نصوص أدبية

نصوص أدبية

ثَمة موسيقا - خفية

يعزفها كُلٌّ على شاكلتِهْ:

الأشجار بعصافيرها المُثمِرةْ

والليل بهوامِهِ المُحَدَّثَة فطرياً

والطبيعة بعُذْريتها الناصحة الناضجة

المتشحة باخضرار حيويتها

المنسجمة الألق والتميز والحبور

وافْتِتان من يَسْطُرونْ!

*

ثَمة موسيقا – خفية -

يعزفها البحربأحيائهِ المُضمرة

وزُرقتهِ المُتَبَّلَة بقُبلاتٍ عُذْرية بيضاء

طاهرةٍ برسالتها الغرامية

ومُطَهِّرةٍ لإنســـانيتنا الفجَّـــة

المُلَطَّخة بمالاينتهي

من أوزارٍ وفضائحٍ مُتداخِلة السَّفَهِ

واللحون!

*

ثَمة موسيقا -خفية-

تعزفها باقات الورد الأبيض

بمرضاهُ المتماثلين للبيانو

بمقطوعةٍ يتيمة النغم

وتناغم حديث الشجون!

*

ثَمة موسيقا -خفية-

يعزفها بديع الصباح الوديع

بتَفَتُّحٍ ناسَهُ الطيبين

وإشراقات عذراوات الشفق الدافئ

من شُرُفات أفئدتِهن المُرَصَّعة

بأصدق الفنون!

*

ثَمة موسيقا -خفية-

تعزفهاالأوطانُ المُثقلة بِأنَّاتِها

دماءً...

ودماراً...

ودخان

الموزعة عليها كـ(نَوْتاتٍ) عنقودية...

وأخرى...نقودية

بابتكـــار مُلَحِّنيها

وواضعيها -الملاعين -

على نَعْشِ المنون!

***

محمد ثابت السميعي - اليمن

 

حلقة من: المدينة الغافية في احضان البوسفور

في صبيحة اليوم الثاني واثناء مروره بالقرب من المقهى، كان صاحبه الأكاديمي أمامه وجهاً لوجه.. فبادره بابتسامة عريضة.. يا لهذه الصدفة الجميلة هل تناولت فطورك ؟، دعنا نجلس عند ذلك الركن القريب من شجرة الظل الداخلية لنتناول شيئاً. 

طلبا الفطور.. ثم سأله عن الفترة التي سيبقى في هذه المدينة، بعدها ألمح إلى آخر حديث دار بينهما في اليوم الفائت.. وذكرَهُ بحديثهِ عن دوافع الخوف الذي أبدع في تحليله.. قال: ليس ذلك إبداعاً بقدر كونه يدخل الأختصاص السوسيولوجي في التحليل.. وتابع حديثه وهو يركز نظره على فتاة جميلة دخلت تواً إلى الركن المقابل لكافتيريا المقهى، فيما كان يرشف قهوته التي تتصاعد منها خيوط بيضاء تتلوى ثم تتلاشى لتملأ ذلك الركن برائحة البن العطرة.

نعم ، الخوف ، كنا نتحدث عن الخوف اليس كذلك.. هو يأتي من الداخل.. تلك حقيقة.. وأضاف، وعلى أساس هذه الحقيقة تعمل الإدارات الأمريكية ومؤسساتها السياسية والاعلامية والاجتماعية على إستراتيجية تسمى (شد الداخل الأمريكي ومنع إنفراطه).!!

ولكن كيف يتم الشد وبأي الأدوات؟

يتم ذلك عن طريق خلق عدو خارجي كما قال “هنري كيسنجر” حتى لو كان وهمياً.. مثلاً : بعد الحرب العالمية الثانية، كان الصراع بين معسكرين، شرقي وغربي، والتخويف كان من هجوم الشرق أو إختراقه للنظام السياسي والإجتماعي الغربي.. وحين سقط الإتحاد السوفياتي.. سقط ركن أساسي من أركان لعبة الخوف في الإستراتيجية الأمريكية.. والمعنى هو سقوط أحد أهم أعمدتها، ولم يعد هناك ما تخيف به الأوربيين، وما تخافه الأدارات الأمريكية سوى مجتمعها واحتمال انفراطه، فعمدت إلى خلق استراتيجية صراع جديدة هي (محاربة الإرهاب)، وجندت كل طاقاتها السياسية والعسكرية والاعلامية على وجه الخصوص لإظهار أن هذا الإرهاب يهدد الداخل الأمريكي، وحددت عناصرهذا الإرهاب بـ(القاعدة) والدول الحاظنة للإرهاب، التي سميت بالمارقة.. ثم ظهرت تسميات  أخرى، الإسلاميون المتطرفون والمعتدلون والتكفيريون والأصوليون، وحسب التصوير الأمريكي كلهم يهددون الأمن والرفاهية الأمريكية.. والهدف هو (شد الداخل بكل مكوناته وتناقضاته صوب عدو وهمي خارجي).!!

وتابع حديثه.. في بعض مدن الشرق الأوسط مثلاً، الناس يخافون، ليس في كل الأوقات، إنما في بعضها حين يكون الخروج إلى الشارع مغامرة مخيفة، لأن العودة غير مضمونة.. ومن هنا يبدأ الخوف.. يسير أحدهم على رصيف الشارع، وفجأة يتناثر لحمه في كل مكان، ويصبح مجرد رقم في إحصائيات القتلى، أو مجرد خبر عابر.. يبدأ الخوف حين يعتقد الفرد بأنه قادر على محاسبة الآخر في أي وقت أو مكان حتى لو أدى الأمر إلى قتله، أو الثأر منه أو لأنه يؤمن بما لا يؤمن به الآخر، حتى أنه من لون آخر.. في خضم هذا الواقع الذي ينعدم فية النظام والقانون تحل شريعة الغاب تماماً، حيث تتحلل المعايير الأخلاقية للمجتمع ويتحول المجتمع إلى مجرد قطعان من الذئاب والحملان.!!

كان الحديث مع الأكاديمي عابر الطريق هذا، ممتعاً ومهماً لآمسَ السياسة والمجتمع وشخصَ الخوف ومسبباته ودوافعه وحدد إشكالياته.. استمتع بفطور الصباح وهو يتطلع نحو الخارج الذي تظلله اغصان الأشجار التي تزدحم عليها اعداداً لا تحصى من طيور الحب الملونة المهاجرة، كما أنه قد استمتع فعلاً بهذه المداخلة والأفكار التي انتهت إليه.. إذ انه من المهم أن يتحقق عنصران مهمان، هما الحديث الرصين والإصغاء، الذي يحقق جوهر نجاح الحوار الحضاري بين طرفين.

وقبل أن يغادر صاحبة لموعد عاجل، ولفرط تركيزه الذهني الذي أثاره الحوار، شعر بشيء من الحاجة إلى التجوال في تلك الشوارع الخلفية الجميلة.. اشترى صحيفة الشرق الأوسط التي كانت تحمل عناوين مثيرة للجدل في عالم السياسة ، وبعد اكثر من ساعتين، توقف عند مقهى أنيق وهاديء اختار مقعده المريح في ركن منه يطل على فسحة داخلية تظللها شجيرة وارفة محملة بورود صغيرة بنفسجية رائعه ومتسلقات تملء الجدار الحجري، ويبدو أن المقهى هو أحد الدور القديمة قد تم تحويل واجهته ليكون مقهى بهذا الجمال، فيما كانت الموسيقى تصدح نغماً كلاسيكياً يبعث فعلاً على الهدوء والراحه.

وحين استسلم لهذا الهدوء، راحت مخيلته تقتحم عليه خلوته باصرار لتستعرض له شريطاً من الإنهيارات التي حلت بهذا العالم، وخاصة تلك النوازع والدوافع التي تظهر بأغطية هي لا تعبر عن حقيقتها.. مثل، الديمقراطية، وحقوق الإنسان، واحترام الرأي الآخر، والتعددية، والتوافقات، والأكثرية والأقلية، والمظلومية، وتوزيع الثروات، ثم الإسلام السياسي، والإرهاب، والتطرف والإعتدال.. وكل هذه المفردات قد تجمعت في تلك الصحيفة وفي يوم واحد.!!

وفي خضم هذا الكم الهائل من المفردات التي صاغتها مطابخ الغرب.. ضاعت الكثير من الحقائق، أو بالأحرى غطت تلك المفردات على مجموعة من الحقائق، مثل : الإحتلال سمي تحرير، وحركة التحرر سميت إرهاباً، وتقسيم المجتمع جاء تحت اسم الأكثرية والأقلية، وتحت مسمى حدود الأقليات القومية والدينية.. في الوقت الذي لم يعد الحديث عن الوطنية الحقيقية الجامعة المانعة المحققة لوحدة الأرض والشعب في القاموس السياسي والإعلامي.. أما حدود السيادة فقد تلاشت أمام مدعيات الآراء العابرة للحدود التي باتت تحت رحمة العولمة الإعلامية، التي هي تعبير عن العولمة الإمبريالية في كل أبعادها الرأسمالية.

هذه المفردات قد مرت كالبرق في ذهنه وهو يحاول أن يسترخي قليلاً ليريح تفكيره من عناء التركيز الذي تخلل الحوار مع الآخر العابر أيضاً للطريق.. ولكنه كان حواراً مجدياً وعميقاً.. هكذا إذن.. هي معطيات الهجمة الشرسة على الوطنية والقومية وحدود السيادة وحقوق الشعوب في حريتها واستقلالها الوطني.

شعر بثقل جفنيه المتعبين، وراح في غفوة خاطفة، استغرقت بضع ثوان معدودات وربما دقيقة مرت مسرعة استفاق على وقع اقدام كانت تتسلق السلالم الخشبية التي تحتل الركن الآخر.. وكانوا عدداً من الأشخاص مع إمرأة ذات قوام رشيق، ولكن الإغفاءة العابرة قد انتزعت من جفنيه التعب، إذ سرعان ما ذهب ليسكب على وجهه الماء في الفناء الخلفي، عندها شعر بالإنتعاش، وَهَمَ بالخروج إلى حيث الصخب الذي يملاْ الشارع.

