نصوص أدبية

نصوص أدبية

وصلتني رسالتك بعد إنتظارك لحرفي كل هذا الوقت وفي هذا الزحام المكتظ بالأحداث المرهقة....

كيف أشرح لك صمت قلمي في ظل هذا الهطول المتواصل للبكاء والنزيف وكأن تشرين كان على موعد مع الخراب في تلك البقعة البعيدة من الحياة؟ ...

كيف أشرح لك عجز حرف محبرتي من أن يأتي بسطر ينتشل الأمل من بين أنقاض الحطام وصراخ البراعم؟!

أشعر بقيد حديدي يقيد كلماتي وكأن كل الذي يحدث يفوق لغات العالم وأبجديته... وكأن الصور الآتية من هناك لا تحتاج إلى كلمات تخدش حقيقتها وتشوه تفاصيلها...

يؤلمني هذا العجز الذي شل حركة قلمي وأرداني قتيلاً آخر في الجانب الآخر... هذا العجز الذي يجعل مني شخصاً ثائراً وكأن المواقد تغلي في داخلي...

هذا الضجيج الذي لا يبقيني متوازناً على السطر كأن اهتزاز الورق يفوق الهزات الإرتدادية للأرض...

هذا الإلتحام المباشر بين حرفي الفارغ والألم الذي إختصر الحياة كلها في دقائق وتوابيت الموت تسير أفواج نحو السماء...

ماذا أقول وكيف أصف حجم الأيام الحبلى بالألم وكأن العالم كله يصرخ طالباً النجدة وإنقاذ الحياة؟

ماذا أقول وأنا أرى بحراً من الدماء يغرق الكلمات؟ وكيف أصف بكاء الرجال وصراخ النساء وموت الأطفال وظلام البيوت ووحشة الشوارع.

***

مريم الشكيلية / سلطنة عُمان...

أشـكـو الـى يـنـبـوعِـكَ الـضـوئـيِّ

مـن عـطـشـي

ويـشـكـونـي إلـيَّ الـصَّـبـرُ

أنـسـجُ شــوكـهُ ثوبًـا

فـأسْـعِـفـنـي بِـرَشـفـةِ سـلـسـبـيـلْ

*

وبـبُـردَةٍ مـن  وَردِ  روضِـكَ

تـسـتـعـيـدُ بـهـا حـمـامـتـيَ الـهـديـلْ

*

وبـمـا يُـضـيءُ دُجـى صـبـاحـاتـي

ويُـقـمِـرُ لـيـلـيَ الـمُـتـأبِّـدَ الـدَّيـجـورِ ..

يُـدنـي مـن يَـدي

تُــفَّـاحـةَ الإثـمِ الـحَـلالِ ..

ومـن جـلـيـدِ خـريـفيَ الـحـجريِّ

دفءَ ربـيـعـِـكَ الـمـائـيِّ يـا مَـسـرى " بُـراقـي "

نـحـوَ

" مِـعـراجِ " الـصـبـابـةِ والـهـوى

ونـهـايـةِ الـدربِ الـطـويـلْ

*

وتُـعـيـدُ نـبـضًـا

لِـلـمـشـوقِ الـسـومـريِّ

الآثِـمِ .. الـمُـتـبَـتِّـلِ .. الـشـيـخِ .. الـفـتـى ..

الـحَـيِّ .. الـقـتـيـلْ

*

لِـتـقـومَ فـي رمـضـاءِ بـاديـةِ الـسـمـاوةِ

أنـهـرٌ تـغـفـو عـلـى شـطـآنِـهـا الـغـزلانُ آمـنـةً

وواحـاتُ الـنـخـيـلْ

*

ويـجـيءُ جـيـلٌ

لـيـسَ يـعـرفُ أنَّ قـبـلَ مـجـيـئِـهِ

مـا  جـاءَ فـي " أوروكَ "

جـيـلْ

*

وأنـا وأنـتَ :

" بُـثـيـنـةٌ " يـحـدو بـهـودجِـهـا " جــمـيـلْ "

*

نـرتـادُ فـوقَ ســريـرنـا

جُـزُرًا بَـكـورًا

لـم تـطـأْهـا قـبْـلـنـا قَـدَمٌ ..

ومـا مـرَّتْ بـذاكـرةِ الـعـصـافـيـرِ .. الـفَـراشِ .. الـسـنـدبـادِ

ولا بـأحـلامِ الـخـلـيـلـةِ والـخـلـيـلْ

*

هَـيَّـأتُ لـلـتـنُّـورِ أحـطـابـي

فـهَـيِّـئْ  لـيْ رغـيـفـًا مـن طـحـيـنِـكَ

يُـشـبِـعُ الـقـلـبَ الـمُـوَزَّعَ بـيـنَ فـردوسٍ ونـيـرانٍ

لأفـتـحَ قُـفـلَ بـابِ الـمـسـتـحـيـلْ

*

لِــنُـشِـيـدَ " أوروكَ " الـجـديـدةَ

حـيـثُ لا خـوفٌ عـلـى الـغـزلانِ مـن ذئـبٍ

ولا مـنْ ســومـريٍّ عـاشِـقٍ صـبٍّ

يُـفـكِّـرُ بـالـرَّحـيـلْ

*

عـن أرضِـهِ الأولـى

ومـلـعَـبِـهِ الـقـديـمِ

وأشـرَفِ الـشـجـرِ الـنـخيـلْ

***

يحيى السماوي

السماوة  25/11/2023

بمـناســبة قـرب الانتخابات

اِغْـمِسْ بـنانَـك لا زَيفٌ ولابـَطَـرُ

واخْـتَـرْ نَـزيهاً ، له الآمالُ تنتظرُ

*

لا يـُـلدغ المَرءُ مِن جُحْـرٍ لِثانـيةٍ

إنّ التجاربَ مـيـزانٌ  بـهـا عِــبَـرُ

*

شاوِرْ أخا ثِقةٍ إنْ كنتَ في حَرَجٍ

فالنفسُ مِن طبعها تُـنهي و تأتمرُ

*

سَدِد خُطاك ولاتبصم على عَجـَلٍ

كم من سَفـيهٍ بثوب العدل يستـتـرُ

*

وكم وعـودٍ تُـريك الأفـقَ مُبتسماً

لكنهـا فـي ضباب الوَهْـم تــنغـمرُ

*

أدّوا يـَمـينـاً بـما قـد أقسموا عَـلَناً

لــكنَّ أكثرهـم بالعهـد قـد غَـدَروا

*

فـكن لبـيـباً ودقـق في شـؤونـهُـمً

لا يـنفع اللومُ إن جهـالهم عَـثَروا

*

لا، لا تُـجامل ، كـفانا مـا ألَـمَّ بنـا

فالجهـلُ إن شـاع لا يُـبقي ولايـذرُ

*

صوِّتْ لِحـُـرّ، فإن نابَـتْـكَ نـائـبـةٌ

تـلـقاه بالحـق عَـوْنا، لـيس يـعتـذرُ

*

الصوتُ كالـدّر لا ترمي بـه عَبَـثاً

فـرُبَّ صَوْتٍ ، به الأحوالُ تزدهرُ

*

ماخان حُـرٌ،فـطُهْـرُ الأصل يمنعـه

قـد جَسَّـدَتْ ذلك الأشـعارُ والسُّـوَرُ

*

ثَـقّـفْ بـنيك اذا اختاروا مُرشَّـحهم

فالقولُ منك يَـعِـيه السّـمعُ والبـصرُ

*

فـكم شِـــعارٍ بــليـغٍ فـي دعـايـتـِــه

لـكـنَّ خَـلْـفـــه أمّـيٌ ،  بـــه خَــوَرُ

*

اِغْـمِــسْ بَـنانَـك ، فالأحـفادُ ناظِرةٌ

تـخطـو خُطاكَ ، فدعها فيك تفتخرُ

*

الخُـلـدُ للمخلصين الصادقـين ومَـنْ

خـانَ الـبـلادَ ، فـلا عيـن ٌ ولا أثـرُ

***

شعر عدنان عبد النبي البلداوي

قضمة ظل في أحشاء الأجل..

الخُلُوُّ القاسي الذي لا ينتهي!

لغة تنحت شكها من رَذاذ الكلام

أو رصاص طائش ..

أو غيمة تائهة..

*

كقبضة يد ريح

أو غفوة حلم لنهار عاصف ،

عماء لليل طويل ..

أُقلب الساعة،

فترقب وجه بوم حزين،

يهفهف أشياءه القبيحة على مرأى السراب ..

*

بَارِدٌ صمتها،

تَهُبُّ الاصداء ، فَيُسْمَعُ صَوْتُ حفيفها..

إذ تقول:

ما الفراغ في بيداء مقفرة؟

وما غصن يميد ملاحةً،

دون أن تجف عيون الوهن..

*

الخفيفُ للطَّي، والهائم للقطا..

والشعر ليس حجة،

اكتب وثر واستل سيف الحذر ..

كن جديرا بالفراغ،

كما يحلو للغربان أن تقدح من معارك خَطْمها ..

عينيها المنقوفتين ،

ريش مِغْزَل،

(كأنهُ ورقُ البسباسِ مغسول)

*

إذاك، فر إلى أمكنة أخرى،

دونها الأفرغة المكرورة..

صُبَب المنحدرات،

الأهواء السحيقة..

حيثما تكلَّف الشّوق والعِشق،

ثم انكشف،

كي لا ترى روحك العطشى ..

من إشمام واستواء،

وماء سخي لايقبض ..

ومحبرة تنكتب بعين جائلة

وقلب يخفق ..

هذا الفراغ السني يهزم طاقتي،

ويوجع الطموح الواعد في جدار النسيان!!

***

د. مصطَفَى غَلْمَان

شاعر وإعلامي مغربي

 

انه يوم آخر تطاردني فيه

لك أسبابك الكثيرة

ولي فضول المسنين

لا بأس، سبب واحد سيكفي

البارحة لبستُ ملابسَ شتوية

وحذاءً طبيًّا

شربت شاي الأعشاب

وخرجت للمشي

صندوق البريد كالعادة

فيه ما لا يَسُرُّ وما لا يَسُرُّ

شاهدت ُجارنا يُدَخِّنُ بشراهة

بينما يبول كلبه الأبيض على الواقع

شجرة الكستناء التي أمام شرفة بيتي

انكسر منها فرع وسقط بصمت

أيها الموت

أنت الثقب الأسود والمحارب الناعم الذي يجذبني اليه

***

فارس مطر

هَذَا الدَّمُ الَّذِي يَنْسَابُ فِي حَلْقِ التُّرَابِ..

وَيُمَيدُ نَشْوَانًا وَيُهْزَأُ بِالْمَذَابِحِ وَالْعَذَابِ..

وَيَفِيضُ مِنْ جُرْحٍ سَحِيقٍ غَائِرٍ ..

عُمْقُهُ يَمْتَدُّ فِي الْوَطَنِ الْمُصَابِ..

هَذَا الدَّمُ الْقُدْسِيُّ سَيَبْقَى هَادِرًا..

وَذَاتُ فَجْرٍ سَيْمُوجُ كَالْعُبَابِ..

سُيُولُهُ الْغُضْبَى سَتَقْذِفُ الْأَعَادِي..

وَتُحِيلُ كُلُّ مَا غَرَسُوا سَرَابٌ..

طُوفَانِهُ الْحَقُّ سَيُمْحَقُ مَحْضٌ بَاطِلٌ..

وَيُزِيلُ أَرْكَانَ الْخُرَافَةِ وَالْخَرَابِ..

وَيَحْسَبُونَ  انَّهُمْ  إِذَا مَادَمُرُوا أُمِرُوا..

وَإِذَا مَاذَبَحُوا رَبِحُوا وَتُقْرَعُ الْأَنْخَابُ..

هَذَا الدَّمُ الْقُدْسِيُّ تَشْرَبُهُ الْجُذُورُ ..

سَيَسْطَعُ فِي يَقِينِ كُلِّ جِيلٍ كَالشِّهَابِ..

سَتَذْهَلُونَ مِنْ صَوْلَتِهِ ذَاتَ فَجْرٍ

غَاضِبًاً مُزْمَجِرًا يَجْتَاحُ الْيَبَابَ..

وَقْتُهَا مَنْ يُنْقِذُ الْغُزَاةَ مِنْ مَصِيرِهِمْ..

حِينَ الدَّمِ الْقُدْسِيُّ يَبْدَأُ بِالْحِسَابِ.

***

د.أبوبكر خليفة أبوبكر

 

مابـينَ ذكـْرِكَ ، والأيامِ ، والألمِ

جرحاً طويْتُ فلمْ أهدأْ ولمْ أَنَمِ

*

جرحاً يُنازفُني، يجري بما حملَتْ

مظالمُ الأرضِ مِنْ جَوْرٍ على قَدَمِ

*

مظالـمٌ لو روتْهـا الريـحُ ما بقِيَـتْ

في حقلِها زهرةٌ والصَخْرُ في عَلَمِ

*

يا رِفْقَةَ الروحِ، يا حُلْماً لمُنتَظَرٍ

ببارقِ الأملِ المعمـودِ بالقِيَـمِ

*

الروحُ مِنْ بعدِكُمْ دارَ الزمانُ بها

بينَ العواصـفِ والأنواءِ والضُـرَمِ

*

غِبْتُمْ وغِبْنا "فما ابتلَّتْ جوانحُنا

شوقاً إليكمْ" ولا بُرْءً منَ السَقَمِ

*

وما اسْتكانَتْ لنا عينٌ وأعيُنُكُمْ

طيَّ الترابِ وطيَّ القلبِ والحُلُمِ

*

حُلْـمٌ بـأنْ نلتـقي يـومـاً برابـعـةٍ

مِنَ النهارِ فنُحيي النورَ في الظُلَمِ

*

ما كانَ في خاطرٍ أنَّ النهارَ لظىً

والليلُ شـوكُ قتـادٍ وافـرُ النَهَـمِ

*

فإنَّ ظلمَ ذوي الأحقادِ سائقُهُ

كراهةُ النورِ والأحلامِ والشِيَمِ

*

ماتَتْ ضمائرُهُمْ مِنْ سالفٍ غبرُوا

فما حوَتْ غيرَ  صُفْر الريحِ والنِقَـمِ

**

ما بينَ وجهِـكَ والأنفـاسِ والكَلِـمِ

وقفْتُ مُضطرِباً والحرفُ فوقَ فمي

*

الأمُ والأختُ والأزواجُ في لَهَفٍ

ماذا أُحدِّثُ والأحزانُ في عَرِمِ؟

*

مـرّتْ دهـورٌ وفي الأنبـاءِ مَخبرُكُـمْ

والقومُ في قالِهِمْ والقيلُ في الحُكُمِ

*

أيـنَ الذينَ تبـارَوا بالسـيوفِ لنـا

وأينَ مَنْ أشعلوا النيرانَ في الخِيَمِ؟

*

وغيَّبوكـمْ وما غابـوا، فسادنُهُمْ

في خيرِ مُحتَكَمٍ، في خيرِ مُغتَنَمِ؟

*

هذي حليمةُ قد عادَتْ لسيرتِها

وعادَ أصحابُها مِنْ ساقطِ الصنَمِ

*

توارثَتْها بنو سُفيانَ مُذْ خُلِقَتْ

وإنْ تسـلَّلتِ الأقوامُ بالعِمَمِ

*

ياقومُ، إنَّ انتظارَ المَنِّ مَعجَزةٌ

وما التوسُّلُ بالأبوابِ مِنْ غُنُمِ

*

هُبُّـوا بخَيلِكُمو فالشـاهدُ العَـجَـزُ

وأَطْلِقُوا الصوتَ شُدُّوا شدَّ مُعْتَزِمِ

*

لا خيرَ في الصوت مكبوتاً ومُنقَسِماً

الخيرُ في الجَمْعِ صرّاخاً على القِمَمِ

**

ما بيـنَ صوتِـكَ والأصـداءِ والهِمَـمِ

رفعْتُ حرفيَ مسدوداً على القَلَمِ

*

فرُبَّ حرفٍ كحدِّ السيفِ صارمُهُ

ورُبَّ سيفٍ نبا في ساحِ مُلتَحَمِ

نبكيكَ في يومِ ذكراكَ التي نزلَتْ

نـزولَ صـاعقةٍ هُـدَّتْ بها قـدمي

*

لم يبقَ منكَ سوى الذكرى نداولُها

روايةً مِنْ صفَحاتِ الذبحِ في الأُمَمِ

***

عبد الستار نورعلي

الأربعاء 21 آذار 2018

**  يفرنقع المعزون

تزرب جثتك الجميلة بالدموع

وفي المساء تأكل ثعالب متناقضاتها.

ما أبهى قيامتها في العتمة.

الأمطار غريبة مثلي

تحمل رائحة الدادائيين في معطفها الأشيب.

أيها النمر الأسود

عليك الهبوط من السقف

أو من كتف شجرة اللوز المتشققة

الساحة تعح برهبان القرون الوسطى.

أنت تفكر مثل مسدس مكسور الخاطر

أو مثل سماء بساقين من البرونز الخالص.

سأهديك تابوتا جميلا.

أميرة بمهبل من الكستناء.

عاصفة من الجواري لتكسر زجاج التفكير الفلسفي.

المشنقة تخطف سلة حبيبتي الملآى بمكعبات الضوء.

المشنقة تطل من الشباك

مثل بومة عمياء.

يهاجمني الحفارون في عز النوم.

