آراء

آراء

ثعلب السياسة الأمريكي العتيق مات عن عمر يناهز مئة عام .. لم يعلم أحد هل مات بالشيخوخة أم من الحسرة والقهر بسبب ما حدث لإسرائيل!  إنه هنري كيسنجر اليهودي الأمريكي الفار من محارق الهولوكوست، والوصولي الذي اتخذ من جامعة هارفارد سبيلاً لتحقيق طموحه السياسي، وبشهادة زملائه ومعاصريه أنه كان متملقاً انتهازياً استطاع بطريقة أفعوانية الوصول إلى أعلي مراتب النفوذ السياسي، ليصبح أول يهودى يتولي وزارة الخارجية الأمريكية.

مات الآن ثعلب السياسة ربما ليؤكد فناء قرن من اللؤم والخديعة، وأننا على أعتاب قرن جديد قد يكون أفضل مما مرّ!

بروفيل الثعلب

لقبه البعض بأنه "سيد اللعبة" فبمن تلاعب؟ ولصالح من؟

ولد هاينز كيسنجر عام 1923 فى ألمانيا وفر مع عائلته لنيويورك عام 1938 هرباً من الاضطهاد النازي لليهود. ورغم أنه أصيب بالتوحد صغيراً، ونشأ نشأة الذئب المنفرد، إلا أنه لم يخطئ هدفه وطموحه الذي كان واضحاً لديه منذ البداية. فهو يريد الوصول لأعلي منصب سياسي ممكن، ولهذا اتخذ من التحاقه بجامعة هارفارد وسيلة لتحقيق هدفه هذا.

قد تكون الحياة القاسية التى عاشها فى صباه سبباً فى طباعه الجافة التي اكتسبها لاحقاً، وجعلته يتخذ الميكيافيللية سبيلاً لتحقيق مآربه الشخصية، ثم فى طريقته الماكرة خلال مفاوضاته كسياسي ووزير خارجية. لقد كان أول يهودى مهاجر ينجح فى تولى منصب وزير خارجية أكبر قوة عظمى، بل ويجمع بين الوزارة وبين منصب مستشار الأمن القومي الأمريكي.. بما يعني أنه جمع بين السياسة والأمن. وبالفعل استطاع من خلال منصبه كوزير خارجية أن يصل لنتائج تفوق فى تداعياتها وآثارها ما يحققه جيش كامل العتاد!

كان هو مهندس اتفاق باريس لإنهاء حرب فيتنام، لكنه لم ينسَ أن ينصح الجيش الأمريكي بالقيام بأكبر هجوم بالقنابل على الفيتناميين قبيل الاتفاق، حتى يتسني لها التفاوض من موقف قوة. الهجوم الذى أسفر عن قتل مئات الآلاف خلال ساعات قليلة!

وإليه تُنسَب فكرة "الدبلوماسية المكوكية" التى استطاع من خلالها تحجيم انتصار أكتوبر73 من خلال مفاوضات كامب ديفيد، وليتيح لإسرائيل فرصة الانقضاض على هضبة الجولان واستعادتها.

وصل تأثيره السياسي والأمني أنه أقنع الاتحاد السوفيتي بالتوقيع على معاهدة الحد من التسليح، فأمات بهذا الصراع المستمر بين أمريكا والاتحاد السوفيتي. وهو الذي مهَّد الطريق الدبلوماسي بين أمريكا والصين، ولهذا تم إرساله مجدداً منذ شهور مضت لمحاولة تقليل التوتر بين أمريكا والصين فى الصراع الدائر حول تايوان.

الوجه الآخر من العملة

رغم حصوله على جائزة نوبل للسلام بسبب جهوده لإنهاء حرب أمريكا على فيتنام، إلا أن ما فعله بعد نيل الجائزة أكد أنه رسول حرب ودمار لا رسول سلام.

وكمستشار للأمن القومي الأمريكي دفع الجيش لمهاجمة كمبوديا عام 1969 من خلال غارات سريعة سرية، ثم للقيام بغزو بري لهذا البلد المحايد فى العام التالي. الأمر الذي أدي لتوسيع نطاق الصراع فى جنوب شرق آسيا . هكذا وضع حجر الأساس لما اصطلح على تسميته "الدبلوماسية السرية" تلك التى تجري فيها الاتفاقيات والتهديدات والوعود فى الأقبية بعيداً عن الأضواء.

استطاع النفاذ إلى شاه إيران وغذي جنون العظمة لديه وشجعه على رفع أسعار النفط وإغراق البلاد فى تضخم أدى إلى الثورة عليه وخلعه. ومن خلال تلك الخبرة التى اكتسبها فى صياغة وتدبير المؤامرات الكبري على الدول اشتهر بأنه مهندس الانقلابات وخبير إشعال الحروب الأهلية..

لقد صدرت عنه مؤلفات كثيرة أظهرت حقيقته التى كان يتخفى عنها بوجه دبلوماسي مخادع. ففى الوقت الذي يراوغ بكلماته الدبلوماسية المنتقاة أمام الرؤساء والوزراء، كان ينفذ بالتزامن خططه الماكرة لتحقيق أهداف أمريكا الأمنية.

فبطريقته السياسية الناعمة ساهم فى تحقيق الانقلاب على سلفادور الليندى فى تشيلي. كما ساعد باكستان فى حملتها الوحشية لسحق التمرد الانفصالي الذي تحول فيما بعد إلى دولة هى "بنجلاديش". واستمر سنوات طويلة يمارس لعبته التى أتقنها فى تدبير الانقلابات  تارة فى إفريقيا وتارة فى أمريكا اللاتينية، وفى التغطية الدبلوماسية على جرائم إبادة فى تيمور الشرقية وكمبوديا وبنجلاديش. للدرجة التي دعاه بسببها البعض بأنه "سيد اللعبة" وهى ليست إلا لعبة اللئام.

لقد أجري موقع إنترست الأمريكي دراسة تاريخية جمع من خلالها عدد الذين هلكوا نتيجة دبلوماسية كيسنجر المكوكية، فوجدوه مسئولاً عن قتل 3 ملايين إنسان!

عاش حياة الملوك

رغم أنه لم يتمتع بالوسامة ولا الجاذبية، إلا أنه تفوق على نجوم هوليود فى شهرته لا فى أمريكا وحدها بل فى العالم أجمع.

إن حنكته السياسية وأساليبه الماكرة فى تحقيق أهدافه دفعته لاستغلال الميديا فى التسويق لنفسه. إذ لم يكتفي بكونه سياسي ذو نفوذ. وإنما استغل نفوذه هذا ليحصل على صداقة مشاهير السينما والإعلام. وكان يواعد نجمات السينما، ليزداد الحديث عنه، وتتناول سيرته الصحف اليومية والجرائد، وليظل باستمرار حديث القاصي والداني، بما يسهم فى الترويج الشخصي له حتى على مستوي العلاقات الاجتماعية للنخب الفنية والثقافية. حتى أن استطلاعاً للرأي أجرته مؤسسة جالوب وكان لم يزل وزيراً للخارجية أنه الشخص الأكثر إثارة للإعجاب فى أمريكا!

ومن خلال شبكة العلاقات التي كونها على مدار سنوات وعقود فى عمله الدبلوماسي، استطاع جمع ثروة هائلة على حساب بحور من الدماء التى تسبب فى إهدارها دون أن يطرف له جفن!

مات بعد الأربعين!

لقد كًتب له أن تمتد حياته أياماً إضافية ليشاهد بأم عينيه جيش إسرائيل ينهزم وتنكسر شوكته خلال أربعين يوماً أو أكثر.. ليموت أثناء هدنة أظهرت الفارق بين السياسي الكاذب والمقاتل الشريف.

إن كيسنجر نفسه كان يصف السياسيين بأنهم كالعاهرات، أى أن السياسي فى نظره يبيع أي شئ مقابل تحقيق هدفه ومبتغاه، مهما كان هذا الهدف تافهاً لا يستحق!

وإسرائيل الآن تريد تسويق فكرة حرب الإبادة وما يصاحبها من تهجير قسري وجرائم فصل عرقي، تحت دعاوي "حق الدفاع عن النفس" . إنه نفس نهج كيسنجر فى تغليف الجرائم بغلاف ناعم من الدبلوماسية والسياسة!

موت كيسنجر هو رمز لموت سياساته البراجماتية. وهو نذير لأصحاب تلك السياسة أنه مهما طال الوقت بأصحاب العهر السياسي، ومهما نعموا بحياة رغدة هنيئة، فإن جرائمهم تنكشف إن عاجلاً أو آجلاً، ليتحول تاريخهم إلى لعنة تلحق بالمنتسبين لهم أبد الدهر.

ولو أننا نظرنا إلى الداخل الأمريكي والإسرائيلي اليوم بعد خمسين يوماً من حرب وقصف ودمار، تتبعه أكاذيب إعلامية تصور الذئب فى صورة الحمل الوديع. سوف نتأكد أن الشعب الأمريكي ومعه شعوب الغرب بدأوا يفهمون حقيقة ما خلف قناع الزيف. وأن المستوطنين فى إسرائيل لم تعد لديهم ثقة فى حكومتهم.

حتى أثناء الهدنة عندما قارن الناس بين أسري المقاومة الفلسطينية الذين غادروا وهم يحتضنون آسريهم. وبين معتقلي إسرائيل من الأطفال والنساء الذين خرجوا مشوهين وقد تكسرت أذرعهم وتقطعت أناملهم، أدرك الناس فى الغرب والشرق حقيقة النازيين الجدد الذين قتلوا وشوهوا وشردوا ما يزيد عن خمسين ألف فلسطيني فى أقل من شهر هو زمن حربهم البرية الهمجية على غزة.

مات كيسنجر عن عمر يناهز مائة عام. وماتت معه أساليبه السياسية. ولعلها بشري أن العالم مُقبل على حقبة جديدة، تنجلي فيها الحقائق، وتنكشف الأكاذيب.

***

د. عبد السلام فاروق

ما الذي يدفع دولة الاحتلال لتقبل على نفسها شيئا وهي المغتصبة الغازية ثم تحرمه على أصحاب الأرض الشرعيين؟

فهل السبب الذي يدفعها لازدواجية المعايير هو هاجس الانتقام من المقاومة في غزة التي ما فتئت تذكرهم من حين لآخر بأنهم طفاة ومغتصبوا أرض وقتلة أطفال ومدنسوا أماكن العبادات؟ أم أن السبب في هذه الازدواجية هو تغيير الحقيقة التاريخية بأن فلسطين دولة عربية وأن ليس للفلسطينيين أي حق بها وأنهم هم من يمتلكون الحق التاريخي والديني بها؟

يبدو أن الأسئلة كثيرة والأسباب أكثر لكن دعونا هنا نستذكر الطيار الألماني هربرت كوكورس الذي كان متطوعا في قوات الأمن الخاصة (الغستابو) البوليس السري الألماني أثناء الحرب العالمية الثانية والذي أصبح فيما بعد على قائمة الأهداف المنوي اغتيالها من قبل دولة الاحتلال لاعتباره مجرم حرب نازي لأنه وعلى حد قولهم متورط بقتل خمسة عشر ألف يهودي بشكل مباشر أثناء الهولوكوست المزعوم ،وبشكل غير مباشر متورط في قتل عشرين ألفا. وقد ادعت دولة الاحتلال بأنه قتل اليهود في تلك الفترة من أجل التسلية.فكان يطلب منهم الهروب للنجاة بحياتهم ثم يطلق عليهم الرصاص ،كما أنه قام بإضرام النار في المعابد بعد حبس اليهود فيها وشرب الويسكي وهو يستمع إلى صراخهم..

إذا افترضنا بأن جميع ما ادعته دولة الإحتلال بحق كوكورس صحيحا، فليفسروا لنا إذن ما ارتكبته عصاباتهم في فلسطين من قبل قيامها وإلى بعد ذلك. ألم يرتكبوا عشرات المجازر الدموية بحق الشعب الفلسطيني؟ ألم يهدموا عشرات القرى؟ ألم يطلقوا الرصاص على أصحاب الأرض بعد أمرهم بالفرار؟ ودعونا نتخذ مجزرة قرية دير ياسين كنموذج لما ارتكبوه من أفعال اعتبروها جريمة بحق كوكورس مثل أنه شرب الويسكي وهو يستمع إلى صراخ اليهود وهم يحترقون! فما الذي حصل في قرية دير ياسين بتاريخ ٩ نيسان ٤٨؟ بشكل سريع ومختصر ارتكبوا مجزرة من أبشع المجازر في التاريخ حيث قتلوا واغتصبوا وبقروا بطون الحوامل وأخرجوا الأجنة وحزوا رؤوسها بدم بارد وبعد القتل وإرضاء ساديتهم وهوسهم للذبح قاموا بحرق الجثث بعد دفنها في الآبار كما شربوا وأكلوا على رائحة الدم وشواط الجثث. فهل ما ارتكب كوكورس جريمة وما ارتكبوه هم مجرد لعبة إلكترونية؟

والآن وما يحدث في غزة وتحديدا في ٧ اكتوبر من قصف متواصل وعنيف واستهداف للعمارات السكينة والمستشفيات ومراكز الإيواء وما رصدته فيديوهات عرضت على وسائل التواصل الاجتماعي من سماع قهقهاتم أثناء استهدافهم للمساجد وشقق المدنيين ألا يعتبر في أعرافهم تسلية؟

ماذا تسمي دولة الاحتلال ما تفعله عندما تهدد سكان شمال غزة بالنزوح إلى الجنوب ثم تقوم بإطلاق صواريخها عليهم في طريق النزوج؟

يتهمون النازيين بالجزارين حين كانوا هم الضحية المزعومة واليوم يتهمون المقاومة بالإرهاب وهي تدافع عن حقها وحق الشعب الفلسطيني بأرضه بينما ما ترتكبه صواريخهم وقنابلهم المحرمة دفاعا عن النفس؟ ألا يعتبر كل هذا ازدواجية وخرق لجميع الأعراف الدولية؟

والولايات المتحدة التي تقف خلفها بمعاييرها المزدوجة أيضا ونظرتها للإرهاب التي تشير إلى عقلية غريبة بين السياسيين الأمريكيين والتي تطلق على العنف السياسي إرهابا فقط إذا ارتكب من جانب من لا يحبونهم. ونراها اليوم وقد تذرعت بمكافحة الإرهاب من طرف المقاومة الفلسطينية بعد أن وسمتها بهذا المسمى وتدخل علنا وبشكل صريح وفاضح وعلني إلى جانب دولة الاحتلال طبعا ليس لسواد عيونها بل من أجل مصالحها الجيوسياسية في المنطقة.

للأسف إن ما يحصل في غزة اليوم لهو مثال واضح على ازدواجية المعايير لدولة الاحتلال كما من تقف وصية عليها وهي الولايات المتحدة؟

***

بديعة النعيمي‌

 

ما هي الرشوة السخية التي قدمتها "إسرائيل" لحماية جيشها من محكمة العدل الدولية؟ ومن المستفيد!

كيف تتحقق مقولة حماس في أن غزة شأن فلسطيني داخلي؟

ثمة سؤال يطرحه المراقبون على أنفسهم عن سر تلميع سلام فياض من قبل الإدارة الأمريكية على اعتبار أنه رجل المرحلة القادمة في الضفة العربية والقطاع؛ ليحل بديلاً عن محمود عباس الذي يتعرض لضغوطات هائلة؛ كي يتنازل عن منصبه، ليتولاه الأجدر بالثقة.

يأتي ذلك -وفق صحف أمريكية- بناء على مقترح إسرائيلي في أن "ينقذ" فياض السلطة الوطنية الفلسطينية من الانهيار الحتمي على يد سلطة حماس المتنامية في الضفة العربية، في ظل مخرجات طوفان الأقصى وما تلى ذلك من تداعيات جاءت إثر الهجوم الإسرائيلي الفاشل على قطاع غزة، وانهيار الهدنة المؤقتة منذ صباح اليوم، ومن ثم استئناف المواجهات التي بدأت بقصف مدفعي إسرائيلي كثيف ضد غزة.

هذا الأمر وضع خيارات "ما بعد حماس" على المحك في محاولة جادة لإخراجها من الدوائر الأمريكية والإسرائيلية المغلقة والشروع في تنفيذها على أرض الواقع بدئاً من تغيير رأس السلطة، في سياق التحضيرات الدؤوبة لما بعد انتهاء الحرب على غزة، التي يحلم نتنياهو من خلالها بتحقيق أهدافه المستحيلة، وعلى رأسها: اجتثاث حماس المتجذرة في المكان، وتفريغ غزة من أهلها الصامدين الملتفين حول مقاومتهم رغم ما قدموا من تضحيات .

ولتفسير المقدمة أعود وإياكم إلى العام 2009 حينما قرر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تأجيل التصويت على تقرير القاضي ريتشارد غولدستون، الخاص بتجريم جيش الاحتلال الإسرائيلي في حربه المجنونة على قطاع غزة عام 2008 .

التقرير جاء منصفاً للفلسطينيين وقد أوشك أن يحقق غاياته لولا قرار سحبه المشبوه من قبل سلطة أوسلو في إجراءٍ أثار عاصفة من الأسئلة حول المغزى والأسباب، على صعيدي منظمات حقوق الإنسان التي أدانت القرار، والشعب الفلسطيني الذي أصيب بالخيبة والذهول.

جاء التقرير في أكثر من 600 صفحة، بناءً على شكوى تقدم بها وفدُ السلطة الفلسطينية الذي كان يترأسه آنذاك، مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة إبراهيم الخريشا.

أما لماذا أقدمت السلطة على هذه الخطوة المشبوهة؟

فقد كشفت صحيفتا نيويورك تايمز الأميركية وهآرتس الإسرائيلية أن رئيس السلطة الفلسطينية تعرض لضغوط أميركية للتراجع عن دعم القرار عبر اتصال من وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي دعته إلى رفض ما جاء في التقرير بدعوى أنه سيعمق الفجوة مع "إسرائيل".

وحسب الصحيفتين نفسيهما فإن سلام فياض نصح الرئيس عباس بالتراجع عن التقرير خشية عقوبات اقتصادية إسرائيلية وأميركية على السلطة الفلسطينية إذا رفع التقرير إلى القضاء الدولي.

وحسب هآرتس فإن "إسرائيل" اشترطت على السلطة الفلسطينية تراجعها عن دعم التقرير الذي يدينها بارتكاب جرائم حرب مقابل السماح لشركة اتصالات فلسطينية بالعمل خلافاً لرفضها السابق.

المقصود هنا الشركة الوطنية للاتصالات، حيث ذكرت القناة الرسمية الإسرائيلية آنذاك بأن طارق نجل رئيس السلطة محمود عباس كان من أكبر المستثمرين فيها.

فيما اتهمه دحلان بالفساد عبر الفضائيات؛ لكن عباس من جهته أنكر صلته ب"الوطنية"كيلا يتهم بأنها رشوة قدمتها له "إسرائيل"ثمناً لتنازله عن تقرير غولدستون على حساب الدم الفلسطيني الذي ذهب أدراج الرياح.

وهذا يفسر تمسك تل أبيب وواشنطن بخيار سلام فياض وتلميعه إعلامياً كرجل المرحلة القادمة، على اعتبار أنه كان مَنَّ ْخلص نتنياهو وحكومته من تبعات تقرير غولدستون، وبالتالي سيكون الرجل الأنسب لهذه المرحلة التي قد تدان فيها "إسرائيل" لاحقاً على ما اقترفت من جرائم نازيّة بحق الفلسطينيين.

لا بل قد يمثل فياض لو تم له ذلك، رجل التنازلات الذي سَيُفْرَضُ عليه حلُّ الدولتين وفق الرؤية الإسرائيلية، في أن تكون منقوصة ومنزوعة السلاح، وقد يصل الأمر إلى المجازفة بالتنازل عن حقل غاز مارين الواقع على مسافة نحو 30 كيلومترا قبالة غزة، حيث تشير التقديرات إلى أنه يحتوي على أكثر من تريليون قدم مكعبة.

ولا يُسْتَبْعَدُ فيما لو تولى فياض السلطة موافقتة على إقامة ميناء غزة المشروط بربطه مع مشروع طريق "الهند إسرائيل الإقليمي" .

أما المطار فسيكون خاضعاً لإشراف إسرائيلي وفق اتفاقيات سيكون فياض جاهزاً لقبولها والأهم نزع سلاح المقاومة.. وهذا يذكرنا بمقولة الشهيد صلاح خلف الشهيرة:

" "مين الحمار الذي يرمي سلاحه ويروح يفاوض".

وللاسف فسلام فياض الذي أنكر ما اتهمته به الصحف الإسرائيلية والغربية حول تقرير غولدستون ! آثر الصمت إزاء ما يُعْلَنُ عن دوره المشبوه في المرحلة ما بعد حماس، وقدومه المنتظر إلى غزة على ظهر الميركافا التي دمرتها قذائف الياسين المصنعة محلياً.

فأي عاقل هذا الذي يعتقد بأن ركوب الميركافا هي الطريق إلى فردوس السلطة التي سيناط بها بسط النفوذ على غزة بالوكالة عن الاحتلال، بينما دمرتها قذائف الياسين المصنعة محليا؟ وهذا من باب الرمزية.

هذه أحلام تتجاوز شكلاً ومضموناً نتائج الحرب الميدانية وتتجاهل ما لدى حماس من أوراق استراتيجية قادرة على خلط الأوراق الإقليمية في وجه "إسرائيل" وحلفائها.

فعدا عن ورقة تبادل الأسرى التي توقفت صباح اليوم بانتهاء الهدنة واستئناف القتال، هناك ما هو أشد خطورة، بحصول القسام على كنز معلومات إسرائيلية حساسة، وذلك عن طريق قوات النخبة التي اقتحمت مستوطنات غلاف غزة خلال طوفان الأقصى، بعد تجاوزها الجدار الأمني، واعتقال مستوطنين وعسكريين.

وهي معلومات استخبارية وأمنية وعسكرية كانت لدى الوحدة السيبرانية الاسرائيلية 8200، بالإضافة إلى مركز الشين بيت الموجود في معبر إيريز عند بيت حانون شمال القطاع.

وقد استحوذ الحمساويون على السيرفرات والأرشيف والبيانات الاستخبارية التي تعتمد عليها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية (أمان والموساد والشاباك) في عملياتها الداخلية والخارجية، واحتوائها على أسرار حساسة حول علاقة "إسرائيل"فيما يتعلق باتفاقيات السلام، والمشاريع الإقليمية البينية، وملفات التنسيق الأمني على صعيد أقليمي، والاتصالات الإسرائيلية السرية مع المعارضة لبعض الدول في الخارج.

ناهيك عن أسرار مشروع تهجير الفلسطينيين من غزة إلى العريش، ومن الضفة الغربية إلى الأردن في سياق الوطن البديل والمرفوض أردنياً وفلسطينيا على المستووين الرسمي والشعبي.

أيضاً ما يتعلق بإيران وأذرعها الإقليمية ومفاعلها النووي.

وقد كشفت البيانات التي صارت في يد حماس عن أسماء عملاء "إسرائيل" في الضفة الغربية وغزة والوطن العربي.. وعليه فقد تم إعدام ثلاثة منهم في جنين وطول كرم بعد تسجيل اعترافاتهم بالصوت والصورة.

فما دامت المقاومة وعلى رأسها حماس قوية وتحظى بتأييد فلسطيني ساحق، ورغم التضحيات الفلسطينية الكبيرة وتمسك الفلسطينيين بحقوقهم وثباتهم على الأرض، يساندهم محور المقاومة وشرفاء العالم، فإن أوهام نتنياهو بتوظيف السلطة من خلال سلام فياض ستذهب أدراج الرياح ما لم يدرك الأخير نفسه.. ففي حرب الإرادات النصر للمقاومة.

***

بقلم بكر السباتين

1 ديسمبر 2023

افتتحت يوم أمس (الثلاثين من تشرين الثاني 2023) في دبي الدورة الـ 28 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ "COP 28 "، وتستمر حتى إلثاني عشر من كانون الأول القادم، وسط تطلع الدول الفقيرة والأكثر هشاشة مناخياً لإنصافها هذه المرة بموجب ضمانات، والطموح العام بان تتوج الجهود التحضيرية الحثيثة، التي بُذلت لعقدها، ولإنجاح المفاوضات الإطارية الجديدة، بنتائج ملموسة وإلزامية، وفق مبدأ العدالة المناخية، وبمخرجات متوازنة وطموحة وشاملة، لتكون إرثاً يمنح الأمل للأجيال القادمة.

المطلوب من "COP 28" ان يتمخض عن نتائج نوعية طال إنتظارها، من حيث راهنيتها وفاعليتها وضمان إلتزام الدول الغنية بتعهداتها.فهذا ما تمليه الوقائع التالية، التي يتعين أخذها بنظر الإعتبار:

أولآ- فشل خطة الحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري، الذي حذرت منه الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، وأكّده مؤخراً علماء من جامعة كونكورديا الكندية، مستندين في تحليلهم إلى دراسات علمية مكرّسة لحالة المناخ العالمي، ولدراستهم للإتجاهات التي أدّت الى إرتفاع ملحوظ في درجات الحرارة، ولإستخدامهم للنتائج في تنبؤاتهم- وفقاً لمجلة Science، موضحين أنه مع الأخذ بالإعتبار الأوضاع الحالية، فإن احتمال تحقيق هدف الحدّ من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين يعادل الصفر عملياً. لأن هذا يتطلب تخفيض الانبعاثات المسببة للإحتباس الحراري بنسبة 43 في المئة بحلول عام 2030، بينما هي آخذة في الارتفاع حالياً.وفعلآ تؤكد المعطيات المناخية العلمية الأخيرة إرتفاع درجة الحرارة الى 2 درجة مئوية.

وهذا يدل على إستمرار التقاعس في تنفيذ اتفاقية باريس لعام 2015، التي صادقت عليها 195 دولة، ومن ضمنها دول الإتحاد الأوروبي، والداعية لتخفيض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون على مدى العقود الثلاثة المقبلة، للحفاظ على ارتفاع الحرارة دون 1.5 درجة مئوية.

علماً بأن "كوب 27" في عام 2022 شهد تنازع الوفود بشأن الأرقام التي تحدد مقدار انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي يجب خفضها خلال السنوات المقبلة، وكيفية تضمين جهود إزالة الكربون الاصطناعي أو الطبيعي في المعادلات.وعدا هذا، عارضت الولايات المتحدة بشدة فكرة "المسؤولية التاريخية" عن التغيُّر المناخي، وهي التي أطلقت أكبر قدر من ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي منذ التحوُّل الصناعي.

ثانياً- قبل 14 عاماً، تعهدت الدول المتقدمة بتقديم 100 مليار دولار سنوياً لتمويل مكافحة تغيُّر المناخ ومساعدة الدول النامية في التعامل مع تبعات تفاقم التغيرات المناخية، ولكنها تقاعست عن الوفاء بإلتزاماتها، الأمر الذي جعل الأمم المتحدة تصف التقاعس بالمهزلة - على لسان مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أخيم شتاينر. لاسيما وأن الدول المتقدمة تتحمل المسؤولية الأكبر عن الاحتباس الحراري، ناسية أو متناسية أنها تعهدت خلال محادثات المناخ التي عُقدت تحت رعاية الأمم المتحدة في كوبنهاغن عام 2009 بتمويل المشاريع المتعلقة بالمناخ في البلدان الأشد فقراً، بحلول عام 2020.

ثالثاً- تبنى " COP 27" إنشاء صندوق "الخسائر والأضرار" لدعم الدول النامية المعرضة بشكل خاص لمواجهة التداعيات الخطيرة الناجمة عن ظاهرة تغيُّر المناخ. هذا القرار إعتبره البعض في وقته "خطوة نحو العدالة المناخية". وهناك من إعتبره "أحد القرارات التي نجحت في دفع العالم للانتقال من مرحلة التعهدات إلى مرحلة التنفيذ". بينما يجري في الواقع الحديث،حتى عشية إنعقاد مؤتمر دبي، عن "تفعيل" الصندوق، ولم يتضح بعد كيفية تفعيله، ولا الدول التي ستدفع الأموال، ولا كيفية تحديد أي الدول معرضة للخطر وتستحق تلقي الدعم المالي من الصندوق، فضلاً عن عدم تحديد مقدار الأموال التي سوف تُدفع. لكل ذلك، تعول الأطراف على "COP 28" ان يحسم الأمور.

رابعاً- منذ إنشاء "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ" (IPCC ) في عام 1988، بوصفها الهيئة العلمية التي تضم علماء من جميع أنحاء العالم، لتقديم المشورة إلى الأمم المتحدة حول التغيُّرات المناخية في العالم، أصدرت لحد الآن 6 تقارير تقويمية ضخمة، أعدها المئات من العلماء المتخصصين،من جميع أنحاء العالم .تضمن كل واحد منها بيانات قوية، مُلِخصاً أحدث المعلومات والوقائع حول واقع تغير المناخ، مُقدماً أكثر الأدلة شمولية وموثوقية حول دور أنشطة الإنسان الجشعة، عاكساً إجماعاً لا لبس فيه من أن النشاط البشري المستنزف للموارد هو سبب مهم في التغيرات المناخية وتداعياتها المؤثرة كارثياً على نصف البشرية.

من المقرر ان يناقش "COP 28"، التقرير التقويمي الأخير(السادس) عن حالة تغير المناخ والجهود الدولية المبذولة لمكافحته والتخفيف من وطأة تداعياته وأبرز الحلول المطروحة، معتبراً إياه غطاء جامع يستوعب الكمّ الكبير من الأبحاث التي أجريت حول ظاهرة الاحتباس الحراري منذ اتفاق باريس للمناخ عام 2015.

وقد أكّد التقرير ما هو معروف منذ سنوات: " المناخ يتغيَّر أسرع من المتوقَّع، والنتائج ستكون مدمّرة وكارثية في غياب معالجات فورية "- برأي العالم البيئي العربي والأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) نجيب صعب. ومن أبرز الإستنتاجات التي توصل إليها أن حصْر ارتفاع معدلات الحرارة بدرجة ونصف درجة مع نهاية هذا القرن لم يعد هدفاً ممكن التحقيق، بسبب التأخر في تنفيذ الالتزامات المطلوبة لتخفيض الانبعاثات الكربونية. وهذا يعني أن نطاق الآثار التي لن يمكن وقفها سيتوسَّع، أكان في ارتفاع البحار أو الجفاف أو تسارع وتيرة الكوارث الطبيعية المتطرفة وحجمها، مما يستتبع زيادة ميزانيات التكيُّف، استعداداً للتعامل مع تأثيرات لم يعد ممكناً ردُّها.

لكن هذا لا يعني- برأي العالم صعب، أننا دخلنا في قَدَر محتوم لن تجدي معه أي تدابير، كما يروّج بعض أرباب الصناعات والنشاطات الملوِّثة. فتسريع تدابير خفض الانبعاثات، وإن كان لن يوقف ارتفاع الحرارة عند درجة ونصف درجة، سيضع حدّاً للارتفاع، لتجنُّب نتائج أكثر كارثية. كما يمكن، خلال فترة زمنية، امتصاص جزء من فائض غازات الاحتباس الحراري، إما بأساليب طبيعية مثل زيادة مساحات الغابات، أو صناعية بالتقاط الكربون من الجو وتخزينه. أما زيادة الانبعاثات بلا حدود فيضع التغيُّر المناخي وتأثيراته خارج أي ضوابط يمكن التعامل معها.

خامساً- يسعى مؤتمر دبي- وفقاً لما أعلنه الوزير الإماراتي د. سلطان الجابر، الرئيس المعيّن للمؤتمر- لتحقيق الهدف العالمي بشأن التكيُّف مع تداعيات تغيُّر المناخ، ووضع الصيغة النهائية للاتفاق على مضاعفة تمويل التكيُّف. وأوضح د. الجابر أن النقلة النوعية، التي نحتاج إليها لتسريع التقدم، تتطلب توفير التمويل بشكل مُيسَّر وبتكلفة مناسبة. ودعا إلى ضرورة اعتماد سياسات داعمة للعمل المناخي والنمو الاقتصادي بشكل متزامن لضمان انتقال في قطاع الطاقة يشمل الجميع، ولا يترك أحداً خلف الرَكب.

وأكد بأن الدول النامية لم تشهد سوى قدر ضئيل من العدالة حتى الآن في ما يتعلق بتحويل الطاقة، وان الحاجة ماسة لتوفير رأس المال من أجل التشغيل الكامل لصندوق "الخسائر والأضرار" الذي تبناه مؤتمر شرم الشيخ في العام الماضي.وحثّ على التكاتف الدولي ليكون مؤتمر الأطراف في دبي مؤتمر النتائج العمليّة واحتواء الجميع.

أنه لطموح أممي مشروع التطلع نحو نتائج إيجابية جديدة للمؤتمر العالمي للمناخ في دبي في ظل ما يواجهه من تحديات ساخنة عديدة، تستلزم بالضرورة إيجاد حلول ومعالجات اَنية وملحة وفاعلة، تقترن بتنفيذ الإلتزامات الدولية، إذا ما أرادت الأطراف المعنية الحدّ حقاً وفعلآ من وطأة المشكلات المزمنة والمتفاقمة والخطيرة المتعلقة بالتغيُّرات المناخية وتداعياتها الإقتصادية-الإجتماعية والبيئية والصحية والأمنية، التي واجهتها المؤتمرات السابقة وأخفقت في تحقيق حتى أهمها وأكثرها إلحاحاً.

فهل سيكون COP 28 فرصة أخرى لإحداث نقلة نوعية لحلول ومعالجات مناخية وتمويلية عاجلة، تضع مصلحة الشعوب وتطلعاتها المشروعة بالحد عاجلاً من الكوارث والأضرار الناجمة عن التغيُّرات المناخية، على رأس أولويات المفاوضات الجديدة ؟

***

د. كاظم المقدادي

أكاديمي متقاعد، متخصص بالصحة والبيئة

التاريخ ما قبل العدوان المستمر على قطاع غير التاريخ الذي يكتب هذه الأثناء وفيما بعد. حرب الإبادة هذه التي تستهدف الشعب الفلسطيني في غزة والضفة هي تتويج لمفصل بين تاريخين.

لقد حاول المؤرخون الأوربيون والأمريكيون طيلة الحرب الباردة التي تلت الحرب العالمية الثانية أن يطمسوا تاريخ التوحش الذي كان عليه العالم الغربي. ثم كان على علماء الاجتماع والسياسة ورجال الفكر والفلسفة أنْ يخترعوا هذا النظام الحديث الذي غُلّف بكثير من الشعارات التي تعني قضايا الحرية وحقوق الإنسان. وقد تبنّت جمعية الأمم المتحدة التي تَصدّرتها الدول المنتصرة في الحرب تشريعات قانونية وعممتها على بقية دول المعمورة لتصبح بما يتعارف عليها اليوم قوانين الشرعية الدولية.

تصدع القوانين الدولية

هذه القوانين مجتمعة يعطلها منذ نشأته الكيان الصهيوني المدعوم من العالم الغربي. واليوم، يطلق عليها طلقة الرحمة من خلال عمليات حرب الإبادة والتطهير العرقي التي ينفذها ضد السكان الأصليين في قطاع غزة.

ومن قبل ودائما كان السؤال يظل ملتهباً حول هذه القوانين التي لا تُطبّق إلا على الدول الفقيرة: هل حمت وتحمي هذه القوانين الإنسان في كل مكان وصانت كرامته، هل ردّت عنه الظلم، أفراداً وجماعات. هل أقامت العدل وأنصفت فقراء الكوكب، هل وفّرت لهم التقدم والرفعة، أم ظلّت الدول الأقوى ذات النهج الاستعماري تفرض نفسها كأنظمة انتداب استبدادية على الشعوب، ودأبت على نهب ومصادرة خيرات ومقوّمات بلادهم؟ هل ألزمت هذه القوانين الحكومات الغربية بقول الحقيقة، وفي تسمية الأشياء بمسمياتها ومعانيها، أم أنها امتهنت بوجهها سياسة الكيل بمكيالين، هذه التي قلبت الموازين وانحازت إلى جانب القاتل وشوّهت الضحية.

من النازية إلى الصهيونية

الأمر لم يعد يتوقف هنا فقط، والعالم يطالع ويسمع عن قوانين تصدرها بلدان أوروبية خاصة بها تغرف من وعاء الكراهية والاستبداد، هذه التي يقف المرء حائراً أمامها ليكتشف أنّ انقلابا يحدث في الأنظمة، وأنّ تدميراً ممنهجاً يصيب مداميك الحضارة المعاصرة.

القارة العجوز تبدو مصابة بزهايمر وما عادت تشبه نفسها، والأكثر تعبيراً عن هذه الحالة المرضية هي حكومة ألمانيا الاتحادية التي بدأت تعبّر بشكل أوضح عن سياساتها الجديدة التي تتبنى السياسات الصهيونية، وكأن النازية التي قتلت اليهود وأبادتهم في المحارق لم تكن من فعل أسلاف هؤلاء الألمان، وهؤلاء اليهود الذين يستوطنون فلسطين ويرتكبون فيها أبشع المجازر والجرائم هم ليسوا أحفاد ضحايا النازية.

كان العالم ينتظر أنْ تتطور قوانين المجتمع الدولي دعماً لرفعة الإنسان ولتكون أعمّ وأشمل في أنحاء المعمورة، وتطول كل البشرية على قدر واحد في العدل والمساواة، وعلى رؤية واحدة لوحدة المعايير. ويبدو أن هذه الرؤية كانت مجرد موقف رومانسي بني على آمال فقط.

فالحرب على غزة جاءت لتكشف كل المخبّأ في السياسات الغربية المقيتة وأولّها السياسة الفاشية القائمة على العنصرية والشعبوية التي ما عاد معها من مجال لستر التوحش الذي كان يتفاعل في هذه المجتمعات التي جلبت عبر الانتخابات سياسيين معتوهين الى سدة الحكم ومهووسين في الكراهية.

أوروبا اليوم منقسمة على ذاتها، وبعضها على قطيعة مع إنسانيتها. والأسوأ في المشهد الأوروبي ظاهرة اليمين المتطرف الآخذ بالتمدد وتؤازره مجموعات يسارية عفنة تبحث في الطبق السلطوي عن حصتها. وقد أستطاع هذا اليمين عبر حضوره إعادة أوروبا إلى قبليّتها وإلى عصور الظلام، وقد بات يشكل خطراً مباشراً على حياة المهاجرين وبالأخص المسلمين منهم.

وكانت وزيرة الداخلية الألمانية ليست بعيدة عن هذا الدِرْك الظلامي حين دعت مواطنيها المسلمين إلى إدانة حركة المقاومة الفلسطينية التي تدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني في وطنه، ومطالبتها لشعبها بالعيش في كرامة أسوة ببقية البشر، بينما أجازت الحق لدولة الاحتلال بالدفاع عن نفسها، وهو التعبير الأشد خبثاً والمستتر لمنح الاحتلال حق إبادة البشر والحجر والشجر في غزة، وهذا ما أكد عليه في بداية الحرب الرئيس الأمريكي العجوز الذي يبدو أنه من يدير السياسات الأوروبية بكل نزق وصلف ووقاحة.

بوليس لمراقبة المشاعر

بين مسلمي ألمانيا عشرات الألوف من الفلسطينيين ممن ساقتهم ظروف الشقاء إلى تلك البلاد، ولهم في غزة وكل فلسطين أهل يذبحون. وأنهم اليوم مطالبون بالاصطفاف الى جانب المجرم الصهيوني الذي يغتصب الأرض ويقيم المجازر بحق أصحابها.

أي عبث هذا بالمشاعر الإنسانية؟ وأي بلاد هذه التي تريد محو إرث جرائمها بجرائم جديدة؟  وهل يوجد انحطاطاً أكثر من انحطاط هذا النظام الذي يدعي الديمقراطية وهو ينشئ بوليس لمراقبة المشاعر، وثم الإغارة على البيوت الآمنة لمجرد كتابة تعاطف مع ضحايا غزة ورد على أحد مواقع التواصل الاجتماعي.

وما قانون "معاداة السامية" الذي تعلنه أوروبا والذي يمنع المواطنين من انتقاد إسرائيل، في حين أنّ خطايا وآثام وجرائم "إسرائيل" لا تعدّ ولا تحصى بحق الإنسانية وقوانين الشرعية الدولية. وحقيقة الأمر أنّ هذا القانون يضاهي "كتيبة إعدام" بحق المنتقدين، خاصة إذا كانوا من المهاجرين الذين يمكن أنْ يخضعوا لعقوبة الطرد من البلاد.

سياسات سوريالية

لقد وضعت الحكومات الأوروبية عبر فلسفات سوريالية، نفسها كمحامي الشيطان وهي تدافع عن كيان الاحتلال. الدول التي تغنت طولاً بالإنسانية، فجأة، وضعت نفسها على نقيض الإنسانية. فشرّعت قوانين عجيبة غريبة صادمة تفوق الخيال، ومن الصعوبة فهمها وهي تجافي العقل والمنطق الإنساني والحضاري. ومثل هذه الفلسفات تفتح العالم على معضلات وجودية تقود إلى حروب دينية وثقافية واقتصادية ربما لن تنتهي.

فما يجري في قطاع غزة من جرائم ضد الإنسانية ما عاد يعني فقط الضحايا الفلسطينيين، بل يعني في أبعاده كل البشرية في أنْ تكون أو لا تكون.

الأنظمة التي أجازت قتل الأطفال والنساء، وتغاضت النظر عن قصف المستشفيات والمدارس وبيوت الله، وفرضت التجويع والعطش على المدنيين المحاصرين، يجب ألا يكون لها مستقبل، وهي عار على البشرية جمعاء أنْ سكتت وجعلت من المشهد أمراً مألوفاً.

المحاكم والقصاص

المجتمع الدولي مطالب اليوم بجلب كلّ مجرمي الحرب ومن يساندهم ويشجعهم على القيام بجرائمهم إلى المحاكم الدولية ليلقوا القصاص العادل إنصافاً لحقوق الضحايا، ولكيلا يتعوّد المجتمع الدولي على هذه الوحشية الصهيونية.

نرى في المظاهرات والمسيرات والتجمعات الصاخبة التي عمّت عواصم ومدن العالم هاتفة ضد العدوان، ومعلنة وقوفها مع الحق الفلسطيني، ومستنكرة الوحشية الصهيونية المتبناة من الرئيس الأمريكي بايدن وإدارته، نواة متقدمة في وضع أفكار ورؤى لصنع نهضة جديده تقوم على أنقاض هذا الاهتراء في النظام الحالي الذي بات مقتلة للإنسان وفنائه.

وكما أقدمت البشرية في منتصف القرن الماضي على إدانة النازية والفاشية وكل أنظمة القتل، آن الأوان اليوم أنْ ترفع المجتمعات التي تعشق الحرية والسلام صوتها وتدين الصهيونية كنظام فاسد تنمو في أحشائه جينات الوحشية، ووجوده بات يشكل خطراً على البشرية.

العالم لم يخلو من الأحرار بعد.

***

سعيد الشيخ

كاتب وروائي فلسطيني

مع تواصل حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، وما شهده القطاع من عمليات قصف، وقتل، واعتقالات، وتهجير قسري للسكان، وتدمير المساكن والمدارس والمشافي ودور العبادة. وقطع كامل للمياه والكهرباء والاتصالات. تشهد المدن في الضفة الغربية اعتداءات متصاعدة من قبل المستوطنين وقوات الاحتلال التي أغلقت الضفة بالكامل وقطعت أوصالها ومنعت العمال من الوصول إلى أماكن عملهم. حيث قام الجيش الإسرائيلي باعتقال أكثر من ثلاثة آلاف أسير، وقتل ما يزيد عن ثلاثمائة شهيد خلال الشهور الأخيرة. وما زالت القوات الصهيونية تقتحم المدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية يومياً، وتقوم بأعمال القتل والاغتيال وهدم المنازل، وتدمير البنية التحتية وتخريب الطرقات، في أعمال ثأر انتقامية وحشية من الشعب الفلسطيني.

كل هذا يحصل على بعد أمتار فقط من مقر إقامة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ومن أماكن إقامة قيادات السلطة الفلسطينية، التي لم يصدر عنها للآن سوى بيانات الشجب والإدانة ومطالبات للمجتمع الدولي بوقف هذه الاعتداءات، وهو ما أثار حالة من السخط من قبل الفلسطينيين الذين وصفوا هذا الموقف بـ"المتخاذل"، والذي لا يرقى بحال إلى حجم العدوان الذي تقوم به إسرائيل.

يطالب الشارع الفلسطيني بصورة مستمرة قيادة السلطة أن تأخذ دورها والالتحام مع الشعب في مواجهة ما يتعرض له في كل مناطق وجوده. ويوجه انتقادات كبيرة لطريقة التعامل الرسمية مع أربعة عشر ألف عامل من قطاع غزة تقطعت بهم السبل في الضفة الغربية دون مأوى أو عمل. ولم تقدم القيادة الفلسطينية حتى الآن على خطوة تبين انحيازها للشعب والشارع الفلسطيني، حتى أنها لم توقف التنسيق الأمني، ولم تعلن الانسحاب من الاتفاقيات التي تربطها مع الاحتلال، وقبل ذلك لم تقوم بإطلاق سراح المقاومين الذين تعتقلهم وتمنعهم من مقاومة الاحتلال. بالرغم من وجود فرصة حقيقية حالية لدى السلطة وقيادتها للتكفير عن سنوات التنسيق الأمني مع الاحتلال.

في خدمة إسرائيل

واجهت السلطة الفلسطينية ـ منذ تأسيسها كنتيجة اتفاق أوسلو ـ سياسات صهيونية أدت إلى تقزيمها، وجردتها من كل سلطتها، وأفرغت الاتفاق البغيض من محتواه. فلا دولة فلسطينية، ولا حتى صلاحيات سياسية للسلطة الفلسطينية. لا اقتصاد ولا أمن. ولا إمكانية للعمل سواء على الساحة الخارجية أو الداخلية. وتواصل بناء المستوطنات فوق الأرض الفلسطينية. واستمر الجيش الإسرائيلي بانتهاك حدود السلطة عبر اقتحامه مدن وقرى الضفة الغربية على الدوام، والقيام بأعمال القتل والتفجير والاعتقالات. والأدهى من هذا كله التلويح الإسرائيلي المستمر والتهديد العلني والمبطن بتفكيك السلطة وإنهاء عملها. وحين تُعلن إسرائيل إنها ستعيد أموال الضرائب الفلسطينية المسروقة إلى السلطة، في خطوة رمزية لمنع انهيار السلطة، يخرج اليمين الصهيوني الديني المتشدد برفض مثل هذه الإجراءات على لسان "بتسلائيل سموتريتش" و"ايتامار بن جفير"

في تصريح سابق له الشهر المنصرم، قال رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي "تساحي هنغبي" إن انهيار السلطة الفلسطينية لا يخدم المصالح الإستراتيجية الإسرائيلية "بسبب الدور الأمني المهم الذي تلعبه". وحدد هنغبي مهمة السلطة قائلاً: "حسب الاتفاقات الموقعة بيننا وبينهم، فإن الدور الرئيس المكلفين به هو مكافحة الإرهاب" والمقصود بالإرهاب هنا هو المقاومة الفلسطينية.

بموازاة المصلحة الإسرائيلية لبقاء السلطة الفلسطينية، هناك أزمة ثقة عميقة بين الشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية بسبب طابع الوظيفة الأمنية التي تؤديها لصالح إسرائيل، في حين لا تحرك ساكناً لوقف عدوان جيش الاحتلال وتغول المستوطنين اليهود على البلدات والقرى الفلسطينية الواقعة في تخوم المستوطنات في أرجاء الضفة الغربية. ولأنها عاجزة تماماً عن فعل أي شيء في مواجهة العدوان الصهيوني الغاشم على غزة، وغير قادرة على اتخاذ أبسط المواقف بإنهاء التنسيق الأمني مع إسرائيل، وإعلان إنهاء التزامها ببنود اتفاقية أوسلو من جانب واحد، وهو أضعف الإيمان.

في استطلاع للرأي أجراه حديثاً المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية ـ مركز مستقل  في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال الفترة الواقعة بين 6 ـ 9 أيلول/ سبتمبر 2023 توصل إلى نتائج كان من أبرزها ما يلي:

 87%  يعتقدون بوجود فساد في مؤسسات السلطة الفلسطينية.

62%  يقولون أن السلطة الفلسطينية أصبحت عبء على الشعب الفلسطيني.

63%  يؤيدون تخلي السلطة عن اتفاق أوسلو.

68%  يقولون أن اتفاق أوسلو قد أضر بالمصلحة الوطنية.

حوالي الثلثين يقولون إن الوضع الآن أسوء مما كان قبل أوسلو.

60%  من الفلسطينيين يطالبون بوقف التعاون الأمني مع إسرائيل، إذ إن 79% منهم يرى أن السلطة لم توقف التعاون الأمني رغم إعلانها ذلك، في حين أن أكثر من 80% منهم يرفضون أن تسلم حركات المقاومة في الضفة أسلحتها للسلطة الفلسطينية، فضلا عن أن 77% يرون أن على رئيس السلطة محمود عباس الاستقالة فورا.

كيف ولدت هذه السلطة، وبأي طريقة، وفي أية ظروف، وكيف تشكلت، وإلى أية مآل انتهت؟

أواسط السبعينيات

بعد حرب عام 1973 بدأت تظهر بوادر تحركات دولية باتجاه السعي لإيجاد حلول سياسية للنزاع الفلسطيني العربي- الاسرائيلي.

