نصوص أدبية

نصوص أدبية

هَـدْأةُ الـلــيـل لـلـثكالـى سَــقامُ

والجـراحـاتُ جَـفـنُـها لا يـنامُ

*

ايـّهــا الخائنون مهـما سـرقتم

فــرَغيفُ الأيـتام خَصمٌ هـمام

*

كلُ مَـن يحتمي بجُلباب زَيفٍ

بـعـد حــين يُـزال عـنه الـلثامُ

*

صفعة الدهـر هُـيّـئتْ لجبين

قَــبَّـلـتْـه الأرجـاسُ ، والاثـامُ

*

إحـذروا غــضبةَ الحليم فـفيها

تُـفـقأ العيـنُ ، والظـلامُ حِـمامُ

*

كلُّ سُحْـتٍ مهما عَفَـتْـه الليالي

وتَـخَـفّـى يـصيـرُ فـيــه جـذامُ

*

قـد عـبثـتم في أصلكم فتهاوى

وغَــدا النقـصُ صِيـتـَكم يعتامُ

*

وَصـمَة الـعارِ لا تُـفارقُ نـذلا

مهّـدَ الدربَ كي يســودَ اللئامُ

*

(مَـن يهن يسهل الهوان عليه

مــا لـِجُــرحٍ بـمـيـتٍ إيـلامُ )

*

تَـرَفُ الفاسديـن يَـتْـلـوه بُؤسٌ

هــكـذا سُــنَّـةُ الحــياةِ تُــقــامُ

*

أيّ حقٍ إن ضاع يبقى صَداه

مُـرعِبا ، في مداه نارٌ ضَرامُ

***

(من الخفيف)

شعر عدنان عبد النبي البلداوي

10/6/2016

لم يعد شاربه المصبوغ باللون الأسود، وجفنه المتهدل، وأسنانه التي بدأ يفقدها الواحدة تلو الأخرى، تُخفي تقدّمه في السنّ بعد أن شارف على الستين وحيداً أعزبَ يقارع الوحدة، لا رفيق له ولا أنيس سوى بعض الصور المثيرة لنجمات السينما التي ملأت جدران غرفته المتهالكة القابعة فوق سطح أحد الأبنية العشوائية القديمة، التي كان يشغلها مقابل مبلغ زهيد من المال، يحصل عليه من عمله نادلاً في مقهى (الجماهير)، وهو مقهى قديم تصطف فيه أرائك خشبية وعدد من كراسي الخيزران، أغلب مَن يرتاده المتقاعدون وكبار السنّ وممن تتكرر وجوههم يومياً، وقد أبقى عليه صاحب المقهى لمعرفته القديمة بهم.

اعتاد بعد الغروب بين الحين والآخر، أن يسترق النظر خلسة -من خلال جرح في زجاج نافذة غرفته المطلة على حمّام إحدى الشقق المجاورة- إلى امرأة شابة تستحمّ مساء كل يوم تقريباً، كان يطيل النظر إليها، محاولاً اقتناص مفاتن جسدها الممتلئ وصدرها النافر، عابثاً بشاربه متلمساً شعر صدره الذي اكتسحه الشيب، ليسدّ الحرمان والجوع الجنسي الذي يشعر به. كانت تلك النافذة متنفسه الوحيد الذي يطلّ من خلاله على عالم أشبه بالخيال، يأخذه بعيداً عن واقع الحياة التي أرهقته، فقد بدأ التعب ينال منه كثيراً، والسنين بدأت تنساب من بين يديه سريعاً، وغدت أيامه مُملة يشبه بعضها بعضاً. لكن في يوم من الأيام مصادفة -وهو يقوم بخدمة رجلين- تناهى إلى سمعه سيرة الحاج مهدي الحرج وكيف بات طريح الفراش منذ أسبوع إثر تعرضه إلى نوبة قلبية شديدة، قائلين إنه -والعلم عند الله- لن يخرج منها سالماً، وبخاصة لمن في مثل سنّه بعد أن أدرك الثمانين من عمره، ثم أكملا ما تبقى من حديثهما، فقال أحدهما: ماذا لو توفاه الله، سيترك حتماً ثروة كبيرة لأبنائه لا تعدّ ولا تُحصى.

مساء... ظلّ حديثهما عالقاً في ذهنه، وظلّ صامتاً يفكر، ثم استلّ سيجارة تليها أخرى محدثاً نفسه: ما أعرفه ومتأكد منه أن للحاج مهدي ثلاثة أبناء من الذكور وبنت واحدة عانس لم تتزوج بعد، والذي أعلمه أنها تعاني من تخلّف عقلي بسيط، آه مسكينة تلك الفتاة. أخذ نفساً عميقاً، ثم دقّ عنق آخر سيجارة لديه خالداً إلى النوم.

زاحمته الأفكار صباحاً وهو في طريقة المعتاد إلى المقهى، بدأت تتوهج في رأسه فكرة رسمت ابتسامة رضى كانت واضحة على وجهه، تلك الأفكار التي تواردت إلى ذهنه جعلت خطواته طويلة وأكثر ثباتاً وكأنه شاب في العشرين من عمره، رفع صدره إلى الأمام، وأخذ يحدث نفسه: لن أفوّت الفرصة، لمَ لا أتزوج بتلك المخبولة بدلاً من العيش كقطّ عجوز فوق سطح ذلك البناء؟ يقال إن المجانين عادة لا يعمرون طويلاً، والفرصة لا تأتي مرتين، وستنتفخ جيوبي حين يتوفى والدها، ويصبح كل شيء تحت تصرفي، فمن المؤكد أن تصبح الزوجة غير المؤهلة تحت وصاية زوجها وألا يتدخل أحد في حياتها. قرّر أن يخطو خطوته الأولى، ويطلبها للزواج بأسرع وقت ممكن. (الأيام تتحايل علينا، وتجلب لنا ما لا نتوقعه).

 بعد عدّة أيام هيّأ نفسه جيداً لزيارة أسرة الحاج مهدي بذريعة السؤال عن والدهم والاطمئنان على صحته، دخل يخطو خطواته الأولى داخل سور ذلك البيت الكبير. المنزل كان فخماً جداً، ويضمّ داخله حديقة كبيرة تسوّرها أشجار عامرة من النارنج والبرتقال والرمان، باستثناء شجرة سدر عجوز تتوسط إحدى زواياها، عُقدت بين أغصانها المتدلية أكياس بلاستيكية ملونة، كانت تبدو كشجرة مقدّسة أثقلتها شرائط الأمنيات والنذور، لفتت نظره حين رآها. أبدى حزنه الكبير على والدهم، وأخذ يستعرض نبل أخلاقه ومعرفته القديمة به، واستأذنهم بأن يكرّر زيارته لهم لإعجابه الكبير بهم وللاطمئنان على صحة والدهم. لم يمضِ سوى أسبوع حتى عاود الزيارة، لكن بهيئة مختلفة تماماً، فقد صبغ شعره باللون الأسود، وارتدى بدلة قديمة تعافت قليلاً واعتدلت بفضل كيها بالبخار.

استقبله إخوتها بمهابة مضحكة بعد أن علموا أنه قصدهم ليطلب يد أختهم للزواج، وقبل أن يعرفوا مدى جديته، نال مظهره ومسكنته الواضحة رضاهم. تمت الموافقة على طلبه بسرعة كبيرة لم يكن يتوقعها، شعر بأنه أصاب هدفه وما يصبو إليه دون أيّ عراقيل ودون أن يُطلب منه مهر أو غيره. غادر غرفته تاركاً إياها إلى الأبد، وتم الزواج من دون طبول أو مزامير، ومن دون أن يرفع برقع عروسه كما تجري العادة في حفلات الزواج، وتم الانتقال للعيش في منزل الحاج مهدي. كان جسد العروس ضخماً وأثداؤها متدلية أمامها وشعرها مزيّناً بمشابك ملونة، بدت كإلهة تنتصب أمام قامته القصيرة، تقف دون حراك، ودون مشاعر، ودون أن تعلم حتى من هذا الدخيل الجديد الذي اخترق وحدتها وشاركها غرفتها. توجّس الحذر منها في بادئ الأمر، شعر وكأنه قد زُجّ به داخل حلبة نزال مع وحش كاسر بالغريزة سيفترس أيّ كائن يجده أمامه، لكن يبدو أن خوفه لم يكن في محله!! بل على العكس، فقد كان جسدها الضخم يحمل عقل طفلة صغيرة، وكل ما قامت به هو قضم أظافرها والنظر إليه، حتى إن سيرها كان متثاقلاً بسبب وزنها الزائد، وقف بعيداً عنها ينظر إليها وهي تمشط شعرها وتشبكه وتشكّل منه تسريحات غريبة. أخذ يعدّ الدقائق –فقد أحسّها طويلة- لتمرّ الليلة الأولى له معها بسلام. اندسّت بجانبه كقطة وديعة بفطرتها الأنثوية، أثار تصرّفها استغرابه، وتعاطف معها متحمّلاً رائحة فمها الكريهة على مضض خوفاً من أن يشعر إخوتها بذلك.

تغيّر ملبسه ومظهره، وكان الترف واضحاً عليه، وقد ترك عمله في المقهى. حسده كل من يعرفه دون أن يعلموا ما يدور داخل غرفة نومه ليلاً مع تلك المخبولة التي تقضي نهارها تحت ظلّ تلك الشجرة العجوز. لم يطل بقاء الحاج مهدي على قيد الحياة، وتوفى إلى رحمة الله بعد الأسبوع الأول من انتقاله للعيش معهم. كان مجلس العزاء كبيراً جداً، نصبت له سرادق على مدّ البصر، وكان له حضور مهيب وهو يأخذ العزاء كأنه واحد من أسرة الحاج مهدي، انشرح صدره وسط تلك المهابة. لم يتبقَ سوى أيام معدودات حتى يأخذ زوجته وما تحمله معها من إرث أبيها، محدثاً نفسه: مرّ ثلاثة شهور، ولم يفتح أحد موضوع الإرث، وكيف سيأخذ كل ذي حقّ حقّه، فقرّر وبعد تفكير طويل ونفاد صبره من هذا الزواج أن يطالب بحصة زوجته من الإرث. طلب من إخوتها أن يجتمعوا كي يتحدث إليهم في موضوع مهم، اجتمعوا بناءً على طلبه، وكان أسلوبه معهم مختلفاً تماماً، بدا معتداً بنفسه كثيراً يتحدّث بلهجة آمرة خالية من التملق، قائلاً: مرّ ثلاثة شهور على وفاة عمّي الحاج ولم يتحدّث أي منكم عن الإرث، أودّ أن آخذ نصيب زوجتي، لا أودّ العيش عالة على أحد. عمّ الصمت المكان، ثم تحدّث أكبر إخوتها سناً قائلاً: عزيزي لم يترك والدي شيئاً باسمها قبل أن يتوفى بعدّة شهور، فقد كتب كل ما يملك باسمنا، فأختنا لا إرث لها، فهي فاقدة للأهلية كونها تعاني تخلفاً عقلياً، ونحن من يقوم برعايتها وتلبية احتياجاتها، وأظنّ أنك أيضاً لست بحاجة إلى شيء، فنحن نعاملك كأنك واحد منّا. ضرب الصمت عليه بأطنابه، وشبك أصابعه بقوة، قائلاً لهم بحنق وبالكاد استطاع أن يُمسك أعصابه: لا فرق بيني وبينكم، ثم نهض تاركاً إياهم، وسار بخطى ثقيلة صوب غرفته، دخلها وأغلق بابها بإحكام، ثم أشعل سيجارة ويده ترتجف، وأشعل ثانية وثالثة، وراح يدخّن بنهم وهو يسبّ ويلعن، وراحت كلماته البذيئة تتطاير وتتصادم في جوّ الغرفة المشحون بالدخان.

***

نضال البدري

عضو اتحاد الادباء في العراق

تلُوحين

تتفتّح أزهارُ اللّوز قبل الرّبيع

للزّجاج رُؤيةٌ بيضاء

تلُوحين

ترقُص في نبضي الأشياء

نلتقي

تتوشّح البيوتُ في شارعنا بظلال رماديّة

الشّمسُ على سُطوحها تكنُس اللّيل

شيخُ المَسجد

يتلو أورادَه الصّباحيّة

صِبْيَةُ جارنا يُشاكسون الحِمار

معًا نسير

تبدُو لنا الألوانُ سنفونية أخرى

نعُود

حافلةُ القرية عادت

شيخُ المَسجد

تدُقّ عَصاه

دَرجاتِ الصّومعة...

***

سوف عبيد

1973

آهٍ مـن الأشـواق مـا أقسى الحنين

حَــرَق الـفؤادَ بـفعلهِ؛ نـطَقَ الأنـين

*

وتــكـاد تـنـفجر الـمـشاعرُ؛ دمـعُـها

يـغلي بـقلبي؛ مـثل آهـاتِ الـحزين

*

فـخـذي مُـحـبًّكِ هـدهدي أشـواقهُ

كـونـي لـه فـي يـمّ دنـياه الـسّفين

*

يــا أنـت بـارعة الـجمال بـخاطري

لــو أنّـنيْ أرسـو بـشاطيكِ الأمـين

*

وأقـبّـل الـحُـسن الــذي تـجتاحني

أمــواجـه، وأعـانـقُ الــدرّ الـدفـينْ

*

لـــو كــنـت نـهـرا عـابـرا بـغـوايتي

أهدي جداول روضِكِ الماءَ المَعين

*

أهواكِ مُذْ رشَقَت رموشُكِ مهجتي

فـتـحدَّرَت أغـصـانُها سـحرا مـُبين

*

يـصِـفُ الـمـفاتنَ دونـَمـا جـهـرٍ بـها

لا ريـب أنِّـيَ مَنْ بجوهرتي ضنين

***

صلاح بن راشد الغريبي

مِنْ كُهُوفِ الْقَلْبِ أُهْدِيكِ الْحَيَاةْ

وَفُؤَادِي الْآنَ فِي عِزِّ صِبَاه

*

فَأَنَا وَالْحُبُّ وَالدُّنْيَا سُكَارَى

فِي نَعِيمِ الْبَوْحِ أَكْرِمْ بِحَلَاهْ!

*

وَأَنَا وَاللَّيْلُ فِي أَكْنَافِ حُبِّي

أُوقِدُ الشَّمْعَ وَأَرْقَى فِي ضِيَاه

*

وِنِدَاءُ اللَّيْلِ مُوصٍ لِحَبِيبِي

أَنْ يَرَانِي بِرَحِيقٍ مِنْ لُمَاهْ

*

بَارَكَ الْمَوْلَى بِأَجْفَانِ حَبِيبِي

وَسَقَانِي رِمْشُهُ السَّاهِي دَوَاهْ

*

يَا تُرَى أَلْقَاكِ يَا رُوحَ حَبِيبِي

تَزْرَعِينَ الْهَمْسَ فِي دُنْيَا هَوَاهْ ؟!!!

*

يَا تُرَى هَلْ آنَ يَا قَلْبَ حَبِيبِي

أَنْ تَزُفَّ الْحُبَّ فِي كُلِّ اتِّجَاهْ

***

شعر: أ. د. محسن عبد المعطي - شاعر وناقد وروائي مصري

وكأنهما على موعد، أو كأن أحدهما يضبط خروج الآخر على ساعته ليلتحق به.. يلتقيان كل صباح، يرفع لها اليد بالتحية، فتبادله الحركة بعينين ضاحكتين، وقد تغمزه بإحداهما أحيانا، ويدها على فمها، بريد قبلة من شفاه سخية، تتجه نحو سيارتها وعنقها يشرئب الى الخلف، هل سيفتح لها نافذة أكثرمن التحية أم سيركب سيارته كعادته ثم يغادر الحي؟..

حين ترفع راسها تجد مليكة زوجته تراقب وبدقة، من الطابق الرابع وكأنها في برج لحراسة الحدود البحرية تتابع ما يروج في بحر الشارع من تحت نافذة غرفة نومها، وحتى تذيب أي وسواس قد يطرق صدر الزوجة، ترفع اليها يدا كتحية صباح عادية ؛تستدير الزوجة وتتوارى دون ان ترد عليها بمثل، بعد أن تتأكد أن سيارة زوجها قد تركت مرسى الحي بسلام، فهي تدرك طيبة زوجها ادراكها وبصورة أعمق لعبة الجارة القذرة والتي مذ سكنت الطابق الأول من العمارة وهي مثار شبهات وقيل وقال بين سكان العمارة.. امتنعت عن السكن في الطابق الثالث أو الخامس وبهما شقتان أحسن وأكثر اضاءة وتعرُّضا لنور الشمس، وأصرت على الطابق الأول بحجة أنها تخاف استعمال السلم الكهربائي.

مليكة تعرف جارتها حسناء معرفة دقيقة، ملف تضبط محتويات اوراقه بدقة، فهما معا من خريجات معهد واحد، كما اشتغلتا معا في نفس الإدارة بعد التخرج، وقد استطاعت حسناء أن ترتقي بسرعة، لأنها تمتلك من وسائل المرونة والسخاء والاغراء ما يجعل أكثر من رئيس يهلل بعدها بمدح وثناء، لسانها يذبح قبل عيونها وتستطيع ان تبذل جهودها والقيام بمهام أخرى خارج إدارة العمل تلبية لرغبات رئيسها، أو السخاء بساعات إضافية تتنازل فيها عن عطلة أسبوعية لتكون رهن إشارة الرئيس، وقد تنقلت في أكثر من إدارة، فهي صيت ذائع، في جبر أثر الزمان على شيوخ الإدارات الذين خلدوا على كراسي الإدارة الى أن ماتوا فوقها أو مرروها الى ذوي القربى والحظوظ..