أوقظ سحليات المخيلة

قبل سقوط المغارة.

شربت سمكة السهو

وأممت قاع المحيط.

قواربنا ملآى بأسماك الأسئلة الكبرى.

سأعتني جيدا بقوافل المنتحرين.

سأبني أعشاشا لإخفاء غيوم هواجسهم.

سأحتفي بجيادهم الحزينة

سأكتفي بعض أصابع الصيرورة

هذه البنت الشهوانية

التي تشرب مياه الليل والنهار.

الضوء المتساقط من عنق قوس قزح.

أيتها الشجرة يا شقيقتي

أيها النهر يا أخي العميق

في الربوة نقاتل بوم الدوق الكبير

مطوقين بالفضة والغزلان

نفتح النار على المومياوات

نتبع فيلقا من الفلاسفة

لتخليص العميان من العار  والفضيحة.

نقول: أفكاركم بنادقكم.

الزواحف تترصدكم بالجوار

اللاشيء يجأر في الجحر

آه أيتها الظواهر

يا غابة بؤسي الكثيفة.

تعبرون

العدم بيتنا الأبدي

في الرقعة نترك الملائك والشياطين

نترك الخير  والشر يتقاتلان

مثل كلبي بولدوغ

نترك الأرملة تجر عربة الفراغ

بدمعتين من الماس.

نترك  المسن على دراجة من  قش.

ندع العالم يجأر بالجنون

وراء عربات الموتى.

***

فتحي مهذب - تونس

 

سَبعون عاما وصوت المجهول

يتردد مُتموّجا مُدويا كالهَزيم

سبعون عاما وليل الغربة

يتمدد مُقطّع الأوصال

سبعون عاما ولا حديث إلا عن نجيع دم

يشق ربى غارقة في الوجع

لن أبالغ إذا قلت: أن الزمن تَسَرّب

إليه الملل

وصار حديث الأشلاء ولُغة الموت

مجرد تسلية في حضرة " الجَزيرة"

يمضغون العِلك.. يزدردون الفشار

يتفرجون على الخراب والدّمَار

وقد يكتبون تغريده : يدعون للنَّفير

والصمود " لأن النصر قادم"

يحصد الموت ما شاء من أرواح

وتصرخ سيدة عجوز :

" نحن نُذبح كالشياه يا تجار القضية

نتنفس البارود ورائحة العفن "

سبعون عاما ولا بارقة نور

تحمل بشرى فك الحصار

ودك حصون الطغاة

سبعون عاما من المراثي

والنوازل الفاشية تقتل وجه الحقيقة

لن أبالغ إذا قلت: أن الحياة لبست ثوب الموت

وأن الذهاب المبكر صار فريضة.

وأن الغد مجرد وهم

مجرد حلم

غزة تنام

على حزن

وتصحو على ألم

وبابتسامة شاحبة

تصافح شمس الصباح

ثم ترخي دوائبها

السود في ضجر

قد انهكها سخام

الأيام البئيسة

وأثقل كاهلها

وجع الغزاة

*

غزة تتنفّسُ

صمتا

وتحترق في آتون

العتمات

غزة قمرها

جريح

ونجومها بلا بريق

غزة ترتجف كفراشة

هائمة

و تفتح صدرها المثخن بالكلوم

لمزيد من الطعنات

***

محمد محضار

 

أرسم.. وردة

بحجم القمر

أكتب حرفا.. لكل العبر

أكتب كلمة.. باسم الله

بلادي..

بندقية..

لن أرسم.. وردة

أرسم بندقية !!

بحجم طفل.. وأخرى بحجم العالم

لن أرسم بندقية.. بندقية.. موت.. ودمار

أرسم حلوة لعيد.. ميلادي

بدون سكين..

وبدون ذكرى..لهذه السنين

أرسم دمعة

على ذاك الألم..

بل أكتب اسما..لهذا الألم

أرسم طيرا أسيرا

وقلبا جريحا

وطفلا قتيلا

بل أكتب سلاما

وأزرع حياة

وأنشر عدلا

لن أرسم قربانا.. لتلك النسور

ولا نارا.. لغصن الزيتون

بل أرسم خبزا., لتلك البطون

ووردا لتلك.. القبور

وشمسا.. لذاك الجليد

أكتب كلمة.. لتلك العهود

وأخرى.. لوراء الحدود

وتبقى أخرى,, حكايا الجدود

لن أرسم قميصا

مخضبا بدماء

ووطنا.. على الأطلال

آه  تعبت..

غادرتني كلماتي

ومسحت رسوماتي

وتعفنت.. حلوة ميلادي

لكن.. سأرسم.. وأكتب

أرسم قلما بحجم الوطن

وصفحة.. لهذا الألم

بل أكتب.. حرفا.. وكلمة

وقضية لهذا الوطن

***

الشاعرة: صبحة بغورة

هارب ...

وغدي تاريخ بيدي

ويدي .. تحمل قضيتي

قضيتي منحتها دمي

ووردة ..

أجهض العابثون عبقها

وسرقوا أنفاسها البريئة

أيها المتواري

في بياض الحقيقة

أسمع .. تنهيدة فلسطين

الحالمة

وأنات زيتونتي

برماد سنينها الغابرة

أهديتها طفولتي

طفحت ذاكرتي

بمحنة القبور

والأضرحة،، الباكيات

أرسم بريشتي،، بقايا القبلات

هوايتي ملغاة

وجه هائم بالطرقات

اسمع تنهيدة فلسطين

الحالمة

تشكل أفكاري

خرائط اللغات

ومجهول المسافات

وصمت النظرات

بلا حركات.. بلا نبضات

ترفضني المحيطات

أفتح تابوتا

أبحث عن أغنية

رددتها الحناجر

وعن نورس له شهوة الإبحار

وشعر له ثورة الأحرار

أسكرني الدمع

هدهدني الرعد

مزقتني الجراح

اسمع تنهيدة فلسطين

الحالمة

حاملة حجارة ساخنة

وقد غدت أطلالها

مفخرة القراصنة

أين الفارس

لينقذ الفاتنة

هارب ..

قناديل الرحيل المظلمة

لفلسطين .. تحن الذكريات

وأمل يدغدغه الرجاء

وكلام يمقته الجبناء

أبسط أشرعتي

أجمع قوتي

حكاية أرضي

تبناها دفتري

دفتري عشق لغتي

لغتي .. حريتي

وكل ما أبتغي

قلم .. وزنبقة

ورياحين حبلى بالزقزقة .

***

الشاعرة / صبحة بغورة

جميع سكان الحي يعرفون صمصم، رأس كبير بشعر مخرص مغبر غزير، يصطلي على قامة قصيرة، منه تبرق عيون صغيرة بشق عمودي كثعلب يتحين لافتراس ؛ أنف طويل معقوف كدمية الطفل الخشبي بينيكيو، أذناه كبيرتان كثعلب فينيقي، أما شفتاه فقد زمت العليا على السفلى كمن تخاف عليها من هرب ..

صمصم !! ..اسم يرهب الكبير قبل الصغير ويحذر كل فضولي إن هو تدخل فيما لا يعنيه، أو سولت له نفسه أن يهتم بما يرى، فمهما أبصرت عين أو تخيل عقل من وقائع تحدث في إقامة صمصم فهذا شأن خاص لايهم غير صمصم نفسه ..

لم يكن مسكن صمصم غير مربط لبغل، يساكنه بغل، استغل البغل الثاني زاوية بعيدة عنه فِراشا من حلفاء وتبن فوق صناديق خشبية كمكان لراحته بنهار وسريرا لنومه بليل ..غير بعيد عنه وفي ركن يلاصق الباب مكان ضيق يخصصه لجلوسه واستقبال المتعاملين معه..

قلما يجالس صمصم أحدا، فزبانية عصابته من ذكور وإناث، هم بلاعمل، حشاشون ومتسولون، ماسحو أحذية، ومن لا أُسرة لهم، الجميع يعمل انطلاقا من أماكن تواجده، تتباين أعمارهم ما بين الطفولة والكهولة، أما التواصل معهم فيتم هاتفيا متى كان صمصم في حاجة الى أحد منهم منفرد ا أو مصاحبا ذكرا و أنثى حسب المهمة التي سيكلف بها ويسخر من أجلها ..

شبكة من اللصوص وقطاعي الطرق تغطي الحي والى أحياء أخرى تمتد بلا خوف من سلطة أو خشية من أحد، بل كثيرا ما تتكئ السلطة على شبكة صمصم بأمر، كما على نفس الشبكة تعتمد نقابات وأحزاب أيام الانتخابات فكثيرا ما يتم حسم النتائج حسب تدخل الشبكة والاوامر التي تتلقاها وعلى صمصم تملى والثمن الذي يتم دفعه ..

بطش صمصم وجبروته يرهب جميع السكان وكما عبر بعض المقيمين في الحي في اجتماع تشاوري للجيران :

ـ أكثرنا صار يُحوِّل اتجاه غدوه ورواحه بعيدا عن إقامة صمصم حتى لايمر قريبا من هذا الخنزير الذي لم يجد ناهيا ولا منتهيا ..

ـ أسئلة القيم والأخلاق غائبة عن ميزانه وعمن يتعامل معه ..

ـ الى متى نجبن بصمت أمام هذا الظلم الذي تخشى ان تحاربه سلطة بل له تشجع بغض بصر؟

ـ أليس هو الخوف الساكن فينا؟..

ـ بل هو الخوف على فلذات أكبادنا، فمن يعيلهم إذا ما فقدونا في زمن ماتت فيه القيم والأخلاق التي ورثناها عن آبائنا ..

لما مات بغل صمصم في ظروف مشبوهة أجرمت شبكته بتقطيع البغل وتوزيع أعضائه في أكياس تمَّ التخلص منها في واد قريب.. وحين ضج السكان بالروائح الكريهة والنتنة التي اكتسحت الحي ادعى صمصم أن ثلاجته قد فسدت وكان بها لحم ولم ينتبه لتوقفها عن التبريد، ودرءا من انتقامه فقد أيدته السلطة إثرالبحث في الأمر ؛ لكن بعد إضرابات قوية قامت بها المدينة احتجاجا على إهمالها ونسيانها من مشاريع التنمية وإطلاق يد صمصم وزبانيته في أرزاق السكان، وتسترها عليه، فقد تم القبض عليه وحوكم بسنة سجنا بعد أن اكتشف أحد " الفلاسة "أجزاء من تمفصلات البغل وعظامه في الواد الذي يقسم المدينة الى عدوتين فبلغ "الفلاس" السلطة ومعه رأس الحصان الذي مات في إقامة صمصم كدليل ..

استطاع صمصم أن يفر من السجن، أو له قد تم تدبيرفرار بتيسير اثر مظاهرات عمت البلاد بسبب الغلاء والمبالغة في فرض الضرائب، وضعف الأجور، ومشاكل تعم التعليم والصحة والقضاء ومن تم غاب صمصم عن المدينة زمنا ثم هل بظهوروقد غيَّراسمه ولقبه، وصار الحاج عبد الموجود الموعود، جدد مقره بترميم، فتحول المحل من مربط لبغل وسكن لصمصم الى متجر لكل موروث، هو في الظاهرمتجر للتحف الأثرية والزرابي القديمة، وكل عتيق عريق، لكن خلفيته لم يتغير لها نشاط بما لايُرى، وسبحان من يخلق من الشبه أربعين !!..

متاجر أخرى فتحها الحاج عبد الموجود في أكثر من حي فظهور حكومة جديدة، وإصلاح أنظمة الموظفين الأساسية بعد مفاوضات عسيرة مع التنسيقيات وإبعاد النقابات التي لم تعد محل ثقة، والزيادة في الرواتب مكنت الحاج عبد الموجود من أن يعمل في حرية أكبر ويمارس حياة طبيعية بعد أن غير من لباسه فارتدى البدلة الأوروبية والحذاء العصري فوق الجوارب بدل القمصان الرمادية الطويلة الرثة والجاكيط الوسخة، دون أن ينسى تقليعة قصات الشعر الجديدة كما ارتقى من امتلاك بغل الى صاحب سيارة فارهة، وأسطول شاحنات لنقل البضائع والسلع، ورخص للنقل السياحي .. تزوج بسيدة محامية أغراها بماله ونفوده، دفعها للمشاركة في الانتخابات فنالت مقعدا في مجلس جماعة المدينة كعضوة مستقلة عن الأحزاب التي فقدت بريقها ثم مكنتها أموال الحاج عبد الموجود من ترؤس المجلس وهو ما أطلق يده كممول حفلات وصاحب مشاريع بخبرة وتجربة لم يسمع عنها من قبل أن تصير له اليد الطولى في كل المشاريع التي يقررها المجلس ..

لم ينس الحاج عبد الموجود العاملين معه بل كون وفي اسمه الجديد وبأمر من السلطة شركة للامن والحراسة الخاصة، وهكذا صار علامة للضمان: "حاميها حراميها"

مع الأيام وليوحي بتفكير عصري ومبدع شرع الحاج عبد الموجود يتخلص من أكثر زبانيته من المتسولين وقطاع الطرق ومن الأطفال المشردين، وبائعي السجائر، مَن تنازل له الحاج عن متجر مقابل أداء شهري بالتقسيط، ومَن فتح له دكانا في اسمه مع نسبة في الأرباح، ومَن فضل مبلغا ماليا وانسحب، ومَن اشتغل مخبرا، كما منهم من غلا له رأس باعتراض فتم القضاء عليه غرقا في واد، أومطحونا تحت عجلة قطار، أو مسموما بعضات ثعبان تحت قنطرة..

عشر سنوات يغيب فيها الحاج عبد الموجود عن الظهور، بعد أن طلق زوجته المحامية بالتراضي وصار ت من يستفيد من خبراته في تزوير الميزانيات وتحويل المشاريع والتأثير في معارضيها والانتصار عليهم.. طلقها ومنها قد هبر ميزانيات وتعويضات بلا حساب للأموال السائبة .. سافر الى الشرق الأوسط ثم الأدنى ومنه الى الديار المقدسة، أغرق الوسائط الاجتماعية بصوره وأخبار رحلاته وإحسانه للفقراء والمعوزين، ولم يعد يذكر من ماضيه اسم ولا لقب ولا مهنة، وكما قال عنه أحد شيوح المدينة :

ـ الكعبة ترجم بأبناء الزنا ..

عاد الحاج عبد الموجود بعد حج لبيت المقدس ومعه أنثى كم تقوَّل الناس في موطنها الأصلي وديانتها وإن تعرفوا على مهنتها من صورها عبر بوابات التواصل الاجتماعي ..

يظهر الحاج عبد الموجود و وهو أكثر سمنه وأوفر شحما قد ابيض له شعر، فصار كالثلج نصاعة، شذب لحية، وصار ينتعل البلغة الزيوانية مع جلابيب الشعرة أو المليفة حسب الفصول بدل الخف اللدائني القذر، وعلى الرأس يضع عمامة بيضاء ..

يتحدث الناس عن ورع الشيخ عبد الموجود وتقواه وعن قيام الليل ومداومة صلاة الصبح في جماعة، يظهر في وقت يتحدث الناس عن تسامح ديني وتصالح وتطبيع مع جميع القيم الدينية السماوية والأرضية مهما كان معتنقوها، و كانت شراسة تعاملهم مع غيرهم وهو ما يعيد الناس الى طاعة ربها بعد أن انساقت وراء الملذات وتقليعات المثلية وزواج الانسان مع الحيوان ..

لقد وجدت السلطة أن ظهور الحاج عبد الموجود في صورته الجديدة هو نصر لها حديث كمحاولة لتخدير العامة بقيم عصرية براقة ومغرية، والتشكيك في بعض رجال الدين من سيطروا وبالغوا برجعية وتشدد، وما تبثه بعض الوسائط الاجتماعية من تأويلات دينية وما تكشفه أخرى كنقيض، انحلال خلقي صاريساهم فيه كل من هب ودب واليه جره طمع وإغراء بدخل لم يكن ليحلم به، إباحية فاقت الحد شاعت باسم الفن وحرية الرأي والمعتقد ..

شرع اسم الحاج عبد الموجود يذيع بذكر وينتشر كرجل وطني متشبع بالفكر الديني الحر المنفتح، يتحدث عن الانسان الحديث العصري المتحضروعن الأسرة و تجديد قيمها الضائعة، وضرورة إعادة النظر في قوانينها، والمرأة والدعوة الى تحررها، والمساواة بالمناصفة بينها وبين الرجل، وتقليعات الفكر الابراهيمي لسيادة التلاقح والانعتاق من عبودية الذكورة ..

صارالحاج الموعود يحتل مقاعد في المساجد ويقدم الصدقات وعليها يحث لا يتوقف عن ذكر:

ـ العبرة بالخواتم، إنما أمره، وهو يهدي من يشاء الى صراط مستقيم ..

دون أن يدرك المقصود" بمن يشاء"، وأنى له أن يدرك ؟ ..لسان يلغو بما لا يعي يدلي بدلوه بين الدلاء التي صارت لا تميز بين ماء طاهر وآسن ..

المفارقة أن الرجل الذي لا يتغيب عن صلاة الفجر هو نفسه من كانت زوجته تمتهن الرقص و الى الشارع تخرج سافرة وحين سئل عن ذلك قال :

ـ وهل ينظر الله االى صورنا ؟ ..الأعمال بالنيات !! ..هي زوجتي على سنة الله ورسوله، والله غفار لكل مذنب ؟.. زوجتي كانت تمتهن الرقص وتوقفت عن خطيئتها ؛ من كان منكم بلا خطيئة فليرجم هذه الزانية بحجر !! ..لو اطلعتم على قلبها لوجدتم الحنان والرحمة ..تلك كانت مهنتها ولم تعد، والله يحب التوابين ويحب المتطهرين ..