وما أن شرع يسير حتى ظهر له شيء من مرتسمات ذلك الفهم للأشياء، التي تتحدث عن تصور الحقيقة وعنها في ذاتها، والعقل الإنساني يتصور هذه الحقيقة وهي معكوسة أو يراها ناقصة أو مشوهة وربما يرى فيها حتمية.. قد يرى في الأشياء حتمية.. الإنسان والطيور والشوارع والموسيقى والكلاب المسترخية عند مداخل المحلات الأنيقة والنوارس التي تحلق ولا تكف عن الصياح واصوات السفن المتنائية من بعيد والنساء الجميلات اللآتي يتحركن بغنج طافح بالجنس.. كل شيء في هذا المشهد قد يتصور أنه حتمي في وجوده.. الإنسان حتمية في كينونته الإجتماعية وهو حتمية في صيرورته الإنسانية.. ولكن حتمية الإنسان الوحيدة هي العدم  كما قال ” البير كامو” وخارج هذا العدم لا توجد حتمية في كل الأزمنة.. ولكن ما من شيء ثابت ليصار إلى الحتمية.. فالحتمية هي الموت والحياة معاً، وهي الوجود والعدم معاً في وحدة الوجود الكلية.. تلك هي الحتمية المطلقة.

ااآه.. يا لهذا التفكير الذي جعله يفقد أعصابه.. وأراد في تلك اللحظات أن يتخلص من تزاحم الأفكار وشظاياها التي تتناثر في فضاءات العقل كلما أمعن في التصور.. وقرر أن يحتسي قليلاً من الجعه في أقرب بار يصادفه على الطريق.

دلف في زقاق ضيق، نظيف وأنيق، وعلى يساره كانت واجهة لبار كل ما فيه يذكر بالماضي القديم وخاصة طبيعة الأخشاب والوانها الداكنة التي تمتص الضوء وترتيب المقاعد الجلدية ذات اللون البني التي تنزوي بمواجهة البار المزدحم بالكؤوس. اتخذ الركن القريب من الشارع.. وسرعان ما جاءه النادل وجاءته الجعه بعد ثوان أفرغها في جوفه وطلب زجاجة اخرى.. شعر بشيء من الهدوء والإرتياح حتى أنه بات ينظر إلى الأشياء التي تتحرك في الخارج وكأنها لا تثير اهتمامه بقدر اهتمامه بصفائه الذهني.

والغريب في الأمر، أنه نادراً ما يخالج الإنسان صفاءً خالصاً يستطيع من خلاله أن يرتقي بتفكيره إلى مستوى التركيز الذهني، حيث الإبداع والنتائج الصحيحة غير الناقصة وغير المشوشة.. وكما هو معروف، هنالك حشد من الأفكار الثانوية يتجمهر، عادة لتفكيك محاولة التركيز الذهني، بتداخلات تجعل من الفكرة الرئيسية ثانوية، وتبدد بنائها.. لأن لا فكرة أساسية إلا بصفاء ذهني خالص، ولا بناء فكري مركزي إلا بتركيز ذهني حاد يشترط الصفاء وفلترة الأفكار الزائدة.. ومن العبث الجمع بين الأفكار الثانوية والأساسية المحددة في البحث، على الرغم من أن الأمر لم يعد في جانب الجمع بين الرئيسي والثانوي، إنما المقصود هو، كيف يمكن أن يصل الإنسان إلى صفاء ذهني خالص خالٍ من شوائب الأفكار التي تقتحم عليه صفاءه في كل مرة وتشوش عليه تفكيره.؟!

غادر البار صوب الفندق الذي يقيم فيه على عجل، وحين وصل غرفته، أسرع إلى فتح الكمبيوتر لكي يطلع على بريده اليومي.. وكان فعلاً يضم عدداً من رسائل الأصدقاء وتقارير إخبارية ومقالات تتابع أحداث العالم المتسارعة، التي من الصعب متابعتها.. وكان هنالك كم منها تراكم حصيلة عدة أيام.. وكان عليه تصنيفها وحذف بعضها كالعادة.

انجز القسم الأول، وبعد أن خلع ملابسه وارتدى سروالاً وقميصاً مريحاً، بدأ بالرد على الرسائل، وكان عددها ست رسائل جاءت من اصدقاء أحدهم يروم مصادر لإطروحة الدكتوراه في علم الإجتماع، فيما كانت رسالة احدهم لم يره أو يسمع عنه منذ اكثر من عشر سنوات، وهو دكتور متخصص بالترجمة، يسأل عن أموره واحواله وصحته ويذكره بلقاءات سابقة لهما في بعض الدول الأوربية ، ويشير إلى أنه حصل على إيميله من أحد الأصدقاء حين زار احدى الدول العربية.. كانت رسالته قد أدخلت في قلبه البهجة فعلاً، وعبرت عن الوفاء الذي بات نادراً في هذا الزمان المليء بالجحود.!!

بعد يوم متعب، كان جسده مثقلاً بالإرهاق، لأنه قطع مسافات طويلة بين أزقة متعرجة فيها منحدرات حادة وجد صعوبة في صعودها ثانية عند العودة إلى منطقة تقسيم، فيما كان رأسه مثقلاً بالأفكار التي تحلق في مخيلته ، كما تحلق أكداس النحل على طبق من السكر، هذه الصورة الجميلة لا تفارق مخيلته أبداً  لواجهة أحد محلات بيع الحلويات في الشام.. لا أحد يستطيع منع النحل من الرحيق، ولكن تلك الأفكار كانت تستهدف التشويش واستبعاد أي محاولة للتركيز الذهني.

غط في نوم عميق، بعد أن انحدر بتفكيره نحو الغد الذي يحفه المجهول.. وحين استيقظ عند الساعة الثامنة صباحاً انتعش بحمام دافيء ارتدى ملابسه بعد ان تطلع من النافذة ليرى الشمس تسقط على حافات المبنى المقابل، فيما كانت أصوات المارة في الطريق تتعالى، تؤذن ليوم جديد.

***

د. جودت العاني

11 / 4 / 2024

هبطتْ من الحافلة قبلي، وقد ارتسمت على وجهها حيرة. ما. أعرفها تعاني بعض النسيان، لكنّها لاتنسى كلّ معالم المحلة فضلا عن أنها تتذكّر كثيرا من الوقائع والأحداث. سألتها أنا جارك.. بيتي يقابل بيتك هل يمكن أن أرافقك. ويبدو أنها ارتاحت لي.

كانت بيننا مجاملات الطريق أو رفقة الحافلة لكني عرفت عنها الشئ الكثير خلال الستة الأشهر الأخيرة التي بدأت تعاني فيها من التشتت والنسيان.

في اللقاء الأول عرفت أنها قدمت إلى بريطانيا في ستينيات القرن الماضي.. تزوجت هنا في هذه المحلة واشتغلت في معمل للأزرار. كان مظهرها أنيقا.. قد تغير فساتينها بل يظلّ كل فستان يزهو بصف أزرار متناسق طويل.. وفي اللقاء الثاني راحت تتذمر من حفيدها ابن ابنتها. تقول إنه سرقها فأخبرت البوليس. مهما يكن المال عزيز. لو طلب منّي مالا لما منعته عنه.. أمّا ابنها الأكبر فيأتي مثل الضيف.. زوجته الإنكليزية ألطف منه.. بعض الأحيان تساعدها والطامة الكبرى هي ابنتها الوسطى التي تنتظر موتها لتأخذ حصّتها من البيت وترحل مع عائلتها إلى استراليا..

أووه استراليا.. سأكون قاسية معهم.. سأكتب في وصيتي أن ابنتي الكبرى هي وريثتي الوحيدة.. على الرغم من مشاغلها تأتي كل أسبوع تنظف البيت وتدخلني الحمام..

كنت أرى بالمصادفة وقت الصباح والمساء نساء يأتين إليها بعضهن يرتدين ملابس العمل، نعم رأيت بعض السمراوات فأدركت أنهن بناتها .. يأتين يأكلن ويشربن.. يشاهدن التلفاز. ويجعلن صغارهن يعبثن بالبيت فيصبح مليئا بالأزبال.. مع ذلك لم تنطبع بذهني الوجوه مثلما لم تنطبع بذهني الأسماء التي ذكرتها السيدة جارتي التي تسكن البيت ذا الرقم2

- ها نحن وصلنا

- أشكرك جدا وآمل أن تقبل أن تصبح شاهدا في الوصية سيكون معك السيد جون من البلدية والمحامي سأفجئ هؤلاء الطماعين ليعرفوا البيت لابنتي الكبرى.

لامانع عندي.

ودعتها، وقد أملت أن تتصل بي بعد أن ترتب لقاء مع المحامي وعضو البلدية، كان كل شئ واضحا وغامضا لي، سيدة عانت الكثير في تربية أبنائها فهجروها واحدا بعد الآخر.. ثمّ بقيت تعيش على الذكريات بعد وفاة زوجها.. أنا نفسي سكنت المحلة تلك قبل عشر سنين رأيت بعض من رحل وسكانا جددا قدموا ولم أدرك سرّ جارتي الجامايكية إلا قبل بضعة أيام..

وقد مرّ أكثر من أسبوع على لقائي الأخير بالسيدة الجارة.. لم أر العاملات من مكتب الرعاية يطرقن بابها. ولم أبصر أيّا من بناتها أو ابنها وزوجته الإنكايزية.. تيقنت أن ابنتها الكبرى أو إحدى بناتها دعتها إلى بيتها أو أن أبناءها وأحفادها صحبوها معهم في سفرة إلى الكاريبي

هناك احتمال أن يتغير الناس

الحياة لاتجري على نسق واحد كما نظنها

كنت أهيؤ نفسي للخروج حين رن جرس الباب، فطالعني وجه السيد جون عضو البلدية، وهو يسلمني بطاقة نعي السيدة شيرينا جارتي الساكنة البيت رقم 2

سألته مستغربا:

هل فاتحتك بموضوع الوصية مثلي وكونك شاهدا معي في أن ابتها الكبرى هي وريثتها.

أووه ليتقدس الرب السيدة شيرينا ليس لها أبناء..