كما ان حسناء تدرك مليكة جيدا، قدرات عملية، وغربال ذكي لسلوكات الناس، من الصعب أن يقفز جدي خلف ظهرها، لهذا كانت تحاول ان تبتعد ما استطاعت عن مواجهتها، لكن الاحتراس منها لم يبعدها عن تصويب اهتمامها للزوج، وقد سددت سهام اغرائها اليه كرجل طيب وحمل وديع، لو استطاعت ان توقعه ففي ذلك كفايتها انتقاما وتكسيرا لشوكة مليكة، الى أن يأتي ما بعده.. ولتنفيذ فكرتها الانتقامية اكترت شقة في نفس العمارة التي تسكنها مليكة، وفضلت ان تكون قريبة من مدخل العمارة.. إن حسناء لن تنسى أبدا كيف تم توقيفها عن العمل من آخر إدارة عملت بها، فضاعت منها امتيازات مادية كبيرة بعد ان بلغت بها مليكة مدعية أن الإدارة تحولت مع المدير الذي شاخ الى سرك تعبث به سحلية تتلون كل يوم بوجه، استطاعت ان توقع بالرجل وتنظم له سهرات مجونية ترضي عقدة التصابي فيه، فتربصت الشرطة بحسناء الى أن تم ضبطها مع رئيسها في وضع مخل بأحد الشاليهات خارج المدينة، وقد تمكنت من الخروج بلا متابعة لموقع الرئيس سنا وسمعة وصيتا ويدا سخية مع من هم أكبر، فأبعد الى إدارة أخرى بترقية معتبرة، وتم الاكتفاء بتوقيف حسناء عن العمل كذر الرماد في العيون، ثم ما لبثت أن خرجت من تحت رمادها، فاشتغلت في القطاع الخاص بتوصية من رئيسها السابق حفاظا على خدمات تتقن أداءها بمهارة، واتقاء لمخزوناتها عمن سيرت مكاتبهم.. وها هي تشرق من وراء الضباب مترصدة مليكة، تلهث بحرث قد يوقع الزوج وفي ذلك كفايتها لاذلال غريمتها..

تأخرزوج مليكة عند الزوال، وبعد أن أبطأ منه خبر، هاتفته مليكة فاعتذر أنه في اجتماع مع زوار أجانب ولا داعي لانتظاره للغذاء.. تناولت مليكة غذاءها منفردة، ثم شرعت تستعد للخروج الى عملها.. وهي في الطريق صدرت إشارة ضوئية من هاتفها، فمليكة لا تحتمل رنات الهاتف وهي خلف قيادة سيارتها، لهذا فهاتفها دوما على الوضع الصامت، "رقم لا تعرفه، " أهملته، كما تهمل كل مكالمة يخفي صاحبها هويته.

دخلت مكتبها اقبلت الكاتبة بالملفات التي أنجزتها صباحا..

كانت الكاتبة تتحرك في مكانها بغير قليل من التوتر، كأنها تريد أن تبلغ مليكة أمرا اوتحاول الاستفسارعن أمر، ودون ان ترفع مليكة رأسها عن إحدى الوثائق سالتها:

ــ مابك؟ هل عندك شيء، أم تريدين قول شيء؟

تلعثمت الكاتبة قبل أن تنطق:

لا.. ظننت أنك ستتغيبين هذا المساء !!..

استمرت مليكة في قراءة الوثيقة، تدقق في مضمونها كلمة بعد أخرى وقد احست أن بين طيات السؤال خبرا تريد الكاتبة تبليغه:

ـ خير ان شاء الله، أتغيب !!.. لماذا؟

ترددت الكاتبة قبل ان تخرج هاتفها من جيب سترتها، فتحته على اليوتيوب، ثم مدت به اليد الى مديرتها..

رفعت مليكة راسها، ركزت النظر في كاتبتها وكأنها تستشف من وجهها ماوراء السؤال وما قد يفاجئها من سلوك كاتبتها غير المعتاد، تسلمت منها الهاتف وقرات:

مديرشركات الشمال يقضي نحبه في حادثة سيرمع عشيقته..

فضيحة تروع المدينة لمكانة الشخص وعلاقاته التجارية محليا ووطنيا..

المدير كان على علاقات مشبوهة رغم مظهره الذي يوحي بالطيبة والتواضع والتقوى..

بثبات ورزانة حدقت مليكة في الصور، لم يتوضح لها منها ما يؤكد أن الصور هي فعلا لزوجها رغم الشبه الكبيرالذي توحي به، "صياغة تهويلية للخبر" قالت في نفسها.. ورغم أنها لم تقف على منبع الخبر ومصدره الأول فقد اهتزت مليكة من مقعدها وعيناها قد طفقتا بخوف، تذكرت ومضات هاتفها وهي في الطريق الى عملها، أخرجت الهاتف، طلبت زوجها، الهاتف يرن والزوج لا يرد.. ارتفع وجيب قلبها أكثر.. سلمت للكاتبة هاتفها، وطلبت منها الانصراف فهي تكره ان تظهر ضعيفة امام غيرها، ضاق صدرها وصارت تتنفس بصعوبة، ادارت الرقم الذي كان يرسل إشارات وهي في السيارة، مشغول، لا يرد، ادارت رقم الهاتف الثابت لعمل الزوج، ردت الكاتبة: سالتها مليكة عن زوجها فقالت الكاتبة:

شيء ما حدث هذا المساء، و السيد المدير مع رئيس مركز الشرطة في المكتب المجاور خرج وترك هاتفه على مكتبه، هل انت من اتصلت من لحظات؟

اطمأنت مليكة أن زوجها حي يرزق وان في الامر شيئا، حتما ستعرفه، فمثلها خبرة وثباتا لا يخفى عليها مؤامرت الصحافة، ومن يريدون زحزحة زوجها عن منصبه، طلبت من الكاتبة ان تبلغ مديرها ان يتصل بعد نهاية اجتماعه..

بقيت مليكة رغم رزانتها كانها قطعة لحم في سفود على النار، تترقب مكالمة من زوجها، بعد ازيد من ساعة كلمتها الكاتبة وأخبرتها ان زوجها في الطريق الى البيت ويطلب منها أن تلحق به، استغربت لماذا لم يكلمها من هاتفه؟..

في الطريق الى البيت رن هاتفها، رقم غير معروف، ردت الهاتف الى حقيبتها وتابعت القيادة..

وجدت زوجها في باب العمارة يترقبها، اركنت سيارتها، وقبل ان تصل اليه كانت حسناء أسبق منها اليه؟ لا تدري من اين خرجت، ارتمت عليه و كأنها تتعمد ذلك، حاول أن يبعدها ويتجه نحو مليكة التي تركتهما معا وولجت باب العمارة بثبات وثقة، قبل ان يلحق بها الزوج كان المصعد الكهربائي قد تحرك بالصعود فانتظر عودته..

وجد باب الشقة مفتوحا فدخل، قصد مليكة التي كانت تجلس على حافة السرير في غرفة نومها.. بسرعة بادرته:

أنهيت غرامياتك؟

رد عليها في قلق:

أية غراميات؟ !!.. والله لا اعرف لماذا تتصرف جارتنا بتلك الطريقة كأنها تتعمد غيضك والإساءة اليك..؟؟..

قالت في حدة ونوع من السخرية بعد ان وقفت:

أولا أنا أكبرمن أن يسيء الي أي كان، ثانيا هي تعرف لماذا تفعل ذلك، لكن أنت ألا تعرف؟ ورغم ذلك تشجعها، بطيبتك الزائدة تبعث في نفسها أملا بلقاء مرتقب، وكأنك تخشى ان تضيع صوتا انتخابيا أليس كذلك؟ هي ملوثة، نعرف ماضيها، لكن انت ألا تفكر في صيانة كرامتك وكرامة بيتك ومنصبك والجيران من حولك؟ !!..

كان يحاول ان يدافع عن نفسه، كونه لايريد الدخول في عداوات جانبية مع أي كان من سكان العمارة، وقد سبق ان شرح لها هذه الأمور، فحسناء تبدو أنثى عنيدة، وهي تريد ان ترد الصاع صاعين لمليكة، وهو لا يريد أن يركب لها خاتم على قد اصبعها، لهذا فكل امرئ يصنع قَدْره بنفسه وبالطريقة التي تناسب وضعه..

مرة أخرى تسأله وكأنها تريد تجاوز حديث حسناء:

ــ لم تجبني ماذا وقع هذا المساء؟

رد وكأنه قد استرجع شيئا قد نسيه:

- والله اقلقتني اتهاماتك، أنا نفسي لا ادري ما وقع، ومن نشر الخبر الزائف الذي روعنا وروع الناس من حولنا..

قالت: ومن أجل ذلك لم تبادر الي بهاتف؟الا تكون مشاعرك قد تفتحت ترضية لجارتك الحسناء؟

 بحدة وقلق رد وكانه يستدرك كلامه، هاتفي احتفظ به رئيس قسم الشرطة..

قالت وهي تغير ثيابها:الامر فيه دسيسة إذن..

صمتت قليلا ثم تابعت:كيف وجدت سلوك جارتك الحسناء حين رأتني، ما الرسالة التي كانت تحاول تبليغها؟

ـ سلوك غريب فعلا، عناد امرأة وإصرارعلى الثأر.

استدارت الى زوجها، تمعنت في وجهه وهي تضحك وقالت: ـ ممن؟ مني انا؟!!..

 تيمم نحو المطبخ، فيلحق بها، يضمها من خلف، ويضع راسه على ظهرها:

ــ مليكة عزيزتي، انت تعرفين حبي لك، ولا أحد يستطيع أن يحول مجراه، ونحن عقلاء ذوو مسؤولية، يلزم أن نتصرف بعيدا عن طفالة الصبيان، ودسائس الحقودين..

هي تدرك حبه لها، ومن المستبعد حسب ما هي متحققة منه عنه أن يحاول تشويه سمعته وكرامتها فيلتجئ لامرأة أخرى بديلا عنها، كما أنه يدرك ذكاءها ورزانتها وحرصها الشديد على بيتها وسمعته، لكن دوما تخشى حسناء، سحلية في ظاهرها، افعى من باطنها.. لا حدود لخبثها..

يلثم عنقها.. قشعريرة تسري في أنحاء جسمها، تستلذها بابتسامة وصيحة متعة، تدخل راسها بين كتفيها، فتبادره:

غير ثيابك ريثما اعد العشاء..

لم تتغير عادة حسناء مع زوج مليكة، فكأنها معه على موعد صباحي، لكن ماشغلها اليوم أنه لم يرفع لها يدا بتحية، وأنه قصد سيارته وكأنها غير موجودة، كما أثارها أن مليكة لم تكن في مكانها كالمعتاد. ماذا وقع؟ اين راحت؟ ابتسمت باستخفاف وسخرية ذات معنى، وكأنها لم تبال لا بالزوج ولا بمليكة، حركت حاجبيها الى أعلى ثم دخلت سيارتها..

بينها وبين نفسها رددت: ساعرف كيف أهتك غربالك؟لن يتعبني زمان، ولن أيأس من محاولة !!..

خرجت مليكة من المصعد الكهربائي الى سيارتها مباشرة، وبدل ان تتجه يسارا الى مكان عملها دارت يمينا الى الإدارة العامة للامن..

جلست الى رئيس دائرة الامن، بعد تقديم نفسها، شكر لها الرئيس قدومها لانه كان على وشك استدعائها، بعد حديث ليس بالقصير كان رئيس الدائرة يدون كل ما تقول.. ثم وضع أمامها لائحة بأرقام هاتفية وطلب منها هل تعرف أصحابها؟

قالت لرئيس الدائرة:

أولا أنا وزجي لا نرد على ارقام مجهولة الهوية ولا على مكالمات غير معروفة، ثانيا أن رقمين من هذه الأرقام أظنها قد وردت منهما إشارة وأنا أسوق السيارة أول أمس، لم ارد عليهما.. لحظة من فضلك..

أخرجت هاتفها من حقيبتها فتأكدت ان الرقمين حقا موجودان ضمن مكالمات لم يتم الرد عليها ؛ تبسم رئيس الدائرة وقال:

ــ هنيئا لك، ذاكرة قوية..

ظل العميد يتنقل عبر خاصيات الهاتف بعد إذن منها، ثم أدخل رموزا، فاكتشف ان هاتفها مخترق، استدعى احد معاونيه وقدم له الهاتف بعد أن شرح له ما يجب عمله، تسلم المعاون الهاتف، غاب قليلا ثم عاد..

قال رئيس الدائرة لمليكة:

هاتفك صار تحت المراقبة، تصرفي عادية وردي على جميع المكالمات بدون تمييز وبهدوء، وحاولي شد كل متكلم لا تعرفينه قليلا باي شي ء..

بعد خمسة أيام كانت مليكة وزوجها في ضيافة رئيس الدائرة الذي شرح لهما الوضع بعد مراقبة دقيقة:

من حي سكناكم تخرج المكالمات من خمس هواتف بأرقام مختلفة؛وما تم تدوينه من معلومات من السيدة مليكة في زيارتها السابقة جعل الاحتمال مؤكدا ان تكون المسماة حسناء هي صاحبة ما يقع.وما زكى هذا الاحتمال أن الإشارات تخرج من نفس الدائرة، بمعنى ان الهواتف التي تخرج منها الإشارة والهاتف الذي تمر عبره وهو هاتف السيدة مليكة كلها في نفس الدائرة، أما الهواتف المقصودة بالإشارة فأحدها كان في مركزنا وهو هاتف زوج السيدة مليكة، وهواتف أخرى تم تحديد دائرتها المكانية، والتي توهم أصحابها أن السيدة مليكة هي من تكلمهم وتدردش معهم..

نظر الزوج الى مليكة وكأنه يستفسرها عما أخبرت به الشرطة؟ ولماذا أخفت عليه هذا الامر؟ لاحظت مليكة اضطرابا شديدا يعتري زوجها الذي بدأ يعصر يديه ويفركهما بغير قليل من الانفعال، والتفت اليها كأنه يستنجد بها !!..

قبل أن تودع مليكة وزوجها رئيس الدائرة اوصاهما الا تصدر عنهما اية إشارة قد تنبه حسناء، وان يتصرفا كما كانا معها من قبل والا يستعمل أي منهما هاتف المنزل أو غيره لاي غرض كان.. ثم اخبرهما أنه سيكون في انتظارهما على الساعة الثامنة صباحا بمكتبه.

حين خرجت مليكة وزوجها من المصعد الكهربائي قبل الثامنة صباحا بقليل كانت الشرطة تطوق مخرج باب العمارة، وكانت حسناء ومعها رجلان وشابة تملك مليكة الاستغراب حين رأتها، ، فلم تكن غير كاتبتها صاحبة اليوتيوب، تتعثر في مشيتها دامعة العينين، تشهق بصوت مسموع، وكأن مانزل بها صاعقة داهمتها بلا إعلان.. الكل يصعد سيارة الشرطة مكبل اليدين..

شيعت مليكة حسناء وهي مقيدة اليدين بأسف جعل مدامعها تعمق اثر ما شاهدت، "أنثى بشواهد وخبرة إدارية وراتب ليس بالهين لكن عقل عصفوري صغير "، ومشهد كاتبتها التي لا تدري كيف تم استقطابها والتغرير بها؟ لم تكن تغيب عن مليكة بعض غراميات كاتبتها لكن ان تبلغ هذا الدرك فهذا ماغاب عنها، تمتمت مع نفسها: "الى متى سيظل الانسان عدو نفسه؟ !!.. التفتت حسناء فرات مليكة تشيعها فحولت وجهها الى الجهة الأخرى بنوع من التحدي وكأنها لا تريد أن تظهر ضعيفة أمام مليكة." أتمنى أن افقأ تينك العينين، أو أحرق ذاك الوجه الذي يعلن انتصاره علي " ـ فكرت حسناء ـ.

غادرت سيارة الشرطة الحي، انتبهت مليكة أن زوجها ينتظرها بباب سيارته قلقا خائفا مما شاهد، ركبت بجواره وانطلقا الى دائرة الشرطة..

اكتشف الزوجان ان حسناء تستغل منزلها لأغراض أخرى غير السكن، وبعد أن تسلم الزوج هاتفه قال له رئيس الدائرة:

أنت من كان السبب في اختراق هواتفكما، فقد اتصلت بحسناء وطلبت منها أن تكف عن مضايقتك في باب العمارة وتحت أنظار زوجتك وجيرانك وكأنك توحي لها في توسل بإمكانية القيام بذلك خارج رقابة أهل الحي..

قفز الزوج من مكانه وقال:أعوذ بالله ان كان ذلك قصدي..

طلب منه رئيس الدائرة أن يستكين وقال:

سيدي الكريم !!.. أنا أعرف قصدك النبيل معرفتي بطيبوبتك، لكن قانونا، ، نحن لا نحتكم الا للاقوال والأفعال، انت رجل تتحمل مسؤولية وتعرف هذا جيدا، حسناء أولت غير ما قصدته أنت.. ركز في الزوج النظر ثم تابع حديثه:

وهي لم تكن تنتظر أكثر من هديتك لتمسكك من رقبتك، ولست َالأول بالنسبة لها، اخترقت هاتفك أولا وانت تكلمها ثم بدأت تستغل كل معلومات الهاتف عن طريق مساعدين هواة، هما من وجدا في بيتها مع كاتبة السيدة مليكة وهي لأول مرة تدخل بيت حسناء باغراء من أحد الشابين الذي وعدها بالزواج وهي حديثة علاقة به.. أنت أيها السيد أكبر من أن تعتذر لحسناء ومن هن مثلها، أو تطلب منها الكف عن سلوك هو من طبيعتها، ويجب أن تحمد لزوجتك صرامتها في تعاملها مع الموقف فأنقدتك من ورطة كانت ستأتي على حياتك المهنية والاجتماعية..

في الطريق الى البيت كانت مليكة مشغولة بتورط كاتبتها.. إغراء بزواج يعلم الله صحته من كذبه، معنى هذا لم تكن لها سابقة معرفة بحسناء.. تعرف مليكة ان الكاتبة قد بلغت سن العنوسة ولم تتزوج، لكن أن تخون أمانتها الإدارية فهذا يحتاج الى إعادة تقييم، فليست مليكة من يخونها غربال العقل الذي تنخل به غيرها وبدقة..

كان الزوج يحاول أن يبرر موقفه.. كلما استمر صمت مليكة كلما زاد شرحا وتبريرا، وقلقا، لكنها ظلت ساكتة، مشغولة بأمر كاتبتها وأسرار ادارتها، ثم كانت تتعمد ألا ترد عليه لتحسسه بذنبه، وبأن ما قام به لا يناسب مسؤوليته ومركزه الاجتماعي الا اذا خطر بباله أمر.. هي تعرف طيبته، متأكدة من وفائه، لكنها لم تكن تتصور أن يتلبسه الغباء، فيعتذر لواحدة مثل حسناء وهو يعرف عنها مايعرف.. قالت له قبل أن تغادر سيارته:

ــ انت يا زوجي العزيز في حاجة الى تغيير برمجة أبويك العاطفية في نفسك، أنت في حاجة أكيدة وأكيدة جدا الى برمجة حديثة تزودك بالقوة، تجفف ماضيك السائل فيك، الى حاضر يغير من نظرتك الى الناس، وقراءتك لهم بعقلية والديك.. افكارك يلزم أن تظل تحت سيطرتك أنت ولا أحد غيرك يمكن أن يوجهها ببسمة مزيفة أو مظهر مشبوه.. مثل فرنسي يقول: أن تكون طيبا جدا فمعناه أنك غبي جدا، وموقف رئيس قسم الشرطة من تصرفك يلزم ان تنتظر ما بعده.. أنت حكمت على نفسك برجعيتك الطوباوية ومثلك ماعاد له مكان في إدارة اليوم..