بعض من عامة الناس اعتقدوا في الحاج عبد الموجود خيرا، فربما الرجل قد غربله الزمن وطهره وان ظل في نفسه أثر من ماض لانعدام معرفة تفصل في مخه بين حرام وحلال بقطع ..

 بعضهم عارض هذا الرأي فعيون الرجل كالثعلب تدور في محاجرها وتتابع كل انثى من خلف، ويصغي بانتباه اذا سمع حديثا عن الصفقات والمشاريع والميزانيات، فماصار يملكه من وسائل للنقل و من شركات للمحروقات يهيمن عليها في سلطة لاتعرف الرحمة تتعارض مع كل تدين يتظاهربه أو صدقات يغري بها الفقراء البائسين، ..

اختلف الناس بين الاعتقاد و التضامن مع الرجل وتأييده في أقواله وسلوكه وبين من قرأ تاريخه من أيام ذبح البغل، واقتحام البيوت، وقطع الطرقات فقالوا :

ـ سحلية تتلون مع الزمن ورغبات السلطة ..

سبحة في اليد وعين غمازة بفسق ..

وكان لكل فئة وجهة يوليها، لكن الذي غاب عن الناس أن الحاج عبد الموجود دوما هو صمصم الموجود لا يتلون الا بأمر، يتقن وضع الأقنعة، اتقانه لتشخيص أدواره حسب ركح السلطة، وبناء على أوامر لإشغال الناس بإثارة إضراب، أو سفك روح بالغت في معارضة السلطة، وتخطيطات المتاجرين بأقواتهم والمتلاعبين بمصائرهم، لا يهمه من مات من شبع أو ذوى من جوع، مادام نصيبه مضمون بوفرة وقبل غيره، يكفيه ان يثبت في مراوغات لاتنكشف للجميع أنه رجل ذو أخلاق، داعم للفقراء من خلال قضية ونقيض، وانه لايجيد السباحة الا في المياه النظيفة بعيدا عن دسائس القوالين الذين لا يؤمنون بغفران ونسيان، وعليه يطلقون دعايات هو منها بريء براءة الذئب من دم يوسف ..

كان يكره أن يكون تحت اية وصاية أخلاقية أوقولبة إنسانية في نمط معين محدد من المهد الى اللحد، أو يتم تذكيره بشعرة ماضيه فهو لم يكن في يوم من الأيام ساذجا أو ينحني لموجة الا بأمر من السلطة التي حددت له الطريق بعد أن اقتنعت بقدرته على إعادة تشكيل المواطنين ببراعته وذكائه من يوم وجدته لقيطا بلا اصل وسهرت على شحنه عبر مطاردتها له وتنشئته في سجونها لتكون منه الحيوان الذي ارادت وله ترتاح..وكما يعبر وبصدق عن نفسه ـ

"الرأس الذي لايدور كدية "

***

محمد الدرقاوي ـ المغرب

 

لكِ احتشدت هذي البوارج والأساطيل

كم أنتِ عظيمة،

يا قلعة الله

على الأرض

2

يا حارس قلعة الله

أيها الفدائي

نورك هذا النور

المنتشر في الدروب

يا حامل مفاتيح المنازل

افتح لنا هذه السماء

نحن ظلال الشهداء

إلى الخلود

3

بين الشهيد والشهيد شهيد

جسر إلى السماء

لبزوغ فجر جديد

4

هؤلاء أحبابك يا الله

الأطفال الذي يتسابقون إلى ملكوتك

بأرواح مثقوبة

وأجساد ممزقة

إلهي.. شقّ لهم طريق القمر

كي ينفلق النور في درب الصعود

5

عشرات الطلقات الإضافية

إلى جسدي

وكأنّ طفولتي تغيظهم

تحرّضهم ليقتلوني عشرات المرات

لسنوات قادمة

6

في عين هدف الجندي

رضّع.. خدّج

ليراجع القانون الإنساني

من أي نطفة لا إنسانية

جاء هذا القاتل

7

غزة

مدينة لا تشبه المدن

قال لي حَمَامُها الأبيض

الذي شوهد بين الدخان

8

هي خطوة يا ولدي

وننجو

قالت الأم الشهيدة

وهي تحمل طفلها الشهيد

9

قالت الأم:

يا ولدي لا تلتفت إلى الوراء

هناك عرب تخلّوا عنّا

بعد أنْ تخلّوا عن كتابهم

عربٌ

شمّروا عن زنودهم أمام المناسف

تراهم رفعوا الزينة وتشفّوا بنا

تعرّوا وفرفشوا

10

ماذا تفعل أيها العجوز

- أزيح الحجارة عن جثماني

المتواري بين الأنقاض

11

يا أبي،

لماذا صرنا نباتاً؟

يا بني،

لأننا الجذور!

ويا أبي، لماذا يجرفون الجذور؟

- لأنهم بلا جذور

12

لا طعام ولا ماء

والقذائف تتراكم على جراحنا

كل ثقب في أجسادنا

نافدة الى السماء

مَنْ غير غزة؟

وعاء لدموعنا

مَنْ غير غزة؟

دثار لعريّنا

يا لله خذنا في معانيك

بأنّ المسيح لم يتحمّل

بقدر ما تحمّلنا من آلام

13

في قلب المجزرة أنا

أيها السيد

أبحث عن قدمي ويدي

لساني لا أجده أيضاً

لأقدم لكَ المديح

الذي يسعدك سماعه

14

نحن الأطفال تقصفنا الطائرات

وعيوننا مفتوحة وذاكرتنا مملوءة

فأين سيذهب القاتل؟

حين يزهر دم الشهداء

15

يا عمي يا رجل الإسعاف

هذا اسمي كتبته على باطن كفّي

إنْ وجدت جسدي أشلاء

ويدي مبتورة وبعيدة عني

فهذا دمي

لن يتوه في تراب وطني

وطن الآباء والأجداد

16

في ممرات المشافي

أحياء نازحون

أطفال ونساء

صراخهم وعويلهم وابتهالاتهم

أقوى من دوي القذائف وهدير الطائرات

وفي المساء،

يتدثرون بأغطية مضمخة بالدماء

بين جثث الشهداء

17

هذه الجثث الممزقة

تحت أنقاض غزة

عار على جبين العالم المتحضر

18

من خلال كوّة ضيقة في الركام

خيط ابيض يتصاعد من أنفاس رجل يحتضر

قال الرجل لأبنه الجريح بجانبه:

يا ولدي، تلك أحلامي

اصعد إليها وتدثر بها

19

لا سلام يلملم أشلائنا

نحن الآن بيد الله

لنا مدينة شيّدها الأطفال

بلحمهم ودمائهم

سنهبط بها إلى الأرض

نهزم عروش الطغيان

سنستعيد الروح

ونعيد بهاء الكوكب

20

تقهقهون الآن أمام جثتي

بعدما ضحكتم سنيناً على شقائي

أنا غزة.. أنا الطوفان

أنا الإنسان

الذي سيبقى حارسا قلعة الله

فوق هذي الأرض

21

منذ مهد التاريخ نولد فلسطينيون

وفي المخيم وفي الشتات/ فلسطينيون

في الوطن والكون

فلسطينيون على طول المدى

نحيا ونبقى.. ونبقى مع البقاء

***

سعيد الشيخ

روائي وشاعر فلسطيني

 

لا تُبَرِّرْ قتلَ طفلٍ

لا تقلْ عنك وعنِّي

إن هذا الطُّفلَ منَّا

إنَّه منك ومنِّي

كيف تمشي في دمائِه

كيف ترضى باكتوائِه !؟

لا تُبَرِّرْ قتلَ طفلٍ

مهما تُغريك الحقارة

كيف تغتالُ الطَّهارة!

وهْوَ رُوحُ الطُّهْرِ فينا

يملأُ الدُّنيا صفاءً

وابتساماً وحنينا

لا تُبَرِّرْ قتلَ طفلٍ

مهما خانتْكَ الرُّجُولةُ

والشَّهامةُ والحَياء

لا تُبَرِّرْ قتلَ طفلٍ

مهما كان القتلُ فينا

قد علا صَوْبَ السَّماء

لا تُبَرِّرْ قتلَ طفلٍ

لا تقلْ عنك وعنِّي

إن هذا الطُّفلَ منَّا

إنَّه منك ومنِّي

***

محمد محمد علي جنيدي - مصر

(كُتِبّتِ القصيدةُ بتاريخ الإثنين 17 مايو/ أيار 2010، وما أشبهَ اليومَ بالأمسِ/ طِبق الأصل!!)

***

ولذاذةُ الكرسيِّ تعصفُ بالعراقِ

والساسةُ التُجّارُ  همْ

أربابُ ألسنةِ النفاقِ

عُبّادُ إغراءِ الكراسي

يسترخصونَ الأرضَ

يحتملونَ وزرَ دمٍ مُراقِ

*

أسفي على بلدي!

تناوشَهُ ذئابٌ،

والثعالبُ خلفَها

أهلاً وجيراناً

وساقاً فوقَ ساقِ

واللصُّ هذا ابنُ الحواسمِ

خاتلٌ في زيِّ راقي

*

نهشوا البلادَ بقضِّها وقضيضِها*

واستمرأوا ألمَ الدموعِ

أنينِها وغزيرِها

نشروا الفسادَ وأفسدوا

طعنوا العبادَ، استوردوا

نارَ الفراقِ

حرقوا حبالَ الوصلِ

في لُحَمِ التلاقي

والناسُ همْ حطبُ الشِقاقِ

*

صارَ العراقُ ضِياعَهمْ وكنوزَهمْ

والشعبُ لا في العيرِ، لا بنفيرِهمْ

لكنّهُ منْ إرثِ آبارِ المآقي

في الفقرِ باقِ

وطعامُهُ وشرابُهُ مرُّ المذاقِ

حتامَ نارُ صراعِهمْ خلفَ الكراسي

ومصيرُ هذا الشعبِ فوقَ الخيطِ

منْ آسٍ لآسِ

جثثٌ ممزقةٌ وألوانُ القواسي

والموتُ في الأرجاءِ راسِ!!**

*

هذا جناهُ عليهِ بوشُ ،

وما جنى غيرَ التمزُّقِ والمآسي

*

قد قيلَ للحريةِ الحمراءِ بابٌ

بالدماءِ يُدَقُّ

لا بجيوشِ غازِ

أو سيفِ فاشيٍّ ونازي

أو عشقِ تاجٍ فوقَ راسِ

أو كلِّ هذا المهرجانِ

منَ التشبُّثِ بالكراسي

***

عبد الستار نورعلي

......................

* (قضّ) هي الحجارة الكبيرة، و(قضيض) هي الحجارة الصغيرة

** راسِ: أصله (راسي)، اسم منقوص حُذفتْ ياؤه للتنوين، وهو من الرسو  بمعنى الرسوخ والثبات

يَـقـظـةُ الوَعي تسْـتَـمِـدُ مـَـداهــا

مِن ضَمـيـرٍ ذِي مَـنْـبَعٍ من زلالِ

*

وعـيونُ الإنصافِ ، حقٌ وعـدلٌ

ومسارُالإصلاحِ ، نَـهْـجُ المَعالي

*

مَن غَفا عن حِراسةِ المَجدِ يَهْوي

صَـوْبَ عَوْزٍ ، ومَـدْوَسٍ وابتذالِ

*

تَـشْرَئـبُّ الأعـناقُ صَوْبَ المَعالي

والمعالي تُـجْـبى  بحُسْن الخِصال

*

تتسامى النفـوسُ فـي حِجْـر طُهْـرٍ

والتي في الحضيض نحوَ الزّوال

*

قـــوةُ الفـِـكـرِ، لا تُــقـاسُ بـزَنْــدٍ

إنّ لـلـفـكـر قـوةً فــي الـسـِجـالِ

*

والـتّـباهـي  بلا  رَصيـدٍ  ضَياعٌ

ومَـخـاضٌ ، فـي رائـب الأوْحالِ

*

لاتـدَعْ فــي الغرور نـسْمَـةَ  فَـخْرٍ

يـزْدهي الفخـرُ، فــي نـقاء الفِعال

*

عـبَـقُ الفضل في المواقفِ يـبـقى

رَمْـزَ خـيـْـرٍ علـى مـسـار الليالي

*

لا تُجـادلْ ، إنْ لـم تـكـن بِـجَـدِيـرٍ

رُبَّ أمــرٍ  يُـودي  لِـداءٍ  عُضالِ

*

قـدْوةُ الـقـومِ ، فـي الحـياة رَبــيـعٌ

دائــمُ الـوصْلِ ، فـي رُبى الأجيال

*

فـإذا  ســـاءَ ، فــي المسـيـرة أمـرٌ

حُــكِـّـمَ الـعـقـلُ لاجـتـنـاب الوَبـالِ

*

عِــزّةُ المَـرْءِ، فـي ســجاياه تسري

باقــتـدارٍ ،  تـَحمي خُـطى الأفـعال

*

فـإذا أيــنَـعَــتْ  ثِـــمــارُ الـقـوافـي

أبــدعَ الـوصفُ فـي ثــناء الجَـمال

*

ليس يـُجـدي تـزويق ثوبٍ تَخَـفّـتْ

طـيَّ أردانِـه ، عُــيــوبُ الــرجـالِ

*

والــتّـمـادي ، إذا خَـطـا دون فَـهْـمٍ

مَـهّـدَ الـرأيَ والــرُّؤى ، لـلهـزالِ

***

(من الخفيف)

شعر عدنان عبد النبي البلداوي

 

الأناناس

الوجه الميت

تبا لأغصان الوجه الميت!..

وجهك شجرة مكسوة بالثلوج والفقمات النافقة.

الضريح عربة ملآى بالكاكو.

سيذهب الموتى إلى الكازينو

حاملين نعوشا من الذهب الخالص.

فرقعات مفاصل الباص على كتف الجسر.

الجسر سيسقط مكتظا بدموع زرقاء.

الموسيقى تهطل من ثديك الرصاصي

رصاصة الزومبي بنكهة الأناناس.

خلصيني أيتها الرصاصة من التحديق اليومي في أسرار المغارة.

المنتحرون يجرون ثيران الساعات الحرجة.

المنتحرون جيدون للغاية

سيلتهمون الشمس آخر النهار

وينامون متأثرين بعضة النسيان.

أيها الكناري لا تمت الآن

أيها الماسترو الحزين.

الحديقة مغمى عليها

الأزهار جثث هامدة.

القساوسة يأكلون لحم الله

يربطون السماء بإيقاع المثانة

تحت معاطفهم تخطط الثعالب.

الصلاة أرنب نافق.

والمحبة فأس من البرونز

جنازتك عذبة

التفكير يمطر بالضفادع.

السماء صيرفي ضرير

ضحكتك ساق عرجاء

صمتك جاهز لقتل إوزة السهو

أيها العابرون

ستندمون طويلا في المغارة

ستسقط الحجج الهشة من أطراف أصابعكم

بينما السحرة يرتمون في البئر

لإضفاء النعومة على وبر المخيلة

أيها القتلة

بنادقكم قش ونميمة

ومطاياكم منذورة للهلاك

الشمس ترضع قطار الساعة الواحدة ونصف.

المسافرون حمام زاجل

والكلمات

ظفائر ذهبية.

أبي غيمة في كنيسة النهار

مليء بالأقفاص

يضربه المشاؤون بجزمة المسكوت عنه.

المفكرون انتحروا ليلة أمس

مخلفين غبارا كثيفا في المبغى

أحبك

أحب سطوع قبرك في الظهيرة

صوتك المختبئ في أدغال رأسي

موتك أكذوبة كبرى

تابوتك غزال يحمل الملائكة

إلى دار الأوبرا

تابوتك شقيقي الأكبر

أوقظ مصباحي كل ليلة

الطريق مدججة بقطاع الطرق

ومجوهرات مخيلتي

تتلامع في المنعطف العبثي

شيعنا المنظرين الكبار إلى الهاوية

شيعنا الأرمل بلباس كنسي

يتبعنا لفيف من اللاأدريين إلى بنات نعش.

كانت أجراس الأحصنة ممتعة للغاية

التأبين دلو مليء بمكعبات المطر

البلاغة أرنب هش

طلقة إثر طلقة

الأحدب الصغير

يستدرج أشباح يوم السبت الأسود

إنتحر برهانك ذو العينين الثاقبتين

طاردتنا ذئاب البراقماتيزم

رفقا أيها الفراغ الطازج

تكلم يا رب

ليصغي إلى نبراتك المنكسرون والثكالى

المراكب مطوقة بزئير المتناقضات

شمس 2023 متآمرة ولقيطة

والعربات وحوش من السيراميك

وأخي الأشقر الحزين

بعصابه المترامي

تشربه سحلية النهار

أمام جوقة من العذاب الخالص

كان الله بعيدا جدا عن صراخ العالم.

العالم سمكة سلمون

والعدم دب قطبي

ما أشقاك أيتها الحرب.

***

فتحي مهذب - تونس

سأكتبُ و(اليمن تكتبْ)

قضــــايانا بكــــل الحُبْ

*

سأكتب عن مآسينا

وحائطنا الذي يندُبْ

*

وكيف رعاتنا ارتاعوا

وحاطونا بكل الرعبْ!