وقد انشغلت الساحة الفلسطينية في تلك الفترة الزمنية التاريخية بجدال سياسي حول قضايا مصيرية مثل الاعتراف بالقرارين الدوليين242 و 338 ومحاولة البحث عن حلول مباشرة للقضية الوطنية الفلسطينية، تكون حلولاً مرحلية ،بديلاً عن ما هو تاريخي واستراتيجي في الأجندة الوطنية لكفاح الشعب الفلسطيني.

فبرز في البيت الفلسطيني تيار تبنى ما أطلق عليه "الواقعية" في تحقيق أهداف الحركة الوطنية الفلسطينية، ونادى بإقامة سلطة وطنية فلسطينية على أي جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة يجري دحر الاحتلال الإسرائيلي عنها .

وبعد نقاش فكري وسياسي عميق تحول إلى صراع بين مختلف قادة منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها امتد قرابة عام، تمكن التيار الواقعي من تعزيز مواقعه في صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية وداخل أطر م ت ف، وتحول من تيار كان يمثل الأقلية إلى تيار الأغلبية.

ولاحقا نجح في تحويل أفكاره من الحيز النظري داخل غرف الاجتماعات وتحويلها إلى سياسة عامة لمنظمة التحرير، حين أقر المجلس الوطني الفلسطيني في العام 1974 برنامج “النقاط العشر”، والذي عرف في حينها “ببرنامج السلطة الوطنية الفلسطينية المستقلة”.

منذ ذلك الوقت رفعت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية هذا البرنامج في مواجهة الاتهامات التي كانت توجهه لهم بأنهم متطرفين وغير واقعيين. واستخدموه في التدليل على مرونتهم وواقعيتهم، وعلى استعدادهم المساهمة في المساعي الهادفة إلى إيجاد حلول سياسية عادلة وواقعية للصراع مع إسرائيل.

وفي حينها اعتقدت قيادة م ت ف ومعظم القيادة الفلسطينية أن الظروف والأوضاع الدولية مهيأة لانبعاث الكيان الفلسطيني الجديد، وقيام السلطة الوطنية على جزء من الأرض الفلسطينية .

لقد أكدت الأحداث اللاحقة ومسار الأحداث في المنطقة والعالم ،أن القوى الدولية المقررة، وبخاصة قطبي الحرب الباردة حينذاك الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية لم يكونا جادين في ايجاد حلول واقعية وعادلة لقضايا المنطقة وصراعاتها المستفحلة.

وإن كل منهما كان يسعى في تلك الفترة لتوظيف الصراع العربي الإسرائيلي لتعزيز نفوذه ومواقعه في المنطقة. كما أكدت أيضا أن ظروف وأوضاع أهل المنطقة أنفسهم لم تكن ناضجة للتوصل إلى أية حلول جدية لصراعاتهم العميقة.

اتفاقية أوسلو

في ربيع العام 1991 أطلق الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب مبادرة يدعو فيها أطراف الصراع الفلسطينيون والعرب وإسرائيل ، إلى مغادرة ميادين القتال والحروب، واعتماد طريق السلام من خلال التفاوض المباشر لحل النزاعات المزمنة في المنطقة .

وهذا ما حصل، فقد التقى العرب في مدريد، ولاحقاً التقى وفد يمثل منظمة التحرير الفلسطينية سراً مع ممثلين عن الحكومة الإسرائيلية، وتوصلوا بعد مفاوضات عسيرة إلى اتفاق ” إعلان مبادئ” حول ترتيبات حكومة ذاتية فلسطينية انتقالية، عرف هذا الاتفاق فيما بعد باتفاق أوسلو

جوهر هذا الاتفاق بشكل أساسي هو إقامة سلطة حكومة ذاتية انتقالية فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، لفترة خمس سنوات، تؤدي إلى تسوية دائمة على اساس قراري مجلس الأمن رقم 242 ورقم 338.

وهكذا في أجواء احتفالية غير مسبوقة، تم التوقيع في أيلول العام 1993 على هذا الاتفاق الشهير بين الفلسطينيين وإسرائيل في العاصمة الأمريكية واشنطن برعاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، على أن تتم مناقشة قضايا الحل النهائي بعد ثلاث سنوات وهي القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود والمياه .

غير أن هذا الاتفاق أغفل وضع جداول زمنية محددة للانسحاب الإسرائيلي من الضفة وقطاع غزة، كذلك سقط من الاتفاق أية آلية دولية تلزم إسرائيل لتنفيذ استحقاقاتها من الاتفاق، أنتج هذا الأمر وضعاً غريباً، فقد أغرق الجانب الفلسطيني في ما يسمى معالجة التفاصيل قبل معالجة جوهر المشكلة، وكان الاتفاق ملزماً للفلسطينيين بينما تنصلت إسرائيل من التزاماتها، الأمر الذي كرس الاحتلال بدلاً عن إزالته .

طوال الأعوام الماضية ظل رجال السلطة الفلسطينية يلهثون بسعار خلف جزرة الحل النهائي الذي لم يتحقق من بنوده شيء، بل على العكس تماماً، تنصلت إسرائيل من كافة التزاماتها من اتفاق أوسلو وكأنه لم يكن.

إن جزء من الشعب الفلسطيني الذي اعتقد أن تشكيل السلطة أنجاز لابد من حمايته والدفع به لتحقيق إنجازات أخرى، اكتشف أن هذا الاتفاق الذي أبرم مع إسرائيل لا يعبر عن أمنه ومصالحه ولا عن أهدافه الوطنية ، بل على العكس، وجد المواطن الفلسطيني نفسه أنه يعاني من سلطتين، سلطات الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية التي ألزمتها إسرائيل بالتنسيق الأمني معها ضد كافة النشطاء والمناضلين الفلسطينيين الأمر الذي أدى إلى اغتيال عشرات من خيرة أبناء شعبنا الفلسطيني، واعتقال الآلاف منهم .

سلطة المنافع والمصالح

لقد أعادت السلطة الفلسطينية إنتاج نظام التنفيع الذي ورثته من منظمة التحرير الفلسطينية، وبدلاً عن المضي في بناء مؤسسات لمختلف القطاعات واعتماد مبدأ الكفاءة والجدارة، أصبحت علاقات المنفعة والمصالح الشخصية والولاءات هي السياسة المعتمدة لهيكل السلطة، وأصبحت هذه الطريقة أداة قوية وفاعلة في الاستيعاب للمنتفعين والمتسلقين والانتهازيين، >ووسيلة أيضاً لإقصاء الشرفاء والمناضلين وأصحاب الكفاءة .

إن السلطة الفلسطينية أخذت تعمل على كسب ولاء الناس من خلال الحصول على مورد اقتصادي، الأمر الذي أدى إلى تضخم شديد في القطاع الحكومي العام للسلطة حيث وصل عدد موظفي السلطة حوالي 170,000 موظف تعتمد رواتبهم بشكل أساسي على المعونات الدولية. المصيبة أن 44 % منهم يتبعون الأجهزة الأمنية وبالتالي يستحوذون على حوالي نصف الميزانية، بينما يا للسخرية لا يتم صرف سوى واحد في المائة على قطاع الزراعة ، وساهمت هذه السياسة في مأسسة الفساد وانتشاره، وهو ما كانت إسرائيل تريده من خلال إنشاء سلطة بعد أوسلو تكون منتفعة وضعيفة تتحكم فيها إسرائيل من خلال  الموارد المالية.

فتم توزيع المناصب في هيئات وإدارات السلطة على المحسوبيات والمقربين، حتى المعارضة السياسية من مستقلين ويساريين وإسلاميين لم تستثنى من هذه الامتيازات، فتم دمج الآلاف منهم في مؤسسات السلطة الفلسطينية، ومنحوا مناصب في القطاع الحكومي مقابل ولائهم السياسي .

من جهة أخرى برزت في النظام السياسي الفلسطيني في الداخل ظاهرة زواج المصلحة بين رجال الأعمال ورجال السلطة وهو الشكل الأكثر انتشاراً للفساد، يستمد قوته من تمتع النخب بالحصانة السياسية والاجتماعية والقانونية، فامتلأت الحسابات المصرفية لآلاف الفاسدين بالمال الفاسد .

كما أن استغلال المناصب لتحقيق مكاسب شخصية وعشائرية يشكل ظاهرة واضحة في مؤسسات السلطة، إبرام صفقات مشبوهة، استخدام موارد السلطة والوزارات للأغراض الشخصية، سرقة الممتلكات الوظيفية وإهدار المال العام ، حتى أن إحدى عمليات التدقيق والرقابة في بداية الألفية أثبتت أن حوالي %40 من ميزانية السلطة قد أسيء استخدامها .

إسرائيل ليست بعيدة عن هذا الفساد، بل على العكس هي تساهم في تعزيز هذا الفساد في السلطة الفلسطينية وتحسن استغلاله فيما بعد، وتحاول إشغال الرأي العام بهذا الفساد كي تصرف أنظار العالم عن الآثار المدمرة التي تلحقها سياساتها العدوانية بالبنية الاقتصادية والتنمية الفلسطينية، وما تقوم به إسرائيل من تدمير ممنهج للاقتصاد الفلسطيني.

تراجع الشعارات والأهداف الثورية

لقد أدى هذا الوضع الشاذ إلى جملة من التغيرات في بنية الحركة الوطنية الفلسطينية نفسها التي انحدرت إلى مستويات غير مسبوقة من الضعف والهشاشة، وتراجع الشعارات والأهداف الثورية التي طالما تغنى بها الشعب الفلسطيني وميزته عن باقي شعوب الأرض التي استحق احترامها وتقديرها ومساندتها نتيجة لكفاحه والتضحيات التي قدمها عموم الشعب الفلسطيني في طافة أماكن تواجده وجعلته يحظى بكل تلك الهالة المقدسة التي كان يعتز بها .

لكن الفلسطيني ذاته أخذ يشعر بالغضب والحزن والإحباط الشديدين بسبب ما وصلت إليه قضيته الوطنية التي أصبحت تهمة للمناضلين، ومطية للمتسلقين الانتهازيين من الفلسطينيين أنفسهم قبل غيرهم، كما تحولت القضية إلى ميدان للمزايدات لدى البعض، وفرصة لشتم وتحقير الشعب الفلسطيني وقيادته، وتعداد محاسن إسرائيل لدى البعض الآخر .

ثمة مفارقات عجيبة تحصل في خلفية المشهد السياسي المتعلق بالقضية الفلسطينية، ففي الوقت الذي يزداد حجم ومستوى التضامن الأوروبي والعالمي مع الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، نشهد تراجعاً عربياً ملحوظاً على المستويين الرسمي والشعبي في التضامن مع نضال الشعب الفلسطيني ودعم قضيته الوطنية ، التي هي بالأساس قضية العرب الأولى وقضية عموم المسلمين .

فما لذي أوصل أهم قضية تحرر وطني في التاريخ إلى هذا المستوى الذي لا يسر أحداً ولا يدلل على عافية، ولماذا جنح بعض العرب إلى مستوى غير مسبوق من الحقد على الفلسطينيين، وهل نحن أمام واقع جديد في التعامل مع القضية الفلسطينية ، أم أنه برزت أولويات جديدة أمام الشعوب العربية، أم أنه انعكاس طبيعي لواقع الحال الفلسطيني والعربي الذي يشهد حالة متعاظمة من التردي والسقوط والانحدار على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية والأخلاقية، الأمر الذي جعل زيارة وزيرة العدل الإسرائيلية ” تسيبي ليفني ” سراً إلى إحدى عشرة دولة عربية لتطلب منهم عدم تقديم أية تبرعات مالية إضافية للسلطة الفلسطينية، يبدو خبراً طبيعياً حين تم تسريبه، وتعاملت الدول العربية معه بصمت وتجاهل بعد أن انصاعت الحكومات العربية إلى المطالب الإسرائيلية دون خجل، وهكذا وضع الأشقاء العرب قرارهم بدعم القدس العربية بمبلغ مليار دولار في سلة النفايات العربية، ولم يكلف الأمين العام للجامعة العربية نفسه عناء تكذيب هذا الخبر حفاظاً على ماء وجه العرب.

الدور السلبي لقيادة السلطة الفلسطينية

مما لا شك فيه أن هناك أسباب ومسببات عديدة ومختلفة وراء إيصال قضية سامية وعادلة كالقضية الفلسطينية إلى ما وصلت إليه، إلا أنه أيضاً كل تلك الأسباب والعوامل ما كانت لتكون مؤثرة وفاعلة لولا الدور السلبي للقيادة الفلسطينية ومواقفها المتخاذلة وسعيها وراء السلطة وامتيازاتها بدلاً من تعزيز ودعم فكرة النضال والكفاح ضد المغتصب، وبالرغم من أننا لسنا في وارد تقييم تجربة الثورة الفلسطينية ، إلا أن ما نشهده اليوم من إحباطات وانهيارات وانسدادات أمام القضية الوطنية الفلسطينية لم يكن وليد المتغيرات الأخيرة التي تشهدها المنطقة، إنما هو نتيجة طبيعية وكارثية لكل السياسات التي انتهجتها القيادة الفلسطينية والخيارات التي اقدمت عليها منذ انطلاق العمل الفلسطيني المسلح في منتصف ستينيات القرن الماضي .

إن مجمل هذه السياسات أدت فيما أدت إلى تقزيم منظمة التحرير الفلسطينية، وإضعاف العامل الفلسطيني برمته، وتحويل قضية فلسطين الوطنية إلى حائط مبكى، وظهور قيادات فلسطينية ضعيفة ومخترقة من قبل العديد من أجهزة المخابرات وخاصة الأمريكية والإسرائيلية، أنيطت بهذه القيادات مسؤولية الحل والربط فيما يتعلق بمستقبل الشعب الفلسطيني وقضيته، وهم المسؤولين مسؤولية مباشرة عن تقليص الحقوق الفلسطينية وضياعها، من خلال حجم التنازلات المرعب الذي قدمته هذه القيادة الفلسطينية للجانب الإسرائيلي بدءًا من التنازلات التي قدمت للوصول إلى اتفاقية أوسلو الملعونة ، وصولا إلى كافة التنازلات التي مازالت تقدمها القيادة الفلسطينية في سبيل محافظتها على مناصبها وامتيازاتها على حساب مصالح شعبنا الفلسطيني وتضحياته، هذه التنازلات جعلت إسرائيل تتنمر على السلطة الفلسطينية بل وتتجرأ بكل وقاحة وتطلب ويا للعجب من القيادة الفلسطينية الضعيفة الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل !!

هذه القيادة التي تستقوي على شعبها وعلى الفصائل الأخرى بالأنظمة العربية التي كانت داعم رئيسي لنضال الشعب الفلسطيني ولقضيته الوطنية مالياً وسياسيا، فأصبحت الثوابت الفلسطينية والعربية تجاه الصراع مع إسرائيل تُنتهك وتحذف بمباركة عربية استعاضت بها القيادة الفلسطينية لغبائها عن الغطاء الشعبي الفلسطيني لتمرير سياسات التنازل والاستسلام، تلك الأنظمة العربية مغلولة اليد أمام النفوذ الأمريكي والإسرائيلي لا تريد سوى السلامة حتى لو كانت على حساب القضية الفلسطينية، لكنها تصبح شرطي بعصا غليظة حين تستقوي بها السلطة الفلسطينية لكسر إرادة قوى المعارضة الفلسطينية الرافضة لكل سياسات السلطة التنازلية، هذا الاستقواء في الحقيقة -إضافة إلى عوامل أخرى- هو ما جعل الأنظمة العربية نفسها تستقوي على القضية الفلسطينية وعلى الفلسطينيين أنفسهم، وإلى إخضاعهم إلى التجاذبات المتنافرة في السياسة العربية .

لقد سقطت السلطة الفلسطينية في مستنقع الفساد والاستنفاع، وانكشفت عورتها أمام الجميع، وكل أوراق التوت والتين لا تستطيع ستر عورات سلطة هجينة، وليدة اتفاقيات مذلة، وحولت جميع الحقوق الثابتة التاريخية للشعب الفلسطيني إلى” مشاكل قابلة للتفاوض” وحولت قضية وطن محتل ومغتصب إلى خلاف على تقاسم نفوذ فيما بينها، وتتبنى سياسة التنسيق الأمني مع أجهزة الأمن الإسرائيلية، هي العقلية ذاتها التي تطاولت بالكلام بداية على المناضلين والأجنحة العسكرية للفصائل الفلسطينية عام 1988 أثناء الانتفاضة الفلسطينية الأولى تحت شعار “هجوم السلام الفلسطيني” وتحول هذا الهجوم فيما بعد إلى تآمر لضرب الحركة الوطنية الفلسطينية، وقامت أجهزة أمن السلطة الفلسطينية المحترمة باعتقال قيادة وكوادر ونشطاء المقاومة الفلسطينية، وتعاونت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي لاغتيال مناضلين.

إن السلطة الفلسطينية التي لا سلطة لها على نفسها اساساً، هي ليست أكثر من أداة وظيفية لدى الاحتلال الإسرائيلي، وقد أصبحت حاجة إسرائيلية لضرب المشروع الوطني، فاتفاقيات أوسلو التي أنجبت السلطة أنهت الحكم العسكري الإسرائيلي، لكنها لم تُنه الاحتلال نفسه، وبينما انشغلت السلطة بإدارة الحياة اليومية، تحول الاحتلال إلى استعمار نظيف قليل التكلفة حيث تتولى أجهزة السلطة الفلسطينية كافة الملفات القذرة، تتابع إسرائيل مصادرة الأراضي وفرض الحقائق على الأرض.

إسقاط السلطة ضرورة وطنية

لذلك لا بد من إسقاط هذه السلطة لإنهاء عبثية مسار التفاوض مع إسرائيل الذي اثبت عقمه، ولوضع إسرائيل أمام مسؤولياتها كاملة كسلطات احتلال تجاه الشعب الفلسطيني، وحتى تكف السلطة عن كونها غطاء لهذا الاحتلال.

ومن جهة أخرى لوضع المجتمع الدولي والأطراف الراعية لعملية السلام أمام استحقاقاتهم الموضوعية في فشل مسار التسوية السياسية، وهذا يجب أن يؤدي إلى اعتبار أن شعبنا الفلسطيني يرزح تحت الاحتلال ومن حقه مقاومة هذا الاحتلال وفق المواثيق الأممية.

إسقاط السلطة سوف يعيد الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية التي قزمها رجال السلطة وجعلوها ظل عديم الفعالية تابع لهم بعد أن قاموا بإفراغ المنظمة ومؤسساتها من دورها الوطني باعتبارها حاضنة المشروع الوطني الفلسطيني .

وهذا من شأنه أن يساهم في تقوية الموقف الفلسطيني الذي أضعفه زج السلطة بالرقم الفلسطيني في مفارقات العرب السياسية، فانتقلت القضية الفلسطينية بقدسيتها من حالتها في الضمير والوجدان العربي والأممي إلى رقم ضعيف في الجامعة العربية .

إن هذه السلطة المتخمة بالفساد السياسي والأمني والسلوكي والأخلاقي، التي حولت القضية الفلسطينية إلى ممسحة لبعض الأنظمة العربية وسياساتهم وصفقاتهم، سوف يذكرها التاريخ على أنها سلطة متهمة ومدانة بهزيمة شعبها وقضيته الوطنية، في عالم لم تعد تعنيه كثيراً قضايا الضمير والحق والعدل، بل يلتفت إلى من يملك قوة الفعل والتأثير في مجريات التاريخ.

***

د. حسن العاصي

باحث وكاتب فلسطيني مقيم في الدنمرك

لقد خاضت الفصائل الفلسطينية حرب العزة والمنعة ودفاعاً عن أرض العروبة ومقدسات الاسلام منفردة ضاربة اسمي معاني التضحية والفداء لتحرير الأرض والذود عن عرض الأمة مضحية في ذلك بكل غالي ونفيس على الرغم من إمكانياتها المحدودة في العدة والعتاد وقلة الدعم والحصار، وقد شهدنا نضالها المستميت وتمسكها بالأرض على مدار الأربعين يوماً الماضية والتي حققت الكثير والكثير على الأرض من انتصارات وكسر شوكة الصهاينة واظهار معدن المقاتل العربي  في الحروب الحديثة،  ومدي استيعابه لطبيعة المهام المكلف بها، ولكن ماذا حققت تلك العمليات على المدي البعيد؟.

تعالوا بنا في نظرة تحليلية ثاقبة للكشف عن أثار تلك العمليات وأثارها المستقبلية على الشعوب العربية وهل يمكن استهداف أية بقعة من بقاع الأرض العربية بعد ذلك؟

فعلي مستوي العمليات شاهدنا أهم عنصر في تحقيق النصر وهو عنصر المفاجئة واسبقية الضرب والتخطيط الجيد ومداهمة أوكار العدو الصهيون ونقل الحرب إلي مواقعه لتدور رحي الحرب كما خططت لها الفصائل الفلسطينية في سرية تامة وعلى الرغم من الوهم الصهيوني على مدار العقود الماضية بأنه جيش لا يقهر وترويج أعلامه الكاذب بقوة جيشه ومعداته القتالية إلا إنها انهارت تحت وطئ رجال المقاومة وبأقل الامكانيات المتاحة لديهم ويوم بعد يوم تكشفت الحقائق أمام العالم كله وكبدت الفصائل الفلسطينية الجيش الإسرائيلي خسائر فادحة لم تشهدها أية حروب سابقة ولا تلك التي خاضتها الجيوش النظامية فماذا فعلت الفصائل الفلسطينية وماذا تعلمت قبل تلك الحرب التي بدئها يوم السابع من أكتوبر!!

دروس من التاريخ..!

لقد تعلمت الفصائل خلال فترة الهدنه من التاريخ الإسلامي حرب الخنادق فقد أعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق للأحزاب لأول مرة في التاريخ ضارباً المثل والقدوة بأن الجندي العربي المسلم يفكر خارج الصندوق في كل مرة يخوض فيها الحروب ويتأقلم حسب المهام المعطاة له ويخلق ظروف حربه بنفسه، ولكن هل أعدت الفصائل الخنادق كما اعدها رسول الله صلى الله عليه وسلم للأحزاب، والجواب هو نعم لقد أعدت خنادق مغطاه،  ومحصنة تحصيناً تاماً وربطتها بكل جزء من أجزاء الأرض حتي تلك الأرض المجاورة لفلسطين بل لم تكتفي بذلك بل جهزت لتلك الحرب من السلاح والعتاد والمستلزمات الطبية والطعام ما يكفي لاستمرار الحرب لشهور عدة ودرست طبيعة الأرض وإمكانيات العدو الصهيوني بل لم تكتفي بذلك بل اختارت التوقيت المناسب لبدء العمليات حتي إنها حققت عنصر المفاجئة بالإضافة إلي ذلك درست الحرب الإلكترونية وتعلمتها للسيطرة والتغلب على اكتشافات الأقمار الاصطناعية،  واستطاعت في كل ذلك خداع العدو، بل لم تكتفي بذلك فقد رصدت تحركات العدو اثناء العمليات القتالية واستطاعت أن تكبده خسائر فادحة في المعدات والأفراد، وعلى الرغم من تضليل العدو لطبيعة تلك العمليات ومدي خسائرها إلا إنها استطاعت كشف زيف الأعلام الصهيوني وتضليل كل من وقف إلي جانبه في تلك الحرب الفاشية ومحاولة إسرائيل إبادة القطاع بضربها للمدنيين العزل ضاربة بكل أعراف الحروب والقوانين الدولية عرض الحائط.

حائط الصد...!

لقد استطاع رجال المقاومة الفلسطينية خلق حائط صد معنوي علي المدي البعيد من خلال نوعية المقاتل العربي وصلابته في الحروب مما يجعل من عمليات يوم السابع من أكتوبر 2023 م عمليات تدرس في المعاهد والكليات العسكرية على مدي السنوات القادمة، وبعد نهاية تلك الحرب، بل أنهم جعلوا كل من تسول له نفسه خوض غمار حرب في الشرق الأوسط يفكر ألف مرة قبل الشروع في حرب المقاتل العربي كما أستطاع المقاتل الفلسطيني أن يهدم كيان دولة الاحتلال من خلال هرب الصهاينة إلي خارج ذلك الكيان المزعوم وترك المستوطنات والتي ظلت إسرائيل الترويج لها على مدار العقود الماضية بانها جنة على الأرض واعداد كل ما يتمناه المهاجر من توفير اجواء امنة ومستقرة داخل ذلك الكيان، وما هي أن بدأت الحرب حتي انهارت تلك الدعاية وهجر الصهاينة المستوطنات الأمر الذي ضرب هذا الكيان في مقتل وأنقلب السحر على الساحر، فبعد إن كانت تريد تهجير الفلسطينيين من أرضهم هرب معظم اليهود الأرض نجاة بأرواحهم من القتل والتدمير على يد الفصائل وكتائب القسام الفلسطينية.

هذا جزء من كل قد فعلته المقاومة الفلسطينية الأمر الذي يجعل من قوي دولية تريد كسر المقاومة بأي شكل من الأشكال حتي لا تحقق نصراً معنوياً فوق النصر العسكري الذي تحقق بالفعل على الأرض الأن حتي إنهم يتساءلون كيف لقوة 45 ألف مقاتل هم حصيلة قوي المقاومة تفعل كل تلك الافاعيل بجيش نظامي مدرب ولديه أحدث الأسلحة في العالم وفوق ذلك يمد من قوي عظمة بالعتاد والسلاح والرجال والمرتزقة أن تنتصر عليه المقاومة فماذا لو اتحدت الجيوش العربية أو تدخلت جيوش نظامية مسلحة لدول الجوار العربي لها ثقلها القتالي في الحرب إذاً لمسحت إسرائيل من على خريطة العالم في سويعات قليلة.

درس نتعلمه..!!

هل نتعلم الدرس، وتتحقق النبوءة ويتحد العرب ونبعد قوي الشر والظلام من بين ظهرينا، أننا نعول على المستقبل القريب ونامل في توحيد الجيوش العربية على الرغم مما رأيناه مخيب للآمال في هذه الحقبة الزمنية لحكام العرب قاطبة، في مد يد العون والتطبيع مع الكيان المزعوم، ولم نسمع أو نري إلا الشجب والادانة طوال عقود من المكر والخداع ودعاوي السلام القائمة على الكيل بمكيالي فرض سياسة الأمر الواقع وضعف العرب وحكامها، أنني أدعو من خلال مقالي هذا إلي الثبات والمناصرة والدعم التام لرجال المقاومة فالنصر أتي لا محالة حينها لن يكون هناك مكان للخونة والمتخاذلين عن نصر الرجال في ساحات القتال، فقد تغير الوضع على الأرض ولن يكون إلا الحق والعدل، وإن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم.

***

بقلم: احمد عزيز الدين احمد

كاتب وروائي وشاعر

 

نظرة سريعة للواقع السياسي

قامت ثورة 14 تموز 1958 في العراق، فأطاحت بنظام الحكم الملكي الذي أسّسه البريطانيون في عام 1921، واستبدلته بنظام جمهوري استمر في الحكم الى عام 2003، عندما أطاحت القوات الأمريكية بنظام  صدام حسين.

برزت عدة قوى سياسية بعد الإطاحة بالنظام الملكي:

1- الجيش "الذي قام بالتغيير بالقوة".

2-الشيوعيون واليساريون، فالحزب الشيوعي حزبٌ عريقٌ ومنظّم مارس الكفاح بشكل متواصل ضد النظام الملكي الذي عامله بقسوة شديدة. أما الثاني فيتمثّل بحزب المعارض الوطني العراقي كامل الجادرجي، والذي كان يسارياً معتدلاً.

3-القوميون، من بعثيين وناصريين، إضافة الى حزب الإستقلال بزعامة الشيخ محمد مهدي كبة، وهو من الأحزاب المعارضة المرخصة في العهد الملكي.

اجمالاً هذه هي القوى الرئيسة التي برزت الى السطح بعد سقوط النظام الملكي، وكان هدفها الأوحد الذي يجمعها هو محاربة هذا النظام واسقاطه، فعندما تمت هذه الخطوة وزال هذا الهدف، ظهرت التناقضات بينها، وهو أمر طبيعي بكل تأكيد، وطبعاً نقصد القوتين الثانية والثالثة، فالقوة الأولى بيدها الأمر بحكم الواقع.

لم يُشَكّل "مجلس قيادة الثورة"، وهذا ما أثار "الضباط الأحرار" الذين كافحوا وتحَمّلوا ما تحملوه في الماضي القريب. فقد تم حصر السلطة بين الزعيم عبد الكريم قاسم ونائبه عبد السلام عارف "فاتح بغداد"، وهذا ما أدى لنتائج خطيرة أثرت على مسيرة الثورة واضعفتها بكل تأكيد. ثم تغير الوضع بعد عزل عارف وتجريده من سلطاته كافة، فأدى ذلك الى انفراد عبد الكريم قاسم بالسلطة.

كان عارف يدعو الى الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر، وكان مدعوماً من القوى القومية، فطاف في بعض المدن العراقية والتقى بالجماهير في خُطبٍ غير مسؤولة أثارت الزعيم قاسم، وأدى ذلك الى عزله في النهاية في تفاصيل مذكورة في المصادر.

لم يُعطَ الزعيم قاسم فرصة ولو بسيطة لقيادة البلد، فقد أعلنها القوميون حرباً بلا هوادة عليه، وحجتهم في ذلك أن قاسم لم يقبل بتحقيق الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة. وقد أثبتت الأيام أنهم لم يكونوا صادقين فيها، فعندما قتلوا قاسم واستلموا الحكم، لم يحققوا هذا الهدف الذي أحرقوا البلد لأجله!.

قام العقيد عبد الوهاب الشواف بحركته المعروفة في الموصل في آذار 1959، وكان مدعوماً من الجمهورية العربية المتحدة. والشواف من الضباط الأحرار، ويذهب المؤرخون الى أن مبعث الحركة هو نقمة الشواف على الوضع بعد قيام الجمهورية، إذ لم يُقدّر ويُعطى المنصب الذي يريده. وكان النزاع شديداً في هذه المدينة بين الشيوعيين والقوميين، وانتهت الحركة بمقتل العقيد الشواف كما هو معروف، فقد كان رد حكومة قاسم سريعاً كما ذكر الدكتور أوريل دان في كتابه "العراق في عهد قاسم" والذي ترجمه الى العربية الأستاذ جرجيس فتح الله المحامي.

وقد ارتكب الزعيم قاسم خطأً كبيراً ـ بل بشعاً كما ذهب إسماعيل العارف صاحب كتاب أسرار ثورة تموز ـ باعدامه العقيد رفعت الحاج سري والزعيم ناظم الطبقجلي، وهما من الضباط الأحرار، بل ان سري هو مؤسس هذا التنظيم. فكان على الزعيم قاسم ضبط نفسه في هذه النقطة كما نرى، وان لا ينجر وراء الدعاية الناصرية ليفتك بهما أخيراً، ثم يتخذ القوميون من هذه الحادثة حجة ويجعلوها كقميص عثمان للثأر من قاسم وحكمه.

قام الشيوعيون ـ أو بالأحرى هذا ما تعلّمناه سابقاً ـ بمجازر كثيرة في الموصل بعد حركة الشواف، وبعدها بكركوك كما هو معلوم. وطبعاً نحن لا نريد أن نُبَرّىء أحداً على حساب الحقيقة والتاريخ، فالمنهجية التي نتبناها تأبى هذه الطريقة بكل تأكيد، ولكن "حرب القوى القومية" لم تكن نظيفة هنا، فقد تجنّوا على التاريخ كثيراً، وما على القارىء إلا الرجوع لمصدر ثمين جداً كُتِبَ حديثاً وهو "تاريخ الحزب الشيوعي العراقي في لواء الموصل 1934 ـ 1970" للدكتور عبد الفتاح البوتاني. فقد كشف البوتاني هنا عن الحقيقة المخفية من خلال مصادر طازجة لا يرقى اليها الشك، إذ التقى بالفاعلين الإجتماعيين آنذاك من الطرف القومي والإسلامي، مبيناً أن المؤامرة كانت محبوكة من جانب القوميين والإسلاميين في الموصل، ويدعمهم رجال الإقطاع والملاّكين الذين تضرروا من ثورة تموز، وأن الكثير من الأعمال البشعة المنسوبة للشيوعيين في الموصل لم تكن حقيقة، وان الطرف القومي قد تَعَمّد التحرّش بالشيوعيين لإثارتهم.

أما ما حدث في كركوك، فما على القارىء الا مراجعة ما كتبه كُلٌ من:

1ـ المؤرخ القدير حنّا بطاطو في كتابه الضخم "العراق".

2ـ الدكتور أوريل دان في كتابه "العراق في عهد قاسم".

3ـ الدكتور عبد الفتاح البوتاني في كتابه "العراق ـ دراسة في التطورات السياسية الداخلية 14 تموز 1958 ـ 8 شباط 1963".

4ـ جرجيس فتح الله في كتابه "العراق في عهد قاسم ـ آراء وخواطر ج2".

بالإضافة الى مذكرات القيادي الشيوعي عزيز محمد والموسومة "عزيز محمد يتحدث ـ حوار وتعليق الدكتور سيف عدنان القيسي". وغيرها كثير بكل تأكيد، وعند مراجعة هذه المصادر سيثبت:

تصرّف الشيوعيون آنذاك كَكُرد قبل أن يتصرفوا كشيوعيين، وان عزيز محمد الشيوعي الكردي كان على رأس الحزب الشيوعي في كركوك، وكانت الأحداث "بنت ساعتها"، ولا يوجد دليل رسمي يثبت صدور أمر من مكتب الحزب الشيوعي في بغداد أو كركوك لتنفيذ مذبحة في الخصوم. وهذا ما عالجناه في مقال مستقل لنا في أحد المواقع الألكترونية.

تغيرت سياسة الزعيم قاسم بعد هذه الأحداث، فقام بالتنكيل بالحزب الشيوعي، وأرخى الحبل للقوميين في محاولة منه لمسك العصا من الوسط، وهذه هي السياسة القاسمية المعروفة، والتي كانت سبباً في نهايته الحزينة بكل تأكيد. فقد أعلن أنه فوق الميول والاتجاهات، وهي سياسة حسنة من حيث المبدأ، ولكنها غير مجدية في بلد متفجر كالعراق.

ضعفت شعبية الزعيم قاسم بمرور الأيام، نَكّل بالشيوعيين، ولم تُجدِ سياسته المتحولة مع القوميين نفعاً، اذ أصرّوا على محاربته واسقاطه. أما الكورد، فقد قامت الحرب العبثية التي شنها قاسم ضد قيادة الملا مصطفى البارزاني والتي بقيت مستمرة الى نهاية عهده. أما خارجياً، فقد عزل قاسم نفسه عربياً وعالمياً بمطالبته بالكويت.

كل هذا أدى الى ضعف قيادته شيئاً فشيئاً، ثم الى سقوطه في نهاية الأمر على يد البعثيين الذين وصلوا الى الحكم ب"القطار الأمريكي" كما ذكر القيادي البعثي علي صالح السعدي، وهذا ما أكّدته الوثائق البريطانية أيضاً، وما على القارىء الا الرجوع لكتاب "الأيام الأخيرة من حكم عبد الكريم قاسم في الوثائق البريطانية"، بإعداد وتقديم الدكتور نوري عبد الحميد العاني. (قررت الولايات المتحدة الأمريكية تعزيز الروابط مع معارضي عبد الكريم قاسم لاسقاطه) كما ذكر العميد المتقاعد خليل الزوبعي في مقدمة الكتاب المذكور.

تُثار دائماً مقولة أن "عبد الكريم قاسم لم يكن سياسياً ناجحاً بل كان فاشلاً"، ونحن مع هذه المقولة من حيث المبدأ، فقاسم كان عسكرياً محترفاً ولم يشتغل بالسياسة. لكن اطلاق هذه المقولة والوقوف عندها هو خطأ كبير كما نرى، وما علينا الآن الا الرجوع الى الأستاذ مير بصري، فقد وصف الزعيم قاسم في كتابه "اعلام السياسة في العراق الحديث ج1":

رجلٌ فذٌ حكم العراق أربع سنوات ونصف السنة، تجاذبته التيارات ذات اليمين وذات اليسار، فحافظ على توازنه بصعوبة بالغة ومهارة عجيبة.

ثم يتساءل: هل كان قاسم رجل دولة؟ فيجيب: لا شك أنه بتجرده وشخصيته القوية وشعوره بموقع العراق بالشرق الأوسط ورغبته في استقلال بلاده ورفاهية أهلها، كان يحمل في ذاته بذور رجل الدولة في مقدرته واخلاصه، لكنه قضى السنوات القلائل في قيادة سفينة الدولة وسط العواصف الداخلية والخارجية، ولم يتسنَ له اظهار مواهبه الحقة، فلو طال الزمان به واستتب له الأمر لبرزت مزاياه الكامنة واصبح رجل دولة لا سياسياً مغامراً شأن مناوئيه وخلفائه.

ولا سبيل لنا الا الأخذ بكلام الأستاذ مير بصري، فقد نطق صدقاً وعدلاً.

***

بقلم: معاذ محمد رمضان

كان صدى مقالنا السَّابق: «تدريس جرائم البعث.. إحياءٌ للبعث»(الاتحاد: 22/11/2023) واسعاً لدى: مَن رضي واستحسن، ومَن غضب واستقبح، بين الفئة الأولى بعثيون، يريدون التَّماهي، فذاك زمن مضى، وبينهم ممَن أتلف النّظام السّابق حياته، لكنه ليس مِن أهل الثّأر، غرضه بناء عراق يُعز به أهله بأطيافهم كافة.

أمَّا الذي استقبح، وهدد بالانتقام مِن كاتب المقال، فهذا قلق على ضياع ما حصل عليه شخصياً مِن مركزٍ وثروةٍ، لا يُرجى منه إصلاحاً وصلاحاً، فقد تربى على التَّفجيرات والمقاتل، لموظفي خطوط جوية، أو مغني ومذيع قُتلا بتفجيره لبوابة الإذاعة، أو لمراجعين أبرياء لسفارة، فجرهم في مدخلها، واعتبر الانتحاري شهيداً، ولا يهمه تفجير الحضرة العسكريّة بسامراء، إذا كانت تفي بغرض رد الجميل لجهة أجنبيّة، بإشعال الطّائفيَّة!

وجدتُ في تصرف الخليفة عبد الملك بن مروان(ت: 86هج)، والوزير العباسيّ ابن الفرات(قُتل: 312هـ)، درسين نادرين على النّظر إلى الأمام، في حالة الخليفة إلى مستقبل مُلكه، وفي حالة الوزير النّظر إلى استتباب الأمر ببغداد لخليفة عصره.

نجدهما درسين نادرين، لكثرة القاتل والمقتول، عبر التّاريخ، وليس أكثر سفكَ دماءٍ مما سُفك على الإمامة، السُّلطة بعينها، وحال الباحث عن تجارب أبعدت الثَّأر انتقاماً، كالطالبِ ذرة ذّهب تحت كثيب رملٍ. قيل قديماً في شأن السُّلطة: «أبيحت بسببها الأموال والدّماء»(رسائل إخوان الصّفا)، و«ما سُل سيفٌ... مثلما سُل على الإمامة في كلِّ زمانٍ»(الشّهرستانيّ، الملل والنّحل).

روى المضاء بن علون كاتب مصعب بن الزُّبير (قُتل 72هج)، أمير العراق لأخيه الخليفة بالحجاز: «دعاني عبد الملك بعدما قَتل مصعباً، فقال لي: علمت أنه لم يبق من أصحاب مصعب وخاصته أحد إلا كتب إليَّ يطلب الأمان، والجوائز والصِّلات والقطاعات؟ قلت: قد علمت يا أمير المؤمنين! أنه لم يبق مِن أصحابك أحد إلا وقد كتب إلى مصعب بمثل ذلك، وهذه كتبهم عندي! قال: فجئني بها! فجئته بإضبارة عظيمة، فلما رآها قال: ما حاجتي أنْ أنظر فيها، فأفسد قلوبهم عليَّ! يا غلام! احرقها بالنَّار، فأُحرقت»(اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي).

قال المؤرخ والفيلسوف أحمد بن محمَّد مسكويه (ت: 412 هج)، في الإجراء الذي اتخذه الوزير عليّ بن محمّد بن الفرات، بعد فشل انقلاب الأمير الشّاعر عبد الله بن المعتز(قُتل: 296هج) على ابن عمّه المقتدر بالله(قُتل: 320هج)، بدل الانتقام والملاحقة: أُحرقت «جميع الجرائد، التي وجد فيها أسماء المتابعين لابن المعتز... وأمر ابن الفرات بتغريق الجرائد في دجلة، ففعل ذلك، وسكن النَّاس، وكثر الشَّاكرون»(مسكويه، تجارب الأُمم وتعاقب الهمم). على ندرتهما تمعنوا في التّجربتين، فالتّاريخ حاضر فينا، للانتقام والصَّفح أيضاً.

أعطى مسكويه ابن الفرات حقه عندما قاله فيه: «ومن محاسن ابن الفرات أنه افتتح أمره بإخراج أمر المقتدر بمكاتبة العمال، في جميع النَّواحي، بإفاضة العدل في الرَّعية، وإزالة الرُّسوم الجائرة عنهم، وإخراج أمره لجماعة بني هاشم بجارٍ، ثم أخرج أمره بزيادة جميعهم، ثم أخرج الإمرة بالصَّفح عن جميع مَنْ كان خرج عن طاعته ووالى ابن المعتز، وإلحاقهم في الصلة بمَنْ لم تكن له جناية»(تجارب الأُمم). فللمصالحة وجوه، عدم الإقرار بالثَّأر أولها، مع دعمه بالتخفيف عن النَّاس، ومحاولة تحسين أحوالهم.

ربَّما يعتبر البعض مقالي هذا، خيال شاعرٍ هائمٍ غارقٍ في الألفاظ والمعاني، ولستُ شاعراً، ولا الألفاظ تعنيني بلا معانٍ، وهذا أحمد شوقيّ(ت: 1932) كان شاعراً، وحكيماً أيضاً، عندما قال في دورات الانتقام: «يا ويحهم! نصبوا مناراً مِن دمِ/تُوحي إلى جبلٍ مِن البغضاءَ/ ما ضرَّ لو جعلوا العلاقةَ في غدٍ/ بين الشُّعوب مودةً وأخاءَ»(قصيدة في إعدام عمر المختار 1931).

***

د. رشيد الخيّون - كاتب عراقي

 

هل كانت حركة حماس تتوقع مآلات هجومها المباغت في السابع من أكتوبر  الماضي، على غلاف غزة، فاستعدّت جيداً للعواقب العسكرية والسياسية؟ وبشكل محدّد، هل وضعت في حساباتها فائض النجاح لـ"طوفان الأقصى" بما يترتّب عليه من ردّ إسرائيلي هائل أم فوجئت بالنتائج كما فوجئ العالم، ولم تحسب حسابه؟، وهل في تاريخ الأمم التي أُستعمرت وأُستغلت حساب بأي معيار في توازن القوى بينك وبين عدوك؟.

الحقيقة بعض الناس عندما يتحدثون عما فعلته المقاومة الفلسطينية في غزة في السابع من أكتوبر 2023 يدعي التعقل، حيث نجدهم يقولون بأنه عندما تخوض معركة ما لابد من أن تحسب حسابها، وحماس دخلت حرب دون تقدير لما يمكن أن يقوم به العدو، ومن ثم فإن إمكانات حماس لا تقارن بإمكانات اسرائيل .

بيد أن هذا لم يحدث في تاريخ أي أمة أن كانت المقاومة في ذات قوة العدو الذي يحتل البلد، ولكن ما يحدث هو أن اتصال المقاومة والصمود وتراكم الدم الذي يهزم السيف ما يحدث ينهك العدو المحتل، ويجعله يعيد التفكير هذا من ناحية ؛ ومن ناحية أخرى  من قال ان الدفاع عن القضايا المصيرية والجوهرية، ودفاع الشعوب عن حريتها واستقلالها، تقاس بالإمكانات المادية؛ وإلا لما وجدنا حركات تحرر او مقاومة في كل دول العالم؛ فكل المقاومين إمكاناتهم لا تقاس بإمكانات وعلاقات الدول.

ألم يكن لنا في رسول الله صلي الله عليه وسلم القدوة والعبرة، وذلك عندما قرر الحرب في معركة بدر أو أحد لم يحسب حجم امكانات وقدرات العدو؛ وإنما إيمان المسلمين بقضيتهم، وكذا خروج سيدنا الحسين عليه السلام وكل الاحرار في العالم، إذن الدفاع عن الحقوق والحريات لا يرتبط بالحسابات العقلانية؛ وانما شعارها التضحية والفداء.

أنا لا أُنكر أن الهجوم الذي قامت به حماس كان صادماً، بل مزلزلاً، فجاء الردّ الإسرائيلي بقسوة لامتناهية ضدّ أهل غزة، في عقاب جماعي، كان الاستعمار الأوروبي منذ ما سُمى بالاكتشافات الجغرافية في القرن الخامس عشر وما تلاه، يمارسه بشكل اعتيادي ضدّ الشعوب الأصلية المقهورة في آسيا وأفريقيا وأستراليا، كما في القارة الأميركية، أو العالم الجديد. بل إنّ الولايات المتحدة نفسها حشدت أسطولها في البحر المتوسط، دفاعاً عن إسرائيل، وعن حقها في الدفاع عن نفسها، بمعنى إبادة عدوها، من دون قيود ولا شروط. فكيف تُشخّص الطبيعة العملياتية لـ "طوفان الأقصى" لبناء الاستنتاجات المناسبة على المآلات التي تتعاقب أحداثاً ووقائع؟

ومنذ قيام العملية في السابع من تشرين الاول الى اليوم توضحت حقائق عدة منها أن قرار طوفان الاقصى أفرز الهوة  بين الشعوب العربية والاسلامية وحكامهم؛ فالحكام مع اسرائيل والشعوب مع القضية الفلسطينية، الأمر الذي يدفع حكام العرب الى ضرورة مراجعة سياساتهم وحتى بعض الدول الاسلامية التي تعلن نصرتها للقضية الفلسطينية مثل تركيا وايران  وماليزيا وإندونيسيا وغيرها من الدول والتي وقفت عاجزة عن تقديم الدعم للشعب الفلسطيني، لا بل البعض متهمة بتقديم مساعدات لإسرائيل، مثل تركيا، وإيران أعلنت رسميا تخليها عن فصائل المقاومة الفلسطينية.

علاوة علي أن طوفان الاقصى أعطى دفعة معنوية لفصائل المقاومة الفلسطينية فبقدرات بسيطة استطاعت الرد على إسرائيل وكسر هيبتها وفضح مخططاتها وتجاوزاتها على الشعب الفلسطيني، وامكانية اعتمادها على الشعوب العربية والاسلامية التي لم تخذلها، لا سيما  في ظل تطور وسائل الاعلام الرقمي.

ولهذا فإن العملية كسرت أسطورة القوة العسكرية الاسرائيلية، وإمكاناتها التكنلوجية،وجدارها العازل، وقبتها الحديدية، وجيشها الذي لا يقهر والمنتصر على الكثير من الجيوش العربية؛ بإذلال جنودهم وقدراتهم بإمكانات عسكرية بسيطة.

كذلك أعطت العملية انطباع للإسرائيليين؛ لاسيما المستوطنين منهم بان مستوطناتهم تقام على أرض مغتصبة،وأنها ممكن أن تزول بأي لحظة مما يدفهم لإعادة التفكير في وضعهم وحساباتهم، وأحدث انقساما غير مسبوق داخل المجتمعات الإسرائيلية.

إن العملية كشفت زيف المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الانسان والقانون الدولي الإنساني الذي يقف عاجزا عندما يتعلق الأمر بإسرائيل،وكشفت ازدواجية تعاملهم الإنساني فعندما أحتلت روسيا جزء من أوكرانيا تداعى الغرب كله بقضايا حقوق الإنسان وضرب البنية التحتية في أوكرانيا اما اليوم فإسرائيل تقصف وتقطع الماء والكهرباء وتقتل الاطفال والنساء وتحت مضلة الدفاع عن النفس

أخيراً، وربما كان العنصر الأهم في المعادلة، أنّ حماس حسبت حساب الردّ القاسي من جانب إسرائيل، فأسرت عدداً كبيراً واستثنائياً من العسكريين والمدنيين الإسرائيليين، ظنّاً منها أنّ يردع إسرائيل عن تدمير غزة على رؤوس ساكنيها، لكن حكومة نتانياهو فاجأت حماس باستعدادها قتل الأسرى مع الآسرين، وهو ما جرى حتى أثناء الاشتباكات في غلاف غزة، بحسب ما جاء في شهادات إسرائيليات ناجيات من القتل أو الأسر. بدأت إسرائيل حملة إبادة شاملة، واتخذت قراراً همجياً لا سابق له، بقتل كل أقرباء قيادات حماس؛ إذ تسكن العائلات في أحياء محدّدة في غزة جنباً إلى جنب بحسب ما هو معتاد، مما أدّى حتى الآن إلى قتل جماعي لأكثر من 50 عائلة حتى الساعة، وذلك لإجبار القيادات على الخروج من الأنفاق واغتيالها، بحسب المصدر المقرّب من حماس.

***

د. محمود محمد علي –كاتب مصري

..........................

المراجع:

1- أ. د. رشيد عمارة الزيدي: هل أخطات حماس في عملية طوفان الاقصى؟، مقال منشور ضمن المنتدي العراقي للنخب والكفاءات.