كنت أتطلع في بطاقة النعي والدعوة، وأردد عبارة السيد جون: لتتقدس روحها هي الآن مع المسيح في السماء فقد حررني موتها السريع من أن أصبح شاهدا على حرمان أناس غير موجودين في الواقع.

***

د. قصي الشيخ عسكر

امطري

امطري

ايتها الغيمة العراقية

المشتهاة

امطري

مطرا غزيرا

على ضفاف

انهاري

وعلى

ضفاف

احلامي

امطري

امطري

فالجدب

قد وصل

حد الغضب

حد الحزن

حد الانهيار

فامطري

امطري

ايتها

الغيمة العراقية

وامنحي

الارض

العطر الزكي

ونسغ

البقاء

***

سالم الياس مدالو

 

ثُــعَــلُ  الــذِّئَــابِ تــغَــيَّرَتْ أشْــكَالُهَا

كـــي  تُــخْــفِيَ الأَذيـــالَ بِــالــبَدْلَاتِ

*

سَرَقَتْ رَغِيفَ الْخُبْزِ فِي رَأْدِ الضُّحَى

حَــتَّى أصَــيْصَ الْــوَرْدِ فِي الشُّرُفَاتِ

*

وَالْآنَ تُــــغْــدِقُ بِــالْــوُعُــودِ لَــعَــلَّهَا

تَــلْــقَى الْــقَــبُولَ وذاكَ مــن هــيهاتِ

*

وَلِــكَــيْ تُــكَفِّرَ عَــنْ صَــقِيعِ شِــتَائِهَا

رَاحَـــتْ  تُــبَــشِّرُ  بِــالــرَّبِيعِ الآتِـــي

*

وَالــغَــدْرُ يَــبْدُو فِــي بَــرِيقِ عُــيُونِهَا

وَتَــكَــادُ تُــخْــفِي الــشَّــرَّ بِــالبَسَمَاتِ

*

أَتُــصَــدِّقُ الأَغْــنَــامُ ذِئْــبًــا مَــاكِــرًا

أَكَـــلَ  الــخِــرَافَ وَرَاودَ الــنَّــعجَاتِ

*

أَمْ  أَنَّ  ذَاكِــــرَةَ الــقَــطِيعِ ضَــعِــيفَةٌ

تَــنْــسَى الأَسَــى وَتُــكَرِّرُ الــخَطوَاتِ

*

أَمَّـــا  الــذِّئَــابُ  فَـــلَا تُــغَيِّرُ طَــبْعَهَا

فــالــشَــرُّ  يَــجــثِمُ  داخـــلَ الــنّــيَّاتِ

*

مــهــما  تُـــرَدِّدْ  مـــن كـــلامٍ نــاعمٍ

لَـــنْ  تَــخْــدَعَ الْــعُــقَلَاءَ بِــالْخُطْبَاتِ

*

ســيــظلُّ ذيــلُ الــكلبِ مُــعْوَجًّا ولــو

أَبْــقَــيْــتَهُ  فــــي قَــــالِــبٍ ســنــواتِ

*

عــبــد الــناصر عــلــيوي الــعــبيدي

أنا نهارٌ صغيرٌ

وصورةُ هذا الظلام أنتَ

أينما أسكبُ شمسَ حبي

يجفِّفها قطارُ الماضي

*

أنا شارعٌ أخضر

وصورةُ هذي الحواجز الجرداء  أنتَ

*

أنا شكٌ يمشي على قدمين

وصورةُ هذا اليقين الصخري أنتَ

*

أنا ربيعٌ يفكّرُ

وصورةُ  عصا الشتاء أنتَ

*

أرشقُ صخرةً التاريخ

بسيولِ  الصواب

فلا تتزحزحُ عن جادَّتك قيدَ فراشة

أمدُّ جسراً بين صورتكَ المعلقةِ في جدارِ عمري وبين صورِ من  قيَّدوني بالسلاسل في صحراء العاصفة

تذكَّرني  بمن طردوني من المدرسة لأنني كنت يسارياً

أشبّهكَ برعبي من الخطوةِ المقبلة

كلما صهرْتُ ماضيَّ  كله في بودقةٍ، لأطلقها حمامةَ

حاضري، تجمع تلُّ الرمادِ وسدَّ منافذي

*

قصصُ عشقي مبثوثةٌ في ثناياك

لرشق كآبتك بأغصانِ الوجد

أحببتُ.. لأقارعَ سأمي

من تكرارِ دوراتكَ

أحببتُ... لأروي ظمئي

من صحارى أيامكَ

*

كلُّ كلماتي تحاولُ النيل من ساديَّتكَ

لذا تقولُ لي

في الشعر تُجلد بسياط أخطائكَ

بل أخطاؤكَ

صورُ ظلامكَ

وجوهُ طغاتكَ

سفالةُ  حروبكَ

همجيةُ مرتزقتكَ

زورُ مؤرخيكَ

كلُّ هذي الدماءِ في الدروب أنتَ

كلُّ هذا التراشقِ بالشعر مع سوءاتكَ

كلُّ هذي اللامبالاة

لمراراتكَ المكدَّسةَ منذ زمن زنيم

فأقولُ أيها الماضي

قبرُك يتشرب رئتيّ

لذا لا أستنشقُ الخسارات

في محاولةٍ  للسخريةِ من جهامتكَ

للتشفي من أن أيامكَ ستغدو قبوراً

للقولِ إنني أنبعثُ منها كلَّ يوم .

***

شعر: باقر صاحب

شاعر وكاتب عراقي

 

بعضُ العارِ عَورةٌ

والعارُ عندَ البَعضِ

نَظيرُ فضيلةٍ

ومتاهاتُ الخياراتِ

تَصعُبُ عندَ القَرارِ

فأين المَفرُّ؟

صبراً زَنوبيا

تكالبَ على أسوارِكِ الرُّومُ

وهتَكتْ حجابُ المَعبدِ

خَفافيشٌ وغُربانٌ

أرملةٌ تُقارعُ الرِّجالَ

غير هياَّبةٍ

تَلبَسَ ثيابَ الرِّجالِ

حين يَندرُ الرِّجالُ

وعلى ظَهرِ فَرسٍ

تُثبِتُ الزَّباءُ

كيف الخُيولُ

للخيَّالِ تنصاعُ

حروبٌ تُنجبُ لُقطاءَ

وذئاباً في العَتمةِ

والنَّصرُ جَماجِمٌ

والغنائِم ُبارودٌ وقبورٌ

الأصفادُ من ذَهبٍ

والحُرَّة من القيودِ تأنَفُ

ورائحةَ الزَّنازينِ

لا تَستَسيغُ

هل كان سماً ما تَجرَّعتهُ الزَّباءُ؟

أم لَونُ الخَديعةِ

ذاك الَّذي طَغى

على شَذى جِيفِ الخيانةِ

وشُذّاذِ الأفاقِ؟

تبتسمُ مَلِكةُ الشَّرقِ

فيعلو وجهَ أورليان

الاصفرارُ

بِرِفقةِ وهبِ الَّلاتِ

أُذينة يفتحُ ذراعيه

في النَّفقِ الطَّويلِ وينتظرُ

أطلالُ تدَمُرتا الخَاويةِ

تُنعشُ كُتبَ التَّاريخِ الهَشَّةِ

ماتَت نامَت عاشَت

زنوبيا

وهل تموتُ الأساطيرُ؟

بين الموتِ والموتِ

تختارُ الموتَ

فيصيرُ الموتُ حياةً

بِحُرقةٍ بَكت بالميرا تاجَها

من يمسحُ دمعةَ أيتامِها

ومن يَرتُقُ مِزَقَ ثَوبِها

ومن يُضمِّدُ جِراحَ ذاكِرتها

مثل قُطَّاعِ طُرُقٍ حَضَروا

نهبوا وأحرقوا

ذبحوا ودمروا

حتَّى الحِجارة لم يرحموا

المعابِدُ ثَكَالى

وبِلْ يُرثي

تماثيلَ أضحَت في متاحِفهم أسرى

في جحافل وحشودٍ قدموا

على مُحياهم ابتساماتٌ

وخلف ظهورِهم مجانيقُ وسيوفٌ

من كُلِّ بقاعِ الأرضِ

ذاتَ يومٍ جاؤوا

لتأديبِ اِمرأةٍ

أغضبت رُجولتَهم الزَّائفةِ

حينما رَغبِت أن تكونَ حُرةً

***

جورج عازار - ستوكهولم السويد

....................

هوامش:

 زنوبيا أو الزباء: اسم ملكة مملكة تدمر السورية القديمة

أذينة الثاني: اسم زوج زنوبيا الَّذي خلفته على عَرش المملكة بعدما قتله الرومان

وهب اللات: ابن زنوبيا والذي تولت امه الحكم نيابة عنه كوصيَّةٍ عليه ومات طفلاً قبل اجتياح الرومان لتدمر وانهائهم لحكم زنوبيا

أورليان: إمبراطور روما الذي حارب زنوبيا وقضى على حكمها

بالميرا وتدمرتا: أسماء لمملكة تدمر-

 بِل: معبد في تدمر

 

الإهداء: إلى أبطال ثورة نوفمبر الخالدة، الذين استرجعوا حريّة الجزائر واستقلالها في 5 جويلية 1962 م، رحم الله الشهداء وجزى المجاهدين.

***

فجأة وجد عبد العال نفسه محاصرا وسط زحمة من رجال الشرطة المدججين بالسلاح والكلاب، وراحوا يطبقون عليه وعيونهم تقذف من أغوارها حمم الحقد بشراهة لا مثيل لها.

انتصب عبد العال، كأن رجليه انغرستا في الأرض أو انفلتتا منه، ارتعدت فرائصه وطوقه الرعب، اشتعلت أعماقه قشعريرة نضح لها جسده عرقا مثلجا.

انقضوا عليه مثلما تنقض الصقور على صيد ثمين، انهالوا عليه ضربا على كامل أقاليم جسده دون تمييز ثم دفعوه بفوهات بنادقهم وأنياب كلابهم نحو الحائط.

