انها محاولة.. يا اخوان.

في الموعد المحدّد لأداء القسم، احضرنا الكتب المقدسة كلها.. احضرنا القران الكريم والتوراة بعهديها القديم والجديد، وتقدم مقدم الاقتراح ليؤدي قسمه، بعده تتالينا واحدا تلو الآخر.. وكان كلٌ منا يتقدم من طاولة وضعناها في وسط المطبخ.. بعدها يضع يده على الكتاب، فاذا كان مسلما وضع يده على القران الكريم، وإذا كان مسيحيا وضع يده على العهد الجديد، اما اذا كان يهوديا فقد كان يضع يده على العهد القديم. واعترف ان قلوبنا كانت كلّما تقدم احدنا لأداء قسم البراءة.. واداه بالفعل.. كانت قلوبنا ترتجف بين ضلوعنا.. وعندما أدى اخيرنا قسمه.. رحنا نتساءل:" إذا كنّا جميعا بريئين، مَن هو الواشي؟"، وقبل ان نتوصّل الى اي جواب، حدث ما لم يكن في الحسبان. فقد فاجأنا مديرنا في اليوم التالي بنظرات الاتهام وهو يتمتم: تؤدون قَسم البراءة على كلّ الكتب المقدّسة.. ها؟ ما إن استمعنا الى هذه الكلمات يقذفها مديرُنا في وجوهنا كأنها حِممٌ بركانية، حتى راح كلّ منّا يتمعّن في وجه الاخر.. كأنما هو يشكّ فيه.. ويتّهمه.. كان الموقف صعبا فرحنا نتخبّط في سين وجيم.

بقينا على هذا الحال من التخبّط، الى ان جدّدنا اجتماعنا المطبخي، وراح كل منا يتساءل اذا لم تكن انت ولم يكن هو ولم اكن أنا.. مَن وشى بنا في المرة الاولى وفي المرة الثانية وربّما في المرة الثالثة غدا، مَن هو الواشي، وتعالت الاصوات اننا نكاد نجنّ. عندها دخل الاجتماع في حالة من الفوضى، ولم يهدأ الا حينما عثرنا على حلٍّ قد يكون مُرضيًا لنا جميعا، علينا ان ننقسّم الى مجموعتين، واحدة في الداخل وواحدة تختبئ في الخارج قُبالة باب المطبخ. لمراقبة ما يحدث. واتفقنا بسرعة غير معهودة منذ ابتدأت معركتنا مع مديرنا، على منطق.. مُفاده لنفعل هذا فإننا اذا لم نربح لن نخسر.

حملنا كراسينا وطاولاتنا وشرعنا بإدخالها الى غرفة المطبخ، ودخل بعضٌ منّا للاجتماع هناك، ورحنا نتباحث فيما يمكننا للتخلّص مما وجدنا انفسنا فيه من وضعٍ مُزرٍ، فمِن ناحية مدير صارم يتهدّدنا على الطالع والنازل، ومِن اخرى واشٍ ينقل اليه اخبارنا اولًا بأول مسهلًّا عليه التمادي في غيّه، ولم تمض سوى دقائق، حتى استمعنا الى زعيق وصراخ في الخارج، فخرجنا من مطبخنا لنفاجأ بأغرب موقف يمكن ان يتصوّره انسان، كان ابطالنا الميامين قد القوا القبض على مديرنا المُبجّل وهو يتنصت علينا في مطبخنا، واضعا يده على اذنه لئلا تفوته اي كلمة، والأخرى على الباب لئلا يفتحه احد فيفاجأ به. المنظر امامنا كان ساحرًا ومبهرًا.. وكان اضعفنا يشدّ مديرنا من اذنه.. وهو يهدّده متوعّدا اياه بألا تأتي العواقب سليمة اذا ما اعاد تنصّته المخزي علينا..

***

قصة: ناجي ظاهر

للغروب على ضفاف القلب

طعم الحنين قبالة البحر

نفس الشوارع  والأزقة

نفس الحدائق والأشجار الباسقة

نفس المشاعر والضحكات

المنسابة كمياه النهر

نفس الألوان القزحية

نفس الصور  والمجازات

ونفس الأحلام المهاجرة

تتدفق كموج البحر ساعة الغروب

يطل  الشوق  كل مساء كعاشق متيم

من  شرفة القلب المشرعة

على  زرقة البحر المتوهجة

كأنه عزف  كمان  حزين

تحت  ظلال أحلام وارفة

تسافر الروح كطفلة

خلف  ألوان الغروب ومتاهات الشوق

تحمل طفولتها..

ومتخيلها..

وشغبها..

كأن طيفا يتخطفها

كأن بساطا من حرير يسافر بها

كأن سحرا يناديها

هيت لك.. هيت لك.. ما أجملك !

فتمضي  خلفه كموجة حالمة.

***

عبد الرزاق اسطيطو

مُـخَـرَّزًا بـالـعـطـشِ الـوحـشـيِّ لـلـكـوثـرِ..

والـجـوعِ لأشـهـى ثَـمَـرِ الـجـنَّـةِ..

هَـيَّـأتُ

قِـرى إفـطـاريَ الأخـيـرْ:(1)

*

رغـيـفُ خـبـزٍ مـن طـحـيـنِ الـلـثـمِ

فـي صـحـنٍ مـن الـعـنـاقِ

فـي مـائـدةِ الـسـريـرْ

*

وكـأسُ زنـجـبـيـلَ مـن قـارورةٍ

نـمـيـرُهـا:

مـا تُـطـلِـقـيـن لـحـظـةَ امـتـزاجِ مـاءَيـنـا مـن

الـزفـيـرْ

*

إفـطـارُ مَـعـمـودٍ غـريـبِ الـقـلـبِ لا الـديـارِ

أضـنـاهُ الـسُّـرى

تـكـادُ عـيـنـاهُ مـن الأجـفـانِ تـسـتـجـيـرْ

*

يُـسـمِـنُ لـيْ روحـي(2)

ويُـغـنـيـنـي عـن الـجـوعِ إذا طـالَ بـيَ

الـمـسـيـرْ

*

فـي رحـلـتـي الـمـجـهـولـةِ

الـمـصـيـرْ

*

بـحـثـًا

عـن الـفـردوس فـي "أوروكَ"

يـا مـعـنـايْ

*

ومـا أضـعـتُ مـن فـصـولِ الـعـمـرِ

فـي مـنـفـايْ

*

سـأمْـسِـكُ الانَ عـن الـبـحـثِ

فـقـد وجـدتُ فـي إفـطـاريَ الأخـيـرِ

مُـبـتـغـايْ

*

حـبُّـكِ مـن أعـادَنـي إلـيَّ بـعـدَ غـربـةٍ

كـنـتُ بـهـا سِـوايْ

*

وهـا أنـا

بـعـد دخـولـي نَـفَـقَ "الـسـبـعـيـنَ"

قـد عُـدتُ الـى صِـبـايْ

*

أجـوبُ فـي بُـسـتـانِـكِ الـمُـمـتـدِّ

مـن بـدايـةِ الـدنـيـا

الـى آخـرِ مُـنـتـهـايْ:

*

أشـمُّ مـن نـخـيـلِـكِ الـطَّـلْـعَ ..(3)

ويَـسـتـثـيـرُنـي جُـمّـارُكِ الـبَـضُّ..

ويـسـتـفـزُّ تـنُّـورُكِ مـحـراثـي ..

وزهـرُ الـكَـرَزِ الـخـبـيءُ يـسـتـحِـثُّ مـا ادَّخـرتُ مـن جـمـري

ومـن نـدايْ

*

يـشـدُّنـي حَـبـلٌ مـن الـضـوءِ الـى سـريـركِ الـوردِيِّ..(4)

أغـفـو مُـطـبِـقـًا فـمـي عـلـى مـبـسَـمِـكِ الـنـديِّ ..

أســتـيـقـظُ "أنـكـيـدو" جـديـدًا

أنـتِ "إيـنـانـايْ"

*

مـن أيـن نـمـشـي فـالـدروبُ تـقـتـفـي ظِـلَّـكِ

أو خُـطـايْ

*

نُـطـرِّزُ الـصـحـراءَ بـالـواحـاتِ ..

والـغـدرانَ بـالـظـبـاءِ والـغـزلانِ..

نـبـنـي لـلـهـوى مـمـلـكـةً

يُـحـيـطُـهــا مـن جـهـةِ الـصّـبـاحِ سـاعـداكِ..

أمّـا جـهـةِ الـلـيـلِ فـسـاعـدايْ

*

مـمـمـلـكـةً نَـشِــيـدُهـا الـهـديـلُ ..

والـشـرطـةُ فـيـهـا تـحـمـلُ الـورودَ لا الـرّصاصَ..