انشغال مليكة بكاتبتها وخوفها على أسرار إدارتها جعلها تتابع التحقيق الذي يجرى مع الكاتبة، ولم ترتح ويهدأ بالها حتى عرفت أن أحد الشابين تعرف على كاتبتها بايعاز من حسناء وأوهمها بالزواج ثم استدعاها لعشاء في بيت حسناء على أساس أنها أخته، ولم يسبق لها أن تعرفت عليها من قبل، والشاب هو الذي أخبرها بالفيديو عبر الهاتف بعد أن قال لها ان مديرتكم لن تأتي هذا المساء..

***

محمد الدرقاوي

سنجلب أرواحكم أيها الغرقى

بأسرار الموسيقى .

لقد قرأنا قصائدكم بصوت النوارس..

ورأينا دموعكم في عيون الأسماك.

سمعنا وصاياكم عبر أزيز الأمواج.

من أجلكم بكينا كثيرا

مثل باخرة عجوز

تودع أرض الوطن .

***

فتحي مهذب - تونس

مضمخة بالبكاء

الى الرمادِ المُتَبقِي من احتراقِ الارواح

جئتُ ابحثُ عن امي

لا عن بقيا امِي

اتحسّسُ عفوية صوتها وهي تناديني

أمي

أيعقل أن يكونوا اطعموك

لتلكَ المطحنة

التي استبدلت الجماجم والأجساد

بذرات الرماد !

أم أن حرائق المشافي

وحدها من تحيل

الاجساد الهشة الى رماد

أمي

لم يَعد بمقدوري

أن أجهشَ بالبكاء

او حتى

أن اذرف الدمع ساخناً

لم يبق منه

فقد جف

جفَ

وأنا اتصفح جراحات العراق

أحاديث الموت

والغياب

أجساد الغرقى الذين لفضهم النهر

أشلاء أخر مفخخة

عويل أمرأة مسنة

على ولدها الوحيد

من حسرَة فاتنةٍ

وهيَ تندبُ حضها لفقد حبيب

عن ذاكرة الوطن

مفجوع

عن جغرافيا الحرمان

الذي وزع على خارطة الوطن

من كذبة اسمها بريمر*

وواقع متردي حد النخاع

أمي

أسف لم يعد بوسعي

ان الفك بسجادة صلاة

***

كامل فرحان حسوني - العراق

1- الجمال

الجمال ليس روحيا..

هو سحر الروح، حين يثرى في براءة الوجد..

كينونة عطشانة،

ترقط بأظافر الارتواء..

**

2- مجرة الحب

ككُنْه القلب،

إذ ينثر شآبيبه على فتن الحياة

فيسمو،

وقد طَلَاهُ بالورد حدو العشق..

**

3- قطاف

تسعد الصباحات بأمداء الوصل،

وترقى بشواطئه ابهاء الهِجْران

وكل الأصدقاء،

يسمعون قصيدتي الرومانسية..

وهم يهدهدون قوافيهم صوب الغروب..

تَرَجَّحُوا..

واقتعدوا ينظرون إلى السعادة..

**

4- الحرية

كأنها هي، استعارة مخفية..

أو حديقة بلاغة..

أو وطن يشملنا،

دون أن ينسى قضيته الأم ..

أيتها الحرية، لا وقت للعبور

**

5- سقوة

من تَجْوِيفة ماء،

يقطر على صخرة عظيمة..

قالت الخطرة:

هذا أزيز العشق،

أرني نَيْر الاشتعال!

وثب الصمت  وردَّ:

هناك، حيث الشمس نظير القمر..

والجمال،

وشم خال على فرس لعوب..

***

مالكة العلوي - شاعرة وإعلامية من المغرب

ضجيج

يتعالى

ليُغيّب صرخات استغاثتها

أنفاس

أرهقتها إنحناءة تخبئ

مكنوناتها

عن عبث المارقين

*

أُمّلت

لتضيع السنين

وتُلتهم عقود أحلامها الندية

والمثقلة

بإنحناءة

تحتضن بين خافقيها

حلمها الأمل

*

تأبى عيناها إلّا ابتسامة

كلما

رمقت بطرفها

تلك الانحناءة

لتنطلق بعدها

تمتمة شفتيها

مرددة

ثمّة أمل!

***

ابتسام الحاج زكي/ العراق

وقصص أخرى قصيرة جدّا

رغبة حمراء

اللّيل يبلغ الهزيع... وكعادتي أسبح وحيدا في الفضاء الأزرق... فجأة ظهرت على الشّاشة نافذة حمراء صغيرة... أطفأتها... تردّد صوت لا أدري مصدره:

"هل تحبّ...؟"

وعادت النّافذة الحمراء تتألّق بشدّة وصوت مجهول: "تحبّ الدّم؟"

تراجعت إلى الوراء فزعا لكنّني وجدتني مشدودا إلى المقعد... وشعرت بجسدي يشتعل وفي زاوية بعيدة من أعماقي كانت رغبة في القتل تكبر سريعا...

**

دمية في بيتي

لا أدري من قذفها في بيتي... رميتها في حاوية الزّبالة وتأكّدت من أنّها حُملت الى المصبّ... ومع ذلك تفاجأت بوجودها في السّرداب. خُيّل إليّ أنّ نظراتها ازدادت حدّة وأنّ شعر اللّحية والشّارب أخذ بالنموّ... لم أنفر من شيء كما نفرت منها...

لكن لسبب غامض ما زلت أعثر عليها في سردابي رغم محاولات التخلّص منها... كلّ مرّة تزداد طولا، وتزداد لحيتها شُعثًا، ونظراتها حِدّة، ورايَتها سوادًا على سوادها...

**

نوبيرا*

كعادتنا لا بدّ أن نجتاز الجبل حتّى نبلغ القرية من أقرب سبيل... مساء ذلك اليوم كان باردا وغائما وأحيانا كانت السّماء ترشح قليلا... عندما بلغت السّفح وأطرافي تكاد تتجمّد فوجئت بيد بضّة تمتدّ إلي.. جذبتني بقوّة. وقبل أن أستوي واقفا كانت نظراتي تستقرّ على وجه أملس مخيف...

حين بلغت القرية لم أدر لماذا يفرّ النّاس لمرآي... حتّى أهلي فرّوا من أمامي... نظرت في المرآة فوجدت وجهي أملسَ بلا ملامح...

**

Matsue**

ثمّة سرّ غامض يكتنف تلك القلعة وأكنافها. عندما اقتربت منها شعرت برغبة ملحّة في الرّقص... وشيئا فشيئا فقدتُ السيطرة على جسدي فتلاحقت أنفاسي وأدركني التّعب ولم أستطع التوقّف...

حين سقطت مغشيا عليّ وابتلعني سديم بعيد، رأيتها في صورة لم أر أجمل منها رغم أمارات الرّعب الجامدة على وجهها... جسّت عظامي عظما عظما... سمعتها تهمس:

أنا ساكنة القلعة... اخترتكِ رفيقة جديدة!

***

حسن سالمي

....................

* نوبيرا: كائن أسطوري في الثقافة اليابانيّة.

** Matsue: مدينة تقع بمحافظة شيماني اليابانية يعتقد أنّ بها قلعة مبنية بعظام البشر وتقول الأسطورة بأنّها مسكونة بروح راقصة جميلة. قُتِلت غيلة لتكون عظامها لبِنَاتُ بِناءٍ في تلك القلعة.

رُويَ أنَّ أحدَ رجالاتِ الدولةِ الكبارِ، منَ الراحلينَ، قالَ يوماً: "انتهى زمنُ الثورات وجيفارا لم يكنْ ذا صواب أبداً...!!!

وقالَ جيفارا: "لا تحزني، يا أمي، إنْ مُتُّ في غضِّ الشبابِ غداً، سأحرِّضُ أهلَ القبورِ، وأجعلُها ثورةً تحتَ التراب."

***

عبد الستار نورعلي

(أحبُّك يا أرنستو!)

شيخٌ مثلي يحلمُ بالثورةِ دائمةً

في كونٍ تاهَ

بين محيطاتِ الظلمةِ، بينَ الحربِ

وضبابِ الرؤيةِ

ليسَ غريباً أنْ يعشقَ لوحةَ أرنستو تشي جيفارا،

كي تسريَ في أنهار القلبِ ووديان العين،

تلك الأحلامُ الورديةُ في زمن الكلماتِ الكبرى

وأساطيرِ اليوتوبيا البشرية.

*

الذاكرةُ:

المرآةُ المصقولةُ، والملأى بالصورِ وبالألوانِ

تتقاطعُ في نزعاتِ الغيثِ

يُـمطرُ بالزهرِ وبالشمعِ

بحماماتِ فضاءِ الأصداء.

*

يا أرنستو،

تلك القممُ الشاهقةُ

بين سماواتِ جبالِ الأنديز

تعشقُ فيكَ سيجارةَ هافانا

ولباسَ الگوريلا

والأقسام.

*

يا ذا الأيامِ نداولُها بينَ بيوتِ القصبِ

والغاباتِ المكتضَّةِ في أحضانِ الأمزون

وبينَ كهوفِ (تورا بورا)،

هذي أزقةُ سانتياغو الحافيةُ

مازالتْ تعشقُ مملكةَ الحبّ السحريةِ

في أشعار بابلو نيرودا

وقصائد عيون ألزا

ومراجل سلفادور الليندي

ذاك الشيخ الصامدِ في قلعتهِ حتى الموت؛

من أجل عيونِ (سانتياگو)

*

العشقُ سؤالٌ مطروحٌ فوق بساط الكون

من ايام التفاحةِ والفردوس المفقودِ

حيّرَ أصداءَ رسالاتٍ زحفتْ

ورسالاتٍ ذُبِـحَت

ورسالاتٍ تخبو

ورسالاتٍ تحبو

*

كمْ مِـنْ معشوقٍ قتلَ العاشقَ في اللعبةِ

كم منْ نبتٍ جفّ على دربِ الأشواق المُحرقةِ

كم منْ قلمٍ قد ذابَ على رَجْعِ القلبِ

كم منْ فقراء

هامُوا في رائحةِ الخبزِ

فاحترقوا

في تيزابِ أولي الأمر .

*

العشقُ ضياءٌ مرسومٌ في روح الأرض

حيّر أمراءَ الحرفِ وصنّاعَ الكلماتِ

والثوراتِ

وأصحابَ دهاليز الموتْ

*

يا أرنستو،

لو عادتْ خيلُ الوديان تقاومُ عاصفةَ البحر الهائج

لو أنَّ سنابلَ أرض الفقراء

وبنادقَـهم

أحلامَ الليل وأنفاسَ الجدران الصدئةِ

تقفز من فوق الغاباتِ، والأنهارِ، والصحراء

لاعتدْنا للكافر بنصاعةِ عينيكَ سعيرا.

*

ليسَ بيدي، يا أرنستو،

أو بيدِ الزمن الغافي

في تعليلاتِ الحرس الأقدمِ، والأجددِ

والقادم فوق حصانٍ مِنْ خشبٍ

أو تحليلاتٍ منْ خبراء الزمن الخائبِ

أن يُحصَرَ وجهُـك في شقّ الذاكرة،،

في أسوار الكتبِ

في متحفِ تاريخٍ ذاب.

*

العشقُ سؤالٌ

صدّعَ رؤوسَ حكماءِ الأحلام

صدّعَني:

لِمَ هذا الإنسان يُـحِبّ؟

لِمَ يحترقُ بنار الشوقِ؟

لمَ يأسرُهُ وجهُ المعشوقِ؟

لمَ كلُّ جراحات التوقِ؟

مَـنْ ذا يحظى برنين القلبِ  ووخز الشوقِ؟

مَـنْ هذا الحائزُ جائزةَ الطوقِ؟

*

منْ غيرُك أجدى، جيفارا؟!

*

مازالَ الحلمَ الأبهى والأقدمَ

في طيفِ الليل وهمسِ الفجرِ

ونبضِ الحرفِ

حلمُ جبالِ سيرا مايسترو

وخارطةِ الألفِ ميل.

*

مَنْ يقدرُ أنْ يختطفَ

مِنِ حَدَقاتِ الأيام ومِنْ قلبي

صورةَ أرنستو

تشي جيفارا؟

***

عبد الستار نورعلي

الخميس 14- 10 - 2004

(مقطع من قصيدة)

أيها الوطن المليء بالأوبئة والجنود والأضرحة

لماذا أبناؤكَ يهرمون في مهودهم؟

ونساؤكَ يوشكن على الإضمحلال في محرقة الحسرات؟

لماذا شمسُكَ محنية الظهر؟

وسماؤكَ تتيبّس

وتتساقط في كلّ المواسم؟

لقد بكينا كثيراً

حتى ظنّ جيراننا

أن بطوننا قِرابٌ مثقوبة

نمشي من دون وجهةٍ

ونطمحُ بغيوم نمتطيها

ونعلفها

وعندما ننامُ نربطها بأرجل السرير

**

أيها الوطن الذي ألبسناهُ ما تهرّأ من سراويلنا

كان علينا أن نعلمكَ التقبيل بالأصابع

ولا نترك أصابعكَ للصوص

يتخذونَ منها مفاتيحَ لخزائن مستقبلنا

***

شعر: ليث الصندوق

عندي من الهمِّ ما يعيا به الجبلُ

همٌّ وهمٌّ وما عُدَّتْ به العِلَلُ

*

عندي من الهمِّ ما ناختْ بمحملهِ

أقوى البغال وما يحنى به الجملُ

*

عندي من الهمِّ آهاتٌ إذا اشتعلتْ

تغلي البحار وما بالغيم ينهطلُ

*

عندي من الهمِّ أوجاعٌ مبرِّحةٌ

لو وزّعَ ﷲُ يُفنى الآنُ والأُوَلُ

*

عندي من الهمِّ لا التَّنور يبلغُهُ

ولا البراكينُ في الثَّورات تحتملُ

*

عندي من الهمِّ لا همُّ يطاولُهُ

في عمق قلبي مدى الأيام يشتعلُ

*

عندي من الهمِّ ما حاولتُ أُبْعِدُهُ

يدنو إليَّ ، وبالإصرار يعتملُ

*

عندي من الهمِّ لا التاريخ دوّنَهُ

الأنبياءُ ورُسْلُ ﷲ ما وصلوا..

*

له إلى اليوم.. شاءَ الغيبُ يرسلُهُ

نحوي وما زغتُ.. لم يفتكْ بيَ الزَّللُ

*

باقٍ مع ﷲ لم أشركْ إذا ضغطتْ

نفسي الهمومُ.. على الرحمن أتَّكِلُ!

**

رعد الدخيلي - العراق

لأول مرة يستحضر ذكرى زواجهما في ظل انشغاله بشخصيات قصصه التي تسكنه حد التلف والنسيان.. ولج باب السوق الكبير الذي يطل على حديقة الشلال التي تذكره بأجمل الأيام التي قضاها تحت أشجارها الوارفة ونسيمها العليل رفقة شيماء التي تعرف عليها في سيارة الأجرة أيام كان طالبا بكلية الآداب بمارتيل قبل أن يعقد قرانه عليها عندما صار موظفا... اختار بنفسه تشكيلة من الورود والزهور الطبيعية المختلفة ألوانها ثم أخذها من البائع العجوز الذي لفها بإتقان في ورق السلوفان وغادر السوق بخطى خفيفة والسعادة تغمره من كل الجهات بعد أن سلم للعجوز ثمنها وترك له الباقي قاصدا قيسارية الملاح لبيع الحلي والمجوهرات... خيره صاحب المحل وكان شابا أنيقا في كل شيء في لغته وهندامه وسلوكه بين مجموعة من السلاسل الذهبية الرقيقة فاختار منها واحدة مرصعة بالأحجار الكريمة وكانت الأجمل في كل شيء في الخفة ودقة الإتقان واللمعان... لم يفاوض الزوج البائع الشاب في الثمن وهكذا عد الأوراق النقدية الزرقاء بسخاء فوق زجاج الكنطوار وأخفى العلبة الصغيرة والوصل كساحر في جيب معطفه الرمادي ليكمل المشوار من جديد تحت ظلال ذكريات الماضي الجميل مع شيماء والذي شهدت عليه كل حدائق تطوان من الشلال حتى رياض العشاق ... في طريق عودته لشقته وهو يمر بشارع محمد الخامس حيث تكثر المقاهي والمحلات والمطاعم اشترى بعض الحلويات وما لذ من الفواكه والمشروبات وبيتزا بالجبن التي تحبها زوجته وبعد أن تأكد بأن كل شيء على ما يرام وبأنه لم ينس شيئا يليق بالمناسبة صعد سلم العمارة بخفة الأطفال وهو يترنم بمقطوعة عبدالحليم حافظ جانا الهوى جانا... فتح باب شقته بهدوء، وهو يرسم بمخيلته وقع المفاجأة على ملامح زوجته شيماء، لا شك سوف تطير من الفرح وهي تفتح  ذراعيها على اتساعهما وتحتضنه بحب ورضى قائلة:" وأخيرا تذكرت يا عزيزي ذكرى زواجنا بعد عشرين سنة من النسيان ". وبمجرد أن فتح الباب وقبل أن ينادي عليها وجدها واقفة كتمثال الحرية تنتظره على أحر من الجمر والشرر يتطاير من عينيها... لم يتذكر بعدها غير الصراخ والجلبة وكلمات قالتهم بصوت عال ويداها ترتعش وصوت زجاج المزهرية وهو ينكسر بقوة على رأسه وعلى رخام مدخل الشقة "تخونني مع هيام يا عباس تخونني على آخر الأيام" وبعدها تحسس سخونة الدماء وهي تتدفق على وجهه وعنقه كالشلال ثم سقط مضرجا في دمائه بعد صرخة قوية صدرت منه ووصلت إلى شقق الجيران وفي رأسه تتكرر بقوة كلمة تخونني ..تخونني ياعباس ..هيام ياعباس" إلى أن غاب كليا عن الوعي ... بصعوبة فتح عينيه بعد غيبوبة دامت يومين ولولا الجيران الذين حملوه على وجه السرعة إلى المستشفى بعد سماع صرخته المدوية وانكسار الزجاج والجلبة التي أحدثتها الزوجة بتكسيرها لكل ما وقعت عليها يدها من تحف، وتدخل الأطباء في حينه، والعناية الربانية لكان عباس الآن في الثلاجة ينتظر ترخيص دفنه ..وعندما سألت الشرطة الزوجة عن الدافع وراء محاولة قتل زوجها بكل هذه القسوة والعنف صرحت وهي مازالت تغلي كالبركان بأنها اكتشفت خيانته لها مع معجبة بكتاباته اسمها هيام وأخرجت لهم من حقيبتها الحجة الدامغة وكانت عبارة عن ورقة بيضاء مكتوب عليها قصته التي عنونها بهيام، والمنشورة على العديد من المواقع الإلكترونية وكان العنوان على اسم بطلة القصة التي ليس بينها وبين الواقع إلا الصدفة إن هي وجدت، ومن بين من قرأ القصة صديقتها الوفية ليلى التي لم تكتف بنقل الخبر إليها بل عملت على طبع القصة كدليل على خيانة الزوج و صدق كلامها، وهكذا تركت الزوجة العمل باكرا وعفاريت الدنيا تتملكها، وذهبت لتنتظر عودة زوجها لتحفتل معه بمناسبة ذكرى زواجهما وتكمل الحفلة في ضيافة الشرطة التي أكدت لها أثناء التحقيق بأن حجتها واهية لأن هيام بطلة من خيال وليست حقيقة ولا صلة لها بالواقع والجريمة، وأنها لم تجدها معه لا في البيت ولا في غرفة فندق ولا في موقف شبهة، كما أن الورقة قصة وليست عقد زواج ولا هي رسالة غرامية... الزوجة وهي التي غادرت المدرسة مبكرا ولم تحصل منها على الشهادة الابتدائية بسبب التنورة القصيرة التي اشترتها لها أمها يوم العيد وضربها المعلم بسببها بعود السفرجل أمام التلاميذ لأنها تجاوزت حدود الحشمة .. واكتفت في حياتها بتسيير محلات أخيها لبيع الملابس والإكسسوارات ...تقول للشرطة محتجة أعرف أنها قصة لكن أنتم لا تعرفون بأن زوجي عباس قال لي ذات مرة ونحن على مائدة العشاء :"القصة يا شيماء فيها شيء من الواقع وشيء من الخيال" وبذلك فهيام هي الواقع والباقي خيال وزوجي كاتب وأنا اعرفه أكثر منكم فهو صادق في كل ما يقول وما يفعل ... فعم الصمت غرفة التحقيق ونظر الضباط بعضهم إلى بعض في استغراب وحيرة من أمرهم وكأنهم يقولون في سرهم ما العمل الآن؟ كيف نقنع هذه الزوجة الغيورة بأن هيام شخصية من خيال زوجها الكاتب وليست امرأة حقيقية من دم ولحم ؟ .. الزوج المسكين الملقى على سرير المستشفى وحيدا وآثار الدم ما زالت بادية على جبينه كلما فتح عينيه بصعوبة إلا ويجول ببصره في أرجاء الغرفة متوجسا خائفا من وجود زوجته وفي عقله يتكرر سؤال واحد لماذا حاولت قتلي بعد عشرين سنة من العشرة؟ !.. ليغيب من جديد عن الوجود تحت قوة الضربة والألم.