2- هشام عليوان: حماس أين أصابت وأين أخطأت؟، مثال منشور، الخميس 19 تشرين الأول 2023.

تنشط الحكومة الفنلندية، في الأيام الاخيرة، دبلوماسيا واعلاميا، وينصب جهدها لطمأنة الشارع الفنلندي أولا، لما يجري على الحدود الشرقية البرية للبلاد، مع الجارة الأكبر روسيا، والتي تبلغ 1340 كيلومترا عبر غابات وبحيرات متشابكة، فقد عقد رئيس الوزراء الفنلندي بيتري أوربو (يمين تقليدي)، ووزيرة الداخلية الفنلندية ماري رانتانين (يمين متطرف) مؤتمرات صحفية مشتركة، متتالية، أعلنت فيها الحكومة الفنلندية، واعتبارا من الجمعة 17 تشرين الثاني الجاري، اغلاق نقاط العبور الحدودية الأربع في جنوب شرق فنلندا والتي تشكل جزءا مهما من نقاط العبور على الحدود الفنلندية الروسية، والسبب وراء ذلك كان في استمرار تدفق اللاجئين، القادمين كمجموعات صغيرة من العمق الروسي، رغم تساقط الثلج وموجة البرد، على الدراجات الهوائية، ليسلموا أنفسهم الى السطات الفنلندية طالبين اللجوء وفقا لقوانين الأمم المتحدة بمنح الحماية الدولية للأشخاص المعرضة حياتهم للخطر، وجّل القادمين، وقد اصبح عددهم بالمئات، من بلدان الشرق الأوسط، بشكل أساس العراق وسوريا والصومال وأيضا من أفغانستان وكينيا والمغرب واليمن، وسط اتهامات بأن السلطات الروسية تسهل وصولهم، بل وترشدهم وتجبرهم على ذلك، وتشير المعلومات ان بينهم من تواجد في روسيا بشكل غير شرعي لفترة من الزمن. ويشير المسؤولون الفنلنديون في تصريحاتهم الصحفية إلى أنه في الماضي، لم تسمح روسيا للمسافرين الذين يحملون وثائق غير كاملة بالتوجه إلى المعابر الحدودية الفنلندية، ولكن الآن تغيرت هذه السياسة بشكل واضح، وقال نائب قائد منطقة حرس الحدود بجنوب شرق فنلندا، إن (من الصعب التنبؤ بالمستقبل، لكن يبدو أن العدد سيزداد).

ولم تأت خطوة غلق مناطق العبور الحدودية، مفاجئة للمراقبين، الذين تابعوا تدهور العلاقات بين الجارين، خصوصا بعد انضمام فنلندا لحلف الناتو ، مطلع نيسان الماضي، فقد كررت مصادر حكومية فنلندية الإشارة الى كون السلطات الروسية تقوم بتوجيه طالبي اللجوء إلى الحدود الفنلندية كجزء مما يسمى (الحرب الهجينة)، التي تعرفها المصادر القانونية والعسكرية بأنها استراتيجية عسكرية تشمل مجموعات متنوعة وديناميكية من القدرات التقليدية وغير النظامية والإرهابية والإجرامية، وتجمع عادة بين الحرب النظامية والحرب السيبرانية (الاليكترونية)، وتعتبر اوساط غربية أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (خبير في الحرب الهجينة) من هنا تزداد المخاوف لان تلجأ روسيا لاستخدام (سلاح الهجرة) كجزء من حربها الهجينة، وتعتقد الجهات الرسمية الفنلندية ان الهدف منها  زرع الفتنة وعدم الاستقرار، حيث ان الالاف من المواطنين الفنلنديين يستخدمون المعابر الحدودية بشكل يومي لأغراض تتعلق بعملهم أو علاقاتهم الاجتماعية، وسبق لرئيس الوزراء الفنلندي نفسه الإشارة الى ان عمليات الاغلاق ستجعل الحياة اليومية أكثر صعوبة بالنسبة للأشخاص المسموح لهم بالسفر بين فنلندا وروسيا، وحالما تم الإعلان عن قرار الاغلاق نظمت تظاهرة احتجاجية سلمية في مدينة لابينرانتا في جنوب شرق البلاد، اشترك فيها حوالي ثلاث مئة مواطن دعوا الحكومة إلى إعادة فتح بعض نقاط العبور، وقالت احدى منظمي الاحتجاج للصحافة (لدينا الحق في الروابط العائلية. إنه أمر قاسٍ للغاية اتخاذ مثل هذا القرار قبل عيد الميلاد، الجميع تقريبًا كان لديهم خطط لقضاء عيد الميلاد مع أحبائهم).

وبين رئيس الجمهورية الفنلندية ساولي نينيستو (يمين تقليدي) إن سلوك روسيا، بتوجيه اللاجئين الى الحدود الفنلندية، كان مشابهًا لما حدث في الفترة 2015-2016، عندما سمحت لمئات من طالبي اللجوء بالوصول إلى المعابر الحدودية الفنلندية في (منطقة لا بلاند) ردا على التقارب من حلف الناتو. ويعتقد الرئيس الفنلندي أن العدد الكبير غير المعتاد من طالبي اللجوء الذين يصلون إلى الحدود الشرقية الآن قد يكون جزءًا من رد موسكو على قيام فنلندا بوضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية التعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة الامريكية. وقال يوكا سافولاينن من مركز التميز الأوروبي لمكافحة التهديدات ومقره هلسنكي:(إن سلوك روسيا على الحدود كان بمثابة رسالة واضحة إلى فنلندا). وأضاف: (إذا فتحوا الطريق من جانب روسيا، فسنواجه قريبًا مشكلة اللاجئين)، يذكر انه خلال أزمة موجة الهجرة الى أوروبا في عام 2015، وصل الى فنلندا حوالي 32000 طالب لجوء نسبة كبيرة منهم وصل عبر الحدود الروسية، ووفقا للتقديرات الرسمية الفنلندية الصادرة مؤخرا، فأن استمرار قدوم اللاجئين، بالوتيرة الحالية، من شأنه ان يصل فنلندا سنويا وعبر الحدود الروسية فقط عدد يقارب عشرين ألف لاجئ.

وبمجرد اعلان الحكومة الفنلندية عن اغلاق معابرها في جنوب شرق البلاد، بدأت تصل اعداد متزايدة من اللاجئين الى المعابر في شمال شرق البلاد، مما دفع الحكومة الفنلندية الى الإشارة الى انها ستدرس إمكانية غلق الحدود مع روسيا بالكامل، الا ان ذلك لاقى معارضة نائب مستشار العدل الفنلندي السيد ميكو بومالينين، حيث ذكرت تقارير صحفية ان موقفه المعارض يستند الى كون الوثائق التي قدمتها وزارة الداخلية الفنلندية تفتقر إلى المتطلبات القانونية اللازمة لتمكين تقدم وتنفيذ الاقتراح، فهي لم تعالج وتراعي بشكل كافٍ حقوق المهاجرين، كما هو مطلوب في الدستور الفنلندي، وقانون الاتحاد الأوروبي، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، فضلاً عن قضايا حقوق الإنسان الأخرى، مما دعا وزارة الداخلية الفنلندية لإستبداله بمقترح جديد نال ثقة مستشار العدل الفنلندي وأعطى الضوء الأخضر لإعتماده، فأعلنت الحكومة الفنلندية عن إغلاق ثلاثة معابر أخرى شمال البلاد حتى عشية يوم عيد الميلاد والإبقاء على معبر وحيد في أقصى شمال (منطقة لا بلاند)  في مدينة (رايا يوسبي)، فيه يتم معالجة كل طلبات اللجوء المقدمة على الحدود الشرقية. وعلى أثر ذلك التقى رئيس الجمهورية الفنلندي مع قيادات الأحزاب البرلمانية الفنلندية، من الحكومة وأحزاب المعارضة، لمناقشة الوضع على الحدود الشرقية، وأعلن مكتب الرئيس عن كون الاجتماع شهد توافقًا واسع النطاق حول كيفية التعامل مع الوضع، مع التركيز على ضرورة التزام الهدوء مع التصرف بشكل حاسم أيضًا.

من جانب آخر قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن موسكو سترد "بالطبع" على إغلاق فنلندا حدودها بالكامل، حسبما نقلت وكالة رويترز للأنباء، ولم تحدد نوعية الإجراءات التي ستتخذها بلادها، ولم تنس القاء اللوم على فنلندا في احداث المشاكل لكنها أضافت (أن الكرملين منفتح على الحوار فيما يتعلق بالقضايا المتعلقة بالحدود).

***

هلسنكي ــ يوسف أبو الفوز

تحية إلى أحرار العالم

يصادف يوم الأربعاء التاسع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر، يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني، الذي تحيي الأمم المتحدة فاعليته كل عام، تزامناً مع اليوم الذي اتخذت فيه الجمعية العامة قرار التقسيم رقم 181. يشهد اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني فعاليات ثقافية ومهرجانات سياسية وجماهيرية تضامنية، من قبل حركات تضامن ولجان سياسية، والمؤمنين بعدالة القضية الفلسطينية. واستجابة لدعوة موجهة من الأمم المتحدة، تقوم الحكومات والمجتمعات المدنية سنويا بأنشطة شتى احتفالاً باليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني. من بين هذه النشاطات، إصدار رسائل خاصة تضامناً مع الشعب الفلسطيني، وعقد الاجتماعات، وتوزيع المطبوعات وغيرها من المواد الإعلامية.

كما تعقد اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف جلسة خاصة سنويا احتفالا باليوم الدولي للتضامن في مقر الأمم المتحدة بنيويورك. وتنشر شعبة حقوق الفلسطينيين التابعة للأمانة العامة للأمم المتحدة سنويا، نشرة خاصة تتضمن نصوص البيانات الملقاة والرسائل الواردة لمناسبة اليوم الدولي للتضامن، ومن بين الأنشطة الأخرى التي تُنظم في نيويورك في إطار الاحتفال باليوم الدولي للتضامن إقامة معرض فلسطيني أو حدث ثقافي ترعاه اللجنة وتُنظمه بعثة فلسطين لدى الأمم المتحدة، وعرض أفلام عن القضية الفلسطينية.

يذكر أنه في عام 1977، دعت الجمعية العامة للاحتفال السنوي بيوم 29 تشرين الثاني/نوفمبر باعتباره اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني القرار 32/40 ب. في ذات اليوم من عام 1947 الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة قرار تقسيم فلسطين رقم 181 والذي بموجبه يتم إنشاء دولتين في فلسطين، يهودية وعربية. أنشئت الدولة اليهودية في العالم التالي، ثم اعترف بها كعضو في الأمم المتحدة عام 1949، لكن الدولة الفلسطينية، التي تم النص على إنشائها في ذات القرار، لم تر النور.  هذا القرار الذي أجهضته الحركة الصهيونية وتواطئ الرجعيات العربية، بحيث تم تدمير كيانية الشعب الفلسطيني وتشريده وحرمانه من إقامة دولته المستقلة منذ العام 1948 وحتى يومنا هذا .

وعلى الرغم من جميع محاولات إسرائيل لإلغاء وجود الشعب الفلسطيني أو عدم الاعتراف بحقوقه أو بتمثيله السياسي الذي جسدته منظمة التحرير الفلسطينية فيما بعد، إلا أن كل هذه المحاولات قد باءت بالفشل وتمكن الشعب الفلسطيني وعبر تضحياته الغالية من أن يفرض حضوره على الصعيد العربي والإقليمي والدولي، ومن تعزيز مشروعية نضاله على أرضه ووطنه .

في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، انضمت فلسطين إلى الأمم المتحدة بصفة "دولة مراقبة غير عضو". وفي 30 أيلول/سبتمبر 2015، رفع العلم الفلسطيني أمام مقرات ومكاتب الأمم المتحدة حول العالم.

الذكرى السادسة والأربعين

تمر الذكرى السادسة والأربعين ليوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني هذه الأيام وشعبنا الفلسطيني في غزة يتعرض لمذبحة جماعية يقوم بها جيش الاحتلال الصهيوني النازي منذ سبعة أسابيع، حيث يتعرض البشر والحجر والشجر في قطاع غزة إلى إبادة لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلاً. قضى نتيجة هذا العدوان أكثر من خمسة عشر ألف شهيد للآن، وما يقارب من خمسة وعشرين ألف جريح، وتسعة آلاف مفقود. جُلّهم من النساء والأطفال أي حوالي 70%. وقام الجيش الإسرائيلي الهمجي بتدمير 255 ألف وحدة سكنية، نتج عنها تشريد، كما قتلت إسرائيل 294 شهيداً من الكوادر الطبية بين طبيب وممرض ومسعف. وقتلت كذلك 46 صحفياً خلال عدوانها على غزة.

كما استهدف جيش الاحتلال 207 مؤسسة رعاية صحية، وأخرج 21 مشفى، و36 مركز رعاية أولية عن الخدمة نتيجة استهداف مباشر أو محاصرته ومنع إدخال الوقود. ودور العبادة لم تسلم من بطش وهمجية الجيش الإسرائيلي الذي قام بتدمير 33 مسجداً، واصاب العديد من المساجد بأضرار بليغة. وقام بتدمير عشرات المدارس التابعة للأمم المتحدة، حيث كان الآلاف من النازحين يتخذونها ملاذاً بعد تدمير بيوتهم.

تضامن عالمي واسع مع القصية الفلسطينية

في هذه الأيام تتواصل المظاهرات الشعبية حول العالم تضامنا مع الشعب الفلسطيني الذي يواجه وحيدا العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة، والاعتداءات عليه في الضفة الغربية المحتلة والقدس، إلى جانب الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، حيث يرفع المتظاهرون -المنددون بوحشية وعنصرية الاحتلال- الأعلامَ الفلسطينية، والشعارات التي تدين همجية جيش الاحتلال، وتدعو إلى تمكين الشعب الفلسطيني من انتزاع حريته وبناء دولته المستقلة. ومطالبين بوقف الدعم الأميركي والغربي لإسرائيل وضرورة مقاطعتها. عشرات الآلاف من المتضامنين يخرجون يومياً في العديد من المدن الأمريكية والغربية، وأمام البيت الأبيض في العاصمة واشنطن، وفي الساحات والشوارع الرئيسية. كما يكرر ذات المشهد في العديد من الدول الأوروبية، والآسيوية، واللاتينية، وغيرها من دول العالم.

أضخم وأكبر هذه التظاهرات جرى في المدن المغربية وخاصة في الرباط حيث شارك فيها عشرات الآلاف من الأشقاء المغاربة الذين تدفقوا إلى الشوارع يعلنون رفضهم التطبيع، ورددوا شعارات داعمة لفلسطين ومنددة بالجرائم التي يرتكبها العدو الصهيوني. كذلك في المدن الإيطالية، والبريطانية، والأمريكية، والدنماركية، والسويدية، والكندية، والألمانية، والسويسرية، والفرنسية، والإسبانية، والبلجيكية، والتركية، والإندونيسية.

مسيرة نضالية طويلة

تمر الذكرى السادسة والأربعين لليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني بعد مسيرة نضالية لهذا الشعب قدم فيها شعبنا عشرات آلاف الشهداء والجرحى الأسرى، وعشرات الاف المنازل التي هدمت، والعائلات التي شردت، وعشرات الاف الأشجار التي اقتلعت، بعد نهر من الدم الأحمر القاني، وأعمار تذوب وراء القضبان، وبعد أن اشتعلت المنطقة العربية بالحروب ومزقتها الخلافات، بعد أن تمردت إسرائيل على كافة القرارات التي أصدرتها الشرعية الدولية لإنصاف الشعب الفلسطيني، وإصرارها على المضي في سياسة تهويد الأراضي وفرض الأمر الواقع، وقتل المزيد من الأطفال الفلسطينيين، كل هذا في ظل عجز عربي رسمي لم تعد تغطيه لا ورقة توت ولا حتى إبرة صنوبر توخزه، وفي ظل عجز غير مبرر من القوى الشعبية العربية المكثرة من المؤتمرات والبيانات دون أي فعل حقيقي يعري الأنظمة العربية ويحشرها في ركن الحقيقة .

فما يجري فوق أرضنا الطاهرة فلسطين اليوم يضع العرب والمسلمين والمجتمع الدولي أمام مسؤولياتهم لأول مرة بشكل باتت فيه العربدة الإسرائيلية ترى من كل العواصم العربية وهي تنتهك مقدسات المسلمين، الامر الذي يفرض على الأمة العربية بمستوياتها الرسمية والشعبية المختلفة النهوض لمواجهة التهديدات والأخطار الجسيمة التي تواجه حاضرهم ومستقبلهم حيث تقتضي كل عوامل الأخوة والدين المشترك والمصالح المشتركة والمصير الواحد أن يتضامن العرب لمساندة ودعم النضال المشروع للشعب الفلسطيني.

كما تمر الذكرى وشعبنا وقواه المناضلة تواجه أشرس عدوان صهيوني متواصل بكافة الأشكال والأساليب واكثرها دموية وإرهابية وعنفا منذ قرن من الزمان. حيث تواصل إسرائيل جرائمها وممارساتها الوحشية واللا أخلاقية واللا إنسانية ضد شعبنا وأهلنا في كافة الأراضي الفلسطينية وإن تعددت أسا لبيها فان أهدافها واحدة.

هذه الجرائم إنما تحمل في طياتها أبعادا خطيرة وتمثل انعكاسا لإخفاقات حكومة نتنياهو وتعميق مازقها السياسي والامني بفعل المقاومة الباسلة والصمود الاسطوري لشعبنا وحركته الوطنية والاسلامية في القدس وفي بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وحشية صهيونية

إن ممارسات نتنياهو التي تشهد على دموية ووحشية الحكومة الصهيونية التي تحاول من خلال استمرار عمليات القتل والتدمير والاغتيالات والاعتقال والحصار المتواصل أن توصل الحالة الفلسطينية الثائرة والمناضلة الى مرحلة الياس والاستسلام، لكن وقائع وتطورات الأحداث تؤكد أن المحن ومهما كانت قاسية تساعد شعبنا وتدفعه إلى المزيد من التلاحم والوحدة والتكاتف وتصعيد كل آليات النضال لإفشال هذه المخططات، فقوافل الشهداء تزيد من قوة شعبنا وتعمق من التزاماته بخياراته الأساسية لوأد الاطماع الصهيونية وتحطيمها على صخرة هذا الصمود الأسطوري الرائع .

ولعلنا لا نخالف الحقيقة حين نقول إن التطورات الميدانية رغم فداحتها على شعبنا لكنها تقدم يوميا الدليل على تعمق المأزق السياسي والعسكري والأخلاقي لمجرمي هذا القرن الذين يمارسون بدعم وإسناد من الإدارة الأمريكية كل صنوف الإرهاب والعنصرية ويعتدون بشكل ممنهج ومتواصل على إرادة المجتمع الدولي .

أمام هذه الجرائم الفظيعة التي ترتكبها اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني الأعزل بات من المسلم به أن الكيان الصهيوني ليست لديه أية تقاليد حضارية فهو لا يعترف بأي ميثاق أخلاقي ولا يحترم شرعة حقوق الانسان، فإسرائيل تحدت العالم بأجمعه بارتكابها أبشع المجازر في الأراضي الفلسطينية وعلى امتداد سنوات احتلالها، ولم تستجيب لنداءات المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية والإنسانية لإيقاف اجتياحها للأراضي الفلسطينية.

لقد بات من الأكيد أنه على جميع الأحرار والشرفاء في العالم وعلى جميع منظمات وهيئات المجتمع الدولي الإنسانية التحرك لفضح جرائم إسرائيل الدموية وعزلها على الساحة الدولية في كافة المحافل.

التأكيد على الثوابت

إن يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني هو يوم تعزيز التضامن العربي والدولي مع حقوق شعبنا، وهو يوم تجسيد الوحدة الوطنية دفاعا عن هذه الحقوق، وهو يوم تأكيد إخلاص جماهيرنا لقيم الحرية والنضال التي ضحى من أجلها الآلاف من الشهداء والجرحى، والتي زج بسببها عشرات آلاف المعتقلين في السجون الإسرائيلية والعربية، وهو يوم تأكيد استمرار الانتفاضة الشعبية دفاعا عن هذه الحقوق وإفشالا لكل محاولات تركيعها وهزيمتها من إسرائيل.

إن رسالة كفاح ونضال الشعب الفلسطيني هي رسالة سلام وحرية، سلام متوازن يقوم على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وضمان الحقوق المشروعة والأمن والاستقرار للشعب الفلسطيني، ونرى ضرورة أن يقف المخلصين لقضايا الوطن والشعوب وحقها المشروع في المقاومة والحرية والاستقلال ليوحدوا صفوفهم وجهودهم لمواجهة التحديات والانتهاكات المتواصلة لشرعة حقوق الإنسان والالتزام بالأعراف والمواثيق الدولية، فشعبنا في صراعه مع الكيان الصهيوني الغاصب يمضي في شق الطريق للعرب وللبشرية أجمع لاستشراف المستقبل، والأمل والتفاؤل للشعوب المضطهدة بغد مشرق وبعالم تسوده علاقات الأخوة والاحترام المتبادل على أساس الاختيار الحر للشعوب في حاضرها ومستقبلها، بعيدا عن سياسة التدخل والاملاءات الخارجية، والكف عن سياسة التهديد والتلويح بالعدوان على شعبنا وأمتنا العربية وبقية شعوب العالم، ولا نشك بأن النصر هو حليف الشعوب الفخورة بانتمائها للأرض التي خرجت قوافل الشهداء والمناضلين البواسل.

الإشراف والحماية الدولية

إن شعبنا الفلسطيني قد قال كلمته وعمدها بدمائه برفض العودة الى الصيغة السابقة للمفاوضات العقيمة التي انتهت الى الطريق المسدود وانهارت إلى غير رجعة، إن شق طريق السلام الحقيقي يتطلب تغييرا جوهريا في صيغة العملية التفاوضية بما يضمن أولا : حق شعبنا المشروع في استمرار المقاومة طالما بقي الاختلال قائما على أرضنا .

وثانيا : تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ونبذ أية محاولة للمساومة أو الالتفاف عليها أو إعادة التفاوض حولها.

وثالثا : كسر الاحتكار الأمريكي لعملية السلام بوضعها تحت الإشراف الدولي والجماعي للأمم المتحدة بمشاركة سائر القوى الدولية وفي مقدمتها الإتحاد الأوروبي .

إن هذه الصيغة مدعومة بالتضامن العربي والإسلامي والدولي مع شعبنا هي وحدها الكفيلة بالوصول إلى سلام حقيقي متوازن يضمن انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي التي احتلتها عام 1967 وإزالة المستوطنات وعودة اللاجئين وإقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة وعاصمتها القدس .

إن مجرد المحاولة لجمع الأطراف خارج إطار ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي يساهم في تلطيخ الحدود والخطوط بين القانون الدولي وبين ميزان القوى ويسهل استمرار انتهاك الحقوق الفلسطينية .

إن الشعب الفلسطيني يطالب المجتمع الدولي في هذا اليوم بتوفير الحماية الدولية له واتخاذ إجراءات فورية للجم العدوان والغطرسة الإسرائيلية وتشكيل لجنة تحقيق دولية نزيهة للتحقيق في جرائم الحرب التي اقترفتها إسرائيل ضد شعبنا ومحاكمة المسؤولين عنها أمام محكمة جنائية دولية وإرغام إسرائيل على احترام اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.

تصعيد التحركات الجماهيرية

ويبدو من نوافل القول التأكيد في هذه المناسبة على التمسك بحق العودة وبالقرار رقم 194 الصادر عن الامم المتحدة، وتعزيز الإجماع الوطني على هذا الحق ورفض الشروط الإسرائيلية التي تهدف إلى إلغائه، وكذلك دعم صمود اللاجئين في المخيمات الفلسطينية في الوطن والشتات والعمل على تحسين ظروفهم المعيشية، ورفض مقترحات اتفاقية جنيف وغيرها وما تضمنته من حلول خاصة بقضية اللاجئين، وأهمية تفعيل دور المنظمات غير الحكومية لدعم قضية اللاجئين ودفع الأطراف الدولية المعنية لتحمل مسؤولياتها لتطبيق هذا القرار .

إننا ندعو شعوب العالم وخاصة شعوب أمتنا العربية والإسلامية أن تجعل من هذا اليوم، يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني مناسبة لتصعيد تحركها الجماهيري من أجل دعم نضال شعبنا وأهدافه العادلة والضغط على عواصم القرار الدولي من أجل دور فاعل للمجتمع الدولي لإرغام إسرائيل على وقف عدوانها في غزة والضفة، والإقرار بحقوق شعبنا الوطنية والسياسية.

كيف أدعم فلسطين؟

قدمت الشعوب العربية، وأحرار العالم الكثير من الدعم لفلسطين على مدار العقود السبعة الماضية. يمكن لكم تقديم الدعم لفلسطين أينما تواجدتم بواسطة خطوات غير مكلفة.

ادعموا الشباب الفلسطيني وتداولوا أعمالهم الأدبية والفنية والسينمائية والثقافية، لعدم قدرة معظم المبدعين الفلسطينيين من الترويج لأعمالهم وتسويقها بسبب الحصار الذي تفرضه إسرائيل، وبعض الأنظمة العربية.  تعريف الآخرين بالتراث الفلسطيني الذي يتمثل بكونه المخزون التاريخي للشعب الفلسطيني عبر العصور المتعاقبة. وهو هوية الشعب الفلسطيني والعمق التاريخي والحضاري له. الأثواب الفلسطينية المطرزة تحمل خصوصية كبيرة لكل مدينة وقرية فلسطينية، بالإضافة إلى الدبكة والأغنيات والأهازيج والأمثال والعادات والتقاليد وغيرها من القصص الشعبية، والحرف اليدوية، والمشغولات، والمطرزات. تسويق المنتجات الزراعية الفلسطينية -في حال توفرت. تتميز فلسطين  بمنتجاتها الزراعية، من فواكه وخضروات وحمضيات بجميع أنواعها، كما تميزت بإنتاج أجود أنواع الزيتون والزيت، والصابون. تعريف الآخرين بالأطعمة الفلسطينية التراثية. حيث يتميز المطبخ الفلسطيني بالعديد من الأكلات التراثية الشعبية التي تم ابتكارها بطريقة خاصة تتميز عن باقي شعوب المنطقة، مثل: المفتول، المقلوبة، المسخن، الرّمانية، المحاشي، والفلافل والحمص وغيرها من الأطعمة. ساعد بفضح الاعتداءات الإسرائيلية اليومية على الفلسطينيين. يواجه الفلسطينيون في الأراضي المحتلة اعتداءات على منازلهم، وأراضيهم، وأعمالهم، ويتعرضون للقتل أو الإصابة أو الاعتقال على الحواجز الإسرائيلية ويتم هدم منازلهم وفصل الأهالي عن بعضها من خلال جدار الفصل العنصري في انتهاكات واضحة للقوانين الدولية والإنسانية.

تحدث عن حصار إسرائيل لقطاع غزة الذي يضم أكثر من مليونين ونصف فلسطيني تحت حصار إسرائيلي مشدد منذ سبعة عشر عاماً. تسبب بهلاك البنية التحتية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ورفع من نسب البطالة لأكثر من 50% بسبب تجريف آلاف الأراضي الزراعية وتدمير عشرات المنشآت التجارية والمصانع خلال الحروب. فضح ديمقراطية إسرائيل المزيفة، حيث تحاول تقديم نفسها للعالم على أنها دولة ديمقراطية، تدعم الحقوق والحريات، لكنها عكس ذلك تماماً. فهي دولة مارقة تمارس إرهاب الدولة، والتفرقة العنصرية ضد الفلسطينيين. اكشفوا كذب الرواية الإسرائيلية التي تروجها أن الفلسطينيين "تركوا" أرضهم عام 1948. لم يترك الفلسطينيون أرضهم، هذه رواية إسرائيلية تم نشرها في كل مكان حتى أصبح البعض يعتقد أنها الحقيقة وهي في الواقع كذبة ودعاية صهيونية. لقد تعرض الفلسطينيون لعملية تطهير عرقي كان معدًا لها مسبقاً. فهم وضعية فلسطيني الـ 48 الذين تطلق عليهم إسرائيل مصطلح "عرب إسرائيل" وهم الفلسطينيين الذين بقوا في أراضيهم بعد النكبة، حيث يشكلون اليوم ما يقارب 20% من المجتمع الإسرائيلي، ينظر إليهم القانون الإسرائيلي على أنهم مواطنين، إلا أن الواقع مختلف، حيث تميز إسرائيل في تعاملها ما بينهم وبين اليهود في غالبية الحقوق التي من المفترض أن تمنحها لهم. خاصة بعد صدور قانون القومية الذي ينص على أن إسرائيل هي "الدولة القومية للشعب اليهودي" وأن حق تقرير المصير فيها "يخص الشعب اليهودي فقط."

***

د. حسن العاصي

باحث وكاتب فلسطيني مقيم في الدنمرك

في هذة الحقبة التاريخية من تاريخ العرب، في لحظات، سيظهر مثقفون وكتاب قلائل يقاومون الإنهيار العام ويلوحون في نظر العامة كحفنة مجانين.

في لحظة المنعطف الأخير  يلوح التاريخ فيها ساكناً والمجتمع محنطاً، والسلطة راسخة وهي لحظات مكر التاريخ عندما لا يظهر بشكله الحقيقي، وخلف هذا السكون العميق تجري تحولات كبرى سرية الآن لنظام عالمي جديد ولد من رحم ضربات واوجاع (فيروس كورونا ومن نظام آحادي القطب).

ستنفجر دول  في  المنطقة العربية  في تحليلي الشخصي بحروب جديدة  يوماً بعامل ما (اقتصادي وفتنة طائفية. وصراع علي السلطة بين ايدولوجيات دينية وطائفية)   قد يكون عابراً.  لقد عشنا وعاش جيلي  وشاهدنا كيف سقطت دول دكتاتورية في ساعات، في شرق أوروبا وفي عالمنا العربي. سقط مبارك وزين العابدين ومعمر القذافي وعلي عبدالله صالح ومن قبلهم صدام حسين"" في منعطفنا لا القيم القديمة موجودة بل فقدت الهوية في حرب غزة الأن  تعيش سنوات التية، والقيم الجديدة قد ولدت، منهارة من مستقبل بلا امل، أي صراع.

في لحظات المنعطف الآخير  كالحروب الآهلية في منطقتنا اريد اجابة (من يحارب من في سوريا وليبيا واليمن)، يعيش العرب في دائرة الزلازل والعواصف السياسية الحادة، تنقلب الأشياء  ويصاب نظام القيم بضربة عنيفة ويختل وتدخل قيم ومقاييس طارئة منحرفة، وفي مرحلة المنعطف تظهر الكثير من العاهات

والتشوهات الاخلاقية والثقافية والسلوكية، فلا تستغرب من حرامي يتحدث عن الأمانة والفضيلة، ولا تستغرب من اصحاب الأمراض السيكوباتية  من معتوة ومختل ان يتحدث عن ضياع القيم والأخلاق وهو مؤسس لهذا الضياع، ولا غرابة أيضاً لو رأيت "حرامي يعاتب علي شاشات السوشيال ميديا. هذا يحدث في زمن الزلازل السياسية والطبيعية والعواصف الحربيةز والكوارث الطبيعية والمنعطفات الحادة، كالسرقات والاغتصابات وعمليات القتل العشوائي في مجتمعنا العربي من جرائم دخيلة علي المجتمع وأحياناً حتى في لحظة انطفاء الكهرباء اتذكر الأن اننا في المنعطف الأخير.. ومع ظهور ساسة وأحزاب في لحظات المنعطف، يظهر بالتزامن معها كتابها بل هؤلاء يسبقون الساسة في الترويج ويمكن أن نطلق عليهم" الممهدون" للخراب لآسباب مختلفة، وهؤلاء " المخبرون" بعناوين خبراء ومحللين ومعلقين في المحطات والصحف والمنابر هم في الواقع جواسيس وعيون للسياسيين بعناوين أنيقة، وكل وظيفتهم هي تبرير كل شيء وخلق العناوين الزائفة للخراب....،" لحظة المنعطف لا القديم فيها يموت بل يتفسخ، ولا الجديد يولد وتظهر الكثير من الأعراض والتشوهات". لحظة صراع بين قديم يراقب  ولا يموت، وبين جديد لا يولد فالولادة متعثرة وسوف يولد مشوة، لكن لحظتنا تختلف إنها لحظة صراع الإستهتار وليست صراعات تقليدية بين قديم وجديد وبين تقليد وحداثة وبين عولمة وانغلاق. زمن المعايير الفردية وانهيار المعايير العامة التي تضبط الإيقاع الاجتماعي تحدث عنة إبن خلدون سوف اسرد في نهاية مقالي عن مايحدث الأن ..،

زمن كل فرد فيه يحلل ويحرم حسب مصلحته. في لحظة المنعطف هذه يظهر وعاظ في كل شيء وفلاسفة في كل شيء وشعراء ورجال دين  وقساوسة بل أن أحد أكبر الحرامية يفكر بتكوين جبهة إنقاذ وطنية ومؤسسة أدبية وجامعة أهلية وحتى كنيسة وصالة قمار  ومرقص ومسجد وجمعيات خيرية للصوص ترتدي ثوب الشرف، حتي اقترح شخصية عامة زراعة الأفيون لحل المشكلة الاقتصادية والعملة الصعبة، وهو مسؤول عصابة للقتل على شكل حزب،  وهي الصيغة الدارجة.

في زمن انهيار المعايير أو إنقلابها، ندخل في مجتمع كتبت عنة مقال سابق " مجتمع التفاهات والفرجة"، حيث يصبح قول الحقيقة نوعاً من الزور وسط الزور العام يظهر الشكل الرمادي في كل الملفات المصيرية، يصبح الإنسان الطبيعي في نظر التيار السائد مجنوناً، تسيطر في زمن المنعطف أخلاق الغلبة والربح والخسارة، وسيئ  الحظ وغبي من يتحدث عن الصفاء الآخلاقي والجمال والوفاء والإخلاص العام والنزاهة الفردية أو الوطنية.سوف يتهم انة  عبيط (ابلة) حقاً لقد صدق "إبن خلدون" في" مقدمة كتابة " قبل "سبعة قرون":

(عندما تنهار الدول يكثر المنجمون والمتسولون والقوالون والمدّعون والمغنون النشاز؛ والشعراء النظّامون.. وضاربو المندل.. وقارعو الطبول والمتفيقهون.. وقارئو الكفّ والمتسيّسون والمدّاحون والهجّاؤون؛ والانتهازيون.. وتتكشف الأقنعة؛ ويضيع التقدير؛ ويسوء التدبير.. ويختلط الصدق بالكذب؛ والجهاد بالقتل؛ وعندما تنهار الدول يسود الرعب ويلوذ الناس بالطوائف؛ وتظهر العجائب؛ وتعم الإشاعة؛ ويتحول الصديق الى عدو؛ والعدو الى صديق.. ويعلو صوت الباطل.. ويخفق صوت الحق.. وتظهر على السطح وجوه مريبة.. وتختفي وجوه مؤنسة.. وتشح الأحلام؛ ويموت الأمل.. وتزداد غربة العاقل؛ ويصبح الانتماء الى القبيلة أشد التصاقاً والى الأوطان ضرباً من ضروب الهذيان.. ويضيع صوت الحكماء في ضجيج الخطباء.. والمزايدات على الإنتماء.. ويتقاذف أهل البيت الواحد التهم بالعماله والخيانة كما حدث في دول الربيع العربي .. وتسري الشائعات عن هروب كبير.. وتحاك الدسائس والمؤامرات.. وتكثر النصائح من القاصي والداني.. وتطرح المبادرات من القريب والبعيد.. ويتدبر المقتدر أمر رحيله؛ والغني أمر ثروته.. ويصبح الكل في حالة تأهب وانتظار.. ويتحول الوطن الى محطة سفر.. والمراتع التي نعيش فيها؛الى حقائب.. والبيوت الى ذكريات والذكريات الى حكايات  "كل أنواع التشوهات تتحول الى ظواهر" عادية" لشيوعها، الخيانة والسرقة والغدر والقتل والكذب وكل المساوئ تدخل في نسيج يعرف  بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وفي هذه الحالة لا شيء يثير الغرابة  كل شيء "عادي في المنعطف الأخير  "،...!!

***

محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث مصري

 متخصص في علم الجغرافيا السياسية

كان من مضاعفات الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة الفلسطيني،تكثيف المراقبة وتشديد المحاسبة على اصحاب الرأي الذين وقفوا الى جانب الحق الفلسطيني وتبنوا الشعار الذي ترفعه القوى الاسلامية عادة (من النهر الى البحر).

في الولايات المتحدة الامريكية وفي دول غربية اخرى صار ترديد هذا الشعار في وسائل التواصل الاجتماعي،يمثل موقفا معاديا للسامية،وكل موقف صريح ضد السلوك الاسرائيلي تاريخيا اوحاضرا يصنف غربيا بانه (ضد السامية) يستدعي محاسبة مطلقه وربما فصله من عمله او اعتقاله .

عمليا تفسر السلطات في الغرب ترديد شعار من النهر الى البحر،بأنه تكرار لموقف عربي قديم، كان يرفض اي شكل من اشكال التعامل او الاعتراف بوجود الدولة العبرية، ويصر على تحرير ارض فلسطين كلها من حدود نهر الاردن شرقا الى البحر المتوسط غربا .كان ذلك في ذروة الصعود القومي العروبي،وكان من يتجرأ خلاف هذا التفكير يلاقي صنوفا من الرفض والتخوين والشتائم السياسية،فالعرب عامة والفلسطينيون خاصة، رفضوا مبدئيا قرار التقسيم الذي اصدرته الامم المتحدة وتمسكوا بحق عودة اللاجئين،ورفض الكثير منهم خطاب الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة عام 1965 في مدينة اريحا الفلسطينية الذي دعا فيه الى القبول بقرار التقسيم واقامة الدولة الفلسطينية على الجزء الذي بقي من ارض فلسطين .

بعد هزيمة حزيران العربية عام 1967 وافول نجم التيار القومي واقرار النظام السياسي العربي باستحالة تحرير فلسطين كلها،حل التيار الاسلامي محل التيار القومي بالمطالبة بأزالة (اسرائيل) من الوجود، وعدم القبول بمعادلة الامر الواقع التي قبل بها النظام السياسي العربي، و جعل محور سياساته تقوم على مبدأ (الارض مقابل السلام)،بمعنى اعادة الارض الفلسطينية المحتلة عام 1967 الى اهلها، مقابل الاعتراف باسرائيل واقامة السلام وتطبيع العلاقات معها .الاسرائيليون هم من رفضوا اعادة الاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة بموجب القرار الدولي 242،ومهدوا بهذا الموقف لانقسام سياسي حاد بين قوى اسلامية ترفض القبول بوجود اسرائيل،وقوى غير اسلامية (قومية ووطنية) قبلت بهذا الوجود على امل اقامة دولة فلسطينية تنهي مأساة الشعب الفلسطيني،المائز بين الرؤيتين الدينية ومقابلها،ان الاولى جعلت الارض مركزا لايديولوجيتها في مقابل من جعل الانسان الفلسطيني مركزا لايديولوجيته السياسية،الاولى ترى الصبر والانتظار والمقاومة لحين انهيار معادلات القوة الراهنة ومن ثم انهيار الكيان الصهيوني،وهذه الرؤية ترتبط بتفسير للتاريخ وللخطاب القرأني والمستقبل الموعود ب (ظهور المهدي ونزول المسيح عيسى)، ولم يكن مستغربا ان يربط قادة عسكريون وخطباء دينيون وارباب خطاب اعلامي، ماحدث في المعركة الاخيرة (طوفان الاقصى) وبين تصورهم لنهاية التدافع السياسي والعسكري والمفاهيمي الجاري في منطقتنا،فهنا معسكر للمقاومة يتبنى رؤية دينية -سياسية،لاتعبأ بالمعادلات السياسية القائمة ولا تلقي بالا لما تفرضه  العلاقات الدولية والاقليمية المستندة الى منطق القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية والتكنولوجية،معسكر المقاومة يتبنى ستراتيجية (وحدة الساحات) في مقابل مايسميه وحدة المعسكر المقابل،ويدعو الى مراكمة النتائج تدريجيا والصبر على اشاعة ثقافة المقاومة اعلاميا وفكريا وتثوير الساحات الداخلية في الدول القائمة وتهديد المصالح الغربية خاصة الامريكية ومشاغلتها في عموم مساحات انتشارها لاسيما في العراق وسوريا والبحر الاحمر والخليج،لاتتحدث الفصائل الاسلامية عن الاشكاليات التي تحدث في ساحاتها الداخلية،حينما تتعارض افكارها وشعاراتها وايديولوجيتها مع الانظمة السياسية القائمة والتزاماتها القانونية وعلاقاتها الدولية،ولاتريد الخوض في اشكاليات خطيرة مثل من (يملك قرار الحرب والسلام)،في الدول القائمة،فتخرج عن الموقف الرسمي وتتصرف بمفردها بناء على تفسيرها للوقائع والاحداث دونما حساب لارتدادات هذا الموقف على مصالح الشعوب والدول القائمة ، فالقضية عندها تتلخص في الشعار التاريخي (لاصوت يعلو فوق صوت المعركة) والمعركة في عرف وتفسير معسكر المقاومة هي المواجهة المستمرة .يمكن ملاحظة الجدل السياسي القائم حاليا في ايران والعراق ولبنان وداخل الساحة الفلسطينية وعموم المنطقة العربية للتأكد من اختلاف التصورات بين الرؤيتين،رؤية معسكر المقاومة وبين الرؤية الموازية التي ترى ان الصراع في المنطقة الذي امتد لاربعة اجيال لم يقترب من الحسم،وان ادارة الصراع ماتزال موزعة بين اتجاهات عديدة لايحتكرها التيار الاسلامي وحده،وان ستراتيجية وحدة الساحات تواجه تحديات جدية،فالجمهورية الاسلامية الايرانية مثلا وجدت ان مصلحتها تقتضي عدم الانجرار وراء دعوات المشاركة في الحرب القائمة،فيما ضبط حزب الله في لبنان مشاركته ضمن قواعد اشتباك لاتصل الى مستوى الحرب الشاملة .

ورغم اصرار القوى الاسلامية على شعارها الاثير (من النهر الى البحر) لكن المساحة تضيق عمليا على من ينادي بذلك بعدما غدا حل الدولتين مورد توافق دولي،وبدون هذا التوافق لن يكون للقضية الفلسطينية افق سياسي معقول في ظروف الصراع القائمة،فالقوة المسلحة وحدها لن تحسم الصراع في ظل الواقع الدولي القائم على الدفاع المستميت عن (حق اسرائيل في الوجود !!)،مااعاق هذا الحل حتى الان هو التيارات الدينية المتطرفة واليمين الاسرائيلي الذي يرفع شعار من النهر الى البحر معكوسا،فهذه التيارات ترفض وجود حق للشعب الفلسطيني على ارضه، وترى ان الحل يكمن باقتلاع الفلسطينيين من ارضهم وتهويدها بدعوى انها ارض اسرائيل التاريخية !!؟؟. وتنظر هذه القوى المتطرفة الى قيام دولة فلسطينية ذات سيادة بانها خطر داهم،في مقابل هذه الرؤى المتشددة،كانت هناك رؤية ترى ان حل الدولتين لن ينهي الصراع لاسباب دينية وهوياتية رغم امكانية تحققه عمليا ، بسبب الرفض الاسرائيلي والضعف العربي والانحياز الدولي الذي يمنع الضغط الفعال لانجازه عمليا، وان الحل هو في قيام دولة علمانية يتعايش فيها اليهود والفلسطينيون على ارض فلسطين بحيث تتساوى فيها حقوق المواطنة والمشاركة في ادارة الدولة،وهذا هو الحل الوحيد برأي دعاته للخلاص من هذا الصراع المستعصي .غير ان هذه الرؤية لم تنضج ولن تنضج قريبا حتى يقتنع الصهاينة والفلسطينيون بهذا الخيار الذي يحاربه الدينيون والمتطرفون واليمينيون على الجانبين .

***

ابراهيم العبادي

لسنا في حاجة إلى أن نطيل البحث عن الأسباب التي أدت إلى إطالة وتيرة هذه الحرب المدمرة التي اشتعل أوارها قبل سبعة أشهر ونيف في عاصمة السودان، والتي حتما سوف تعيق هذا البلد المترامي الأطراف، على أن ينهض بعد انحطاط، أو يستيقظ بعد سكون طويل، هذه الحرب اليباب على اختلاف مشارب أصحابها، وتباين ارائهم، وتقاطع مواقفهم السياسية،  أعادت السودان إلى دهر طويل من التقهقر والتخلف، والسودان مما لا شك فيه، يحتاج إلى أن يقطع كل ما بينه وبين التقهقر والتخلف من صلة، وأن يوثق صلاته بأسباب النهضة والتحضر، وفي الحق أن هذه الحرب الطاحنة التي سوف نتحدث عن قيمتها وعن نتائجها في هذا المقال والمقال الذي يليه، ليست وليدة اليوم ولا الأمس،  إنما مضى عليها عشرات السنين، ونحن إذا ابتغينا الإنصاف في زعمنا هذا، نقول في ثقة واعتداد، أن هذه الهيجاء مضى عليها أكثر من قرن، نعم سادتي لم تخمد نار هذه الحرب منذ أكثر من قرن، بل كانت تزداد في كل يوم قوة وضراوة حتى وصلت إلى هذه الصورة الفجة والمقيتة التي نشاهدها اليوم.

من السهل علينا أن نزعم أن حرب السودان التي مضى عليها أكثر من قرن، لم تكن السياسة وحدها هي من تتحيل اجتذابها واشعال فتيلها، كلا،فبعيدا عن الأوهام، وتنميق الألفاظ، كما يقول عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، نستطيع أن نعترف بأن من أهم أسباب قيام هذه الحرب هي العاطفة والشعور، ولعل من المعقول أن نسأل في رتابة عن سر هذه الكراهية والبغضاء بين مكونات الشعب السوداني،فطبقات الشعب السوداني على اختلافها ترزح تحت نير ضغائن وأحقاد كثيرة ومعقدة، بعضها أتحفنا بها التاريخ القريب، وأخرى جاءت من خطل الساسة الذين في العادة يجيدون العزف على أوتار المنفعة والتقريب، وبحكم الطبيعة الاجتماعية لتلك القبائل التي تسعى لخلق وشائج مع الواجهة السياسية، تذعن هذه القبائل سواء قلت أو كثرت، لتوجيهات أرباب الحكم والتشريع، ومما لا يند عن ذهن، أو يلتوي على خاطر، أن تلك القبائل قد تكلفت نظير هذه الكراهية أهوالا وضروبا من العناء، وأطيافا وألوانا من الشدة، لقد هيمنت هذه الكراهية على جميع فروع الحياة حتى شملت الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، وبقيت أسباب هذه الكراهية والبغضاء دائمة موفورة وجذعة في حنايا القبائل والإدارات الأهلية التي تعمل على تأجيجها حتى تمتد وتستطيل، زعماء القبائل والساسة الذين لا ينزلون كل القبائل في منزلة واحدة، هم من أغرقوا الشعب السوداني في هذا المستنقع الآسن، ومن نافلة القول أن نشير إلى بعض الحكومات التي أسهمت في تأطير القبلية، وأجادت في سبك نظمها،وبلورةشخصيتها ، وتعد حكومة الإنقاذ الوطني التي ظلت قابضة على أعنة الحكم لثلاثة عقود، هي أفضل دليل نستطيع أن نقدمه في طرحنا المتعجل هذا، نحن لا نستطيع أن نجيب بنفي أو إثبات عن مدى تورط الساسة في تعكير صفو النظام الاجتماعي على مدار تاريخنا الحديث والمعاصر، ولكننا نقر بقبول وتماهي بعض القبائل مع النظم السياسية التي تعاقبت على حكم السودان، سواء كانت هذه النظم السياسية معتدلة أو متطرفة، فقد تجاوبت معها هذه القبائل حتى تحتفظ بكينونة القبيلة قوية صلبة، ولعل من الحيف الذي لا يضاهيه حيف، والاعتساف الذي لا يماثله اعتساف، أن نمضي مسرعين في تهمنا التي نكيلها ضد الساسة، وضد زعماء العشائر، والإدارات الأهلية، دون أن نعضد تهمنا تلك بالبراهين الساطعة، والأدلة الدامغة، ولكن من خلال معرفتنا بطبائع شرقنا العربي والأفريقي، ومن درايتنا بالمبادئ والحقائق المؤيدة بالبرهان، لنا أن نجزم بأن صولجان الحكم يسعى دوما لحشد القبائل وأعيانها وضمهم تحت ساحته، والقبائل بدورها يسعدها  هذا التقارب فهي تطمح أن ترتقي بتضافرها وتضامنها مع الرتب الرفيعة وأصحاب المجد والسؤدد، وتظهر هذه القبائل سرورها بهذه الروابط مع أهل السلطة دون حياء أو خجل. هذه العرى بين السلطة والقبائل صحيحة إذن، وعلى مدار التاريخ اندفعت معظم القبائل إن لم تكن كلها، اندفعت متجاوبة أو رافضة،اندفاعا لا حد له مع النظم السياسية، حتى أصبحت المنافع المادية هي الحالة الروحية التي نعبر عنها من أجل نصرة القبيلة، وهي الغاية التي يشاد عليها عمران الأصول في السودان، أما الوطنية والهيام بها، والحرص عليها، فليس لها في أفئدتنا نصيب وافر. 