والـرَّايـةُ يـاحـبـيـبـتـي: ربـابـةٌ

ونـايْ

*

تُـطـبِـقُ أجـفـانَـهـمـا عـلـيـكِ كـلَّ لـيـلـةٍ

عـيـنـايْ

*

أفـتـحُ أجـفـانـي عـلـى هُـدهُـدِكِ الـبـشـيـرِ بـالـهـدى وبـالـغـفـرانِ..

أتـلـو سُــوَرَ الـتـوبـةِ والإسـراءِ والـحـجِّ

فـيـغـدو ألـقًـا دُجـايْ

*

أطـوفُ حـولَ بـدرِكِ الـتـمـامِ ســـبـعـًـا ..

وأُصَـلِّـيْ رُكـعَـتَـيْ شــكـرٍ

عـلـى سـجّـادةٍ مـن شَـعـرِكِ الـحـريـرِ ..

أتـلـو مـا تُـيَـسِّـريـن مـن هـديـلِـكِ الـشـجـيِّ لـيْ ..

فـمـا الـذي أرجـوهُ مـن لـذائـذِ الـدنـيـا؟

ومـا عـسـايْ؟

*

تـقـطـفُ مـا تـشـاءُ مـن تـيـنٍ وزيـتـونٍ ورمّـانٍ

فـتـمـلآنِ سَــلَّـةَ الـمـنـى

يَـدايْ

*

أقـودُ:

أنـهـاري الـى حُـقـولِـكِ الـضـوئـيَّـةِ الأشـجـارِ..

والـنـجـمَ الـى بـدرِكِ..

والـدَّلـوَ الـى بـئـرِكِ..

والـشـوقَ الـى خِـدرِكِ..

والأمـسَ الـى يـومِـكِ يـا:

أنـايْ

*

لـسـتُ "سُــلـيـمـانَ"

فـكـيـفَ جـاءنـي بـعـرشِـكِ الـعـشـقُ؟

ولا "مـوسـى"

فـكـيـفَ ابـتـلـعَـتْ كـلَّ ثـعـابـيـنِ الـضـلالِ والأسـى

عَـصـايْ؟

***

يحيى السماوي

السماوة فجر الأربعاء 10/4/2024

..................

(1) القِرى ـ بكسر القاف: الطعام الذي يُقدم تكريما للضيف.

(2) إشارة الى قوله تعالى في سورة الغاشية: (لا يُسمن ولا يغني من جوع)

(3) الطلع: الثمر في وعائه كما في قوله تعالى: (والنخلَ باسقاتٍ لها طلعٌ نضيدٌ). والجُمّار / بضم الجيم وتضعيف الميم، جمع، واحدته جُمّارة: هو  قلب النخلة ويقع في قمّتها، له رائحة ذكية وطعم لذيذ.

(4) أنكيدو: من الشخصيات المحورية في ملحمة كلكامش، كان شبه وحش، يعيش مع الحيوانات في الغابة، ولكن الحبّ قد جعل منه إنسانا سويّا.. و إينانا: هي إلهة الحب والجمال والجنس والخصوبة والحرب والعدالة في ملحمة كلكامش.

 

وقال: سَئِمْتُ الكتابةْ!

تَعٍبْتُ عليها الليالي

وأسكنتُها مُهجتي

وألبستُها حُلَّتي

وطُفْتُ بها في خيالي

وماخابَ ظَنِّيَ فيها

وطَرَّزتُها بعذارى الجمالِ

وأمهرتُها العُمْرَ

والعُمْرَ بين يديها لآلي

وليسَ غَرابةْ

أنْ يَشربَ الشاي بالاً

ويَحظى مَزاجاً وحالاً

ويسألُ عن

حالنا ما أَصَابَهْ؟!

أيُجدي التَفَلْسُفَ

بالمفرداتٍ المُصابةْ؟!

أنَدخُل عَالَمَنا بالتكَلُّفِ

حتى نُثيرُ لُعَابَهْ؟!

فيقتادُنا جُمَلاً هشةً

مُجوّفةً...ومُعَابَةْ !

ويُسٰلِمناللحروفِ الأليفةِ والمُنْهكةْ

إذْ اسْتَهْلَكَتْها مكائِنُ أخرى

فكانت لها مُهْلِكةْ

وتَدْويرهاعَبَثٌ فارغٌ وخِلابَةْ !

فلا الحُسْنُ يبدو جلياً بها

ولاتبدو مِنْهُ ذُؤابةْ !

*

سئمتُ الكتابةْ !

تلك التي

تَسْتَحيلُ (رُصَابَةْ*)!؟

ومَأْدبَةً للبراغيثِ: عِيدُ

وللقَمْلِ: بِيْـــــدُ

وللدودِ: غابَةْ !

*

سئمتُ

سئمتُ

سئمتُ

ومنها اكتفيتُ

ولكنها في دمائي

تَدُقُ على الحَرٰفِ بَابَهْ:

سئمتُ الكآبَةْ!

***

محمدثابت السميعي - اليمن

13/8/2022

..........................

* رُصَابَةْ: منطقة في اليمن حليب أبقارها فترة صلاحيته: ٢٤ ساعة فقط وينتهي !!!

 