***

قصة قصيرة

عبد الرزاق اسطيطو

.......................

ملاحظة: أي تشابه أو تطابق بين أسماء شخصيات القصة وأسماء الأشخاص  في الواقع هو من قبيل الصدفة لا من قبيل الواقع.

شعرتُ فجأة إني عارية تماماً وجميع الجالسين في الكافيتيريا التي لجأت إليها بعد تجوال طويل يحدِقون بثنايا جسدي، وانا شاردة النظرات هنا وهناك، أتفحص ملامح الوجه الذي أطل عليّ من مرآة الكوافير بعد قص شعر رأسي حتى الكتفين وصبغه باللون البني الفاتح، ووضع المكياج الساطع تحت وهج الـ “سبوت لايت”، مرتدية فستان لم أنزعه عني بعد قياسه في غرفة المرايا المتفابلة الصغيرة، ووضع الحجاب الحريري وثيابي الفضفاضة في كيس رميته في أقرب سلة قمامة، الفستان الجديد زاهي الألوان، يكشف عن جزء من صدري، يبرز خصري وينحسر عند ركبتيّ المستديرتين، كما لو أني لم أغادر المرحلة الثانوية، أو أنني أكتشف أنوثتي مجدداً في أعين الرجال، متحدية إثارة كل نساء المدينة، رغم ما يظهرنّ من فتنة مستغربة ما كنت أرتدي، استغراب لا تتمكن النظرات المتطفلة من مواراته تحت حجب مراعاة الحرية الشخصية في بلاد الحريات.

ها قد أصبحت مثلهنّ الآن، من الخارج على الأقل، لا يربكني أي تمييز ولا ينتفض الخوف في صدري من أن أساق إلى التحقيق مرة أخرى، مع أن الأمر ليس بهذه البساطة، فلربما وجدوا فيه تمويهاً يثير الانتباه أكثر بدلَ  استبعادنا عن دائرة الشبهات، خاصة وأني وهاشم ـ زوجي ـ كنا من الأصدقاء المقربين لحسن.3582 احمد غانم

الغريب أنه لم يكن يبدو عليه أي شيء، لا من خلال تصرف أو كلام أو تلميح حتى، بعيدأ كل البعد عن ذلك الإرهابي متسَيد شاشات الفضائيات، حسن الذي يهم بالمساعدة دون سؤال، يقرض أصحابه وأصحاب أصحابه أيضاً، غير مكترث يسداد الدين، بل ربما ينزعج ويحنق كالأطفال، كأنه يريد التخلص من النقود بأية طريقة، نقود لا يظهر تأثيرها على مستوى معيشته، كما لا يحتار في ذكر مصادرها، فهو هنا منذ عقود ودائم التنقل من بلد إلى آخر، وغير أمر النقود يستطيع تدبر فرص عمل مناسبة، غالباً ما تكون صعبة المنال، عبر اتصالاته الهاتفية، فعل ذلك مع هاشم قبل عدة سنوات، عندما أوجد له عملاً في شركة أكبر من الشركة التي استغنت عنه ضمن عدد من الموظفين كي تحافظ على كيانها من الانهيار.

حسن انتحاري! وعلاقاته النسائية المتعددة، وإسرافه في شرب الخمر الذي كنا نلومه عليه، من أجل صحته على الأقل، تطرفه (السري) كان يحلل له كل هذا، أم أنه تحول إلى شخصية أخرى، في غفلة منا جميعاً، لسببٍ لا ولن يدرك سره إلا الله، مات ومعه غموضه وتركنا في حيرة التساؤلات ودهشتها، نُبذنا معه عن دنيا خيمَت علينا طمأنينتها إثر عناء بحث عن مستقر نبدأ فيه من جديد، وعلى ما يبدو ليس لبداياتنا من انتهاء، كما ليس لتنكرنا من انتهاء.

أكان في حجابي أيضاً بعض التنكر، أو بالأحرى تقمص شخصية انتزعها مني ذلك الانفجار المفزع للجميع!

لكنني ارتديته عن اقتناع كامل وأنا في الكلية، ربما بتأثر من بعض زميلاتي وصديقاتي في بادئ الأمر، إلا أني تشبثت به أكثر لدى قدومنا إلى هنا، وإن كان سبب حرماني من عدة وظائف تقدمت لأجلها، رغم حاجتنا إلى كل مصدر دخل، خاصة في الفترة الأولى لغربتنا، هاشم من جهته لم يود التدخل في هذا الشأن، محترماً حرية اختياراتي منذ بدء علاقتنا، مع أنه أخبرني أكثر من مرة عن عدم اقتناعه بجدوى حصانة الحجاب للمرأة، اغتظت من رأيه لحين، لكني في النهاية وجدته اختلافاً من اختلافات وجهات النظر بيننا، لن تتسبب بأي صدع في قوة حبنا ومستقبل زواجنا، وهذا ما حدث بالفعل.

بهتَ وجهه لدى رؤيتي في هيئتي الجديدة، ولم يعلِق بكلمة، متفهماً سبب قراري المفاجئ، يستقرئ ما بداخلي عبر نظرات كانت دوماً أبلغ من أي كلام أو نقاش، وفي هذه المرة أراد كلانا اختزال الكثير في صمتٍ متوتر، مضطرب من مجريات الأحدات وتداعياتها علينا، ويكفي ما أخبرني به عن تخوفه من قرار فصله، فقط لأن صديقنا الانتحاري كان سبباً في توظيفه، رغم إثبات كفاءته في العمل، وعن ما يثيره من نظرات متشككة، توَجس التعامل معه من قبَل زملائه الذين توطدت علاقته ببعضهم إلى درجة الصداقة، والصداقة الحميمة أيضاً؛ أما أنا فقد تهت وسط الطريق، مرفوضة من صديقاتي المحجبات والملتزمات بإقامة شعائر وفروض الله في أي مكان ومهما كانت الظروف والتحديات، بتعصب لم أفطن إليه فيهنّ سابقاً، وكذلك صديقات أخريات كنّ مقربات جداً بالنسبة إليَ، رغم كل اختلافاتنا، أخذنّ بالابتعاد عني شيئاً فشيئاً وبحجج واهية مختلفة، اختلقتها المخاوف من كل ما قد يصدر عنا، نحن الأغراب، وإن لم يبدُ من تصرفاتنا ما يدعو لمجرد وهم الشك، والأهم من كل هذا ما صار يواجهه أبنائي في مدارسهم ويعود بهم إلى البيت ساخطين وناقمين، وحتى كافرين بكل شيء، بكل ما حاولت ووالدهم تربيتهم عليه منذ بدء وعيم في سوح بلادٍ أبحرنا نحوها قبل ولادتهم، محتفظين بوطننا الأصلي، وبأقصى ما نستطيع من تفاصيل، بين جدران كل شقة ودار صغيرة احتوتنا.

الآن فوضى الوطن أعلنت عن صخبها هنا أيضاً، ما بين صراخ وشجارٍ ونقمة على حصار لا نعرف وسيلة للفكاك منه، وإلى أين هذه المرة؟

صرت أنزوي في غرفة النوم، يصلني ضجيج الأولاد، يشاركني بكائي الطويل، وينتابني ذات الخواء الذي كان يدركني في نوبات مفاجئة وحادة من الاكتئاب، حسن كان الأقدر على تخفيفه، حتى من هاشم الذي صار سريع النفور من حالات ضعفي فيما يواصل البحث عن سبل استقرارنا في بلدٍ غريب يطل على بحر الشمال الشاسع كما لو أنه يفصله عن الدنيا، دنيانا القديمة تحديداً، لباقة ذلك الصديق الضحوك التي تبدو غير عابئة بشيء في معظم الأحيان، ومهما جثمت الهموم فوق الصدور، كانت قادرة على وهب الطاقة الإيجابية لكل من حوله وببساطة مريحة تسري في القلوب، تلقي في نبضاتها طمأنينة مستقبل رحب الآفاق، كيف كان يمكن أن يرسو بعقل أن يكون هو ذاته مبعث كل مخاوفنا واضطرابنا ووعيد اتهام قد يستمر في ملاحقتنا حتى في الأحلام التي أفر منها منتفضة، ومسامي تنزف العرق البارد، يتسرب إليّ من لفح صقيع الصبح الضبابي في الخارج، ابتلعَ أحجبة متنوعة ومتداخلة الألوان، رحت أرقب اختفاءها واحدة تلو الأخرى من النافذة يوم انتقالنا إلى مدينة نائية، وجد هاشم عملاً فيها بامتيازات تؤهلنا للبدء من جديد، ولو عند أطراف الحدود.

***

أحمد غانم عبد الجليل - كاتب عراقي

5ـ 8ـ 2019 عمّان

..........................

* من مجموعة "نساء من بلاد الشرق" القصصية ـ عن الهيئة المصرية العامة للكتاب

نَبتت بروحي عُشبةٌ

ورَبت على صدرِ السنينِ

تسابقتْ مني الخطى

غُصصًا تُبعثرُ ماءَها

وترُشَني

جمرًا على دربِ الأنينِ

اني اتيتُكِ طائِعًا

فضَمَمْتِني

افقًا على نهرِ الحنينِ

مَسَحتِ لي شَفتَيَّ خِصبًا

للتفرّدِ في حدائِقِكِ الجميلةِ كلّها

لا تعجبي!

فالشوقُ يتبَعني اليكِ

مُعلِّقًا بِلّورَ غِبطتِهِ

رَفيفًا من دَمي

فلَعلّهُ

بِطيوبِ ضوعَكِ

ان يُعطِّرَهُ القمرْ

اني جَمعتُكِ كالندى

فَتَخَضلَّتْ

حُلْماتِ رِيقِ شَفاهِنا

بِأهلَّةِ النبضِ المطهَّرِ بالرِضا

نجوىً فنجوى

كالنبوءةِ أينعتْ

جذلى على الغُصنِ الزكِيِّ

فراشةً

وتلألأتْ

عَذِبًا على فَمِكِ القُبلْ

***

طارق الحلفي

مازلنا على قيد الفقد

أمك

تصعد يوميا إلى غرفتك

تنفق ما ادخرته من دموع

وشموع

تعطر سريرك بعبق الامومة

تصطحب حفيدتها

التي ما انفكت ان  تسأل:

اين هو الان؟

تطرق باكية

بعيد...

وراء الشمس

تغلق الباب

وتترك قلبها

على سريره البارد

*

بالأمس

رايتها تفتح خزانة ملابسه

ترفع قميصه

عاليا

تضعه على عينيها

لعل عبيره

يعود إليها

*

انا...

ما زلت أقرا واكتب

اختار قصيدة لابن الرومي

في رثاء ابنه

اذهب الى المسجد

ثم اعود لاجدك تنتظرني

*

اين ما اكون

يحاصرني ظلك

*

اين ما اكون

يتسلل  صوتك

فاغدو حائرا

كمن فقد ظله

*

قد تراني اضحك

فثمة جرح غائر

لا يغادرني

*

حين اقف امامك

اشعر بأني ميت

وانت الحي

الذي لاينفك عن الحياة

*

عشرون وثلاث

لا تكفي

لإيقاد شمعة

عشرون وثلاث

انطوت في غضون دمعة

*

كيف لي ان اراك

وبيننا

سبيل طويل

كيف لي ان اراك

والمقبرة ليل مطبق

وبكاء ثكلى وعويل

*

لابد لي من سبيل

فأنا وامك

ننام على وجوهنا

لعلنا نبصر الدليل

*

ها انا اعود

مثل كل مرة

يلاحقني ظلك

*

هذا الظل الذي يلاحقني

ما زال يذكرني

كلما نسيت

ولد  ظل آخر

***

د. جاسم الخالدي

أيتها المرأة

يا ولّادة الرّجال

*

يا صهبّاء المجد

يا صانعة الأجيال

*

إنزعي عنك الكمامة والعمامة

و اصرخي في وجه كلّ مدّع دجّال

*

فأنتِ آثينا هوميروس الإغريق

زارعة الزّيتون  زهرة اليونان

*

و أنت زانوبيا تَدْمُرْ

هازمة الرّوم

قاهرة أورليان

*

و أنت كاهنة الجبال ديهيا

بنت تابنة بنت نيفان

موحّدة القبائل

مطوّعة كتائب الفرسان

*

قاهرة الرومان والنعمان

محرّرة الأوراس

معزّة الاوطان

*

كيف دجّنوك وطوّعوك

بتعاويذ الخرافة

وشعاويذ البخور والدّخان

*

من استهان بعقلك

من زوّر التاريخ

وحقّر فيك الأصل والإنسان؟

*

من ادّعى فيك الحماقة

ونقص العقل والدّين،

والغفلة وتوارث النسيان؟

*

من شرّع بعد مجدك

قوانين الضّرّ والذّلّ

وتقنّع البهتان؟؟

*

من كاد لكِ من تنكّر

من تدبّر تلجيمك

من تعمّد تكميمك؟؟

*

إن همُ إلاّ خونةٌ

لثوابت الإنسان

*

فلولا المرأة

أيتها المرأة

لما كان الإنسان

*

(حتّى اسألي منذ ألف ومئتيْ عام

عن ملاحم الجاحظ ابن عثمان)

*

فلا تركني

لا تركعي

ولا تخنعي

لا تخضعي لزوايا

الحريم والسّلطان !!

*

فالثّروة أنت

وأنتِ الأصل

وأنت آمال الأجيال .

***

زهرة الحوّاشي من تونس

أحس أن الأشياء تتحول بشكل غريب من القوة إلى الضعف من الرقة إلى الحنين كأنها تخبر الغائبين عنا بلا كلمات....

أحس بأن تدفق الحبر بعد الهطول الأخير في الليلة الماضية لايزال نشطاً وكأن الإنقطاع الأخير أحدث موجة جارفة للمخزون المتراكم للمشاعر المبهمة..

لا أعرف حقاً ما هذا الذي أكتبه وإلى أين أسير وأنا أجر قلمي خلفي حتى أصبح تداخل صوت خطواتي مع صوت صرير القلم على طرقات الورق...

لست متعبة من الوقوف هنا طويلاً تحت ظل الوقت المنصهر بحرارة شمس حزيران وإنما تعبي من الفراغ الذي أصبح يتسع في داخلي بعد كل الصدمات التي صادفتها....

نادراً وأنا أكتب أبحث عن المعنى الحقيقي لما هو متأصل في النفس لما هو واضح دون الحاجة إلى التأويلات ولا التفسيرات المشتتة للمعنى...

قال لي: ذات يوم عندما تكتبين حاولي أن تصوبي كتاباتك للشمس للضوء.. وقلت في نفسي كيف لي بأن أحول غزارة كلماتي إلى ركود في بركة أو أعرضها إلى ضربة ظل وأجعل منها سراب بلا أثر؟..

الخريف الذي لا يشبه ملامحي في الحقيقة هو نصفه  يستوطن نبضي ويعبث بحواسيب ذاكرتي ويرتشف البقية المتبقية من حلمي...

***

مريم الشكيلية /  سلطنة عُمان...