قال عبد العال وقد صدمه الحائط:

- لماذا توقفونني؟

- لماذا تعاملونني هكذا؟

و لم يجبه أحد هذه المرة كذلك، فراح يجتر سؤاله وحزنه، بينما الأيدي الظالمة تفتشه من أعلاه إلى أسفله.

وبعد برهة زمنية صرخ بأعلى صوته:

- هذا ظلم، ها، ذا.

قمع شرطي صرخته بضربة على رقبته وردد بنبرة فظة:

- اصمت ولا تثير الشغب، يا مخرّب، يا قذر..

وبعد لحظات قذفوا به في سيارة عسكرية وانطلقت بسرعة جنونية نحو مركز التحقيق.

في اليوم الأول قال له أحد المحققين:

- هل تعرف حانة السيد برجي؟

- أعرفها..

- وكنت ترتادها باستمرار..

- أبدا لم يحصل هذا. ديننا حرّم علينا شرب الخمور.

- ولماذا كنت تمر عليها صباح مساء؟

- هو طريقي منذ ولدت..

- بل كان بمقدورك أن تسلك طريقا غيرها.

- لم أفكر لحظة في تغيير طريق أبي وجدي.

- إذن كنت تترصدها , ولهذا السبب أدمنت المرور بجانبها كل يوم حسب تقاريرنا السرية.

ولم يجب هذه النوبة نكاية فيه.

- ثم قمت بتفجيرها. أليس كذلك؟؟

- ردد عبد العال في نفسه مبتهجا:

- الحمد لله، نجحت العملية. آه إنها البداية، لا تتعجل يا جلادي، سنقتلكم مثلما تُقتل الكلابُ المسعورة..

ثم أردف بصوت جهوري:

- لست أنا.

- كل الشهود يقولون ويصرون على أنك واضعها.

- لأنهم أعدائي.

- اعترف. لا تحاول الإنكار.

- لست أنا.

- يظهر لي أنك لا تحب الحياة.

- أجل لا أحبّها إذا لم كان فيها ذل وهوان.

- والمال؟

- فداء للوطن.

- إذن اعترف.

- اعترف أنت أولا بأنك سرقت من شعبي حريته وماله ودنست أرضه.

- أنت إرهابي خارج عن القانون.

- وأنت القاتل المغتصب، القادم من وراء البحر.

أمطروه ضربا حتى تورم جسده وهو غير عابئ بهم بتاتا بل راح يبتسم بسخرية لا مثيل لها مما ألهب حقدهم وغضبهم. أغرقوا رأسه في ماء نتن حتى اختنق وفقد وعيه.كرروا العملية عدة مرات علهم يشفون غليلهم.لكن عبد العال اعتصم بالصبر ولم تلن قناته قط. ولما يئسوا سحبوه مقيّد القدمين، مغلول اليدين إلى زنزانة يسكنها الغثيان والظلمة.

و في اليوم الثاني رموه في قاعة التحقيق المجهزة بوسائل التعذيب بكل عناية. جاءه محقق آخر.

- مازلت شابا يا عبد العال. المستقبل أمامك.

-..............

الاعتراف فضيلة وشهامة.

".............."

- لقد أزهقت القنبلة أرواحا بريئة..

- هذا ما كنت ارمي إليه أيها الغازي.

كذلك ردد في دخيلته وقد غمرته نشوة طفولية عارمة.

- قتل الآخرين جريمة يعاقب عليها الرب.

- هه، صار المجرم قديسا.

كذلك ردد في أعماقه بامتعاض وتعجب.

- دينكم يحرم عليكم قتل الآخرين. أليس كذلك يا عبد العال؟

ردد بصمت وهو يحملق في عينيه:

- بل يأمرنا بقتل المعتدي , الغاصب.

- لماذا تنظر إلي هكذا؟.

-.............

- لماذا لا تجيب؟

-...................

- لا تثر أعصابي أيها الوغد.

- بل انفجر أو اغرز أسنانك في شفتيك.

كذلك قال في دخيلته بتلذذ واستهزاء

- لماذا لا تجيب عن أسئلتي؟

و بصمت رهيب ردد عبد العال في أغوار نفسه:

- لأنني أكرهك أيها الجلاد. سلبت حرية شعبي باسم تعاليم الإفك والزيف والجبروت.

و انتفض المحقق , كأن صاعقة وقعت على رأسه على حين غفلة. هزه من كتفيه بقوة وقسوة وراح يصرخ فيه حتى كاد أن يزلزل القاعة.

- تكلم، أجب عن أسئلتي، لا تصمت، قل أي شيء. هل تسمعني؟.... آه، ستدفع ثمن صمتك هذا أيها الجرذ.

وأمسك به ثلاثة جلادين، علقوه من رجليه كشاة يهم صاحبها بسلخها، ثم بدأوا يسيمونه ألوان العذاب كأنهم أصيبوا بجنون جارف.

أوصلوا سلكا كهربائيا بلسانه، ثم راحوا ينزعون أظافره وهو يصرخ ويتأوه.

في اليوم الثالث أخرجوه كعادتهم إلى قاعة التعذيب. تحلقوا حوله كالذئاب المسعورة. عيونهم تنهشه، يودون لو يقطعوه فتاتا أو يغيبون أسنانهم وأظافرهم في أعماق جسده المسكون بعشق الوطن المطوق بالأغلال. تذكر عبد العال صيحة جده وهو يسحب من رجليه نحو احد الجلادين:

- لا حياة لمن لا أرض له يا بني.

قال له الجلاد وهو يتوعده:

- هذه فرصتك الأخيرة يا عبد العال.

فرد عبد العال مختالا:

- لتكن آخر ثانية من عمري.

- أنت تدفع نفسك للهلاك دون مقابل.

- لتحيا الجزائر.

- المقصلة في انتظارك.

- الوطن في حاجة إلى دماء كي يطهر من دنسكم وافترائكم.

- وأولادك من يرعاهم؟

- يرعاهم الذي خلقهم وخلقني وخلقك.

- سنقتلهم جميعا ونحرقهم

- لتحيا الجزائر.

- أنت مجنون.

-  بحب الجزائر.

و التهب غضب الجلاد، كاد يخرج من جلده، صرخ وهو يزبد و يدور كالمجنون:

- هيا، اجعلوه عبرة لقطاع الطرق.

- سنقطع دابركم أيها المجرمون.

كذلك ردد عبد العال في دخيلته.

هجموا عليه كالذباب الأزرق. ورموه في زنزانة منفردة، مظلمة.

في اليوم الرابع ساقوه إلى المقصلة. كانت الشهادة القادمة تؤجج فرحه. صليل أغلاله موسيقي تملأ الجدران الخرساء فتوقظ الروح. كان يمشي الهوينى، ازداد تألقا كأنه البدر، طفت ابتسامة على شفتيه فأصابت عيون جلاديه، توهج جنونهم. قال لهم:

- فكّوا أغلالي، دعوني ارتقي سريعا إلى المقصلة دون قيود.

اقترب نحو المقصلة باختيال كعريس في ليلة زفافه.

قرأ بهمس:

(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون)

حملق في عيون جلاديه، توعّدهم، ابتسم بسخرية. فانفجر جنونهم وانطلق صوت المقصلة زغرودة سكنت الفضاء العميق.

{تمــــــت}

***

قصّة قصيرة بقلم:

علي فضيل العربي - روائي وناقد / الجزائر

كم اتمنى لو كنت شاعرا

مثل صديقي راعي الغنم

او أخي ماسح احذية

أو جاري ذلك البهلواني

الذي يرتدي طاقية اخفاء

كلما انسدلت خيوط الليل

وراء قضبان الزنازين الاسمنتية

*

في متاهات الهذيان

لماذا يحاصرني الشعر في كل مكان

كتبت الكثير

عن الطائرات الورقية

التي لم تسقط سهوا

ولم افكر يوما في نشرها

وحاولت اخراج لؤلؤة

من محارات  المحيطات المنسية

وما زلت لا اجد ما أقوله أكثر

*

كل شيء انتهى

شعب يطرق الابواب المؤصدة

ووطن جريح يحتاج الى ضمادة

ورسم كريكاتوري حنظلي

على جدران زنزانة

يحرسها سرب ضخم

من حشرات الخنافس الادمية

*

ما هي الا صدفة ليس أكثر

مما زادني الامر فضولا

فلن أقول لا

لكنني لن أقول نعم أيضا

ولم أفعل ولن أفعل

كما فعل الملدوغ من الجحر

مليون مرة

*

كل الشعراء الذي حضرت امسياتهم

يصطادون  الكافيار

من بحر قزوين

ويدخنون سيجارتهم المفضلة

المصنوعة في هافانا

شيوعيون اكثر من الكوبيين

ومن آن لأخر

وبعد الثمالة القاتلة

يسكبون دمعة حزينة

على فلسطين المنكوبة

كأن شيئا لم يحصل

***

بن يونس ماجن

اضاعني الطريقَ وانكرتني الايام

مأخوذاً بكِ اغلى الحسان

تغادرينني

وتغادر ربيعها الاغصان

تجف في ينابيعها الأنهار

تذبل شقائق النعمان

-2-

تتدافع اعماقي

امواج بحرٍ صاخب

تضرب حافات روحي الضامئة

يتشربني صخبها

اقرأ احزاني فراشاتٍ

في الافقِ الممتدِ امامي

- 3-

حين وضعت رأسي على الوسادة

أمطرتني عيونك الحالمات

ساعات طويلة من الأرق اللذيذ

اقتطعها مني نور النافذة

فلملمتُ أشتاتي

وأسلمتُ روحي للضياع

مطلع الصباح

- 4-

وحيدٌ

اشرب كؤوساً مترعةً بالأمنيات

اقرأ وجه حسناء

يسكن عينيها فيضُ العشق

وتوّردُ وجنتيها حباتُ الرمان

يرتوي نهداها رذاذاً

من غيث الغمام

- 5-

يدنو الخريف الاجردُ مني

تهرب أمامي الفنارات

اغرق في لجج الصمت

تغتالني تكسرات القمر

الباكي على وجه الماء

-6-

يأكلني شوقي

يملأني ضمأي

غريبٌ امشي في متاهة ألم

وحيدٌ في تيه الزمن

***

علي محمد اليوسف

حجب الغبار

وانزوى

خلف فائض

الرغبات

وبنى جدارا  بنفسجيا

ومضى

2 –

انهكته المسارات

وانهكه الدوران

في الافق المنسي

وعند تخوم

المستحيل

سال النجم

عن بنفسجات

المصير

فحالفه الحظ

ومضى في

خط مستقيم

3 –

رات في منامها

شواهينا

عقبانا

وبزاتا

تنهش لحم

اليمام

وحين الصبح

صرخت صرخت

ماكل هذا

الالم

ومن ثم مضت مضت

وفي قلبها

حزمة من

نجوم الامنيات

وفي حقل اناها

زرعت بنفسجا

اقحوانا

وشجرا .