يا ابْنَ الطُفوفِ شهادَةً وَبِها أرى

شُهداءَ بيتِكَ يَلْحَقونَ الآلا

*

نهضَ الحُسينُ مُعزِّياً وَمُوالِياً

وَدَمي تَفَصّدَ فادِياً مَنْ والى

*

يا آلَ غزّةَ هاشمٍ شُهداؤُكم

عَرَجوا إلى حيثُ الشفيعِ مَآلا

*

وَنَقولُ صبراً آلَ غزّة إنّما

سَتَدورُ دائرةُ الحروبِ سِجالا

*

أبناءُ إسماعيلَ قد صعدوا إلى

مَلَكوتِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى

*

تركوا لنا المُلْكَ الرخيص وأيقنوا

سَنَظلُّ في عَرَصاتِهِ ضُلّالا

*

وَلَمحْتُ زينبَ في العَراءِ وحيدةً

خلفَ الجَنائزِ تَنْدُبُ الآجالا

*

وَشَهدْتُ مكلومَ الفُؤادِ مُرتّلاً

سُوَرَ الكِتابِ لِيَهْزِمَ الأنذالا

*

وهناكَ شيخُ الأكرَمينَ مُنادياً

بطريقهِ الأقطابَ والأبْدالا

*

وَسَمِعْتُ صوتَ الوائِليَّ مُرَدّداً

للصاعدينَ إلى السَما مَوّالا

*

ياوائِلَ الدحْدوحَ حُزْنُكَ هَدّنا

وَبَعثْتَ فينا الحُزنَ والآمالا

*

أدري جِمارَ الفقْدِ تلْتهِمُ الحَشا

وَرحيلَهم كَجِراحِنا قتّالا

*

لكنّهُ الطوفانُ إذ بلغَ الزُبى

فَتَفجّرتْ أوجاعُكُمْ زِلْزالا

*

وَيَلوحُ حمزةُ في مَرايا بَدْرِنا

يُلْقي على البطلِ الشَهيدِ سُؤالا

*

مَنْ أنتَ ياولدي المُعَفّرُ بالدِما

كَدَمي الذي من أجلِكم قد سالا؟

*

أنا إبْنُ منكوبِ الصحافَةِ في الوَغى

إذ نَسْلُ خيْبَرَ ينفثونَ وَبالا

*

وأنا سَميُّكَ بل حَفيدُكَ سَيّدي

وأرى النوائبَ في دَمي تَتَوالى

*

زيتونةَ اللهِ التي قد لامَسَتْ

كَبِدَ السماءِ حقيقةً وخيالا

*

أشكو ذوي القُربي إليكم سادتي

وَبَني سَلولَ وَرَهْطَهُ وَرِغالا

*

هل عاوَدَ الأعرابُ غَدْرَ نَبيِّهم

جهلاً وهل لَبِثوا بِها جُهّالا؟

*

هل أدْمنَ الوحشيُّ رَمْيَ خصومِها

بِرِماحِهِ فَبَنتْ لَهُ تِمْثالا؟

*

صالتْ على كَبِدِ الشهيدِ بِظُفْرِها

وَتَقطّعتْ بِنيوبِها أوصالا

*

مُتَفَجِّعاً يرنو لِغزّةَ كُلّما

أُحُدٌ تفتّتَ واستوى أطلالا

*

جَزَعاً على كَبِدٍ تمزّق في الفلا

وَجَرى بأوديةِ الغضا شّلّالا

*

جَبَلَ الرُماةِ! هل الرماةُ تَفَرّقوا؟

ولهيبُ نيرانِ الوغى يَتَعالى

*

هيَ غزوةُ الأحزابِ ثانِيَةً ولا

حُلُمٌ يُراودُ خندقاً وَرِمالا

*

أخذتْ قُريضةُ من قُريْشَ مَشورةً

وَأطالَتا خلفَ السِتارِ جِدالا

*

اشهرْ حُسامَكَ ياعَليُّ مكبِّراً

هُبّوا فقد وَجَبَ الجهادُ قِتالا

*

طَهّرْ عَليُّ بذي الفقارِ سماءها

وابعثْ إلى بلدِ الرباطِ رِجالا

*

فأخوكَ زيدُ الخيلِ من صنعائنا

رفعَ اللواءَ مُبارزاً خيّالا

*

جعلَ البحارَ وَبابَها عربيّةً

أبَداً لِأفلاكِ الورى غِرْبالا

*

والقَلْزَمَ المُحْمَرَّ كالشَفَقِ الذي

بِدَمِ القلوبِ يُخضّبُ الآصالا

*

زرعَ الشواطي الحانقاتِ كمائناً

للناقلاتِ إلى العِدا أموالا

*

حصرَ الجواري الحاملاتِ مَؤونةً

لِمُحاصِرينَ بِغزَةٍ أطفالا

*

زَحَفتْ جيوشُ الأوسِ من يَمَنٍ كما

كُرَماءُ خَزرجَ شاهرينَ نِصالا

*

أنصارُ دينِكَ إذ قُريشُ تواطأتْ

نَذَروا لَكَ الأعمامَ والأخوالا

*

هَزَموا قراصنةَ البحارِ كأنّهم

نُظراءُ غزّةَ عِزّةً ونضالا

*

لم يألفوا معنى التنازلِ في الوغى

وَتَعوّدوا دَفْنَ الغُزاةِ نِزالا

*

مَنَعوا عُبورَ الجارياتِ فَدَشّنوا

للعابرينَ نهايةً وَزوالا

***

د. مصطفى علي

 

أهنِّئُ نفسي

فلقد نجَوتُ من الموتِ خمسَ مرّاتٍ

وعدتُ لِحياةٍ أخرى!

*

صرتُ أتنبَّأُ بالحبِّ

وأُقبِّلُ الغيماتِ قبل هطولِها

وأُمازِحُ أطفالاً ليسوا لي

وأشعرُ بالأشياءِ قبلَ حدوثِها

فأنا يا بغدادُ

أعرفُ حكايا عن النساءِ المُضيئاتِ..

عن الأمهاتِ المخلوقاتِ من ماءِ الكوثر..

وأعرفُ من بعيدٍ

الوجوهَ التي يُحِبُّها الله!

*

الوقتُ كُلُّهُ لي كي أكتبَ ..

لا أحدَ يعرفُ كيفَ أُفكِّر!

*

ماذا سأكتبُ؟

حين تذهبُ كلُّ الأشياءِ الى الحرب

أكونُ هناكَ في

غرفتي ..

أُرتِّبُ قصائدي

فالمدينةُ كُلُّها.. كُلّها

بحاجةٍ

لامرأةٍ بمثلِ بسالتي

***

سمرقند الجابري

لا أنام على حزن، ولا أذهب إلى المجهول،

دون أن أفكر في مآل غزة ..

ذلك الحزن في قصيدة معزولة،

في أقصى زاوية خوف، من عالم مخصي ..

كيف أبدو هنا، رجاء، ومن غير اعتذار، أو تجن..؟

كيف أبدو، في صورة لا وجه لها،

لا دما محتوما ..

رماة يقصفون السماء والأرض والتاريخ

كل أثر وحجر وهواء ..

أما الجيوش النائمة،

العار الشنار الحقارة الذلول ..

فليس أقذر من صوت وقع السياط،

رقاة دجالون لاَ يُحَرِّكُون سَاكِناً ولا قطميرا ..

كذا حزننا، دواة مدماة ونهر دموع لا تنتهي سواقيها ..

هل تقصر هذه الضعة من آكام السراب؟

أو تشحدنا صدمة الموت البطيء،

في عتمة الغرم والانتحار؟؟.

***

شعر: مالكة العلوي

عـــادَ الـمـغـولُ إلـيـك يـا بـغدادُ

بـكـتِ الـعـيونُ وذابــتِ الأكـبادُ

*

يــومٌ عـلى كـلِّ الـكرامِ مـزلزلٌ

فـرحَ الـحثالةُ وانـتشى الأوغادُ

*

والـعـلقميُّ تـوسَّـعتْ أشـداقُه

كُـشِـفَ الـلثامُ لـتظهرَ الأحـقادُ

*

صُـفْرُ الـوجوهِ قـديمةٌ أحقادُهم

فـالحقدُ قـد أوصـى به الأجدادُ

*

و الغدرُ شيمتُهم وليس بعارضٍ

هــذا هــو الـتـاريخُ حـيثُ يـعادُ

*

لـكـنّ هــارونَ الـرشـيد مـكـابرٌ

مـافادَ فـي بـعضِ الأمـورِ عـنادُ

*

هل يُرتجى عندَ اللئامِ سماحةٌ

فـالـجمرُ جـمـرٌ لــو عـلاه رمـادُ

*

إنْ غـرَّكم جـلدُ الأفـاعي ناعماً

فـالـسّـمُ فـــي أنـيـابِـها وقّــادُ

*

لا ضـيرَ أنْ تـرقى الـثعالبُ مرّةً

والـلـيثُ تُـثْـقلُ كـفَّـهُ الأصـفـادُ

*

ولـربّـما  فــرحَ الـحمارُ بـسرجِه

مـاخافَ مـن سرجِ الحمارِ جيادُ

*

هـو لـعنةٌ كـانت على أصحابِها

يــومُ الـوغـى تـتـقابلُ الأضـدادُ

*

والـفـوزُ فـيـها لـلـذينَ حـيـاتُهم

لـن تـنتهي إذ تنتهي الأجسادُ

*

قـومٌ تـسامى للشّهادةِ جلُّهم

إنَّ الـشـهـادةَ مـنـهـجٌ وجـهـادُ

***

عبد الناصرعليوي العبيدي

كانت هناك سعادة غامرة  انطبعت بشكل مذهل على ملامح الخفافيش والبوم؛ سعادة قد لاتقدر بأيّ وصف.

إذ حالما تلاشت  الشمس بكسوف كلّيّ توقعه الفلكيون منذ زمن حتى عدّلت الخفافيش من وضعها المقلوب الذي اعتادت عليه في النهار وحلقت بشكل مفاجيء في المدن التي شملها الكسوف أما طيور البوم فقد توسعت عيونها وهي تستوعب الظلام وتنطلق في جميع الاتجاهات  ...

فئران

وحشرات تزحف أو تطير

جنادب وصراصر تغرّد في الحدائق العامة وبين ثقوب الجدران

أصبحت الخفافيش والبوم تملأ أجواء المدن المصابة بداء الكسوف.

في حين أوت عامة الحيوانات من طيور وقطط الى أعشاشها وجحورها كي تتمتع باسترخاء لذيذ من دون ان يهمهما أن تعرف لماذا قدم الليل مبكرا قبل موعده بساعات طويلة.

توقفت السيارات على جوانب الطرقات.

وبدأ الركّاب وروّاد المقاهي والحانات يتمتعون بالسماء الغارقة بالخفافيش والبوم.

أغلق الموظفون نوافذ مكاتبهم خوفا من ان تتسلل النسور والخفافيش الى داخل غرفهم. كانوا يراقبون المشهد المثير من أماكنهم المحصّنة البعيدة وهم مبهورون بالحرب الدائرة  بين الخفافيش والحشرات والبوم والقوارض التي اندفعت من جحورها.

كلٌّ يبتلع

وكلٌّ يفترس

قالت أم لابنتها الصبيّة التي وقفت عند النافذة تراقب  باهتمام:

لا تنظري من دون النظارة القاتمة باتجاه الشمس وإن تلاشت تماما كي لا تصابي بالعمى.

ردت الصبيّة بذهن شارد:

لا تهمني الشمس لقد حل ظلام دامس لكن ما أجمل المشهد.. في السماء آلاف الخفافيش مثل أسراب السنونو تحلق أظنها تنقض على ذباب وبعوض  يطير.

أووه مهما يكن استمتعي ولا تنظري لمكان الشمس من دون نظّارة.

وفي إحدى الدوائر قالت موظفة في الثلاثين من عمرها وقفت تتطلع إلى الرصيف من نافذة المكتب:

كم هو مثير للاشمئزاز أن تنقض بوم على فئر مسكين

همس الشاب الثلاثيني في أذنها:

هناك مشاهد أجمل

وامتدت يده تمسح على ساعدها.

ارتسمت  الدهشة على الوجوه من دون أن يعوا أنّ هذا المشهد يحدث كلّ  ليلة حالما تغيب الشمس لكنّهم لم يعوه لأنهم في ذلك الوقت يكونون قد غطّوا بنوم عميق  لا يمارسون فيه إلا بعض الأحلام.