*

وأصلحوا شأنهم وغدوا

مطايا من لهم ينكُبْ

*

ومازالوا.. كما هانوا

وما لانوا لمن يشجبْ!

*

فكم من مُشْر ِق ٍفينا

دعونا لَه ُ: (بأن يَغْرُبْ)!؟

*

وكم من ظامئٍ  ٍيرجو

وعنه نحن كم نَحْجُبْ

*

وكم من جائع ٍيغفو

على أمعائه ِيَعْصُبْ

*

وكم من أغبر ٍجفَّ

يَجُرُّهُ.. وضْعه ُيصعبْ

*

وكم من آهــة ٍ تاهتْ

ولاقتْ آهــــة تنْحُبْ

*

وكم من  دمعة ٍنَزَحَتْ

وتحت جراحها تسكُبْ !

*

وكم قتلى.. وكم جرحى

هنا..وهناك..من يحسُبْ؟!

*

أهذا كلٌّ مايؤسي؟!

أهذا كلٌّ مايَحْزُبْ؟!

*

ألا تجدينا (عنترةٌ)

ألايكفينا من يَخطب؟!

*

علينا البيهس الأقوى

وتيسٌ في الوغى يَهرب!

*

مآسينا بلا عُمْر ٍ

وسِنٍّ عندهُ تَرْسُبْ!

*

ساكتب عن روائعكم

وشهد الحرف كم يَعْذُبْ

*

فللزهرات إبداعٌ

فرادته ُ بما يَهْذُبْ

*

ومانَشتمَّهُ أدباً

يضوع تأدُّباً يَسْلُبْ

*

روائعكم مرايانا

رؤاكم فيها لاتَصْعُبْ

*

ألا فلتحفظوا الوطنا

بأُمَّ عيونكم..واللُبْ

*

ولاتلقوا بأحرفكم

قناعاً للذي يَغصُبْ

*

فقدأخْزَتْهُ هَنْجَمة…

وخاب اليوم إذْ يَحْرُبْ !

***

محمد ثابت السميعي - اليمن

21/12/2019 م

الاحتفال في ذروته أو قريبًا منها، هيصة لم ترَ البلدةُ مثلها منذ عمر. المكان يعبق بشذى الحركة، هذا يروح وتلك تغدو، الجميع منهمكون كلّ بذاته. يهيمن ظلّ مديرة المدرسة على الاماكن دون أن يراها أحد. كلّهم يحبونها ويحترمونها، لدقتها ومبادراتها الخيرية. شعور طاغ يجتاحني أنا المعلّم الضيف في المدرسة.. شعور يهمس في أذني أن الاحتفال أوشك على نهايته وأنه من الافضل والاكمل لي أن أنسحب قبل صمت النهاية. منذ وعيت على الاحتفالات اتخذت قرارًا بيني وبين نفسي هو ألا أنتظر حتى نهاية الحفل وأن أغادره وهو في الذروة بل إن رؤيتي هذه ابتدأت في التبلّور مع مُضي الوقت، فصرت أنتظر اللحظة العالية المرتفعة لاستعد للمغادرة، ولترك المحتفلين الثملين بأجواء الاحتفال يصلون معه إلى نهايته، فيخرجون يرافقهم إحساس بالنهاية، يدفعهم للثرثرة الجوفاء أو.. الصمت الرهيب.

أنسحب من ساحة البلدة أتعمّد ألا يراني أحد في محاولة مني لإغلاق باب التفسيرات الخاطئة، فأنا لم أغادر يا حضرة البيك لأن الاحتفال لم يعجبني، وإنما أنا أغادره لأنني امتلأت به ولا أريد أن أنتظر نهايته الصامتة. ليصلوا.. جميعهم.. إلى تلك النهاية أما أنا فان لي شأنًا آخر. أسير في الطريق المؤدية إلى بيتي في راس الجبل. أمضي.. تلامس يدي الفرحة أغصان الاشجار المتكئة على الاسوار. ما أحلى بلدتي.. أما تلك الورود المجنونة فإنها تبهرني وتكاد تتربّع على عرش قلبي.

أشعر بسيارة تتوقّف إلى جانبي، أرسل النظر إلى داخلها أرى زملائي معلمي المدرسة الرسميين، يدعوني نائب المديرة لأن أرافقهم، إلى احتفال تكريمي تقيمه مدرستُنا احتفالًا بنجاح الحفل، تعال لن تخسر شيئًا، البيت لن يهرب.. ثم إنك واحد منّا ولا يصح أن يتمّ التكريم بدونك. أرسل نظرة إلى بيتي في راس الجبل، فيدرك النائب رغبتي في العودة إليه، إلى مكتبتي، ذكرياتي وأشيائي الصغيرة هناك. يقول لي مرفقًا كلماته بابتسامة ودّية. تعال البيت لن يهرب.. يفتح لي باب السيارة.. أتخذ مقعدي بين بقية المسافرين. وتنطلق السيارة. تنطلق إلى مرتفعات الجبال.. ما هذه الاماكن وأين تقع.. إنني أراها أول مرّة.. الله يستر.

ينزل الجميع من السيارة.. يلفت نظري أنهم جميعًا يرتدون القمصان البيضاء والبناطيل السوداء.. إلا أنا فإن ملابسي عادية.. عادية جدًا.. وصف أحد مُحبيّ ومُحبي كتابتي حالتي فيها بـ" المهرجلة"، ينتظم جميع المُعلّمين، في صف واحد، أقترب منهم أشعر أنني الشكل الشاذ بينهم، لا مكان لك يا كاتبنا المحترم بين هؤلاء المنظّمين المرتّبين. أبتعد عن صف المعلمين يبدأ الاحتفال.. اشعر بنفسي غريبًا.. يبدأ المغيبُ في الزحف إلى رؤوس الجبال تنازعني نفسي بالعودة إلى البيت.. أبتعد عن المحتفلين، أبحث عن طريق أعود عبرها إلى بيتي.. بيت ذكرياتي وأشيائي الحبيبات، أرسل نظرة إلى الجبال المحاذية الشاهقة، أنا لا أستطيع أن أعبرها.. للعودة إلى بيتي.. مع هذا أمضي في الطريق المُفضية إليها. قبل أن أصل إلى حافة الجبال القريبة.. أكتشف أنني إنما أتوقّف قريبًا مِن هُوةٍ يفصلهُا سور يشبه سور الصين العظيم. أجلس هناك وأفكّر فيما عساي أفعل والمساء يقترب ولا أحد يشعر بي وبرغبتي في العودة إلى بيتي .. عالمي الدافئ الحنون.. يمضي الوقت ثقيلًا بطيئًا، أشعر بوقع قدمين رقيقتين تدنوان منّي حيث أجلس.. أشعر بأمل مشرق.. يقترب منّي.. أرى طفلًا ذا عينين لامعتين برّاقتين تشبهان عينيّ عندما كنت طفلًا صغيرًا، الطفل يقترب منّي.. أسأله أين طريق العودة.. يبتسم .. لا أعرف.. قد تكون كلّ الطرق إلا هذا.. ويشير إلى الجبال المنتصبة السامقة قُبالتنا. ما إن أشعر ببصيص أمل الطفولة يقترب منّي حتى يبتعد.. يختفي الطفل من جاني.. أهتف أين ذهبت يا صغيري فتردّد الجبال البعيدة أين اختفيت يا صغيري.. لا صوت يُشبِهُ صوتي سوى صوت الجبال العالية. يلسعني بردُ المساء.. أغادر موقعي.. أبحث عن ذلك الطفل.. أرى كلّ الناس.. إلا هو.. لا أراه، أين اختفيت يا طفلي الحبيب.. أنت فقط من سيعيدُني إلى ذلك البيت.. البعيد القريب.. أمشي في الطريق وحيدًا.. أوجّه السؤالَ ذاته إلى كلّ مَن أراهم، من نساء ورجال شيوخ وعجائز، أكتشف أن أحدًا منهم لا يعرف طريق العودة، وأن لديه سؤالًا يشبه سؤالي.. هم أيضًا يريدون العودة.. أين أنت أيها الطفل الغرير.. أين أنت أيها الامل المُنير.. عُد إلي.. أهمس في أذن نفسي..

المساحات تتحوّل إلى متاهاتٍ أعرف بداياتها ولا أرى نهايتها.. أعرف هذه الاشجار وتلك الحيطان.. لكن أين رأيتها لا أتذكّر.. أتوقّف قريبًا من ثلاث نوافذ متقاربة.. أطلّ من النافذة القريبة الاولى.. أرى نائب المديرة.. يحرّك شفتيه.. ربّما كان يتحدّث إليها.. لكنني لا أسمع ما يقول.. أفهم أنه يدعوني للدخول.. إلا أنني لا أجد الباب.. يبتسم النائب.. يتركني ويعود إلى سيّدته المديرة و.. إلى زملائه المُعلّمين.. القاعة تضجّ بالأفخاذ والطرب.. أما أنا في هذا الخلاء الرهيب.. فإنني الغريب الوحيد.. أنطلق في الساحات والشوارع أهرب من الحيطان العالية والاشجار المُحدودبة على أسوارها.. أريد أن أرى أناسًا مثلي.. تقلّ الاطياف المارة قريبًا منّي.. أستوقف عازفًا على آلة موسيقية قديمة.. أسأله هل تعرف طريق العودة.. فتهمي من عودة دمعة.. ليتني أعرف.. ها هو عمري قارب أعمار تلك الجبال (ويشير نحو الجبال البعيدة)، وأنا أبحث عن الطريق.

أتخذ مجلسي فوق رابية تطلّ على المكان. قلبي يقول لي إن ذلك الطفل لن يتركني وسوف يعيدني إلى ذاتي المُشتاقة.. إلى هناك.. حيث البيت.. بيتي.. وحيث ورداتي المجنونات الحنونات.. أجلس وأنتظر.. أغمض عينيّ فأراه مُقبلًا .. أفتحمها فيغيب.. يتأكد لي مرّة تلو مرّة أن ذلك الطفل في الطريق إليّ وأنه سيصل إلى حيث أنتظره فوق تلك الرابية.. شعور غامر يجتاحني.. إني أراه.. يركض باتجاهي.. ووراءه يركض رتل المُعلمين تتقدمهم مديرتُنا..يركضون جميعهم بلباسهم الابيض والاسود.. لكنّي.. لا أرى أحدًا.. سوى ذلك الطفل الشقي.. طفلي أنا.

***

قصة: ناجي ظاهر

........................

* من مجموعتي القصصية الجديدة "عمود البيت"، وقد نشرت فيها بعنوان" بيت الذكريات".

لا النِمرُ تُنجي لا ولا المِركافا

كـلـتاهـما قـد صــارتا أهـدافـا

*

قد كانتا الدرعَ الحصينَ لغاشمٍ

بهـمـا يـصـولُ ويَـقـتُـلُ الآلافـا

*

وعـليهـما قــام الكيانُ تَجـبُّـرًا

حـتى غــدا في طـبعهِ اسـرافـا

*

ياسـينُ صار الموتَ في جَـنباتِها

فـالـيـومَ عـنهـا جُـنـدُها تـتـجافى

*

طوفانُ غَـزّةَ كالملاحِـمِ سُـطرتْ

عَـجزَ الـبـيانُ لـوصفـهِ مُـذْ طـافـا

*

طُوفانُها الأقصى تَـقصّى حُـلْمَـها

لِـدويـلــــةٍ لا تَـعـرفُ الإنصــافـا

*

هي لو عَلِمتَ شَـراذمٌ قـد جُـمّعـتْ

صارتْ كـيــانًا فـاسِـدًا يـتـنــافى

*

بـوجـــوده كـدُويــلةٍ قـد صُـنِّـعَـتْ

مِـن هَـيـلُـمــانٍ فــــارغٍ يـتـهـافـى

*

مُـتَـمَـرغًـا بـجــرائـمٍ وسَــفالـةٍ

راعـيـهِ بـاركهُ بـهـا اســتِخـفـافـا

*

في هـيـأةٍ لـيـسَتْ لـها مِن هـيـأةٍ

وقــرارُهــا لا يـمـلُـكُ الأطرافـا (*)

*

ودُويـلـةُ الــراعي لكـلِّ رذيــلةٍ

لها أنْ تَحـيفَ كما ترى وتُصافى

*

فهي اللقـيـطةُ في كيانِ دويـلـةٍ

قـامـتْ لكي تـرعى لـه الاهـدافـا

*

والـعالـمُ الـحُــرُّ يعـيـشُ بـوهـمهِ

هــو لـلـقـــويِّ يُـــرَقّـصُ الاردافـا

*

هـي هـيـأةُ الامـمِ الـتي قالــوا لـنا

فـيـها الـعــدالةُ تَـشـمِلُ الاطـرافـا(*)

*

فـتـبـيّـنـتْ مـن أنـها أُكْــذوبـةٌ

راعٍ تـعَــهــدَ أنْ يـقـــودَ خِـــرافـا

*

أمّـا اللـقـيطـةُ فهي في أكـنـافـهِ

تـتـجـاوزُ الـقـانــونَ والاعــرافـا

*

لا شـيءُ يُـلـزِمُـها إذا مـا قرّرتْ

والـراعي قَـــرَّ ووطّــأَ الاكـنـافـا

*

هي ما تزالُ على الغرور كعهدِها

سـترى بـغـزّةَ مـوتَـها اسـتـنزافـا

*

ظنتْ وقـد خابتْ ظنون مُـكابرٍ

بـمجـــازرٍ ومـجــــازرٍ تـتـــلافى

*

طوفـانَ غَــزّةَ وهـو ثـورةَ أمّـةٍ

قـالـتْ كـفى ظُـلـمًا كـفى اسـفافا

*

سـبعون عامًا، بل تزيدُ جراحُها

نزفتْ وكان حصـادُهـا الأخـلافـا

*

طُـوفانُ غَــزّةَ قـد أعــادَ كـرامةً

هُــدِرتْ وآنَ لأُمــــــةٍ تـتـعـــافـى

*

طُـوفانُ غَــزّةَ غَــزّ كلَّ مُـطَـبـعٍ

في جـنـبـهِ ومُـســـوّفٍ قـدْ قــافـا(*)

*

طُوفانُ غَــزّةَ كان فجــرًا صادقًا

صَـحّى الـنـيـامَ وأرعــبَ الـسَـيّافـا(*)

***

الحاج عطا الحاج يوسف منصور

الدنمارك / كوبنهاجن

الجمعة في 17 تشرين 2 / 2023

...........................

(*) الأطراف: هي اليدان والرِجلان والمعنى هو كناية عن قوة التطبيق.

(*) الأطراف: تعني الطرف المقابل للطرف الاخر

(*) قاف الاثر: أي تبع الأثر وسار عليه.

(*) السيّاف: هو حامل السيف والمعنى كناية عن القوي المتحكم بالأمور.

 

ربما انسجُ لي سؤالاً

أسرقهُ من مدخراتي القديمةِ

لعلني أعيدُ قراءةَ قصصِ النساءِ

تجرني ومضاتٌ اكتبها

ترسخُ في ذاكرةٍ فضةٍ

ربما أعثرُ على رسائلِ اولِ امرأةٍ

كانتْ تغازلني عبرَ سطوحِ الدورِ الفقيرةِ

لا هويةَ لمن عشقتُ

سوى انهنَ نساءٌ من طينِ هذهِ الارضِ

وربما استحضرُ لي آنيةَ فخارٍ

كنتُ قد حفرتُ عليها قلباً وسهماً

آهٍ نحنُ المقيدينَ بتيهِ الماضي

ربما نولدُ الفَ مرةٍ ،يبقى موروثنا

القرينُ الشرقيُ الذي تحرقهُ الذكرياتُ

شهدنا النقيُ وغصننا الذي نتوسدُ عليهِ

اصابعي اصابها بللٌ من عرقِ وجنتيكِ الخجولةِ

لا ادري لِم تتنمرُ العيونُ

تتحدثُ كالفمِ الريانِ بالقبلِ

ولِم أشحذُ الشفاهَ بالشفاهِ

أطهرها من دنسِ الريحِ والحسدِ

غداً تتحررُ من الانتظارِ

تحلقُ ،تهبطُ مسرعةً طيراً جريحاً

تلهمني اسراراً  لتدفقَ نشوتي

سأجمعُ حطبي

أشعلُ النيرانَ اطفئُ الثلجَ

ادفنُ الرمادَ بالترابِ

أغطي عورةَ الشجرِ بالاجنحةِ التائهةِ

ترسمني بائعةُ الحبِ لوحةً

تحتمي بظليَ الممتدِ للسماءِ

ثم تكسرُ معابدها التي ضيعتْ عفتها

هي الآنَ تنتظرُ دقَّ اجراسِ التوبةِ

ينزلُ ملاكٌ يعلمها طوافَ العشقِ

لا تكترثي سيدةَ الحبِ

انتِ سورةٌ علقتْ بمحرابِ العاشقينَ

آهٍ يا انتِ تكٌفني ببياضِ هذا الولهِ

لتصعدي طاهرةً لجنانِ الجميلاتِ

***

عبد الامير العبادي

 

في غمرة التلهف للقاء القمر، بعد أن غاب عن الظهور دهرًا من المحن، يتصاعد شوقي متناغمًا مع القلق كلما تسربت خطوط ضوء القمر عبر تناثر السحب في السماء العاتية نحو تلك الحدود المسيجة بأسوار الشجن، فتجعل الصورة واضحة المعالم في دجى الليل.