أكابـــــدُ مــــا أكابدُ مِـــن حنينــــي

ومنْ غــــدرِ الصحــــابةِ والسنيــنِ

*

بعثـــــتُ قصـــيدةً فلتقرأيـــــــــها

ولــي فيـــها رجـــاءٌ .. أسعفينــي

*

ففـــــي أبياتـــها أودعــــتُ قلبــي

ومــــا فيــهِ مـــن الشوقِ الدفيـــنِ

*

إذا يومـاً قصــدتِ البحْـــــرَغنّــي

لــهُ مِنْ بعــضِ شعري واذكريني

*

هنـــــالكَ فـــي مكــانٍ حيثُ كُنّـا

نفئ ُ إليـــهِ مِن حيـــنٍ لحيـــــــنِ

*

على الرمـلِ اكتبــي حرفينِ طافا

زمـاناً فــي البحــارِ مــعَ السفيـنِ

*

بوجــدٍ ســامرا النجمـــات ليــلاً

فمـا أحلـى التسامرَ في السكونِ

*

هما اسمي وهْـوَ مُختصرٌ بجيمٍ

واسمـكِ وهْــوَ مُختصَــرٌ بنونِ(1)

*

ومـا كُنّـــا بجــنٍّ .. نحنُ أنسٌ

بلغنا فــي الهوى حــدَّ الجنونِ

*

وعودي أغمضي عينيكِ طوفي

بدنيــــــا الحالميـنَ بلا عيـونِ

*

تحسّـــي أنّ جنبــكِ دونَ شــكٍّ

حضوراً لِيْ وإنْ لمْ تبصريني

*

ويصحو فيكِ شوقٌ نحْوَ ماضٍ

كشوقِ فراشــــةٍ للياسميـــــنِ

***

.......................

* كتبت القصيدة في الثاني عشر من آب للعام 2023

(1) للضروة الشعرية استبدلت همزة الوصل في كلمة(اسمك) في عجز البيت بهمزة قطع

 

 

لا تعتذر للوطن الذي قد يكرهكْ

لأنّك تكره الماضي

ولست تحب تاريخ الدماء

تحبُّ حلمك

وتحب يوما بانتظاركْ

لا تعتذر للوطن الذي يلغي انتصارك

يرى في هزيمته انتصارَا

ويقتلكَ انتظارَا

*

لا تعتذر للوطن الذي

يتحوّل في كل كارثة شعارَا

ويسير نحو الأمسِ أعمى

فإذا أراد النورَ

أوقد في المحروم نارَا

*

لا تعتذر للوطن الذي

لم يستمع يوما لصوتكْ

يحتاج كي يحيا لموتكْ

تُلقي بذور الحب في أركانه

تسقيه روحك .... ولا تجني ثمارا

*

لا تعتذر للوطن الذي

إن خانك افتخرَ

وإن عاتبتهُ طلبَ اعتذارَا

*

لا تعتذر للوطن الذي

شرب دماكَ

يقتات من قلبكْ

يُلغيك من تاريخه ينساكَ

يتذكر ذنبك

لا تعتذر للوطن الذي ألغاكَ

ورمى إلى أعدائه حُبّكْ

***

أحمد عمر زعبار

شاعر تونسي مقيم في لندن

وجهي الحزين بلا هوية يتبعني

من مدينة حزن الى اخرى

يسلم الوهم للأرصفة

و يترك الذاكرة للرياح

ويتبعني

وجهي الحزين

تتجاهله الأغاني

ولا تعبأ به

المرايا..

يترك إبتسامته

المزيفة عند الغروب

ويدخل الليل

بكامل شحوبه..

وجهي الحزين

لا شيئ يشبهه

.. سوى ..

ليل حزين مثله

تغادره نجوم

لا تعرف الألق

إلا..

في عتمته

لتسامر الغرباء..

وجهي الحزين

يذوب في ذاكرتهم

كما يذوب حلم عابر

مع أول رشفة

من فنجان قهوة..

وجهي الحزين

تسكنه عواصف الشتاء

ولا يمطر..

يسكنه نزق الربيع

ولا يزهر..

تسكنه شيخوخة

الخريف و لا يكبر..

وجهي الحزين

تتعقبه طفولته حيثما

حل..

تنتظره على أرجوحة

الزمن..

لتوقظه من غفوة الأمنيات

اللذيذة ..

وجهي الحزين..

للموت في

عينيه ألف حكاية

ولا دور فيها

يناسبه..

***

بقلم: وفاء كريم

رفّة صباح

لم يكُن في وسع الفراشة أن تطيرَ

لولا رفيف شذاها

وهو يسلبُ من الزهرة وجهها الفاتن

كنتُ قد أيقنتُ كذلك

بأن كل صباح لا يحملُ ملامحها

هو دوّامة ترشقني بالمهالكِ.

**

عناق البيانو

لم يكن للمفتاح الأبيض باب

ولا لمفاتيح الليل عصا

يتوكأ بها الضوء

ليعرف اللحن

فيطير.....

تنبتُ على إثرها زهورا بريّة

تأبى الغزلان أن تغادرَ سماء الأصابع.

**

عودة

عدتُ اليه

المكان الذي غرقتْ فيه شهوة الأيام

طويت صفحة

لنبدأ عدّ الأخطاء من جديد

قُبلة

قُبلة

في قارب حبنا المثقوب.

**

هلال

هلالكِ لنْ يغيب

لكنّ لُعبته واضحة

يضحكُ على علامة استفهامي

وينغرسُ في سريري.

**

بكاء

الدموع، حِنطة سوداء

أقسمتْ الاّ تفسد الحقل الحزين

عاش في كنف طائر مذبوح

بحنجرة صدئة.

**

بلاك جاك*

على وجه الورقة

ملكٌ يبتسمُ بتاجٍ أصفر

ونياشين حُمر

أُلقي الملك على الأرض لأنتصر

يسقطُ التاج

تهربُ النياشين

فأخسر كلّ شيء.

**

احتفال

لم يعدْ بإمكاننا أنْ نحتفل

كما كنا من قبل

بابٌ موصدٌ

وريح خلفها تعوي

لم تعد تبزغ في النهر شمس.

**

صديق

يخافُ من اللصوص صديقي

ويهاب الحرب أيضا

فيما أخشى أنا النشيد الوطني

والسقف

الذي سيسحق التفاصيل.

**

ما مضى

أنتَ هنا جئتَ قبلي

البيت

الأشجار

اللحظات الوديعة

العربة التي رسمتْ على أذرعنا وشم

تحت عجلاتها ارتجف القشّ

العصافير التي تلهو مع ضوء النهار

بأجنحة من ياسمين

لا أرى الآن سوى دخان

يأخذ كل هذا مني بعيدا.

***

زياد السامرائي

......................

* بلاك جاك: لعبة  تلعب  بأوراق (الكوتشينة) وتسمى أيضا 21

مَنْ يُدَاوِي جِرَاحَ قَلْبِي الْحَزِينِ

وَيُعَزِّيهِ فِي ضِيَاءِ عُيُونِي؟!!!

*

غَيَّبَ اللَّيْلُ عُصْبَةً مِنْ رِفَاقِي

صَارَعُوا الْوَحْشَ وَاحْتِشَادَ الْمَنُونِ

*

كِدْتُ أَفْنَى مِنَ انْتِحَابِي عَلَيْهِمْ

بِفُؤَادِي الْمُتَيَّمِ الْمَجْنُونِ

*

غَابَ وَعْيِي عَنِ الْحَيَاةِ وَبَاتَتْ

مُهْجَتِي تَصْطَلِي سِهَامَ الشُّجُونِ

**

رَدِّدِي يَا طُيُورُ أُغْنِيَةَ الْمَوْ

تِ وَعَدِّي الْبُحُورَ بَيْنَ أَنِينِي

*

حَلِّقِي فَوْقَ أَرْضِهَا وَتَمَلَّيْ

فِي رُبَاهَا بِفَيْضِ هَمِّي الدَّفِينِ

*

أَسْمِعِينِي نَوْحَ الْبَلَابِلِ وَارْمِي

كُلَّ وَغْدٍ بِكَيْدِهِ الْمَفْتُونِ

***

شعر: أ. د. محسن عبد المعطي - شاعر

كانت مغارتنا معتمة مطبقة في ظلامها، عندما دخلها من جانبها اليساري، وكانت تلك المرّة الاولى التي أرى فيها وافدًا زهيرًا مُنورًا يدخل مغارتنا المقدّسة الملعونة. كان نوره ينبعث من كلّ خطوة يطبعها على أرض المغارة. وكان يمضي بخطى ثابتة، كأنما هو واثق من أنّه جاء بشيء جديد، يُشبه الحقيقة، غير أن ما حدث هو أن أحدًا لم يلتفت إليه، كما توقّع.. على ما بدا من حركاته وسكناته.. الموزونة في كلّ حركة ونأمة, يومها حاولت أنا الغريب المُهجّر الفتيّ عاشق القصص الابدي، أن أقترب منه لعلّه يروي لي قصته، إلا أنه لم يلتفت إليّ.. وواصل طريقه.. ليدور دورة ودورة وأخرى في مغارتنا المُظلمة، ولينسحب، ربّما لأن أحدًا لم يلتفت إليه، كما ينسحب كبار الرجال وعظماؤهم، بهدوء وصمت.. انسحب من نفس الجهة اليسارية التي دخل منها.

دخوله المفاجئ وخرجه المتخفّي من مغارتنا، أثار فضولي لمعرفة المزيد عنه، فتابعته على الدعسة شاعرًا أنني أعيش لحظة تاريخية لن تتكرّر في عمري المحدود بين الستين والسبعين، أما هو فقد سار في طريقه.. وسرت أنا وراءه متكتمًا حذرًا.. مَن يعلم فقد يحدث بيني وبينه إذا ما رآني أمشي وراءه ما لا تُحمد عقباه، أضف إلى هذا شعور بأنني لا أضمن أن يتقبّلني في عالمه "الزهّير"، أنا المهجر ابن المهجر.. أحد سكان المغارة السادرة في غيّها وضلالها؟، هل خشيت أن يعتبرني جاسوسًا يتقصّى أمره ليقتله بعدها معتمو المغارة؟ أم سيراني صديقًا محتملًا.. بما أن شيئًا غير مضمون. عليّ أن أتخفّى لأعرف.. أرى وأسمع.

سار أمامي وسرت وراءه.. كان الطريق ممتدًا طويلًا. الغريب أنه لم يتعب ولم يتوقّف عن الانطلاق نحو هدفه. أما أنا فقد حملتني قدماي بقوة حبّ الاستطلاع والمعرفة، وواصلت السير مُستمدًا قوتي واندفاعتي منه هو.. لا من سواه، فقد حفزتني خطواته المُشعة الواثقة، على مواصلة متابعته واقتفاء أثره.

عندما وصل مغارة مُنيرة هناك في راس الجبل الاشمّ، كان لا بدّ من أن أتوقّف.. هناك بالقُرب منها لأرى ماذا بإمكاني أن أفعل لمواصلة عيش تلك القصة المُدهشة المُثيرة ومُعايشتها. وكان لا بدّ لي من أن أقف قريبًا جدًا من مدخل تلك المغارة، لاستمع إلى ما ينبعث منها من صوت أو أو حسّ وحركة.

صوت نسائي: قمحة والا شعيرة؟

صوته الهادئ: لا قمحة ولا شعيرة..

صوت نسائي: ألم يرك أحد؟

صوته: لا أعرف.. ربّما لا أعرف.

صوت نسائي حنون: إلى متى ستحاول؟

صوته بثقة: إلى أن يراني سكّان المغارة.. يجب أن يروني لأروي لهم قصتي.. الأمل لا ينتهي.. يجب علىّ المحاولة لأحظى بشرفها.. ثم مّن يعلم قد يستمع إليّ شخص وآخر.. حتى تستمع إلىّ الملايين.

بعد هذه الكلمات لم أستمع إلى المزيد.. انتظرت أن أستمع إلا أن الصمت خيّم على المكان كأنما هو هالة من النور المُصرّ على ملء الفراغ.

عندما عدت إلى مغارتنا، كان الجمعُ نائمًا، وكان الليلُ مُخيّمًا كعادته.. وضعت رأسي على حجر انتظرني هناك في أقصى المغارة، ونمت.. رأيت فيما يرى النائم ذلك الرجل المُنير.. كان يتردّد على مغارتنا بين الفترة والاخرى، مُصرًا على أن يراه أهلها غير أن أحدًا لم يلتفت إليه، فدخوله بالنسبة لهم لا يختلف كثيرًا عن خروجه.. الامر سيّان في نظرهم..

استسلمت لذلك الحلم الجميل. واسلمت عيني للوسن الهابط من سمائه السابعة.. استسلمت برغبة ومحبة، فأنا الوحيد الذي رآه، وأنا الوحيد الذي سمع صوته وهو يُعبّر عن إصراره على رواية قصته الخاصة للأهل في مغارتنا المُظلمة. استيقظت بعد يوم أو بعض يوم.. على جلبة وضجة تدُّب في المغارة.. تدُّب بصخب وعنف.. وكان أول ما ظهر منه.. من رجل النور، قدماه. اهتزت المغارة. فظهر وجهه، كان شيخًا مُسنًا.. بلغ من العمر عتيًا. دار دورة وأخرى.. دار في كلّ أرجاء المغارة.. كان واثقًا من خُطاه المتعبة هذه المرّة.. غيرًا عن أي مرّة سابقة.. دار أربعين دورة وأنا أرقبه.. وأعد خطواته المُحكمة.. وعندما تعب على ما بدا.. خرج من ذات الجهة المغاريّة. شعور قوي استفزني لئلا أفوّت تلك اللحظة التاريخية. قفزت وراءه حيث جلس ينتظرني خارج المغارة.. لأجد نفسي قُبالته وبين يديه.

توجّه إليّ مبتسمًا وشرع يحكي بثقة واتزان إنسان حقيقي.. قال: اسمع يا صديق.. إياك أن تظن أنني لا أرى. لقد رأيتك منذ أول مرّة دخلت فيها المغارة وبعد أن اقتفيت أثري. قال وتابع قبل أن يمكّنني من طرح السؤال الابدي كيف. ثم إنني رأيتك خلال تردّداتي المتواصلة على المغارة. فتحت فمي لأسأله عن سبب عدم تحدّثه إليّ. غير أنه قاطعني قائلّا: أعترف أنني دخلت المغارة كلّ هذه المرّات لأروي قصتي.. إلا أن أحدًا لم يرني.. وربّما لم يشأ أن يستمع إليّ.. لا أعرف السبب.. أما وقد رأيتني أنت.. فإنني سأروي قصتي كاملةً لك.. مَن يعلم فقد يرى سكّان مغارتك ما رأيته أنت.. وقد يستمعون إليها.. منّي في هذه السن المُتقدّمة.. وراح يروي قصته .. لم تكن غريبة عن قصتي.. بل كانت هي.

***

قصة: ناجي ظاهر

كانت احدى باحات الطرق السيار مكتظة، فاليوم عطلة والفترة موسم صيف ورحلات جماعية وفردية لا تتوقف، بين مدينتين سياحيتين:مراكش /أغادير، فلم يجد مكانا يركن فيه سيارته..

مثانته تضغط عليه بقوة.. وهو ينزل من السيارة سمع محركا يدور، سيارة سواح أجانب غادرت موقفها فحل مكانها..

قصد المراحيض، زحمة فوق العادة، لن يستطيع اصطبارا..

وهو يترنح في مكانه شاهدته احدى بنات النظافة، فلوحت اليه أن يتقدم منها في لطف ظاهر قدمت له مفتاحا وأشارت الى احدى المراحيض الخاصة..

سره ماقامت به الفتاة، شرع يستذكر ملامحها..

صغيرة في ريعان الشباب لا تتجاوز السابعة عشرة من عمرها أنيقة في بدلتها البيضاء موشاة بلون أزرق سماوي..

شحوب وجهها يوحي بفقرها وانتمائها الى منطقة هشة من إحدى القرى القريبة من الباحة..

حين خرج وجدها في انتظار المفتاح، أخرج ورقة من فئة المائة درهم وسلمها إليها.. حدقت فيها طويلا وقالت:

ـ سيدي لا املك الصرف..

تبسم في وجهها وقال:

ومن منك قد طلب صرفا ؟، هي لك خوديها..

من عيونها أشرقت شمس وقطر غيم..

هم بالانصراف حين تذكر أنه نسي نظاراته قريبا من المغسل، لما رجع لم يجدها.. طمأنته وقالت تعال معي..

في إدارة الباحة تم التعرف على من أخذ النظارات من خلال تسجيل الكاميرات..

لم يكن غير طفل صغير وجدها وحملها الى أمه..

وفتاة النظافة تودعه قرب سيارته قالت:

ـ سيدي سأظل دوما أذكر فضلك..

ـ العفو، هل لك عمل غير هذا ؟

ـ انا طالبة يتيمة الأب وأمي مقعدة سأجتاز الباكالوريا في السنة المقبلة واشتغل في الباحة حتى أوفر مصروفات دراستي والنفقة على أمي..

مرة أخرى تفقد السيطرة على دموعها، همت بأن تبوح بشي فتراجعت..

تتنهد ثم تتابع:

ـ المهم أتفانى في عملي،اتحمل وأصطبر إذا كف العمال هنا عن "البسالة ".. قالتها بغضب لا يخفى..

ـ أخذ من السيارة ورقة وكتب لها رقم هاتفه ثم قدمه لها مع ورقة من فئة المائتي درهم:

نفس محرومة أحق بالصدقة و الزكاة ممن يجوبون الشوارع..

ـ هذه لك وهذا هاتفي متى احتجت شيئا هاتفيني بلاتردد لكن اياك ان يتجاوز رقم هاتفي غيرك..

خرت على يده تريد تقبيلها فسحبها وقال:

ـ أترقب هاتفا منك أنا قريب من هنا أسكن أغادير..

طيلة ما تبقى من طريق وهو يفكر في الحالة المزرية لبعض القرى المنسية، في إنسانها المهمل، كيف لا تكتض مدن والانسان في القرى مهجور نكرة بلا وجود ؟..بيئة لن تفرخ غير القتلة واللصوصية و قطاع الطرق..

يسترجع بعض اقوال البنت:

ـ المهم أتفانى في عملي،اتحمل وأصطبرإذا كف العمال هنا عن "البسالة "..

جميلة في شحوب، أنيقة في فقر، عفيفة تقاوم جسارة االعمال ووقاحتهم..

معناه أنها تعاني..فالى أي مدى تستطيع المقاومة كفتاة بلاخلفيات

تحميها ؟

أزيد من ثلاثة أشهر مرت، عن ذهنه قد غابت البنت وغاب حديثها..

ذات صباح وجد رسالة على الوات ساب لايعرف صاحب رقمها

بعد تردد فتح الرسالة فقرأ:

أنا ابتسام فتاة الباحة أحببت أن أسأل عنك كيف أحوالك سيدي؟..