***

قصة لمحة

قصي الشيخ عسكر

في مغامرات طفولتي المزهرة، كنت أزرع في قلبي بذور التذمر، مراقبًا كيف تتفجر الشرارات لتقزم لعبي وتمسخ أفكاري، كمن يرسم بالفحم على جدران ذاكرتي. كنت كبرعم غير متفتح بعد، يتساءل في جدية كوميدية: "هل أنا من كوكب آخر؟"، غير قادر على تحديد موطني في هذا الكون المترامي الأطراف. أذكر كيف كانت ضحكاتي تنطلق، لا من الفرح، بل من روح تستهزئ بكل شيء، من الأفق اللا متناهي إلى السماوات الشاسعة، متمردًا على النسيم، محتجًا على الدموع الغادرة التي تسرق الفرح من عيني. كانت أفكاري المشتتة - من الأحكام إلى القيم والمبادئ - تبدو كقيود تثقل كاهلي، تخنق براعم الحرية لدي وتكبل أجنحة الإبداع. كثيرًا ما كنت أتساءل، في لحظات فكاهية ذاتية، لماذا أنا، من بين كل الناس، أرى ما لا يرون وأشعر بما لا يحسون؟ هل لأنني مخلوق فضائي، أم لأن هذا الأنف الكبير الذي كان مصدر تسلية أخي قد منحني هذه القدرة الخارقة؟ وبفضل تفكيري العميق، أهداني القدر صلعًا مبكرًا، تاركًا لي خصلات قليلة يتيمة، تحاول بشجاعة أن تضيء ظلمة الليل كنجوم قليلة وخجولة. في أحضان أسلو، تلك المدينة اللطيفة التي لم تكن قط في قائمة أمنياتي السياحية، وجدت نفسي ضائعًا في كوميديا الأخطاء، حيث الثلوج تتنافس على منح أفضل عرض للجمهور والليالي طويلة كمسلسلات الدراما التركية. بدأت هنا مغامرة لم أسجل لها في دورات التدريب، فصل جديد يضع "المغامر" بدلاً من "النبي المزيف" على بطاقة تعريفي. أهلًا بك في النرويج، حيث الأحلام تتخذ شكل فطائر الوافل والحياة ملونة ككرات الديسكو. في أيامي الأولى، كان كل شيء يبدو كأنني انقلبت من كوكب آخر، من السكان الشقر إلى الطبيعة التي يمكن أن تكون بطاقة بريدية. وأنا أتجول في أسلو، تلك المدينة العريقة بمبانيها التي قد تعتبر معالم تاريخية أو مجرد مراكز تسوق قديمة، كنت أحاول استيعاب هذا الكوكب الجديد. من الأضواء التي تزين المدينة كأنها تحتفل بعيد ميلادها كل ليلة، إلى الناس الذين يحملون قصصًا قد تصلح لمسلسل أو فيلم وثائقي عن "سكان الشمال. وأنا، ذلك الغريب الذي يبدو كشخصية من كتاب طبخ عالمي، تعلمت لغتهم، وغصت في ثلوجهم، وحاولت أن أفهم إذا ما كانوا يضعون الكريمة على كل شيء كما يفعلون مع القهوة. وفي أعماقي، كان هناك هذا النقاش الداخلي الطريف: هل أنا هنا للبقاء أم مجرد زائر يتساءل عن مكان البيتزا الجيد؟ في الليل، بينما أتأمل الأضواء الشمالية التي تبدو كحفلة ليزر فاخرة، كنت أجد نفسي محاطًا بالغربة، تلك الغربة التي تجعلك تتساءل: هل كل هؤلاء الناس يشعرون بالبرودة مثلي أم أن لديهم جينات مضادة للثلج؟ في نهاية المطاف، بينما كنت أقارن بين النرويج وبلادي، بدا لي أن الحياة هنا تمزج بين الحفلات والاحتفالات بالنهار القصير والليالي الطويلة التي تعطي فرصة لمشاهدة المزيد من الأفلام. وأدركت أنني، على الرغم من كل شيء، قد وجدت في هذه الأرض مكانًا يمكن أن أسميه منزلاً، حتى لو كان الجيران لا يفهمون مزاحي دائمًا.

في بلد الثلوج والحكايات المسحورة، حيث السماء تعانق الأرض كأنها تشارك في برنامج تلفزيوني للأزواج، وجدت نفسي غارقًا مرة أخرى في محيط الحب، متزوجًا من (بريت)، الجميلة التي تجمع بين الأنوثة وذكاء أينشتاين. تمتلك جاذبية قوية بما يكفي لتجعل الثلوج تتحول إلى ماء من الخجل، وروحها المتوهجة تنافس الشمس نفسها على دفء البهجة. (بريت)، بمهارات التضحية التي قد تجعلها بطلة في مسلسل الأم المثالية، تحمل مزيجًا من القوة والنعومة. تنجز الأعمال بكفاءة تستحق الجوائز داخل وخارج المنزل، محولة يومياتنا إلى ملحمة تفوق أفلام الأكشن بروعتها. أرى فيها انعكاسًا لسحر النرويج الأخاذ، كأنها تمثال نحت بعناية ليجسد الكمال الإنساني. أيامنا كانت مزيجًا من المرح والسعادة، أنا القبطان الشجاع وهي الربان الأمين. إعجاب الناس بها كان يوقظ غيرتي، لكنها، بنبرة تفيض بالحكمة والسكينة، كانت تعيد ترتيب أوراق الثقة. "لماذا الهلع؟" كانت تقول، وكأنها تقرأ أفكاري، "ألست أنت أيضًا نجم الحفلة؟" وبهذه الكلمات، كانت تطفئ نيران الغيرة بماء العقلانية. لم يخطر ببالي أبدًا التفكير في أخرى، فمع (بريت) وجدت كنزي الثمين، حب لا يحتاج إلى تأكيدات أو بدائل. في حضورها، كنت أجد نفسي مكتملًا، مرتويًا بحبها وفهمها. تعلمت بجانبها أن الحب ليس مجرد كلمة، بل رحلة مشتركة نحو الفهم والتقدير المتبادل. كل يوم معها كان يزيدني يقينًا بأني وجدت الشريكة المثالية، التي تشاركني الأفكار والأحلام، فتاة تحمل شغف العمل والمعرفة، تتحدى الروتين بروحها الجذابة. مع (بريت)، تحولت النرويج ليس فقط إلى ملاذ، بل إلى وطن يحتضن قصة حبنا، حيث كل زاوية تروي جزءًا من ملحمتنا الرومانسية، حيث يمكن لقلبي العثور على الدفء في ليل النرويج الطويل وبردها القارس.

الاحترام! هذه الكلمة صداها في الهواء كان أشبه بطبل في حفلة صاخبة، محاولة يائسة مني لأبدو كالمخرج في مسرحية حياتنا الزوجية. أما ضحكتها، يا لها من مزيج متفجر بين السخرية والتحدي، كانت بمثابة الضربة القاضية لكبريائي، الذي كان يتآكل أسرع من السكر في فنجان قهوة. طلاقنا؟ أوه، كان بمثابة شهادة وفاة لكل تلك الأحلام الوردية، إقرار بالهزيمة في مباراة لم أعلم حتى أنني كنت ألعبها. في الديار البعيدة، حيث يفترض أن الرجال كالصقور، كنت أتوقع أن تكون النساء كالحمائم، لكن يبدو أنني نسيت أن الحمائم يمكن أن تكون شرسة أيضًا. وها هنا، في أرض الخيالات والثلوج، حيث كنت أظن أن السماء تلمس الأرض، اكتشفت أن الصقور قد تحتاج إلى تعلم الرقص من الغزلان. في تلك اللحظة المليئة باليأس، كنت أتساءل، هل كنت أبحث عن ملاك في عالم لا يؤمن حتى بوجود الجنيات؟ أدركت أن ما كنت أطارده لم يكن إلا وهما، صورة غير حقيقية للحب والشراكة، شيء لا يمكنه التنفس أو البقاء حيًا في عالمنا هذا.