شعرت أن حياتي سلكت مسارها نحو النهوض، وأن ذكرياتي المدفونة بعد أن تحررت من قيود الخوف قد أعيدت إحياؤها، وصعد عطرها إلى عالم الشغف، والمرح. ما إن تلاشى كابوس الظلام حتى باتت جذوة الحياة تلتقط أنفاسها، وتبعث بدفئها رسائل السكينة بعد أن كانت على وشك الانطفاء.

بدأت ريح الفرح تهب عليّ. لحظات توحي بالهدوء والاسترخاء، في نهار جميلٍ وصافٍ، وكثير الرياح، التي كانت تخترق الطرقات المتعبة وتنزلق بين الأشجار الصامتة، وتلامس أغصانها، فتسمع حفيف الأوراق الشاحبة، التي تسقط فجأة إحداها في الهاوية لتستوطن مثواها الأخير.

تخيلت نفسي وسط حشد من الطيور المتألفة في إحدى ساحات روما تتظاهر حولي وتلتقط الحبوب المتجمعة في باطن كفي. ونسيم ندي يلامس بَشَرَة خدي، فيترك لمسات ضاربة إلى الحمرة. وهناك فرقة موسيقية تعزف سمفونية موزارت تصدح في الأرجاء، فتدغدغ ألحانها نوارس السماء.

كانت ليلتي حزينة مع أنّ سماءها ترفل بالنجوم المضيئة وتحفز المرء على الاستمتاع بالهدوء المعتاد... السعادة الحقيقية تكمن في غسل النفس من آلام الضمير، والشعور بقيمة الإبداعات النابعة من أعماق الوجدان، والبقاء حرًا طليقًا بلا قيود.

تتسارع الخُطا نحو الشواطئ البعيدة المغطاة بالرمال الساخنة، وقد خفت حرارتها وقت الغروب حيث منبع الراحة والتأمل. انظر حولي وأخذ نفسًا عميقًا. لا أحد بجانبي، أنا والطبيعة والسكون الثقيل.

ما أجمل وجه الحياة، أن تنظر إلى الأفق البعيد، وترى قارب الصيد يبحر باتجاه الشمس الغاطسة، وهي على وشك الغرق بتمهل في قاع البحر، وتقول وداعها اليومي، ثم يلتقي الغسق والبحر في عناق أحمر، ضاربًا بلونه زرقة السماء، قبل أن يهبط الظلام بثقله على أنفاس الطبيعة.

هناك أشياء كثيرة، تعني لنا الكثير مهما ابتعدنا عنها فهي راسخة في جذورنا بكل تفاصيلها، لا تمحيها رغوات الأمواج الهائجة. فهي تجسد أفق الحياة، لأنها متماسكة، ومتفقة لطموحاتنا.

الدمار الوقتي لا يعني اليأس والإحباط، بل يعني مرحلة تعيسة في نهر الحياة. لا نجعل من الزمن الخطر المحدق يحبس الأنفاس، فالخط الفاصل بين اليأس والأمل، ليس سوى جدار شفاف يخترقه بريق الإصرار وقوة الإرادة والصمود الحتمي أمام المطبات.

***

كفاح الزهاوي

 

الى عمّار المسعودي

صديقاً وشاعراً حقيقياً

***

(آهٍ …

لماذا لم نعتذرْ

عن خريطة هذه الحياة)!؟

*

ياااااااااااااااااااااااااااااااااهْ ...

يا لَها من حياةٍ "ماسخةٍ"

تُجْبرُنا على الصهيلِ

والنحيبِ والنباحِ أَحياناً

فَنَضِجُّ باللَهبِ والاسئلةِ

وأَعْني أَسئلتَنا الإستفهامية

وأَسئلتكَ الحائرة

إزاءَ الذي نحنُ فَعَلْناهُ

حتى نعتذرَ؟

ومَنْ الذي يستحقُ

أَنْ نعتذرَ منهُ

أو نعتذرَ لها؟

وما الذي جنيناهُ

في هذهِ الارضِ؟

التي لنْ نرثَها

"حتى لو فكّرَ اللهْ

أَنْ يأتي من عليائهِ

ويأتي جلجامشُ ودموّزي

ويأتي المهدي واليعازر والخضرُ

ويأتي الحسينُ وجيفارا

والخنساءُ والغفاري

ويأتي عبد الكريم قاسم وفدعة

والصدرُ وبنتُ الهدى

وفتيانُ إنتفاضةِ تشرين المغدورونَ"

والشهداءُ المضحوكُ عليهم

من أولِ الدهرِ

الى آخرِ الغدرِ

والصبرِ والحُطامْ

والظلامِ والسُخامْ

وكلِّ هذي الحروبْ

والدماءِ والثقوبْ

وكلِّ هذي الاوبئةْ

وشياطينِ الخراب

*

نسخةٌ منهُ الى:

السيدةِ حياةْ

السيدِ مصيرْ

الآنساتِ خرائطْ

والبقيةُ في القيامةِ التالية

*

أِقلبِ الصفحةَ رجاءً

*

نقطة... أَوَّل القهر

*

" طفلُ الكلامْ " أَنا

أَكتبُ لكَ ضوءَ الروحِ وضوعَها

وأُهديكَ السلامْ

كلُّ هذا من وحيكَ

ومن أسئلتكَ الحائرةِ أَعلاهْ

وها أَنا أُرتّلُ لكَ

آياتٍ من الخضرةِ والعطرِ

والمُدامةِ والماءْ

عينٌ

ميمٌ

ألفٌ

راءْ

تباركتَ نقياً

وسراجاً بهيّاً

وشاعراً نبياً

يا طينَ الأشياءْ

ونورَ الاسماءْ

عينٌ …

ميمٌ …

ألفٌ …

راءْ …

***

سعد جاسم

2023-9-1

 

دعيني و ابدأي عهدا جديدا

أيا دنياي لا تضني الوليدا

*

فقد لاقيت ما أبكى عيوني

و قد لاقيت ما أدمى الخدودا

*

فلا الأفراح في الدنيا تريني

سعاداتٍ ولا أسلت سعيدا

*

حملت الهم بالأنياط جرحاً

وما ضمّدت في جرح وريدا

*

أعيش العمرَ كالبركان أغلي

وفوق السطح أبديني الجليدا

*

إلى أن جاء وقت البوح بحتُ

بما عانيت.. لم أحتج شهودا

*

ففي فوديّ سرب النجم يجري

تجاعيدي لكم خطّت حدودا

*

وآلامي .. كما تدرون تسري

ثعابيناً سرت صفرا وسودا

*

وأني لم أزل أشقى وأبقى

بما في الحال محموماً كؤودا

*

فلا دنياي هذا الضيم تنهي

ولا تجليه كي أحيا سعيدا

*

لذا للآن .. حتى الآن أرنو

بأن أختار لو أفنى شهيدا

*

لأنَّ الموت لو تدرون أحلى

من الأحياء لو عاشوا قرودا

*

هناك العيش .. عند ﷲ أبقى

وفيه المرء يختار الخلودا

*

فيا دنياي روحي الآن عني

خذي إيّاكِ أعراساً وعيدا

*

هناك العيش .. حيث الحور تحنو

كأمِّ الطِّفل لو يأتي وحيدا

***

رعد الدخيلي

 

ما كنت لي حبيباً

في يومٍ من الأيامِ

وما رسمتُكَ في كَراستي

أبداً فتىً لأحلامي

أنت سرابُ الواحات

حين يشتَدُّ الظَمأُ

وأنتَ شحيحُ المُزُنِ

حين ينحبسُ المطرُ

أنت الشَّبحُ الباهتُ

في كوابيسي

وأنت لَونُ الطَّيفِ

في مِرآتي

وأنت صَدى الوهمِ

في وجعِ حكاياتي

أنت طَعمُ الفَرحِ

على مُروجِ الرُّوحِ

وأنت دمعيَ المنسكبُ

من غيرِ حِسابٍ

في دوَّاماتِ الزَّمانِ

أنتَ ثورةُ غضبي

وأنتَ هَدأتي وسُكوني

وأنت صَخبي وجُنوني

وأنتَ الضِّفافُ

لمَراكِبَ أحزاني

في مَدى عينيكَ

تنمو مثلَ شَتلةِ الُّلبلابِ

كُلُّ اشتياقاتي

وفي امتدادِ سِحرِكَ

يَضِجُ المَلهوفُ

إلى دفءِ العناقِ

أنت العُنوانُ الخاطِئُ

فوق أغلفةِ رسائلي

التي أعادها البريدُ لي

ذات يومٍ

ممهورةً بِخَاتَمِ

مَجهولُ الإقامةِ

أنا الذَّبيحُ

الَّذي إلى ضَربةِ الخَلاصِ يَحِنُّ

وأنا الَّذي يخاصِمُني الوَسَنُ

وتُعذبني سِياطُ الأرَقِ

أُقرُّ وأعترِفُ

أنت هو من ليس يعنيني

وأنت من بِه لستُ أبداً أبالي

لكنَّني في كُلِّ لَيلةٍ

أفتحُ خِزانتيَ العتيقةَ

وأُخرِجُ صورَتَك اليتيمةَ

أقبِّلُها ألفَ قُبلةِ

بل مليون قُبلةٍ وقُبلة

أنثرُ أثمنَ العُطورِ

فوق حروفِ رِسالتِكَ الأخيرةِ

أنت الَّذي ما كنتَ لي أبداً

حبيباً

في يومٍ من الأيامِ

أحكمُ عليكَ غيابياَ بأنَّكَ

ورغم سنوات التَّقادُمِ

ستَبقى لي

عِشقي وهُيامي

حتَّى انقضاء العُمرِ

وانتهاءَ الزَّمانِ

***

جورج عازار - ستوكهولم السويد

 

أنا المستريح على جسدي وحدي

أراقب تمزيق ذاتي بذاتي

أنظر إلى أطرافي في الطرقات

هنا رأسي يبتسم لملاك أتاني

هناك أقدامي تقودني إلى التراب

وهنالك لساني يرفع حروف النداء

إخوتي هيا للربع الخالي

موطن

الانعتاق من قيودي

تجمعت من حولي

أسود وفهود وذئاب وثعالب

وسيوف وأعلام بكل الألوان

تنسج كفني

بالخطب والأشعار

وأخرى بالقنابل والنار

تدق المسامير في نعشي

تبكي

فتكبلني بالأحزان

وعجز الدموع

ويتم الرثاء

وتشظي الكلمات

إخوتي: إنما الخطب خطبي

فما سر الندب؟

والألم والحزن

فأنا بينكم نسيت كل القصائد

ورفعت كل مفاصلي

بين يدي قربانا للآتي

حرية

على أعتاب القباب والصلبان

***

عبد العزيز قريش

في:17 نونبر 2023

لم يبق من تراب يحضتن اجسادهم ..

ركامها يروي لون العزة الدافق..

تغمض عينيها على أصوات لا تصلح للحياة

*

تتقاسم حزنها الموحش..

تُمطر دماءً

تمطر أشلاء..

منذ برهة كانت تنطق..

وكانت تحلم ...

وعلى إيقاع الموت تدفن الحقيقة في عراء الكذب ...

لم يعد بمقدور الهواء المصقول بالبارود

ان يتنفس..

وتسلك إدارة وإرادة المجرم ..

لا ماء، لا غذاء أو دواء ...

شعب يريد الحياة

وشهداؤه من الأجنة إلى الشيب..

وراية الحرية تعلو

وراية الحياة تخفق...

تشرق شمسها وتغيب

وأسرج الاحرار هممهم

وساروا…

سنابل الشهادة على الحق ثابتة،

لا تخلف ارض العطاء " في كل سنبلة مائة حبة "

ويبزغ بصيص من الحرية

من كل هذه العتمة ..

رغم كل الظلم والغدر ...

ويساور الظالم حلم ...

جثث الاطفال تفتته..

أنين الامهات..

ومعليششش ....

تآمر العالم اهداه نصرا

سينفض كل هذا التخاذل..

.يرمي صنارته في بحره .

ويزرع

زيتونا وقمحا وورود..

لنا كل هذا

لنا شهداؤنا...

لنا عزتنا.... لنا وحدتنا...

هذه الأرض لنا

زرعناها اعزاء وأبناء وتاريخ..

هذه الأرض لنا ...

ارحل

ارحل ..

***

عباس علي مراد – سيدني / استراليا

 

يا سِرَّكِ الغافي بشرفةِ مبسمي

مُــرِّي عليَّ قصيدةً في مأتمِ

*

ودعي النساءَ العاذلاتِ وأسرجي

ليْ منكِ قنديلاً بدربي المعتمِ

*

ولقد رسمتُكِ في سمائي لوحةً

مطرًا تهادى بعدَ ليلٍ مبهمِ

*

فاستنطقيني عن هواكِ قصيدةً

فيها من الشوقِ القديمِ  الأقدمِ

*

جلستْ تؤنبنِي على زمنٍ مضى

لما رأتني فوقَ جُرحِي ارتمِي

*

وتقولُ هذا الشوقُ  ودٌّ دائمٌّ

كيف استحال الودُّ نزفًا في فمي؟

*

جئناكِ من بعد الفراقِ يلمُّنا

ماضٍ من الشوق الذي لم يكتمِ

*

هل تذكرين زمانَ كنا غيمةً

للشوقِ محمولينِ فوق الأنجمِ

*

ونبوحُ للشجنِ الدفينِ بحبنِا

ونطير ملهوفينِ لهفةَ مُغرَمِ

*

ها أنت تبتعدين عن مُقلي وبي

لكِ شوقُ ملهوفٍ ووجدُ متيّمِ

*

لا تعجبي إن صار حزنِي شاخصًا

وكبرتُ حتّى صار  حزنِي معْلَمِي

*

إنِّي وحقِّك، كم كتمتُ مشاعري

وصبرتُ حتى جفَّ نهرُ تكتّمي

*

وحفظتُ للأيام كلَّ جميلِها

لكنَّها خرستْ ولم تتكلمِ

*

فتركتِني وحدي أصارعُ وحـشتي

للهِ أشكو غُـربتي وتألـمِّي

*

ما كنتُ أحسبُها تغيّرُ جلدَها

وتُذيقني في الصدِّ كأس العلقمِ

*

تُلقي على جرحي رمادَ سمومِهَا

وتُسِرُّ عذّالي بعُسرِ تألّمي

*

وَهَمُوا فلستُ بزارعٍ في سبخةٍ

ورداً ولكنِّي زرعتُ بديِّـمِ

***

د. جاسم الخالدي

تُعَاشُ الْحَيَاةُ بِعَدِّ النَّفّـــسْ // وَعَــــــــــدِّ الْعُدَاةِ وَعَدِّ الْعَسَسْ

إِلَيْهَا دَنَوْتُ دُنُوَّ الصَّبِيْـــــ//ـــيِ يَدْنُــــــو إِلَى أُمِّهِ فِي الْغَـلَسْ

وَكُنْتُ أَظُنُّ الْمــَرَامَ بَلَغْـــــ//ـــتُهُ حِينَ أَغْدُو بِظَهْرِ الْفــــَرَسْ

وَلَكِنَّ وَهْماً وَثِـــــــقْتُ بِهِ // أَضـــــَرَّ بِقَلْبٍ ذَوَى وَابْتَــــــــأَسْ

وَعَيْنِي لَكَمْ تَعِبَتْ مِنْ بُكَا // أَيَبْكِي مِنَ الْقَرْعِ ذَاكَ الْجَــــــرَسْ؟

كَأَنِّــــي لِوَحْدِيَ كَبْشُ الْفِدَا // وَمَنْ أُنْزِلَتْ فِيهِ حَــــــــقّاً عَبَسْ

***

وَقَفْتُ عَلَى بَابِهَا حَاجِـــــــــباً // وَأَنْتــــــَظِرُ الْأِذْنَ كَيْ أُفْتَرَسْ

فَيَـــــا سَائِلِي عَنْ رِضىً حُزْتُهُ // وَلَــــمْ أَرَ فِيهَا رَضــــىً يُلْتَمَسْ

فَـــــــــــلاَ حَـــقَّ فِيهَا إِذَا رُزْتَهَا // وَكُـــــلُّ تَفَاصِـــــــــيلِهَا مُقْتَبَسْ

تَرَاهَا إِذَا عَاهَدَتْ نَكَـــــــــثَتْ // وَلــــــَوْ طَمْأَنَتْكَ بِرُوحِ الْقـــُدُسْ

وَتُغْرِيكَ بِالنِّصْفِ فِي يَوْمِـــهَا // فَيُصْبِحُ فِي الْغَدِ رُبْعَ السُّـــدُسْ !