***

سالم الياس مدالو

 

الشاب الهزيل الذي أرسلوه قبل يومين ليحفر خندقا أمام بيتي، يهوي دون انقطاع على كتل إسمنت الرصيف فيحطمها تحطيما. أزال الطوق الإسمنتي الخانق المحدق بالشجرة عندما بلغها الحفر؛ الشجرة إياها التي حذرني جاري أكثر من مرة  من زرعها قرب الحائط قائلا :

- إياك أن تزرع الشجرة حذو الحائط، فجذورها قوية وسميكة وستهز الأسس وتصدع الجدران..

لكنني زرعتها رغم تحذيراته.. وجعلتها تتوسط مربعا ترابيا صغيرا سيجته بقطع من الآجر ليتيح لماء المطر أن  يتجمع فيه ويتسرب لأعماق الشجرة  مغذيا جذورها.. جذورها التي ستمدها عميقا تحت الأرض، عندما تبلغ درجة من القوة لتهز أسس المنزل وتصدع جدرانه.

 ثم مرت سنوات، وغلبتني حالة من اللامبالاة  حيالها.. كرهت الشجرة وكرهت الظل الثقيل الكئيب الذي تلقيه طوال الوقت على واجهة المنزل وما يحتشد داخلها من ناموس وبعوض، فأزلت المربع الترابي الذي يتوسطه جذعها  بعد أن تحول إلى حوض لتجمع الفضلات ونوم القطط تحت الشمس، وملئت المساحة كلها إسمنتا.. إسمنتا يمسك بخناق الجذع ويحرمه الهواء والماء، باحثا من وراء ذلك كله عن موتة سريعة لها.

 رغم ذلك استمرت الشجرة حية مخضرة أغلب أوقات العام.. بظلها الوارف الذي تلقيه على الفناء الأمامي  للمنزل، لا تبالي هي الأخرى بتدابيري الشريرة حيالها.

مضى الشاب يهوي بمطرقته الحديدية الضخمة على طول الخط المرسوم لمسار الخندق.. والعرق الغزير ينز من جسده، حتى بلغ المربع الترابي الذي بلطته إسمنتا ففتّته كله وأعاده ترابا.. ثم مضى يحفر عميقا  حتى بلغ جذور الشجرة فقطعها ومزقها إربا إربا.. كانت شبكة من السيور والشرائط النحيلة  المتداخلة . لم ينجح في مسعاه لتفادي قطعها بالحفر بجوارها، كانت تعترض طريقه رأسا.. فلم يجد مفرا من قطعها، وما كان بوسعه غير أن يفعل ذلك، والعقوبة كانت تترصده من مشغله الذي بعثه لحفر الخندق  لو حاد شبرا واحدا عن الخط المحدد له ليتفادى قطع الجذور، ولم يعثر بينها على جذر واحد يمضي تحت الأسس أو قريبا منها.. كانت كلها تذهب بعيدا تحت الأرض.. بعيدا نحو الفضاء المفتوح بحثا عن الماء والهواء اللذان حرمها منهما اختناقها بالإسمنت

في لحظة أحياها.. بأن حررها من الطوق الخانق، وفي اللحظة التالية قتلها.. بأن مزق شرايينها..

- سنعيد لها المربع الترابي حيث كان يتوسط الجذع.. لتتغذى مجددا بالماء وتستنشق الهواء.. بعد أن تأكدنا أن لا خطر يأتي منها يهدد الأسس.. قال جاري بعد أن أتم الشاب الهزيل مد الأسلاك وردم الخندق منهيا عمله.

جاري المتوجس من خطر الجذور المتمددة على استقرار الحائط وسلامة الأسس لم ير المجزرة التي ارتكبها فأس الشاب الهزيل بحقها وأنا بدوري أغمضت عينيّ ولم ارد أن أراها..

أزال عنها طوق الإسمنت ولم ير ما فعلت يداه بالشرايين.. وبينما كنا نعيد تهيئة المساحة الترابية المحيطة بالجذع ونرويها بالماء، كانت يد جاري تحرك التربة الطرية التي خالطتها كتل صلبة من حطام الإسمنت المفتت بعود أخضر طري كثير الليونة والتثني

كان واحدا من جذور الشجرة التي قطعتها الفأس؛ الفأس ذاتها التي حررتها من الإختناق..

***

قصة قصيرة

عادل الحامدي - كاتب من تونس

شبحٌ يتخطى في ظلمةِ

ليلٍ دامسْ،

في الغرفةِ

في الممشى

يتأرجحُ ظلٌ، فوق الحيطانْ ..

ويمضي مهموماً فوقَ رمال الشطآنْ ..

**

تسائلَ، ماذا تفعلُ في هذا الليلْ ؟

هنا، تتمشى الغيلانْ،

فلماذا تهرعُ، تخطو سريعاً

نحوَ الساحلِ،

مسكونٌ بالصمتِ

على إيقاع الموج الغارق في الهذيانْ ..؟

**

سادَ الصمتُ

وكاد الوهمُ

يبتلعُ الغرفة والممشى

ويكتسحُ المدن المنسيهْ..

**

تسائلَ في ظلِ النور المتأرجح

في رأسِ صغيرٍ يتمزقْ

ما بينَ الحب وسخف الأقدارْ ..

ماذا تفعلُ هنا، قل لي يا هذا ؟

ولماذا تغرقُ في الصمتِ

ولماذا تشطرُ نفسكَ نصفينْ ..؟

نصفٌ، يأكله الصمت القاتل

والنصفُ الآخر لا يسكت في وجهِ الموتْ..!!

فأنا أعرفُ خطوي

وإلى أينَ تسيرُ خطاي

وأعرفُ معنى العتمة

والظلمةِ في آخرِ سيري

لكني، لنْ استسلم

بلْ أرسمْ معنى لمحاكاتي ..

لا اكسرُ فيها آنية الزهرِ ولا مشكاتي ..

حيثُ الحب وطقوسُ علاماتي ..

**

منْ أنتَ يا ...... ؟

أنا نصفك يا من حَلَقْتَ بعيداً بين الغيماتْ..

وتَحَلَقْتَ حولَ زهور الحقل

تحاورُ جمع النحل

وتنثرُ للحبِ سُحاباتْ..؟

**

تركتكَ رياحُ الدهرِ

تتخطى في منعطفينِ

تُرْبِكُ اقدامكَ عندَ السيرِ،

عندَ تخوم المجهول

ما بينَ رحيلٍ قد عطل مشواركْ ..

وبينَ غياب الهمسة

واللمسة في محرابكْ ..

فضاعتْ اقدامك بينَ رحيلٍ لا رجعة فيه

وبينَ غيابٍ لمْ يترك للحب صدى

ولمْ يخلقْ في الكون مدى

سوى، ألآم السير على الحصباءْ ..

وفوقَ سرير الحب الغارق في الفحشاءْ ..

سألوه، ماذا تفعل في عتمةِ هذا الليلْ ..؟

فاجابَ .. أراقبُ، رؤوس الموتى تمرُ أمامي

تتكسرُ فوقَ الجدران سهامي

وأراقبُ رقص الغيلانْ ..

فوقَ سرير الحب ونهش الأوطانْ ..!!

***

د. جودت العاني

02 / 02 / 2023

المقطع

هـــــذا العـــــراقُ فسجّلْ أيّها الزمـــنُ

حـــــــرٌّ أبـــيٌّ وإنَّ الحـــــرَّ مُمْتَحـــنُ

*

مثلَ الجبــــالِ رسوخاً  لا تحرّكـــــها

ريــــــحٌ إذا عصفـتْ يوماً بــهِ المحنُ

*

أولى الحضارات مِن نهريهِ قد رُويتْ

مِنْ سِحرها الكون حتّى اليـــوم مُفتَتنُ

*

الأبجديّـــــةُ لـــمْ تُوجدْ فأوجــــــــدها

فعلّــمَ الناسَ كيــــفَ العلمُ يُختـــــزنُ

*

لا لسـتُ أنســــاهُ مهما عشتُ مغتربا

فيـــهِ وِلدتُ ويكفــــي إنّــــهُ الوطــنُ

...................

....................