تأملت في (زهورة)، ابنة عمي، تلك البطلة من نوع خاص تمزج بين قوة البغال ونعومة الغزلان، بإخلاص كلب وطاعة... حسنًا، ربما ليست طاعة الكلاب تمامًا. (زهورة)، ذلك الكائن الذي ترعرع في نفس الأرض الطيبة التي نبتنا فيها، لكن يبدو أنها استحوذت على كل الأسمدة الجيدة! كانت عيناها دائمًا تبرق بشيء مختلف، شيء يشبه الأمل أو ربما مجرد عدم الرغبة في الاستماع لنصائح الكبار. فكرت، هل يمكن أن تكون زهورة هي الجواب لألغاز حياتي المحيرة؟ هل يمكن أن تكون هي الملاذ الآمن الذي كنت أبحث عنه، أو هي مجرد فصل جديد في كتاب مغامراتي المليء بالتوقعات الخاطئة؟ في تلك اللحظات العميقة من التأمل، وسط الأوراق المبعثرة وذكرياتي العشوائية، أدركت أن مسيرتي في مطاردة السراب قد وصلت إلى نهايتها. الآن، كل ما أردته هو قليل من الصدق مع نفسي وبعض اللقاءات الروحية التي كنت أهرب منها. وها هي زهورة، تلك الفصول الجديدة المحتملة، تنظر إليّ بنظرات قد تغرق سفينة بكبريائها وعنادها. في تلك اللحظة، شعرت بالهوة الواسعة التي صنعتها الأيام بيننا، وتساءلت، هل كنت أنا الجسر الذي لم يكتمل أم كانت هي النهر الذي لا يمكن عبوره؟

زهورة، هذه البطلة غير المتوقعة في ملحمتي، وصلت كنسمة عليلة قد تحمل الشفاء، لكن سرعان ما تحولت إلى كتاب معقد بلغات لم أتقنها بعد! شهر العسل اختفى كأنه خدعة سحرية لم تكتمل، تاركًا خلفه قصة درامية مليئة بالمشاهد الحوارية الحادة والمواقف التي تستحق البكاء عليها... أو ربما الضحك، اعتمادًا على المزاج. فجأة، بدأت زهورة تعزف لحن استقلاليتها، تخلت عن دور "الزوجة التقليدية" وقررت أن تصبح بطلة قصتها، تاركة إياي في دور الكومبارس المشوش. كل نقاش بيننا تحول إلى مبارزة فكرية، مناقشة الأخبار، تقلبات الطقس، أو حتى نوعية الهواء كان يمكن أن تنتهي بتبادل النظرات القوية والأفكار المتطايرة. وفي تلك الليلة، بينما كنت أحاول مد جسور التفاهم عبر هوة سوء الفهم اللامتناهية، أدركت أن كل قوانيني ومعتقداتي حول الحياة الزوجية كانت تتهاوى كبيت من الورق. القمع؟ العنف؟ لا، لم يكن ذلك أسلوبي. كنت أسعى للإصلاح بالحوار، ولكن كيف تحاور من يتقن فن التحاور أفضل منك؟ كان السؤال الكبير: هل يمكن للكلمات أن ترمم ما أفسدته الأيام، أم أن الصمت أحيانًا يكون أبلغ من كل حوار؟

أمسكت بيدها، كشخص يحاول إنقاذ ذرة من الملح من الذوبان في بحر، متأملاً في إيجاد شرارة من الود قد تضيء لنا طريقاً في ظلمات خلافاتنا. في ذلك الصمت العميق، كنت أتساءل بيني وبين نفسي: هل يمكن لبذرة الحب أن تنبت مجدداً في هذه التربة المتجمدة بيننا؟ هل يمكن للمسة أن تذيب جبال الجليد التي تكونت بيننا عبر السنين؟ وفي ذلك اللقاء، كنت أدرك أن الزمن والواقع قد غيرا زهورة، لم تعد تلك الفتاة التي تنحني كالأغصان في الريح، بل أصبحت كالشجرة الرواسخ التي تعانق السماء بثقة. لقد كانت تلك الزهورة الجديدة تبحث عن ضوءها الخاص، ترفض أن تكون مجرد ظل لي. كان حبي بنظرها كالماء الملوث الذي يروي لكنه يسمم في الآن ذاته. أيها المفكر العظيم، يا من تتوهم أنك بحر من الحكمة، هل فكرت يوماً ما الذي يجعل اثنين يقرران مشاركة حياتهما معاً؟ هل للتسلط مكان في عالم القلوب، أم أنها ميادين للتفاهم والاحترام المتبادل؟ بلغة العقل والمنطق التي تعشقها، ألم تتساءل لماذا يطلب الإنسان الشراكة والصحبة في هذا الوجود الواسع، إن لم يكن بحثاً عن معنى أعمق يسكن في تبادل الفهم والاحترام، بعيداً عن أي قيود أو سطوة؟ أرغب بالتحليق، لا بأن أظل طيفاً يتبعك حيثما ذهبت. أريد أن أكون زهورة التي لها إرادتها واختيارها، لا مجرد شريكة تنحصر في دور مساند. إن كانت الحرية التي اكتسبتها من هذه الأرض تعني شيئاً، فأنا بالفعل أعتز بها. أشعر بالفخر لأنني بت قادرة على قول 'لا' بصوت مرتفع وواضح. 'لا' لحياة تراني فيها مجرد إلحاق أو ظل. أريد أن أعيش كزهورة ذات كيان مستقل، ليست فقط صدى لوجودك. وفي ذلك الزمان الحاسم، وسط ضجيج الشوارع المليئة بالحياة، والأصوات المتداخلة التي ترسم صورة معقدة، شعر هو، المفكر، بأنه تحول إلى جزيرة معزولة وسط بحر عاتِ. النساء اللواتي يمررن بجانبه، كل واحدة منهن تحمل عالمها الخاص، قصتها الفريدة، تحصيناتها التي لا يمكن للفلسفة وحدها اختراقها. وها هو يراقبهن، كمشاهد ينظر إلى مسرحية في عالم بديل، عالم لم يعد يعتبره موطنه. كل امرأة تمر بجانبه تصبح مرآة تعكس فشله، تذكيرًا بعجزه عن استيعاب الآخر، عن إقامة صلة حقيقية مع الإنسانية التي يشاركونها. وسط الحياة المزدحمة التي لم تعد تحتويه، قرر هذا المفكر أن ينظر إلى الداخل، أن يعيد ترتيب أفكاره، ساعيًا لاستخلاص بعض الحكمة من مرارة ما عاش. زهورة، في خطوة تمرد، تركت العش الزوجي خلفها، وأصبح هو بمفرده، مذهولًا، كأن فمه مفتوح على مصراعيه ليبتلع العالم. والآن، يتجول في شوارع أسلو، يتابع بنظراته كل امرأة تمر، كل واحدة تحمل قصتها، ثقافتها، هويتها. يملأ اليأس عينيه، كأنه يحمل كيسًا متخمًا بالخيبات والمرارات. يتحدث إلى نفسه، يبحث بين الوجوه، يصرخ في صمته وهو يواجه أوهامه المتهاوية. الزواج، بالنسبة له، أصبح كالأرض الخرافية التي لا يمكن بلوغها، قد يكون قرر التحول إلى فيلسوف العزوبية، يستخدم ذكاءه لفك شفرات خيبته، لعله يجد في تأملاته نوعًا من السلوى أو حتى الإلهام لنقد لاذع يرسم به ملامح عالم النساء، ذلك العالم الذي بات له بمثابة لغز مستعصٍ على الفهم.

***

زكية خيرهم

 

الهرير..

لمي سواد الليل حولي

ودعي الضوء يجاري

نسمة الصبح ،

على اطرافها ،

زمي لهاتيك زما..

وتسللي من كل زاوية الهرير

ترينه ، همساً ولثما..

**

وإبقني أرتع بالغيم

مبتلاً بقطرات المطر..

ودعيني أعبر القارات

في ضوء القمر..

واملئيني في كؤوس الحب

خمرا

انتشيً

رشفاً وضما..

**

واهمسي

قولي، هنا مثواك

لا تصرخُ  بعد الآن

من صمت الدهور..

انه هول الصدور

يتمايلن في سهد

على رمل السواحل..

**

وإتركيني

في صحارى الكون أحدو..

ودعيني في بحار الكون أشدو

وجهك الحنطي يدنو

صوب وجهي

**

جمعيني كلمات من ذكرياتي

في دجا الليل سراباً كالبحور..

كفكفي دمعك عن وجهي

ولميني

ولا تبكين في هجري وبعدي..

ولا تشكين في صمتي وسهدي..

طوفيني في رحاب الكون أعمى

واتركيني في مهب الريح أهوى

وجهك الحنطي في عيني

نبيذا وضراما..

**

هو ذا البرق إذا ساد

على الحقل تجلى

في جمال الوجه والهدب

والعينيين

لهيباً وغراما..

**

كل يوم  زاخر

في غفوتي

أمشي ولا أدري طريقي

ودليلي ، ذلك الحقل الذي افزعني

( زيغٌ )،

يملؤ الاكوان

شؤما  وزعيقاً..

**

أهو الشؤوم

أره ، حلماً

وخيالات

ترائت عند صحوي؟

وتلاشت في دروب التيه

لا تلوي على شيء

عدى وجهٌ طفوليٌ نحيف

ينشر البسمة كالعطر الرهيف

في ليالي الحلم ،

والحلم تجلى

في رحاب الغيب ،

والغيب سراباً أو نحيب..