فَيَــــــا ضَيْعَةَ الْعُمْرِ فِي زَيْفِهَا // وَيَا ضَـــــــــائِعاً لاَئِذاً بِالْخَرَسْ

إِذَا رَأْسُـــــــهَا غَابَ فِي بَحْرِهَا // فَهَلْ كَانَ يُنْجِيهِ طُولُ النَّـــــفَس؟

فَأَنَّــــــــــى سَنَرْتَاحُ مِنْ سِجْنِهَا // وَأَنَّـــــــــــى تَنَامُ عُيُونُ الْحَرَس؟

***

الشاعرة : لطيفة أثر رحمة الله

 

ما زلت أذكر ذلك اليوم.. وهل يمكن أن أنسى يومًا مفصليًا في حياتي وحياة مؤسستي مثل ذلك اليوم. ذلك اليوم ابتدأ قبل حصوله بثلاثة أيام. كان ذلك عندما ذُكر اسم فتحي المدهون في المؤسسة وراح ينتقل من غرفة إلى غرفة، من عين إلى عين ومن أذن إلى أذن، بل من تقطيبة إلى تقطيبة.. لماذا تأتون بمثل هذا المعلم الازعر الجاهل.. ليعلّم أبناء شبيبتنا؟ ألا يوجد معلمون أفضل منه في هذه البلدة الملعونة؟.. الاسئلة تطرح واحدًا تلو الآخر ولا إجابة تأتي من فم فاهمٍ يريح ويرتاح. وكنا كلّما مضى الوقت نشعر جميعنا بالتوتّر يزحف في أروقة المؤسسة زحف الافاعي في مغائر سرية وسحرية سحيقة الاغوار.. موغلة في السحق والخشية. الوقت يمضي والسؤال يكبر.. لماذا تأتون بهذا الأستاذ.. لا جواب.. وتجرأ.. في اليوم التالي أحد الموظفين ففتح فمه وتحدث بصراحة ووضوح: فتحي المدهون نازل على اللغة العربية نزول.. وهو لا يتقنها ليعلّمها لأبنائنا.. سمعت أنه يتلقى معلوماته عنها أولًا بأول وقبل كل درس.. من عاِرف جليل بالعربية وشؤونها.. ويستعيد بعدها أمام طلابه المرعوبين منه ما تلقاه في الامس.. بل إن ذلك الانتحاري الذي فاه بكل هذا الكلام، ذهب إلى أبعد من هذا، فقال مبتسمًا.. إن شر البلية ما يضحك.. لقد نسي فتحي افندي خلال تدريسه طلّابه إحدى المعلومات.. وعندما قام أحد طلّابه بإرشاده إلى المعلومة الصحيحة.. قام بطرده من غرفة الصف.. وحلف على زوجته بالطلاق مُقسمًا اغلظ الايمان القاضية بأن ذلك الطالب لن يعود إلى مقاعد الدراسة.. قُبالته وأمامه.. وعبثًا حاول أهل الخير إعادة ذلك الطالب المعروف بنباهته إلى مقاعد الدراسة في إحدى المؤسسات.. فقد ذهبت محاولاتهم سدى وأدراج الرياح. ضحك مَن فاه بهذا الكلام وطلب منه مَن استمع إليه مِن زملاء ألا يواصل حديثه ذاك.. إلا إن مدير المؤسسة بادر بعد ذلك بقليل لدعوته.. ليخرج بعدها إلى لا عودة.

في اليوم الموعود.. بعد مضي ثلاثة أيام دخل فتحي المدهون مؤسستنا مختالًا فخوًرا، نظر يَمنة ويَسرة. تفحّص المكان من أوله إلى آخره. كأنما هو يقرؤوه ويتغلّغل إلى أعمق أعماقه، ليعد الاجابة المناسبة لأي سؤال يوجّه إليه، تفحّص كلًا منا، نحن موظفي المؤسسة ومتطوعيها، وأرسل نظرات حافلة بالغموض نحو كل منا، الغريب أننا عندما دخل غرفة المدير وأغلق بابها وراءه، تنفّس الجميع الصعداء، وتبيّن مما فاه به البعض من تعقيبات، أنه يفسر نظرات زائرنا الهُمام بطريقة تختلف عن الآخرى.

بعد أن أغلق زائرُنا، معلّم العربية الجديد في مؤسستنا العتيدة الغالية، تنفّسنا الصُعداء وتوجّه كل منا إلى شأنه، إلا أنا الكاتب المتطوّع في المؤسسة، فقد انتظرت أن تخلو لي الاجواء لأن أتوقّف وراء باب المدير المغلق وأسترق السمع.. بعد الترحيب سادت فترة صمت بين الاثنين داخل الغرفة المدير وضيفه الغامض. حدّ أنني كدت أستمع إلى حفيف الصمت. كانت الانفاس تتلاحق وتتعالى.. وبقيت على ما هي عليه إلى أن عاد مديرُنا إلى الترحيب، فما كان من ضيفه إلا أن انتهره:

-ألا يوجد لديك غير الترحيب؟ قُل أي كلام.. متى سأبدأ.. ومع أي من الطلاب.. هل هم متقدّمون في العربية أم أن علىّ أن ابدأ معهم من الالف باء.

عندها سمعت المدير يقول له:

-طلابنا متقدّمون جدًا.. وسوف يكون إلى جانبك كاتب متطوّع في مؤسستنا..(وذكر اسمي).

شعرت أن الزائر قفز من مقعده:

-ماذا تقول.. متقدّمون.. أفهم عليك.. أما أن يكون كاتب مساعد لي.. فهذا ما لا أرضاه.. أنا معلّم ولي تاريخي العريق.. وأعرف العربية وأسرارها.. لست بحاجة إلى مّن يساعدني..

صمت الزائر وبعد صمت قليل.. قال ضاحكًا:

-بإمكان كاتبك المبجّل.. أن يصنع لي القهوة.. لأتمزمز عليها.. أما أن يقف إلى جانبي لمساعدتي فهذا ما لا أحتاج إليه.. خبرتي تشهد لي..

شعرت أن مديرَنا دبّ السبع في قلبه وتوجّه إلى محدّثه قائلًا:

-كاتبنا معروف بمعرفته المتعمّقة للغة العربية.. أنا متأكد أنه سيكون عونًا مساعدًا لك..

سمعت همهمة وزمجرة.. انحنيت لأرسل نظرة عبر ثقب مفتاح الباب، فرأيت مشهدًا غير متوقّع، اقترب الزائر من مدير المؤسسة، مدّ يده إليه. انكمش المدير. لاعتقاده أن صفعة مدوّية ستنزل على وجهه الطري، إلا أن هذا مدّ يده المدرّبة إلى وجه المدير وربّت عليه:

-اسمع يا حبّوب.. ربّما كنت لا تعرفني.. صحيح انني معلّم للغة العربية.. إلا أنك على ما يبدو لا تعرفني جيدًا.. أنا من عائلة المدهون.. الاكبر في المنطقة.. ثم إن جدي وجدّ جدي.. عملًا في توريض الخيول.. أما وقد اختفت الخيول أو كادت.. فقد قرّرت أن أعمل في ترويض البشر.. هل تفهم ما أقوله لك؟

بدا أن الرسالة وصلت إلى المدير، فاخفض راسه، هازًّا إياه علامة الموافقة، واستمعت إليه يتمتم بكلمات فهمت منها أنه وافق على كل ما أراده المعلّم الجديد.

انصرفت مبتعدًا عن ذلك الباب، وأنا أفكر في مروّض البشر ذلك الزائر الثقيل.. إذا كان مديرنا قد وافق على أن يعلّم طلابنا مَن يحتاج إلى معلّم، فإنني أنا الكاتب المُحبّ للغته العربية المولّه المُدنف فيها، في حروفها وكلماتها.. لن أسمح.. حتى لو اقتضى الامر أن أدفع حياتي مقابل موقفي.

في الليلة التالية لم أنم إلا بعد أن هدّني التعب والنعاس، فاستسلمت إلى النوم.. ورأيت لُغتي العربية غزالة ذات عينين عسليتين واسعتين.. ترد الماء بطمأنينةِ من شعرَ بالغُربة وأحبّ الحياة في آن.. وبينما هي تدني فمَها مِن سطح الماء.. التفتت إلى الوراء لترى جسمًا أسودَ قاتمًا يزحفُ نحوَها.. فما كان منها إلا أن فرّت جارية بعيدًا بعيدًا.. غير أن ذلك الجسم الاسود انطلق وراءها مثل صاروخ أمريكي ذكي.. عندها شعرت بالخطر الداهم عليها ففتحت عينيّ.. وغادرت النوم متخذا قرارًا.. لا رجعة فيه.

حملت نفسي في اليوم التالي وتوجّهت إلى بيت ذلك الموظف، زميلنا المطرود من جنّة مؤسسة لغتي العربية.. وما أن فتح لي باب شقته وأطل منها النور يسبقه.. حتى طلبت منه أن نتوجّه إلى بيت ذلك الطالب العليم.. الذي طرده المدهون.. ليخفي ضعفه وقلة معرفته بالعربية. توجّهنا من فورنا إلى بيت ذلك الطالب، وجرى بيننا حديث طويل.. اتفقنا في نهايته على أن نضع حدًا لتلك المهزلة المقتربة من أبنائنا ومؤسستنا.

أعتقد أنكم الآن فهمتم ما خطّطنا له.. بإمكاني أن اختصر ما حدث بكلمات: في اليوم الموعود لبداية درس معلمنا الجاهل.. كنّا أوّل مَن دخل غرفة الصف.. وما ان رآنا المدهون.. حتى تراجع إلى الوراء في محاولة لإشعارنا أنه لم يرنا.. فايقنا أن ما خططنا له قد تكلّل بالنجاح.. وتوجّهنا إلى نافذة المؤسسة.. لنرى ذلك المعلّم المبجّل.. يولّي إلى غير رجعة.. كان ذاك آخر عهدنا به.. وبعهده الاسود..

***

قصة: ناجي ظاهر

أنا ذلك الشيء الذي لا تصله علامات الاستفهام

ذلك الشيء.. الذي لا أعنيه

بمجرد الإشارة اليّ

أحاول أن استنطق الأشياء

أحاول ان أجدل ضفائرا لشيء ما..

ظلّ طويلا يلاحق أنايّ

كيف تحولت إلى حديقة من ضياع؟

وأنت الى (...) تقطف الزهور وتنثرها في الفضاء

كيف تحوّلت إلى امرأة تبرق وتتهشم كالزجاج

ثم تتناثر على طرقات قلبي

*

في حقل ما قريب من أناي

طالما تعثرت

كما تعثرت كثير من الأماني في الوصول

في بساتيني التي تحملها قمصاني

طالما أورقت أزهار ونمت أشواك

و لازلت تلك الـ (...) التي تقطف الزهور و تنثرها في الفضاء

*

لم يعد هنالك متسع من الوقت

كي أعدّ النجوم او أمضغ لسانك

دعيني أسرّك شيئا:

في ضياعي الذي بحثت عنه

طالما تعثرت بأحلام كثيرة

تحولت الى جثث هامدة

ثمّ اصطدمت بها قدماي

*

في بقايا مني طالما رممتها بصمغ الـ (قد...)

فلتكوني أنت تلك التفاحة التي أشرت إليها

ولكن أنا ذلك الشيء .. الذي لا أعنيه

ننحدر سوية الى ضفاف المطلق

متشابكي الأيدي

رافعين رؤسنا كالأيائل

نحبّ أشياء" كثيرة لا نعرفها

نحتسيها حتى الثمالة ثم نبصق بوجه القدر

*

أخشى أن تصدح بعيدا هذه الحمامة

فلا أرى وجهها متسطحا على الجليد

*

كان لوجهي قدره غير قدره الذي

تقذفه حرارة ثوبك وهو يلتصق بي

كان له أرجوانه غير ذلك الذي يتساقط من أنوثتك

كان له بهاؤه وهو يلتف ببهائك

لازالت تلك الشجرة بعيدة

غير أنّ ثمارها منقوشة في فستانك

الذي يلتف حولي كطوق بابلي

كيف تسللت أنوثتك لكلّ مساماتي

وأورقت جنائننا في جسدي

***

أنت.. ذلك الشيء الذي لا أعنيه

(دعيني أمسك بجمرتك

فهي الماسة الوحيدة التي بقيت لي

من كل ذلك الضياع

دعيني أنحتك تمثالا من خزف

و أتركه يجّف في الظلام

دعيني أشير إليك كلما فقدت بوصلتي

فأنت الماسة الوحيدة التي بقيت لي من كل ذلك الضياع

***

د. رسول عدنان - شاعر عراقي مقيم في أمريكا

لو صاحت (القدس) ألفاً ليس يسمعها

(مستعصماً) كان أو قد كان (معتصما)

*

فكل ما صار في الدنيا على سفهٍ

يجري و تجري بنا نخواتُهُ وهما

*

إستيأس (العُرْبُ) مما كان في زمنٍ

و استعصموا اليوم بالتَّطبيع فاحتكما

*

يجري على الناس مجرى النوم في خدرٍ

و يستفيق به من فاق مضطرما

*

لمّا يرى الأرض غير الأرض في وطنٍ

ممزقِ الوجه .. لم يرحمه من رسما

*

استصهن العُرْبُ منبوذين ، تقصفهم

الطائرات ، و لا يرمون من ظلما

*

لكنْ أتى جيلُ (عـ🇵🇸ـزالدين) منتفضاً

فذلك الذُّلُّ بـ(القسّـ🇵🇸ـام) قد حُسِما

***

رعد الدخيلي

لستُ بذَائِــــع ِ صِيت ِ

كي أحظى ياعفريتي

*

بمديحِهم ليَ ساعةً

في صالةِ التصويت ِ

*

أبداً فلستُ بعالِم ٍ

أو ناقِد ٍ خِرّيت ِ

*

أو عبقريَ زمــــانِه ِ

قد جاء من (هاييتي)!

*

أنا لستُ إلا جذوةً

في نهضة الكبريت ِ!

*

وقذيــــــفةً حرفيةً

تهتاجُ في (تكريت ِ)!

*

في القدس ِ..في يمن ِالإبا

في ســـوريا.. في بيروت ِ

*

في كل  شبر ٍ من هنا

وهناك سيف كميت ِ!

*

أنا منبرٌ حُـــــرٌّ لهــــــ

ـــذي الأرض ِ والملكوت ِ

*

ويَراعــــــةٌ ولاَّدَةٌ

وطناً بلا طاغوت ِ

*

هذا الزمان زماننا

بالعِزِّ والجَبَرُوت ِ !

***

محمد ثابت السميعي - اليمن

2022/8/20م

أيها العالمُ..

أنا التفصيل الصغير في مداك المُحكم

خطوات ابنتي الصغيرة نحو مدرستها

خطواتي القلقة

وخطواتك الكبرى

أيها العالمُ المُتآزرُ..

أنا الجزءُ المتسائلُ الذي يراقب هَولَك

***

فارس مطر - برلين

 

شلوم يا عرب شلوم

يا ترى ماذا اصابكم

هل دست "اسرائيل" لكم السموم

ام اكلتم مخ الضبع

حتى صرتم كالمجانين

لا تفرقون بين الحاكم والمحكوم

تريثوا بعض الوقت

وتمتعوا حتى حين

فحكمكم لن يدوم

وشعبكم  مقهورومظلوم

واطفال غزة بين مغتال ومكلوم

ما انتم الا خنازير نتنة

سخرت من جبنكم الامم

جيوشكم مترهلة في كثناتها

تنش الذباب عن بنادقها

من فرط الملل والكلل

واليأس والاحباط يلف من جانبها

والجندي العربي مدحور ومدموم

ينتظر ويسأل متى يلقي سيزيف صخرته

ومتى تتمرد النجوم على الاكتاف

والنياشين على الصدور

ايتها الاصنام المغرورقة بالخنوع

آلياتكم الحربية

نخرها الصدأ المشؤوم

وغمرها براز الحمام

وفضلات الطيور

سوف تنتهون جميعا تحت نعال العم سام

وستذبحون كالخراف

على اعمدة المشانق

وستصلبون في ميادين تل ابيب

يا عبيد الوحش الصهيوني الرهيب

فاعلموا ان المقاومة أكثر خلودا

من تيجانكم

واوسمتكم

وقصوركم

واموالكم

***

بن يونس ماجن

تصحو فدوى على حركة غير عادية في غرفة نومها، من أول خطوة تحس ان أنفاسا أخرى غير أنفاسها صاعدة نازلة في احتراس، تشاركها هواء الغرفة، يدها تمتد الى هاتفها تحت الوسادة..

لا!!.. قد يفضحها ضوؤه، تفتح عينا وتترك الثانية مغمضة.. الضوء الباهت المتسرب من الستائر الشفافة للنافذة يجعلها تتبين الطيف الذي يتحرك في الغرفة وقد اطمأن الى نومها العميق وشرع يقلب دواخل خزانة ملابسها..

هو ليس غيره، ذاك دأبه كل يوم بالليل بعد نومها، ومتى غفلت عنه بالنهار..ما أن يتذكر زاوية من خزانة ملابسها الا وتحيَّن الفرصة لتقليبها..

متأكدة من زائرها، طول قامته وشعره الغزيز يدلان عليه، الم يَدَّع أنه سيغيب يومين؟..فلماذا عاد من يومه كلص متسلل بليل؟..

فدوى من أوهمته كعادتها أنها تسبت في نومها الثقيل وأن رغبة النوم لديها تلفها بمجرد أن تضع رأسها على الوسادة، تعوَّد منها ذلك؛ غباء، أو ربما ثقة زائدة في النفس الى حد الغرور، لم يكن يدري أنها هي من كانت تبني الوهم في عقله بشخير كمدماك يتحصن به في اطمئنان حتى تتابع حركاته وسكناته، لديها،الثقة فيه مفقودة من الشهور الأولى لزواجهما، لا تأمن لوجودها أمنا معه، يتلون كسحلية حرشفية بألف لون ولون،لذلك فهي تحترس برقابة وحرص على أن توقعه في سوء سلوكه..

كل ليلة قبل أن يتسلل من سريرها،يمرر ظهر كفه قريبا من فمها وأنفها، أحيانا يضع سبابته على خدها ليتأكد من استغراقها في النوم، ثم يخرج الى الخادمة التي تكون في لهفة انتظار تلقاه بجسد عار وأحضان مفتوحة..