إن وتيرة الرقي في أرض النيلين بعد أن تضع هذه الحرب أوزارها، ستكون بطيئة شديدة البطء، وسيكون الانصهار مع بوتقة القبيلة، قائما على أساس منيع يضمن له البقاء والتجدد، فالعصبية التي ما هي إلا أثرا من آثار القبلية والتي تعد من أهم مقومات نظامنا الاجتماعي في السودان، ستظل على أقل تقدير محتفظة بقوالبها التي ستكون لها عواقب شديدة الخطر، خاصة بين أوساط تلك القبائل المنضوية تحت لواء قوات الدعم السريع، فهذه القبائل عصبيتها لا تخمد أو تزول، والذي آراه أن هذه العصبية وإن كانت متأصلة في كل قبائل الشرق والشمال والوسط، فهي متجذرة في قبائل غرب السودان، وفي حياة شعوبها الواقعة تحت سيطرة هذه الحمية، ومما لا ظن فيه أو جدال، أن السودان ذلك الوطن الذي تركض فيه المصائب، وتتسابق إليه النكبات، سيحتاج إلى وقت طويل حتى تكف العصبية عن نفث حممها في بواديه.

نواصل ما اتصل الأجل

***

د. الطيب النقر

كان همنا الأول قديماً أن نتخلص من الاستعمار فتخلصنا منه، فإذا بالاستعمار يترك لنا أذناباً وعملاء، فبات همنا التخلص من العمالة والتبعية، فإذا بنا نكتشف اليوم أن الأمر أبعد من مجرد كونه حلماً يراد له التحول إلى حقيقة. إذ أن سايكس بيكو وخرائط التقسيم كانت مجرد بداية، واليوم نحن نشهد امتدادات لخرائط التقسيم، يتم فيها تقسيم المقسم وتفتيت المفتت إلى أجزاء وشراذم. حتى بين الشعوب، هناك تعمد للتفريق بينها وإثارة نعرات التعصب ونزاعات البغضاء بين البلدان المتجاورة بل بين مكونات الشعب الواحد.. فعروبتنا المكلومة تتعرض اليوم أكثر مما مضى لتهديدات وجودية كبري!

أما لغتنا العربية فهى فى برج ذهبي وحدها، لا يستطيع المساس بها أحد. وشأنها اليوم أقوى عشرات المرات من ذى قبل، ولسوف تبقى أطول وتمتد أوسع وتزدهر أكثر من ذى قبل؛ وشواهدى على هذا وأدلتى عليه أكثر من أن يستوعبها مقالى هذا.

مبدأ يوشك على الزوال

يظل سؤال الهوية يتردد على الألسنة: من هم العرب؟ .. والسؤال إما أصولى تاريخى يعود بنا إلى عهد قحطان وعدنان والعرب العاربة والمستعربة، أو يمتد أكثر إلى ما قبل سبأ وسد مأرب، بل وحتى ما بعد طوفان نوح وذرية حام وسام ويافث! والتأصيل التاريخى هنا لا يعنينا كثيراً ، بل تهمنا الإجابة الديموغرافية أكثر! حيث العرب هم من ينتمون جغرافياً إلى حدود الوطن العربي المعروفة، وهى الحدود التى لم يعد لها اليوم مغزى أو تأثير إقليمى أو دولى كبير..

هناك قلق عميق لدي بعض المثقفين والكتاب على مستقبل الوحدة العربية المفتقدة؛ بعد تفكك المغرب العربي وتحلل مجلس التعاون الخليجى وخفوت صوت جامعة الدول العربية لتنغلق كل بلد عربي وتلتف على ذاتها مكتفية بمصالحها وهمومها دون أدنى اكتراث بهذا المبدأ الذى بدأ يضمحل شيئاً فشيئاً فى ظروف غامضة.. مبدأ العروبة!

تشرذم وضعف نعم.. لكن وحدتنا موجودة ومن السهل إعادة إحيائها بفضل قوة لغتنا العربية.

لغتنا الأقوى

مسألة الانتماء إلى أصل عرقى محدد كالعرق العربي الأصيل تفرِّق أكثر مما تجمع؛ إذ أنها تلغى فكرة انصهار الحضارات وامتزاج الأعراق كما هى عادة التاريخ فى كل مكان، وإلا بات الأسبان هم عرب أوروبا، والأمازيغ هم أوربيو العرب! وأصبح على كل ذى جذور غير عربية ويسكن فى بلاد العرب أن يفتش فى هذه الجذور ثم يدعو للاستقلال والانفصال عن بلاد العرب..

هكذا نفهم أن العروبة كحالة اجتماعية وإنسانية أضعف كثيراً من أن تصنع غراءً قوياً تنسجم معه أشتات الأصوليات العرقية فى شتى ربوع الوطن العربي. لكن اللغة العربية أقدر كلغة تفاهم على رأب مثل ذلك الصدع الذى تنفذ منه قوى الاستعمار وعملائه لإحداث الفرقة بين مكونات الشعوب العربية على أساس الانتماءات العرقية تحت مبدأ فرق تسد..

وفيما ينجح الاستعمار فى إنهاك مبدأ العروبة لتحقيق مزيد من التشرذم والتفكك بين العرب، فإنه قد فشل فشلاً ذريعاً فى كبح جماح اللغة العربية التى تتمدد خارج إطارها المرسوم لها فى سايكس بيكو لتنطلق إلى أبعد مدى ممكن فى الجهات الأربعة!

ولعل هذا ما يفسر تلك الحملة الأوروبية الشعواء الموجهة ضد القرآن الكريم ولغته التى غزت كل الألسنة وانتصرت على سائر لغات العالم. فلا تجد مسلماً من المسلمين الجدد فى أى بقعة فى العالم إلا ويحرص على حفظ القرآن بلغته العربية المنطوقة مهما كانت لغته الأصلية ألمانية أو يابانية أو إسبانية أو صينية. والأرقام تؤكد أن الإسلام بات اليوم هو الديانة الأسرع انتشاراً فى الشرق والغرب، تلك حقيقة لا ينكرها أحد.

العرب فى عصر مضطرب

الانتماءات والولاءات تتغير باستمرار، خاصةً فى عصر مضطرب يموج بالتحولات كعصرنا هذا!  وليس مستغرباً أن تتجه البوصلة فجأة نحو الصين، بعد أن مالت لعقود طويلة ناحية الغرب الأمريكي. حتى أوروبا نفسها تغير جلدها وتتنكر للهيمنة الأمريكية طبقا لمصالحها اليوم. وإفريقيا بدأت فى فك الأغلال التى تربطها بتاريخ طويل من الاستعباد لتنطلق نحو الحداثة وتعوض ما فاتها فى أحقاب الاستعمار والاستغلال والعبودية والنهب المنظم.

العالم اليوم، والعرب بالضرورة، فى مفترق طرق. وهناك أزمات مفصلية سوف تؤدى لتحولات فارقة فى المشهد الثقافى والاجتماعى والإنسانى. وإذا لم نحدد أولوياتنا ووجهتنا فسوف نقع فى عين عاصفة عاتية توشك أن تتكون وتتضخم وتتسع حتى يكاد اتساعها يشمل أطراف الأرض الأربعة كأننا مقبلون على حالة من إعادة تشكيل خارطة العالم من جديد.

هنا لن يعود مصطلح العروبة فى ذاته هدفاً أو مرتكزاً للبناء عليه، وإنما المتحدثون بالعربية فى أى مكان بالعالم. حيث يصير كل لسان عربي فى أى مكان هو لسان داعم لقضايا العرب فى كل وقت وفى أى مكان.

التعريب.. بابنا السحرى للغد!

ليس علينا أن نلهث خلف حلم الوحدة العربية المهيض. بل الأولى أن نستقوى بلغتنا العربية التى تجمع إلى قوتنا قوى جديدة. وإذا كان مصطلح التعريب يعنى فى بعض المفاهيم مجرد الترجمة للعربية، فإن المعنى الذى أقصده أشمل وأعم..

إننا مقبلون على حقبة ثقافية جديدة تمتزج فيها الألسنة داخل الفضاء السيبرانى الواسع. وتصبح الغلبة لذوى التأثير والابتكار والريادة، ولاشك أن الذين يسبقون إلى استخدام أدوات العصر القادم هم القادرون على الدفع بسفينة النجاة فى اتجاه مصالحهم. وأدوات العصر القادم هى التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى والميتافيرس والروبوت. ومن بين رواد هذه العلوم فى الغرب الآن أشخاص من أصول عربية، ما يعنى أن فرصة العرب للعالمية تتمثل فى قدرتهم على تجاوز الحدود والتأثير على الآخرين من خلال معارفهم التى اكتسبوها باحتكاكهم المباشر بمصادر العلم والمعرفة من منابعها..

وفى مقال سابق أشرت إلى أننا مقبلون على حقبة ثقافية جديدة أسميتها "حقبة الموزاييك" حيث يغيب تأثير الهيمنة الثقافية واللون الثقافى الموحد، وتتسارع وتيرة الاختلاط والامتزاج الثقافى من خلال تبادل الأفكار والفنون والحرف والعلوم والتقاليد عبر وسائل السوشيال ميديا ومقاطع الفيديو التى تسري بين الناس وتعبر الحدود وتتجاوز الآفاق كالعدوى، فتكون النتيجة أن تظهر موجات من الموضة الثقافية لم تبثها بيوت الأزياء الفرنسية وإنما تختلقها وسائل السوشيال ميديا، وعادات يكتسبها الناس لا من نجوم هوليود المنمقون وإنما نجوم اليوتيوب العاديون فى الشرق والغرب.

العروبة كمفهوم اجتماعى نوع من التعصب والتقوقع، بينما لغتنا العربية هى سر بقاءنا وفيها تكمن هويتنا الحقيقية. العروبة متغير حضارى، بينما لغتنا العربية ثابت معرفى. وإذا كان تشبثنا بحلم العروبة أدى بنا إلى ضعف وتردى، فلا شك أن تشبثنا بلغتنا العربية سيؤدى بنا إلى قوة كقوتها هى.

اللغة العربية هى بابنا الحقيقي لمزيد من الفهم والمعرفة والعلم. وربما كانت هى وسيلتنا الوحيدة للعالمية!

***

د. عبد السلام فاروق

قانون حظر الألعاب المحرضة على العنف رقم ٢ لسنة 2013 حرم الاستيراد أو تصنيع أو تداول أو بيع الألعاب المحرضة على العنف ومنها الألعاب النارية،جاء ذلك في المادة الأولى منه، وأضاف، يعاقب القانون على ذلك العمل بالحبس ٣ سنوات وبالغرامة ١٠ مليون دينار لمن يخالف هذا التشريع .ولكن في المناسبات والأعياد تنتشر مثل تلك الألعاب وتمارس دون ضوابط في شوارع المدن العراقية. وهذا الشيء يشي بوجود خرق فاضح للقوانين، ووجود شبهة تواطئ بين بعض الأوساط في مؤسسات الدولة والأطراف  المنتفعة من المتاجرة وبيع تلك السلع، مما يجعل الجهات المعنية  بتنفيذ القانون أي وزارة التجارة غير قادرة على منع استيرادها وبيعها وانتشارها، أو غير موقنة بخطورة ما يعنيه تداول مثل هذه البضائع المؤذية ، ولم تضع في الحسبان كون هذه الألعاب تشكل ليس فقط عامل خطورة وإيذاء للطفولة، وإنما تعد عملية تخريب متعمد لنفوس أجيال قادمة، سوف تبقى متمسكة بلغة السلاح والعنف كحلول حاسمة للنزاعات والخلافات. بل هناك ما يشير لكون المؤسسات المسؤولة مغلولة الأيدي لا تتجرأ على أخذ زمام المبادرة والسيطرة على استيراد وبيع هذا النوع من الألعاب، بالرغم من وجود القانون والتحذيرات الكثيرة والتنبيه الذي أطلقه الكثير من السياسيين والمواطنين الذين يستشعرون الخطر من عمليات الإيذاء والعنف المتولد جراء تلك الألعاب.

لحد الآن تفتقر المؤسسات المسؤولة عن إنفاذ القانون وهي وزارة التجارة ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية لسلطة ردع حازمة تأخذ بالحسبان وضع الشارع العراقي المحتقن،وما تسببه تلك الألعاب من إيذاء وخسائر مادية وبشرية. وبالرغم من قيامها بتنظيم العديد من الورش لدراسة الظواهر الاجتماعية المسيئة والخطرة، ومحاولاتها وضع الحلول للسيطرة عليها. ولكن في المخارج النهائية لتلك الورش، دائما ما تضيع الجهود هباءً في زحمة ترديد النصائح والشعارات. ونجد أن الترويج للمصالحة الوطنية والسلم المجتمعي الذي تتشدق به بعض الأوساط السياسية والمجتمعية لا يصل لمستوى الأحداث والمخاطر التي تسببه تلك الألعاب، ولم نلمس معها نتائج عملية وعقلانية على أرض الواقع. فاستراتيجيات وسلوك تلك الأطراف يجافيان كليا تلك القيم الحريصة على وضع الخطط والمعالجات السليمة لتدارك تفشي مثل تلك الظواهر، بل بات واضحا كون ازدواج المعايير هو النموذج الظاهر لتفسير الكثير من الأفعال والأعمال المستهجنة وغير الأخلاقية التي ترتكب ويجري التمويه عليها بمقولات مخادعة ومضللة.

تنشئة الطفل والحفاظ على خصوصياته ومنع الأذى عنه ووضع الخطط المناسبة لرعايته من أولى مهام الدول والجماعات المتحضرة (أقول المتحضرة) وقد ذهبت الكثير من المقولات الدينية عند مختلف شعوب الأرض، وكذلك القوانين الوضعية لذات الاتجاه. ونصت اتفاقية حقوق الطفل الدولية التي تعتبر جمهورية العراق إحدى الدول الموقعة عليها، في المادة 29 منها على:

* توافق الدول الأطراف على أن يكون تعليم الطفل موجها نحو:

-  تنمية شخصية الطفل ومواهبه وقدراته العقلية والبدنية إلى أقصى إمكانياتها.

- إعداد الطفل لحياة تستشعر المسؤولية في مجتمع حر، بروح من التفاهم والسلم

والتسامح.

- تمنع أشكال العنف والتعسف في الأسرة والمدرسة والمجتمع.

ونصت المادة 17 من ذات الوثيقة على:

تعترف الدول الأطراف بالوظيفة الهامة التي تؤديها وسائط الإعلام وتضمن إمكانية حصول الطفل على المعلومات والمواد من شتى المصادر الوطنية والدولية، وبخاصة تلك التي تستهدف تعزيز رفاهيته الاجتماعية والروحية والمعنوية وصحته الجسدية والعقلية، وتحقيقا لهذه الغاية، تقوم الدول الأطراف بما يلي:

ــ تشجيع وضع مبادئ توجيهية ملائمة لوقاية الطفل من المعلومات والمواد التي تضر بصالحه.

وذُيلَ القانون العراقي لحظر الألعاب المحرضة على العنف رقم ٢ لسنة 2013 ، بالأسباب الموجبة لتشريعه، حيث حدد ذلك، وببغية نبذ العنف بين الأطفال وليكون هدفا في إشاعة روح التسامح والتعاون وتقديم السلوك الاجتماعي والتربوي لخلق جيل سليم، هكذا.

والغريب أيضا أن المادة المدونة في الدستور العراقي الذي صوت عليه عام 2005 تحمل ذات الرقم الموجود في اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة وهو الرقم 29 الذي يشير فيه الدستور العراقي:

ـ  تتكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة والشيخوخة، وترعى النشئ والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم.

ـ يحظر الاستغلال الاقتصادي للأطفال بصوره كافة، وتتخذ الدولة الإجراءات الكفيلة بحمايتهم.

ـ تمنع أشكال العنف والتعسف في الأسرة والمدرسة والمجتمع.

بينت إحدى الدراسات المتخصصة لمنظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة في بغداد، أن عدد الأطفال الأيتام في العراق يقدر بنحو 5 ـ 6 ملايين طفل وهم في تزايد نتيجة الوضع الأمني غير المستقر والسلاح المنفلت وحالات العنف الأسري والبطالة والمخدرات.وفي مواجهة هذا الوضع المأساوي فأن المؤسسات الحكومية تفتقر لرؤية واضحة ومنهج فعلي يتبنى إستراتيجية تعنى بشؤون الطفل اليتيم والمشرد، والأدهى من ذلك، إنها وفي الكثير من الأحيان جعلت الأمر سائبا وعلى قاعدة -(لها حلال الذي يحلها). ولم تبذل تلك المؤسسات الجهود المناسبة بما يساعد على إنقاذ الطفولة وكفالة الطفل والحفاظ عليه ومنعه من الانزلاق والسير في المسالك والطرق الخطرة والمؤذية.

ومع ضخامة الأعداد المنتشرة في شوارع العراق لم نر حلولا واقعية ومباشرة ومستعجلة من المؤسسات العراقية للسيطرة على العمالة المبكرة للأطفال والتسرب من المدارس وأطفال مخيمات النازحين وأرقام اليتامى والمشردين المتزايدة لا بل المرعبة، ومحاولات إشراكهم بمختلف الجرائم مثل السرقات والاحتيال والنصب والتسول، أو زجهم بالخصومات والنزاعات العشائرية والطائفية. ويبدو أن المؤسسة الحكومية المسؤولة عن الحراك المجتمعي، باتت مقتنعة بأن مثل هذه المهام ملقاة على عاتق منظمات المجتمع المدني التي تتلقى المساعدات من المنظمات الدولية ومن بعض الخيريين ، أوترك هذا الأمر للمبادرات الفردية الخيرية لوضع الخطط والبرامج التي تدفع عن الطفل الأذى والسلوك المشين، وتمنعه من الاشتراك في العنف والولوج في عالم الجريمة.وللحقيقة فقد تبنت هذا الشأن بعض مؤسسات فقيرة شحيحة الموارد لا تقدم إلا النزر اليسير ولعدد يبدو صفرا أمام الأرقام المهولة من الأطفال اليتامى والفقراء والمشردين.

ومن النماذج التي من الممكن أن تعطي الصورة الحقيقية لعدم الاهتمام بل التقصير بشأن الطفولة ذلك المشهد الغريب والمستهجن للمؤسسات الحكومية التي نأت  بنفسها بعيدا وهي تشاهد القسوة والعنف في ممارسات غير حكيمة يتم فيها استغلال الطفولة لاستدرار العواطف والشحن الروحي والطائفي من خلال إشراك الصبيان والأطفال في العديد من المناسبات ودفعهم لممارسة التعذيب الجسدي والنفسي في عمليات جلد وشطب الأجساد بالآلات الحادة الجارحة.ومثلها أيضا الانتشار الواسع لألعاب السلاح وآلات العنف.

فإن كانت سلطة حزب البعث قد عملت على تغذية روح القسوة وتنشئة أجيال من العراقيين المخربين نفسيا وجسديا بمشروعها الفاشي، وفي واحدا من أبعاده المجنونة المتمثل بعسكرة المجتمع، مثل زج صغار السن في معسكرات الفتوة وجيش القدس والطلائع.فأن الحكومات المتعاقبة ما بعد سقوط البعث أهملت كليا شأن الطفل وتركته وحيدا في مواجهة وضع مأزوم ومنفلت وفقر مدقع، وحال يغري البعض من تجار ومروجي العنف المجرمين لاستغلاله وإشراكه في عالم الجريمة الواسع.

رغم تحذيرات منظمات المجتمع المدني المهتمة بشؤون الطفل من انتشار ثقافة استخدام لعب السلاح بين الأطفال فأن الحكومة مازالت إجراءاتها قاصرة تجاه تصرف مجرمي وتجار العنف والحروب من الموردين لهذه الألعاب، الذين لا يهمهم غير كسب الأرباح وبعد ذلك فليأتي الطوفان. ففي مفارقة غريبة يطابق صبية الشوارع في ألعابهم بين مشاهد العنف في الألعاب الالكترونية مثل (خماسي،بوبجي، معركة الشوارع،تيك توك، معركة بغداد، القوات الخاصة) وهذه الألعاب اليوم تجعل الطفل يحاول محاكاة مشاهدها ويقلد حركات شخوصها في إعادة تمثيل لأفعال القتل والنزاعات بين الشرطة أو الجيش بمواجهة العصابات والجيوش المقابلة، أو تمثيل لعمليات الاغتيال ومشاهد السطو المسلح ونصب الدوريات والكمائن. وقد استطاع تجار الألعاب ومنها ألعاب السلاح تغذية السوق العراقية بالكثير من أنواع اللعب البلاستيكية والأقراص الليزرية التي تحاكي فعل العنف والمعارك الطاحنة والسلاح المنفلت، دون أن يكون هناك ضوابط أخلاقية تبعد مناظر القسوة هذه عن أذهان وأرواح الأطفال والصبية. فصاحب المتجر يستعد لاستقبال الأعياد والكثير من المناسبات بضرب القانون عرض الحائط، ويقوم بتوفير وتهيئة أنواع عديدة من لعب الأطفال وبالذات لعب الأسلحة التي تضم نماذج متنوعة لبنادق ومسدسات ومفرقعات لكونها الألعاب الأكثر رواجا ومبيعا بين الأطفال وهي المفضلة لديهم بعدما اعتادوا مشاهدتها على حقيقتها وسماع أصوات لعلعتها في الكثير من المناسبات .وهي بالنسبة لهذا التاجر تدر عوائد جيدة.

ربما أن المشرع العراقي لم يلتفت لنوعية الإلزام الموجب وضعه من أجل أن تأخذ به السلطات للحد من مثل هذه الحالات، لذا لم يضع في حساباته أن لا وجود لتشابه بين شيكاغو وتكساس مع المدن العراقية، لذا فضل أن يترك الأمر على الغارب. وليس من الموجب قطع أرزاق الناس حتى وإن كان ذلك على حساب تخريب نفوس الأطفال ونشر وإشاعة لغة القسوة والجريمة بينهم.وربما لبعض المتنفذين الحكوميين أو الحزبيين خيار يتوافق مع هذا التفكير وعلى المؤسسات صاحبة الشأن الاكتفاء بالتفرج. فهناك من بين هؤلاء من يؤمن بأن لغة العنف وحوار الأسلحة من صفات وشيم الفروسية والشجاعة والأيمان العقائدي، الذي أوصت به بعض المقولات الدينية والعشائرية التي لامناص من الالتزام بها كي لا يكفر البعض ويخالف النواميس والأعراف والمقدسات.

***

فرات المحسن

في ظل عملية الهدنة الحالية "رباعية الأيام"، بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني، نريد ان نسأل أسئلة مهمة ضمن رغبتنا في تعزيز حالة الوعي والبصيرة عند شعبنا العربي في كل مكان، وايضا لتحريك ذهنية النقد والتفكير والتحليل، بعيدا عن العواطف والاثارات الاندفاعية الخارجة عن واقعية الحياة والقوانين الموضوعية لطبيعة الحركة.

فلنسأل أنفسنا؟ هل تستحق عملية طوفان الأقصى؟ وما حدث فيها من "انتصار عسكري"؟ هل يستحق هذا الانتصار في تلك المعركة الهجومية كل ما تبعها من "انتقام" قام به الكيان الصهيوني مدعوما من دول حلف الناتو وعلى رأسهم الولايات المتحدة الامريكية؟ مع كل ما تحركت به هذه الدول وذلك الحلف وهم راضيين ومؤيدين ومساندين لذبح المدنيين الفلسطينيين وسعادتهم لتفجير الأطفال والنساء والرجال في القصف العشوائي المتواصل ضد المنازل والعمارات السكنية والمدارس والمستشفيات؟ والذي استمر على طول خمسين يوما ولم يصيب حسب معلوماتي "عسكري واحد" من المقاومة الفلسطينية، ولا حتى نقطة مسلحة يتيمة؟

ان كل هذا القصف والتفجير الصهيوني اذى ودمر وحطم كل ما هو فلسطيني "مدني" غير عسكري يعيش على ارض غزة المحتلة صهيونيا والمحاصرة منهم منذ أكثر منذ أكثر من ستة عشرة سنة، وهذه المسألة أيضا "جريمة حرب" مستمرة تعامى واغلق عيونه عنها كل العالم.

صحيح ان هناك هزة وزلزال أصاب الكيان الصهيوني بعد هزيمته العسكرية المذلة والتي تمسخر فيها مع ظهور الملابس الداخلية لنخبة قواته المسلحة من جنود وضباط والتي رآها كل العالم على وسائل الاعلام المحلية والدولية، وهذا جزء بسيط من الانتصار "العسكري" الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني وهو القاعدة العسكرية المقامة على ارض دولة فلسطين العربية المحتلة.

وصحيح انه أصبح هناك تعاطف عالمي "شعبي" غير حكومي غربي واسع مع القضية الفلسطينية ينصر الحق العربي، ولكن هذا حصل وجاء مع مأسي فقدان الأمهات والإباء والاخوة والغاء عوائل بكاملها من خريطة الحياة من الأجداد الى الأبناء الى الاحفاد حيث أصبحوا كلهم امواتا وان كانوا احياء عند ربهم يرزقون.

حيث على الرغم من التعاطف الفلسطيني – الفلسطيني نحو "تنظيم حماس"، الا ان "كثرة الخسائر" في أرواح المدنيين جعلت هناك من يعيد تفكيره في موضوع "جدوى الحرب" و"نفع المقاومة" ؟!

هل يستحق ذلك؟ كل هذه التضحيات؟ وتستمر اسئلتنا حيث نقول:

هل ستستمر الفصائل الفلسطينية في حصولها على نفس الزخم الشعبي في تأييدها والارتباط معها في المناصرة والدعم من الناس؟

ماذا يتعلق في التنظيمات الفلسطينية الأخرى في الضفة الغربية والقطاع وكذلك تنظيم حماس نفسه؟ إذا جرت انتخابات فلسطينية مرة أخرى؟ من سيحصل على كفة الفوز الشعبي؟ ومن سيحصل على المشروعية القانونية الانتخابية من خلال "عداد الصندوق" هذا السؤال نطرحه رغم كل رفضنا وتحفظاتنا ورأينا على تلك العملية أساسا؟!

ولعل مسألة حصول انتخابات فلسطينية حسب الواقع الموجود حاليا في كانتونات الفصل العنصري في الضفة وقطاع غزة فلعل ذلك يكون أحد مؤشرات قياس الغضب ضد هذه التنظيمات فأما تثبيت وجودها في الواقع او إطلاق تنظيمات فلسطينية جديدة أخرى؟ وان كانت مسألة الديمقراطية وتعبيرها عن الرأي الشعبي مسألة فيها "جدل ثقافي" ولكن هذا موضوع اخر.

ان هناك من يقول: لماذا لم تحسب "حركة حماس" ردة الفعل الصهيونية؟ على عمليتها الهجومية؟ وهي أكثر من يعرف، كما يعرف الاغلب الاعم من الفلسطينيين، ان الصهاينة مجرمين ب "لا" حدود " و"ولا" وازع " و"لا" ضمير و"لا" يوقفهم أي خط احمر انساني أخلاقي، لأنهم "اشرار" وهم من يمثل ابليس الرجيم على الكرة الأرضية ومن ورائهم حلف الناتو والدول التابعة لذلك الحلف في شكل عمياني شيطاني شرير عنصري، يتلذذ في دماء الأطفال العرب ويفرح لأنهم قتلوا والصهاينة يعيشون الفرح والسرور لهكذا أمور وكذلك هم مستمتعين في سماع صرخات الأمهات وبكاء الإباء.

ان هؤلاء اشرار، فلماذا لم تحسب "حركة حماس" ذلك؟ وأيضا هل على القادة العسكريين والسياسيين في حركات المقاومة الفلسطينية في العموم وحركة خماس في الخصوص؟ هل عليهم التخطيط والتنفيذ وهم يترقبون النتائج وتبعات هكذا معارك وعمليات وماذا سيحدث بعدها؟ وهم يعيشون في أماكن امنة بعيدة جغرافيا عن موقع الحدث؟  في تلك الدولة او داخل ذلك الفندق؟! او ضمن مواقع امنة بعيدة عن قطاع غزة؟

علينا أيضا ان نسأل ونحن ضمن مرحلة هدنة رباعية الأيام؟ ماذا بعد هكذا انتقام "صهيوني" لم ينتهي؟ وان توقف منتوج هدنة مؤقتة؟ فماذا سيحدث بعدها؟ هل سيكون هناك قبول بما يسمى في حل الدولتين؟ إذا أردنا ان نتحدث في "واقعية" علينا ان نقول: ان الكيان الصهيوني لن يستطيع القضاء على حركات المقاومة الفلسطينية ومنها "حماس" والكل يتفق على ذلك وان كان هناك من "لا" يقولها ؟! ولكن ما هو السيناريو القادم؟ بعد كل هذا القتل والخراب وفقدان الألاف من الأطفال والنساء والرجال وذبح العشرات من الأطفال الخذج في حواضن الأطفال؟

ان هكذا اسئلة والاجابة عليها يجب عدم العمل عليها ضمن العقلية العربية الكلاسيكية إذا صح التعبير، التي تعتمد على مبدأ الأبيض والأسود ؟! وهذه ايضا أحد مشاكل الذهنية العربية حيث تعتبر وتقرأ هذه الذهنية أي حدث او موقف ضمن ثنائية خاطئة: فأما ان كل الناس "سلبيين" بالمطلق او ان كل الناس ايجابيين؟!  وأيضا بالمطلق وهذا الامر يختلف عن واقع الحياة حيث يكون الامر مختلفا حيث لكل جزئية تفصيلها وشرحها وقراءتها المنفصلة حيث "لا" تؤخذ المسائل ضمن العموميات والتعميم ك "أفلام الكارتون" وابطال المسلسلات العربية الدرامية بما يتناقض مع خصائص الحالة الإنسانية نفسها التي تتجمع فيها كل المتناقضات وأيضا التحولات والتغييرات حسب الموقف ولحظة الزمن الراهنة وأيضا الخلفية التاريخية وظروف المرحلة، ومن يريد ان يعيش الذهنية القرأنية عليه الانطلاق عقليا ضمن هكذا "رؤية جديدة" وضمن هكذا ذهنية تعيش التحليل والقراءة والدراسة بدون عاطفة و"لا" انجرار اعمي وراء  حالات الإحساس العالي حيث يغيب العقل عن الوعي والادراك وتبتعد العقلية النقدية العلمية بعيدا في الزاوية.

كما حصل مع المرحوم جمال عبد الناصر فهناك من يجعله سلبيا بالمطلق او إيجابيا بالمطلق وهلم جرا !؟ اذن الحالة الإنسانية تحمل جميع المتناقضات لأنها إنسانية في الأول والنهاية لذلك جزء من السقوط الحضاري العربي هو غياب التقييم الإنساني الطبيعي في الحدث السياسي او العسكري او الاقتصادي او العلاقات الدولية المتبادلة والتاريخ...الخ

وهذه المقدمة ليست للتهرب من الإجابة على التساؤلات المكتوبة في الأعلى ولكن هو كلام يقال للحق والحقيقة إذا صح التعبير وأيضا ك "قاعدة ننطلق منها لتناول الأسئلة في محاولات الإجابة.

ان "حركة حماس" حركة سياسية بها سلبيات كثيرة وأيضا أخطاء ومشاكل وكذلك تتحرك ضمن "تاريخ" فلسطيني به "حول" قديم حيث يتم الغدر بمن دعمهم من العرب ك "السوريين" واللبنانيين والكويتيين ؟!، هكذا من غير سبب و"لا" تبرير الا انه ضمن مشكل ذاتي اجتماعي لعله موجود؟ "لا" اعرف له منطق او سبب وتلك المسألة ليست فقط ضمن تنظيم حماس الفلسطيني ولكنه كان و"لا" زال موجود في حركة فتح ومنظمة التحرير والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين...الخ.

عندما تم سؤال المرحوم الدكتور جورج حبش عن السبب الذي تحرك به هو شخصيا وكذلك تنظيمه وأيضا باقي الجماعات الفلسطينية في تأييد الغزو الصدامي لدولة الكويت، أجاب في عذر أقبح من ذنب انه لم يستطيع لأنه كان هناك تأييد شعبي فلسطيني عارم لحالة الغزو ول "شخص " الطاغية صدام حسين ؟! حيث تناسوا او تغاضوا عن كل ما قدمه الكويتيون حكومة وشعبا للقضية الفلسطينية منذ بداية النكبة في العام 1948 ؟! والقائمة تطول من استقبالهم في الكويت وتقديم التعليم المجاني وأيضا الرعاية الصحية المجانية والتوظيف الحكومي لهم والسماح لهم ايضا في التجارة والإقامة المفتوحة واطلاق العمل السياسي لهم على ارض دولة الكويت حيث تم تأسيس العدد الأكبر من الفصائل والتنظيمات الفلسطينية فيها ومنها حركة فتح ناهيك عن تواجد العديد من قيادات الحركة الفلسطينية داخل الكويت وكذلك الدعم المالي المتواصل حيث لمن "لا" يعلم كان يتم استقطاع 12.5 في المائة من راتب كل موظف فلسطيني وبتم تحويلها لمنظمة التحرير الفلسطينية وأيضا كانت هناك حملات جمع تبرعات مالية في شكل شبه منتظم للنضال الفلسطيني ناهيك عن الدعم الإعلامي المستمر و"لا" ننسي مشاركة دولة الكويت العسكرية في حروب 1967 وحرب الاستنزاف وأيضا حرب 1973 في الإقليم الجنوبي المصري والإقليم الشمالي السوري للجمهورية العربية المتحدة  ومقابر الشهداء الكويتيين شاهدة وموجودة الى اليوم.

هذا كله لم يشفع ولم يجعل "الحول" السياسي الفلسطيني يتجه الى نصرة الحق الكويتي؟!  والمصيبة الأعظم ان "غباء" عشق الطاغية صدام حسين "لا" يزال متواجد وهذا دليل غياب الوعي الفلسطيني إذا صح التعبير، وذهابهم الى عبادة شخصية إجرامية هي أكثر من اضرت النضال الفلسطيني في التحرير.

هذا كلها مسائل مطروحة للنقاش؟ وطبعا علينا الإشارة بكل تأكيد ان طرح هكذا أمور قد تتم في ظل المعركة العسكرية الجارية لشق صف التضامن العربي وتحريف الهدف لمعارك جانبية في وسط المعركة وهذه من خبائث الاستخبارات المعادية ولكن ما دمنا نريد الإجابة عن تساؤلات تسعى لصناعة ذهنية عربية تحليلية "جديدة" تكون متوافقة مع ذهنية عسكرية "ناجحة" صنعت انتصار معركة طوفان الأقصى نحن نزعم ان تحريك هذه المسائل والاسئلة في هذه الأجواء التي تعيش الهدنة العسكرية المؤقتة هي أيضا محاولة لرفع مستوى العقلية العربية في العموم والفلسطينية في الخصوص لتكون ضمن ما هو مطلوب منها "مستقبلا" لكي تصبح على مستوى الحدث الزلزال الذي جاء مع انتصار معركة طوفان الأقصى حيث لأول مرة تم التخطيط والصبر والعمل والتنفيذ والهجوم ضد الاجانب الغزاة الصهاينة في شكل موضوعي سليم وضمن ذهنية تعيش مستوى "قدسية" قضية تحرير فلسطين من الغزاة الغرباء عنها , وهي على العكس من العمليات الاستعراضية السخيفة الاستجدائية التي كان يقوم بها الشحاذ "ياسر عرفات" الذي كان يتاجر في القضية الفلسطينية وجعلها دكانا للاسترزاق  والاستفادة الذاتية وأيضا مع تواصل مخططاته في ترجي وتقبيل الايادي الغربية والصهيونية بأن يعطونه "وجه" ويستقبلونه ك "شخص" ويرضوا  به ك "خائن" و"جاسوس", وهذه كانت اختصار كل حركاته السخيفة الضارة من اختطافه الطائرات على يد بقالة تابعة له تحت اسم منظمة أيلول الأسود او العمليات الغير مفيدة التي كان يحشر فيها أشخاص ابرياء وشخصيات مؤمنة يستغلهم في عمليات عسكرية ليس لها منتوج استراتيجي او فائدة واقعية او هدف مفيد  او عمليات تتحرك ضمن خط التحرير.

كان الشحاذ "ياسر عرفات" يستغل اخلاص الأبرياء والمناضلين الشرفاء الذين تذهب ارواحهم سدى ويتم سفك دمائهم ك قتلى وشهداء في عمليات عسكرية كان هدفها خدمة خط ياسر عرفات والشلة المستفيدة التي معه التي كانت تريد وتستجدي ان يستقبلها الأجانب ك "خونة" لذلك نفهم خطاباته العاطفية الاستعراضية ب "أن لا تسقطوا غصن الزيتون من يديه" !؟ ولولا حدوث انتفاضة الحجارة الاولي وافلاسه من أموال دول الخليج وسقوط رهانه على الطاغية صدام حسين لما ذهب في الباب الخلفي في مدينة اوسلو مع اتفاقات الخيانة والعمالة والجاسوسية الخادمة للحركة الصهيونية وهذا ما تم وتواصل الى اليوم مع ما يتم تسميته في السلطة الفلسطينية وهي إذا أردنا ان نحترمها "مجازا" فهي لن تكون الا جهاز أمنى خادم للقاعدة العسكرية المقامة على ارض دولة فلسطين العربية المحتلة.

ان منظمة التحرير الفلسطينية اعترفت في الكيان الصهيوني وهذا غير مهم وليس له قيمة فكل موقع بشري فيه جواسيس وخونة ومرتزقة وهؤلاء منهم واعترافهم في هذا الكيان السرطاني الأجنبي هو اعتراف باطل شرعا وساقط قوميا ومرفوض فلسطينيا.

ان دور الجاسوسية والخيانة عندما اعترفت منظمة التحرير في حق الكيان الصهيوني في الوجود لكي يتم السماح لهم في حق ممارسة دور رجال البلدية ورافعي القمامة في كانتونات الفصل العنصري المحتلة صهيونيا.

وأيضا علينا ان نؤكد على حقيقة ثابتة مهمة ان ما يسمى سلطة فلسطينية حالية "لا" شرعية قانونية لها وأساسا من يسمي نفسه رئيسها كذلك هو مستقيل من كل مناصبه "الكرتونية" منذ أكثر من أثني عشرة سنة وليس له حق في الكلام عن تمثيله للشعب الفلسطيني وأيضا الامر موصول لما يسمى ب "منظمة التحرير الفلسطينية" وحركة فتح؟ حيث هو أيضا مستقيل منها فليس له صفة شرعية او قانونية ضمنهم، ونعيد أيضا للتاريخ اننا نتحفظ على اعترافنا بكل هذه الكراتين الفارغة من أسماء ومسميات ولكننا نقولها ضمن مقتضيات التفكير والتحليل والنقاش , ونؤكد ان كل من دخل في عملية أوسلو , هو خائن ويمثل خادم مطيع وجاسوس للحركة الصهيونية وهؤلاء عملاء وساقطين في بئر الخيانة وخدم للغزاة الاجانب, ونحن اذ نتحرك في التحليل وقراءة الحدث فهذا "لا" يعنى أي احترام لمن خان فلسطين القضية وتبريرات كلامية لجواسيس من هنا وهناك لن تغير تلك الحقيقة , فمن يرتبط بأي علاقة او تنسيق أو ترتيب مع الغزاة الأجانب فهو خائن وجاسوس , وفي طبيعة الحال والواقع هؤلاء يصبحون صهيونيين اكثر من الصهاينة وملكيين اكثر من الملك اذا صح التعبير.

يقول المرحوم الدكتور موسى الحسيني: " سلطة منظمة التحرير صنعت واتخذت كإحدى الوسائل للقضاء على المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، لتوفر إسرائيل على نفسها كلفة مواجهة المقاومة (ماديا، وبالرجال) من خلال الضحك أولا على هذا "المتخلف" الفلسطيني بخداعة في أنه حصل على حق أو كيان لإحباط عزيمته على المقاومة، مقابل أن تتكلف السلطة "اللعبة" في القضاء على روحية المقاومة، أي أن السلطة لم تكن في الحقيقة ممثلا للشعب الفلسطيني، بل ذراع تابع للاحتلال لإخماد المقاومة ومنع تطورها."

"وبحساب التكلفة يبدو أن الكيان الصهيوني حسبها بدقة في أن مجموع الرواتب التي يدفعها إلى موظفي السلطة أقل من كلفة المواجهات التي يتعرض لها جنوده في الأرض المحتلة. فميزانية هذا "المسخ" الذي يسمونه السلطة الفلسطينية تعتمد كليا على ما تدفعه إسرائيل وأميركا من مساعدات."

ان هذا السقوط القيادي الفلسطيني ليس فقط موجود في شخص ياسر عرفات والتنظيمات التي معه وشلة المستفيدين والجواسيس المرتبطة فيه ك"شخص" ولمن جاء بعده , بل يمتد حسب مصادري الخاصة الى احد قيادات حماس ذاتها حيث استفاد احدهم من وجوده في سوريا قبل الاحداث  2011 في شراء عقارات وأراضي قبل غدره هو وتنظيم حماس في السوريين وتعاونهم مع القمامات البشرية والتنظيمات الوظيفية الجاسوسية المرتبطة مع حلف الناتو والصهاينة الساعية لأسقاط الدولة السورية القومية البعثية اليسارية وهي الخطر الأكبر ومصدر كل ضرب وتهديد يواجه الحركة الصهيونية , وكل فكرة الانفاق والحرب من خلالها وفكرة المقاومة المسلحة في لبنان وداخل فلسطين في الأساس هي فكرة سورية بعثية بدأت في التسعينات وتطورت الى يومنا الحالي  قادها أنذاك المرحوم حافظ الأسد مع حزب البعث والجيش العربي السوري ضمن اتفاق استخباراتي وتنسيق مع الجمهورية الإسلامية المقامة على ارض ايران.

ورغم ذلك التأمر فأن سوريا لم تضربهم ولم تؤذيهم رغم ان حركة حماس سلمت معدات حفر الجبال والانفاق وباعوها للتنظيمات التكفيرية المرتبطة مع حلف الناتو والحركة الصهيونية!؟.

ان سوريا القومية البعثية لم تتوقف عن تواصل العمل لأسقاط وتدمير ومحو الكيان الصهيوني من الوجود وهذه من الحقائق التي يجب ان يعيها كل فلسطيني وكل عربي، لذلك أيضا ما حصل من "حول سياسي" فلسطيني قامت به حركة حماس وقياديها ضد السوريين هو ضمن نفس العقلية الغادرة التي عاشها ومارسها ياسر عرفات والشلة التي كانت معه في منظمة التحرير.

ويؤخذ على حركة حماس وعلى معظم فصائل الحركة الإسلامية الفلسطينية موقفها السلبي وبدون أي معنى من سوريا ك "دولة" وك "نظام سياسي" قومي ولعل ذلك نتيجة قراءة وفهم خاطئ للمسألة القومية العربية او انها منتوج تأثر الفصائل الإسلامية الفلسطينية في موقف "حركة الاخوان المسلمين في العموم، ذات الارتباطات المشبوهة مع الغرب؟! وحلف الناتو؟

أيضا ما هو كلام عن "فساد" ممارس من "حركة حماس" داخل غزة وهذه المسائل قد ذكرها المرحوم موسى الحسيني وهو كان العراقي العربي الناصري العامل ضمن لب العمل الفدائي الفلسطيني حيث ذكر: "لم تكن حماس اقل خيانة للقضية من منظمة التحرير يوم ارتضت بدخول الانتخابات في ظل الاحتلال، والهروب والرضا بحل تصنيع كيان "مسخ" آخر مستقل في غزة، ليصبح الكيان المسخ كيانين، وتصفية القضية بالطريقة التي يريدها الاحتلال".

من كل هذا الكلام نستطيع ان نقول: بالنسبة للغضب الشعبي الفلسطيني على هذه التنظيمات فأتصور انه موجود قبل معركة طوفان الأقصى، ولكن علينا القول ان "قدسية فلسطين" وقدسية تحريرها من الغزاة الأجانب واخراج الغرباء منها هو امر أكبر من سلبيات قيادات من هنا وخيانة شخصيات من هناك والارتباط الخياني الجاسوسي لتنظيمات من هنالك.

بما يختص في كلفة الدم والشهداء والدمار المادي ...الخ علينا ان نعرف ان اي حالة انقلابية سياسية كانت ضد أنظمة الحكم او ضد حالة في العلاقات الدولية او انقلاب تغييري في الجغرافيا وموازين القوى على الأرض هي مرتبطة في لحظة عنفية قادمة ...قادمة "لا" محالة وهذا ما هو ثابت وليس متغير وهذا ما حصل في طوفان الأقصى، اذن أي حالة انقلابية ضد أي واقع ستكون فيها مرحلة عنفية دموية في لحظة زمنية ما، وهذا ثابت في علم الاجتماع وواقع متكرر في أي انقلاب تغييري من أي نوع.

ان العنف هي لحظة واجبة ومتكررة عند أي انقلاب في الحكم او الواقع الجغرافي الأرضي او العلاقات الدولية او ميزان السيطرة والتحكم والنفوذ.

ان العنف "أساسي" في أي حالة انقلابية، لذلك هناك حروب، ولذلك هناك حالة من الموت المرتبطة به، وأيضا ضمن "تقييم" معركة طوفان الأقصى هل هناك خسارة إنسانية؟ ودمار؟ الإجابة "نعم"

هناك خمسة عشرة ألف شهيد والاف الجرحى والمعوقين بينهم سنة الاف طفل شهيد ناهيك عن خسائر في البناء والمدارس والمستشفيات ل شعب أساسا محاصر بعيد عن أي خطط تنموية او وجود دولة حقيقية للرعاية.

ولكن هل هناك مكسب اخر على المدى الحالي والمتوسط والبعيد؟ الإجابة "نعم"

بكل بساطة: الكيان الصهيوني الى النهاية والزوال الحتمي، وليس له مستقبل وكل سيناريوهات الخيانة والارتباط معه اقتصاديا او سياسيا او عسكريا او تنسيقيا أصبحت غير ذات معنى او فائدة.

ما لم يلاحظه الناس من تأثير إيجابي لعملية طوفان الأقصى، هو "إيقاف" محاولات برمجة اللوطية والانحرافات الجنسية في مراكز انتاج الفتوى الرسمية في العالم الإسلامي وكان من الواضح لمن يراقب ويتابع الاحداث انه كانت هناك محاولات "ضاغطة لفرض اللوطية والانحراف الجنسي ك "حالة دينية"!؟ من خلال مراكز انتاج الفتوى الدينية وفرضها على النظام الرسمي العربي والنظام الرسمي الإسلامي، فكل هذه الأمور توقفت، وهذا أيضا أحد منتوجات انتصار العرب الفلسطينيين في طوفان الأقصى.

هل ستعود هذه الضغوط مستقبلا من جديد؟ الإجابة "لا" اعرف فهذا مرتبط مع تطورات الحدث الفلسطيني في الخصوص والحدث العالمي المتعلق في الانتقال الامبراطوري لعالم متعدد الأقطاب؟ في العموم؟

اذن اجمالا: هل ما حصل من انتقام شيطاني صهيوني ضد المدنيين الفلسطينيين هل يستحق كل هذا؟

الإجابة "نعم" فالفلسطينيين لم يكن أساسا لديهم شيء ليخسروه، فهم ميتون أساسا في غياب أي مستقبل وفقدان القدرة على الحركة، ف "لا" حياة و"لا" اقتصاد و"لا" امل، وهم يشاهدون الغزاة الأجانب يستمتعون في بلدهم فلسطين ويسرحون ويمرحون في مدنهم الفلسطينية المحتلة.

وأيضا ضمن إيجابيات الانتصار الفلسطيني في معركة طوفان الأقصى تم إعادة احياء القضية الفلسطينية من جديد، والتي غابت عن السمع والرؤية والاهتمام قبل السابع من أكتوبر، وأيضا تم صناعة تعاطف شعبي عربي وعالمي وحتى بين بعض اليهود ؟!

لقد انتظر الفلسطينيون أكثر من خمسة وسبعين سنة ليأتي أي أحد من الخارج ليحرر بلدهم !؟ ولم ينفعهم هذا الانتظار في أي شي، ولكن عندما تحركوا في "الفعل" و"الحركة" رأينا ما حدث، وفي كل الأحوال "الدم" هو ضريبة أي حالة انقلابية او تغيير كما ذكرنا سابقا.

ما لم يكن يستحق هو ما كان يقوم به ياسر عرفات وشلة الخونة الذين معه حيث كانوا يقومون في حركات استعراضية ليس لها أي فائدة استراتيجية؟ الا استجداء أي أحد ليجعله خائنا؟ الى ان وصل لمرحلة الإفلاس التام وفقدان اضرع الحلب العربية من بعد الغزو الصدامي لدولة الكويت ووجد نفسه انه لن يحصل على أي شي، بعد ان دمر لبنان حيث لم يحقق شيء لفلسطين على مستوى التنظيم و"لا" على المستوى الاستراتيجي، على العكس من الفعل الذي قامت به حركة حماس في معركة طوفان الأقصى، مع كل سلبيات هذه الحركة السابقة كما ذكرنا بالأعلى، ولكن علينا الإشادة في الحالة الإيجابية التي قامت فيها.