***

(2)

الإنتظار..

قلتُ ، ستأتي

لكنكَ لمْ تأتِ..

وأتى الحزن بديلاً

والمعنى ،

حاصرني الهم طويلا..

هل تذكر

إنك أقسمت

بأن لا تبرح وجهي

وأنا أيقنت ، ستأتي

فتلاشى قيظ الحر

وجاء هرير البرد

وتناثر جمع الثلج

لكنكَ ، لمْ تأتِ ..

حاصرني الصمت كبحر الظلمات

حتى كدت أسمع صخب الصرخات

وحين احدق من نافذتي

لم أر غير الثلج تلالاً

أفتح مزلاج الباب

فتصقع وجهي ريح مثلوجة

في الخارج اشباح

شجيرات الصفصاف

شاخصة

وأظل احدق عليَ

ارمق شبحاً يأتيني

من خلف الغاب الابيض

لكنك، لم تأت..

واجدني متيبسة مثلوجة

أسمع صرخات

لن يأتي

لكني اظن

بأنك تأتي

وأنا أنتظر الآتي

من بين ركام الثلج

على الطرقات،

الغارق في اللامعنى..!!

***

د. جودت العاني

08/04/2024

.............................

(حين يتحول الأمل إلى اللامعنى، حيث أسر الوجود... نص من وحي فلسفة ألبير كامو)

رمْتَ المعالي فالتحفْـتَ ســـــناها

وأنـسْتَ مُرتَــشِـفا  رضابَ لماهـا

*

تـعـدو إليــك، وأنـت تعـلـمُ أنّـــها

لاتبْـتـغي مـَن لا يــَفـي بمُـنـاهـــا

*

غـازلْـتَهـــا فـتجاوبَـتْ فـكأنــــها

لمْـيـاءُ باكـرَها الـهـوى فـشــفاها

*

تـعْدو وتـعلـمُ أنّ جــسمَـك ناحـلٌ

لكنّ نفْــسـك يا (عَديّ) ســـماهـا

*

تعطيك مِن طرف اللسان صبابةً

حتى إذا عشـِقتْ غنمْتَ رُباهـــا

*

تجلو عوارضَها ابتسامـةُ صادقٍ

لامـَن إذا ابتـسمتْ تلوكُ شـفاهـا

*

إن شـئتَ تُبْحرُ بالعيون، فعـينها

تـهِبُ الأمانَ لِمن يـخافُ مَداهـا

*

حـدِّقْ بمقلتها ، فـسبحان الــــذي

مِـن كل شــائنة الغرام بَـراهـــا

*

في (نون والقلم) الإله مُــباركـا

فــي أصلها وأصولها وخًـطاها

*

لاتحْـذرَنَّ غـرامَـهــا ،فـهواهــا

مِن أقدس الحبّ الأصيل هواها

***

(من الكامل)

شعرعدنان عبد النبي البلداوي

 

من أَيْنَ يأتي المطرْ؟

الى بلادِنا اليابسةْ

وكيفَ يسقي الندى

قلوبَنا البائسة

من فرْطِ ضيمِ الحروب

مسدساتِ الطُغاةْ

مخالبِ القُساةْ

وجحيمِ الغزاةْ

والطائفيينَ والطائفياتْ

وأَنينِ المقابرِ الجماعية

وكوابيسِ العشائريينَ والمُعممينَ

والنرجسيينَ والبعثيينَ والداعشيينْ

وذوي القلوبِ السودِ والظلاميينْ

ومشعلي الفتنِ وصانعي المجاعاتِ

والحصاراتِ والاوبئةِ السود؟؟؟

والقادمُ هوَ الاخطرْ

*

من أَينَ يجيءُ الماءُ إلَيْنا؟

بعدَ أَنْ أَعتقلَ {العثمانيونْ)

كلَّ السواقي والعيونْ،

والينابيعُ غيَّبوها

في سدودِهم القاسية

وفي قلوبِهم العطشى

للدمِ والماءِ

والوحلِ الخانق؟

*

من أَيْنَ يأتينا

مطرُ الله؟

بعدَ أن باعَ الجنرالاتُ

والقتلةُ والخونةُ

والرعاع ُوالمرتزقة

واللصوصُ المرتشونْ

باعوا زرعَ وضرعَ الارض

وأَقفلوا ضرعَها الحنونْ

حتى نعيشَ نحنُ

جوعى وعطاشى

ونموتُ فقراً وقهراً وجنون؟

*

* من أَينَ ياالهي

يأتي إِلَيْنا المطرْ؟

مادُمْتَ لستَ راضياً

عن هذهِ البشرْ؟

*

* ياربُّ هَلْ يُرضيكْ

هذا العطش؟

والماءُ نبعُ الرافدين؟

ياربي باللهِ عليكْ

اخبرني ... قُلْ ليْ

أينَ أَمطارُكَ أينْ؟

ماالذي يحدثُ الآن

ماالذي يحصلُ

ويدورُ كلَّ حينْ؟

في أرضِنا الثكلى

وفي حياتْنا الهَشَّة

وفي عالمِنا الحزينْ؟

***

سعد جاسم

أعترف بأنني لم أكن فتاة هادئة مطيعة سهلة المعشر من ذلك النوع الذي يتمناه أي والدين،و أتصور أن تنشئتي وصقل جميع المزايا التي حظيت بها لاحقاً كانت مرهقة لهما لهذا لم أتوقف يوماً عن الإمتنان الكبير لهما وفداؤهما بروحي، كنت حادة المزاج، طويلة اللسان، عنيدة، متفوقة جداً دراسياً وقائدة بالفطرة لدي تأثير كبير ومدمر في حياة البنات للحد الذي كثيراً ما دفع الأمهات إلى إبعاد بناتهن عني لإعتقادهن أني أفسد شخصياتهن بالتمرد على العادات والتقاليد والعصيان للأوامر وعلى الرغم من ذلك العذاب وجدت الكثير من الحب والقبول والصبر من والدي وأفراد أسرتي الصغيرة المحبة الدافئة.

إحدى طباعي السيئة الكثيرة التي إمتلكتها حتى وصلت سن السادسة عشرة هي تأليف قصص وأحداث من الخيال، كنت عندما أتعرف على أصدقاء جدد أو أصادف أي شخص غريب ويسألني عن إسمي أشعر برغبة ملحة في عدم الافصاح عن إسمي الحقيقي أتنقل بين أسماء حركية عديدة مثل "فاطمة خميّس، نوال، روان، رقية، نسيبة، داليا، هناء، هنية، فاتن"

وأتماهى مع العوالم الموازية لكل إسم فتارة أدعي أن والدي صاحب بقالة الحي وأنا الإبنة الوحيدة ناسفة حضور جميع إخوتي وأخواتي من حياتي وعلي ترك المدرسة لمساعدته ماديا، وتارة أجعله ضابط في الشرطة ولدي أربعة إخوة غلاظ شداد يرعبون الجن والإنس معاً، أو أنتظر أن أنهي دراستي الثانوية بأسرع وقت ليرسلني والدي "وكيل ساعات رولكس في المملكة" لدراسة فنون وقواعد الإتيكيت بجنيف.. وهكذا

كنت أكتب ملامح الشخصية التي أقرر أن أتقمصها بحياتها وظروفها ويومياتها وحرصت على عدم إختلاط العالمين ببعضها مطلقاً لاسيما أني وفي مواضع عديدة لم أستطع ممارسة تلك الهواية عند معارف العائلة أو صديقات المدرسة وعندما كانت الظروف لاتسعني بتقمص إحدى أسمائي الحركية كنت أكذب بالتفاصيل الأخرى، وصلت  من الإحتراف والدقة للحد الذي يصعب فيه إكتشاف كذباتي البيضاء، كنت أراها مجرد كذبات بيضاء أستخدمها للمتعة وللإبحار بالخيال وإضفاء بعض المغامرة إلى حياتي الرتيبة المنغلقة وعلى الرغم من ذلك كنت أشعر أن صديقاتي بالمدرسة ينتابهن الشك في أحاديثي والميل إلى عدم تصديق معظم الحكايات لكنهن لم يكشفن عن شكوكهن وفضلن الإستمتاع في السرد القصصي والحكايات الساخنة الخيالية على إكتشاف الحقيقة بل حتى أنني تعرفت على صديقة جديدة تفوقت علي بمراحل بالكذب والغريب أني كنت أعلم أنها تكذب وهي تعلم أني أكذب لكنا كنا نعيش كذباتنا على بعضنا.