القصيدة

يا كوكبــا ً فـــي سمــاءِ الشـرقِ يأتلـقُ

هــذا حنينــيَ مثـــــل السيــلِ يندفـــق ُ

*

لا ما نسيتُــك َ مهما طـالَ بِــي ســــفرٌ

الحــبُّ يكبــرُ فينـــا حيـن َ نفتـــــرقُ

*

إنّــي جعلتُك َ وِرْدي غيرَ مُكتــــــرث ٍ

بمــا يصــــوّرُ شكّـــــاك ٌ ومُتّثــــــقُ

*

شــــوقي كبيـــرٌ كبحرٍ لا حـــدودَ لــهُ

فهــــلْ يُترجـــمُ عنــه الحِبْر ُوالوَرَقُ

*

أنتَ الحبيــبُ الذي في الروحِ مَسْكنــهُ

ورسْمُـــهُ بشَغــافِ القلْبِ مُلتصـِـــقُ

*

أنتَ العراقُ الذي أحببتُهُ وطنـــــــــا ً

شــوقي إليكَ لهيــبٌ والهوى حَـــرَقُ

*

روحــي تحنُّ إلـــى لقيــاك َ ظامئــة ً

مثل الصحارى وتدري أنّـــك َ الغَدَقُ

*

مِنْ عودِ زريابَ أذكـــى شوقها نَغَـمٌ

كالبرقِ فـــي مُدلهــمّ الغيمِ ينبثـــــــقُ

*

إنّــي أحبــــّك َ بعْــدَ اللهِ يا وطــــني

كما أحبّك َ أجــــدادي الألــى سَبقــوا

*

إنّـــي أحبّكَ حتّــــى لوْ تنكّــرَ لِــــي

أهْلــــــي وأغلقَ بابا ً مَـنْ بـهِ أثـــــقُ

*

يــا سِحْر َ بابلَ حـــارَ الساحرونَ بِما

تُوحــــي رُقاك َ وأعيا سَعْيَهــم رَهَقُ

*

أنتَ العراقُ عصــيّ ٌ فِي تمنّعـــــــه ِ

فمـــا يهزّكَ إرهــــابٌ ولا حَنَـــــــقُ

*

بغــدادُ مسقط ُ رأســـي حينَ أذكرُهـا

ينتابــني الوجْدُ مثل المــوجِ يصطفقُ

*

أحسّـــها مثلما بالأمْـــسِ فاتنــــــــة  ً

كنـجمةِ الصبـــحِ كالألماس ِ تأتلــــقُ

*

ظلّتْ برغـــمِ تحدّي الدهــر ثابتـــة ً

يختــالُ فــي كبرياء ٍ فرْعُـهُا السَمِـقُ

*

مِنْ جـانبِ الكرْخِ حَـيّـتْ بابتسامتها

وفي الرصافة ِ ألقـتْ سحْرها الحَـدَقُ

*

حبيبتــي أنتِ يا بغـدادُ مِـنْ صِغـَري

ريحانتي أنتِ، مِسكْي ، ورْديَ العَبِقُ

*

ذوّبتُ فيكِ شراييـني التـي رَفَضــتْ

أنْ تؤْثـــرَ الثلجَ والنيــــــرانُ تسْتبـقُ

*

لأنّهـا النفْسُ إنْ لمْ تحترقْ صَــدِأتْ

وإنّــــــهُ القلبُ يحيـــا حينَ يحتـــرقُ

*

الحبّ في القلبِ يا بغــدادُ موطنُــــهُ

لا فـي الدعاوى التي تُرْوى وَتُـعْتنـقُ

*

الحبّ ما كانَ كسْبـــا ً أوْ مُتاجــــرة ً

لا يستـوي في القياسِ الحبُّ والنـَــزَقُ

*

غنّي مواويلَ عشقي، أرجعي فَرَحا ً

أضـــاعَهُ مُنذُ أنْ فارقْتــــُك ِ القلَـــقُ

*

رُدّي إليّ سمــاء َ الأمـسِ مُشرقــة ً

فمُنــذُ أن غبْـت ِ عنّــي أظلـم َ الأفقُ

*

وحرّري من إسارِ الصمتِ حُنجرتي

ففــي المهاجـرِ صوتي راحَ يختنتقُ

*

البحرُ ما عــادَ مأمونا ً فأشــرعتي

بلا حــراكٍ علــى أمواجــهِ مِــــزَقُ

*

الموج ُ يغمــرني مِن كلّ ناحـــية ٍ

مُـدّي شــراعكِ إنّي هالك ٌ غـَـــرِقُ

*

إنّـــي انا ذلكَ الهيمــانُ يُطــربــهُ

بيـتٌ إذا مـــا تغنّى الشــاعرُ الحَذِقُ

*

وزّعــتُ نفسـي في بيت ٍ وقافـية ٍ

فـراحَ يأكــلُ مِــنْ أعصابـيَ الورَقُ

*

في الليل ِ حينَ عيونُ الناسِ مُغمضة ٌ

تظلّ عينــــايَ يشــدو فيهمـا الأرَقُ

*

أغيبُ والنهـر في نجـوى تُسـامرها

نجوى النخيل ِ علـى الجرْفين ِيتّسقُ

*

أظلّ تحْت َ النجيمــات التي مَــلأتْ

سمـاك ِ بالزهو ِ كالقدّيسِ أحتـــرقُ

*

عُمْري هوى ً ومِن النيران ِ مركبتي

يطلّ  منــها إلــى عُمْق السمـا عُنُقُ

***

وجّهـتُ للنورِ وجْـهي واستعذتُ بـهِ

مِــن الظــلامِ وممّـا راح َ يختلــــقُ

*

وقلْت ُ لا ضيْرَ يا شمسَ السمـاءِ إذا

ما غبت ِ فالضوءُ في الأعماقِ مؤتلقُ

*

وصحْتُ بالشرّ إذْ هبّتْ عواصفــهُ

الحقّ دربــي وعنْــــهُ لســـتُ أنزلـِـقُ

*

أهْــلُ العراقِ نسيــجٌ واحــــدٌ أبــدا ً

مهمــا تعـــددتِ الأفكــارُ والطُــرُقُ

*

عاشوا معا ً مِنْ زمــأن ٍ أخوة ً لهم ُ

مِنْ مصدر ٍ واحـــد ٍ أصلٌ وَمُنْطلقُ

*

كلٌّ لـــهُ مـذْهـب ٌ لكنـّـــهُ أبــــــدا ً

لمذهبِ الحُبّ ، حُبّ الأرضِ مُعْتَنِقُ

*

لا يعرفُ الله َ في عليــا مكانتــــــه ِ

مَنْ لم ْ يَكـُنْ بتراب ِ الأرضِ يلتصقُ

*

نحنُ البلاد، وما يبني البلادَ سوى

روح التسامح والعقبى لِمَـنْ صَدقوا

*

حــبّ العراق ِ مع الأيّامِ يجمَعُنــا

ونحــنُ مهمــا اختلفنا سوف َ نتّفقُ

***

جميل حسين الساعدي

........................

شرح المفردات

الوِرْد: الجزء من القرآن يقوم به الإنسان كلّ ليلة أو الجزء من الليل يكون على الرجل أن يصلّيه، والمقصود في البيت ما يقوم به الإنسان من قراءة.

مُتّثق: واثق من الشئ .

الشّـغاف: غلاف القلب .

الحَرَق: النار ولهيبها.

اَلغَدَق: الماء الكثير.

زرياب: موسيقار ومطرب عاش فترة من حياته في بغداد في عصر الخليفة هارون الرشيد ثم انتقل الى الأندلس.

رُقى: جمع رُقْية: وهي أن يستعان للحصول على امرٍ بقوى تفوق القوى الطبيعية.

الرَهَق: حمل المرء على ما لا يطيقه.

الألماس: حجر شفاف شديد اللمعان .

السَمِق: الطويل.

الحَدَق: العيون

مِسْك: طِيب من دم الغزلان.

العَبِق: الذي تفوح منه رائحة الطيب.

الإسار: ما يقيّد به الأسير.

مِزَق:ممزّقة.

غَرِق: غريق.

 

في شساعة العالم الداخلي

أتفكر في مصير الروح

في اغترابها الجبلي

ونأمة ورقات عباد الشمس

في طرد القلق الفلسفي

بضحكة مريبة

أتفكر مثلي في الإنتحار

داخل شقة مهجورة

ملآى بالأشباح

والأصص المتشققة

أتفكر في قيامة الأموات

أتفكر في حركات النجوم والكواكب

أوركسترا النوارس على ذؤابة المراكب

أتفكر في قبر جميل

على طراز سلجوقي

لترقد مختومة بالأسرار

وهي ترتج مملوءة بسحر العالم

تملي هواجسها على الأزهار

مخلفة شريطا من الضوء

في الهواء

ضائعة في الملكوت

بجناحين من الذهب الخالص

تلك الفراشة الراقصة

كما لو تسر للأزهار بتغريبتها البكر

كلانا غامض وحزين

منهمك في موسيقى اللاشيء

عابر جزر الوقت

مرفودا بهشاشة وجنون لا يفترقان.

***

فتحي مهذب - تونس

 

في ظلال الأرجوان والأخضر،

حيث تتدلى السماء كقطعة قماش مزركشة،

أتنقل بين الأشجار، أنفاس الغاب تلفني،

أنا الكلمة المسافرة دون جناحين،

أغوص في الطبيعة البكر، أتخيل العوالم.

على ضفاف نهر الأحلام، الماء يعزف سيمفونية،

أشاهد الأسماك ترقص تحت السطح البرّاق،

الأزهار تنحني برقّة لقُبلات الندى،

أهمس بلغة لا تعرفها سوى الأعماق،

أنا الشاعرة، الساحرة، الفنانة.

الأوراق تتساقط كأنغام متناثرة من قيثارة عتيقة،

تغفو الأرض تحت وشاح الأمسيات الهادئة،

أتقاسم الصمت مع اللّيلك والعنادل،

أتنشق عبير الحضور، عطر الغياب،

أنا النبض، اللحن، الحياة.

السماء تبكي، دموعها سبائك فضية،

تغسل وجه العالم، تبريك للأرض العطشى،

أترك قدمي تغرق في طين الأزل،

أتحدى الزمان بنظرات تمتد للأبد،

أنت المعنى، الأثر، وأنا اللغز ، النهر الجاري.

كل شجرة هي قصيدة تنبت في صدر السماء،

كل ريح هي أنفاس الأساطير الخالدة،

أنا، سر الماء في مملكة الخضرة،

أغني مع العصافير، أصرخ مع العواصف،

أنت المد، فاترك لي الجزر،

أنت الشمس ،فدعني قمرًا ينعكس على بركة هادئة.

هكذا، في خطى رامبو أسير،

بين الطبيعة والقلم، أبحر، أغوص، أستمر،

أترك للمستقبل نصوصاً من عطر ومطر،

أنا الحلم، الوعي، الروح التي لا تستكين.