ماذا بعد انتهاء الهدنة الرباعية الايام؟ "لا" أحد يستطيع ان يعرف؟ وخاصة لوجود مجانين في حكومة الكيان الصهيوني يعيشون خزعبلاتية التفكير الديني اليهودي؟ مع ربطهم لحدث خرافي متعلق في ولادة عجل احمر !؟ مع حتمية إعادة بناء الهيكل ؟! حيث يضغطون لتوظيف الانتقام الصهيوني من المدنيين في غزة لتفعيل مسألة طرد الفلسطينيين من غزة الى سيناء وطرد الفلسطينيين من الضفة الغربية الى الأردن وطرد باقي الفلسطينيين المجنسين إسرائيليا من باقي فلسطين بناء على قانون يهودية الدولة الصهيونية، وكذلك المصلحة الذاتية الشخصية للمجرم نتنياهو في استمرار الحرب لضمان أطول فترة زمنية ممكنة يكون فيها متواصلا في موقعه الحكومي لأبعاد شبح السجن عن نفسه، فما نريد ان نقوله عندما يقود الحرب العسكرية مجانين فأن من الصعب التنبؤ بما سيحدث لاحقا ؟!

في كل الأحوال ليس لدى الفلسطينيين شيئا ليخسروه.

***

د.عادل رضا

كاتب كويتي في الشئون العربية والإسلامية

 

كنا في موضوع سابق قد طرحنا قضية (الانحطاط) في المستوى العلمي الذي تسببت به – ولا تزال - الجامعات الأهلية، جراء الفوضى في اختيار وتفضيل الطلبة لأنواع التخصصات العلمية والإنسانية المرغوبة، دون الأخذ بنظر الاعتبار مستوى نتائجهم الامتحانية (الدرجات) الفعلية – وليست الإضافية - التي تحصّلوا عليها في الاختبارات العامة من جهة، والتسيب في مراعاة الشروط والضوابط التي أفضت بالتعليم الجامعي (الأهلي) الى مجرد مؤسسة شكلية لمنح الشهادات (العليا) لأولئك الباحثين عن الارتزاق الوظيفي والتبجح الاستعراضي من جهة أخرى .

واليوم نعود، مرة أخرى، لطرح قضية مرتبطة بالأولى ومتمخضة عنها ومترتبة عليها، نعتقد أنها لا تقل عن سابقتها خطورة – ان لم تكن أخطر - من منظور العواقب الناجمة عنها حاضرا"والمتوقع حصولها مستقبلا"في المضامير العلمية والفكرية والحضارية، ناهيك عن المجالات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية . وهي تلك التي ترتبط بآليات (تدوير) وإعادة تكوين أصحاب الشهادات العليا (الماجستير والدكتوراه) ممن يتسمون بتدني مستوايتهم العلمية وتخلف حصيلتهم المعرفية وتردي عدتهم اللغوية، هذا بالإضافة الى تجاوز اعتبارهم (أساتذة) جامعيين يعول عليهم تربية الأجيال الجديدة من الطلبة حديثي العهد بالأفكار والنظريات والمناهج الحديثة، رغم ثبوت فشلهم وتأكيد عجزهم في تخطي مواريث أنساق ثقافاتهم الفرعية وأنماط مرجعياتهم الأولية .    

ولما كانت عبارة (الفساد الأكاديمي) تبدو غريبة بعض الشيء وغير مألوفة التداول في متون الأدب الصحفي والإعلامي، كما ألفنا التعاطي مع عبارات (الفساد السياسي) و(الفساد المالي) و(الفساد الإداري) و(الفساد الأخلاقي) .. الخ . إلاّ أنها باتت مفردة مناسبة ومعبرة عن واقع التعليم الأهلي الجامعي في العراق، من حيث واقعية وصفها ودقة مدلولها فيما آلت إليه مستويات استشراء الفساد في هذا المضمار الحيوي والخطير . ففي الوقت الذي لم تكتفي فيه جراثيم هذا الوباء من غزو ميادين السياسة والاقتصاد والقانون والاجتماع والدين، وإنما طالت وتجاسرت على اقتحام حصون العلم والتعليم والمعرفة والثقافة والوعي كذلك، بحيث استحالت وظيفة هذه الجامعات / الشركات الى وسيلة فاعلة من وسائل (مأسسة) الترهل الفكري والجهل المعرفي في الأوساط الجامعية والأكاديمية على نحو لافت .

ولعل ما يشير الى خطورة هذه الظاهرة المدمرة، كون عواقبها لا تقتصر فقط على (تخريج) جيوش من الطلبة (الأميين) الذين يفتقرون لأف باء المعارف الاجتماعية والإنسانية الحديثة فحسب، وإنما – وهنا مكمن الخطورة بنظرنا – المساهمة في إنتاج وإعادة إنتاج جمهور أكاديمي (جاهل) لا يني حجمه يتسع ويتضخم على حساب نوعيته، ممن حصلوا على شهاداتهم (العليا) بطرق ملتوية وأساليب مريبة ؛ سواء عن طريق (شراء) الأطروحات الجامعية الجاهزة من المكاتب التجارية المتخصصة في هذا المجال، أو عبر سبل (انتحالها) و(سرقتها) من منصات التواصل الاجتماعي التي لا تبخل مواقعها العديدة والمتنوعة في تقديم كل ما يرغبه الطالب ويشتهيه من بحوث ودراسات في شتى الميادين والمجالات .    

وبضوء ما تقدم، لم يعد خافيا"على أحد حجم وطبيعة الكوارث والفواجع التي باتت نذرها تلوح في أفق المستقبل الحضاري للعراق، جراء الدور التخريبي الذي لا تفتأ تسهيلات ومغريات التعليم (الأهلي العالي) تمارسها في إطار إشاعة الجهل العلمي وتعميم الأمية المعرفية، ليس فقط على صعيد رفد المؤسسات البيداغوجية الرسمية / الحكومية بنماذج من حملة الشهادات الجامعية، ممن لا هم لهم سوى الحصول على وظيفة مجزية أو ارتقاء منصب مغري فحسب، بل وكذلك على مستوى بيوتات (جامعات) التجهيل والتضليل الأهلية، لاسيما في مجال شرعنة ظاهرة تدوير (نفايات) وإعادة إنتاج (أساتذة) لا تعدو حصيلتهم من العلوم الاجتماعية والمعارف الإنسانية والمناهج التحليلية، سوى القشور من الأفكار المعلبة والفتات من النظريات المبتسرة ! . 

***

ثامر عباس

 

نعم، العلم نـور، ولكن ابدا ليس للاخلاق والسعادة، بل للقوة والسيطرة، ليس اكثر!

الحياة مسرحية مأساوية ومضحكة، هي نفسها مستمرة ومكررة منذ الازل: موتى ومواليد، اشرار واخيار، جبابرة ومساكين، شياطين واطهار.. الخ.. اما نحن افراد البشر، رغم اننا مجبرين على العيش في مسرحية الحياة هذه، لكن ربما لنا بعض الحرية في اختيار الدور المناسب، او تعديله..

هنالك خرافتان تسيطران على البشرية منذ القدم، ولكن خصوصا في العصر الحديث:

1ـ خرافة ان التقدم المعرفي العلمي التقني، يؤدي الى تقدم الانسان والشعوب في السلوك والاخلاق والضمير.

ولكن يكفينا نظرة سريعة في أي مجتمع نعيشه وفي العالم وطيلة تاريخ البشرية، لتبين بصورة لا تقبل الجدل والتفكير الحقائق التالية:

ـ ان سلوك الانسان واخلاقه وضميره ليست لها اية علاقة بمستواه المعرفي. فتجد عوائل وجماعات امية تعيش في البادية او الغابة او الجبل، يتمع افرادها بنوع من التوازن والتعاون والاخلاق اكثر بكثير من عوائل وجماعات متعلمة ومتحضرة ونخبوية. بالله عليكم، فكّروا قليلا: هل نحن في هذا الجيل المتحضر بـ(هواتفنا النقالة) العجيبة العالمة بكل شيء عليم، اكثر توازانا واخلاقا من اسلافنا قبل 50 عام؟؟!!

ـ لننظر الى كل تاريخ البشرية، والى البلدان الحالية المتطورة في جميع المجالات الاقتصادية والتقنية والثقافية: الم تكن ولا زالت الجرائم الكبرى والحروب والعبوديات والابادات والفساد والسرقات.. الخ.. كلها من عمل مجتمعات ونخب وقيادات عارفة وماهرة وقادرة على الاقناع وقيادة البشر وخداعهم؟؟!! هل يمكن لانسان ومجتمع مسكين وجاهل ان يقوم بكل هذه الجرائم الوحشية وعمليات الابادة(الحضارية جدا)؟!

ـ ثم يكفينا اية مراجعة بسيطة لمنتجات العلم والمعرفة: الادوية والاسلحة.. البيوت والسجون.. وسائل التعليم وغسل الدماغ.. لنتذكر هذا البرهان الرائع الذي يلخص كل تاريخ التعلم والتطور: ان اكبر اختراعين للثورة الفرنسية: لائحة حقوق الانسان... والمقصلة؟؟!!

2ـ خرافة ان البشر يتعلمون من تجاربهم ويطورون انفسهم مع مرور الاجيال.

وهذه ايضا خرافة كبرى، يكفينا دقائق من التفكّر كي ندرك سطحيتها وسذاجتها: لننظر الى التاريخ وحتى الآن:

ـ هل تعلمت البشرية التعايش بسلام رغم كل هذا الكم الهائل من الحروب الداخلية والدولية؟!

ـ هل تعلمت البشرية ان لا تخضع سوى لحكومات وقيادات حكيمة نزيهة رحيمة، رغم كل هذا التاريخ من الخنوع للمخادعين والمهووسين بالسلطان والمال.

ـ هل تعلمنا نحن كأفراد في المجتمع الواحد والحارة الواحدة والعائلة الواحدة، ان نتعايش بيننا بصدق وطيبة وسلام؟!

ـ هل تعلمنا التخلص من الامراض؟؟ هل تعلمنا التخلص من الغيرة والاحقاد؟؟ هل تعلمنا التخلص من الكذب والخداع؟؟ هل تعلمنا التخلص من الطمع والجشع ومص دم الضعفاء؟؟ إذن هي هي اكذوبة: التعلم من التجارب؟؟!!

***

كلا ثم كلا كلا، لم يتغير شيء.. ابدا ليس بسبب تقصيرنا ولا حتى مسؤوليتنا نحن البشر، بل هنالك حقيقة مطلقة يساء فهمها، وهي رغم بساطتها الا انها خلاصة الخلاصة:

1ـ نحن البشر خاضعون لقانون، لنسميه ما نشاء: الهي، سماوي، طبيعي، مجهول الخ، المهم هذا هو فحواه:

حتمية ان (الجماعات البشرية) طيلة التاريخ وفي كل مكان، تتوزع عليهم بنسب مختلفة بين الافراد، نفس كمية الصفات الايجابية والسلبية: الصدق والكذب، الرحمة والقسوة، الانانية والجماعية، الانكفائية والاريحية، التشاؤمية والتفاؤلية، التوازن والقلق، الثبات والحركة، القناعة والجشع.. الخ الخ.. وهذا الصفات تتكرر هي ذاتها في جميع الاجيال والجماعات والشعوب، بغض النظر عن مستواها المعرفي والتحضري والتربوي.. الخ..

2ـ نعم هنالك فائدة واهمية للتعلم والتحضر واكتساب التقنيات، ولكن ابدا ابدا ليس من اجل تطوير حياتنا واخلاقنا وحسن تعايشنا، لا ابدا، بل من اجل الفائدة الكبرى التالية:

ـ ان نمتلك القوى (المعرفية والتقنية والعسكرية) من اجل حماية انفسنا من الاقوياء، جماعات ودول التي تمتلك المعارف والتقنيات لخداعنا وارهابنا والسيطرة علينا..

نعم، العلـم نـور، ليس للاخلاق والسعادة، بل للقوة والسيطرة، ليس اكثر!

لهذا علينا التخلص من اعتبار العلم والتحضر وسيلة وسببا للتعالي واحتقار الاخرين، وايضا سببا للشعور بالنقص والخنوع للمجتمعات الغربية التي تمتلكه.. بل ليكن العلم وسيلة لتضامننا وتطوير قوانا للدفاع عن اوطاننا وكرامتنا، ليس اكثر..

***

سليم مطر ـ جنيف

...................

موضوعنا هذا، هو القسم المكمل للقسمين السابقين الذين نشرناهما عن هذه الاشكالية الكبرى: (خرافة الحداثة ووعودها المقدسة)

نقترح عليكم مطالعة هذه الاقسام كاملة في موقعنا، مع الصور والكتابة الواضحة:

https://www.salim.mesopot.com/hide-feker/155-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D9%91%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A-%D9%8A%D8%B1%D9%81%D8%B6%D9%87%D8%A7-%D8%AC%D9%85%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B4%D8%B1%D8%8C-%D9%81%D9%8A-%D9%83%D9%84-%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%B2%D9%85%D8%A7%D9%86%D8%9F.html

"حرب الهلال والصليب"! أردوغان الحائز على جائزة الشجاعة من «المؤتمر اليهودي الأميركي» سنة 2004، يهدد بحرب دينية على منوال حروبه في قرباغ وليبيا، ويدس أنفه في الكفاح التحريري الوطني للشعب الفلسطيني! إذا سمحت المقاومة الفلسطينية لأردوغان فعلا بأن يدس أنفه في الشأن الفلسطيني لمرحلة ما بعد حرب الإبادة الصهيونية على غزة باسم المشاركة في الهيكل الأمني الذي سيتم تشكيله بعد الحرب وفي الوقت الذي ظل أردوغان يتفرج مكتفيا بالخطابات الفارغة ورفض قطع العلاقات مع الكيان الصهـ يوني كما فعلت دولة مسيحية يحكمها اليسار مثل بوليفيا واكتفي باستدعاء سفيره من دولة العدو للتشاور وفي وقت رفضت فيه المقاومة أي انتداب أو تدخل أجنبي في شؤون إدارة القطاع حتى من دولة شقيقة كمصر، أقول؛ إذا سمحت المقاومة الفلسطينية لأردوغان بالتدخل تحت شعارات دينية "حرب الصليب والهلال" فإنها سترتكب خطأ كارثيا يلحق أفدح الضرر بمستقبل هذه المقاومة وبالشعب الفلسطيني كله لعقود طويلة. ولكن ما يجعنا متفائلين بالمستقبل هو أن هذه المقاومة بكافة تلاوينها الإسلامية والوطنية والقومية واليسارية رفضت رفضا باتا تحويل الصراع مع الكيان الصهيوني من كفاح تحرير ضد احتلال استيطاني إلى حرب دينية وأصرت هذه المقاومة بإسلامييها قبل يسارييها على أن تفرق بين اليهود كيهود والصهاينة العنصرين في خطابها وأدائها السياسي وغير السياسي. هذه أدناه فقرات من مقالة بعنوان (إردوغان وفلسطين و«الحرب الدينية») بقلم الزميل المتخصص بالشأن التركي محمد نور الدين:

1- في الاحتفال الجماهيري الذي نظّمه حزب العدالة والتنمية دعماً لغزة وفلسطين قبل أقل من شهر في 28 تشرين الأول الماضي، قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان: «أيها الغرب إنّي أخاطبك هل تريد أن تحيي من جديد حرب الهلال والصليب؟ إذا كانت نيتك كذلك فاعلم أن هذه الأمة لم تمت. وستقف منتصبة على رجليها. واعلم أنه بالعزيمة نفسها التي خضناها في ليبيا وقره باغ سنخوضها في الشرق الأوسط». كان إردوغان يواجه الغرب بالتشكيك في نواياه من دون الجزم بما يمكن أن تكون عليه. لكن نهار الأربعاء في 15 تشرين الثاني وأمام نواب كتلة «العدالة والتنمية» تحدّث إردوغان هذه المرة بوضوح حاسم لا يقبل التأويل؛ بأن اعتبر المواجهة الجارية حالياً في غزة وفلسطين هي مسألة هلال وصليب: «في أحداث شارلي إيبدو قُتل 23 شخصاً، فسار رؤساء دول ورؤساء حكومات في تظاهرات مندّدة بالحادثة. حسناً الآن أكثر من 13 ألفاً قُتلوا حتى الآن فأين هم هؤلاء الرؤساء ورؤساء الحكومات؟ هيا سيروا في تظاهرات لها علاقة بهذا (غزة). أليس من ضمير وعدالة عندكم؟ القضية هي مسألة صليب وهلال. هكذا ننظر نحن إلى القضية».

2- من التشكيك والتلميح وصولاً إلى التصريح، كان إردوغان يقطع في الصفة الدينية للمعركة الجارية في غزة. وهو يتهم الغرب كله، بالطبع مع إسرائيل، بإشعال حرب جوهرها الصراع بين المسيحية والإسلام. فهل الأمر في غزة وفلسطين هو فعلاً كذلك؟

3- لا بد من الإشارة أولاً إلى أن إردوغان استخدم في تصريحيه هذين، مصطلح الهلال والصليب وليس الإسلام والمسيحية. ومع أن ذلك جائز وطبيعي ولكنّ مفردتَي الهلال والصليب تحفران أكثر في الذاكرة وتصبغان على المسألة «حدّية» تقارب النفور والكراهية أكثر من مفردتَي الإسلام والمسيحية اللتين تمنحان بعضاً من التعميم والمرونة في الحديث عن طرفين في نزاع ديني.

4- لا شك أن النزعة الدينية في نظرة الغرب إلى «باقي» العالم غير المسيحي قائمة وموجودة، ولا يمكن إنكار وجودها وتأثيرها في العديد من القرارات والأفعال منذ عقود بل قرون. وإذا قفزنا عبر العصور وانتقلنا سريعاً إلى القرن العشرين بالذات، فإننا نعثر، على سبيل المثال لا الحصر، على المشاهد التالية:

5- إنّ الحرب العالمية الأولى كانت حرباً بين قوى «مسيحية»، والدولة العثمانية «المسلمة» تحالفت فيها مع قوة مسيحية كبيرة هي ألمانيا.

6- إن الحرب العالمية الثانية كانت بالكامل بين قوى مسيحية وبوذية، من الولايات المتحدة وأوروبا إلى الصين واليابان.

7- إن الحرب في فيتنام كانت بين قوى مسيحية فرنسية وأميركية وبوذية.

8- إن الحرب في أوكرانيا هي الآن بين قوى مسيحية، روسيا من جهة وكل الغرب من جهة أخرى.

9- وفي قره باغ، وهذا مثل «طازج»، كيف نفسّر تخلي الغرب «المسيحي» عن أول الناس المسيحيين في العالم وهم الأرمن، وتركهم ينزحون، مشياً مع أغنامهم وخيولهم، من أرض أجدادهم التي وُلدوا فيها حتى قبل أن يولد العرق الطوراني بكل بطونه وأفخاذه، تحت الخوف من إبادة جديدة، على أيدي «المسلمين» الأذريين وحلفائهم من «المسلمين» الأتراك و«اليهود» الإسرائيليين؟

10- ولكن إذا انتقلنا إلى تركيا نفسها فإن الصورة ستكون أكثر وضوحاً بما لا يقاس:

لقد تحالفت تركيا منذ عام 1947 مع قوة «مسيحية» هي الولايات المتحدة بوجه الاتحاد السوفياتي.

* وفي عام 1949 اعترفت تركيا «المسلمة» بدولة «غير مسلمة» يهودية تُعتبر العدو الأول للعرب والمسلمين وهي إسرائيل. وفي عام 1952 انضمت تركيا إلى حلف كله من المسيحيين هو حلف شمال الأطلسي.

11- وفي الخمسينيات، في عهد رئيس الوزراء «الإسلامي» عدنان مندريس، عرفت العلاقات بين تركيا المسلمة وإسرائيل اليهودية ذروة ازدهارها السياسي والأمني والعسكري والاقتصادي. وتكرر تعزيز العلاقات بين تركيا المسلمة وإسرائيل اليهودية في الثمانينيات في عهد رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية طورغوت أوزال "الإسلامي".

12- وماذا نقول لليهود المعادين للمشروع الصهيوني ومنهم الشهيدة راشيل كوري التي سحقتها الدبابات الإسرائيلية عام 2003؟ إذا انتقلنا إلى مرحلة ما بعد عملية «طوفان الأقصى» والعدوان الإسرائيلي على غزة، نجد أن التظاهرات عمّت شوارع المدن «المسيحية» في أوروبا وحتى الولايات المتحدة، وأن دولاً «مسيحية» في أميركا الجنوبية قطعت العلاقات مع إسرائيل أو استدعت سفراءها منها. ونجد أن 99% من دول العالم «العربي والإسلامي» لم تتخذ أي إجراء ضد إسرائيل «غير المسلمة» أو أميركا «غير المسلمة» حتى الآن رغم مرور أكثر من شهر ونصف شهر على العدوان الإسرائيلي.

13- وبالنسبة إلى تركيا نفسها فهي اكتفت بالصراخ ولم تتخذ أي خطوة إجرائية وعملية ضد إسرائيل، حيث لا يزال يصل يومياً إلى الموانئ الإسرائيلية ما معدّله سبع سفن تركية (منذ 7 تشرين الأول وصلت 300 سفينة) تحمل موادَّ ومنتجات مختلفة إلى إسرائيل. كما لم تتخذ تركيا المسلمة أي إجراء ضد القواعد الأميركية في تركيا التي تستخدمها واشنطن «المسيحية» لدعم إسرائيل عسكرياً.

14- وكانت القفزة الكبرى في العلاقات بين تركيا المسلمة وإسرائيل اليهودية مع وصول حزب العدالة والتنمية «الإسلامي» إلى السلطة عام 2002، حيث نال إردوغان جائزة الشجاعة من «المؤتمر اليهودي الأميركي» غير المسلم عام 2004.

***

علاء اللامي

..........................

1- رابط يحيل إلى مقالة محمد نور الدين: إردوغان وفلسطين و«الحرب الدينية»

https://al- akhbar.com/Palestine/373377/

2- أردوغان: مستعدون لتولي المسؤولية في الهيكل الأمني الجديد الذي سيتم إنشاؤه بعد انتهاء الحرب بغزة

https://gulf365.net/world- news/12246146/%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%BA%D8%A7%D9%86- %D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D8%AF%D9%88%D9%86- %D9%84%D8%AA%D9%88%D9%84%D9%8A- %D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A4%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9- %D9%81%D9%8A- %D8%A7%D9%84%D9%87%D9%8A%D9%83%D9%84- %D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%86%D9%8A- %D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF- %D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A- %D8%B3%D9%8A%D8%AA%D9%85- %D8%A5%D9%86%D8%B4%D8%A7%D8%A4%D9%87- %D8%A8%D8%B9%D8%AF- %D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%87%D8%A7%D8%A1- %D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8- %D8%A8%D8%BA%D8%B2%D8%A9.html

لم يكن ما حدث فى "حجر الديك" بقطاع غزة من قتل لعدد كبير من الجنود الإسرائيليين هو الرد الوحيد على تصعيد الحرب، رغم أنها كانت مقتلة هائلة؛ حتى خرج أحد الإسرائيليين على قناة عبرية يؤكد استقبال مقبرة هرتزل لعدد من الجنود بلغ 50 جندياً فى 48 ساعة بمعدل جندى واحد كل ساعة!

لكن التصعيد حدث فى جبهة المقاومة بالتزامن، فبدلاً من العمليات الفردية السابقة بدأت المقاومة تتحرك فى مجموعات. وبدلاً من استهداف عدد محدود من الآليات، تضاعف عدد الآليات المعطوبة يومياً حتى وصلت النسبة لنحو 15 آلية يومياً.

صحيح أن نقاط الاقتحام ازدادت، وانضمت للمحاور السابقة مرتكزات قتالية فى جباليا والزيتون ومناطق الوسط، إلا أن الاقتحامات تحدث دون فرض سيطرة على مناطق الاقتحام، بل إن الانسحابات المتتالية من مناطق المرحلة الأولى تشى بغياب الهدف الاستراتيجى للجيش الإسرائيلي أو انعدام قدرتهم على تحقيقه.

وبفرض تحقيق السيطرة على تلك المناطق، فهى مجرد شوارع خالية تحوى أبنية مهدمة، ولا يمكن بحال من الأحوال تحويلها إلى نطاق آمن (buffer zone) لأن المقاومة تعود إليها بين حين وآخر لتنفيذ عمليات نوعية.

مقبرة هرتزل تتكدس

وإذا كانت مقبرة هرتزل قد تكدست بالجثث كما جاء فى الإعلام العبري، فماذا عن عشرات المقابر الأخرى، كم عدد الجثث الإسرائيلية بها؟ إذ أن من الواضح أن الإعلام العسكرى الرسمى للجيش الإسرائيلي يكذب. وقد تم فضح أكاذيبه فى أول وأسرع تحقيق أجرته صحيفة هاآرتس الإسرائيلية مؤكداً أن الطيران الإسرائيلي هو الذى قصف مهرجان غلاف غزة، منعاً لحصول المقاومة على أسرى أو رهائن. وأن ذلك القصف تسبب فى مضاعفة خسائر إسرائيل البشرية إلى المئات، بالإضافة لما صحب هذا القصف من تدمير لمنشآت وسيارات ومهمات.

بعض التقديرات وصلت بحجم الخسائر البشرية فى صفوف الإسرائيليين منذ السابع من أكتوبر الماضى إلى ما يزيد عن ألفى قتيل! وقد تم تدمير نحو نصف عدد الآليات المشاركة فى الحرب فى مرحلتها الأولى، والتى تمت بفرقتين عسكريتين، ما يعنى أن المركبات المدمرة قد يصل إلى نحو خمسمائة مركبة حتى الآن!

الحديث يجرى داخل الكابينت الإسرائيلي حول تقليص عدد جنود الاحتياط، لأن تكلفة إعاشتهم وتسليحهم باهظة، خاصةً بعد أن لجأ الكيان الإسرائيلي لاقتراض مبلغ 6 مليارات دولار لإكمال مهمته الحربية. ما يعنى أن الاقتصاد الإسرائيلي يتداعى يوماً بعد يوم. غير أن الضربة الأكبر التى تلقتها إسرائيل هى الضربة القادمة من أقاصى الجنوب..من جماعة الحوثى فى اليمن!

اغتنام سفينة!

فوجئ العالم بما طارت به الأنباء أن جماعة الحوثى نفذت تهديدها باستهداف السفن الإسرائيلية والأمريكية المارة بجوار اليمن عبر مضيق باب المندب. وأنها استطاعت الاستيلاء على سفينة تُدعَى (جالاكسي ليدر) يمتلكها رجل أعمال إسرائيلي وهو عضو عامل فى أحد معاهد الأمن فى إسرائيل. تحركت السفينة من تركيا متجهة إلى الهند حيث تم استهدافها بالقرب من السواحل اليمنية، وطريقة استهدافها غاية فى الغرابة والغموض، فقد تم الهجوم عليها عن طريق طائرة هليكوبتر تقل عدد محدود من الجنود المسلحين الذين سيطروا فى البداية على قمرة القيادة، ثم اتجهوا لباقى أجزاء السفينة التى تم اقتيادها إلى مكان مجهول. ثم أعلنت جماعة الحوثى احتجازها لعدد يبلغ 52 من أفراد طاقم السفينة لاستجوابهم وربما لمفاوضة الجيش الإسرائيلي فى إطار حربه الهمجية على قطاع غزة!

تلك الخطوة التصعيدية الخطيرة أتت فى أعقاب الإعلان الإسرائيلي ببدء المرحلة الثانية من الاقتحام البري لقطاع غزة. وكأن التصعيد الإسرائيلي كان إيذاناً بتوسيع رقعة الصراع فى عدة جبهات. لاسيما جبهة جنوب لبنان التى أعلنت مؤخراً دك قاعدة إسرائيلية بالصواريخ والطائرات المسيرة المزودة بالقنابل!

كل هذا يحدث ولم نسمع عن ردة فعل قوية سريعة من أمريكا كما هو المعتاد فى مثل تلك الحالات. بل إن الدعم العسكرى الأمريكي بدا هزيلاً فى الأيام الأخيرة من المعركة؛ نتيجة تباين وجهات النظر بين قادة الرأى فى كل من أمريكا وإسرائيل؛ ففى حين ترى إسرائيل استمرار عملية الاقتحام البري بطريقتها الدموية، ترى أمريكا ضرورة التروى من أجل استعادة الأسرى، ثم إعادة التدخل بقوات دولية.

والحق أن الرأى العام داخل أمريكا وإسرائيل يزداد اشتعالاً وضجيجاً من أجل وقف الحرب. ولا يمكن تجاهل مثل تلك الضغوط الشعبية طويلاً، وخاصةً فى ظل انتخابات أمريكية وشيكة، وتدنى شعبية جو بايدن والحزب الديمقراطى إلى أدنى مستوياته.

رقصة أصحاب الأرض

المظاهرات الشعبية الداعمة للمقاومة الفلسطينية فى غزة بدأت هى الأخرى فى التوسع والتمدد، وبعد أن رأيناها فى لندن وباريس ونيويورك وبعض دول المغرب العربي والخليج، بدأنا نشاهدها فى برلين وفنلندا وباكستان وميادين ليفربول ومانشستر فى بريطانيا.

ولعل أقوى ما انتشر فى أغلب تلك المظاهرات أيقونات ورموز فلسطينية عديدة.. على رأسها الكوفية الفلسطينية الشهيرة، ثم أغنية تحيا فلسطين (viva Palestine) التى أصبحت مثل تريند عالمى. أما أغرب الرموز والأيقونات التى انتشرت فى المظاهرات وعلى مواقع السوشيال فكان رمز شريحة البطيخ، وهو رمز له دلالاته.. فبعد صدور قوانين وتعليمات بمنع ظهور العلم الفلسطيني، استعاضت الجماهير بألوان هذا العلم فى شريحة البطيخ! إنه نوع من التحايل على تكميم الأفواه وفرض القوانين التعسفية.

ثم هناك رقصة المحارب، أو رقصة أصحاب الأرض.. تلك الرقصة التى قام بها شاب فلسطينى يقلد فيها طريقة الهنود الحمر، ومن خلفه تشتعل الإطارات، وبدأ ظهور هذه الرقصة منذ انتفاضة العودة عام 2018 ومسيرات يوم الأرض. ثم اليوم نرى أجانب يقلدون رقصة الشاب الفلسطينى ، بل وعدد من السكان الأصليين فى أمريكا يقلدونها، كنوع من التعاطف البديهى بين شعبين لقيا ما لقيا من حروب الإبادة وعمليات التهجير القسرى والتهميش لسنوات طويلة.

المفاجآت تتوالى

كل يوم تفاجئنا المقاومة الفلسطينية بأنباء لعمليات نوعية ومكاسب جديدة تحققها ضد بغى الجيش الإسرائيلي الغاشم. والمفاجآت الآن تأتى من الجنوب والشمال، منذرة بفتح جبهات جديدة للمعركة.

لكن المفاجأة الأكبر التى تخشاها أمريكا، ويحذر منها البنتاجون قد تأتى من الصين ومن روسيا. ولو أن الصين استغلت ما يجرى فى الشرق الأوسط لتستولى على  تايوان، فسوف تقع أمريكا بين المطرقة الروسية فى أوكرانيا وبين سندان الصين فى تايوان.

الصين بدأت تدخلها بالفعل، حيث أرسلت مبعوثاً خاصاً لمنطقة الشرق الأوسط لإيجاد حلول للأزمة القائمة فى غزة.

الحديث عن الهدنة وصفقة تبادل الأسرى يذهب ويجىء دون حسم. هناك خلافات بين الجانبين فى تفاصيل عملية تبادل الأسرى. فهل سنشهد هدنة تستمر عدة أيام تدخل فيها المساعدات إلى الأشقاء النازحين فى الجنوب الغزاوى؟ وهل تؤثر حادثة السفينة الإسرائيلي على مجريات الحرب؟ أسئلة تكمن إجاباتها فى قادم الأيام!

***

د. عبد السلام فاروق

ومن شعر المقاومة

أيها المارون بين الكلمات العابرة

احملوا أسماءكم وانصرفوا

ايها المارون بين الكلمات العابرة

منكم السيف - ومنا دمنا

منكم الفولاذ والنار - ومنا لحمنا

منكم دبابة أخرى - ومنا حجر

منكم قنبلة الغاز - ومنا المطر

وعلينا ما عليكم من سماء وهواء

فخذوا حصتكم من دمنا وأنصرفوا

محمود درويش

***

استفادة المقاومة الوطنية الفلسطنية في عملية (طوفان الاقصى) عندما اقدمت في السابع من أكتوبر بدخولها إلى المستوطنات الإسرائيلية المتاخمة لحدود غزة، من عمليات حركات التحرر الوطني العربية والعالمية وكما في حرب التحرير الجزائرية ضد الاستيطان الفرنسي، وكذلك في حرب فيتنام ضد الفرنسين والأمريكان من جل تحرير البلد، كان جيش التحرير الفيتنامي بقيادة المناضل هوشي منة والقائد جياب واضع الخطط العسكرية في مجال حرب الأنصار ضد جيش منظم في العدة والعدد، فقد رسم خطة سميت بمعركة بيان بيان فو العسكرية والتي أنهت الامبريالين وهزمتهم ووحدة شمال فيتنام بجنوبه، وكذلك قوات التحرر الوطني، لكوريا الشمالية (كوريا الديمقراطية اليوم) بجيش تحرير البلد من المستعمر الامبريالي بقيادة القائد الشيوعي كيم ال سونغ وحزبه حزب العمل الكوري، وتجارب لشعوب أخرى مثل كوبا وجنوب افريقيا.

عندما دخلوا أبطال المقاومة الوطنية الفلسطنية، لمستوطنات قشرة غزة بمخطط محكم ومدروس من كل جوانب العمل العسكري التكتيكي على يد قادة المقاومة الوطنية الفلسطنية.

وهناك جرى اعتقال قادة من مايسمى بجيش الدفاع الاسرائيلي، وهذه القوات كانت مزودة في أجهزة أحدث تكنولوجيا متطورة تتضمن خطط الدفاع والاتصالات وكذلك تقارير من العملاء وخرائط، سحبوها إلى الداخل الفلسطيني، مع عسكرين تتراوح رتبهم بين جنود وقادة، أخذوا أسرى من إجل تبادلهم بالألف من أسرى الفلسطينين من الضفة الغربية وقطاع غزة. وهذه العملية أذهلت الصهاينة ومن ورائهم الأمريكان والبريطانيين والفرنسيين ودول أوربية من الذين هم يمدوا هذا الكيان الصهيوني بالمال والمعدات العسكرية الحديثة، وبعض العسكرين يقترحوا تدريس خطة طوفان الاقصى في الأكاديمية العسكرية لاهميتها، وبدءت الاساطيل الحربية الأمريكية تجوب سواحل البحر المتوسط وكذلك الأحمر وباب المندب دفاعا عن ربيبتهم صنيعتهم، واعطوا الضوء الأخضر (لجيش الدفاع الاسرائيلي)، أن يقوم بطلعاتهم الجوية مزودين بأحدث الصواريخ المتطورة ولم تأخذ بنظر الاعتبار قوانين الحرب وتحيد المدنيين من القصف، قامت بقصف غزة، وقتل المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ وحتى مدارس الاطفال كما حدث في ضرب وقصف مدرسة تابع الى الانروا ويدرس فيها طلاب قتل عدد منهم، ولم تسلم منهم المستشفيات كما حدث في مستشفى المعمدانية ومشفى الرنتسي والشفاء والاقصى والاندنوسي، وغيرها، حيث تعاني المستشفيات من قطع الكهرباء وتعطيل أجهزة الكشف الطبي والعلاج، وعدم وجود الادوية الضرورية والاسعافية، وكذلك مواد الطاقة كالنفط والبنزين، علما بأن وجود عدد من المرضى، مرضى الكلى ومرض السرطان والجرحى نتيجة القصف المستمر على الابنية وعلى السكان الامنين والقنص لكل من يتحرك في الشارع بعد دخلولهم إلى مناطق محددة في جنوب غزة مثل بيت حانون، وانهم الان في دخولهم يعانون من مقاومة شديدة من قبل قوات المقاومة الوطنية الفلسطنية في حرب شوارع ومن بيت إلى بيت، كلفتهم بعدد من القتلى والجرحى أضافة إلى ضرب المقاومة لدباباتهم، ومعداتهم العسكرية، ولازلت قوى المقاومة الفلسطنية تقوم بإطلاق زخات من الصواريخ على الداخل الاسرائيلي، ودخلت قوات المقاومة في الجنوب اللبناني لتخفيف الضغط على غزة، وذلك بإطلاق صواريخ بركان على تجمعات جنود العدو الصهيوني، والموقف اليمني بالمشاركة في الحرب إطلاق الصواريخ على ميناء ايلات وكذلك انذروا السفن العائدة إلى الكيان الصهيوني والشركات العالمية المتعاونة معهم بالحجز، وهذا ما تم فعلا مع سفينة تحمل بضاعة إلى دولة الكيان الصهيوني، وهناك قوى عراقية تضرب بالطائرات المسيرة قواعد عسكرية أمريكية في العراق وسوريا وهذا يدل على أن قوى المقاومة تنشط اليوم ضد العدوان السادي القاتل الذي يجري ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية.

الدروس والنتائج من معركة طوفان الأقصى

1- أن دخول قوى المقاومة الفلسطنية في عملية (طوفان الاقصى) إلى غلاف غزة في المستوطنات وبشكل محكم وسري للغاية دون علم حتى حلفاء المقاومة، جاءت بنتائج، منها اخذ عدد من الأسرى من الجنود والمستوطنين، والغرض هو واضح من أجل أطلاق سراحه الالاف من الأسرى في سجون ومعتقلات العدو من الشباب والأطفال والنساء. وكذلك الحصول على أجهزة تكنولوجيا متطورة تتضمن خطط الدفاع الاسرائيلي وفيها معلومات خطيرة حتى عن المتعاونين من الخونة.

2-عندما جن جنون حكومة نتنياهو واقدم على ضرب وتهديم البنايات على ساكنيها من الأطفال والنساء والشيوخ وضرب المستشفيات والمدارس ومحاصرة شعب غزة، لا غذاء ولا كهرباء ولا ماء ولا دواء، تغيرت مواقف دول الغرب ونشطاء برلمانين ونقابات عمالية، لصالح المقاومة الفلسطنية، وعمت التظاهرات في واشنطن ولندن وباريس وفي هولندا وبلجيكا والنروج والدنمارك والسويد والنمسا والمانيا ودول غربية وعربية وهذانصر للقضية اعادها إلى العالم كقضية شعب شرد من وطنه.

3- توسعت المقاومة في بلدان عربية رغم ان بعض هذه البلدان لديها سفارات إسرائيلية او اقدمت على أقامة علاقات مع إسرائيل في السر او العلن. استنكرت ولو على الورق هذا العدوان واتخذت موقف من عدم قبول لاجئين من غزة إلى بلديهما، الاردن وجمهورية مصر، علما أن شعب غزة مستفيد من تجربة عام 1948 في خيانة الأنظمة له، وأعلن انهم صامدون في بلدهم، ولم يتركوا بلدهم.

4- ونتيجة القصف الوحشي لسكان مدينة غزة وقتل المدنيين من الأطفال والنساء وكل الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها دولة الكيان الصهيوني، قدم طلب إلى محكمة الجنائية الدولية، بأعتبار هذه الجرائم والابادة الجماعية جرائم ضد الإنسانية ومنافية لقوانين الحرب، يجب أن تحاسب عليها دولة الكيان الصهيوني، وقد تقدم بها الطلب كل من جمهورية جنوب افريقيا، جيبوتي، وبوليفيا، وبنغلادش، وجزر القمر، وفنزولا.

أن قضية شعب فلسطين ومقاومته المجيدة ومعهم كل قوى الخير والحرية، سوف تنتصر وينتهي الاحتلال إلى زوال،

رافعين شعار البطل الأممي ارنستو تشي جيفارا: الوطن أو الموت.

***

محمدجواد فارس - طبيب وكاتب

 

استغربتُ مِن إعجاب شابٍ صحويّ- منقلب على «الصّحوة»- بأبي نواس (ت: نحو 195هـ)، يحفظ شعره. سألته: كيف جمعت بين النّقيضين؟ قال: بفضل دروس شيوخنا، فقد اتخذوا ثلب أبي نواس دليلاً لصحوتنا! فقررتُ، والكلام له: أتعقب شعره، وما سرّ اهتمام صاحب اللسان ابن منظور(ت: 711هـ) به، حتّى خصه بكتابٍ؟ فأعجبتُ به، وانتصرتُ لأبي نواس كما تراني (اللِّقاء مع الشّاب عام 2010 بداره بالرّياض).

لستُ بصدد تقديم قراءة لكتاب «جرائم نظام البعث في العِراق»(103 صفحة)، والمدون في غرته «مقرر دراسي للجامعات الحكوميّة والأهليّة»، وهو مِن مناهج وزارة التَّعليم العالي والبحث العلميّ، لكن لم أجد فيه علماً ولا بحثاً، فالممارسات عينها قد استمرت، وأُضيف لها شراهة الفساد وغياب الكهرباء، وجماعات مسلحة توازي الدَّولة، فالنّظام انتهى قبل عشرين عاماً، و«الجرائم» كـ«تجفيف الأهوار» مازالت (وردت واحدة مِن جرائم البعث)، ألا يسأل الطّالب الجامعيّ: وماذا عن الأهوار اليوم؟ هل وصلها الماء، أم اكتمل جفافها وتصحرها؟!

كذلك ورد عن المقابر الجماعيّة، فماذا عن عددها بعد(2003)، عن التَّعذيب والقتل والاغتيال، تفاقم الفقر وتعاظم الشّحاذة، والعراق غير محاصرٍ كالسّابق. حصل هذا مع زيادة تصدير النِّفط أضعاف مضاعفة. لا أحد يسأل عن ضياع تريليون دولار، فالسُّؤال محرمٌ؟! هل أُصلح الخراب خلال العشرين عاماً، أم زاد خراباً؟ ماذا عن قتل ضباط الجيش والطَّيارين والكادر العلمي والإعلامي بالآلاف؟ أتظنون أنّ الجيل الذي ولد بعد «البعث» لم ينتبه، كي لا يقابل بين الحِقبتين، فستكون النتيجة نفسها التي توصل إليها الصّحوي وأُعجب بأبي نواس.

سيحتج أحدهم بتجربة ألمانيّا مع النازيّة! فتلك أخرى وزمن آخر، متفق عليه دولياً، وهو تدريس الفكر مع تدارك الخراب، بإعادة حُكام ألمانيا (الشّرقية والغربيّة) البناء بزيادة. أما ما فعله «البعث» الذي حُدد في الكتاب بالعراق، كان ممارسةً وليست فكراً، فإذا عاد الطَّلبة وقرأوا كتب «البعث» سيجدون فيها شعارات التّحرر والتقدم والوطنيّة، وقضية فلسطين في المقدمة، مثلما هي في دفاتركم، وسيجد النقيضين داخل البعث: عبد الخالق السّامرائي (أُعدم 1979)، المثل في النّزاهة والوطنيّة، والمتورط بدمه، فأدبيات البعث غير تصرفاته، فهل تدرسون مساوئ النّظرية، أم الممارسة؟!

إذا كانت الممارسة فهل كنتم، بعد العشرين، منزهين؟! لا أُقدم نفسي مدافعاً عن «البعث»، فأنا أحد ضحاياه، لكننا أمام بلدٍ مبتلى، لم يعد يتحمل دورات انتقام جديدة، وادعاءات لا تصمد أمام الموجعات، فإذا درس الطَّالب مساوئ عسكرة البعث للعراق، ماذا سيسمي السَّبعين ميليشيا، وكل واحدة منها حكومة قائمة بذاتها؟ وماذا لو التفت إلى محو الأمية، في ذلك الزّمن وضخ الملايين مِن الأميين منذ الحصار إلى اليوم؟ ألا ترون البلاد تجتاحها أُمية مركبة، صار فيها الاستثمار بالخرافة طابع المرحلة؟

ما حصل يا سادة تنفيذ سياسة انتقام، والحقد الطّائفي أُسها، كان الاجتثاث مثالاً، وتسليم البلاد بقضها وقضيضها، لمَن يُحارب بدّم ومال العراقيين، لتصفية حساباته. حاسبوا أنفسكم وأوقفوا الخراب، وبعدها انتقموا ودَرسوا ما شئتم. أظن تشبعنا، في المدارس، ببيت شهيرٍ قديم نُسب لعدد مِن أعاظم الشُّعراء: «لا تنه عَن خلقٍ وَتَأْتِي مثله/عارٌ عَلَيْك إِذا فعلت عَظِيم»(ابن الورديّ، تحرير الخصاصة).

ما حصل كان انتقاماً لا إصلاحاً، فصح ما تنبأ به الشّاعر عندما انتصرتم: «تَصوَّرِ الأمرَ معكوساً وخُذْ مَثَلاً/ممَّا يَجرُّونه لو أنهم نُصِروا/ أكانَ للرِّفِقِ ذِكرٌ في مَعاجِمهمْ/ أم كانَ عن«حِكمةٍ» أو صحبِهَ خَبَر/ واللهِ لاقتِيدَ زيدٌ باسم «زائدةٍ»/ ولاصطلى «عامرٌ» والمبتغى عُمَر»(الجواهريّ، تحرك اللَّحدُ 1936). مشكلة القائمين والسَّابقين واحدة، لا يرون ممارساتهم إلا صلاحاً وإصلاحاً، وهي خلاف ذلك. أقول: ليطمئن البعث، فكم مِن خصمٍ أعاد مجدَ خصمه!.

***

رشيد الخيّون - كاتب عراقي

 

عند بداية الأعوام الأولى لسقوط النظام السياسي، كنت من أوائل الذين وقفوا الى جانب سياسة تشجيع ودعم الجامعات الأهلية في العراق، من منطلق اعتبارها منافس حقيقي وند مكافئ – هذا ما كنت أظن - للجامعات الحكومية التي كان مستواها العلمي قد شارف على التآكل، جراء تفشي علاقات الاستزلام والزبائنية المرتبطة بالانتماءات الحزبية والولاءات الإيديولوجية، ليس فقط داخل الحرم الجامعي وضمن مقرراته المنهجية فحسب، بل وكذلك بين أروقة ملاكاته الإدارية وهيئاته التدريسية التي كانت عقليتها وعلاقاتها قد تأدلجت الى حدّ يعيد.

ولعل الخطأ الذي اركبته، هو الاعتقاد بان من مزايا الجامعات والكليات الأهلية كونها مؤسسات تعليمية تعود ملكيتها للقطاع الخاص كمشروع تجاري، يستهدف الأرباح المالية لقاء الاستفادة من مخرجاته العلمية والمعرفية. هذا بالرغم كونها (الجامعات الكليات) ملزمة بمراعاة بعض الشروط العلمية والفنية والإدارية التي تحددها وزارة التعليم العالي كجهة حكومية مسؤولة. غير أنها لا تخضع – شكليا"على الأقل - لأية اشتراطات سياسية أو اعتبارات إيديولوجية، لا بالنسبة لسياسة قبول الطلبة ولا بالنسبة لطبيعة المناهج الدراسية المقررة مثلما هو شأن نظيرها الجامعات الحكومية. بحيث يتيح لها هذا الأمر أن تكون بمنأى عن الالتزامات والاملااءات التي تخضع لها نظيرتها الأخيرة وتكون ملزمة بمراعاتها والتقيد بضوابطها. هذا وقد فاتني في حينها أن شروط نجاح المشاريع ذات الطابع الخاص – بما فيها مشاريع المؤسسات التعليمية / الجامعية - تحتاج الى أوضاع سياسية مستقرة ومتوازنة، تكون فيها (الدولة) هي الجهة المسؤولة والوحيدة عن تنفيذ القوانين وسريان التشريعات، دون السماح لأية جهة أخرى التدخل في شؤونها الوطنية والمساس في صلاحياتها السيادية.

ونظرا"الى ركام الخلفيات السياسية والمرجعيات الإيديولوجية الموسومة بالتحزب والتعصب التي هيمنة – على مدى عقود عمر الدولة (الوطنية) - على عمل المؤسسات البيداغوجية (المدارس والمعاهد والجامعات) في المجتمع العراقي، حيث سيادة الرؤى الواحدية لسيرورات الواقع وهيمنة التصورات النمطية لثقافات المجتمع، فقد كان حصول أي تغيير في هذه المسارات أو وقوع أي تحويل في تلك العلاقات، كفيل باستقطاب المشاعر الرافضة وتحفيز النوازع المناهضة التي كانت تنظر بعين الرضى والقبول الى كل ما كان يطرأ على أنظمة الحكم السياسي الشمولية من انكسارات إيديولوجية وانهيارات مؤسسية كنوع من أنواع (الثأر) للأنا المخصي والمقموع ، وذلك بصرف النظر عن طبيعة المصدر أو الجهة التي أحدثت التغيير وساهمت في التحول. بحيث ان لحظة سقوط النظام السابق كانت بمثابة دعوة مجانية لإطلاق تلك النوازع الثأرية المختزنة من عقالها، لاختراق تلك الشقوق والتصدعات التي كانت سلطات الأنظمة السابقة تحاول إخفائها وترميمها دون جدوى.