في عطلة نهاية الأسبوع كنا نسافر لزيارة أقاربنا في مدينة أخرى تبعد عنا قرابة ال ١٨٠/كلم لأن قضاء العطلة في مدينتي المنعزلة كان أشبه بالعذاب لا يوجد مرافق ترفيهية كثيرة في ذلك الوقت عدا عن الأسواق والمهرجانات الشعبية، ذهبنا إلى منزل خالتي لحضور إحدى العزائم حيث جمعت قرابة الاربعين سيدة ولأن  ذلك الأسبوع صادف فترة الإمتحانات النصفية في المدرسة بالإضافة إلى أن البنات الصغيرات لم يكن مرحب بهن بين الضيوف صعدنا أنا وقريبتي إلى الطابق الثاني للمذاكرة إستعداداً لامتحانات يوم السبت، وأثناء الدراسة شعرت بالملل وتعكر المزاج يعصف بالأجواء توجهت إلى الغرفة المجاورة وسحبت التلفون ورحت أتصل على أرقام عشوائية علنا نجد من نثرثر معه وبعد عدة محاولات مملة فاشلة ردت علينا إمرأة كبيرة في السن سألتها:

- هذا منزل أريح؟

ردت:

-لايوجد لدينا أي بنت بإسم أريج فقط أنا خالتك وداد وعمك عبدالله نأكل مكسرات ونشرب الشاي من أنتِ؟

شعرت أني وجدت ضالتي، عجوز ثرثارة هذا كل ما أبحث عنه لذبح الملل، مباشرة قلت لها: إسمي رقية..

سألتني عن إسم عائلتي فإخترت لقب إحدى العوائل العريقة في المملكة التي تنتمي إليها إحدى صديقات والدتي وخالتي، أبهرها اللقب وراحت تسألني بفضول عن حياتي ويومياتي وعدد الخدم والحشم والغرف التي نمتلك ببيتنا أو قصرنا، ولأجل إضفاء المزيد من التراجيديا قلت لها: لحظة يا خالة صحيح أني أنتمي إلى هذه العائلة لكن وضعي ليس بالجيد كما تعتقدين والدي تزوج والدتي من طبقة فقيرة وكانت ثمرة ذلك الزواج الغير مرغوب إبنة "أنا" لهذا منحت اللقب لكني لم أمنح الميزات كحال شقيقاتي من والدي عشت منبوذة بينهم وأشعر دوماً باللإنتماء كبرت على الحسرة لكني لم أطلب منهم أي شيء لأني عزيزة نفس لهذا قررت أن أجتهد بدراستي وأنجح نجاحاً يخجل أهل والدي حتى من الإقتراب مني"

يبدو أن الخالة وداد إنبهرت بالشخصية بشكل فظيع فتاة في المرحلة الثانوية عاشت كل تلك الظروف الصعبة لديها هدف وصلابة نفسية وأخذت تتفاعل معي وحكيت لها عن مواقف حينما شعرت بالإهانه من قبل زوجة والدي وبناتها وبكيت وحزنت لأجلي وطلبت مني أن أعتبرها صديقتي وأتصل عليها كلما سنحت الفرصة وفي أثناء المحادثة المشحونة بالعاطفة رفعت السماعة إبنة خالتي وقالت: "لمى حبيبتي إغلقي الخط أحتاج إستخدام الهاتف ضروري"..

ولسواد حظي الأعظم ومساويء الصدف لك الليلة أن خالة وداد لديها كاشف وعرفت رقم الهاتف وأعادت الإتصال وهي تزبد وترعد وتشتاط غضباً وتصرخ"ياكذابة تكذبي علي؟ أنا تكذبي علي" وإبنة خالتي تحاول تهدئتها ثم كلمتها خالتي لتفهم الموضوع فأخبرتها مافعلت..

ليصدف أن وداد هذه مالكة لمجموعة مدارس والتي تعمل خالتي في إحداها كمديرة.

صديقة وداد المقربة كانت إحدى المعازيم.

صديقة والدتي التي انتحلت لقب عائلتها كانت موجودة كذلك

ولإنقاذ الموقف صعدت خالتي للطابق الثاني وجرتني من كتفي وانا أرتدي البجامة بشعري الأشعث أمام أربعين سيدة يتفرجن علي أنزل الدرج أبكي كمجرم يساق من حبسه الإنفرادي إلى قاعة المحكمة لأتصل على خالة وداد وأعتذر للجميع على الكذب الذي كذبته.

كنت أردد بيني وبين نفسي: أنا لا أكشف ولا أستحق أن أتعرض لهذا الموقف المهين لكن خير يا وداد سوف أريك النجوم في عز الظهر.

يتبع الجزء الثاني من المصائب

***

لمى ابوالنجا

 

— مِمَّ تشكو اليوم ياعِيدُ؟

أتشكو تَنْفِيسٌ...؟

أم تشكو تَسْيسٌ...؟

أم تشكو إفلاسٌ..وتَنْهِيدُ؟

*

— لاطالَ في ذاكَ المُنَى...

أو خَفْ عن شعبي العَنا...

أوجَدَّ تَجديدُ !

*

مافرحتي

إنْ جِئْتُ مُبْتَسِمَ الهوى

والوضعُ تنكيدُ !

والحالُ مَصْرُوفٌ دَواعيها

إلى حالٍ...هي البيدُ  !

*

لا معنى إنْ عَنَّتْ -قيامتها- عُروبتكمْ

أبداً سَتَخْذُلكمْ بـ(عرقوبٍ)

وتَقْنِعَكُمْ بأنَّ الحل...

إنْ الحل تَصْعِيدُ

وبأنَّ (غزة)

في صيامِ اللهِ مازالتْ

نزيفٌ الرحمةِ الأبرار تغشاها

وتَحْفَلُها الأغاريدُ

حوراء تَلبسُ بهجةً خضراء...

تغزلها التراجِيدُ  !

*

رُوسُوخي..أنني لم أزلْ

باقٍ على (أقصى) الأملْ

ماحَادَ بي عَـرَبٌ...ولا

حَالَتْ مواثيقٌ...وتَهويدُ !

*

أعيادكم  لكُمُ

ياأيها (الصِّيْدُ) المناكِيدُ !

وَليْ أنا عيدُ

حَتْمَاً سآتيكم بِهِ (نَصْراً) سَرَى

والله تأييدُ !

***

محمد ثابت السميعي - اليمن

إبريل ٢٠٢٤ م

 

يَستغرقُ الوقتُ

حَنيناً

يُلامسُ شِغاف

قلبي

أحتاجُ عُمراً أخر

يَتسعُ لكُلِ هذا

الحُب

الذي فَاضت به رُوحي

حتى غرقت في

عَذابها

كم يؤلمُني بل يُضنيني

أن أحيا في هذا

الغَرق

***

أريج الزوي

وقعت احداث هذه القصة بعد حرب الايام الستة عام 67. وكانت بدايتها بعد ان انفصل ابو النور الاصغر، عن والده ابي النور الاكبر فاتح الاقفال المشهور في حارة السوق، ليفتتح حانوتا اخر لفتح الاقفال، في فم السوق، تلك كانت منطقة مركزية يمر بالقرب منها كل عابر، وهي بهذا تعتبر باب رزق واسعا، يمكنه استقبال الكثيرين. ومثلما فعل ابو النور الاكبر، حرص الاصغر على الا يُشغّل احدًا في حانوته خشية ان يسرق الصنعة، فيشيع سرها ويقل بالتالي المتعاملون معها، وقد كان بإمكانك ملاحظة هذه السرّية التي عمل ابو النور ضمن حدودها، جاعلا اياها واحدا من اسرار شبابه التي يحرص عليها حرصه على براعة يديه الموروثة ونور عينيه الموهوبة. هكذا تحصن ابو النور الاصغر وراء مفاتيحة واقفاله العصية على الانفتاح، مع معرفته التامة بنقطة ضعفه وهي الجميلات اللواتي يعبرن طوال الوقت تقريبا بالقرب من حانوته. اما اذا كانت احداهن تدخل الى حانوته للبحث عن بديل لمفتاح ضائع او قفل مكسور، فقد كانت تعلق في سين وجيم اضافة الى اسئلة لها علاقة حينا.. وليس لها علاقة احيانا.