"صغيرة مراهقة لا تعبأ بالخطر الذي يحدق بها "

ـ يتوهمان أني نائمة، غائبة في رموس الكرى..

"حك وصاب غطاه"..نفس التفكير، والميول الساقطة، كلاهما من طينة واحدة، هو بلا أصل يتفجر ماضيه في دواخله بلا انقطاع، ظل يكرر سنواته الدراسية ولم يصل الى الجامعة الا بعد أن بلغ السادسة والعشرين من عمره، لكنه لم يستطع التزحزح عن السنة الأولى..

تم طرده بعد أن سرق محفظة نقود إحدى الطالبات التي كشفته من جواربه، ولم تكن السرقة الأولى ولا الثانية ؛ أما هي فخادمة لا يتعدى عمرها الخامسة عشرة قذفتها المراهقة بلا توجيه ولا رعاية بل الى تحريض استغلالي جعل افعالها وتجاربها في البيوت وراثة من أدق تفاصيل أفعال بنات إبليس.. تعرف زوج فدوى على الأم قبل البنت التي تنحدر من نفس قبيلته، ظلت تنتقل من بيت لبيت وفي كل بيت كانت تفرخ زلة، لاتوقر صغيرا ولا كبيرا..

ما يغلي في صدر فدوى أقوى من قار الطرقات الحارق، كيف تصطبر أنثى وزوجها أمام عيونها يخونها مع خادمة صغيرة ؟ ألا تكون مسؤولة اذا وقع للطفلة ما يحرك اقاربها باستفسار ؟..:

لون القارما أحسه نحوهما، لكن يلزمني أن أتحمل و أصطبر..

تعي فدوى جيدا أن الخسيس الذي لايتوانى في سرقة زوجته وأم ابنه لن يتحرج في قتل من أجل أن ينهب، فكل حركة من فدوى هي جناية على نفسها، الغبي لن يتأخر عن الفتك بها.. و أقل ماقد يصدر عنه أن يُلبِّسها اللئيم كذبة تأتي عليها ّ وعلى براءتها.. يتوهمها غبية، ساذجة، و الحقيقة أنها بصبرها وقوة احتمالها وذكائها هي من طبعت هذا الاعتقاد في عقله، ما أن تدخل سريرها حتى تستكين وتترك سمعها يشتغل بتسجيل، يناديها فلا ترد، يسألها فلا تجيب حتى اذا صحت، مثلت عليه دور من غرقت في نوم،تصحو فزعة وهي اشبه بمجنونة على صيحاته،كل ذلك ليتمادى في أفعاله، ويزداد استغراقا في سوء أعماله "

أريده أن يغرق بلا نجاة والى الأبد "..

يعود الى غرفة النوم على رؤوس أصابعه وخلفه الخادمة ذيله التبيع، يبحثان عن ذهب فدوى، الذي ورثته عن أمها والذي كم حاول أن يستحوذ عليه رغم ما قدمته له زوجته من تضحيات ومساعدات.. جاحد كفور لايعترف بنعمة..

أين أخفت الذهب ؟..

تدرك فدوى ان زوجها يتهيا للفرار مع الخادمة، بعد استيلائه على ذهبها، فقد سمعت حديث مؤامراتهما ذات ليلة..لذلك حملت كل ذهبها الى بيت خالتها..

حين يئسا، تعانقا بلا حياء أمام سريرها، ثم عادت الخادمة الى غرفتها واندس هو في سريرزوجته..

خفة عقل وطيش خادمة صبية لا تزن سلوكها، كيف تتصور ان يحافظ لها على ود ؟هو فقط يسخرها لأغراضه، يقدمها قربانا اذا ما تم ضبطه، ولن يتوانى في قتلها اذا كان القتل مطية لجشعه وطمعه..خسيس دنيء.

صباحا تحيي فدوى زوجها ببسمة عادية، لكن اعماقها تقطر مقتا وكراهية، تدخل الحمام..ومن خلف الباب تسمع حركات ركضه الى الخادمة في المطبخ، يعانقها من خلف فتسأله بلهفة:

ـ ما الجديد ؟

ـ لا شيء، استغرقني الليل بتفكير.. ألا يكون تحت سريرها ؟

ـ سأقلب السرير من أسفله وبين طياته بعد أن تنصرف لعملها..

حين خرجت فدوى من الحمام وجدت زوجها مع الخادمة، كانت يداه على كتفيها، يتحدثان بهمس،ما أن رأى خيال زوجته حتى ابتعد عن الخادمة، رفع صوته:

ـ بادري خديجة أرجوك لقد تأخرنا عن وقت العمل

تضحك فدوى، وحتى تؤيد قوله فيطمئن تقول للخادمة:

ـ صحيح،لن تُفتح بابٌ الا بحضور سيدك..

تخرج فدوى الى عملها بعد أن يغادر الزوج البيت كحارس في إدارة

تزوجت فدوى صالح وهو طالب جامعي في السنة الأولى، لم يستطع تجاوزها..

صادفته مرة في أحد المنتزهات فاصر على التعرف عليها، أوهمها أنه يسير مدرسة حرة، بعد كتب الكتاب أقنعها بزفاف بلا حفل،بعد شهرين تبين أنه مجرد طالب جامعي مطرود..

وجدت فدوى نفسها محاصرة بحمل مبكر وحيث انها موظفة كرهت أن يشاع بين زميلاتها طلاقها بهذه السرعة وكأنها هي من اشترت رجلا لانقاد نفسها من عنوسة بدأت تطول..

فكرت فدوى أن تبحث لزوجها عن عمل حتى تحافظ على لحمة الأسرة فيتربى وليدها في كنف أب وأم ملفوفا بحنانهما..

استطاعت أن تشتري لصالح دكانا صغيرا بالتقسيط، من مالها تقدم تسبيقه الذي يتجاوز نصف ثمنه حسب رغبته وشرطه أن يكون الدكان كله في اسمه يتكلف فقط بأداء المبلغ المتبقي اقساطا شهرية

جرب بيع الخضر والفواكه فخسرلإهماله وكسله حين كان غيره يجني أرباحا اتسعت بها تجارتهم،كان صالح ينام الى الضحى، ولا ينتبه الى الفواكه التي قد مسها الخمج فيفصلها عن غيرها، ثم غير الخضر والفواكه ببيع الدجاج والبيض كلما ارتفع ثمن الطيور كلما ارتفع دخله لكن الكثير من الزبائن ضبطوا غشه حيث كان يذبح الدجاج النافق ويبيعه قطعا كما وجدوا حصوات وطين تحت أجنحة الدجاج لزيادة ثقله بالميزان فقدموا به شكاية وتم إلقاء القبض عليه وحوكم بسنة سجنا، وقد ازداد ابنها وأبوه سجين، وظل يقسم كذبا أنه لم ينتبه للحصى تحت الأجنحة وربما يكون هذا من فعل صاحب مزرعة تربية الدجاج..

استطاعت بتدخل من أحد اقربائها الذي تم انتخابه برلمانيا أن يشتغل الزوج حارسا في أحد مدارس التكوين المهني الخاصة لكن سرعان ما تم ضبطه مع منظفة هناك في وضع مخل بالآداب فتم طردهما وبنت المنظفة هي خديجة من صارت لدي فدوى خادمة بعد ان ماتت أمها إثر سقطة على رأسها بعد عراك مع إحدى السجينات حوكمت على أثرها بتهمة إجهاض طالبة في بيتها

كانت فدوى تعي أن نهايتها ونهاية ابنها لن تكون الا على يد زوجها وخديجة خادمتها أو هما معا لهذا جلست الى قريبها البرلماني وأبلغته بكل هواجسها، نقلت له ما يقع ليلا بين الخادمة وزوجها، ومقدار صبرها الذي فاق كل الحدود، هد نفسها وكيانها، صبرا لضمان حياتها وحياة ابنها.الذي تعبت من وضعه كل يوم في ضيافة إحدى الجارات.

طرق البرلماني قريب فدوى بابها ذات صباح بعد أن أيقن من خروج الكل الى عمله، كان في رفقته شاب عشريني يحمل محفظة رياضية من كتان ملونة، طلب القريب من الخادمة ان تصاحبه لمساعدة زوجته في أعمال البيت، حاولت الخادمة أن تعتذر لان وراءها اعمالا يجب إنجازها لكنه أكد لها أنه اتفق مع فدوى فلا خوف عليها.. قبل أن يركب الجميع في سيارة البرلماني الرباعية الدفع طلب منها مفاتيح البيت قدمها الى مرافقه الشاب قائلا:

ـ بشير !!.. ربما قد تعود قبلا منا، ادخل كل شيء الى البيت وانتظرنا..

حرك الشاب رأسه ببسمة توحي أن اتفاقا قبليا ما بين الرجلين قد تم،ثم خطا في الاتجاه المعاكس للسيارة..

وصل البرلماني الى بيته، دخل والخادمة معه،طلب من خادمته أن تدل خديجة على ما يجب القيام به في البيت الذي كان يخضع لبعض الإصلاحات..

عاد زوج فدوى بعد منتصف النهار بقليل طرق الباب فلم يتلق أي رد..

انتظر عودة فدوى التي فتحت الباب بمفاتحها، اين الخادمة ؟لا وجود لها..

ظل زوج فدوى يلفق التهم لزوجته تارة يدعي ان فدوى من طردت خديجة وتارة يقول:إن فدوى هي من ضيقت الخناق على الخادمة حتى ملت وأبقت، يصيح بذلك كأنه يريد إسماع الجيران بما اقترفته فدوى في حق صبية لا ملجأ لها ولا مأوى..

ماذا أقول لأهلها إذا ظهر أحدهم ؟

بعد أن اشتد خصامهما اقبل البرلماني ومعه خديجة والبشر على محياها منشور..

غضب الزوج يبلغ مداه وهو يرى خديجة تضحك من أذنيها والبرلماني معها وقد وضع يده متعمدا على كتفها، أكل الشك وسوء الظن كل بقية من صدرصالح وعقله، البنت صغيرة وجميلة وفي يدها هدية، فهل طمع فيها البرلماني ؟ ماذا لو اكتشف أنها غير بكر واستطاع أن يستل منها كل الأسرار..

رغم ما اخبرت به الخادمة عشيقها زوج فدوى من أن البرلماني لم يتجاوز أي حد معها فلم يصدقها..

ـ ممنوع عليك الخروج بلا إذن مني، فأنا عنك مسؤول..

مر بقية اليوم عصيا على الزوج، لكن فدوى أيقنت أن قريبها رغم تكتمه قد رتب حيلة لزوجها أدخلته في أدغال من الشك كثيف،وما أن اتى الليل وأوت فدوى لسريرها حتى تسلل الزوج الى غرفة الخادمة كعادته، شدها من عنقها واقسم انه لن يتركها حتى تخبره بالحقيقة وبأدق التفاصيل..

مارس الزوج على الخادمة كل أنواع التنكيل والفحش فهو لم يقتنع بأن البرلماني قد اكتفى بخديجة لمساعدة خادمته وهو من باستطاعته أن يحرك جيشا من الخدم لبيته،كما ان الهدية التي أتت بها خديجة وهي عبارة عن صندوقة مذهبة وبها ورقة من فئة مائتي درهم لم تكن غير ثمن لما مارسه معها البرلماني.. هي غرة بطيش،عقلها يطير مع الذهب والمال..

شرعت الخادمة تستغيث من ألم فما تعودت أن يمارس عليها صالح من الشذوذ ما حققه فيها الليلةعقابا على استجابتها للبرلماني، وحتى يتم اسكات صوتها أنامها على وجهها وضع الوسادة على رأسها من خلف ثم جلس بكل ثقله على الوسادة ضاغطا بقوة يديه على مؤخرتها الى ان انقطعت أنفاس خديجة ففقدت الروح، ألبسها ثيابها، أنامها على الجانب الأيمن،خمش وجهها وعنقها بأظافره، مسح يده بعناية في إزار غطاها به ثم تركها وعاد على رؤوس أصابعه الى فراشه متوهما أن زوجته نائمة..

في الصباح أيقظ فدوى ليخبرها أن الخادمة قد وجدها ميتة، وما أن هرعت فدوى فزعة وأطلت على جثة الخادمة حتى دفع الزوج فدوى لتقع فوق الخادمة ارتمى عليها من خلف ومسكها من معصمها وظل يحاول خمش وجه الخادمة بأظافر يد زوجته فتترك بصماتها واثرها في مكان الحادث ثم شرع يتهمها بقتل الخادمة..

حضر رجال الشرطة وقد لحق بهم البرلماني.. كان أول ماقاله الزوج:

ـ زوجتي هي من قتلتها للعداوة المتحكمة بينهما والشك الذي كان يركب زوجتي اتهاما أني أخونها مع هذه الطفلة الصغيرة البريئة، وليست هي المرة الأولى التي تحاول زوجتي القيام بذلك، أنظروا الى اظافر زوجتي على عنق الخادمة وخدها..

ظلت فدوى تبكي وتقسم ببراءتها وان زوجها كاذب، خسيس ودنيء، لكن إشارة خفية من البرلماني أفهمتها أن تلتزم الصمت والامتناع عن الكلام..

البرلماني عانق قريبته، اسكتها لتطمئن ثم قدم هاتفه الى رجال الشرطة حيث الحادثة مصورة وبالتفصيل كما التقطتها الكاميرات التي ركبها الشاب الذي كان في صحبة البرلماني صباح أمس..

***

محمد الدرقاوي ـ المغرب

 