***

ريما آل كلزلي

 

من علٍ هويتٌ

فكان وقوعي ظريفاً

خفيفا،

لأني مذ ولدتٌ

يتجذر في ثقافتي

ـــ دوما ــ

أني جدّ قريب

من الأرضِ،

حتّى وقد طوانا العمر

لم يفت شيء بعد

فأنا على عهدٍ

كالجمرةِ في القبضِ،

تشهدُ تلك الشجرة

يا بنت العمِّ

أنِّي أكحّلُ طرفي بك،

وتنزاحُ عن كاهلي

جبالٌ

من الغمِّ،

ألا فاغدقي بعوْدٍ

يُحيي معاني وجْدنا القديمِ

إذ يطيرُ

مثل عصافير الضوء

ما بين جوانحي

كي يذكّرني

بتورًّد المشاهدِ

ممهِّدة

لبداية العرضِ،

أندلسي الهوى أنا

لا يكفّ تتيُّمى

عن اللومِ

فالشجرةُ،

تلك الشجرة التي...

منحتني لذة

ـــ حينها ــ

غداة وقعتُ وكان وقوعي

بردا

خفيفا

لمّا...

عبثا

رحت أحاول مداراة انبهاري

بسناك

أيا أنثى أتنفّس عطرها

في قصائدي

نحو الجنونِ

فأنتِ حلمي

وإن لم يتحقق

وأنتِ حياتي التي

فيها ألوانُ الآمال

تتدفق

تنسابُ كالزئبق

لأعيش ظامئا

ودوني

كؤوس العشق مقلوبة

شامتة

بروحي النقية

وهْي تزهق.

***

أحمد الشيخاوي

شاعر وناقد من المغرب

 

كثيرا ما كانت زوجتي تجلس بجانبي بالصالون وتتحدث إلي بشتى أمور لا أهمية لها، تستند على الأريكة بالقرب من مكتبي العريض المتواضع وقد أهملت ترتيب الأوراق التي تكدست عليه، وربما هكذا أحبذ أن أراها، مازلت أفتح الحاسوب لأكتب بعض المقاطع الأدبية لرواية ما بدأت فيها منذ مدة، لم تنشر ولست مستعجلا لنشرها لأني أعرف عزوف القراء عن الرواية العربية، وربما تنقلت بعد ساعة إلى مراجع التاريخ وأوراقي القديمة فأنسخ ملخصا من تاريخ معين لمنطقة معينة، أبات أدن وأنقح المسودة دون ملل أو كلل. في يوم جميل كنت مبتهجا وفرحا بحديث زوجتي وإذ بها تعيد علي موضوع قد همها واهتمت به منذ مدة، فقالت بعد أن صنعت خدعة طريفة وركبت حيلة ظريفة، والخوف بادي على محياها:

- متى تعيد تهيئة المطبخ كما وعدتني؟ صمت برهة ثم قلت:

- وهل يوجد المال الكافي لنغير ما به من أجهزة ونعيد تجديد الحيطان بالدهن وتبديل خزف الحائط وربما رخام طاولة الطبخ؟ الأمر مكلف وشاق، أنظري إلى الطباخة والثلاجة وإلى الأواني كيف صارت قديمة ومتهرئة، أم تنصحين بتركها لنغيرها في وقت لاحق. هنا ثارت ثائرة زوجتي وبدأت بالصراخ والعتاب، وقالت:

- أفعل مثل الرجال واستلف من أصحابك الذين استلفوا منك أيام أزمتهم. قلت مجبرا ومستسلما:

- سوف أتدبر الأمر، لكن توقفي عن الحديث في الموضوع كي لا تربكيني وتشوشي علي خطتي. أي خطة؟ ردت والفرحة تملأ وجهها ابتساما وضحكا. سأخبرك بحر هذا الأسبوع.

امتثلت لأوامر زوجتي بعد أن أقنعتني وأنه لا مجال للتسويف وتأجيل العمل أكثر من ذلك، فلا بد من إعادة سيراميك جديد ووضع سقف من البلاستيك بجودة مطابخ اليوم، وشراء ما لزم من أجهزة كهرومنزلية وأواني الطبخ. وما هي إلا أيام وصار المطبخ جيدا يلمع بأثاثه التي اشتريتها بالتقسيط، وعمدت في دعوتها لترافقني إلى المتجر، فاختارت ما تحتاجه وما يحلو لها من نوع وحجم ولون، لأنه مطبخها الذي ستمضي به جل أوقاتها وتبرهن لنا على مهاراتها في الطبخ والتفنن في صنع الحلوى والكعك.

كنت جالسا على مكتبي بالصالون وإذ بي توتر وانزعجت انزعاجا لم ألحظه من قبل، فخرجت مباشرة إلى المطبخ أتفقد زوجتي التي غابت عني لأيام ثم لأسابيع، فاكتشفت أن غيابها بدأ منذ جددت لها المطبخ الذي شغلها عني، .. يا لطمع الأزواج وجشعهم، يريدون كل شيء من الزوجة، الطهي الحلو والممتاز مع الجلوس إليهم ومؤانستهم في كل حين، أصبحت أتنقل إلى المطبخ من حين لآخر أزور زوجتي الغائبة عني كي أسمع منها أحاديث الأمس وأفضي لها بهواجسي وما يقلقني، فأجدها منهمكة في تقطيع البطاطس والطماطم وغسل السلاطة وهي تلتفت إلي حينا وتعود لخضارها وتقول:

- اليوم سأطبخ لك كل ما تشتهي نفسك، فبعد أن صار عندنا طباخة جديدة وفرنها الجيد ستكون لك كل يوم طبخة جديدة وحلوة.

- أما زلت تشاهدين قناة الطبخ وتستمدي منها أكلاتك؟ تضحك مجيبة بكل ثقة:

- بالتأكيد، فالطبخ قد تحسن بعد انتشار الحصص التلفزيونية وقد استطعت مشاهدة كل أنواع تحضير الأكل بالبلدان العربية.

نظرت إليها في سكون وإعجاب لأن هيأتها أعجبتني، بعد أن احمر الفرن بالنار المشتعلة، فاحمرت وجنتاها ولمعت من وهج النار وهي تنظر إليها منتظرة وضع طاجين البطاطس داخل الفرن، وقد تحاول أن تظهر لي انشغالها الزائد بالطبخ وإعداد أشهى المأكولات. وهاهي تنتقل لإعداد تحلية جميلة بعد أن كلفت نفسها كثيرا لتعلمها وإتقانها بمهارة. دمجت معها ابنتنا فتناديها لتساعدها في التحضير والطهي وقراءة وصفة الطهي بمقادير مضبوطة، بعد أن نجلس على الطاولة وتبدأ زوجتي بتوزيع الأكل على الصحون وتطلب من كل فرد إن يرغب في الزيادة وهي مبهجة وفرحة ونحن نشكر حسن الطبخ من يديها الذهبيتين.

صارت زوجتي الفاضلة تدعو بعض نسوة من أقاربنا وجيراننا لزيارتها فتقدم لهن ما طاب من أكل وحلوى وتحلية هكذا تسميها كما سمعتها من التلفاز، فيمدحنها أكثر منا على حسن الطهي ومهارتها التي لا تضاهى بالحي كله، وعندما يجلسن بالصالون فيستمتعن بالتحلية وأطرد منه طردا جميلا، فأنزوي بغرفة النوم وحدي وأمكث للصمت والهدوء.

صبرت على هذه الحالة التي لا تكاد تنهي قريبا، وقد اتسعت الفجوة بعد أن أحكمت قبضتها على المطبخ وأخذت معها ابنتها تعلمها في أيام نهاية الأسبوع والعطل الجامعية، فلا أراهما إلا عند العشاء وبالأحرى عندما أحمل نفسي وأقصد المطبخ الذي تفوح منه رائحة الطبخ والقلي فلا أكاد أطيقها، وأن ابني لا أراها بعد أن شبّ، يخرج ويدخل المنزل متى شاء ولا يجلس معي إلا نادرا، وإن حضر يوما فلا يبالي بي وإنما يركن إلى مكانه المعتاد متوغلا بذهنه وحواسه كلها في الهاتف النقال يشاهد ويسمع ما شاء من صور وفيديوهات متنقلا بين صفحات التواصل الاجتماعي والسماعتين في أذنيه، ولقلة تعلقي بالمطبخ والجلوس فيه أصبحت وحيدا مع أني أمل الوحدة ولا أهتم لمشاهدة التلفاز بعد أن صارت الشرائط الوثائقية مملة لإعادة بثها مرات ومرات.

رويدا رويدا أمسيت أغار من هذا المطبخ الجامد الأصم، ووددت لو تركته على حاله الأولى متهرئ الجدران بأجهزته القديمة البشعة، كي لا يأخذ مني زوجتي ويسعدها فأبقى وحدي بهذا الصالون الموحش ومكتبي الممل الذي أضحى لا يلهمني للكتابة والمطالعة مثل السابق، وصرت في حيرة من أمري، ربما بحثت عن طريقة لاستعادة زوجتي إلى جانبي والولدين من حولي نتجاذب خير الحديث ونضحك من نكات بعضنا.

حاولت مرة أن أنتقم من هذا المطبخ العجيب وقلت في نفسي لو كان رجلا لخنقته، وإن كان أقرب من أخيها وأبيها وأعز الناس إليها، ولكني تذكرت حينها الأيام الخوالي وما عانته زوجتي المسكينة حينما كنت أعود إلى المنزل متأخرا بل ومتأخر ا جدا، أغيب عنها في حضور أغلب الأمسيات الأدبية والندوات التاريخية حاملا  محفظتي التي ملأتها بأوراق تافهة مكدسة داخلها بلا نفع ولا فائدة، وقد وصل بها الأمر أن تغار من محفظتي وتبغضها كما أفعل اليوم مع مطبخها، وعندما أقنعتني أن الكتابة لا تنفعني نفعا ماديا ولا معنويا عدا بعش الشهادات التشجيعية أو بالأحرى منحت مجاملة وقد ملأت مكتبتي، فلا مكان للأدباء اليوم ولا يوجد من يقرأ ولا من يسمع القول وكل الكلام يذهب هباء منثورا مع الريح، فعدلت عن الانتقام من مطبخ زوجتي وحاولت التصالح معه في أن أقبل الأمر المفروض علي وأن أصبح من ذلك اليوم جليس المطبخ واستمتع بالطهي وتذوق الحلوى وصرت أعطي رأيي في طبق اليوم والكعك والسلاطة وحتى الماء البارد الذي نشربه في حر الصيف.  