بسرعة أخرجته الرسالة من رحم نسيانه، صورة البنت تتجلى أمامه بوجهها الشاحب بين فرحتها ودموعها،وبدلتها البيضاء الموشاة بالأزرق السماوي..في مسامعه لعلعت عبارتها:

ـ المهم أتفانى في عملي،اتحمل وأصطبر إذا كف العمال هنا عن "البسالة "

لها كتب:

أهلا ابتسام،أولا أتشرف باسمك ثانيا كيف حالك وحال والدتك ؟

ـ والدتي تذكرها الله من أسبوع وأنا اردت منك معروفا اذا لم يضايقك الأمر..

لها كتب:

البركة ف راسك متعك الله برضاها، أطلبي ابتسام لا تخجلي..

ـ هل ممكن أن تأتي الي،انا في أمس الحاجة اليك ؟

الذهاب اليها مغامرة قد لاتكون محمودة..الناس أطماع، نزعات ونزوات، خصوصا في مناطق قروية مهملة تغيب عنها رقابة السلطة..

شرع يستحضر سلوكاتها يوم الباحة، كان يحس صدقها وحديثها الواضح في ثقة بنفسها خصوصا مع مسير الباحة حين نسي نظاراته..

لا أظن أن يكون وراء رسالتها دافع سيء أو أن أحدا قد اغراها بمكر ؟

تذكر معضلة القنافذ فتبسم، استعاذ بالله من سوء الظن..

لها كتب:

أكون عندك بعد ساعة تقريبا، هل أجدك في الباحة ؟

في انتظار ردها كان فكره منصبا على مسافة السلامة التي قد تقيه كل شر محتمل..

ـ سيدي !!..من الأحسن ان تأخذ الطريق الوطنية فهي اقرب الى لألقاك.. ستجدني في انتظارك قريبا من محل للمتلاشيات. بعد الخروج من امسكرود.

تضاعف قلقه، هل في مغامرته خطر على نفسه ؟ لو كان سيجدها في الباحة لكان الامر أضمن للسلامة..

اهتز قلبه، وجيب يسري في صدره بين القبول والرفض..

تجمدت أفكاره لحظات وصارت صورتها هي ما يلاحقه قبل أن يقرر:

ـ اليها أسافر..

وجدها في الانتظار.. قريبا منها كان كلب أسود في حراستها..المكان أراضي صخرية ليس فيها غير سدر مات من جفاف..

لا طير يطير و لا شجر يحركه الريح.. بعيدا على مد البصر ثلاثة أطفال حفاة وشبه عراة يتراكضون خلف كرة صنعوها من خرق وورق..

صعدت قربه، عاود عبارات العزاء..بكت وقالت:

ـ اعتذر على ازعاجك لكن وحق الله فقلبي لم يرتح الا لك ثقة بك، فبادرت بمراسلتك..

شرع يكلمها وكله احتراس،عيونه حوامة تمسح كل ما حوله خارج السيارة، لا شيء يثير باستغراب او شك.غير الكلب الأسود الذي ظل يحوم حول السيارة بعد أن ربتت على ظهره، يركض الى ناحية الأطفال نابحا ثم يعود الى السيارة..

لا عليك،وعدتك وجئت لأوفي بوعدي،ماذا تريدين ؟

شرعت تبكي، نثر أوراقا شفافة من صندوقة في السيارة وقدمها اليها..قالت:

اذا كان في الإمكان أن اشتغل خادمة عندك او عند غيرك،

المهم لا اريد البقاء هنا..

فاجأته بطلبها ورغبتها

ـ هل وقع لك شيء ؟ ودراستك ؟

ـ لا وقت للحديث هنا..

مسارات معقدة ومتشابكة تبدت أمامه، هل يوافق ؟ هل يمانع ؟

ـ أليس لك أهل نخبرهم بما تفكرين فيه ؟

بكت ودفنت وجهها بين كفيها:

لو كان لي اهل لما تركت أمي يومين بغير دفن.. أجلاف لا يعرفون معنى إكرام الميت..لا أحد لي، قوم قساة، ابي قد أساء لهم حسب اعتقادهم وانا وأمي تلقينا الجزاء.. صرت بينهم أترقب لحظات النهش..

ـ طيب هل لك شيء تريدين حمله من بيتك ؟

ـ ليس في بيتي ما يستحق الحمل،خاتم ذهبي ودملج من فضة وجدتهما بين ثنايا ألبسة أمي أخذتهما معي.. هما ما تبقى لها مما باعته من أجل دراستي..

استدار من حيث أتى وهي معه.. يسأل الله ان تكون العاقبة خيرا.. فهو يقدم على فعل قد يكون له مابعده..

في الطريق حكت له عن سبب شلل أمها بعد ان كانت طباخة ماهرة في بيت القائد..

ـ ما أن ترقى القائد الى عامل، وأتى غيره حتى تم اغتصاب أمي من قبل خمسة من رجال القبيلة أمام اعيني بعد ذهاب من كان يحميها..

كنت صغيرة بنت أربع سنوات.. اغتصبوها انتقاما من ابي الذي قتل في احدى المعارك الانتخابية..

عاود أحدهم محاولة اغتصاب أمي، فلما حاولت الفرار منه سقطت فانكسر عمودها الفقري مما أصابها بالشلل..

حكت له كيف أن أمها رغم شللها قد ربت كلبين في البيت كانا في حراستها وأمها من ذئاب الردى في القرية..

ـ أمس حاول أحدهم النزول الي من سطح الكوخ فطارده الكلبان..

من أجل ذلك لم افكر في سواك رجلا رحيما..

حين دخلت بيته قالت:

هنا عني انزع خريفا لاحقني في عز ربيع عمري وابدأ في نبات جديد، أعدك..

قدمها الى أبنائه فتقبلوها بين رغبة ورهبة، ساعدها، أعادها للدراسة وهي اليوم ربة بيت تسير شركة وطنية للاكترونيات..

***

محمد الدرقاوي - المغرب

الى ركن الدين يونس

صديقي الشاعرُ

الدائمُ الرحيل

الى مُدنٍ غامضةٍ

وغاباتٍ سودٍ

هوَ لمْ يكتشفْها

ولا يعرُفُها الا في الكوابيسِ

و بلدانٍ بلا خرائطَ

أو أَيِّ أملٍ

ولا حتّى قمرٍ حزينٍ

وطاعنٍ بالعزلة

والغيابِ الفجائعي

*

صديقي الشاعرُ

المذكورُ اعلاهْ

دائماً " يتركُ خَلْفَهُ :

أبناءً مُتحاربينَ

وطناً ممزقاً

وأكواماً من الأسئلة  "

*

أَيُّ  قَدَرٍ هذا

ياشيطانَ الشعرِ والحروبِ؟

وأَيُّ مصيرٍ تُخبىءُ لنا

ياربَّ الدَمِ والاوبئة

الزلازلِ والمنافي

والأَسماكِ والأَنهارِ الميِّتة؟

***

سعد جاسم

2023 - 8 - 8

بــغدادُ طــيفُكِ فــي الأحداقِ يعتكفُ

يــكــادُ  يــقتلُني الــتهيامُ و الــشغفُ

*

قــد بــاتَ حــبُّكِ كالأنفاسِ في رئتي

مـــعَ الــشهيقِ رذاذاً راحَ يُــرتشفُ

*

يــاأمَّ هــارونَ أخــفيتُ الهوى زمناً

والــيومَ جــئتُ بــهذا الحبُ أعترفُ

*

مــاعدتُ أقوى على كَتْمِ الهوى أبداً

إنْ  مــرَّ ذكــرُكِ كادَ القلبُ ينخطفُ

*

صــهيلُ حــبكِ لــمْ يَــهجعْ بأوردتي

كــأنَّ نــارَ الغضا مرَّتْ بِها عُصُفُ

*

جــمالُ  عــينيكِ يــابغدادُ يــسحرني

لــقدْ  تَــغَنَّتْ بــهاالأخبارُ والصحفُ

*

كــلُّ الــعراقِ أصــيلٌ فــي عــراقته

فــي كــلِّ قِطعةِ أرضٍ تَبْرُزُ التحفُ

*

كركوكُ  والموصلُ الحدباءُ تَأسرُني

تــكريتُ  والــحلةُ الــفيحاءُ والنجفُ

*

وفــي الــحويجةِ أهــلٌ كــلُّهُمْ شَــمَمٌ

مــاصَانَعُوا حاكِماً يوماً ولا ازْدلَفُوا

*

هــلْ ألــتقيكِ ويَروَى القلبُ مِنْ ظمإٍ

وهــلْ ســتجمعُنا الأقدارُ و الصّدفُ

*

لــقــدْ أضــعناكِ يــابغدادُ وا أســفي

بــعدَ الــضياعِ بــماذا يــنفعُ الأسفُ

*

إنَّ  الــحُسَافةَ في الأرجاءِ قد كثُرتْ

مــتــى الــحُسَافةُ يــابغدادُ تــنجرفُ

*

مــتى  سيذهبُ عنكِ الزيفُ مرتحلاً

ومــا تــبقّى مــن الأدرانِ يــنشطفُ

*

ويــنــتهي الــشرُّ لا ظِــلٌّ ولا أثَــرٌ

ويــرحلُ الــحَيفُ والأوغادُ والجِيفُ

*

قــد طــالَ نــومُكِ والأحوالُ مخزيةٌ

ونالَ  من صيدكِ الطاعونُ والأَزَفُ

*

حــانَ الــنهوضُ فهبّي مثلَ عاصِفةٍ

فــينجلي  الــليلُ والأغباشُ والسَّدَفُ

*

وتشرقُ الشمسُ في الأرجاءِ ساطعةً

لابُـــدَّ لــلــغَمَّةِ الــســوداءِ تــنكشفُ

*

يــاقلعةً  فــي مــهبِّ الــريحِ صامدةٌ

مــا  هــزَّها سَــقَمٌ يــوماً ولا شَظَفُ

*

هي  الأساسُ ومَنْ مرّوا بِها عَرَضٌ

لابُــدَّ لــلعارضِ الــمنبوذِ يــنصرفُ

*

ودجــلةُ  الــخيرِ كالشّريانِ في جَسدٍ

لــكــلِّ نــاحــيةٍ جَــدبــاءَ يــنــحرفُ

*

وصــوتهُ الــعذبُ كالألحانِ من وترٍ

إذا تــغنَّى يــميسُ الــنخلُ والــسَعَفُ

*

كــأنَّ  زريابَ في قصرِ الرشيدِ شدا

لــصوتهِ  طَــرِبَ السُّمَّار ُ وانعطفوا

*

دارُ الــسلامِ مُــذِ الــمنصورُ أنشأها

كــأنَّها الــسّيفُ فــي وجهِ العدا تقفُ

*

كــشوكةٍ في حُلُوقِ الكاشحينَ غَدتْ

مــامرَّ ذكــرٌ لــها إلّا وقــد رجــفوا

*

خــيولُ مــعتصمٍ فــي الكرخِ صافنةٌ

والصيدُ ناطرةٌ في الصَّفِّ ترتصفُ

*

حــيّا  الــهمامُ جــيوشَ الفتحِ مبتهجاً

والــعزُّ يــتبعُهُ والــفخر ُو الــشَّرفُ

*

وصــاحَ لــبَّيكِ يــا أخــتاهُ وانتظري

مِــنَّا الــزحوفَ لرأسِ الشرِّ تقتطفُ

*

من  يومِ ذي قارَ والأسيافُ مُشْرَعةٌ

فــالغدرُ شــيمتُهمْ والــطّبْعُ يــختلفُ

*

مــن يومِ ذي قارَ باتَ الحِقدُ يسكنُهمْ

مــاراقَهُمْ  أنَّ فــيهِ الــعُرْبُ تنتصفُ

*

لَــمْ يَــرْعَوِا الــقَوْمُ مِنْ أسلافِهمْ أبداً

فــي  الــقادسيةِ ريشَ الكِبْرِ قَدْ نتفوا

*

لكنْ  مَضَوا وهَوى الشيطانِ يَدْفَعُهُمْ

نــحوَ الهلاكِ غَواهُ الكِبْرُ و الصَّلَفُ

*

فــفــاجــأتْهُ  بــــضــربٍ مــاتــوقّعهُ

وبــاءَ مِــنها بــكأسِ الــسّمِّ يــغْتَرفُ

*

والأحــمقُ  الــغِرُّ والأحــقادُ تــدفعُه

أتــى بــجمعٍ مِــن الأوغــادِ يــأتلِفُ

*

قــدْ ضَــمَّ كــلَّ صَــفيقٍ تــافهٍ حَــنقٍ

وكـــلَّ  لــصٍ ولــلإجرامِ يــحترفُ

*

لاشــــيءَ  يــجــمعُهمْ إلّا نَــذالــتَهمْ

عــن كــلِّ مكرمةٍ بيضاءَ قدْ عَزَفوا

*

وغــابَ  عــن ذهــنهِ مِنْ أنّنا عَرَبٌ

نــظــلُّ بــالــعزةِ الــقعساءِ نــتصفُ

*

إنّ الــشــهادةَ بــعــضٌ مــن ثــقافتِنا

مــضى على نهجها الأبناءُ والسلفُ

*

يـــادرَّةَ الــعُرْبِ يــانبراسَ عــزتِهم

لــكمْ تــغنوا بــذاكَ الــمجدُ كم هتفوا

*

فــهي الأبــيّةُ دومــاً فــي تَصَوُّرِهم

مــنها الــوفاءُ لــكلِّ العربِ قد ألفوا

*

مــتى ســتخلعُ ثــوبَ الحزنِ غاليتي

وبــالبياضِ عــروسُ الــمجدِ تلتحفُ

***

عبد الناصر عليوي العبيدي

كل صباح أشتم  الأسباب السخيفة التافهه التي أبقتني مستيقظة إلى ما بعد منتصف الليل، أضبط المنبه على الساعه الخامسة والربع فجراً كي أتجاهله إلى السادسة وعشرين دقيقة أقف عند المغسلة،أغمض عيني بقوة عدة مرات وأمر على مستقبلي بحوارات سريعة، ماذا بعد التقاعد؟ ماذا لو كنت سيدة أعمال؟ ولكن أي أعمال بالضبط؟ حسناً لا أظن أنها فكرة جيدة فأنا لا أجيد التفكير بالمشاريع ولا بتحمل مضاربات الأسهم، الربح والخسارة والإستثمار فليس هناك من شيء أسرع من صعود وهبوط مزاجي ووزني، ماذا لو أصبحت من مشاهير التواصل الاجتماعي؟ لا أعتقد أن الموضوع يحتاج تعقيد كل مايتطلبه الأمر هو فتح حسابي في سناب شات على العام فأنا لدي محتوى جيد ..لكن ماذا عن الجمهور؟! سوف أكرههم ويكرهوني بالمقابل

الحل الأسلم هو أن أطمح للتقاعد المبكر ثم أغسل وجهي، أنظر إلى المرآة محاولة أن افتح عيني بأصابعي أعود إلى غرفتي أغير ملابسي أركل بجامتي الملقاة أرضاً وكل ماصادف طريقي.

عادات صباحية سيئة..

أركب السيارة مع السائق وأكمل نومي ولا أستيقظ إلا عند بوابة المستشفى، في إحدى المرات كدت أقع أرضاً جسدي كان لايزال مخدراً ولم تحملني قدماي اقترب مني رجلاً كبيراً في السن قال: انتِ بخير؟ أطلب لك عربة؟ قلت له: شكراً يا عم أنا نزلت بسرعة ولم أحسب المسافة بشكل صحيح بين السيارة والأرض، هذا كل شيء نظر إلي بصدمة، فهو لم يستوعب حتى اللحظة سبب عرقلتي ليستطيع أن يستوعب ما أهذي به في هذا الصباح، تعابير وجهه وإستغرابه أدخلتني في نوبة من الضحك فبدا الموقف مريب ومرعب لهذا المسكين.

كنت السكيرتيرة المسؤولة عن البرنامج التدريبي لطلبة الطب والإمتياز والأطباء المقيمين كمنسقة لإجراءات قبولهم وتقييماتهم ومساراتهم التدريبية ولأن أعدادهم كثيرة جداً كل شهر يصعب علي تذكر الجميع ولعل مسألة كثرة العدد هي مجرد حجة واهية أتمسك بها لمداراة خيبة ذاكرتي وحقائق أخرى قاسية أحاول تجنبها، عندما أفند مستنداتهم الرسمية لتسجيلهم في النظام أجد أن العديد منهم بالكاد تجاوز ال٢٣ من العمر وذلك يدفعني بشكل لاواعي إلى عنصرية الأجيال.

وصلت المكتب وقبل أن أضع حقيبتي على الطاولة وإذ بطالب إمتياز من طلبة الطب يطرق الباب بكل أدب ،صحت بصوت مرتفع قلت " ألووووو" كان المقصد أن أقول "تفضل"لكن كان ذلك أفضل ما لدي تلك اللحظة وأنهرت في نوبة ضحك من جديد. إلتفتُ خلفي لم أتوقع أنه طرق الباب وفتحه،قال والدهشة تملأ عينيه :

عفواً … حضرتك أستاذة لمى؟

لم أستطع الرد من شدة الضحك، أشرت له بيدي أن يدخل المكتب، فقال: أستاذة لمى هل معك مكالمة أو تكلميني أنا؟ ظن أني أضع السماعات اللاسلكية مباشرة توقفت عن الضحك وتجهم وجهي وتكلمت معه بكل جدية وحزم قلت: نعم..أكلمك أنت.

سألني عدة أسئلة وطلبت منه ان يعود لي بعد الظهر

أردت كسب بعض الوقت لشرب كوب قهوة عالاقل لعله يصلح بقية يومي

لكنه لم يعود منذ أسبوع.. ولا أظنه سيفعل

بعد الظهر حضر إلى مكتبي طبيب إمتياز آخر طلب مني تجهيز توصيه له من أحد الإستشاريين فقلت له أعطيني نصف ساعة أنهي بعض المهام العاجله وأجهزها لك قال بكل إحترام:حاضر وشكرا لتعاونك

خرج وعاد لي بعد نصف ساعة سألني: أستاذة لمى هل أنهيتي التوصية؟

نظرت إليه بدهشه: من أنت؟

فقال: أنا عبدالرحمن طلبت منك توصية وقلتِ لي تعال بعد نصف ساعه..