وقع في احد ايام ايار الساخنة اللاهبة، حدث لم ينتبه اليه ابو النور جيدا، واخذ يكبر رويدا رويدا، حتى كاد يملا دكانه ويستحوذ على كل اهتمامه. كان ذلك عندما دخلت دكانه امرأه ذات ملامح جذابة، يزيد في جاذبيتها انها كانت سمراء، الا انها لم تكن على قسط كبير من الجمال. اتخذت تلك المرأة مجلسها على المقعد المخصص لزوار الدكان ورواده، وهي تعلن عن تعبها من طول الطريق وضيقها الشمس اللاهبة. قدم لها ابو النور الماء البارد.. وتابع عمله. لقد فهم انها مجرد زائرة تريد ان ترتاح فترة قصيرة من الوقت.. بعدها تنصرف، غير ان جلوس تلك المرأة على مقعدها ذاك طال قليلا، فما كان من ابي النور الا ان توجه اليها قائلا: ان مشهد الشارع المحاذي لدكانه يغري بالجلوس، فردت عليه المرأة السمراء بسرعة من اعد الجواب وحفظ الدرس قائلة، انها قعدة لا تعوض، وانها مرتاحة جدا في جلستها تلك، ولما كان العمل قليلا في تلك الفترة بسبب " الميتون"، والبطالة التي عمت البلاد جراء الحرب. فقد انس ابو النور لتلك المرأة وراح يمارس عمله في اصلاح الاقفال واعداد المفاتيح مستعرضا كل ما ورثه من مهارة عن والده ابي النور الاكبر، وراحت المرأة تسترق النظر اليه موحية له بعدم اهتمامها بما يفعله، الامر الذي شجعه على العمل اكثر واكثر.

بعد قرابة الساعة استأذنت المرأة السمراء في الذهاب، فاخبرها ابو النور انه بإمكانها ان تبقى فترة اطول اذا راقت لها اجواء السوق، قالت المرأة ان هناك مشاغل تنتظرها في بيتها القريب، فرد عليها صاحب الدكان قائلا: ما دمت جارتنا بإمكانك ان تزورينا في اي وقت تشائين.

ابتسمت المرأة ومضت في طريقها خارجة من فم السوق.

في اليوم التالي اقبلت المرة على دكان ابي النور وكان منهمكا في اصلاح قفل استعصى عليه اصلاحه، فملأ وجهه العرق وعلت وجنتيه حمرة طارئة خشية ان يفشل في اصلاحه، ارسلت المرأة نظرة باسمة نحو ابي النور، واردفت قائلة إن جارها سبقها الى المحل وان اصلاح ذلك القفل استعصى فعلا على التصليح. ادرك ابو النور ان المرأة هي من ارسل اليه صاحب القفل فابتسم وتابع عمله وهو يفكر في تلك الرزقة التي هبطت عليه من السماء القريبة.

اتخذت المرأة مجلسها ذاته وراحت ترسل نظرة الى الشارع المحاذي العامر بالمارة، وعشرا الى ابي النور، شعر ابو النور بما تقوم به تلك المرأة فقام بمفاجأتها بنظرة معاكسة، خجلت المرأة واخفضت عينيها، خفرا وحياء. سر ابو النور لتلك النظرة ورأى فيها بادرة خير ارسلها اليه الله ويسّرها رضا الوالدين. تحدث الاثنان، صاحب الدكان وزائرته، عن الاوضاع الصعبة التي خلفتها تلك الحرب المفاجئة القذرة المدمرة، وتوصل الاثنان بيسر وسهولة الى اتفاق قضى بان تجلب له تلك المرأة اصحاب الاقفال المستعصية وان تأخذ عمولتها اولا بأول.

في اليوم الثالث ابتدأ العمل بالتحرك وشهد ازدهارا مفاجئا وغير متوقع، الامر الذي جعل الابتسامة ضيفة دائمة الحضور على وجه ابي النور، ومنح تلك المرأة الشعور الطيب بالانتماء الى ذلك الدكان، فطالت جلساتها ساعة اثر ساعة ويوما اثر يوم، وقد الهت كثرة العمل ابي النور، فكاد ينسى وجودها في الدكان، واقبل على عمله منتشيًا ، مبتسمًا وفرحًا، في حين تابعت سمراء السوق كل حركة ونأمة يقوم بها ابي النور في اصلاح الاقفال، والعثور على المفاتيح الملائمة التي يمكنها ان تفتح مغاليقها فتجعلها سهلة الفتح.

مضت الايام وباتت تلك المرأة واحدا من مشاهد دكان الاقفال المألوفة المعهودة، لدى السوق واهله، وكانت تلك المرأة، اذا ما غابت وقتا ما لهذا السبب او ذاك، شعر صاحب الدكان بغيابها، وانهال عليها حين حضورها بالسؤال تلو السؤال عن سبب غيابها، الامر الذي جعلها تشعر بأهمية وجودها.. وهل يطلب الواحد منا، اكثر من ان يكون له وجود لدى اهله والمحيطين به؟

هكذا شهد عمل دكان أقفال ابي النور ازدهارا فاق كل تصور، وتمكن، بفضل تلك الزائرة من التغلب على ما خلفته الحرب من بطالة وصياعة، بل ان اعمال الدكان اخذت بالتوسع، فراح صاحبه يفكر فيمن يساعده فيه، وهنا وقعت المفاجأة التي سيكون لها ما بعدها. قالت المرأة ولماذا تبحث عن مساعد لك وانا موجودة هنا قريبة منك، واعرف كل صغيرة وكبيرة في هذا المحل العزيز الغالي؟.. فوجئ صاحب الدكان مما قالته فسألها عما اذا كانت تعني ما تقوله، فأكدت له انها تعلمت المهنة وان معرفتها فيها لا تقل، بعد كل ذلك الوقت، عن معرفته هو ذاته.. بها وبأسرارها. ارسل ابو النور نحو المرأة ابتسامة ساخرة، مرفقًا إياها بغمزة من طرف عينه، وتناول قفلا بدا انه وضعه قريبا منه لوقت الحاجة، وأهاب بها قائلا: "فرجينا شطارتك". تناولت المرأة القفل، واعملت يدها به فاتحة اياه بسرعة الرغبة، ومعدلة ما اختلط من اعضائه وقطعه الدقيقة، وقدمته الى صاحب الدكان مفاجئة اياه بما لم يكن يتوقعه في اكبر تخيلاته.

في تلك اللحظة ابتدأت فترة جديدة في حياة دكان ابي النور للاقفال، وبات بإمكانه ان يوسع عمله اكثر واكثر، وكثيرا ما كان، في الفترة التالية، يترك سمراء لاستقبال زبائن الدكان وتصليح ما احضروه من اقفال معطلة، بل انه كثيرا ما كان يرسلها لإصلاح اقفال سيارات تعطلت اقفالها تاركة اصحابها في الخلاء.. خارجها.

مضى عمل الدكان على هذه الحال.. من تطور الى آخر، الى ان التفت صاحبه ان الناس يطلبون ان تصلح لهم سمراء اقفالهم، مؤكدين براعتها في التصليح وسرعتها في العمل، وقد دفع هذا كله صاحب الدكان للتفكير بما نزلت عليه به الدنيا من اوضاع مركبة.. معقدة، فاخذ يفكر اناء الليل واطراف النهار في تلك الجنية التي سرقت منه الصنعة وبرعت في معرفة اسرارها دون ان يدري، وبقي مفكرا ينام مفتوح العينين، الى ان خطرت له في احدى الليالي خاطرة، لخصها في السؤال الحاد التالي: ترى ماذا سيحل به اذا تركته سمراء وافتتحت محلا آخر لفتح الاقفال؟ وسرعان ما جاءته الاجابة.. ما ان بزغ فجر اليوم التالي حتى فتح دكانه مبكرًا مبكرًا .. وضع غلاية القهوة على الببور الساكت.. وجلس هذه المرة ينتظر سمراء.. ليعرض عليها.. الزواج منها

***

قصة: ناجي ظاهر

عذراً فيروز، عذراً للرحابنة، وعذراً لك يازهرة المدائن.

***

لأجلكِ يا مدينة الدماءِ

سأبكي

*

لأجلكِ ياغزيرة المدامعْ

ياموطن المواجعْ

يا قدسُ يامدينة الدماءِ

سأبكي

*

شعوبنا تغطُّ في سُباتِها و النومْ

كأنها حبيسةُ المراقدْ

ولَمْ تعدْ في أرضنا كنيسةْ

أو مسجدًا يُرى به مجاهدْ

*

ياليلة الإسراءْ

ياليلة أتى بها الأعداءْ

فدمرّوا وقتّلوا وهجرّوا

وأمّتي تفلسفُ الفناءْ

لا تكترثْ بما جرى

ترى ولكن لا ترى

وتحسَبُ الهوان في حياتها بقاءْ

*

الطفلُ في مجاعةْ

وأمّهُ مراعةْ

في البؤس غارقانْ

غارقانْ

كلاهما ينامُ في العراءِ

في البرد تحت رحمة الصقيعِ

وهجمة ِالشتاءِ

وفي شهر الصيام كلّ يومٍ يُذبحان

*

الغضبُ حديثٌ بائدْ

ولّى نحوَ النسيانْ

والدَمُ بعروقي جامدْ

فأنا جُثّةُ إنسان

عن كلّ قتالٍ  نائمْ

وبكلّ نضالٍ ناقمْ

وكوجهِ جبانٍ خانعْ

وجهي مسوَدٌّ قاتمْ

***

أحمد راضي

 

في نصوص اليوم