والمشكلة هي انه كلما تطاول العهد بالأنظمة السياسية التوتاليتارية وتصلبت قبضتها السلطوية في الردع والقمع، كلما تزايدت انحرفات المجتمع وتعاظمت إخفاقات الدولة، الأمر الذي يفضي بالمكونات الاجتماعية المتذررة اثنيا" وقبليا"وطائفيا"الى استمراء مظاهر الفساد في المؤسسات الحكومية واستشراء ظواهر الفوضى في العلاقات الجماعية كنوع من أنواع التعويض عن الحرمان الاقتصادي والامتهان الاجتماعي. بحيث تستطيع تلك المكونات من تحقيق مصالحها الشخصية كأفراد وبلوغ مآربها الفئوية كجماعات، عبر توظيف واستثمار علاقات الاستزلام والربائنية التي سرعان ما تنتعش في مثل هذه البيئات الموبوءة والأجواء المشبوهة.

وإذا ما كانت مظاهر الفساد وظواهر الفوضى على مستوى النظام السياسي قمينة بضعضعة كيان (الدولة) وانحسار هيبتها واضمحلال تأثيرها، فان عواقبها على مستوى النظام الاجتماعي كفيلة بتفكك عرى (المجتمع) ونخر بناه وتآكل قيمه واندثار أخلاقياته. ولعل مكمن الخطورة في هذا المجال هو تسارع التحول فيما هو (طارئ) من قيم و(استثنائي) من علاقات، الى ما يشبه (المأسسة) و(الشرعنة) لظواهر الفساد والفوضى، لاسيما في ميادين العلم والفكر والثقافة التي من شأن التفريط بمعاييرها والاستغناء عن شروطها، الانحراف بسيرورة المجتمع صوب مئالات الانحطاط الأخلاقي والخراب الحضاري.

***

ثامر عباس

في الحق قد تكون هذه هي المرة الأولى التي أشعر فيها أن الشعب الأمريكي الغارق في أوضار ثقافتة المادية، وواقعه الذي يعرفه القاصي والداني، يهتم بقضايا تدور خارج محيطه اللجب، كنت أخال أن الشعب الأمريكي لا يهتم إلا بسداد الفواتير التي تؤرق مضجعه، وتعكر صفوه نهارا وأن يأخذ حظه من قطوف اللذة الدانية والغرق في قاعة المدلهم ليلا، أما نصرته للقضية الفلسطينيه، وتعاطفه معها بهذه الصورة الصلدة التي تدل على تعاطف صادق وعميق هو ما جعلني أرفع حاجب الدهشة،وأظهر هذه الغبطة وهذا السرور، وصفوة القول إنه تعاطف منزه عن المنفعة، وقوامه الشعور الإنساني المحض، الذي يسعى للحفاظ على حياة شعب يريد الكيان البغيض أن يستأصلها ويزهقها،لقد أدركت هذه الشعوب بأن ليس هناك وسيلة لانقاذ غزة، وأطفال وشيوخ غزة، سوى تلك المظاهرات النبيلة المنددة بعسف حكوماتهم، وتعاونها الموثوق مع الكيان المغتصب السادر في غيه، والممعن في ضلاله، هذه الشعوب التواقه دوما للحرية أيقنت حتى تكون غزة في مأمن من خطر الإبادة، وغيرها من الأخطار التي تحدق بها، أن تواصل في تظاهرها المندد بعنجهية الاحتلال، ونازيته الصارخة، وبربريته المعهودة، ولعل كل هذه الشواهد تشير على عدة معطيات من الواجب علينا رصدها والوقوف عندها، ففي وجهة نظري القاصرة إن شيء عظيم قد نشأ، فبوسعي أن أؤكد لكم، وبإمكانكم تصديقي، أن لا ريبة تتنازعي، أو شك يخامرني مطلقا في عاطفة الشعب الأمريكي وإنسانيته المطلقة، و لكن ثمة أشياء ينبغي علينا أن نفكر فيها، ونقف عليها ونطيل الوقوف، حتى ونحن في ظل هذه الجائحة التي تمر بها غزة الصامدة على عرك الشدائد، لقد كانت الأيام تمضي أيها السادة خلال سنوات الابتلاء، دون أن نشاهد مثل هذا التعاضد، والحرص على الحياة الإنسانية التي قدستها الأديان، وصانتها القوانين، ورعتها الأخلاق، وكأن تلك الشعوب أدركت فجأة أن التهاون في مثل هذه الفظائع التي يرتكبها الصهاينة من الآثام التي لا يمكن تداركها، نحن هنا لا نغمط الغرب حقه، أو نجحد فضله، فقد انبرت جموع غفيرة منه فيما مضى مستهجنة ومستنكرة ما تكابده غزة من قتل وتنكيل، ولكن تلك المظاهرات لم تكن بتلك الحدة وهذا الالحاح الذي نبصره الآن، ففي تقديري أن هذه الشعوب المرهفة قد أتيح لها ما لم يكن متاحا لها من قبل من معرفة ودراية بخبايا الأمور، فقد نجحت الجاليات العربية والإسلامية التي تعيش الآن في الغرب في تنوير هذه الأمم بحقيقة الصراع الذي يجري في فلسطين، وأن الشعب الفلسطيني وحضارته ومقدساته التي اجترئ عليها عتاة اليهود هو صاحب الأرض والأحق بالعيش فيها، وأن نفس هذا الشعب الذي تعتدي عليه اسرائيل الآن في عهود غابرة كان يكبر الحياة الإنسانية، ويرفض المساس بها عمدا كان أو خطأ، ولعل الحقيقة التي لا يرقى إليها شك، والواقع الذي لا تسومه مبالغة، أن اليهود في بدايات تدفقهم إلى فلسطين في مطلع القرن الماضي، لم يحتاجوا أن يدفعوا عن أنفسهم أنكال البغي والعدوان، فالشعب الفلسطيني لم يكن يكن يعاني من ضعة النفس التي يعاني منها الصهانية، بل كان سمحا كريما يوادد من قدم إليه، ويتحفهم بسجايا نبيلة توارثوها من أسلافهم ومن نبع دينهم الصافي الذي لا يخالطه كدر، أدركت هذه الشعوب الغربية رغم ضخامه الآله الإعلامية لليهود بفضل تلك الجاليات العربية والإسلامية أن الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وألمانيا واستراليا وغيرها من دول الصلف والغرور التي لا تعرف لحياة الأفراد والجماعات حرمة، أنها قد ألحت على فلسطين بالكيد والتربص والاعتداء، حتى اضطرتها إلى ضعف وهزال شديد، وهدفها من كل هذا أن تذعن إليها، وأن تظهر الطاعة والامتثال لما تبتغيه، ولكن ما ترومه دونه خرط القتاد، فهي وإن لم تستطع أن تدفع عن نفسها مظاهر البغي والعدوان ما زال شبابها وعرانينها يكبرون فلسطين، ويتهافتون على الموت من أجلها، الآن أيها السادة تمعن هذه الشعوب التي نحسبها غنية مترفة، تعيش في دعة وسعة، في مآلات هذا الصراع الدامي بين العرب والصهاينة، ويقينها إن هي صمتت وكفت عن الرفض والانكار أن غزة التي استخفت بالحياة، واستهانت بها، من أجل صون كرامتها وعزتها سوف تؤول إلى زوال، هذا يعني أن تلك الشعوب التي أزرت بها الحروب من قبل ستتصدى لحكوماتها، وستجد منها عنتا لم تلاقيه من قبل، كما أنها لن تكتفي بما يجري في غزة، بل ستنتبه لدماء أخرى تستباح في مناطق أخرى في الشرق الأوسط أو افريقيا، وأنها بعد أن اتضح حجم الكذب والتدليس في التعاطي مع ملف غزة من قبل أشهر المؤسسات والقنوات الاخبارية، لن تكتفي بتصديق كل ما يقال لها، بل ستمحص الأخبار وتسبر غورها، حتى تصل إلى برد اليقين.

أيقنت الشعوب الغربية أن حكوماتها قد سقطت سقوطا مدويا في حضيض البربرية والسادية الهوجاء، وأنها تواطئت مع دولة الاحتلال في كل جرائمها، فهي الداعمة والمهللة لكل فوادحه، أدرك الشعب الأمريكي أن رئيسه ووزير خارجيته، قد أهدرا حياة الأطفال في غزة وأن دولتهم تسلطت على فلسطين كما تسلطت على كثير غيرها من أقطار العرب، ما لا يتنابنا فيه شك أن هذه الشعوب لن تقبع فيما كانت عليه من غفلة غافلة، ولكن ستزيج عنها جدار التقصير وستنفق غداتها، وأول ليلها، في قراءة وتدبر لذلك الدين الذي جعل متحدث حماس يظهر بهذا الجلد والثقة كأنه يمتلك من وسائل البأس والبطش ما لا تملكه اسرائيل، لقد عرفت هذه الشعوب أن مجاهدي القسام وغيرها من حركات الكفاح المسلح ألا أبو عبيده ولا اخوته يطمئنون إلى القتل، ولا يستريحون إليه ولكنهم يقاتلون عدوا غاشما تسود فيه الضغائن والأحقاد، ويدعم هذا العدو دولا لا تبتغي إلا الموارد والمال، على ضوء ما أوردناه نستطيع أن نزعم أن تلك الدول الباغية سيأتي عليها يوما تندم فيه على كل تلك المخاز التي اقترفتها، وأن خططها التي دبرتها، وكيدها الذي كادته، ستنجلي غمرته بفضل جهاد يحرص كماته فيه على الموت كما يحرص جيش اسرائيل على الحياة، إن تلك الدول التي تحرص على الشر، وترغب فيه، وتتهالك عليه، قد علمت أن الصهاينة رغم تبجحهم بقوة جيشهم، وزعمهم بأنه الجيش القاهر لمن حوله، إلا أن كتائب القسام قد فضحت ضعفه، وجبن أفراده.

نذكر في خاتمة هذا المقال شعوبنا العربية الوادعة التي ينظر الكثير منها إلى أحداث غزة في رتابة وملل، أن تحذو حذو الشعوب التي أظهرت حزنا ولوعة، وأن تكشر عن أنيابها، وتهب من سباتها، وتتمسك بعرى دينها، وتعرف أن عزتها تنبع من أصالة هذا الدين وسننه وعوارفه، عليها أن تؤوب إليه، وأن تسعى إلى نشره واذاعته، وأن تتفانى في تطبيق ما جاء به هديه، وأن ترعى سنامه الذي يكفل لها نزع هذا الشر المحيط الذي وضعه الغرب في خاصرتها.

***

د. الطيب النقر

 

لا تخفى أحداث الحرب الدائرة اليوم بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل على أحد، يمكننا أن نقول على مهل أن الأحداث التي بدأت في صباح السابع من أكتوبر أخذت منحنيات سياسية وإعلامية غير مسبوقة، ومع التدفق الإعلامي الضخم في تحليل وتغطية هذه الحرب من الجانب الغربي وبعض القنوات العربية، أصبحت الحقيقة جلية وواضحة، إسرائيل ملائكية كما ينبغي للإنسان المثالي أن يكون والمقاومة ما هي إلا مجموعات إرهابية تتغذى على القتل ولا قضية حقيقية تربطها بالواقع الذي تعيشه المنطقة، الفرضية التي أطرحها في الأسطر السابقة مستفزة، نعم هي كذلك بطبيعة الحال، وذلك لمن يعيش الواقع فعلا ولا يستفيض في نزع ذاته وروحه أخلاقيا من مبدأ التجذر الأخلاقي.

أليس الصراع في فلسطين المحتلة يدور حول التاريخ وما جرى قبله وما يُعمل من خلاله؟ تجرأت الأقلام أن تؤطر هذا الصراع في أحداث السابع من أكتوبر تحت كلمة الإرهاب وما هو إلا سقوط أخلاقي يدل على التهافت العقيم للكيان المحتل وأحضانه، والتقصي الغير موضوعي للقضية الفلسطينية وما دار في الماضي وما يجري في الحاضر التي عانت من ويلات التآمر الغربي منذ 1917 للميلاد، ما فاقم الأمر سوءا أن كتبت هذه الأقلام بما يعرف في السلك المعرفي بفلسفة الأخلاق والدخول في التنظير الأخلاقي للأشياء، أوهمت هذه الكتابات بأن المقاومة إرهابية وأنها اعتدت على إسرائيل الملائكية ولسان أقلامهم يقول هذه إسرائيل المسالمة التي لم تعتدي على البشر والأرض والشجر، هذه إسرائيل التي تحمل في طياتها خطط السلام والتنمية، وكما أسلفت فهذا الطرح غير موضوعي في هذا الباب، إذ أن التحليل للمنظور الأخلاقي لا ينطلق إلّا من جذر القضية نفسها فمنذ تطبيق الخطط الاستعمارية المتتالية من قبل الإدارات الغربية كوعد بلفور يأبى الغرب إلّا أن يرينا سياساته العنصرية واعتداءاته الغاشمة على المنطقة عموما وفلسطين المحتلة خصوصا.

تُحتم علينا الأحداث الحالية أن نتحدث عن الواضحات البديهيات وكأنما يخفى على جنود الصهاينة والمتصهينين العرب من المدونين والإعلاميين الواقع والصورة، تلعب إسرائيل وأذرعها الإعلامية من الشرق والغرب على توحيد صورة الفلسطيني الإرهابي، هذا هو النقل الإعلامي الدوغمائي الغربي للصورة الذي يؤثر علينا كعرب. تؤثر علينا مجريات القضية الفلسطينية كونها مكونا عربيا لا يمكن لأحد مهما شاء أو حاول أن يختزل ذلك من العرب الشرفاء المؤمنين بضرورة توحيد البقعة العربية في كل أحوالها وتحولاتها، ربما ستغير هذه الأحداث المتكررة من الوعي الشعبي العالمي، إذ أننا من استقراء تاريخي متكرر ليس علينا أن نعول على الحكومات فجُلها يجري بمجرى السياسات ذات المصالح النفعية والتي لا تنعكس على الشعوب بقدر ما تستفيد منها الأحزاب والكراسي السياسية.

دوما ما يكون النقاش حول الحقيقة محتدما بين البشر، إن المبدأ الأخلاقي المحكوم منطقيا هو المقياس الذي تدور عليه النقاشات وإذا ما استنبطنا فعلا أخلاقيا واحدا يتعلق بالأراضي الفلسطينية المحتلة فإن هذا الفعل هو المقاومة، هذه المقاومة هي طبيعة أخلاقية لشعب يتم قصفه وتهجيره واستيطان أراضيه، حتى مع الدعوات والاتفاقيات المزعومة كحدود 1967 ميلادي إلا أن الكيان المحتل يثبت للعالم أجمع بأن أهدافه ومساعيه في توسع دائم، لذا فإن الجدوى الوحيدة التي تعزز الوجود والحق الفلسطيني هي المقاومة لا غير، ومن واجبنا الأخلاقي والإنساني أن نقف بما نستطيع مع كل ما يدعم سبل المقاومة ويعزز قيمها ووجودها نحو بناء أرض حرة ذات مجتمع حر أبيّ كسابق عهده وعادته، لابد أن لا نستجدي العالم الغربي في القضايا الإنسانية العادلة بل لابد أن نتخذ موقفا يدفعها إلى احترام السيادة العربية في المنطقة وأقول هذا لأن الإدارات السياسية الغربية بنفاقها الأخلاقي ستبرر كل جريمة تشارك بها، هم يقتلون الفلسطينيين باسم المبادئ والقيم، حتى عند القصف الأمريكي للعراق وموت الملايين من المدنيين أطفالا ونساء وشيوخا وشبابا بررت مادلين أولبرايت ذلك بالقول: "إن الثمن يستاهل"، وهذا المشهد لا يغيب عن الأراضي الفلسطينية المحتلة ويعد متكررا في أغلب أحواله ويتضح هذا من المشاهد الوحشية التي نشهدها من المستشفيات سواء كان ذلك بالقصف أو إجبار المرضى والمصابين لمغادرة المستشفيات. 

إن الموقف الغربي السائد اتجاه منطقة الشرق الأوسط أصبح واضحا، هي سلطة مضللة لا أخلاقية يتبعها شرذمة من العرب تسعى إلى تغيير المناخات الفكرية المؤيدة للمقاومة ونبذ الاحتلال. هي مسارات توشحت برداء الرذيلة لأنها خالية من الأحكام الأخلاقية الفكرية هذه الأحكام ليست الأخلاق فقط، لكنها الأحكام التي تبني للبشر المسار التصحيحي للاعتقادات الموضوعية والبناء المعرفي المنطقي ذو المنهجية العلمية التي تستقي للإنسان حق الحياة، حق حب الحياة.

نحن أبناء جيل عربي متخم بالمآسي والكوارث التي تعصف علينا منذ قرون طويلة، اليوم لابد أن نطور مسار المقاومة الشاملة بمنهجية معرفية تضمن إحياء المبادئ والقيم العليا كوننا لسنا تحت مآلات القصف والتهجير إلى وقتنا الحالي بأقل تقدير، علينا أن نبني معرفة يحق فيها الحق ويطمس من خلالها الكذب والخداع الذي تمارسه الصهيونية وأذرعها منذ القرن الماضي إلى الآن، هذه المعرفة تكون قائمة على الوعي  والإدراك الإنساني بضرورة الكفاح بأشكاله المتعددة وصوره المؤثرة على الساحة الرقمية لصد البروباغندا الغربية المستعمرة وصد كل ما له علاقة بتزييف الحقيقة والميل نحو قبول الكيان المحتل، كذلك على الحكومات العربية أن تعيد النظر في ممارساتها التغيبية على أبناء الوطن العربي وتكف عن التطبيع العلني أو حتى التطبيع الناعم بمسمى البحث العلمي والثقافي لأن مآلاته على نفسها سيعود بنتائج وخيمة لن تمرره الذاكرة الشعبية العربية ولن يستسهلها تاريخ المستقبل.

***

محمد المحروقي – سلطنة عمان

 

من سيميولوجيا طوفان الأقصى، ونتائجه وتوابعه الحدثية والزمنية، ومشاهده وصوره التاريخية، ومفاعيله الميدانية نجد:

ـ الجيش الصهيوني النازي الفاشي الداعشي غلف بهالة من الوهم والأسطورة والخرافة؛ من حيث قدراته وإمكانياته وإمكاناته الخارقة لطبيعة الجيوش، نتيجة النفخ فيه من قبل المهزومين والخائفين، والدعاية الصهيونية العنصرية، وتعظيم حلفائه له بمشهدية إجرامه في كل أصقاع العالم بالقتل والاغتيالات، والاعتداءات على الشرعة الدولية وقوانينها وأنظمتها ومؤسساتها العالمية، والتي تحميه فيها أغلب الدول الغربية برئاسة مجرمه الأكبر الأمريكي الهمجي.

فهو الجيش النازي الفاشي الداعشي الذي كان يصور نفسه أمام الآخر بالغول الأسطوري القادر على فعل كل شيء، ويسوق لها بملحمات متوهمة على المدنيين العزل في فلسطين، وحقيقة من يعتدي على المدنيين العزل هي الضعف والعجز، وهذا ما أكده طوفان الأقصى ومن قبل أكدته ضربات المقاومة الإسلامية في لبنان فضلا عن حرب 2006. والواقع الذي لا يمكن نفي أحداثه ووقائعه وحججه ودلائله أنه أهون من بيت العنكبوت.

ـ الصهيوني النازي الفاشي الداعشي فوق الإنسانية بمعناها البشري والأخلاقي والقانوني، فهو أرقى عرق في الكون يتطاول على أسياده الذين أوجدوا كيانه، ومازالوا يحضنوه لحد الساعة بكل ما يملكون، حتى سيادتهم أمامه لا تساوي شيئا، فمعاداة السامية ما هي إلا بابا لإهانة كل فرد ومنظمة ودولة في أرضها وتحت سيادته. فمن ينتقد هذا العنصر " السامي " من مواطني الغرب وكيفما كان؛ يكون مصيره المحاكمة والإذلال والسجن. فأي سيادة لهذه الدول؟ وأي كرامة وإنسانية للإنسان الغربي والصهيوني يتابعه ويحاكمه في بلاده وبقضائه؟ في المقابل لا يستطيع القضاء الغربي أن يقاضي أي مجرم صهيوني يرتكب على أرضه الاغتيالات وجرائم الحرب! والأعظم من ذلك أن هذا العنصر " السامي " يتطاول على العالم كله وعلى منظماته العالمية، وما أنتجته البشرية من شرائع وقوانين وحقوق وغيرها، وأمام أعين العالم، ولا يستطيع أحد أن ينكر علية بله يحاكمه. لذا؛ فهو عنصر " سامي " تتشرف الإنسانية بوجوده على رأسها لأنه أرقى منها! وهي عبد عنده، يجب عليها أن تخدمه برموش عينيها أو كرها وغصبا عنها.

وانطلاقا من " سامية " هذا الكيان العنصري، وجب على الفلسطيني أن يكون عبدا له محبة أو إكراها، وإلا الإبادة مصيره؛ فجاء جواب النفي مع طوفان الأقصى بأنك أيها الكيان الهمجي لست أرقى سلالة من غيرك من البشر، بل أنت أحط وأخس وأنتن خلق الله في هذا الكون. فإن كنت تتسيد على أنسان الغرب، فنحن لسنا كذلك لعزة أنفسنا وكرامة ذاتنا وحسن أخلاقنا وسلامة عقيدتنا.

ـ ضعف وتخلف الأنظمة العربية التي حشرت نفسها في حب الدنيا، ورضيت بالقعود عن الأخذ بأسباب القوة من فكر وعلم وتكنولوجيا وسلسلة ما أنتجه العقل من مظاهر القوة. فهي ذهبت إلى الانسداد العقلي والفكري والاكتفاء بملذات الحياة والتشبث بكرسي الحكم تحت مظلة ومذلة الغربي، الذي عمل على إبقاء تخلفها وتأخرها قرونا للوراء، وغيبت كل عوامل التطور والنماء من

استقلال وسيادة وحرية وديمقراطية ... ما أنتج مظاهر التخلف على نطاق واسع في دولنا العربية والإسلامية، فغياب الديمقراطية عن الوطن العربي والإسلامي أنتج الاستبداد، والاستبداد أنتج التخلف، والتخلف أنتج الضعف، والضعف أنتج التبعية، والتبعية أنتجت العجز التام عن الفعل، والعجز التام أنتج البؤس الإنساني والحضاري والمأساة على مختلف أنواعها وأشكالها ودرجاتها. فلا يمكن للأنظمة المهزومة من داخلها نفسيا وماديا وفكريا أن تتفوه ولو بحرف استنكار، بله أن تنتج إرادات ومواقف وأفعال. فهي ميتة في هذا العالم، يفعل بها ولا تفعل.

وهو طوفان الأقصى قدم بين يدي الواقع أدلة دامغة غير مدحضة على الموت السريري للأنظمة العربية والإسلامية التي لم تستطع فتح معبر رفح أو إدخال كيس دقيق لغزة العزة. فهي عاجزة لا تملك شيئا، وفي أحسن أحوالها وأعلاها درجة وأرفعها قمة تملك الخطابات الجوفاء، وقد ذهبت في عجزها وضعفها إلى حد تنفيذ ما طلب منها اتجاه المقاومة الفلسطينية. فقد سبق أن أدانت بعد الأنظمة العربية المطبعة وشقيقتها الإسلامية غير العربية المقاومة الفلسطينية في أكثر من عملية فدائية تقاوم من خلالها المغتصب والمستعمر الصهيوني النازي الفاشي الداعشي، ومتنكرة لحق مقاومة المستعمر ذي الدمغات القانونية المتعددة من دينية ودولية وإقليمية ومحلية! ومازال البعض يدين حماس وباقي الفصائل المقاومة عن طوفان الأقصى بدعوى أنها البادئة بالهجوم على الكيان الغاصب، التي جلبت الخراب على غزة العزة. وهذا غير مستغرب عن أنظمة لا قيمة لها في الوجود، ولا اعتبار لها عند الصهاينة وأسيادهم الغربيين.

ـ قوة وعبقرية وذكاء وشجاعة الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، التي أظهرها وأجلاها طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر 2023 المجيد. ما يدل دلالة قاطعة على أن الإرادة تصنع المعجزات في الواقع، فقد فاق العقل الفلسطيني العقل الصهيوني الهمجي باستباقية فكرية وعلمية ومنهجية شلت عقله وفكره، وبينت عجزه وفقره. وهي العملية التي أدهشت العالم كله بدون استثناء، وتمنى المنبطحون لو لم يقع طوفان الأقصى لكيلا يتعرون أمام الشرفاء والأعزاء والكرماء في هذه الأمة العربية والإسلامية؛ لذا عملوا منذ البد\اية على استصغار العملية ووسمها بسمات لا تعبر عن حقيقتها وكينونتها. فكانوا معبرين عن أنفسهم وخستها وذلها ومهانتها وهوانها واستصغارها أمام هذه المقاومة الفلسطينية والإسلامية والعربية، فضلا عن أسيادهم الحاضنين لكراسيهم وكروشهم.

فطوفان الأقصى أفصح عن عقل فلسطيني استراتيجي قادر على التفكير من خارج الصندوق ومن داخله، والتخطيط والتدبير والفعل النظري والعملي في الميدان، وهو مازال يظهر حنكة وقدرة على التحكم في مفاصل وتفاصيل، وإدارة المعركة في غزة العزة رغم آلامه وجراحه الكبيرة عن مواطنيه، الذين يظهرون بسالة اجتماعية لا نظير لها عند العدو الهمجي العنصري، وهم يساندون مقاومتهم. بل؛ يعيشون يومياتهم بدمائهم ومعاناتهم، وتحت ضغط تكالب العالم الرسمي عليهم بما فيه بعض الأنظمة العربية والإسلامية حفيدة عبد الله بن أبي ابن سلول. فهل من عقل إنساني يساوي بين الجلاد والضحية؟ فلن يدوم هذا الوضع إن شاء الله تعالى، وسنرى فيهم عجائب وغرائب الشعوب.

ـ اختباء بعض الجيوش العربية والإسلامية إن لم يكن جلها من وراء أنظمتها لضعفها أمام العدو العنصري رغم ما تمتلك من عتاد كبير، فهي غير قادرة على استعماله، ولا على التغيير الداخلي، ولا مواجهة الخارج بما فيه من جيش العدو المهزوم، والذي يتلقى الضربات القاسية من رجال المقاومة الفلسطينية ومحورها الإقليمي الشجعان. فهي جيوش مستعدة للحرب مع أشقائها وضد نفسها، وليست مستعدة لغير ذلك لضعف يعرب عن ذاتية غارقة في المصلحة الخاصة، والتي تفيد أن ما يسمى الوحدة العربية والإسلامية هي مجاز في القاموس العربي والإسلامي لا حقيقة لها، ولا مصداقية، ولا ماصدق له في الواقع يثبته، غير أن ما ينفيه هو القائم في واقع العالم العربي والإسلامي. لذا؛ فلا يعول الإنسان العربي والإسلامي بصفة عامة والمقاوم الفلسطيني والعربي والإسلامي على هذه الجيوش للدود عنه ولا رفع الضيم عنه؛ بله خوض المعارك المسلحة من أجله. فهذه الجيوش ترهلت وهرمت وتدلت كروشها أمامها لما يدخ في جيوبها ومشاريعها ومصالحها، فلله المشتكى. فهي مستعدة للتواطئ على المقاومة الفلسطينية والعربية والإسلامية لأجل الحصول على رضاء الأمريكي الهمجي والصهيوني العنصري.

ومنه؛ فطوفان الأقصى يصرح بكل اللغات أن تغيير الواقع غير مطروح ومؤجل إلى أن يبعث الله في هذه الأمة قوما يشبهون المقاومين والمجاهدين في إيمانهم وآمالهم، وفي تفكيرهم وعزيمتهم وإرادتهم. وأما الراهن فلا يشي بشيء من ذلك. ومع الأسف الشديد إلى هذا الحد من التبلد الحسي أصبح لهؤلاء الجيوش وأنظمتها تجاه الجرائم والإبادة القائمة في غزة العزة والضفة الغربية وأراضي 48 الباسلة، وأخال لو نهض الكيان الصهيوني النازي الفاشي الداعشي إلى إعلان الحرب على أي دولة عربية أو إسلامية؛ فلن تجد من الجيوش من سيحاربه ويقاتله، بل؛ ستكتسح أراضيها خلال ساعات لأنها أنظمة وجيوش لا إرادة لها في القتال، بل سيقفون موقف المستغل والانتهازي لكسب المصالح الخاصة! وهذا؛ وقع ويقع في واقعنا العربي والإسلامي من خلال من يندد بحماس ويدينها ابتداء وانتهاء، وقد جيش من ورائه جوقة من " العلماء والشيوخ والفقهاء " وجيوشا من " الذباب والناموس وكل الحشرات النهارية والليلية الإلكترونية " لإدانة المقاومة الفلسطينية، وتوهيم خلق الله بأن ما قامت به هو عبث لم يأت إلا بالخراب؛ لكن الله سبحانه وتعالى ينصر أولياءه وأهله دون الصهاينة النازيين الفاشيين والداعشيين من كل الأجناس والأوطان. ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا﴾ " النساء: 52".

ـ للقراءة والوعي:

لابد للقراءة الناقدة أن تخلق الوعي عند القارئ الفطن الذي لا يكتفي بظاهر النص المسطور أو الواقع المنظور، وإنما هو الذي يعمق وجوده في أعماقهما بكل أدوات الحفر والتنقيب لبناء معمار فكري مستقل وحر قادر على الفعل بكل أبعاده. وكتاب طوفان الأقصى المسطور أو واقعه المنظور يفيدنا الكثير من العبر للاعتبار، والدروس لاستخلاص النتائج الإيجابية والسلبية للاستثمار والتجاوز، بخلق فرص النجاح من رماد الخيبة، التي يشاهدها العربي والإسلامي في يومياته من مواقف الأنظمة والجيوش والحكومات والمنظمات والمؤسسات الدولية على بروع هذا العالم، العاجزة عن الفعل وردة الفعل سوى التنديد في أحسن الأحوال.

ومن هذا الموقع الإعلامي أقول للشعب الفلسطيني إنك أقمت الحجة على العالم؛ لذا فلا داعي للمناشدة أو الاستنكار، فعول على الله أولا ثم على مقاومتك ثانيا وعلى نفسك ثالثا، وثق بإيمان قوي في الله عز وجل أنه ناصرك مهما كانت التضحيات والآلام والأحزان والخسائر، فهذا مسمار في نعش الصهيوني الهمجي، ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ "الروم: 47".

***

عبد العزيز قريش

إنهم يعلمون كيف يحمون ما سرقوه من أراضى وحقول، فصنعوا جدراناً عازلة وارتقوا بالأسوار المكهربة، وظنوا أنهم بمأمن حتى جاء يوم السابع من أكتوبر فتغيرت قناعاتهم وانتهت للأبد!. ولأنهم متخصصون فى الدراسات والأبحاث النفسية وطرق التلاعب بالعقول، أقاموا جدراناً نفسية وهمية أنهم الأقوى وألا سبيل لهزيمتهم، حتى رأينا كل تحصيناتهم تتهدم وتتفتت كأنها بيوت العنكبوت! وكل هذا حدث فقط فى 40 يوماً!!

ما بعد الأربعين

إنها الهدنة يسعى إليها المهزوم سعياً.. فمن الذى انتصر حقاً؟

الآن وبعد تكدس الآليات المعطوبة بفعل راجمات المقاومة، وبعد النزيف المؤلم للجيش العرمرم على أرض غزة، وبعد اقتناعهم باستحالة التوصل إلى مكان الأسري أو حتى تحرير أسير واحد منهم، وبصعوبة العثور على نفق واحد من مئات الأنفاق فى شبكة غزة الخارقة للتحصينات. باتت الهدنة أقصى أمانيهم!

سياسياً هناك انشقاق داخل دوائر الحكم والقيادة فى إسرائيل، وضغوط كبيرة مؤداها أن حكومة نتنياهو تلفظ أنفاسها الأخيرة. وعلى الجانب الآخر من الشاطئ تنحسر شعبية جو بايدن وحزبه الديمقراطى إلى الذيل، وحزب المحافظين البريطانى تحت ضغوط شعبية ومليونيات ثورية تنادى بوقف الحرب، والتوقف عن دعم الكيان الإسرائيلى المحتل صاحب المجازر النازية غير المسبوقة.

وعسكرياً لا يوجد تقدم على أى محور من محاور الاقتحام البري، بل يبدو المشهد وكأنه كادر سينمائى ثابت متجمد على بيت حانون وبيت لاهيا ومخيم الشاطئ وما حول مستشفى الشفاء. والحديث يجرى عن معارك سجال بين طرفين قويين، لا عن اقتحام وفرض سيطرة ونشر قوات للجيش الأقوى والأكثر عتاداً!

الآن وبعد أربعين يوماً على القصف الغاشم على غزة، لم يعد ثمة حلول إلا هدنة قصيرة من أجل تحرير بعض الأسرى، وكلها تتم بشروط تمليها المقاومة المنتصرة !

عجائب المتعاطفين مع غزة

لعل أهم مكاسب ما حدث فى فلسطين المحتلة التعاطف العالمى المذهل مع غزة، وتلاشى فاعلية ومصداقية الإعلام الصهيوأمريكى.

المتابع لمظاهرات نيويورك ولندن سيجد فى صفوفها الأولى عائلات يهودية متعاطفة مع القضية الفلسطينية! وشباب بأوشام وتقاليع غربية. وعروض رقص يؤديها رجال بأزياء الهنود الحمر، يتذكرون مأساتهم ويربطونها بمأساة غزة وفلسطين!

أغلب المتعاطفين مع غزة حول العالم ليسوا عرباً ولا مسلمين! وإنما هم خليط من كافة التيارات والأحزاب والعقائد والأجناس. إنه تعاطف إنسانى خالص تجاه صمود يبدو كصمود الجبال الرواسي لأهل غزة، وطغيان إسرائيلى يعيد للأذهان محارق الهولوكوست النازية، وقبضة الدكتاتوريات الفاشية، ومجازر المغول والتتار!

المشهد الأعجب يحدث بيننا! عندما تلاحظ حولك أناس تغربلهم المحنة، فينفضوا عن قلوبهم وعقولهم وأكتافهم كل ماضيهم الذى تعاطفوا خلاله مع الماركسية حيناً ومع الليبرالية حيناً ومع العلمانية بعض الوقت، ثم يكتشفون أنهم لا يملكون إلا التعاطف مع المقاومة الفلسطينية حتى وإن كانت تتعارض مع معتقداتهم وأفكارهم ومزاجهم السياسي والنفسي!

الحق أن ما يحدث فى فلسطين المحتلة اليوم يعيد هيكلة العقل الجمعى لا أقول فى منطقتنا بل فى العالم كله. وسوف نرى فى المستقبل من التداعيات والنتائج ما يثير الحيرة والعجب والاندهاش أكثر وأكثر.

زمن سقوط الأقنعة

بعد معركة طوفان الأقصى لم يعد التخفى خلف شعارات المداهنة والنفاق ممكناً..

بات من السهل تمييز الوجوه كلها بوضوح. وجه الإمبريالية الاستعمارية المتدثر بعباءة الليبرالية وحماية الحريات. ووجه الشيوعيية الأحمر الدامى الرابض خلف قناع النضال الكاذب والدعوة الزائفة لحفظ حقوق الفقراء والضعفاء والعمال والفلاحين. وهؤلاء وأولئك خرسوا تماماً أمام مجازر جيش الاحتلال الإسرائيلي فى غزة. بل إن بعضهم بات لساناً للظلم ضد المظلومين!

هل تعلم أن المعضلة الأكبر أمام الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل الآن فى تفاوضهما مع المقاومة الفلسطينية هى غياب الوسيط بين الجناح العسكرى الغزاوى وبين المفاوض الإسرائيلي؟! والسبب أن المقاومة لم تعد تثق فى أحد خارج نطاق المعارك على الأرض، وبات التواصل الوحيد من خلال المتحدث العسكرى للمقاومة الفلسطينية، والذى أصبح يلعب دور السياسي والإعلامى بالإضافة لدوره العسكرى! كأن كثرة الأقنعة وتداعيها من حول أفراد المقاومة، دفعهم ألا يثقوا إلا فى أنفسهم، الأمر الذى يفسر سرية عملية طوفان الأقصى منذ بدايتها؛ كأن العارفين بساعة الصفر كانوا أقل من أصابع اليد الواحدة!

وثيقة كامبل السرية!

عام 1905 عُقد مؤتمر كامبل بنرمان فى العاصمة البريطانية لندن. إنه مؤتمر دعا إليه حزب المحافظين البريطاني سراً . واستمرت مناقشات المؤتمر حتى عام ١٩٠٧. وقد ضم المؤتمر جميع الدول الاستعمارية في ذاك الوقت وهي:بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، اسبانيا، إيطاليا، وفي نهاية المؤتمر خرجوا بوثيقة سرية دعوها "وثيقة كامبل" نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل بانرمان.

انتهى المؤتمر الحاشد إلى قرار خطير مفاده: اعتبار البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار والجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي إلى القارتين الآسيوية والأفريقية وملتقى طرق العالم..وأن العقبة الكبيرة للسيطرة عليه، هى الوحدة الدينية والتاريخية واللغوية للشعوب المطلة على جنوب وشرق البحر.. وعليه فإن قادة المؤتمر قرروا الآتى: أولاً: إبقاء شعوب تلك المنطقة مفككة جاهلة متأخرة اقتصادياً وتنموياً. ثانياً: منع أى اتحاد بين أجزاء المنطقة المقسمة بفعل الاستعمار ثم باتفاية سايكس بيكو الشهيرة. ولضمان تحقيق ذلك تم التخطيط لإقامة دولة إسرائيل كشوكة مغروسة فى حلق المنطقة تعيق توحدها وتغرقها فى مشكلات مزمنة.ثالثاً: تفكيك نسيج الدول المستهدفة من داخلها من خلال دعم الأقليات وإثارة نعرات التفرق والانقسام بكل أشكاله العقائدية والعرقية والقبلية بحيث لا يستقم النسيج الاجتماعى لهذه الدول إلا من خلال تدخلات خارجية ورعاية أممية! .

إنها وثيقة تمثل نهج الدول الغربية ما بعد خروجها الظاهرى وانسحاب جيوشها من المنطقة، لضمان استمرار سيطرتها ونهضتها على حساب تراجع منطقة الشرق الأوسط حضارياً وسياسياً وعسكرياً واقتصادياً ليظل العرب طوال الوقت معتمداً متكئاً على الغرب موالياً له كل الموالاة!

مستقبل المحمية الأمريكية!

لم يعد أحد يجهل حقيقة أن إسرائيل هى الطفل المدلل لأمريكا، وأنها محميتها فى الشرق الأوسط..

كيف لا، وهذه السفن الحربية وحاملات الطائرات وأطنان الذخيرة والسلاح تطير من أمريكا إلى إسرائيل عبر جسر جوى دائم لتحيط إسرائيل المحتلة إحاطة السوار بالمعصم؟! خطوات ليست وليدة اللحظة، بل هو دعم قديم ودائم وشامل لكل عناصر القوة من سلاح وعتاد وأموال وتقنيات بل وجنود مرتزقة من أوروبا والغرب!

ومنذ كتابات هنرى كيسنجر التى دعت إلى منع أى انتصار عربي، إلى قرارات دعم الكيان بأقوى طيران وأقوى ترسانة قنابل وذخيرة فى المنطقة، وحتى معركة اليوم التى جمعت أساطيل أوروبا وأمريكا وأحلاف الغرب، نستطيع أن نفهم أن الصراع يدور حول المصالح الغربية فى المنطقة، بقناع أيديولوجى عقائدى!

ونظرة سريعة لنتائج المعركة على الأرض يستطيع أن يصل إلى يقين تام أن المصالح الغربية فى المنطقة لن تتحقق، وأن المحمية الأمريكية الشرق أوسطية المسماة إسرائيل، سوف ينكشف عنها غطاء الدعم الغربي، وأنها ستكتسب مزيداً من الكره والاحتقار من جانب الرأى العام العالمى، وأن الانقسامات الداخلية الحادثة فى النسيج الاجتماعى الإسرائيلى، كعقاب عادل لمؤامرات مؤتمر كامبل وأشباهه، تنذر بتحقق ما اصطلح على تسميته "لعنة العقد الثامن".

ولن تمر سنوات قليلة إلا وتتحول المحمية المحاطة بسياج ضخم من الجدران والحصون ووسائل الحماية، إلى مقصد لكل فلسطينى ترك أرضه قسراً وصدره ينطوى على حلم العودة الذى لم ولن يزول.

***

عبد السلام فاروق

ترجمة وتقديم: علاء اللامي

لم تبرز صهيونية توماس فريدمان، والذي دافع عنه البعض كليبرالي مفيد ومعتدل كما برزت في هذه المقالة الفاضحة الواضحة والخطرة والمفيدة أيضا. وقلت المفيدة لأنها كشف علنا أوراق الطرف الغربي الصهيوني بوضوح وأن أشد ما يقلق هذا الطرف هو احتراق أوراق ما يسمى حل الدولتين والذي دمرته دولة الكيان وليس طرف عربي أو فلسطيني بل إن صيغة حل الدولتين تجد تطبيقها وتبنيها العربي الرسمي في ما سمي "المبادرة العربية للسلام/ خطة الأمير السعودي عبد الله قبل تتويجه". وفريدمان يقول ذلك صراحة، وكأن بروز شعار تحرير فلسطين من النهر إلى البحر

 (Palestine will be free, From the river to the sea)

على ألسنة التقدميين الذين يتظاهرون في العالم كابوسا شخصيا له فيسميه " الشعار العدمي"!

مقالة فريدمان هذه حاسمة وتأسيسية من الضروري الاطلاع عليها وتحليلها بعمق لأنها تكشف عن مأزق العدو الصهيوأميركي بعد الطوفان، ومن الضروري الاستعداد من الآن لخطط العدو المستقبلية والتي ستنفذ اعتمادا عليها فهم لن يسمحوا لنتنياهو بالاستمرار في خططه المجنونة لتوريطهم بجرائم حرب ضخمة كهذه لإنقاذ مستقبله السياسي الشخصي وتدمير دولة الكيان والسماح بنشوء تيار فلسطيني وعربي وعالمي يسعى لتحرير فلطسين من النهر إلى البحر وتفكيك الكيان الآيديولوجي الخرافي النازي الملطخ بدماء الأطفال ولن ينقذ هذا النظام إذا ما فشل بايدن والزعامات الغربية عن ردع نتنياهو والدولة الصهـيونية ووقف جريمة الإبادة التي ترتكبها أمام أنظار العالم أجمع! ترجمة المقالة:

اللحظة الأكثر كشفا من رحلتي إلى إسرائيل بقلم توماس ل. فريدمان

خلال الأيام التسعة التي أمضيتها مؤخرا في إسرائيل والضفة الغربية، لم أكن أعلم أن اللحظة الأكثر كشفا ستأتي في الساعات الأخيرة من زيارتي. إذ بينما كنت أحزم أمتعتي للمغادرة ليلة السبت، عقد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مؤتمرا صحفيا أشار فيه إلى أن إسرائيل والولايات المتحدة ليس لديهما رؤية مشتركة حول كيفية إكمال إسرائيل لحربها في غزة أو كيفية تحويل أي انتصار إسرائيلي على حماس إلى سلام دائم مع الفلسطينيين.

بدون وجود مثل هذه الاستراتيجية المشتركة، ستحتاج إدارة بايدن والشعب الأمريكي، وخاصة اليهود الأمريكيين الذين يدعمون إسرائيل، إلى اتخاذ بعض القرارات المصيرية.

سيتعين علينا إما أن نصبح أسرى لاستراتيجية نتنياهو - التي يمكن أن تأخذنا جميعا إلى الحضيض معه - أو صياغة رؤية أمريكية لكيفية إنهاء حرب غزة. وسيتطلب ذلك خطة من إدارة بايدن لإنشاء دولتين لـ "شعبين أصليين" يعيشان في مناطق غزة والضفة الغربية وإسرائيل.

نعم، أنا أتحدث عن خطة للسلام في زمن الحرب، إذا ما وافقت إسرائيل عليها، يمكن أن تساعد في منح إسرائيل الوقت والشرعية والحلفاء والموارد التي تحتاجها لهزيمة حماس – دون أن تعلق في وحول حكم كل غزة وكل الضفة الغربية إلى الأبد، مع عدم وجود أفق سياسي للفلسطينيين.

إن نتنياهو يقدم في الوقت الحالي، وبدون أية أوهام، رؤية واحدة فقط: سبعة ملايين يهودي يحاولون حكم خمسة ملايين فلسطيني إلى الأبد – وهذه وصفة لكارثة لإسرائيل وأمريكا واليهود في كل مكان وللعرب المعتدلين من حلفاء أمريكا.

يمكن لخطة بايدن – ولسنا بالمتفرجين على ما يجري؟ - أن تستخدم اقتراح الرئيس دونالد ترامب لحل الدولتين كواحدة من نقاط البداية، لأن نتنياهو تبنى تلك الخطة في عام 2020، عندما كان لديه ائتلاف مختلف. (عمليا، كتب نتنياهو وسفيره في واشنطن خطة ترامب). وسأورد ثانية المزيد من المعلومات حول ذلك.

وأدرج هنا، بدءا من ليلة السبت الماضي، السبب في أننا في منعطف يتطلب أفكارا جريئة. أعلن نتنياهو، متحدثا باللغة العبرية في مؤتمر صحفي مع وزير الدفاع يوآف جالانت والوزير بيني جانتس، رفضه لمخاوف الولايات المتحدة والعالم بشأن آلاف الأرواح الفلسطينية التي فقدت بالفعل في الحرب لاقتلاع حماس من غزة. والأهم من ذلك، أعلن أن الجيش الإسرائيلي سيبقى في غزة "طالما كان ذلك ضروريا" لمنع استخدام قطاع غزة مرة أخرى لشن هجمات على المدنيين الإسرائيليين. وقال إن غزة "ستكون منزوعة السلاح". وأضاف: "لن يكون هناك تهديد آخر من قطاع غزة على إسرائيل، ولضمان ذلك فأن قوات الدفاع الإسرائيلية، ما دام ذلك ضروريا، ستسيطر على أمن غزة لمنع الإرهاب من هناك".

هذه مخاوف إسرائيلية مشروعة، بالنظر إلى الفظائع التي ارتكبتها «حماس» في 7 تشرين الأول، لكن نتنياهو أشار أيضا إلى أن إسرائيل ستعارض عودة السلطة الفلسطينية – شريك إسرائيل في عملية أوسلو للسلام التي تحكم الفلسطينيين في الضفة الغربية – إلى غزة بعد الحرب. وقال نتنياهو إن السلطة هي "سلطة مدنية تربي أطفالها على كراهية إسرائيل، وقتل الإسرائيليين، والقضاء على دولة إسرائيل... سلطة تدفع لعائلات القتلة بناء على عدد قتلاهم ... سلطة لم يدن زعيمها، بعد 30 يوما، المذبحة الرهيبة ".

ولم يقدم بيبي – الذي لا ينسب للسلطة الفلسطينية الفضل في عملها كل يوم مع مسؤولي الأمن الإسرائيليين لإخماد العنف في الضفة الغربية – أي اقتراح حول كيف ومن أين يمكن أن تنشأ سلطة حكم فلسطينية شرعية بديلة مستعدة للعمل مع إسرائيل.

كان هذا ذما مباشرا لموقف إدارة بايدن الذي عبر عنه وزير الخارجية أنتوني بلينكن يوم الأربعاء الماضي. حيث أعلن خلال اجتماع لوزراء الخارجية في طوكيو، وكما ذكرت ذلك صحيفة التايمز، أنه يجب توحيد غزة مع الضفة الغربية تحت السلطة الفلسطينية بمجرد انتهاء الحرب.

وللاحتفاظ بحلفاء أمريكا العرب والغربيين، قال بلينكن: في الوقت الحالي – في هذا اليوم - يجب علينا توضيح "عناصر إيجابية للوصول إلى سلام مستدام". وقال "يجب أن تشمل هذه العناصر، صوت الشعب الفلسطيني وتطلعاته في القلب من حكم ما بعد الأزمة في غزة". ويجب أن يشمل الحكم الذي يقوده الفلسطينيون وغزة موحدة مع الضفة الغربية تحت السلطة الفلسطينية".

ترجمتي لاقتراح بلينكن لإسرائيل: "ساعدينا كي نساعدك".

ومع ذلك، لم يقدم بلينكن أي تفاصيل حول كيفية حدوث ذلك، ويحتاج فريق بايدن إلى تجسيد ذلك.

لماذا يحاول نتنياهو تدمير السلطة الفلسطينية كخيار حكم لغزة ما بعد الحرب؟ لأنه يقوم بالفعل بحملة للاحتفاظ بالسلطة بعد انتهاء حرب غزة، وهو يعلم أنه سيكون هناك زيادة هائلة في عدد الإسرائيليين الذين يطالبونه بالتنحي بسبب الطريقة التي شتت بها هو ورفاقه اليمينيون المتطرفون وقسموا إسرائيل وجيشها من خلال السعي إلى انقلاب قضائي قالت مصادر استخباراتية إسرائيلية لنتنياهو إنه سيشجع ويغري أعداء مثل حماس وحزب الله في مخططاتهم.

الطريقة الوحيدة التي يمكن لنتنياهو من خلالها البقاء في السلطة هي عدم تخلي حلفاؤه اليمينيون المتطرفون عنه، وخاصة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير. ومن أجل الحصول على دعم العنصريين اليهود في حكومته – الذين يريد بعضهم أن تقيم إسرائيل مستوطنات في غزة في أقرب وقت ممكن – يتعين على نتنياهو أن يعلن الآن أن الفلسطينيين لن يكون لهم تمثيل شرعي ومستقل في غزة أو الضفة الغربية.