حين أقول للآخرين أن صديقي لم يؤذ متعمداً نملةً في حياته لا يصدقونني. إنني أعني الكلام حرفياً. كان حين يلمحُ نملة تسير على جزء من بدنه أو على الأرض، يتحاشى أن يؤذيها أو يدوس عليها ويقتلها. ولَكم قلت له تلك العبارات التي لم تكن تؤثر به، أمثال "والله أنت مسكين" أو "ياصاحب القلب الضعيف" وغيرها. راجياً من ذلك أن أصعقه توبيخاً، لكي يترك هذه العاطفة الوثيرة التي أتت عليه. تلك التي بسببها صار لقبه في محلّتنا والمدينة "الرّومانسي" تهكّماً وسخرية. بداية معرفتي به في المرحلة الابتدائية. حين لمحته يتجول في ساحة المدرسة، وقد كان يتمتم بكلمات ويومئ بكفّه صوب السماء. في البدء اعتقدت أنه مخبول يحدّث نفسه. لكني عرفت شيئاً بعد أن اقتربت منه بمسافة وسألته بفضول: ماذا تصنع؟! فأجاب: "أغنّي". ثم سألته: ماذا تغنّي ولماذا تومئ للسماء؟! فأجاب: أغنّي لها، ثم أشار بيده صوب أسراب الحمام. تلك التي كان يخرج من أهله باكراً لرؤيتها وهي تتأهب للطيران!!. ومن حينها لم أفارقه. في المدرسة والمحلّة والشارع. حتى كبرنا قليلاً ودخلنا مرحلة الثانوية. وإذا بصديقي الرّومانسي يعلنها صراحة أنه صار شاعراً. حيث أحضر لي ورقة قد كتب فيها كلمات يقول أنها قصيدة. اضافة إلى طقسه المفضل من تسجيل الأغاني وحفظها أكثر من حفظه لدروسه. وعلى الرغم من رومانسيته ورقّته المفرطة، إلا أنه كان يتحاشى النظر إلى بنات الثانوية المجاورة لنا. حتى الفتاة التي كان يحبها، لم يكن يملك الجرأة في مصارحتها، على عكس الآخرين الذين لم يملكوا ربع رومانسيته. أولئك الجسورون؛ الذين يملكون جرأة عظيمة في ابتداع علاقات الحب. واكتفى بحبّه عن بعد، وصار يكتب الأشعار ونقضي الليالي نستمع أنا وهو إلى تلك الأغاني العاطفية. لقد كنتُ أتعامل مع الأغاني كأغان عادية، لكنه كان يستمع لها بطقس عجيب. فقد كان يكدّس عُلبَ المناديل في دولابه، ويسحب كل ليلة علبة ويضعها أمامه، مستعيناً بها على مسح دموعه التي تسيل على خديه. ومرّت السنوات أسرع من الصقر في سماء حياتنا، وصديقي لم يتغيّر وبقي على حالته تلك. شاكياً لي قسوة العالم من حوله. حتى انقطعت أغلب علاقاته بالناس، وصارت تحلو له الوحدة. وكم من حالة اكتئاب مر بها، ملقياً بكلِّ أعبائه على الحياة وقسوتها. ومع كل الطيبة والحنان والنفس الشفيفة التي كانت فيه، صار لا يكترث للعالم من حوله. وفي كل مرة أُعيب عليه هذا البرود اتجاه الآخرين كان يقول: خاب أملي.. خاب أملي!!. لقد كان هذا واضحاً بالنسبة لي جداً حين مرّت علينا أيام شاحبة. أيام تعرضنا فيها لحرب لم ترحم صغيراً أو كبيراً. ففي الوقت الذي كان الناس فيه ينقذون بعضهم البعض، عبر حمل الجرحى إلى المشافي، وضحايا القصف إلى المدافن. كان صديقي الرّومانسي يبحث عن جثث الحيوانات النافقة في الشوارع وقرب النهر والساحات. حاملاً جثثها لدفنها في بستان مهجور من بساتين المدينة المحاذية!!. ولمّا علم الناس حقدوا عليه ومقتوه. منهم من قال أن هذا الرجل مجنون، ومنهم من قال أنه مغرور ومتعال على آلام بني جلدته. لكنني كنت الوحيد الذي أعرف السبب حين سألته ذات مرة فأجاب برومانسيته المعهودة: "هذه الحرب حرب بني البشر ولا علاقة للكلاب والقطط المسكينة بها. إنني أعتذر لهذه الأنفس الأليفة عن أخطائنا التي نرتكبها بدفني لهم بشكل لائق". ثم بعد مدة من الزمن حين كنتُ في منزلي ليلاً، طرق بابي وهو في حالة يُرثى لها. نظرت إلى وجهه المتعب وسألته: مابكَ؟!! هل حدث لك مكروه؟. لم يجبني إلا بعبارة واحدة: "يكفي هذا.. أريد أن أكون مثل هذه الناس.. أريد أن أكون صلباً مثلك". عرفتُ جيداً أن هذا الرجل تآكلت عزيمته من شدّة الحزن وخيبات الأمل. خصوصاً بعد رحيل أمّه التي كانت آخر من بقي معه من أفراد عائلته. ولم يكن يحظى بفرصة زواج وتكوين أسرة تخفف عنه وحدته وآلامه. لقد كان مرفوضاً من قبل النساء. المرأة بطبيعتها عملية وواقعية وتحاج إلى رجل صلب وقوي يحميها من قلقها المزمن. لهذا لم تجازف امرأة واحدة بالزواج والعيش مع "الرومانسي"؟!. على كل حال أنا لم اتوان في مدّ يد المساعدة له بأي شكل من الأشكال. بدءاً باقتراحاتي التي لم تفلح لتغير سلوكه في أسلوب حياته اليومية، وانتهاءً بالذهاب إلى أحد الرّوحانيين المشهورين في البلدة. كان يقصده الناس المغمومون والممسوسون. لأنني بعد أن يئست من عناده في ترك أسلوب حياته، قلتُ له ربما قد تلبّس شيطان في بدنك يا صاحبي منذ طفولتك!!. أو ربما فيه مرض استوطن في نفسه سنجد له علاجاً عند ذلك الرّوحاني. لأن صديقي صار يحكي لي عن الأصوات التي لا تفارق سمعه. فإذا تحدث معه شخص بموضوع وآلمه أو جرحه، يظل الحوار شغّالاً في إذنه كما تدور الاسطوانة. وإذا رأى أو تذكّر أمراً مؤلماً وحزيناً، لا ينام لمدة أسبوع وتفيض وسادته من غزارة دموعه. أصلاً حين جاءني مستنجداً كان يمرّ بحالة من الأرق والحزن والبكاء التي لم تفارقه على رحيل أمه. الغريب أن صديقي حين اقترحت عليه الذهاب إلى الروحاني وافق بتسليم مطلق!!. كجثّة بيد غاسلها!!. ولا أخفي صراحة فهذا ما حدث حرفياً بالضبط.. لقد تحوّل إلى جثة.. لأن الرّوحاني الذي دخلنا إليه حين عرف من صديقي تفاصيل عن حياته أجابه: "إنك ممسوس، ولكن ليس من شيطان بل من شيء هو أفظع من الشيطان.. إنه الوهم.. لهذا إن كنت تريد النجاة يجب أن تقتل نفسك وتحيى من جديد". في الحقيقة ارتعدتُ خوفاً من هذه العبارة، وأنا أطالع صديقي الرومانسي بوجهه الذي تفرعت عليه جداول من عرق. ثم انبريت أنا لسؤال الروحاني: كيف يقتل نفسه؟! فأجاب: مقتل النفس علاج لها. عليه أن يقتل تلك النفس القديمة التي عاش بها تلك السنوات. ثم يعود بنفس جديدة لا إفراط ولا تفريط فيها. لا أعني أنه ينتحر والعياذ بالله، ولكن أعني أن يغيّر نفسه ويستبدلها بنفس أخرى قبل تغسيلها والصلاة عليها". هنا نبس صديقي الذي صار يمسح وجهه: تغسيلها والصلاة عليها كيف؟! فأجاب الروحاني: "حين تقتل نفسك ستموت بلا شك، وسأغسّلك وأصلي عليك صلاة الميت، ومن ثم بعد انتهاء الصلاة ستنهض من مكانك وقد صرت إنسانا آخر". صراحة احتقرت سخافتي حين ذُعرت في البدء. كنتُ أظن أن الروحاني جاد في كلامه، ولكن الأمر تبيّن أنه لعبة ايهام يقوم بها الروحاني، لكي يقنع صديقي بمقتله وعودته للحياة من جديد. المشكلة أن صاحبي واعجبته الفكرة وراقت له.  فهو الذي عاش حياته في الخيال والرومانسية كيف يفوّت طقساً مثل هذا؟!. بالنهاية وافقت على مضض وكنتُ ألوم نفسي لأنني صاحب فكرة المجيء إلى هذا الروحاني. ولومي لنفسي بدّدته حين قلتُ بيني وبينها، أن اليأس من حالة صاحبي هو الذي دفعني لهذا. والبشر يصدّقون بكل شيء في حالة اليأس. على أية حال اتفق معنا الروحاني أن نذهب إلى المغتسل الذي خلف المسجد ليلاً. في ساعة حدّدها لنا، وقبل مجيء الساعة المحدّدة بمدة سمعتُ طرقات على باب منزلي. فخرجت لأجد صاحبي متهيئاً وكلّه بهجة. مرتدياً ملابس أنيقة ورشّ عطراً ملأ شذاه المكان. طلبتُ منه أن ينتظر قليلاً لكي أرتدي معطفي. وحين خرجتُ مرة أخرى طالعت شكل صديقي، ثم ضحكتُ ضحكة خفيفة وهززت رأسي ثم سرنا سوية إلى مكان المغتسل. وبعد انتظار لمدة ربع ساعة لمحنا هيئة الروحاني من بعيد. قادماً نحوناً حاملاً معه كيساً أسود. وبعد دخولنا طلب الروحاني من صديقي أن يخلع ملابسه وينام على المغتسل، ثم قرأ عليه بعض العبارات التي تُقرأ عند الاحتضار. ثم وضع فمه قرب أذن صديقي الذي اغمض عينه وقال: "اقتل نفسك القديمة.. نفسك ماتت.. أنت الآن ميّت.. بعد تغسيلك والصلاة عليك ستردد الآية (رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً). وبعد أن تنتهي من قراءة الآية، تجلس وقد ماتت نفسك القديمة، وعدت إلى الحياة بنفس جديدة". ثم بدأ الروحاني يقرأ عليه ويغسل رأسه ونصفه الأيمن والأيسر. ضاقت نفسي من رؤية المشهد، فخرجت لكي أدخّن سيجارة قرب المغتسل. فانتبهت وأنا خارج المغتسل إلى أن السّخان الذي يجري من خلاله الماء إلى حنفية المغتسل كان مغلقاً!!. وبالفعل حين وضعت يدي تحت حنفية للماء خارج المغتسل كان ماؤها بارداً ونحن في الشتاء!!. رميت سيجارتي ودخلت مسرعاً إلى المغتسل، فوجدت الروحاني قد انتهى وأخرج كفناً من الكيس الأسود الذي كان يحمله عند مجيئه. وكفّن صديقي تماماً كما يتم تكفين الموتى. ثم طلب منّي أن نحمله إلى مساحة لكي نصلّي عليه صلاة الميت. وبالفعل بدأ الروحاني بترديد عبارات الصلاة من الشهادة والدعاء حتى قال:" اللهم إن هذا المسجّى قدامنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك. نزل بك وأنت خير منزول به. اللهم إنك قبضت روحه إليك وقد احتاج إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه. اللهم إنا لا نعلم من إلا خيراً وأنت أعلم به منا. اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته". وحين انتهى الروحاني من أداء الصلاة، نظرنا إلى صديقي منتظريْن منه أن يقرأ آية الرجوع إلى الحياة. يا لها من دقيقة مرّت كما يمرّ قطار بطيء على بدن. وأنا أنظرُ إلى صاحبي المسجّى بلا حراك!!. وحين طال الأمر نزلتُ عنده، ووضعت كلتا يديّ على جانبه وهززته منادياً باسمه: "يكفي هذا وقم من رقدتك وكفّ عن المزاح إن كنت تمزح!!. لنعود إلى المنزل فوراً". فلم أشعر إلا بكفّ الروحاني بعد أن وضعها على كتفي قائلاً بصوت خفيض: دعْه.. لقد ارتاح هذا الرجل..

***

أنمار رحمة الله

 

لن أنتظرك.. كما اعتدت انتظارك كلّ صباح، كذلك ستفعلين أنت، أعرف أنك ستتألمين وسوف تضعين يدك على وسادتك الخالية وتبكين. لأنني أنا أيضًا سأفعل هذا. سأستيقظ في الصباحات المُقبلة، سأفتح عيني لأرى أشعة الشمس تخترق نافذتي قادمة من بعيد.. بعيد. إلا أنني لن أمكث في فراشي.. كما كنت أفعل خلال السنوات الثلاث المُدبرة. وإنما سأمضي باتجاه باب شقّتي المُنهك، سأتوقف هناك وسوف تخطرين في بالي.. سوى أنك ما تلبثين أن تغادري. عندها سأغادر عمارتي منطلقًا في الفضاء الخاوي اللامتناهي.

عند وصولي فم البلدة القديمة.. هناك قريبًا من السباط الاكبر، سأتوقّفُ بتباله، لا أعرف ماذا سيحدث لي، عندها سيستغل الشيخ عبد الصمد الحالة وسوف يجدها فرصة سانحة للخروج من عالمه الحزين والدخول إلى عالمي، وسوف يجري بيننا حديث عشوائي يضجُّ بالإيحاءات، الاشارات والمعاني.

هو غارسًا عينيه في عيني: أراهن أنها هجرتك.

أبادله النظرات غارسًا عينيّ في عينيه، فيتابع:

-هذه هي الدنيا.. يأتين إلينا على غير اتفاق أو موعد، كذلك يولّين.. لا تدع الحزن يتسلّل إلى أعماقِك، لأنك إذا ما فعلت فإنه سيجد هناك مرتعًا خصيبًا وموطنًا قشيبًا..

سأرفع رأسي باتجاهه وسوف أقول له:

-هل نسيت أنت صُميدة حتى أنسى أنا أطياف؟

يبتسم الشيخ المُعمّر الواقف قُبالتي:

-كان هذا زمان يا ولدي.. أنا لم أنسِ صميدة ولن أنساها.. أما أنتم.. أبناء هذا الجيل فإنكم تُحبّون بسرعة وتكرهون بسرعة.. كلّ شيء لديكم يجري بسرعة.. لا وقت لديكم للتوقّف والتفكّر، كما كان يحدث لنا في أيامنا السمان..

تلوح دمعة في عيني أقول له:

-لا تُعمّم يا شيخي.. لا تعمّم.. لسنا كلّنا سواسية في تقبّلنا لمصائب الدهر ومآسيه.. بعضُنا مثلكم بالضبط.. يستقبل الامور حسب نيته الطيّبة وقصته الهيبة.

يصمتُ الشيخ قُبالتي.. فأغرق في بحر من التفكير.. يدخل الشيخ عبد الصمد في حالة صمت.. أشعر أن كلماتي أعادته إلى أيامه الرائعات مع صميدة.. هاجِرته التاريخية.. حكاية الشيخ عبد الصمد مع صميدة هي واحدة من عناوين قصص الحب في بلدتنا.. فقد هجرته صُميدتُه في عزّ حبّه لها وولّت في فضائها اللامتناهي.. غير ملتفتة إلى الوراء، كأنما هي خافت أن تتحوّل إلى عمودٍ من مِلح.. أما هو فقد بكاها وما زال.. تُرى بماذا اختلفُ عنك يا شيخي.. وهل تعتقد أن للأحاسيس والمشاعر تاريخًا ينفذ؟ هل نفذ تاريخ قصة المجنون؟ ألم تعش قصته وما زالت وسوف تعيش ؟.. ثم ألا توافقني أن أمر المحبّة يتعلّق بعُمقها. أفتح عينيّ. يختفي الشيخ مِن هُناك.. أعود إلى الفراغ الصباحي الحنون.. ماذا فَعلت بي أيها الصباح؟.. وأمضي.. أنا وطيفك مثلما فعلت خلال رُبع قرن من الزمان.. نصف عمري الماضي..

أتوقّف هُناك في وسط سيباط الشيخ، كذلك يتوقّف طيفُك.. يتوقّف قُبالتي. يرسلُ نحوي نظرة حنونًا.. كذلك أفعل أنا.. لماذا هجرتني.. لماذا توقفت عن اتصالاتك الصباحية.. لماذا تركت الحصان وحيدًا؟ أنا لم أتركك وحيدًا.. أنت مَن تركتني.. أنت لا تريد لطيفي أن يتجسّد وأن يصبح حقيقة واقعية.. أنا؟.. نعم أنت.. سأتركك تمضي وحيدًا.. علّك تعرف معنى أن يكون الانسان مجرّد طيف يمضي في طريق وحيد..

يختفي طيفُها، كأنما هي تبدأ عقابها الواقعي الملموس لي.. تولّي وحيدة.. يجري طيفي وراء طيفِها.. طيفُها يجري وطيفي يجري.. لا ذاك يتوقّف ولا هذا يُدركُهُ.. عندما يهدّني التعب أتوقّف.. أغمضُ عينيّ و.. ألاحقها بعينيّ خيالي، إنها تجري وتجري وتجري.. إني أراها.. اراها تتوقف هناك في اعماق سيباط الشيخ.. تتوقّف متعبةً منهكة.. وأرى طيف صُميدة يقترب منها..

طيف صميدة:

-عليك بالصبر يا ابنتي.. هذا مصيرُنا نحن النساء.. الرجال يريدوننا أطيافًا تداعب أشنابهم وأخيلتهم..

يقترب طيف صميدة مِن طيف أطياف.. تهمس لها:

-حسنًا فعلت.. كان عليك أن تتركيه.. كما فعلت أنا..

تهمي الدموع من عينيّ أطياف مدرارة..

-أنا أردته مِن أعماق أعماقي.. أردته بشرًا فأرادني طيفًا.. لا أعرف ماذا افعل.. أشعر أنني وحيدة بدونه..

ينتصب طيفاهما واحدًا قُبالة الآخر.. أغلق أذنيّ.. لم يعد لديّ ما يمكنني أن أقوله لها.. غير ما قلته ألف مرة ومرة.. أنا لا أرفض ما تودين.. لكن هناك أمورًا علينا التفكير فيها قبل أن نتخذ مثل هكذا قرارات مصيرية.. أنطوي على نفسي.. أحسُّ أنها تُحس بمثل ما أحس به مِن مشاعر الفقد والخسارة.. بي مثلُ ما بكِ يا حمامةُ فاسألي مَن فكّ أسركِ أن يحلَّ وِثاقي.. أهتفُ بها.. كما هتفت بي مرّات ومرات.. أنا الآن وحيد.. أعود إلى غرفتي.. طيفًا مجرّدًا.. أنتظر ما لا يأتي.. يأتي الصباح التالي.. وبعده صباح وصباح آخر.. وأنتظرها.. أن تتصل.. لكن عبثًا انتظر.. تمضي الايام وأنا أنتظر.. رُبّما مثلما هي تنتظر.. أتمعّن في أنحاء شقتي الوحيدة.. أشعر بالخسارة تهمي عليّ من كلّ حائط وسقف.. أشعر أنني الخاسر الاكبر.. وأتابع الانتظار..

***

قصة: ناجي ظاهر

ولأنك أبيت بسطها

ألف يد ويد

صارت تبطش بهم

وتفتك

أحفادك

يا من أبيت بسط يدك

*

كلما...

لاح له غراب

أطلق للرياح

يده المبسوطة

*

عار يلاحقه

لكن...،

هو لا يأبه

مذ استغنى عنها

بوصلة

لقدم

تعشق الزلّات

*

عبثا تحاول

بوصلة

لكنه

آثر أن يخلفها خلف خطوته

المحلّقة

والمتيّمة

باللون القاني

***

ابتسام الحاج زكي

أبكي على (القدس) أم أبكي على حالي

أنا المضاع بعرض الأرض ترحالي

*

أنا اليتيم الذي ما ظل والده

يرعاه منذ جاء للدنيا بأموالِ

*

أنا الصغير الذي قد كان تحمله

أمٌّ.. ولم أحمل بأعمامٍ وأخوالِ

*

الكلُّ مات على أطراف بلدتنا

وبعضهم مات موصوداً بأغلالِ

*

حتى كبرتُ على حالٍ ممزقةٍ

كذلك الناس في المنفى كأحوالي

*

أنا الطَّريد من (الجولان).. من (صفدٍ)

وما أزال بجيلٍ بعد أجيالِ

*

وما أزال بلا بيتٍ ومدرسةٍ

ولا رياضَ زهتْ يوماً بأطفالِ

*

قالوا نعود.. فما عدنا لدولتنا

و لن نعود.. وقد عادت بتدوالِ

*

هذا يقول: لها حلٌّ سيقسمها

للدولتين.. فلا حلّاً على البالِ

*

و لا نرى العُرْبَ يؤلونا ببارقةٍ

فيها الخلاص من الويلات بالحالِ

*

لذا نموت على أطراف غــزّتنا

موت المضحّين بالأرواح والغالي

***

رعد الدخيلي

 

في نصوص اليوم