رديت: آه تذكرتك لكن التوصية كانت من أي استشاري بالضبط؟

كان الشاب كان في حالة صدمة قال: إذا لم تتذكريني أبدا!! سحب ورقة صفراء وكتب عليها تفاصيل فترته التدريبية واسم الاستشاري واسمه بالكامل وقال: سوف أعود لك بعد صلاة العصر.

كنت قد كتبت التوصية وتركتها على جنب ثم تابعت عملي

عاد لي بعد العصر لكن كنت مشغوله بمحادثة عنيفه على الهاتف مع أحد الأقسام، وقف عند الباب ثم قرر الخروج من المكتب ربما بسبب أن مارآه جعله يخمن مدى سعة خلقي ومزاجي الهاديء ..

في صباح اليوم التالي عاد إلى المكتب أذكر أني حينما رأيته شعرت بهبوط في الضغط، بردت أطرافي وجف حلقي

وعقد لساني عن الكلام وقلت في نفسي من هذا؟؟ وماذا يريد الآن؟؟

وقف أمام المكتب قال: أستاذة لمى آسف لإزعاجك لكن هل جهزت التوصية؟ وقبل أن أجيب قال:

لا لا غير معقول!! لاتقولي انك نسيتيني!!

لا أدري ماذا رآى بالضبط لإستنتاج أني نسيته بالفعل وقد محي من ذاكرتي تماماً، قلت له بحدّة:

طبعا لا.. انت طلبت تقييم جامعة الملك عبدالعزيز البارحة.

قال: لا..أستاذة لمى طلبت منك توصية

ضحكت بطريقة محت بريستيجي قلت له اه جهزتها لك منذ البارحة تعال إجلس على الكرسي حالما أنتهي فقط من كتابة هذا البريد..

كان البريد عبارة عن قائمة طويله جدا لأطباء الإمتياز والأطباء المقيمين الذين سوف يبدأون التدريب الشهر القادم وكنت قد نسيت نظاراتي بالمنزل فإلتصقت بالشاشه وبدأت أبحث عن الأسماء وأتمتم بترديدها كي أركز وبالطبع نسيت المسكين الجالس بجانبي.

وأنا أقرأ القائمة إسم إسم: أحمد، فيصل، عبدالله

قال: عبدالرحمن

ضحكت وقلت له: لا ليس إلى هذا الحد ثم أعذر الجدة

قال: كيف جدة وما زلتِ صغيرة؟!

في أثناء ذلك دخل طبيب آخر وشاهدني وانا أدخل الشاشة فقال: لمى واضح ماشاء الله انك تصغرين في السن ثم قال عفواً هل قاطعتكم؟

رد عليه عبدالرحمن والضحك يتملكه: صارلي يومين انتظرها تكتب توصيه لكن الفرج قريب

اعطيته التوصية واعتذرت عن التأخير

بعد شهر وفي نهاية فترته التدريبية أحضر لي علبة شوكولاته ووردة حمراء وقال: لا أعرف إن كنتِ تذكريني أنا عبدالرحمن طلبت منك إعداد توصيه من قبل هذه هدية بسيطة شكر على جهودك معانا..

قلت له: صدقني لن أنساك أبداً

ومع ذلك..نسيته

حسناً أعتقد أن شيخوختي سوف تكون ممتعة و ها أنا الآن أقبلها برحابة صدر

***

لمى ابوالنجا – أديبة وكاتبة سعودية

من وحْي حوارٍ عابرٍ بيني وبين ناقدةٍ حول

قصيدة الشطرين والقصيدة الحديثة بكلّ أشكالها.

***

يامُريداً

هلْ بَلَغْتَ الآن شأوًا

مِنْ تَرانيمِ القُدامى

وَفُتوحاتِ جيوشِ المُحْدِثينْ .

يَوْمَ صاروا سادَةَ الفَتْحِ وَ صِيدَهْ ؟

*

قِيلَ قد كانوا نَدامى

نادَموا أنْخابَ شيْخِ البصرةِ الوَزّانِ

والمزّاءَ ليلًا

بينما قد أنكَروا صُبْحاً وَقيدَهْ

*

رَتّلوا آياتِ أرْبابِ الرَوِيِّ المُنْتَقى

فَرْطَ إنْتِشاءٍ فالْقوافي كالغواني

نَصَبتْ من حَوْلِهمٍ أحلى مَكيدهْ

 *

ثمّ عادوا مَطْلعَ الصَحْوِ ولكنْ

دُونَ أجراسِ الخليلْ .

أَتُراهُمْ

أحْجَموا عن كَفّةِ الميزانِ

أم خانوا عَميدَهْ

*

قُلْتُ عُذْراً أيُّها الشيخُ الوَقورْ

شِرْعَةُ الأزمانِ ناموسُ العُصورْ

بعدها صلّى بصمتٍ دون آيات الوصايا

وَ نَعى الشيخُ مُريدَه ؟

*

هذهِ قارورةُ الوجدانِ

فإحذَرْ كَسْرَها

إن شِئتَ وإحذَرْ من نتوءات الشضايا

وَقُلاماتِ الخَريدهْ

*

قَلْعةُ الأسلافِ ذابتْ

في مرايا الروحِ عِطراً ،

كعْبةً جذلى وأطلالاً وطيدَهْ

*

إنْجَزتْ غاياتِها

وإستودعتْ آلائَها روحَ الزَمانْ

وَمُلوكُ الأمْسِ زَهواً

غَلّقوا أبوابَها

والمحاريبَ العَتيدَهْ

*

فَلِماذا

لَمْ يَزَلْ يُغْريكَ تَرْتيلُ

الحُداةِ الضاعنينَ العُمْرَ شَرْقاً

عَبْرَ بابِ الغيهبِ المجهولِ

في النفسِ العَنيدَهْ

*

أَبَلَغْتَ اليوْمَ مَرْسىً

من وراءِ العَوْمِ دَهْراً

في بُحورِ الشيخِ إلاّ

بينَ شَطْرَيِّ القصيدة ؟

*

أيْنَ أنتَ الآن قُلْ لي

هل لَدَيْكَ اليوْمَ ما يُغْني قليلًا

عن دِنانِ الأمْسِ خمْراً

أيْقظ الرُكْبانَ لمّا

أسْكَرَ الحادي وَ بِيدَهْ

*

لَسْتَ إلّا سارِقاً كأسًا قديمًا

من كُرومِ الموكبِ الأبهى

وقد أمضى دُهوراً

يعزفُ الأوتارَ حتى

أسمعَ النُدْمانَ في الدُنْيا نَشيدَه

*

لم تَكُنْ صوتًا جديدًا

بل صدى صوتِ الحُداةِ الغابِرينْ .

لم تكنْ يومًا سِوى

ظِلٍّ لآثارٍ تَليدَهْ.

*

فأهْجُرِ المألوفَ عَزْفاً

أو فَغادرْ

خيْبَةَ الغاوينَ وَهْماً

خلْفَ مَنْ هاموا سُكارى

بينَ ودْيانٍ خَديدَهْ

*

حارَ لا يَدْري جوابًا

وَتَقَلّى بأراجيحِ اللظى

ثمّ تمَنّى والمُنى حَرّى شديدهْ

*

فالقُدامى.

أوْرَثونا فيضَ آلاءِ الحَنايا دوحَةً

حيثُ فراديسُ القوافي

تحتَ أفياءِ اليَتيماتِ الفَريدهْ

*

والأُلى ساحوا طويلًا

رِفْقَةَ الضِلّيلِ تَوْقاً

لِفتوحاتٍ جديدهْ

*

غادرونا

إنّما هل غادَروا

من عصافيرِ البَراري

طائراً حتى نَصيدَهْ

*

وَذَواتِ الأعْيُنِ النَجْلاءِ

في وادي المَها

هل تركوها سارِحاتٍ

خلفَ جِسْرٍ في فؤادي

ساقَهُ الطوفانُ ليلًا

للنِهاياتِ البعيدهْ

*

فالخَيالاتُ الحُبالى

بِشُجيراتِ المَجازْ

وَفيوضاتُ الهوى العُذْرِيِّ

كلّا لنْ تُعيدَهْ

*

والسَماواتِ اللواتي أمْطَرتْ

دُرّاقَها الصَيْفِيَّ في البيداءِ

تأبى أن تزيدهْ

*

حَلّقوا فيها نُسوراً

حيثُ أسرابُ القوافي كالحَبارى

دونهم حيرى طريدهْ

*

أَمْ تُراهُمْ خَلّفوا

إِذْ خَلّفوا

في فضاءِ الروحِ والمنفى

غزالاتٍ شريدهْ

*

فإعتلى الصيّادُ فجرًا

صَهْوةَ الحَرْفِ المُقَفّى

عَلّهُ يصطادُ غيدَهْ

*

ليْتَ أشجارَ المَجازِ الطَلْقِ

في روضِ الرُؤى

ولّادةٌ في غابَةٍ لاتنتهي

فاللانهائيّاتُ آمادٌ مديدَه

*

والكَمَنْجاتِ حضورٌ ساطِعٌ في ليلتي

أوتارُها حُبلى بأنغامٍ وليدَهْ

*

ياسُراةَ الأمْسِ في وادي الغضى

مَنْ كانَ يومًا غاوياً

أمْسى يُغنّي نَخْبَ قافيةٍ وحيدَهْ

*

رُبَّما أدْماهُ صَمْتاً

خِنْجَرُ الفِقْدانِ حتى

عاهدَ البُستانَ هَمْساً

أن يُحيلَ الحُزْنَ كافوراً به

يرثي فقيدَهْ

*

إنّ وعدَ الشِعْرِ بَرْقٌ

يَتَرائى بينَ قوْسِ الغيْبِ والرمضاءِ غيْثاً

وَبِهِ نُطْفي وَعيدَه

*

هكذا النجوى إذنْ فَلْتَحْدِسي.

في نغمةِ العَزّافِ سِرّاً

يَتَوارى في تلابيبِ القصيدَه.

***

د. مصطفى علي

مَنْ منهم الآن يرقاني بمنزلةِ

أنا الذي ﷲَ قدَّستُ ببسملةِ

*

أنا الذي ﷲُ أعطاني هدايتَهُ

مَنْ سبّح ﷲَ لم يخسر بحوقلةِ

*

أنا الذي الدِّين سوّاني له قلماً

كي أكتبَ ﷲَ في بدئي بمرحلةِ

*

كي أحفظَ الرُّوح مما كان يحرفها

مُذْ أنْ غزا الناس ما أدّى لمهزلةِ

*

مما اعترى الخلق في الدُّنيا بدهرهمُ

و عمَّ ما عمَّ مِنْ ظلمٍ بمقتلةِ

*

مما بسكينِ مَنْ دعّوا خواصرَهمْ

و مَنْ إلى اليوم مطعونٌ بغلغلةِ

*

ممن من الذَّبح لم يسلم لعزّتِهِ

و مَنْ مِنَ الفُحش لم يسلم بقلقلةِ

*

ممن إلى الظُّلم لم يخضع بهامتِهِ

لكنْ إلى ﷲ يحنيها كسنبلةِ

*

حتى رأى ﷲ يحميهِ برحمتهِ

أتى على الحقد قهّاراً بزلزلةِ

***

رعدالدخيلي

1- عتبة

فسحة

من ندى الذكرياتْ

تركتْ روحها

فوق روحي

وحطّتْ

على سلّم الأمس...

تمسح عنّي اغترابي

وصمتي

.................

بطعم الحياةْ ......!

**

2-  لقاء

أيها البحر...

بين الوجوه أراك تصلي

بلا نيّة

قد تقدمتَ حيناً...

تأخّرتَ حينا....

وظلّ البريد يسافر مرتبكاً

*

في ثرى الأمس كم قد مشينا معاً

وحشتي في اللقاء.... تذوب

فنضحك...نضحك

حتى يحين الرحيلْ

وكنت أرى في العيون سؤالاً

- أتنسى إذن....؟

- كيف أنسى..؟

وقد كنت في جبهة النهر...

...........تشرب شيئا..

فـ.........شـ......يـ... ئــ اً

ليخفت في القلب صوت البكاءْ

- كنت اسمع صوتك

في خفة الروح...

...يحنو برفق

......على نجمةٍ

سقطتْ

فجأةً

وترّمد فيها الرجاء ْ

كنت اسمع صوتك يكتب مرثيةً

لقرى الفقراءْ

**

3- بقاء

في حمدان التوتْ

مازال طريّا

فوق شفاه الفتيات

ابيض..

..احمر.

..أخضر

لم يفقد نكهته

ويضمّ بألفته السنواتْ

**

4- رجاء

يا ندائي

البعيد القريبْ

عدْ... لنا

مرة ثانيه

كي تلوّن ارض الخصيبْ       ِ

بتراتيل طيبتك الحانيه

**

5- ثقـة

المسافة ُ،

في رئة البعد..

بيني

وبينك

ضيّقةٌ

والزمان طويلْ..

والقصيدة

بيني

وبينك مجنونةٌ

تقتل المستحيلْ ..!

**

6- دليل

يا صديقي الجميلْ

مدّ...

لي يدك الآن

أغنية

إنني تائه... تائه

ودليل ..!

**

7- رؤية

بين بوابة الدمع..

والأمنياتْ

كلّ يوم

أقلّب وجهي...

على شاشة الذكرياتْ

كي  أراكْ...!

**

8– صمت

حين مضيتَ

تركت الأبوابْ

تلتفُّ

عليها

جدران الصمتْ.........!

**

9 – باب سليمان

ظلّ وحيداً..

لا مدّ..

ولا جزرْ...

يمسك بالسعف..

إلى الفجرْ

ويصلّي..

يلقي بالظلّ.

على الشعرْ

يجتاز حدود الريحْ

يستهلك نجما، ويصيح ْ:-

ما زلتُ وحيداً

اسكبُ،

بالبعد،

حكايات

يشربها الشوق،

بقرب النهرْ..!

**

10-  باب دباغ

قال:

بصوت عالْ

فكّرْ يا شاعرْ..

كنتَ على السطح

وحيداً...

في الليل..

تنظر كيف...

وراء النخل

النجماتْ

تـ ..

.تـ

......

.سـا

.قـ

ـط

تحتضن الأرض....

......وورد الهيلْ

كنتَ تتمنّى

أن تجمعها مره

في سلّة خوص

لتأخذ فضتها..

..وتدور

بها البصره

لتحارب جوع الفقراءْ...

*

فكّرْ

في الباص الـــــــ ...

قد مر كثيرا فوق الطرقات

حمل العمال...الفلاحين

وكلّ البسطاء

فكر

مازال الباص الـــــــ...

يمضي

تكتب سيرته السنوات

باللون الأبيض

لاشي سوى

اللون الأبيض

فاض به العمر... بأحلى الصفحات

**

11- باب العريض

قال:

فكّرْ في الأمر قليلاً

ابعدْ عني شبح الخوفْ

اتركْ في الليل الطيفْ

في الأرض الخضراء يصّلي

يكتب أغنيةً

ليخفّف عنّا حرّ الصيفْ

في بلد تتأوّه فيه الناسْ

وتصرف فيه الممنوع من الصرفْ

**

12- باب الطويل

قال:

فكرْ يا شاعرْ

في القمر الساهرْ

فكرْ في خصّاف التمر المكبوسْ

فكّرْ في الليل الحندس والفانوسْ

فكّرْ في القمر المجنونْ

فكرْ في البيت المسكونْ

فكرْ في الأشباح

وفي الكابوسْ

فكّرْ في الطفل المنحوس ْ

الشعر بحكمته مدروسْ

فكّرْ....

**

13- باب رمانة

قالْ:

- أنسيتَ مفاتيح الأبوابْ

مغلقة

في الجيب الداخل من سترتك الأولى..؟

ومضيتَ إلى المنفى

كلكامش فلتبقَ مغتربا

يوما...

يومين...

فلن ينساك الأحبابْ

انكيدو مات

والعشبة ماتتْ

لكنّ مساحات العشق....

المعشوشب في الرئة اليسرى

ملكوت الرغبة والأشياءْ

*

فكْرْ في الموتى..فكّرْ  في الأحياءْ

فكّر في الأشجارْ

كم رسم العشاق قلوباً

تأخذها الريحُ إلى الآفاقْ

**

14- أبو ذهب

أبو ذهبْ

ظلّ على  أحلامه  ينامْ

يجرّ خطوة...

وخطوة ...

تجرّها الأيام ْ

حتى أفاق  فجأة

وغمغمتْ في حسرة

شفاهه.....

لم نفهم الكلام ْ

لعله قالْ:

عليكم السلامْ...!

**

15- أبو فلوس

يخـرج من منزله

فـي كلِ يـومٍ

يحمل الفانـوسْ

بحـثاً..

....عن الإنسانْ

................!

**

  16- محاول للتذكير

كي تحيا... بين النخل وبين النهر

فكّرْ... بكتاب من ورق النخل

قرأتَ به الأسماءْ

فكرْ بالموتى.... فكّر بالأحياء ْ

فكرْ في القمر اليقظانْ

مدّ إليك يديه

وراء القضبانْ

أعطاك المفتاحْ

وقالْ:

أنتَ المحظوظُ

.....وغابْ

فكرْ أنسيتَ المفتاحْ....؟

فكّرْ..  كي تفتح كل الأبوابْ...!

***

شعر حامد عبد الصمد البصري

............................

ملاحظة: الأبواب الواردة في القصيدة هي مناطق في أبي الخصيب/ البصرة

لماذا يلدني الضياع

في كل مرة

اقول فيها

هنا وطني

لا يجوع الحلم هنا

ولا يعرى..

ولا ينطق عن هوى

من كان

يخلص كل

يوم من شوك

الأنين كلماته

دون ان يتألم..

هنا وطني

وهذه الجروح التي امتدت حتى

عقارب ساعتي

اليدوية

لم تكن سوى السطر الاول

من عمري

تركت نصف كأسي

لمن لا كأس لهم

وقلت ربما

أسكب حلمي

على السراب

فتنبت من فمه

أغنية ..

لماذا يلدني الضياع

ألف مرة ولا أضيع..

أسقط من غربتي

كل ليلة

تتلقفني أسماء مستعارة

أقول سأجد الحب

ينتظرني..

على ضفة الحياة

كل ليلة في منتصف

الجرج

أبلع ملح الكلام

الحياة كذبة لا تتكرر

والحب يلونها بالخداع

ثم يبحر باتجاه

الموت..

أمر على وجعي كل

الصباح

أسأله ان كان بخير

أسأله ان كان عليه

ان يتحمل

المزيد .. من أجلي

ومن أجل ان يعيش وهمي

طويلا..