نعم، أعلم أنه من الصعب تصديق ذلك، لكن نتنياهو يقوم بحملة انتخابية في خضم هذه الحرب.

لقد حان الوقت للرئيس بايدن لخلق لحظة الحقيقة للجميع - لنتنياهو والفلسطينيين ومؤيديهم ولإسرائيل ومؤيديها ولأيباك، اللوبي المؤيد لإسرائيل. يحتاج بايدن إلى توضيح أن أمريكا لن تكون الأحمق الذي يستفيد منه نتنياهو. وسنضع مبادئ خطة سلام عادلة في صباح اليوم التالي لهذه الحرب - خطة تعكس مصالحنا، وتمكننا أيضا من دعم إسرائيل والفلسطينيين المعتدلين وكسب تأييد العرب المعتدلين لإعادة البناء الاقتصادي لغزة بعد الحرب.

لا أستطيع أن أرى أي دعم اقتصادي كبير لإعادة إعمار غزة يأتي من أوروبا أو من دول مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ما لم تلتزم إسرائيل وبعض السلطات الفلسطينية الشرعية بمبادئ إطار السلام لإنشاء دولتين لشعبين.

على بايدن أن يقول: "يا إسرائيل، نحن نغطي جناحك عسكريا بحاملتي طائراتنا، وماليا بمساعدات بقيمة 14 مليار دولار ودبلوماسيا في الأمم المتحدة. وثمن ذلك هو قبولكم لإطار سلام قائم على دولتين لشعبين أصليين في غزة والضفة الغربية وإسرائيل قبل عام 1967". وتستند هذه الخطة إلى قراري الأمم المتحدة 242 و338، اللذين كانا أيضا حجر الزاوية للمفاوضات في خطة السلام التي طرحها ترامب في عام 2020.

"بيبي، هل تتذكر ما قلته عن خطة ترامب التي أعطت الفلسطينيين حوالي 70 في المائة من الضفة الغربية كدولة، بالإضافة إلى قطاع غزة الموسع وعاصمة في منطقة القدس؟" لتذكيرك، إليك وإليكم ما روته وكالة أسوشيتد برس في 28 كانون الثاني 2020: "لقد وصفها نتنياهو بأنها "اختراق تاريخي" مساو في الأهمية لإعلان استقلال البلاد في عام 1948".

رفضت السلطة الفلسطينية بحماقة خطة ترامب بشكل قاطع بدلا من طلب استخدامها كنقطة انطلاق. والآن هناك فرصة للتعويض عن هذا الخطأ - أو الكشف عن عدم جديتها.

ويعرض جيدي غرينشتاين، عضو فريق إيهود باراك التفاوضي في كامب ديفيد، في كتابه الجديد القيم عن تاريخ عملية السلام، "مشاهد: صنع السلام في عملية أوسلو، ثلاثون عاما وما يتلوها"، بأن خطة ترامب توفر أساسا طبيعيا لإحياء عملية السلام لحل الدولتين.

هذا ليس فقط لأن نتنياهو وافق عليها بالفعل، كما أخبرني غرينشتاين في مقابلة معه، وهوما لم يفعله المستوطنون المتشددون في حكومته ولا يزالون على موقفهم. أن خطة ترامب قابلة للتطبيق لأنها استندت في الواقع إلى شرط أن السلام سيكون ممكنا فقط بعد إزالة حماس من السلطة في غزة وتمكن السلطة الفلسطينية من السيطرة على قطاع غزة، الذي، كما عرضت خطة ترامب، سيتم توسيعه من خلال الأراضي التي ستستقطع من صحراء النقب الإسرائيلية.

يمكن لبايدن أيضا أن يقترح أنه بمساعدة حلفائنا العرب المعتدلين، مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر والأردن والبحرين، سنتوصل إلى خطة لإصلاح السلطة الفلسطينية، وتطهير نظامها التعليمي من المواد المعادية لإسرائيل، وتحديث قواتها التي تعمل يوميا مع فرق الأمن الإسرائيلية في الضفة الغربية والتخلص التدريجي من دعمها المالي للسجناء الفلسطينيين الذين أضروا بالإسرائيليين.

هل السلطة الفلسطينية قادرة على مثل هذه الصفقة؟ هل أن التقدميون في الغرب الذين يساندون الفلسطينيون ويرددون الشعار العدمي " فلسطين حرة، من النهر إلى البحر" على استعداد لذلك؟ هل ستكون هناك أغلبية صامتة في إسرائيل إذا هزمت حماس؟

دعونا نرى ما يمثله هؤلاء جميعا حقا - أو إذا كان لديهم إجابة أفضل - لأن أيا منهم لن يختفي. وسيحتاج بايدن إلى اختبارهم جميعا.

أعلم أن الكثير من القادة اليهود الأمريكيين يرغبون سرا في أن يطرح بايدن مثل هذه الخطة، لكن حتى الآن هناك واحد فقط، رونالد لودر، وهو جمهوري منذ فترة طويلة ورئيس المؤتمر اليهودي العالمي، لديه الشجاعة للدعوة إليها، وأين؟ في صحيفة سعودية، في مقال بعنوان "وقت السلام وحل الدولتين". وكما أوضح، "فقط حل الدولتين سيضمن للإسرائيليين والفلسطينيين حياة كريمة وآمنة وبمنظور أفضل من ناحية الوضع الاقتصادي، مما سيؤدي إلى مستقبل مستدام".

مثل هذه الخطة من شأنها أن تحمي مصالح أمريكا وتوضح أننا نهتم بما هو أفضل للإسرائيليين والفلسطينيين وحلفائنا في المنطقة، وليس ما هو الأفضل لمستقبل نتانياهو السياسي – الذي أخبرني العديد من المحللين الإسرائيليين أن مستقبله الأفضل سيكون بإطالة أمد الحرب، حتى لا يتم الإطاحة به من خلال المظاهرات الجماهيرية، أو بجرنا إلى صراع مع إيران على أمل أن يلقي ذلك بظلاله على جميع أخطائه.

إذا تبنت إسرائيل خطة الدولتين، حتى مع وجود تحفظات، فإنها ستعزز للعالم أن إسرائيل ترى في حربها في غزة حربا ضرورية للدفاع عن النفس ومقدمة لسلام دائم. وإذا تبنت السلطة الفلسطينية مثل هذه الخطة، حتى مع وجود تحفظات، فإن ذلك سيعزز أن السلطة تعتزم أن تكون البديل لحماس في تشكيل مستقبل مستقل للفلسطينيين إلى جانب إسرائيل – وأنها لن تكون متفرجة على جنون حماس أو ضحية له.

إذا ولد الرجال أحرارًا، فلن يشكلوا أي تصور للخير والشر، طالما بقوا أحرارًا. "باروخ سبينوزا"

في الفنون، كما في الثقافة والسياسة، يمكن للاضطهاد أن يجتاز حدود النقد والتأويل، ويصبح الصديق عدوا، والمؤنس بديلا عن الشيطان الكامن في الظل. هكذا، تتسارع أحداث النظرية الأمريكوصهونية (معي أو ضدي)، تماشيا مع سياسة الغرب الآن، تجاه مذابح غزة وإبادة الشعب الفلسطيني وتهجيره قسريا تجاه الموت الزؤام، حيث يتحول منطق الديمقراطية، إلى القيم المعكوسة، وتتداعى بإزاء ذلك، كل القياسات الإنسانية والكونية، في الحرية والمساواة والعيش الكريم.. ومقاومة الاحتلال؟.

انضم الفنان والناشط الصيني المعارض آي ويوي، المعروف بدعمه للقضية الفلسطينية، إلى قافلة المنبوذين في الفضاء الأوربي، مباشرة بعد الإفصاح عن رأيه في الحرب الراهنة على قطاع غزة، حيث تم إلغاء معرضه بليسون في العاصمة البريطانية لندن.

وعلى الرغم من خفة التعليق على الأحداث العدوانية المذكورة، واشتمال تصويره للصراع، كونه يجسد (شعبين وأرضين)، دون الإشارة حتى إلى فوارق الوضعيات وظروف الاحتلال واختلالات السياسة في النمطين المتناقضين، متمثلا بالقول، أنه "لا يوجد مكان للنقاش الذي يمكن وصفه بأنه معاد للسامية أو معادٍ للإسلام"، ومتجاوزا في عمق الحديث عن المآلات، أسباب وخلفيات العنف الدموي ومثاراته في الجيوسياسية الغربية والصهيونية، مشخصا بعض هذا الانزلاق، بالذهاب إلى أن "الشعور بالذنب تجاه اضطهاد الشعب اليهودي" قد انتقل إلى العالم العربي. مع أن الشعور باليأس تجاه ذلك، مرده الإذعان والتصديق القطعي للسردية التاريخية الغير بريئة، والمتماشية مع "الأسطورة"، و"القلق الوجودي النفسي".

يخالف آي ويوي، عبث الحرب الغربية الصهيونية على غزة، ويكبح أساساتها بقوة القيمة الحقوقية للعقل، وليس بالتدليل على حجم الخسارة، في مرماها السياسي الضيق. ويوجه فوق كل ذلك، سهام الانتقاد للبروبجندا المهولة، التي أطلقتها الآلة المدسوسة، والمدعومة بالمال والعتاد والثقافة .. ويقول، إن "الجالية اليهودية لها تأثير قوي في وسائل الإعلام والمالية والثقافة في الولايات المتحدة، وإن الدعم العسكري السنوي الذي تقدمه أمريكا لإسرائيل بقيمة 3 مليارات دولار (2.45 مليار جنيه استرليني) يعني أن البلدين لديهما مصير مشترك".

ويحتمي المعارض الصيني المنتصر للحقوق الفلسطينية المشروعة، بحياديته الطقسية المكسوة بروح الفنان وصفاء السجية، مبادرا إلى تحقيق نوع من الإنصاف والعدالة، على نحو من الموضوعية، "دون إصدار أحكام أخلاقية أو اتهامات أو تقييم للأفعال البشرية"، لكنه، لم ينج من الاستخفاف والاقصاء ؟.

هو يعلم ذلك بالتأكيد، ولا يحتمل أي فرضية إيجابية تجاه رأيه، لدرجة أنه فضل أ يقول الحقيقة تعبيرا مفصحا، ودون تردد: "عند مناقشة الصواب أو الخطأ، لا بد أنني مخطئ. لقد اعتبرت دائمًا حرية التعبير قيمة تستحق النضال من أجلها والاهتمام بها، حتى لو جلبت لي مصائب مختلفة"، مستطردا "يجب بشكل خاص تشجيع الآراء غير الصحيحة. إذا كانت حرية التعبير مقتصرة على نفس النوع من الآراء، فإنها تصبح سجناً للتعبير. حرية التعبير تتعلق بأصوات مختلفة، أصوات مختلفة عن أصواتنا".

لا مناص، أن إلغاء ثلاثة معارض أخرى للفنان الصيني آي ويوي، في معرض ليسون في نيويورك وجاليري ماكس هيتزلر في باريس وبرلين، سيكون له وقع كبير على صورة الغرب المقنعة، حيث تنبت الديمقراطية في حقول الادعاء والتوجيه الإيديولوجي وقهر الإنسان، وهو ما ترجمه الفيلسوف الفرنسي إدغار موران، في إحدى حواراته الأخيرة، حيث قال "الأمر ربما لا يكون سهلا، "ففي الواقع ليس الجميع ضد الحرب، وهناك أوقات يجرفنا فيها التيار، ويطلب منا أن نختار جانبا ونتخذ موقفا، أنا أتخذ موقفا من قلق الإنسان"، مؤكدا في السياق ذاته، أنه "لم تتعرض الإنسانية قط لمثل هذا القدر من المخاطر، لأنه إذا انتشرت الحرب على نطاق واسع واستخدمت الأسلحة النووية وغيرها، فإننا لا نعرف إلى أين نتجه، لأي تراجع، أو لأي انحطاط".

أليست الكراهية، مثارا ملحا لفوضى العالم الآن، وسط حشود متنطعة من البشرية، تريد لهذه الحربية الشنيعة، أن تكون مستقبلا لفكرة الاستحواذ القاسي، تحت رحمة الخوف والإمعان في دحض قيم التسامح والتشارك والإبداع؟؟.

***

د. مصطَفَى غَلْمَان

قديما كان اليهود متواجدون في الأناضول، وهي منطقة قريبة من شرق آسيا، وتعتبر شبة جزيرة جبلية موجودة غرب آسيا، وهي محصورة ما بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود، حيث كان توجدهم قريبا كان في القرن الرابع قبل الميلاد، وهذا أول تواجد لليهود كما هو مذكور في التاريخ تقريبا.

بيد أن تاريخ وظهور اليهود بشكل كبير جدا في كتب التاريخ كان مقرونا بالدولة العثمانية والتي أسسها عثمان بن أرطغرل سنة 1299 م، حيث كانت الحياة السياسية والاقتصادية لليهود كانت تسير يخط متوازي مع المراحل المختلفة بطبيعة الحياة داخل الدولة العثمانية.

ولقد استطاع اليهود اختراق الدولة العثمانية في تلك الفترة، وذلك من خلال تفوقهم في مجالات مختلفة، فمثلا تمكن اليهود من دخول أول مكينة طباعة للأراضي العثمانية، وبذكائهم وتفوقهم تمكنوا أن يحتلوا مكانة مهمة في أنظمة الحكم العثماني.

أما في فترة الركود التي تعرضت لها الدولة العثمانية في القرن السابع عشر الميلاد، تعرض يهودي الدولة العثمانية لحالة كبيرة من الانهيار على المستوى الثقافي والاقتصادي، إلى جاءت الحرب العالمية الأولى، وأنهت الدولة العثمانية.

واليهود عموما عاشوا آمنين ومطمئنين في ظل الدولة العثمانية المسلمة مقارنة باليهود الذين عاشوا في ظل حكم أوروبا مع الدولة المسيحية.

قبل قيام الدولة العثمانية وفي عهد الدولة البيزنطية كان يوجد احتقان شديد ما بين اليهود وما بين الديانة المسيحية.

وفي هذا المقال نود أن نوضح سر العلاقة ما بين اليهود وما بين الدولة العثمانية كيف حدثت؟

أول لقاء جمع بين اليهود والأتراك كان ذلك في بلاد الرافدين، وهي منطقة جغرافية وتاريخية تقع في جنوب غرب آسيا، وتقع حاليا في العراقـ وسوريا، وتركيا، ومكان يتواجد ما بين نهري دجلة والفرات، حيث سمح الأتراك لليهود في اللقاء الذي تم بينهم بحرية العقيدة والدين، سواء لليهود الذين التقوا بهم في الأراضي التي فتحوها، أو من اليهود الذين هربوا من ظلم البيزنطيين، وهذا مقابل ضريبية يدفعها اليهود، وكانت توجد ثقة كبيرة جدا بين اليهود والأتراك في تلك الفترة، لدرجة أن وزير أحد الحكام السلاجقة كان يهودي، واليهود الذين كانوا قد هربوا من بلاد ما بين الرافدين والذي تم فيه أول لقاء تم بين اليهود والأتراك كما قلنا وهي سوريا وتركيا والعراق، وهذا كان بسبب الحرب الذي افتتحها " أورخان غازي" وهو ابن عثمان بن أرطغرل، وهؤلاء قد عادوا إليها، وذلك انتهاء الحرب، وأظهر " أورخان غازي  "، و" علاء الدين " – أخوه، اهتمام خاص جدا تجاه اليهود الذين كانوا متواجدين في بلاد ما بين الرافدين، حيث كان اليهود يضمنوا مكانتهم في تلك الفترة بسبب نجاحهم في الصناعة والتجارة وزكاة المال.

وبدأ العديد من اليهود في الدولة البيزنطية وهي امبراطورية مسيحية امتدت من العصور القديمة المتأخرة وحتى العصور الوسطى، وكان ذلك حوالي 1395-1453م، واليهود في عهد الإمبراطورية البيزنطية عانوا من اضطهاد كبير جدا، ومن أشكال هذا الاضطهاد مثلا أن الدولة البيزنطية قامت بإبعاد بعض اليهود من المناصب الحكومية في عام 404م، حيث منعوهم من الحدمة المدنية، ومن جميع المناصب العسكرية في سنة 418 م، كما استبعدوهم من جميع المناصب العامة المتبقية سواء المدنية منها أو العسكرية في سنة 425م، وتم حظر بناء معابد يهودية جديدة داخل الإمبراطورية البيزنطية.

وكان عموما الإمبراطورية البيزنطية تحاول قد الإمكان أن تضيق على اليهود كي يتركوا أراضي الإمبراطورية البيزنطية.

في تلك الفترة وفي ظل كل الاضطهاد وجدنا أورخان باشا بت عثمان برغبة اليهود في امتلاك حي خاص بهم، وهذه كانت أول نواة تمكن من خلالها اليهود أن يمتلكوا منطقة خاصة بهم، وهذه المنطقة تقع في بلاد ما بين الرافدين والتي كانت آنذاك تتبع الدولة العثمانية، ولاشك أن اليهود قد رحبوا بتلك الفرصة كي يتمكنوا من أداء ممارساتهم الخاصة بعاداتهم وشعائرهم الدينية بسهولة.

وفعلا تم تأسيس حي لليهود خاص بهم في تركيا، وتمكن اليهود من امتلاك الممتلكات والحقول في أي مكان للدولة، وكان يعفى من تلك الضريبة جميع اليهود المشتغلين بالحكومة في الدولة العثمانية، وكذلك تم إعفاء اليهود الذين كانوا يعملون في مناصب دينية، وتم منح اليهود حق في أنهم ينشئوا مدرسة لتعليم الدين اليهودي، وهذه كانت أول مدرسة تمكن اليهود من أن ينشئوها، وقد كانت موجودة في " أدرنة" وهي أحد المدن التركية والتي أصبحت مركز ثقافي وتعليمي لليهود في جميع أنحاء البلاد.

وهنا بدأ يتوالى قدوم اليهود للدولة العثمانية، وذلك لأنه بخلاف الهجرة الجماعية والتي كانت تتم إلى الأراضي العثمانية في عام 1492م من إسبانيا، كانت هناك لليهود هجرات جماعية أخرى، مثل اليهود المطرودين والهاربين من المجر عام 1376م، ومن فرنسا سنة 1394م وصقلية في بداية القرن عشر الميلادي، وفينسيا سنة 1420م.

وكل هؤلاء اليهود قد وجدوا خلاصهم الوحيد وملجأهم الوحيد إلى الأراضي العثمانية والتي كانت ترحب بهم في ذلك الوقت ، وهنا بدأت فترة النمو والازدهار لليهود، وفي عهد السلطان محمد الفاتح والذي كان خلال 1451 حتى 1481م كان يثق جدا في اليهود، ولهذا فقد أرسل حطابا للجماعات اليهودية في الأناضول والتي كانت تمثل مقر التواجد اليهودي في العصر القديم، حيث يدعوهم للقدوم إلى استانبول، وذلك لكي يزيد من عدد اليهود الذين موجودين في تلك المدينة.

وبالفعل استقر اليهود في استانبول وأقاموا حي خاص باليهود، وأعلن السلطان محمد الفاتح خلال الفرمان الذي أصدره أثناء حصاره للقسطنطينية، إلى أنه في حالة تعاون اليهود فسوف يتم لهم السماح بحرية الدين والعقيدة، وكذلك سبتم ترميم المعابد اليهودية القديمة، وكذلك سوف يأذن لهم بتحويل المنازل إلى معابد، وذلك نظرا لأن بناء معابد جديدة كان ممنوعا.

وبوجه عام كان العثمانيون يشعرون بالقرب من اليهود عن المسيحيين والسبب في ذلك هو شعورهم بالتشابه بين الديانة الإسلامية واليهودية والحروب التي كانت تخوضها أوروبا المسيحية في هذا الوقت ضد العثمانيين ن والتي كانت تسبب عداوة ما بين الدولة الإسلامية والدولة المسيحية.

ولقد كانت هجرة اليهود نحو الأناضول بداية لتشكيل الصهيونية العالمية في نهاية القرن التاسع عشر؛ إلا أن أهم الهجرات الجماعية كانت في عهد بايزيد الثاني، الذي رغم فشله في إنقاذ مسلمي الأندلس، إلا  أنه نجح في إنقاذ يهود شبه الجزيرة الإيبيرية. وحول هذه النقطة يقول المؤرخ الأميركي ستانفورد ج. شو: “لا يستطيع أي باحث مُنصف أن يُنكر دور السلطان بايزيد الثاني في إنقاذ يهود جزيرة إيبيريا من الفناء الكامل في أفران محاكم التفتيش”.

وإذا كان عهد بايزيد الثاني هو عصر إنقاذ اليهود واستقبالهم، فإن فترة حكم سليمان القانوني اعتبرت العصر الذهبي للصهيونية اليهودية، حيث شكّلت سياسة سليمان استمرارًا لسياسة بايزيد الثاني في استقبال اليهود، الذين أدخلوا العثمانيين إلى مناطق غير  خاضعة للأتراك، كما حدث حين خرج وفد من اليهود برئاسة شخص يدعى جوزيف بن سالومون إسكنازي من مدينة بودا بالمجر، واستقبلوا سليمان القانوني خارج المدينة وسلّموه مفاتيحها بلا قيد ولا شرط، ليصدر السلطان العثماني فرمانًا يعفي سالومون وسلالته من أداء جميع أنواع الضرائب.

ولم يقف دعم سليمان القانوني اليهود عند هذا الحد، بل تعدى ذلك إلى مساعدتهم في تأسيس أول كيان يهودي لهم في مدينة طبريا، حيث تناولت المصادر اليهودية هذا الدعم بكثير من التفصيل، بينما حاولت المصادر العثمانية جاهدة نفي هذا الدعم، وتبرئة ذمة سليمان القانوني من هذه الخيانة، وهو ما يدفع إلى المزيد من البحث والتنقيب بين المصادر، لتسليط الضوء حول هذه النقطة الخطيرة، التي كانت لها إسقاطات خطيرة على التراكمات التاريخية التي أدت إلى التمهيد لهجرة اليهود نحو فلسطين.

وفي كتاب “اليهود في الإمبراطورية العثمانية.. صفحات من التاريخ”، ترصد الكاتبة الروسية إيرما لفوفنا الوضع القانوني للطوائف، وخلصت إلى أن المكانة الرفيعة لليهود دفعت الطرفين لتمسك كل منهما بالآخر لتحقيق مصالح مشتركة.

أما في القرن السادس عشر، فتم تتويج اليهود ملوكًا للمال والثراء الفاحش، وكذلك التجارة الدولية الواسعة بين السلطنة وأوروبا، وكان لمعرفة اليهود باللغات الأوروبية، وعلاقاتهم مع الجاليات اليهودية هناك، أثره الواضح على تطور أعمالهم.. والسؤال الآن: هل ساهم العثمانيون في إنشاء دولة الصهاينة على أرض فلسطين؟.. هذا ما سوف نجيب عنه في المقال القادم.

***

د. محمود محمد علي - كاتب مصري

.......................

المراجع:

1- تاريخ اليهود الاسود من البداية الى الآن عشرون دقيقة فقط.. يوتيوب.

2-“ إيرما لفوفنا: اليهود في الإمبراطورية العثمانية.. صفحات من التاريخ.

3- ستانفورد جاي شو: “يهود الدولة العثمانية والتركية”.

4-

لماذا الهرولة المريبة نحو الدفع لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية؟ توقيت اتصال أطراف خليجية بالإدارة الأمريكية من أجل لإطلاق سراح الرهائن يثير أكثر من علامة استفهام يدعونا للتأمل في طبيعة وحقيقة المواقف .

لا شك في أن طول أمد الحرب في قطاع غزة  قد أرهق الجيش الإسرائيلي وكبّده المزيد من الخسائر غير المنتظرة ولا المتوقعة  في الأرواح، أما خسائره في السلاح والعتاد فالأمر لا يهمه طالما أمريكا ملتزمة بدفع الفاتورة حتى ولو غضب أو اعترض دافعوا الضرائب الأمريكيين .. الأمور لا تسير على ما يرام بالنسبة لإسرائيل فالجبهة الداخلية مضطربة حيث تضغط الأسر والعائلات بشدة على الحكومة لاسترجاع أبنائهم الرهائن، والوسيط القطري يسعى بوتيرة أسرع وعلى أعلى مستوى مع الإدارة الأمريكية من أجل تحقيق هذا الهدف، إلا أن التوقيت يفضح المواقف، فالمقاومة الفلسطينية على الأرض تحقق منذ أيام انتصارات لافتة وتتبع أساليب مغايرة وتستخدم نوعيات متطورة من الأسلحة، كما أن التوزيع الجغرافي للعمليات في قطاع غزة  يشير إلى الانتشار المدروس والواسع لعناصر المقاومة وتمركزها الجيد الذي سمح لها بتغيير المواقع بسرعة هائلة أثارت اضطراب الجنود الإسرائيليين وحيرتهم، وهو مؤشر على مدى تحكمهم في الوضع على الأرض، إذن يأتي توقيت التحرك لإطلاق سراح الرهائن في شكل مريب لأنه يهدف على ما يبدو بكل بساطة إلى إسقاط ورقة ضغط هامة  بيد الجانب الفلسطيني  وحرمانه من الاستفادة منها في نيل أيمكاسب، والواضح أن الجانب الإسرائيلي ومن يدعمه يريد أن يتخلص من هاجس الرهائن لتهدئة الداخل الإسرائيلي المضطرب الذي أصبح يهدد المستقبل السياسي لنتنياهو، ثم يتملص  فيما بعد من أي التزامات للتهدئة ـ فلا شيء من بعد سيوقف تدخله العسكري الغاشم وسيواصل دفع الفلسطينيين أكثر  نحو المناطق الجنوبية لقطاع غزة حتى يضعهم بين ثلاثة خيارات إما الموت قتلا، أو الموت غرقا في المتوسط، أو الموت جوعا عطشا في صحراء سيناء، وبالطبع سيكون المحتل سعيدا لو تحرك الضمير المصري لإنقاذهم، وتوفير الملاذ الآمن لهم لاعتبارات إنسانية .

لن يكون الأمر متاحا للمخطط الإسرائيلي إن هو انتظر وقتا أطول من ذلك، وكانت الإدارة الأمريكية محقة عندما أوصت المحتل الإسرائيلي بأن ينهي الأمر في ظرف أسبوعين قد مر منهم أسبوع، فالهرولة أخذت خطى أسرع لإنهاء الأمر ولكن على أساس واحد وهو إطلاق سراح الرهائن ولا غير ذلك .

المنتظر حسب المنظور الإسرائيلي أن لا يتحقق إطلاق سراح الرهائن سوى بلي ذراع المقاومة من خلال زيادة إيلام الشعب الفلسطيني والضغط عليه بتركه يأن تحت وطأة صعوبة العيش إلى أن يبلغ حافة استحالة الحياة والموت الجماعي، والمتوقع أن لا يتعدى حدود تدخل الدول " الشقيقة " المهرولة إلا في حدود تقديم شربة ماء لحفظ ماء الوجه .

***

صبحة بغورة

عالم متوحش يدعم المجرمين ولا يسمع صراخ صوت المغدورين عبر الفضاء اطفال ومسنين في الوطن المغتصب.. انها ارواح واجساد تنبئكم بالموت.. ابناء غزة جهزوا اكفانهم قبل حين واليوم دفنوهم  بقبور جماعية في مجزرة للطفولة الفلسطينية لم تالفها البشرية جميعهم اطفال ومسنين في المشافي من خلالهم يستهدفون قتل التاريخ ليمضي مع قتل المسنين وقتل المستقبل بقتل الاطفال وتنتهي احلام الاجيال الحالمين وهكذا يقتلون الامل بين حين وحين حتى يسدل الستارعلى تحرير فلسطين الوطن المغتصب وتنتهي الجريمة وهكذا هم اعداء البشرية حلفاء النازية وبوضوح تجري وبقسوة غيرمسبوقة مجزرة ليس لها مثيل وباجحاف من دعاة حقوق الانسان والجزارين تحت خيمة الديمقراطية المزيفة وصمت الاخوة الشياطين عرب ومسلمين تركوا شعب غزة يموت دون ان يحركوا ساكنا..تركت غزة تدمر واهلها يحملون رسالتهم واطفالهم كالطيور مع مقدسهم الاقصى مقدسهم الازلي مع احزانهم واحلامهم.. تركهم العرب كما ترك كل شيئ في وطنهم المشنوق..لماذا نتجاهل هذا كله؟ ولماذا نتجاهل اسلامنا وعروبتنا عند الشدائد ؟ ولماذا نكرر السؤال دائما ولا إجابة ؟؟؟ لماذا نذهب الى الظلام من كوابيسنا بوقاحة؟؟؟؟ اسئلة واخرى تتكرر وصمت اسلامي وعربي يسكن ردود الافعال العالمية صمت وقح معتوه مظلم يتلون في كل وليمة مجازر جماعية للعروبة والاسلام.. هل قرروا العرب الهروب من المشهد فالنعرض جامعتنا العربية واخوتنا الاسلامية للاستثمارالجديد لتشمل الدولة العبرية بقانون جديد للعار والخزي وهل ثمة خزي اكثرمن ان نترك ابناء غزة واطفالها يموتون خوفا من جرح مشاعرامريكا والدول الغربية الصهيونية... مالذي سنقوله للقدس ورام الله والجليل وكل فلسطين وغزة مالذي سنقوله لاجدادنا ومن سبقونا هل فرطنا بالامانة...مالذي سنقوله لكل اطفال العرب ولكل نساء العرب مالذي سنقوله  لكل الجداريات التي تقول فلسطين عربية اسلامية ومالذي سنقوله للساحات والشوارع التي سميت باسم فلسطين والقدس في بلداننا الاسلامية والعربية..هل سنكتفي بالتفرج على اعلام فلسطين المنتشره في العالم الى متى نبقى نغش ونتاجر بالعروبة واسلام المؤمنين نضطهد ونغدر باخوتنا في العروبة والدين قادرين على غدر بعضنا البعض ونرتمي باحضان الكافرين الى متى نبقى نقتل بعضنا البعض خدمة لامن اسرائيل..هل سنكتفي بذرف الدموع على صور اطفال غزة والمجازر في المستشفيات وهل سنكتفي بالتفرج على انين الشوارع والساحات في غزة التي تنقلها الينا الشاشات.. اليس العرب والمسلمين كلهم عاقين لدينهم وعروبتهم بحق غزة والقدس وكل فلسطين..بين وجع فلسطين وغربتها بين منصة كبريائها مضى اطفال غزة المتوجين بالشهادة والبراءة مضو بصمت حناجر قتيلة وانهاء احلام المستقبل اليس موحشا هذا الموت وهذه الجرائم المتكررة لابناء غزة وهم يقتلون كقرابين لكل فلسطين والقدس..انه وجع كبيرمجزرة اطفال غزة الا توقف هذه المجزره المروعة..الا توقض هذه المجزرة احدا من تجار العروبة والدين ؟ الا يرعب انين غزة المدوي وطنيتكم وعقيدتهم ايه العرب الادعياء..يالله كم نحن وابناء غزة مدججين بالفزع تعساء سلطوا علينا حكام سفلة.. نحن المحكومين عرب ومسلمين وابناء غزة وكل فلسطين ابناء الكلمة واولاد الفطنة صناع الامل لن نفقد الامل ولم يفقده كل شعوب العرب والمسلمين.. لقد رحل الاف الشهداء من اطفال غزة وفلسطين رحلوا وتركوا الطواغيت والخونة.. وسيبقى الامل مع جيل المستقبل وكل القادمين المتفائلين وسيبقى الامل يعطي الارواح التي غادرتنا هدوء كما الاذان..فاليتغمدهم الله بواسع رحمته وستبقى ادانات المجزرة لأطفال غزة تتجدد في ذاكرة المؤمنين.. 

***

د. قاسم محمد الياسري

جمهورية الصين الشعبية هي موقع اخر "مهم" وتشكل محور "أساسي" من الصراع الامبراطوري العالمي الدائر حاليا والذي "لا" يتوقف في تحولاته على صعيد الكرة الأرضية والذي "ِشكل" نجاح عملية طوفان الأقصى والانتصار العربي الفلسطيني فيه الى التوقع الحتمي الى زيادة التغيرات المتوقعة في العالم وتسارعها الانتقالي الى عالم متعدد الأقطاب ناهيك عن القناعة الذاتية عند التي تم ايجادها عند الجميع والتي تقول ان الكيان الصهيوني العنصري المقام على ارض دولة فلسطين المحتلة هو كيان "لا" افق له، و"لا مستقبل زماني له، وانه زائل وسينتهي وهذا الرعب الأكبر الذي اصبح الوشم في الروح عند كل العرب والمسلمين وهذا الامر يعرفه ويدركه الغزاة الأجانب لذلك حصل ما حصل من هيستيريا الانتقام الوحشي البربري ضد المدنيين العزل المحاصرين في قطاع غزة.

ان علينا ان نقرأ الموقف الصيني من هكذا صراع وأيضا انتقال متعدد الاقطاب ضمن واقع مصالحنا العربية المتداخلة مع مصالح جمهورية الصين الشعبية وهي القطب الامبراطوري القادم للسيطرة وازدياد وتضخم نفوذه الدولي مع خطوط التجارة الدولية الجديدة التي يقوم بأنشائها وتطويرها على كامل الكرة الأرضية، ان هكذا قراءة مصلحية مطلوبة ضمن عقلية عربية "رسمية و"شعبية" تريد الاستفادة من هكذا تداخل وتقاطع مصلحي مشترك وهذه رسالة منا الى النظام الرسمي العربي، تطلب منه ان يعيد دراسة اتجاهاته وطرق تعامله في العلاقات الدولية وخططه المستقبلية ضمن "عقلية" و"مخ" يتفهم ويدرك ويستوعب هكذا تشابك وتناغم مصلحي مفيد نافع بيننا وبينهم، ومن هنا علينا قراءة "الموقف الإيجابي" للصين حيث شكل استخدام الصين حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار الأمريكي، يوم 26 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أقوى انخراط صيني في الحرب الصهيونية العنصرية الاجرامية على غزة، وعلينا ان نلاحظ ان الصين لم تستخدم المصطلحات المعتادة في التعبير عن موقفها من تلك الحرب؛ بل أعلن وزير خارجيتها وانج يجي- بكل وضوح، وفي أكثر من مناسبة- أن رد الفعل "الإسرائيلي" على هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) “يتجاوز حد الدفاع عن النفس”. ويتناقض موقف جمهورية الصين الشعبية هنا هذا مع السياسة الأمريكية الحالية تجاه الحرب في قطاع غزة؛ ولهذا أيدت الصين مرتين مشروعات القرارات التي تقدمت بها روسيا في مجلس الأمن لبناء مسارات إنسانية مستدامة لقطاع غزة، مع الدعوة إلى وقف كامل للحرب، وهو موقف يختلف مع السياسة الأمريكية التي ترفض تمامًا وقف الحرب في الوقت الحالي كما يرغب بذلك ويأمرها الكيان الصهيوني.

ان هذا الموقف الصيني المختلف والجديد قد اوجد "صورة نمطية إيجابية" عن الصين ك "دولة مسؤولة" "رزينة" "لا" تدعم استمرار الحرب الصهيونية على قطاع غزة المحاصر، وتطالب بوقف هذه الحرب في أقرب وقت.

على العكس من الصورة النمطية الأخرى "السلبية" عن الولايات المتحدة الامريكية و"ِشلة الدول" التابعة لها ضمن حلف الطاغوتي الربوي العالمي الذين يؤيدون قتل الأطفال وتفجير المدنيين في الذخائر العسكرية وتدمير المساجد والكنائس واقتحام وقصف المستشفيات والإبادة البشرية ضد العرب الفلسطينيين الذي يقوم به الكيان الصهيوني بدون توقف منذ أكثر من واحد وأربعين يوما لكي ينتقم من هزيمته العسكرية المذلة في عملية طوفان الأقصى.

ضمن هذا الكلام وهذه المواقف الصينية "الإيجابية" وفي اليوم الواحد والأربعين لما بعد الانتصار العربي الفلسطيني ضد الغزاة الصهاينة في معركة طوفان الأقصى، تأتي زيارة الرئيس الصيني "شي جين بينغ" للولايات المتحدة الامريكية حيث حملت معها بالتأكيد ملفات كثيرة متعددة مهمة للبلدين ولكن يبرز المكان الجغرافي لموقع الزيارة ذاته؟! حيث يزور الرئيس الصيني مدينة سان فرانسيسكو؟! وليس العاصمة الامريكية واشنطن؟! وسان فرانسيسكو هي موقع جغرافي غريب الاطوار !؟ وليس هناك منطق نجده في هذه المكان للزيارة الرئاسية الصينية الا انه موقع يمر فوق البحر مباشرة من الجغرافيا الصينية حيث تنطلق الرحلة الرئاسية، وعلينا ان نلاحظ ان مسار الرحلة "لا" يعبر فوق أي أراضي أمريكية ولهذه الامر دلالة كبيرة وهي عدم الثقة الصينية في الولايات المتحدة الامريكية؟ ومن الواضح التوجس الأمني والاستخباراتي الصيني؟ حيث تمثل مدينة سان فرانسيسكو الطريق الأقرب، وعلينا ان نعلم ان هذه المدينة كموقع للزيارة قد اختارها الرئيس الصيني ولم يتم اختيارها من الجانب الأمريكي.

ولمن لا يعرف طبيعة هذه المدينة فأنها موقع "قذر" و"متعفن" لتجمعات اللوطيين والشواذ والمنحرفين جنسيا ودعاة ممارسة الجنس مع الأطفال وباقي اشكال الانحرافات السلوكية المريضة، مع انتشار الجريمة المنظمة المافياوية العصابية، وتراكم جيوش العاطلين عن العمل، والمشردين في الشوارع بدون مأوي و"لا" منزل و"لا" رعاية صحية، مع انتشار تجارة المخدرات وتعاطيها وتواجد أشلاء بشرية من المدمنين في الازقة والحارات وتحت الجسور ضمن جو عام بشع ليس به روح و"لا" أجواء إنسانية طبيعية تحتوي "وجود" كل ما هو "بؤس" يمثل حقيقة النظام الطاغوتي الربوي العالمي على ارض الواقع بعيدا عن أوهام المسلسلات والأفلام السينمائية والتلفزيونية.

ان المفارقة الكوميدية إذا صح التعبير انه مؤسسات الدولة الامريكية المرتبطة في هذه المدينة تحولت لما يشبه "ربة البيت القلقة" و"المضطربة" التي تتنظر قدوم الضيوف لمنزلها المخجل في نظامه وترتيبه والفضائحي في واقعه وحقيقته، حيث قامت مؤسسات الدولة الامريكية في سابقة من سوابق الزمان الطاغوتي الربوي في هذه البلاد المنكوبة؟! قامت هذه المؤسسات في تنظيف الشوارع وللمرة الأولى شاهد السكان شوارعهم نظيفة وكذلك للمرة الأولى اختفت تجمعات المدمنين ومتعاطين المخدرات والمشردين وتم تجميعهم او طردهم من الشوارع الرئيسية وتم تفعيل "منع بيع المخدرات علنيا وتعاطيها؟! على العكس من السابق؟! ما نريد ان نقوله في اختصار انه تم تلميع المدينة وإزالة القرف الطاغوتي الربوي عنها تحضيرا لزيارة الرئيس الصيني مما يعطينا أيضا انطباعا عن وجود تعمد مؤسسي امريكي لصناعة المأساة الإنسانية وازالتها حسب الطلب؟ فمن أزال كل مظاهر العفونة والقرف هي نفس المؤسسات التي سمحت فيها؟ وهذا موضوع اخر ولكن:

يما يتعلق في توقيت الزيارة فأن لها علاقة كما ذكرنا في اكثر من ملف بين البلدين، ولكني أتصور ان احد اهم الملفات الخاصة في المنظومة الأمريكية الحاكمة لها علاقة في الانتخابات الرئاسية القادمة وهي مهمة جدا للحزب الديمقراطي حيث يحاولون منع حدوث أي انهيار اقتصادي متوقع وتأجيله لما بعد الانتخابات وهذا هو السبب الرئيسي وراء استعداد إدارة بايدن لبدء تحسين العلاقات الصينية الأمريكية، بما في ذلك العلاقات الاقتصادية والتجارية، وهو ضمن سياق غير مباشر عن الاعتراف "الغير معلن" بأن الولايات المتحدة الامريكية قد عانت بالفعل من حرب الرسوم الجمركية، والحرب التجارية ضد جمهورية الصين الشعبية، ما نقصده هنا ان الولايات المتحدة الامريكية هي قد تضررت من عقوباتها التي وجهتها ضد جمهورية الصين الشعبية؟!.

ويرجع ذلك إلى أن أغلب التعريفات والضرائب الإضافية التي فرضتها واشنطن على الصادرات الصينية قد تحملتها الشركات والمستهلكون الأمريكيون في نهاية المطاف، كما أدت إلى تفاقم التضخم في الولايات المتحدة. وأهم من ذلك هو إدراك إدارة بايدن أنه من أجل حل المشكلات الصعبة للاقتصاد الكلي للولايات المتحدة، بما في ذلك السيطرة على التضخم، وتمويل ديون الخزانة، فإن تدفق الأموال الصينية ضروري، بالإضافة إلى أن استقرار الاقتصاد الكلي العالمي يتطلب التعاون بين الطرفين وخاصة مع سقوط الحلف الطاغوتي الربوي العالمي في المستنقع الاوكراني وتأثيره الاقتصادي السلبي عليهم وأيضا الانتصار العربي الفلسطيني في عملية طوفان الأقصى ورطهم ماليا اكثر في دعم وامداد الكيان الصهيوني في الاف الملايين من الدولارات وتكاليف نشر الاساطيل البحرية على شاطئ البحر الأبيض المتوسط وتفجر العمليات العسكرية ضد قواعد الاحتلال الأمريكي ومراكز جواسيسها وخطوط سرقاتها للثروات العربية في الجمهورية العربية السورية وهذه احد نتائج ما بعد الانتصار الفلسطيني في عملية طوفان الأقصى.

لذا يمكن القول إنه قبل الدخول رسميًّا في الانتخابات العامة الأمريكية عام 2024، تم افتتاح “نافذة” لتحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والصين ومنها مناقشة ملف مهم يتعلق في مسألة بيع "الصين" ما لديها من سندات خزانة أمريكية مملوكة لها مما إثر "سلبيا" على الاقتصاد الأمريكي القادم كما هي العادة على انفجار فقاعة الوهم الربوي كما حدث في العام 1928 والعام 1984 والعام 2008، من هنا وانطلاقا من هذه المعطيات والدلائل اعتقد ان هذه الزيارة لها علاقة أساسية بهذا الموضوع تحديدا؟ ضمن مصلحة أمريكية صينية مشتركة، وخاصة ان الصين يهمها فوز الحزب الديمقراطي الذي يميل تاريخيا إلى إقامة علاقات طيبة ووثيقة معها.

لذلك تفضله الصين في الحكم اكثر من عودة "ترامب" الى مواقع السلطة والتأثير والرئاسة، حيث التزم "ترامب عند وجوده في هذه المواقع في سياسة المواجهة المباشرة ضد الصين فقد ساد هذه العلاقات حالة من التوتر الشديد والاتهامات المتبادلة خلال فترة الرئيس دونالد ترامب الذي شن حربا تجاريا على الصين، واستهدف صناعات تكنولوجية صينية مهمة، وأتهمها بالتواطؤ في انتشار فيروس "كوفيد-19"، وعبّر عن فخره بإغلاق الحدود أمام القادمين من الصين.، الذي أيضا في نفس الوقت حاول "تضبيط" و"ترتيب" العلاقة مع جمهورية روسيا الاتحادية، وعلينا ضمن هذا السياق ان نذكر حقيقة مهمة حصلت وجرت اثناء فترة حكم "ترامب" السابقة حيث انه لم يدخل في حرب عسكرية "مفتوحة" "مستمرة" مع أي موقع جغرافي في العالم على العكس من باقي رؤساء الولايات المتحدة الامريكية، حيث انه يحمل "اجندة امريكية داخلية" تلتزم في رؤية ومنهجية وسياسات القادم الجديد ضمن الواقع الأمريكي المحلي الخاص في التيار الشعبي الأمريكي المؤمن بأن "المحلي" هو اهم من "الخارج "، وان عليهم التراجع داخليا للحصول على مستويات معيشية افضل والحصول على تقليل للنفقات العسكرية المليارية في إعادة توجيهها بما يخدم المصلحة المحلية الممتدة ضمن اكثر من خمسين ولاية اتحادية تمثل الدولة الفيدرالية الامريكية وهذه المسألة في التراجع والانكفاء على المحلي الداخلي تمثل شيئا "خادما" للسياسة الروسية المتجهة لتحقيق تعدد اقطاب امبراطوري دولي وإعادة توزيع الكرة الأرضية حسب مقاسات ومناطق نفوذ جديدة، تحفظ وتضمن ما تريده روسيا من انجاز انشاء "حالة اوراسية" تضمن وجودها الامبراطوري ضمن موقع نفوذها القومي السلافي الأرثودوكسي ومحيط ذلك الموقع من قوقعة حماية "اوراسية".

اذن توجهات ترامب والتيار الشعبي المساند هو على العكس والنقيض والخلاف من "بايدن" الذي يمثل المنظومة الحاكمة الامريكية "الكلاسيكية" إذا صح التعبير والتي تريد مواجهة مباشرة ضد روسيا وتكسير المحيط الاوراسي والذي هو "القوقعة" الحامية والمحيطة لموقع النفوذ القومي السلافي الأرثوذكسي، ومن هنا جائت الحرب الأوكرانية المدعومة منهم وتحرشاتهم ضد روسيا في محيطها الاوراسي التي هي قوقعتها المحيطة فيها والتي هي تاريخيا ضمن مجالها الحيوي والتي "لا" تتنازل عنه و"لا" تسمح ولن تقبل لأي نفوذ أجنبي في الاقتراب او الدخول فيه.

اذن هناك تناقض و"ديالكتيك" روسي مع المنظومة الحاكمة الكلاسيكية الأمريكية ولكن هناك "تلاقي" و"توافق" روسي مع الحالة الامريكية القومية المحلية التي يمثلها ترامب ومن ورائه من دعم شعبي امريكي ممتد متشعب رافض ومتناقض مع "كلاسيكيات" المنظومة الحاكمة الامريكية التي أيضا ترفض "ترامب" وتريد الغائه ك "شخص" لما يمثله من "تعبير" عن تيار قومي امريكي محلي.

نحن هنا علينا ان نقول: اننا لا نقرأ هذه المشهدية بين الصين والروس والامريكان من باب الترف الفكري والبحث عن لغو كلامي ننشر بها مقالة من هنا او لكتابة قراءة للعلاقات الدولية من هناك، بل اننا نريد ان ننطلق بما يفيد الحالة العربية ونجاحها في صراعها "الوجودي" ضد الغزاة الصهاينة ومن معهم من أجانب احتلوا أراضينا العربية.

ان حصول تراجع امريكي دولي يضرب الكيان الصهيوني و"لا" يفيده وخاصة ان له علاقات تجارية مع جمهورية الصين الشعبية وليست سيطرة وتحكم كما هو الحاصل مع الولايات المتحدة الامريكية، حيث الكيان الصهيوني هو من يأمر ويتم التنفيذ والولايات المتحدة الامريكية هي ليس لديها أي موقع الا ان تترجي وان تطلب وان تدعم طلبات الغزاة العنصريين الصهاينة بما يريدون.

وكذلك عندما نعرف ان الحالة الإمبراطورية الاوراسية ليس لديها عقدة من وجود حالة إسلامية امبراطورية ممتدة وأيضا ليس لديها مشكلة مع الثقافة الإسلامية فأن ذلك أيضا من مصلحتنا ولعل ان ما جاء في كلام الكسندر دوغين يمثل أهمية لمن يعيش التخطيط والتفكير في النظام الرسمي العربي وكذلك النظام الرسمي الإسلامي حيث يقول : "تحرير ارض غزة وكل فلسطين يعتمد على الإسلام العالمي، اذا كان للمسلمين أي قيمة، فستحرر فلسطين، وسوف ندعم نحن ذلك، لن يشن احد هذه الحرب نيابة عن المسلمين لتحقيق العدالة التي يريدونها ويسعون لها، أيها المسلمون، هذه هي حربكم".

"لا" اريد هنا "جلد الذات العربية و"لا" إعادة "نقد الواقع الإسلامي، بل ان أقول:

ان علينا ان نتحرك في تكليفنا الشرعي الاسلامي والقومي العربي والوطني العاشق للأرض، بأن ننطلق من مواقع قوتنا كل واحد منا ضمن قدرته ومجال عمله وضمن قدراته الفردية او المؤسسية وهذا الكلام موصول لمن هم في مواقع السلطة والقرار والحكم في النظام الرسمي العربي والنظام الرسمي الإسلامي وهم أصحاب القوة العسكرية والأمنية والاستخباراتية وبيدهم "قوة" الدولة وتأثيرها.

ان على الجميع العمل والحركة من اجل صناعة التحرير والاستقلال الحقيقي من الأجانب الغزاة وهذه مسيرة هي قدر كل عربي ومسلم يريد ان يكون له مكان في التاريخ وصناعته.

وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.. سورة التوبة 105

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.. آل عمران 200

***

د.عادل رضا

كاتب كويتي في الشئوون العربية والاسلامية

 

في الوقت الذي تخاذلت فيه غالبية الأنظمة العربية، بل وتواطأ بعضها، عن نصرة غزة الذي تنزف فيه وحدها وتقاتل وحدها، ولا أحد يدفع معها ضرائب دم، برغم انقضاء نحو شهر كامل كما يقول أستاذنا عبد الحليم قنديل على حرب الإبادة الدموية للمدنيين في “غزة”، وأعدادهم تزيد على نحو فلكى كل يوم، والمجازر “الإسرائيلية” تتوالى بالعشرات، وأحدثها في مخيم “جباليا”، وما يزيد على العشرة آلاف قتلوا حتى اليوم بغارات وقصف وحشى لا يتوقف، أغلبهم من الأطفال والنساء، وكل موارد الحياة تقطع عن “غزة”، من الطعام والدواء والماء حتى الاتصالات والإنترنت، في محرقة بشرية شنيعة، يندر أن تجد لها مثيلا في مطلق التاريخ الإنساني .

وبرغم ذلك فقد ربحت غزة في تحويل مشاعر التعاطف العالمي من الجانب الإسرائيلي إلى الجانب الغزاوي نظراً لضخامة الفظائع التي ينقلها الإعلام العالمي مباشرة على مدار الساعة.

إن هزيمة إسرائيل المعنوية كما ذكر أستاذنا حمدي رزق لا تُتخيل، إسرائيل تنزف من كرامتها المهدرة، وكبريائها المجروحة، وغرورها الذي تهاوَى، إسرائيل الكبرى صغرت قوى في أعين العالم، باتت تتسول دعمًا ماديًّا وعسكريًّا وبشكل مهين للغطرسة التي كانت عليها قبلًا، كانت تستأسد علينا، فباتت بعد الطوفان مثل نعامة تخشى طفلًا فلسطينيًّا يحمل حجرًا. نعم لقد خسرت إسرائيل الجلد والسقط، سقطت في اختبار الأهلية الدولية، وخاصمتها الشعوب الحرة، والمنظمات والهيئات والجمعيات التي تعنى بشؤون الإنسانية وحقوق الإنسان، صارت دولة منبوذة إنسانيًّا، اسمها مرادف لكل ما في قاموس البربرية الغابرة.

لكن السؤال: هل يكفي هذا لكي نعتبر أن حماس حققت انتصاراً كبيراً أو مديداً على إسرائيل؟

اعتقد أنه من السابق لأوانه الجزم بذلك، كما أنه ليس من السهل توقع مسارات الأحداث ومآلاتها على صوت المدافع والصواريخ، فالحرب الحالية التي شنتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني ردا على عملية “طوفان الأقصى” ما زالت في بدايتها، حسب ما تصرّح به كل قيادات الاحتلال السياسية والعسكرية، غير أن هول الضربة التي تعرضت لها إسرائيل خلال هذه المعركة وحجم القصف والدمار التي تستهدف به قطاع غزة في هذه الأيام، يمكن أن يعطي تصورات مبدئية إلى أين تسير الأمور، وخصوصا ماذا يسعى الاحتلال لتحقيقه من هذه الحرب.

لكن يبقى السؤال المهم هو ما بعد طوفان الأقصى ماذا سيكون؟!!!

يقول الأستاذ فراس ياغي : يبدو أن المعركة الدائرة الآن هي مصيرية ستحدد مصير كل الكيان الإسرائيلي، ولذلك إعتبر وزير دفاع الكيان "غالانت" أن إسرائيل تتعرض لمصير وجودي، وفعلا ما تم في السابع من أكتوبر هو في هذا السياق، فدولة المهاجرين والاستيطان تستند للأمن والإزدهار، وحين ينهزم جيش الأمة ويتم إذلاله وتفشل إستخباراته فوجوده لم يعد ولن يعود كما كان قبل "طوفان الأقصى"، هي ايام قليلة سيتحدد خلالها مصير هذا الكيان والمنطقة ككل، لأنه يتبين يوما بعد يوم أن كل مخططات هذا الكيان ومن معه فشلت وستفشل، لذلك على أمريكا أن توقف هذا الكيان عند حده وتبدأ في طرح تطبيق قرارات الشرعية الدولية التي تُحقق الحرية والاستقلال والعودة للشعب الفلسطيني وتمكنه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

إذاً نحن نقترب من مرحلة جديدة مختلفة عما سبق، ناتجة من مضاعفات عملية عسكرية كبيرة نجحت في مكان ما لكن بكلفة مهولة. وثمة من يقول إن المستقبل سيكون من دون بنيامين نتنياهو وتوليفته اليمينية من جهة، وحماس من جهة أخرى.

نعم، التاريخ سيتغيّر لأن ما قبل الطوفان ليس كما بعده، وجغرافيا القطاع التي بدأت بالفعل معالمها بالتبدّل، أقصى ما ستنتجه من تداعيات هو مزيد من التضييق على أبناء الشعب الفلسطيني المقاوم، دون أن تستطيع محو إرادة البقاء لديه ولا إطفاء شعلة العزم على استعادة كامل أراضيه التاريخية المحتلة.

والسؤال الذي يطرح نفسه من قبل بعض كبار المهتمين بما يجري: هل يمكن أن تتكرر تجربة حرب أكتوبر التي قادت إلى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية؟

يقول الأستاذ هاني المصري في الإجابة على هذا السؤال: إن الرد الأولي أن الظروف مختلفة، وأهداف اللاعبين مختلفة، فالسادات خاض الحرب وفي ذهنه التوصل إلى تسوية، لذلك أطُلق عليها حرب تحريك وليست حرب تحرير. فلا يمكن أن تتحقق التسوية، حتى وإن كانت مختلة، بسبب عدم وجود شريك إسرائيلي لأي تسوية، حتى إذا تشكلت حكومة وحدة في إسرائيل، ولكن يمكن أن تتحقق التصفية إذا هُزِمت المقاومة وتحققت الأهداف الإسرائيلية؛ حيث عندها يكون هناك حل استسلامي، وهذا بات أصعب الآن إن لم يصبح مستحيلًا، وحينها سيستأنف قطار التطبيع سيره، وكذلك مخطط إقامة الشرق الأوسط الجديد، وستكون السلطة ممثلة للطرف الفلسطيني. لكن، هذه أضغاث أحلام، فما حدث في طوفان الأقصى ودلالاته يثبت مجددًا الشعبية الطاغية لخيار المقاومة، واستحالة القفز على الشعب الفلسطيني وحقوقه، فهو الرقم الصعب شاء من شاء وأبى من أبى.

***

د. محمود محمد علي - كاتب مصري

 

ما علاقة اليوم بالبارحة؟

وما علاقة الأحداث الماضية بالأحداث الجارية؟

وهل أن الحاضر مولود من رحم الماضي أم أنه مولود في أنابيب الإختبار؟

هل أن ما سبق يرسم ملامح ما لحق؟

تساؤلات تستحق التأمل والنظر.

وفي الطب هناك قاعدة معروفة مفادها أنك لكي تصل إلى التشخيص الصحيح للمرض عليك بدراسة وتتبع تأريخه، ولا زالت هذه القاعدة سارية رغم التقدم التكنولوجي، ولا تخلو إضبارات المرضى من الإسهاب في متابعة تاريخ المرض، لكي يتمكن الطبيب المعالج من فهم طبيعته وسلوكه وما يقتضيه من إجراءات مناسبة.

وما يقوم به البشر من سلوك في السابق ينجم عنه ما يعانيه في الحاضر والمستقبل.

فالشخص الذي لا يميل إلى النشاطات البدنية ويأنس للسكون والأكل الكثير، سيصاب بالبدانة ومضاعفاتها وبأمراض القلب والشرايين والسكر ويموت مبكرا.

وهذه القاعدة تنطبق على السلوك الفردي والجماعي،  فسلوك أي مجتمع في السابق يحدد حالته في الحاضر والمستقبل،  وما جرى في مجتمعنا في القرن العشرين وخصوصا النصف الثاني منه يرسم حاضرنا ومعالم مستقبلنا.

فالشيء مولود من رحم شيئ ولا يمكنه أن يكون إبن لا شيء.

وإذا أخذنا الأحداث السياسية العراقية -على سبيل المثال- وقارنا ما بين الأحوال والتطورات في الزمن الملكي والزمن الجمهوري، يتبين أن السلوكيات التي أدت إلى سقوط النظام الملكي قد ساهمت في  ما تحقق في الزمن الجمهوري الذي أسس لما جرى بعده.

وبما أن السلوك ناجم عن الأفكار الفاعلة في عقل الفرد والمجتمع، فأن الأفكار المتفاعلة فينا هي التي رسمت حاضرنا وستصنع أوجاع مستقبلنا، فالعلاقة ليست علاقة رقمية أو تبدو وكأنها بسيطة ومسطحة، وإنما هي تفاعلات عميقة خفية لا واعية في دنيا الفرد والجماعة، توفرت الظروف اللازمة لإطلاقها والتعبير عنها.

فالعيب لم يكن في النظام الملكي أو الجمهوري وما بعدهما وإنما بالعقليات الفاعلة فيها.

نعم، العيب فينا وليس بنوع النظام، ولن يتغير شيئ لو غيرنا الحالة السياسية ألف مرة، لأننا لم نتغير ولم نتبدل ونتفاعل بذات العقلية ونعبّر عن السلوك الناجم عنها، ونمارس في قراءاتنا وتحليلاتنا آليات إسقاطية وإنكارية، فلا نريد رؤية عيوبنا وندعي أن المشكلة في النظام، ونتمادى في إنكار إضطراباتنا السلوكية والفكرية والنفسية الفاعلة في تقرير مصير مسيرتنا الدامية.

ففي النظام الملكي لم تكن هناك رؤى وتصورات وطنية واضحة يمكن للمجتمع  أن يلتف حولها ويصنع وجوده المعاصر، ولم تنجب تلك المرحلة قادة ومفكرين ومثقفين وطنيين لهم القدرة على توجيه سلوك المجتمع نحو الأفضل.

فلم يمتلك الوطن على مدى القرن العشرين الريادة الثقافية والفكرية اللازمة لصناعة الحياة، لأن طبيعة التفاعلات في المجتمع لا تسمح بذلك إطلاقا وتقضي عليه فورا، ويظهر ذلك بوضوح بمقارنة بسيطة مع مصر وكيف تصرف قادتها مع الملك وكيف تصرفنا مع الملك عندما تحقق التغيير، وعلة ذلك أن مصر كان فيها قادة مثقفون يؤثرون في صناعة الرأي وبناء التطلعات الوطنية ذات القيمة الحضارية المعاصرة.

أما في العراق فلم يكن عندنا تلك القدرات، وإنما كانت التفاعلات المنفعلة والعواطف الساخنة هي الحَكم والمقرر الأخير لكل خطوة ووجهة نظر وتعبير،  وإن ظهر مُصلح إجتماعي وأخلاقي بيننا أذقناه الصعوبات والمعاداة وحاصرناه وطاردناه .

فنحن  نحسب أنفسنا من النسل المقدس الذي لا يعرف الهفوات، ونميل إلى التبعية العمياء ومعاداة الأشخاص، وأن أنانيتنا الحمقاء تقتل وطنيتنا السمحاء .

ومَن يقرأ أشعار الجواهري يرى ذلك بوضوح، فالرجل قد سطر تاريخ العراق الحقيقي في القرن العشرين وبحذاقة شاعر يعيش مأساة الشعب ويتحسس آلامه وقهره.

وبهذا فأن فقدان الرؤية الحضارية الواضحة وغياب العقول المثقفة الواعية  الفاعلة في الحياة، قد أوجد حالة من التخبط والإضطراب الكامن في النفوس والمحتقن في اللاوعي، وما أن يجد منفذا حتى يعبر عن وجوده بغابية ووحشية منقطعة النظير وتكرر ذلك مرارا، وقد عشناها في السنوات الماضية بأقصى ما يمكن أن يكون عليه التعبير والفعل المحتقن المشين.

وهذا الفقدان هوالذي جعلنا وعلى لسان قادة ذلك التغيير الذي أوجد الجمهورية بدعواتهم وبياناتهم، أن نحقق الهياج الإنفعالي العالي الذي توجناه بالقتل البشع والسحل في الشوارع، ومضينا على هذا المنوال في النصف الثاني من القرن العشرين .

ولا زلنا نعيش ضبابية وطنية وغياب مروّع للرؤية والمنطق والعقل المعاصر القادر على إستيعاب التناقضات، وإكتشاف القوانين اللازمة لتحقيق صيرورة وطنية ذات تأثير وطني نافع.

ولا توجد مؤشرات على وجود نظرية سياسية أخلاقية ذات قيمة حضارية ووطنية نافعة عند الذين حققوا التغيير في النظام السياسي في جميع الأحوال، وإن وجدت فأن الإلتزام بها يكون معدوما.

وسنبقى في حالة من الترنح والتخبط، لأن أفكارنا لا تتفاعل وعقولنا لا تتلاقح وإنفعالاتنا هي السائدة وعواطفنا تتحكم بنا رغما عنا، وما فينا يجلدنا ويقرر رؤيتنا ولا يسمح لنا برؤية ما حولنا، بل دوما نحن نندفع ونناضل من أجل أن نرى ونحقق ما عندنا من إنحرافات سلوكية تتمحور حول الكرسي، الذي يرمز للسلطة والقوة والإمتهان والثراء الفاحش على حساب المساكين من أبناء البلاد الأبرياء، المحكومين بالحاجة والفقر والعوز الشديد.

وما دمنا قد دخلنا في دائرة مفرغة من التفاعلات السلبية التي بدأت بتأسيس الدولة، وتفاقمت وتعاظمت وفقا لتفاعلات الأحزاب الدامية، فأن الأمر مترابط ومتشابك، وكل مرحلة تساهم في زيادة وتعقيد عناصر التفاعل المرير .

ولن يخرج البلد من مأزق الويلات وحمى الكراسي والتحزبية والمذهبية وغيرها من أمراض المجتمعات وأوبئة الضياع والخسران، إلا بتغيير الأفكار والرؤى والنظر إلى الدنيا بمنظار العصر، وعدم التمسك بمنظار ما مضى وما إنقضى وقراءة ما جرى ويجري بواسطته.

إن مأزق الوطن الحضاري، هو أن هناك مَن لا يرى بعيون الحاضر والمستقبل، وإنما يحمل منظار كان يا ما كان ويقرأ الحياة بواسطته، ويتصرف على ضوء ما فيه من جراثيم الأفكار والتصورات، والمعتقدات الخالية من الحياة والمتعفنة في صناديق الآهات.

فلا النظام الملكي أفضل من النظام الجمهوري، ولا السابق أفضل من اللاحق، ولا اللاحق أفضل من السابق، وإنما الحالات تدور في ناعور يغرف من جهة ويصب في جهة، وفقا لمعادلة تثمير الويلات ونهب القدرات والثروات، والجميع وأكثر يساهمون في تدوير الناعور .

فلن تتغير الأحوال للأفضل ، لأن الإناء ينضح بما فيه، وما فينا لا يحقق مصالحنا ويقضي على حاضرنا ومستقبلنا، وتلك محنتنا الحقيقية التي أوجدت الصراعات واحتضنت الويلات والقهر والمعاناة.

فهل سنغير ما في أنفسنا وعقولنا لكي يتغير واقعنا ونمارس الحياة الحرة الكريمة؟!

هذه قراءة لواقع عراقي لكنها قد تنطبق على الواقع العربي بأسره، فالأوطان أجهزة حية في بدن الأمة، إذا أصيب الواحد منها بعلة يؤثر على بدن الأمة ويُعلّه!!

***

د. صادق السامرائي

23\7\2010

 

تواجه عمليات تطبيق الديمقراطية في بعض بلدان الشرق الأوسط وخاصة العراق وليبيا ومجموعة الدول التي تعرضت لتغيير أنظمتها السياسية فوقيا وبمساعدة جراحية من قبل دول عظمى، هذه الدول وفعالياتها السياسية تواجه تحديات كبيرة ومعقدة في مجتمعات تتكلس فيها عبر مئات السنين موروثات اجتماعية ودينية وامراض نفسية وسلوكية تتقاطع بل تمنع قيام مجتمع ديمقراطي على النمط الغربي.

ولعله من اخطر تلك التحديات ان النخب السياسية ذاتها من انتاج مجتمعات تعاني تاريخيا من ظواهر سلبية متكلسة وموروثات معقدة في الفكر والسلوك، ناهيك بانها ادمنت أنظمة شمولية مستبدة لعشرات السنين او ربما لمئات السنين ضمن قوقعة بدوية قبلية محافظة يحكمها الخوف المريع من السلطة المتمثلة بفرد او مجموعة، ذلك الخوف الذي عبث بسلوكيات الفرد والمجتمع وفي هذه الجزئية المهمة يتفق غالبية علماء النفس والاجتماع على أن الخوف سبب تربوي مهم في نشوء ظاهرة الكذب والعديد من أنماط السلوك غير القويم كالتدليس والانتهازية، ناهيك عن مركبات النقص التي يعاني منها الفرد أو المجموعة التي تتصف بهذه الأنماط السلوكية، وهذه الظواهر والسلوكيات تنطبق بشكل كبير على المجتمعات التي تخضع لأنظمة مستبدة تشيع الخوف والرعب بين الأهالي باستخدام العقوبات المفرطة الشدة او الاعتقالات العشوائية خارج منظومة القوانين واستخدام أساليب التعذيب والترهيب مع المعارضين او حتى مع المتهمين بمختلف أنواع الجرائم او الانحرافات.

وبسبب التشبث بالسلطة والافراط بها وبتنفيذ العقوبات وخاصة العقوبات الصارمة التي تنفذ امام الملأ انتشر الخوف والرعب بين الناس وتضاعفت ظاهرة الكذب والانتهازية والتدليس والنفاق والتزلف، وقد انعكست مظاهر الانتهازية والعدوانية على شكل التعامل بين السلطة والأهالي من جهة، وشكل البناء الاجتماعي القروي والقبلي والنظام التربوي البدائي من جهة أخرى، في التعاطي مع الفعاليات الحياتية بكل أنماطها، في السياسة والمجتمع والاقتصاد والتربية والتعليم، وحتى على مستوى العلاقات الشخصية بين الأفراد أو المجموعات، حيث تسود مشاعر الأنانية والحذر الشديد والتوجّس، إلى درجة الخوف من الآخر، بل والشعور بالعدوانية تجاهه، ففي معظم مجتمعاتنا الشرقية التي تعاني من أمية أبجدية وحضارية وثقافة قروية وسلوك بدوي، ما زال يسكن دواخل الكثير من الذين غيروا أشكالهم وديكوراتهم بإكسسوارات المظاهر دونما الالتفات إلى نوعية السلوك وتقدميته، إلا بالقدر الذي يحافظ على مصالحهم الذاتية والمظهرية، والتي تنحصر في مجملها بعقلية الربح والخسارة، يسبقها دوماً سوء النية في التعامل اليومي والتعاطي مع تفصيلات الحياة اليومية بين البشر، على خلفية البقالة المجردة من المشاعر الخلاقة.

لقد مارست الطبقة الحاكمة، سواء كانت فرداً أو حزباً أو شريحة اجتماعية، ضغوطاً هائلة على المجتمع من خلال المجموعات التابعة والملحقة بها، من المستفيدين من عطاياها وسلطنتها، الذين يشكلون خطوط حمايتها وأبواق دعايتها وسدنة حكمها ومن ثم مراكز هيمنتها وإداراتها، حيث تولّت هذه (الملحقات المعوقة) مسؤوليات إدارية واقتصادية وحتى اجتماعية مهمة في المجتمع والدولة، وخير مثال على ذلك، تلك المجاميع التي أنتجتها النظم الدكتاتورية من خلال مؤسساتها القمعية والحزبية من الأميين وأنصافهم، منذ بدء حقبة الانقلابات، في كل من العراق وسوريا والجزائر وليبيا واليمن وإيران والسودان وبقية الدول الأخرى المشابهة، وتولي الكثير منهم قيادات مهمة في الجيش وحقائب وزارية وإدارة المحافظات والمدن، وحتى في الجامعات وعماداتها، ناهيك عن عشرات الآلاف من صغار ومتوسطي الموظفين في كل مفاصل الدولة.

وبدلاً من تكريس الحياة المدنية ونقلها إلى الريف والقرية وإحداث تغييرات اقتصادية واجتماعية ترتقي بها من تلك الأنظمة المغلقة والمحدودة والمقيدة بنظام العبودية للشيخ والآغا، وأحياناً كثيرة لرجال الدين القرويين أشباه الأميين، إلى مستويات أعلى وأكثر تطوراً، بربط تلك المناطق بمنظومة من الطرق والاتصالات والخدمات والمناهج التربوية التي تحدث تغييرات مهمة في بنائها التحتي، عملت كل الانقلابات التي هيمنت على السلطة وادّعت تغيير النظام السياسي والاجتماعي، وأحياناً كثيرة الاقتصادي السابق لها، إلى نظام جمهوري مدني اشتراكي، لا إلى نقل المدينة إلى الريف، بل حصل العكس بنقل الريف وتهجيره إلى المدن، مما أضاع فرصة ثمينة لتطوير الريف والمدينة، بل عمل على مسخ هوية المدن وإغراقها بأنماط قروية وقبلية في السلوك والتصرّف.

وخلال عقود قليلة، تحوّلت تلك الأفواج من القرويين إلى مجموعات منقادة اخترقت كل أنظمة المجتمع والدولة، وبخاصة مؤسسات الجيش والشرطة والتعليم الأوسع انتشاراً من غيرها في الهيكل الوظيفي للدولة، هذه المجموعات التي أفرزتها تلك الأنظمة المستبدّة، سواء ما كان منها على دفة الحكم أو ما كان منها على شكل منظومة عادات وتقاليد اجتماعية استبدادية، وهي بالتالي تشكل العمق الاجتماعي للأنظمة السياسية المستبدة، حيث بساطة التفكير وسذاجته وعقلية القطيع، التي سهلت مهمة الأنظمة في السيطرة على هذه المجموعات، التي نقلت معها كل سلوكيات القرية والبداوة إلى مراكز المدن، بحثاً عن العمل أو الارتزاق خلف أنظمة سياسية استبدادية، تستغلّ سذاجتها، لاستخدامها أدوات سلطوية وقمعية في أجهزتها الخاصة، كما تفعل معظم أنظمتنا السياسية هنا في الشرق الأوسط، في الاعتماد على مجاميع من القرويين والقبليين في حماية النظام ورموزه ومؤسساته العسكرية والأمنية، حتى وصلت إلى مفاصل مهمة في مراكز القرار في الدولة والمجتمع، مما تسبب في ظهور عوق اجتماعي كبير هو ما نسميه بالنفاق الاجتماعي والانتهازية المقيتة، ويبدو ذلك اكثر وضوحا في كل من ايران والعراق وسوريا ولبنان حيث استخدم الدين والمذهب كأداة غاية في الخطورة لتخدير الأهالي واستكانتهم.

إننا اليوم في ظل أنظمة تمارس نمطا ديمقراطيا قلقا لإنتاج دكتاتوريات مرنة في مجتمعات مضغوطة بالخوف والرعب والإرهاب، نواجه تحديا خطيرا في معظم البلدان التي ذكرتها، وخاصة في بلادنا حيث أقحم الدين والمذهب في العملية السياسية وتم تفعيل النظام القبلي وتسخيره كأداة مساعدة في الحكم، مما عقد مسيرة بناء مجتمع ديمقراطي باستخدام أدوات ديمقراطية مفرغة من معانيها الحقيقية كالانتخابات المضللة ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية التي هيمنت عليها قوى شمولية تمارس الديمقراطية من طرف واحد تحت مظلة دكتاتورية مرنة بعيداً عن إحداث أي تغييرات اجتماعية وتربوية جذرية، وبخاصة ما يتعلّق بإزالة هواجس الخوف المنتجة لكثير من مظاهر العوق الاجتماعي في الكذب والتدليس والسلبية في التعاطي مع الآخر، كل هذه المحاولات تصطدم بكم هائل من الصراعات التاريخية سواء كانت دينية مذهبية او قومية عرقية ناهيك عن الصراع الازلي بين الطبقات، وما لم يعاد النظر بالجغرافية السياسية للمكونات والتحول من نظام الدولة المركزية الى نظام فيدرالي حقيقي  كخطوة أولى في تقزيم وانهاء الصراعات المذهبية والقومية لن تتوفر أي فرصة لتقدم البلاد والتفرغ لتحديث المجتمع تعليميا وتربويا معاصرا بما يؤهله للانتقال الى نظام ديمقراطي حقيقي.

***

كفاح محمود

ثمة أربعة أصنام آيلة للسقوط قريباً وفى غضون سنوات أو شهور..

أعلم أن كل الذين ينتمون لتلك الأيدولوجيات سوف يخالفوننى الرأى لكن لا بأس. إننى أتوقع وأزعم انهياراً وشيكاً لأربعة تابوهات لا لأمنيات خاصة ولا لرغبة دفينة، بل هو استقراء لواقع نراه ونعايشه. تلك الأصنام الأربعة هى: الليبرالية، والصهيونية العالمية، والمؤسسات الدولية، والإعلام العالمى. وسوف يكون السقوط سريعاً ومدوياً. واستبدال تلك الفلسفات والهيئات لحظة سقوطها رهن بمن أعدوا البديل!

الليبرالية والصهيونية

إن أغرب ما كشفته لنا عملية طوفان الأقصى السابع من أكتوبر أن بين العرب أنصار وذيول للصهيونية العالمية، وأن هناك خط تماس رفيع يفصل بين الصهيونية والليبرالية المزعومة.

المدخل الفلسفى لليبرالية يبدو لأول وهلة جذاباً ملهماً كدعاوى الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ثم تكتشف أنها قشرة رقيقة زائفة تخفى وراءها القبح كل القبح. فها هى الولايات المتحدة الأمريكية راعية الليبرالية العالمية وحاضنة الصهيونية تلقى بكل قيم الحرية وحقوق الإنسان عرض الحائط لأجل إسرائيل.

لكن دعنا من صهاينة الغرب ودعونا نلتفت لما فعلته الليبرالية بنا فى عالمنا العربي..ها هى الليبرالية الاقتصادية تشيع ثقافة الاستهلاك والجشع والتطلع للرفاهية من أى طريق وبأى شكل، هكذا سادت ثقافة الاحتيال والنصب والغش والقوادة والتسول والاختلاس، وأصبحت البطالة هى الأصل بين الشباب والعمل هو الاستثناء! وفى ظل ثقافة الحرية بات كل شئ مباح وكل المبادئ رجعية وتخلف فتسربت للشباب عادات الغرب جميعها من إباحية إلى ميوعة إلى شذوذ وخمور وميوعة ودياثة وخواء فكرى.

ثم إن فقراء الجيل القادم يأتون بيأسهم وبؤسهم ويكتشفون أن طريقهم للمستقبل المأمول مسدود، فتلتهمهم عصابات السطو أو يسقطون فى هوة المخدرات السحيقة.

إن كل ما يتعلق بالليبرالية وقيمها فاسد ملوث حتى الفنون، تلك التى هوت إلى الدرك الأسفل من الذوق، فغدت لا تقدم إلا كل ما هو ممجوج ومثير للاشمئزاز.. بدءاً من كليبات العرى وإثارة الغرائز إلى أفلام العنف إلى موسيقى عبدة الشيطان. ولم يعد لمثل هذا الطريق الهابط من نهاية ممكنة إلا الزوال والمحو.

انفراط العقد

مشهد النظام العالمى الذى اعتدناه لعشرات السنين بدأ يتفكك وينحل!

أول صور هذا التفكك بدأت منذ وباء كورونا، أى منذ 3 سنوات مضت، عندما تزعزعت الثقة فى منظمة الصحة العالمية وبياناتها الرسمية المشكوك فى صحتها، إما بسبب التدخل السياسي وإما بسبب ضعف الفاعلية بغياب الداعمين! وارتفعت أصوات عالية فى أوروبا والأمريكتين تندد بتلك المنظمة التى انكشف كذبها وافتضح أمرها. واتضح أن الدعم الصحى الوحيد النافع لأوروبا قادم من الشرق الأدنى، من الصين!

ثم جاءت حرب روسيا وأوكرانيا ثم حرب السودان ثم حرب إسرائيل ضد غزة.. وفى جميع تلك الحروب لم نرَ تأثيراً يُذكر للأمم المتحدة كأنها زالت من الوجود. وبات تأثيرها الوحيد هو كشف انشطار عالم السياسة إلى شطرين، قسم غربي تتزعمه أمريكا وحلف الناتو، وقسم شرقى بقيادة الصين ودول البريكس.. وفى حين يتقلص الحلف الأمريكى ببطء، يتمدد حلف الصين بسرعة لدرجة انسلاخ الغرب الإفريقي من سيطرة فرنسا لصالح روسيا والصين!

وها هو صندوق النقد الدولى يلعب لعبته الأثيرة فى إفقار الدول وتركيع البلاد وإغراق الشعوب فى مستنقعات الديون، ولن تكون الأرجنتين آخر ضحاياها، ولا أول المقترضين العاجزين عن السداد!

ثم تعال إلى محكمة العدل الدولية فلا عدل ولا قدرة ولا فاعلية إلا ما تراه الولايات المتحدة الأمريكية، والمنتظر لحكم محكمة لاهاى كالمنتظر لحكم قراقوش، فالقول للمحكمة والفعل لأمريكا!

حتى ناسا تكررت أخطاؤها الكارثية وتوقعاتها الباطلة، لدرجة أنها انجرت لألاعيب السياسة، وحذرت العالم من توقف الإنترنت منذ شهر ولم يحدث شئ. إنها منظومة عالمية آيلة للسقوط، وقد آن الأوان لاستبدالها بمنظومة أخرى وأيديولوجيات مغايرة وفلسفات سليمة ورؤى تقدم حلولاً حاسمة لمشاكل العالم وأزمات الدول والشعوب.

عصر الإقطاع الرقمى

وآخر الساقطين فى اختبار حرب غزة كان الإعلام العالمى، وهو سقوط تشهد عليه الحشود الرافضة للكذب، المناصرة للقضية الفلسطينية فى كل عواصم أوروبا من لندن إلى باريس إلى برلين!

وإذا كان الإعلام العالمى الرسمى متمثلاً فى الصحف والإذاعات والفضائيات الإخبارية بات لعبة فى يد إسرائيل منذ بداية معركة طوفان الأقصى، فإن مقطعاً مدته 10 دقائق يومياً تبثه المقاومة الفلسطينية ينسف الرواية الإسرائيلية نسفاً. إنها ساحة معركة بين فريقين، وهناك مشجعون لكلا الفريقين فى ساحات وميادين العالم فكم مظاهرة تؤيد إسرائيل؟ وفى المقابل كم عدد الملايين فى كل مظاهرة تدعم فلسطين فى كل العالم؟ الغريب أن المظاهرات المليونية فى قلب إسرائيل تعارض ما تفعله إسرائيل؟ فمن الفائز بالمعركة ومن المهزوم؟!

ولو ألقينا نظرة على الإعلام الرقمى والسوشيال ميديا فنحن أمام مشهد مختلف.. فالتعتيم لا يجدى نفعاً، وأعلام فلسطين تملأ شاشات اليوتيوب ومنصات فيسبوك وأكس وتيك توك وتيليجرام. ورغم كل القوانين الحاكمة تصل كلمة الحق إلى الأسماع فى كل مكان رغم التعتيم والحصار والحجب.

الفارق بين الإعلام الرقمى والتقليدى كالفارق بين السياسة والاقتصاد.. فأباطرة الإعلام الرقمى مهما تقيدوا بسياسات خاصة بفئة أو حزب أو منظمة أو حتى دولة عظمى، فإن المال فى النهاية هو الحكم وهو المرجع الأول ولا يمكن لأصحاب الإقطاع الرقمى التضحية بقطاع ضخم من زبائنهم فى العالمين العربي والإسلامى بل وحتى فى باقى أنحاء العالم من مناصرى القضية الفلسطينية الذين يزدادون كل يوم لأجل حفنة من أصحاب المصالح الضيقة!

عالم السوشيال ميديا تحول اليوم إلى ما يشبه الإقطاعيات الكبري. تركة أو كعكة تم توزيعها على عمالقة التكنولوجيا فى السيليكون فالى. وكل زبائنها من مليارات المستخدمين حول العالم ينعمون بخدمات مجانية لا لشئ إلا لأنهم صاروا هم أنفسهم كعبيد المزرعة فى إقطاعيات القرون الوسطى، يحرثون الأرض ويبذرونها ، بينما خير هذه الأرض يذهب كله لأصحاب الإقطاعية!

ما أتوقعه أن الإعلام العالمى المعلب سوف يسقط مع سقوط منظومة عالمية متهالكة متداعية تنتظر رصاصة الرحمة. والبداية للإعلام التقليدى ، وقد يلحق به الإعلام الرقمى إذا سمح للسياسة أن تطغى على حسابات الاقتصاد لدى أباطرة السيليكون فالى.

مشاهد مقلقة خارج الكادر!

أعلم أن كلامى لن يعجب البعض. وقد يكذبوه، وقد يهاجموه..لكن دعونا نتذكر بعض المشاهد التى حدثت خلال الفترة الأخيرة ولها دلالات عميقة مرتبطة بما أدعيه فى هذا المقال..

مشهد الصحفى الإسرائيلي فى أشهر الصحف العبرية يغادر الصحيفة ثم يقرر مغادرة إسرائيل كلها للذهاب لبرلين أو سان فرانسيسكو بأمريكا قائلاً: " دعونا نغادر إسرائيل وننظر لها وهى تلفظ أنفاسها الأخيرة" ! ثم مشهد حزب المحافظين ببريطانيا ينقسم على ذاته بعد أن تدنت شعبيته لأقصى حد، ثم يتم تغيير بعض وزراء الحكومة وعلى رأسهم وزيرة الداخلية المتطرفة ذات الأصول الهندية، ثم ديفيد كاميرون الذى يعود للصورة مجدداً وزيراً لخارجية بريطانيا، كأن الدبلوماسية والأمن فى بلاد الغرب أصبحا على المحك!!

المشهد الأخير لمليونيات تم رصدها من السماء بطائرات إخبارية عمودية، تمتد فيها مظاهرات عارمة رافضة للمجازر الإسرائيلية وما وراءها من تعنت أمريكى وداعمة لفلسطين وداعية لتحررها من قبضة الكيان المحتل.. وعلى هامش تلك المظاهرات نقابات عمالية تمسك بتلابيب سفن السلاح الذاهبة للنازيين الجدد فى إسرائيل تعلن رفضها لما تفعله أوروبا من دعم لمنتهكى حقوق الإنسان !

وسوف يأتى الوقت الذى يخضع فيه الغرب لإرادة شعوب تحب السلام وتبغض أباطرة الحروب.

***

د. عبد السلام فاروق

لفت انتباهي تكرار اسماء اكاديميين في مناقشة الرسائل العلمية لدرجة أن احدهم تكرر اسمه في اربع لجان مناقشة خلال شهر واحد. ولأن من عادتي استطلاع الأراء في مثل هكذا ظواهر، فأنني توجهت بالآتي:

(تساؤل أكاديمي: لماذا تشكّل لجان مناقشة اطاريح دكتوراه ورسائل ماجستير من اسماء مكررة وكأنها مقاولات!.. الأقسام النفسية والتربوية بجامعتي بغداد والمستنصرية مثالا؟).

بلغ عدد الذين شاركوا في الأجابة (107) اكاديمي ومهتم بالموضوع، اليكم نماذج من اجاباتهم:

 د. ازاد علي اسماعيل: هذا حال أغلب الأقسام، استاذي العزيز.. لم تعد للاعتبارات العلمية المعيار الأساسي للاختيار، مع الأسف.

 د. عبد العظيم السلطاني: هذه ظاهرة واسعة الانتشار الآن، والأمر ليس مقتصرا على ماذكرت من مثال!.

 د. حمزة عبد الأمير: للاسف ظاهرة منتشرة ومطلوب من الوزارة وضع معايير جديدة لاختيار أعضاء اللجان.

 د. عقيل مهدي يوسف: هو وضع كارثي.. يفتح الابواب. امام.. مضاعفات غير منهجية.. لمناقشين يجهل بعضهم.. الأصول العلمية.. وربما تضر ملاحظاته.. بالرسالة.. والاطروحة.. اكثر مما تنفعها.. وانت ادرى.. من.. سواك.. بهذا.. الاختلال.. لتجربتك.. وتكليفك في عديد لجان المناقشات.

 المرواتي عمار أحمد: مظهر اخر من مظاهر الفساد الأخلاقي أيضا عند شريحة كان المفروض ان تكون الأرقى.

 د. كاظم نعمة: هذه ظاهرة ليست وليدة هذه الفترة بل بدأت في الثمانينات ولها اسباب منها أن الإشراف بدأ يضعف فما كان سوى أن يقع تفاهم ضمني على التسامح في التقييم. وإن الإشراف لم يعد بتخصص دقيق يواءم موضوع المطروحة. لم يحصل أن رفضت اطاريح ليصبح سياقا مقبولا. وإن تنوع خبرات التدريسيين تقلصت. وان بعض التدريسيين ينعتون بالتشدد فيتخطاهم المشرف اتابع اطاريح في اختصاصي فاندهش من تنوعها ودقتها حنى كدت اسال هل في جامعاتنا بيئة علمية ترقى الى بحث وتقييم مثل هذه الاشكالية. لعل من النافع ان تكون لجنة تحدد المناقشات وليس المشرف وان يكون نظام الحصص وشرط الاختصاص الدقيق.

 د. صالح مهدي: دكتور انت سيد العارفين لايريدون من يناقش بشكل جدي الاطاريح والرسائل ضعيفه جدا والمشرف ليس من ذوي الاختصاص فالقسم يريد يحافظ على عدم طهور السلبيات وليست جامعة بغداد والمستنصريه فقط بل اغلب الجامعات اذا مو كلهم.. تحياتي مثل حضرتك لايسأل بل ذكاؤك وخبرتك اعرف.

 الصحفي باسم حمودي: مضبوط دكتور.

 أ. د. محمد حسين حبيب: نعم دكتور احسنت الوصف.. مقاولات، لان الامتياز يتم الاتفاق عليه قبل موعد المناقشة لقاء رشوة متعددة الاشكال والالوان.

 د. علي نفل: دكتور المناقشات حديث ذو شجون - وانت اعرف منا بها.

 د. كاظم مرشد الذرب: المشكلة ان بعض المناقشين يستعينون بغيرهم لتسجيل الملاحظات العلمية على بحوث الطلبة لانهم يجهلون اصول البحث العلمي والتحليل الإحصائي لبيانات البحث.

 رغد السهيل: لأنها فعلا مقاولات! واذا لا تعطي طالبي امتياز لن أعطي طالبك امتياز واذا ألححت بسؤال طالبي سوف أفعل المثل.. صارت المناقشات مجرد تمثيلية!

 صلاح زنكنه: أما الأداب وقسم اللغة العربية فحدث ولا حرج.. وأخص بالذكر اطروحة أهمية الشلغم في شعر الشاعر الملهم عمار أبو بلغم.. وخصوصية الشوندر في روايات الروائي الفذ جسام ابن عنتر

 د. علي الحلو: ملاحظة صحيحة 100% وليس في هذه الجامعتين فقط وانما يمكن ان تشمل جميع الجامعات في البلد، والادهى والامر ان بعض رؤساء الاقسام يفرض شرطًا على الاستاذ المناقش بأن يعطي درجة عالية(الامتياز) والا لا يتم استضافته للمناقشة، وهذه صارت معي شخصياً.

 احمد صاحب مبارك: ضعف الطالب والمشرف يستدعي لجنة بنفس هذه الصفة لذلك هم يستدعون من يقضي المناقشة بتشخيص الاخطاء "الطباعية" والانغماس بتصحيح رقم الصفحة لاقتباس ما من مصدر معين. أما الجانب العلمي ومنهجية البحث فلا يتطرق إليها أحد!

الحمد لله الذي جعل نصيبي من كل جامعة زيارة واحدة لأنهم لا يجدوني كما يرغبون!

 عبد الكريم الكشفي: احسنت استاذنا الغالي الطبيب الكبير، اصبت كبد الحقيقة. والله كارثة كبيرة ضحيتها اصحاب الكفاءة والمهنة والمبدعين مع الاسف. اتفاق بين الكليات وفق مبدأ جيبني واجيبك على حساب العلم والمهنية.

 سها الربيعي: كل الجامعات مو بس بغداد والمستنصرية. حتى يضمنون الامتياز والجيد جدا الى طلابهم يفضلون مناقشين تربطهم علاقة صداقة ويستمر التبادل.. وللاسف الخاسر هو الطالب المشتغل وتعبان يتساوى مع الطالب الي كلشي ممشتغل برسالتة. الاثنين امتياز... اي عدالة ماكو. للعلم ثلاثة مناقشين من القسم والخارجي واحد فقط هنا تكمن الكارثة.

 احمد عبد الله: أستاذنا وقدوتنا دكتور قاسم حضرتك تعرف حالياً علاقات ترشيح الأسماء ممكن علاقة المشرف مع رئيس القسم بالنتيجة لجنة سهلة وممكن علاقات رؤساء الاقسام مع بعض لكن للأمانة هناك مناقشات ورؤساء أقسام وأساتذة علميين جدآ ومناقشات راقية وعلمية وأنا لمست ذلك حقيقة شخصيا.

 د. علي: هكذا استحالت الأمور، (عبرني وأعبرك) أين تلك المجالس العلمية، التي يتسيدها كبار الأساتذة بمناقشاتهم العلمية التي لاتجامل ولا تتحامل، توجه، وتعيد، وتؤجل ؛ حتى يستقيم البحث على الجادة العلمية. للأسف مجاملات، وموائد.. و...

تعليقات ساخرة:

 عبد المطلب محمود العبيدي: يمكن أن يكون تكرار الأسماء في هذه الأقسام عادياً لقلة المتخصصين ربما.. لكن غير العادي ما يحصل في غيرها.. مقاولات و"اعزمني وأعزمك" و"عينك على حارتنا.. الله الله"!!

 باسم الأعسم: لضمان منح الامتياز لكل من هب ودب ولتجنب كشف المستور عنه.

 جليل رهيف: في كل الكليات.. حطني واحطك. العجيب اكو البعض كل أسبوع عنده مناقشه شوكت يكدر يقراها!!

 أ. م. د. حسن فهد الأوسي: دكتورنا الفاضل.. غطيلي واغطيلك.. جيبني وأجيبك.

أ. م. د. حسن فهد الأوسي

د. عدي الخالدي: كلش عادي دكتور المهم المبالغ التي تدفع.

 د. عزيز مزعل: اصبحت الدراسات العليا (ماصخة) وصارت اللجان عبارة عن (زفة عرس).. تجمع لخليط غير متجانس، ولكن.. مدّاحات العروس.. امه وخالته، حتى لو كانت (عوره). المهم النتيجة امتياز.

مع اعتذاري لعشرات الزملاء الآخرين.

استنتاج

يتفق الأكاديميون الذين استطلعت آراؤهم على الآتي:

ظاهرة كارثية واسعة الانتشار الآن.

 لم تعد للاعتبارات العلمية المعيار الأساسي للاختيار.

 مظهر اخر من مظاهر الفساد الأخلاقي عند شريحة كان المفروض ان تكون الأرقى.

 لا يريدون من يناقش بشكل جدي.

 الاطاريح والرسائل ضعيفه جدا والمشرف ليس من ذوي الاختصاص والقسم يريد يحافظ على عدم ظهور السلبيات.

 يفضلون مناقشين تربطهم علاقة صداقة بطريقة تبادلية.

 مجاملات، وموائد، حطني واحطك، غطيلي واغطيلك، المهم النتيجة امتياز.

تــحليــل

أمضيت في التعليم العالي (48) سنة وكنت في التسعينيات عضو لجنة رأي بوزارة التعليم العالي، ومحاضر بمركز طرائق التدريس لأكثر من عشرين سنة، وعضو في لجنة تقويم أداء الجامعات العراقية، ومشارك في مناقشة مئات اطاريح الدكتوراه ورسائل الماجستير، ودرّست في ست جامعات عراقية وأربع عربية.. ما يعني أنني امتلك خبرة تخولني ان (أفتي) في هذه الظاهرة.

يعود تاريخ التعليم العالي في العراق الى عام 1927 يوم تم فيه تأسيس كلية الطب التي اعتمدت نظام ومناهج الكلية الطبية الملكية البريطانية، وقبل في سنتها عشرون طالبا (7مسلمون، 8 يهود، و5 مسيحيون). ومع ان عام 1924 شهد تأسيس اول جامعة عراقية باسم جامعة آل البيت، لكنها تعرضت الى انتقادات شديدة من الصحافة والبرلمان وتناقص في عدد الطلبة المتقدمين وانتهى امرها في العام 1930. ولهذا يعد العام 1957 الذي تأسست فيه جامعة بغداد هو تاريخ تأسيس الجامعات في العراق. ويذكر ان اول رئيس لها هو الدكتور متي عقرواي (مسيحي)، وان ثاني رئيس لها هو الدكتور عبد الجبار عبد الله (صابئي)، الذي احتج رجال الدين على عبد الكريم قاسم قائلين له: كيف تعين صابئيا رئيسا لجامعة بغداد، فاجابهم جوابا طريفا قائلا: انا عينته رئيس جامعة وليس رئيس جامع.. والكثير يعرف ان عبد الجبار عبد الله كان أحد طلبة آينشتاين.

في الصدارة.. الى انتكاسات

كان التعليم العراقي في العراق لغاية عقد السبعينات في القرن الماضي.. يتصدر الدول العربية من حيث الجودة والمعايير العلمية. وكان تشكيل لجان المناقشات العلمية يتم وفقا لكفاءة المناقش واختصاصه، وكان عدد الذين يحصلون على تقدير (أمتياز) قلّة.. وكان من يحصل على تقدير (جيد جدا) يتباهى امام اهله وزملائه، بعكس ما يحصل الآن (مع الأسف موامتياز). وتعود بدايات تراجعه الى عام 1980 سنة اشتعال الحرب بين العراق وايران.. ففي سنواتها الثمان هاجر الآف الأساتذة، فيما خضع الباقون للخدمة العسكرية ضمن ما يسمى (الجيش الشعبي). تبعها انتكاستان في تسعينيات القرن الماضي: حرب العراق على الكويت، وفرض الحصار على العراق الذي اضطر عدد من الأساتذة الى بيع مكتباتهم بأثمان زهيدة.

وجاءت الأنتكاسة الكبرى بعد 2003 حيث شهدت هجرة الكفاءات العراقية والعلماء والأكاديميين بأعداد كبيرة، نتيجة عمليات القتل والخطف والتهديد التي كانت تستهدفهم بعملية وصفت بالممنهجة.

القيم.. سبب تحول المناقشات الى مقاولات

في كتابه الذائع الصيت " To Have or to Be " شخّص عالم النفس والناقد الاجتماعي الكبير " ايرك فروم " وضع الإنسان بأنه تحول إلى سلعة تحكمه قوانين العرض والطلب والبيع والشراء، وطرح مفهوم (الشخصية التسويقية) ووصفها بأنها تقوم على ممارسة الشخص لذاته بوصفه سلعة، ولقيمته " قيمة تبادلية " وليس " انتفاعية ".

والذي حصل في العراق ان معظم من يفترض فيهم أنهم القدوة والنخبة " بعمامة أو بدونها " تهرأت فيهم القيم وصار معظمهم منافقين، فشاع النفاق، السياسي والأجتماعي والأخلاقي بين الناس.. والعلمي في الجامعات، واصبح الأنسان سلعة وقيمة تبادلية بوصف اريك فروم.

وما حصل بعد 2006 تحديدا، أن الأكاديميين في الجامعات العراقية تحولوا الى اربعة أصناف: صنف وجد ان الوضع في العراق صار طاردا لمن يبقى ملتزما بقيمه الأكاديمي.. فهاجر، وصنف حاول التوفيق بين قيمه الاصيلة و(قيم) اشاعتها سلطات فاسدة، وصنف انتمى لأحزاب السلطة وزرق قيمه الأكاديمية أبرة تخدير وصار سلعة بيد سيده السياسي الذي لا تعنيه القيم الاكاديمية، وصنف ينطبق عليه المثل الشعبي (الياخذ أمي يصير عمي.. والأم هنا السلطة).. معتبرا المناقشات العلمية صفقات ومقاولات بالحال الذي اجاد وصفه الأكاديميون الذين استطلعت اراؤهم، وصنف يجاهد على الألتزام بقيمه العلمية الأصيلة.. وهم القلّة.

ويبقى التساؤل:

هل يمكن اصلاح التعليم العالي في العراق؟

والجواب.. لا يمكن، منطلقين من حقيقية علمية.. ان القيم هي التي تحدد سلوك الانسان واعتباره الأجتماعي والاخلاقي والعلمي، وان ما حصل للقيم الأصيلة في العراق بعد 2003 من تخدير وتهرؤ شاع بين بسطاء وانتقل بالعدوى الى المثقفين والأكاديميين لا يمكن ان تعود كما كانت.. فضلا عن أن اصلاح التعليم العالي مرتبط باصلاح النظام التربوي والتعليمي ككل.. اعني المؤسسات التعليمية التابعة لوزارتي التربية والتعليم العالي، وهذا غير ممكن الآن.. فان (المقاولات) في تشكيل لجان مناقشة اطاريح الدكتوراه ورسائل الماجستير.. ستبقى.. وسيبقى معها ضدها النوعي بوجود اكاديميين لن يساوموا على مبادئهم ولن يدخلوا في مقاولات حتى لو كانت باغراءات.

***

أ. د. قاسم حسين صالح

في المثقف اليوم