في الحفل الأخير

لم أضع قناعا

رقصت بوجهي عاريا

مع كل ظلالهم

وعندما انتصف الليل

أشارت الساعة الى جرح غائر

في صمتي

لماذا..

يلدني الضياع ..

من جديد ..

كانت رقصتي الأخيرة

قلت لهم ..

خذوا أصابعي

وازرعوها

وهنيئا لكم حصادها..

لماذا علي ان أكتب كلماتي على المرايا

المكسورة

ليقرأ الجمهور وجهي

الحزين ..

لماذا علي ان أجاهر بالموت

ليكتب إسمي على الرخام المصقول

لماذا علي أن

أحتمي بفراغي

وأحتمي بصمتي

وأحتمي بخساراتي

لم أقطع يوما

تذكرة للغياب

فلماذا يباغتني

الفجر

بثوب رمادي

ولماذا

يلدني الضياع

كلما قلت هنا

وطني..

***

بقلم: وفاء كريم

من أَي كوكبٍ هبطَ طيفُكَ

على قَلبي

وأَيقَظ غَفوةَ النِّسْرينِ

في دْفق شَراييني

وبسماتِ المانوليا

في وجَناتِي؟

ما بين نَسْمَةٍ ونَسْمَة

أستَنشقُكَ عطرَ خُلودِي

وما بين زهرةٍ وزهرة

أُخبئُكَ أَيقونةَ عشْقِي

ماسةَ عُمري ..

مابين دمْعَةٍ ودمْعَة

نجمةُ الصَّباح سَكرت بِأشْواقي

وثَمل قلبي حَنينًا...

يا حُلمَ وُجودي

قادمَة ٌ إلى روحِكَ

على جَذوةِ حبِّي

يحملُني شُعاعُكَ إلى الفردوسِ

أَأنْتَ من كوكبِ المُنى

أم نسيَكَ الدهرُ في سلةِ زَهرٍ

عَلى ضِفافِ وَطَني؟

نَيسانِي مَلَّ  آهاتِ الزَّمان

أَعدْ لربيعِيَ سَوسَناتِه

ولعَينيَّ أمواجَ البحر...

أَلق ِ على حُزنِيَ وِشاحَ البَقاءِ

حِكْ خَلَجاتِ أَنْفاسِي

ما بينَ غَيْمَةٍ وغَيْمَة..

أَعومُ في محرابِكَ السّماويِّ

لأُتوِّجَكَ توأماً لروحي العذراء

ضُمَّني إليك ليُزهِرَ ياسمينُ مَدائني

خُذ ْ نَبْضي...

أنا أموتُ وأَحْيا .....

لأَجلكَ ...

***

سلوى فرح - كندا

من المجموعة الشعرية أزهر في النار

25/1/2010

أي ثأر

بينها وبين سيّد البلاد

تلك الهجينة

التي أجادت باحتراف

ابتكار

أدوات بدائية

لتبصقها

تباعا

في رحاب أرضه المعطاء؟!

*

حين بصقتها

تلك الهجينة

فابتليت بها أرضنا

الموصوفة بالسواد

كائنات غرائبية

بوجوه حجرية

لكن...

أجل

فمآلها الاندحار

*

ألا تتعظ

تلك الهجينة

وتذعن لواقع يصرخ ملء المدى

ان كفاكِ

رعونة

فولي أمرك

لا يُدانى

أنه

السيّد العراق

***

ابتسام الحاج زكي/ العراق

جئتَ فقيرًا دون ثياب

تبكي فَزِعًا

تستغربُ من هذا العالمْ

جئتَ وحيدًا

و استقبلك هنا أحبابْ

كل الأطفال يجيئون بوجه واحدْ

و ملامحك الغضة تبدي

وجهَ براءهْ

تبعث من مبسمك النورْ

تجعلنا نهوي في حبك دون شعورْ

أنت رقيق مثل فراشهْ..

تملكُ إحساسَ العصفورْ

تعشقُ إدراكَ الأشياءْ

و تُحدِّقُ فيها مبتهجًا

هذا قلمٌ..

هذا ثوبٌ..

هذي وَرْدَهْ

كل بسيطٍ تتعلّمُهُ

سيُسطّرُ في إنجازاتكْ

ناغيتَ بحرفٍ لغويٍّ

زدْتَ السرعة في خطواتك

كل جديدٍ تتعلّمُهُ

ترسمُ فيه طريقَ حياتِكْ

أنتَ رقيقٌ مثل فراشهْ

تملك إحساس العصفورْ

هذي الأشياء فقدناها

حين كبرنا

و استيقظ فينا الشيطانْ

تلك أعاجيب الإنسانْ

*

وعلى درب العمرِ ستمشي

سوفَ تُعَدُّ عليكَ خُطاكْ

وَعِرٌ هذا الدربُ كثيرًا

فاحذرْ أن يزدادَ خَطاكْ

وملامحك الغضة هذي

سوف تبدلها الأيامْ

في علم الغيب فلا ندري

ما كتبَتْ عنكَ الأقلامْ

هل تدرسُ في علمِ الطب..

أم ستقودُ جيوشَ الحربْ؟

هل تملأُ بالقسوةِ قلبَكَ

أمْ تملأُ قلبَكَ بالحب؟

هل تَسعَدُ في دربِ حياتِكَ

أمْ تشقى في هذا الدربْ؟

في علم الغيب فلا ندري

ما كتبَتْ عنكَ الأقلامْ

هل ستكونُ أصيلَ الفطرهْ

أمْ ستكونُ من الأشرارْ؟

نَصْرُكَ للشيطان قرارْ

لكنْ مهلًا

إن قَسَتْ الأيامُ كثيرًا

فلتتذكّرْ

أنّكَ كنتَ بريئًا جدًا

حاولْ أن تبقى إنسانًا

لا تُرهِقْنا

فنرى من شرّكَ ألوانًا

حاولْ أن تبقى إنسانًا

قدْ تمشي في دربِ العمرِ طويلًا

ثمّ ستوقِنُ

أنّ حياتَك محض دقائقْ

*

جئتَ وحيدًا دون ثيابْ

ثمّ تغادرُ مثل مجيئكَ

دون ثيابْ

و تخلّى عنكَ الأحبابْ

*

أنتَ وحيدٌ جدًا..

جدًا..

جدًا..

دون أنيسٍ إلا قلبك

فانظرْ كيف تقومُ بصنعِهْ

***

اصنعْ قلبك

إسراء فرحان

ســــــلاماً يــا مُشـــرّعُ لـــــي حديـــثُ

بمــــــا فيــــــــهِ من الماضي حديــــثُ(1)

*

مصائـــــبُ داهمـــت من كلَّ صــــوبٍ

تسيـــــرُ وسيــــــرها دومـــاً حثيـــــثُ(2)

*

حمورابي لقـــدْ خلّفـــــــتَ إرثــــــــــاً(3)

حضاريّـــاَ أســـــاءَ لــــــهُ الوريــــثُ

*

توارى العـــــــدلُ فالقانونُ رهــــــــنٌ

بمـــــا يقضـــــي بهِ اللصُ الخبيــــثُ

*

بلادكَ جنّـــةَ كانـــــــت قديمــــــــــاَ

فأضحـــــتْ كالصحـــارى تستغيــثُ

*

لهيــــبُ القيظِ يحرقـها وتظمــــــى

وأنهـــــارٌ تجـفُّ ولا غيـــــــوثُ (4)

*

حقــولٌ قبلَ أنْ تُعطـــــي جنـــــاها

أفاقــــتْ والجــــرادُ بهــــا يعيـــــثُ

*

ريـاضُ صوّحـــــتْ فيــها الأقــاحي(5)

ولـيسَ لطـــــائرٍ فيـــها مكــــــــوثُ

*

تنــــــــــــادي كالحسيـــنِ بكـــربلاءٍ

ألا أحـــــدٌ يُناصـــــرُ أوْ يُغيـــــــثُ

*

ومــــا مــــــن ناصـــــــرٍ إلّا كلامٌ

وهلْ يُجــــدي الكلامُ أو الحــــديثُ؟

*

حمــــورابي شكوتُ اليـــكَ همّـــي

لعلمـــــي أنّكَ الرجـــلُ الحثــــوثُ(6)

*

وإنّكَ عادلٌ والعـــــــدلُ حــــــــقٌّ

تشـــرّعـــهُ الضمــــائرُ لا الليوثُ(7)

***

جميل حسين الساعدي

...........................

كتبت القصيدة في السابع من شهر آب للعام  2023

(1) كلمة حديث الثانية بمعنى جديد

(2) حثيث: سريع

(3) حمورابي: سادس ملوك بابل تضمّ مسلته قوانينه التي تحتوي على 282

مادة تعالج شوؤن الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية والعسكرية

وهي على درجة كبيرة من الدقة بما يتعلق بحقوق الأفراد

(4)غيوث: جمع غيث وهو المطر الغزير الذي يجلب الخير

(5) صوّح: يبسَ وتشقّقَ

(6) الرجل الحثوث: السريع الجادّ في أمره

(7) الليوث: الأسود وقد رمزتُ بها الى قانون الغاب، الذي يكون فيه القويّ هو صاحب الحقّ

مع الوقت بدأ سرحان يستمتع بمراقبتنا وبطريقة ما غير مباشرة يحاول التواصل بزرع الفتنة وتأليف قصص من رأسه لنتقلب على بعض كنت دائما ألمح إبتسامة خفيفة ترتسم على وجهه بعد كل مرة يتحدث معنا أو يوبخنا وقد أصبح مصدر إزعاج للجميع.

حدث أن مرضت وتغيبت عن المدرسة لعدة أيام لم أكن أتمتع بصحة جيدة منذ طفولتي وعانيت كثيراً من عدة نكسات صحية متفرقة كرهتها وكرهت جسدي المريض لكن الشيء الذي لم يتغير حتى الآن هو أني لم أستسلم أبداً لتلك النكسات ولم أعطيها أكبر من حجمها وأغضب ممن يجعل منها سبب يوقفني عن أي شيء أريده.

فور صعودي الباص قال لي: "الباص كان هاديء بغيابك ليتك تغيبين دايما يالبقعة" وكلمة بقعه معناها "مصيبة" باللهجة السعودية الجنوبية وتستخدم غالباً للشتيمة ،أثار غضبي بشدة فصحت بوجهه:"موشغلك " ومن جديد لمحته يبتسم،أثناء تحرك الباص كنت واقفة لأعانده وهو يأمرني أن ألزم مقعدي ثم وقعت حقيبة من الرف العلوي علي وتسببت بسقوطي وإرتطام رأسي بإحدى المقاعد فقال: "تستاهلين"

فقررت لحظتها أن أبعده عن وجهي وللأبد.

تم الإتفاق بيني وبين شلّتي على التخلص من سرحان الذي كان يتدخل بشؤوننا ويقلبنا على بعضنا إستطاع بسياسة الفساد أن يحدث بعض المشاكل وتوعدناه بالإنتقام وقد كان يستحق.

خضنا معه حروباً طاحنة لم نستطع خلالها أن نسدد له الضربة القاضية .

بعد تفكير مطول وخطط كثيرة باءت معظمها بالفشل وفي لحظة تأمل شيطانية قفزت إحدى صديقاتي قائلة: بنات !! أخيراً عرفت كيف نتخلص منه إسمعوا هذه الخطة: سرحان السارح في روان وفي جمال روان دعونا نستخدم هذه السقطة ضده، وبالفعل توجهنا لمكتب المديرة وشكونا عن نظراته لزميلتنا التي أخبرتها بدورها أنها لا تشعر بالأمان بوجودة وفوراً استجابت المديرة لتلك التصريحات الملغمة وطلبت تغييره بمراقب آخر.

وجاءنا جندي جديد، يبدو أنه كان يطمح بشدة أن يتولى منصب ضابط خفر وقد بدأ يتدرب على ذلك بالفعل علينا وجد فينا المتنفس الذي يفرغ فيه الذل والهوان الذي كان يتجرعه في العسكرية طوال اليوم، كان عصبي المزاج قوي البنية يغلي في ثورات غضب عنيفة وعلى أتفه الأسباب في أول مهمة له معنا وقف في منتصف الباص وضرب المقعد بالسوط ليصدر صوتاً مهيباً وقال: "إسمي سعيد وأي جنية منكم لاتحسن السلوك سوف تسمع هذه الضربة على جلدها " وفوراً أذعنا تحت سيطرته وإستسلمنا له بشكل كامل كان شديد البأس ومن الرجال القلائل الحصينين ضد الكيد النسائي من الغواية وفنون الإغراء.

حاولنا بعدة طرق واستخدمنا جميع الحيل للإيقاع به وإيجاد ثغرة واحدة بلا فائدة حتى أن "خديجة" الجميلة القصيرة المزعجة سرقت بعض مساحيق التجميل من أختها الكبرى ولطختها على وجهها وفور دخولها الباص أسقطت ربطة شعرها متعمدة تحت مقعد سعيد وهمست بإذنه بشيء لم نستطع سماعه فنهض من مكانه وكأن جنّي تلبس جسده وضرب المقعد بالصوت وراح يطلق تهديداته المعهودة فارتعبت الفتاة وبقيت ملتصقة في المقعد الأخير حتى وصلنا لحارتهم ،تقدم نحوها وسحبها من يدها وهو يصرخ فيها ويأمرها أن تنزل معه ليخبر والدتها شخصياً عن تصرفاتها والبنت تكاد تفقد الوعي من شدة البكاء وهي تردد "الله يخليك سامحني آخر مرة" حتى تركها وشأنها وما أن بدأ الباص بالتحرك شتمته بصوت مرتفع ودخلت مسرعة للبيت.

لكن شدة بأسه لم تمنعنا من تحريف إسمه إلى "تعيس" مع تخفيف نطق حرف العين ويبدو أنه كان يعلم بذلك ولم يبالي.

و في سبيل إستغلال الفرص المثالية استخدمت سعيد وشخصيته العنيفة وإضطرابه النفسي لتحقيق العدالة والإنتقام من المشرفة التي كانت سبباً في معاناتي والعذاب الذي عانت منه صديقتي روان بسبب البرشام المشؤوم ،في آخر أسبوع من الإمتحانات أخبرتني المشرفة أنها سوف تتأخر في المدرسة لإجراءات التصحيح وسوف ترسل إبنتها معنا بالباص وأمرتني أمر أن أنتبه لها بطريقة مستفزة كانت كفيلة أن تقتل عندي أي نية في حمايتها قالت: "بما إنك جارتنا أكلفك تنتبهي لإبنتي رغم إنك لست أهلاً للثقة لكني مضطرة لهذا الإجراء ولو حصل شيء لها تأكدي إني لن أرحمك إن أصابها مكروه" الغريب أنها تبغضني بشدة لأسباب كثيرة معظمها لا علاقة له بشقاوتي بالمدرسة بل أنها كثيراً ما وجدت في تلك الشقاوة حججاً لتنزل علي حقدها وغيضها الشديد مني ومن تفوقي وتقدمي الدائم على إبنتها لهذا كانت لاتسيء لي فقط وإنما تحاول الإساءة إلى كل من يتقرب مني ولا أعلم كيف وثقت فيني في ذلك اليوم لتلقي بإبنتها في التهلكة لعلها إعتقدت أن تهديدها سيوقفني عن أي حماقة أنوي إرتكابها ، على كل حال كانت تلك التجربة الأولى وعلى مايبدو الأخيرة لإبنتها لركوب باص المدرسة.

عشت صراعاً بين ضميري وبين التفكير في أن فرصة كهذه لن تتكرر لتأدبيها هي ووالدتها معاً .

لم يأخذ منا الموضوع أي مجهود سوى أن نجبرها على الرقص وفوراً بدأت الفرقة الغنائية بالتطبيل وربطنا خصرها ورقصت تحت الإكراه وقف سعيد بالسوط يصرخ ويزمجر وأخذ ورقة وكتب أسمائنا وأعطاها للمديرة، في اليوم التالي تم إستدعائي وشلتي في الإدارة بإستثناء بنت المشرفة لننتفض في ثورة عنيفة ونرفض العقاب وحدنا وطلبنا إستدعاء بقية الطالبات للشهادة أنه لم يرقص غيرها حاولت والدتها تكذيبنا وتضليلنا أن تلك التصرفات الشوارعية لاتصدر من ابنتها لكنا أصررنا على موقفنا وهنا صرّحت "خلود" عن الأجندة الخفية وقالت: "نحن أجبرناها ترقص متعمدين حتى نعرف هل نتعاقب وحدنا؟ أو تتعاقب معنا"

بعد عدة ساعات قضيناها بالإدارة متفرقة بين التوبيخ والضرب والإهانات انتهى الأمر بإستدعائها وضربها "ضرباً غير مبرح" وتوقيعها على تعهد مثل بقيتنا.

و كانت تلك الشرارة لعداء شرس بيني وبين تلك المشرفه وابنتها استمر من الصف الخامس الإبتدائي وحتى تخرجنا من المرحلة الثانوية..

***

لمى ابوالنجا – قاصة وكابتة سعودية

تكفيني الأرض

أنا

لا أريد سماءهم

لا أريد دماءهم

لست حفيد الخرافة

أنا ابن الأرض لا أكثر

لا أحب الصعود إلى الوهم

لا أحبُّ القتل باسم “الله أكبر”

*

أنا ابن الأرض لا أكثر

منها أتيت

ومنها أعود إليَّ

*

لست أحبُّ الهً يُعذّبُ خلقه

لست أحب عذاب الجمعة

عذاب السبت

عذاب الأحد

أحب ارتقاء الجسد

باللذة الممتعه

ولست أحبُّ شعوبا

تنكحُ أربعةً

وتمشي على أربعه

*

أنا ابن الأرض لا أكثر

روحي سمائي

ولست مبيحا دمائي

لآلهةٍ تقاتلنا بالرسل حينا وبالأنبياءِ

*

أنا ابن الأرض

وهذا الكون لي معبدْ

وُجِدتُ قبل وجود الإله وأُوجَدْ

لأجل بقاء الحياة على قيد الحياةِ

*

أنا ابن الأرض

لست أحب الرضوخَ

ولست أحبّ الشيوخَ

يبيعوننا حدودا عريضة

في سماء مريضة

أحب الشموخَ

ولست أحبُّ شعوبا

تقاوم الجوع بالصبر

والفرح بعذاب القبر

وتكتب بالدم لا بالحبر

وتحمل تاريخ خرافات أسود

وحاضر خرافات أسودْ.

***

أحمد عمر زعبار

شاعر تونسي وقيم في لندن

في نصوص اليوم