 ***

قصة قصيرة

سليمان عميرات

في كراسةِ الليل:

هكذا نُغَالِبُ -باحترارنا الأدبي -

عُصْبة زُحَل المتطرفة بعمامة المريخ

ولِحَى بلوتو الجاسوسية

المُصَنَّعَةُ بأيدٍ أجنبيةٍ لاإنسانية

فيضيق عليهم كوننا

ويتسع فضاؤنا

فيصحو صُبحنا وتَصِحُّ شمسنا

بوعيٍ تَكَشَّفْ!

*

في كراسة الليل:

تُسَطِّرُ النجومُ شِعْرها الحِدَاثي

بإصبعين

وثلاثة أَوْجُهٍ إراديةْ

حيثُ يَتَصَدَّرُ ديوانها الفضائي

أُنُوثةٌ رَخِيمةٌ

ما انْفَكَّتْ خطوط دفاعاتها الجوَّالة

تتخذُ اللازم لحماية نَصِّها

من سَطْوٍ مُثَقفْ!

*

في كراسة الليل:

ثمة من يغرسُ ظِلَّهُ مُنْتَجَعَاً

لِمَجَرَّاتٍ رشيقاتِ الجوالات الوردية

وأَخْذ حماماً قمرياً

ذهبي المـلمس.. بَــرَّاق الظِبَاء

بعينٍ غامِرةٍ تَسْبَحُ فيها

أقلامٌ مضيئةٌ

ومِحبرةٌ بأجنحةٍ بيضاء النقاهة

تمد ساقيها

وتسقي نورها دفئاً مُحَاطَاً

بكلامٍ مُفَلْسَفْ!

*

في كراسةِ الليل:

تنامُ الكلماتُ يَقِظَةً

وعقارب شاي القمر تُسْمِعُهَا

نبيذهاالمُتَسَكِّع

في شارع نيزك العشق المضاف

إلى كَلَفٍ مُلَطَّفْ!

*

في كراسةِ الليل:

تُشَكِّلُ الكلمات الأريبةُ

كتيبة (وَيْلٌ لثُقٔبِ الصهيون)

بأرواحِ شُهُبٍ ناريةٍ

ودمــــاء مُذَنَّبَاتٍ صـــاروخيةِ حديثة

تَجْمَعُ في خانتها

اتحاداً بإنسانيةٍ خالصة الخلود

لايَمُتْ للتَّفَـرُّقِ بِـ(عَـرَبْ)!

فطـوبى لــمن هو...حياً يُرزقُ

ولاطابَتْ لِمَنْ تَزَلَّفْ!

*

في كراسةِ الليل:

أطباقٌ طائرةٌ - غريبة - تَحُطُّ في

مُخيِّم سَطْر

المجاور لهامشِ النازحين

المُتَاخِمْ نقاط وفواصل عنصرية

بعدها...أنت أَعْرَفْ!

*

في كراسةِ الليل:

يقوم نشطاء النيازك

بتظاهرةٍ احتجاجية حقيقية

ووقفةٍ ارتجالية صادقة

وترديد شعارات مثل:

(أوقفوا حرب النجوم الطائفية

والعِرْقية في المُشتري)!

فلتسقط كواكب  المتوحش

في حرب الإبادة الهمجية

على مَجَــــرَّة إنســــان العيــن

النقية البريئة

والرحمة عليها.. وعلى أهلها الطاهرين

بسلامٍ مُضَعَّفْ!

***

محمد ثابت السُّمَيْعي - اليمن

24/6/2024

 

"ومضة كونية"

مُذْ تنفستِ الحياةُ في الكون العميقِ..

قبل ولادةِ البشرِ في كهوفِ السّدّفِ..

والنملُ في ثباتٍ على ضآلةِ حجمِهِ..

غير منشغلٍ سوى بشؤون قبيلةِ النملِ..

ينظِّمُها على إيقاعِ ساعةِ الكونِ الرتيبِ..

دون أنْ تسطوا الغوايةُ والإفكُ

ومسالكُ الشيطانِ على دروبِ أسرابِهِ..

يجاهدُ بانتظامٍ كأنّهُ مقاتلٌ في الوغى

يصولُ ثم يجولُ دونَ إعياءِ..

بخلافِ ما يجري مَعَ الإنسانِ..

فرغم ما أصابَ مِنْ حُظْوَةٍ في العُلا

كأنّهُ الصاروخُ في ارتقائه؛

لكنّهُ في غياهِبِ الضلال مقامرٌ أعمى

يقتفي ثَمِلاً مزالقَ الخَنّاسِ..

وفي غيبوبِ السُكْرِ لا يعي

بأنّ مصيرَه تحت الثرى غدا

أشهى وجبةٍ لأسراب من الدودِ..

تَسْتَحْلِبُ العِبَرَ الغنيّةِ من فَنائِهِ الموعودِ..

(2)

لا يأسفنَّ مناضلٌ

أعطى سلافةَ روحه

للأشقياء...

فاستعرضوا صولاتَه

في مضاميرِ التسلقِ

والرياء..

ما دام يسري

في حليبَ الأمهاتِ

مُعَطِّراً براعِمَ

الطفولةِ والنماءِ..

فَيَعْقُبُ موتَهُ ضَوْءُ النهار..

(3)

على مرآتها

استفاقَ البدرُ

فإن تحطمت

لاحَ الدجى

وتكسّر النهار

***

شعر بكر السباتين

26 يونيو 2024

 

(أرقامٌ من بَيتِ الشِّعرِ الأَقصَى، في أمالي: بُولُس الطَّرْسُوسي)

صَوْتُهُ صارِخٌ في البَرِّيَّةْ:

لِطَرِيقِي أَقِيْمُوا الطُّرُقْ

هٰكَذا كانَ يَلْبَسُ مِنْ وَبَرٍ إِبِلًا،

وعَلَى حَقْوَيْهِ تَـمَنْطَقَ مِنْ جِلْدٍ صَحْراءَ الرُّبْعِ الخالِـي،

قِراهُ جَرادُ قُرانا،

ومِن عَسَلِ البَرِّ،

عَبَّ وَرِيْدَ الجَحِيْمِ، ضُحًى، وانْطَلَقْ!

2

:- يا فِراخَ الأَفاعِي،

لَسَوْفَ يُقِيْمُ الإلٰهُ عِيالًا لـ(أَبْرَامَ) مِنْ حَجَرٍ؛

فهُوَ الآنَ يُهْوِي بِفَأْسٍ عَلَى رَحِمِ الشَّجَرَةْ!

وأَنا جِئْتُ، مِنْ ماءِ نارٍ، أُعَمِّدُكُمْ،

أَيُّها الكُمْهُ في لَيْلَةٍ تَقْتَفِي أَنْجُمًا غَدَرَةْ!

3

لَيْسَ بِالخُبْزِ يَحْيا البَشَرْ

بَلْ بِخُبْزِ فَمِي،

وإِدامِ دَمٍ،

مِنْكُمُ مِثْلِ دِيْمِ المَطَرْ...

فهَلُمُّوا وَرَائِيَ،

أَجْعَلْكُمُ صائدِيْ الصَّائدِيْنَ،

كَبَدْوٍ تُرَوْنَ،

وتَلْبَسُكُمْ بِيَدِيْ أَبْلَساتُ الحَضَرْ!

4

تَرِثُونَ الثَّرَى في الوَرَى،

تَرِثُونَ السَّماواتِ والآخِرَةْ!

أَنْتُمُ مِلْحُ أَرْضِي،

ولٰكِنْ إذا فَسَدَ المِلْحُ،

ما مِنْ طَعامٍ يُساغُ عَلَى شَفَةِ (السَّاهِرَةْ)!

5

أَنْتُمُ نُورُ عَالَـمِيَ المُشْتَهَى!

مَنْ تُرَى لا يَرَى؟!

مَنْ بِمَقْدُوْرِهِ أَنْ يُوارِي بِأَهْدابِهِ مُدُنًا في جِباهِ الجِبالْ؟!

وأَنا لُغَتِي؛

فإِلَى أَنْ تَزُولَ الشُّمُوسُ،

تَزُولَ النُّجُومُ،

فإنَّ حُرُوفَ بَيانِـيَ ما إِنْ لها زَلَّـةٌ،

ومُحالٌ بِأَنْ يَرتَدِيْها غُبارُ زَوالْ

لَنْ تَجِفَّ عَلَى نَسْجِها نُقْطَةٌ

لَنْ تُغادِرَ مِنْ نَسْقِها فاصِلَةْ

إِنَّ قامُوسَ هٰذا الثَّرَى مِنْ رَحِيْقِ فَمِي شَهْدُهُ،

وخَيالِي الزُّلالْ!

اُذْكُروا:

قَبْلَ قَرْنٍ،

بَدا قَفْرُكُمْ- والَمَدَى مِنْ مُدَى فَقْرِكُمْ-

طاعِنًا فِـيْـهِ قَلْبَ المُحالْ!

وأَنا..

أَنا مَنْ غَيَّر الحالَ في الحالِ مِنْ بَعْدِ حالْ!

6

هَلْ سَمِعْتُمْ بِـ«عَهْدٍ قَدِيمٍ» يُرَدِّدُ:

«عَيْنٌ بِعَيْنٍ، وسِنٌّ بِسِنٍّ»؟

هَنِيْئًا لِأَعْيُنِكُمْ، ولِأَسْنانِكُمْ!

ولَنا بِالدِّلاخِ بِبَيْدائكُمْ!

حَسَنًا..

شِرْعَةٌ، رُبَّما، عادِلَةْ!

شَرْقُ أَوْسَطِها شَمْسُهُ عَيْنُها مائلَةْ!

إِنَّما أُرْسِلَتْ لَكُمُ وَحْدَكُمْ،

فعَلَيْكُمْ بِها،

لِتَفانَوا بِها،

طُغْمَةً غافِلَةْ!

...

خَبَرٌ عاجِلٌ:

ساعةُ الصِّفْرِ دَقَّتْ لإِنزالِ نِعْمَتِيَ النَّاسِخَةْ!

فانهضُوا، استقبِلوا نِعْمَتِـي!

كَيْفَ لا؟!

إِنَّها نِحْلَتِـي «الأَنْجُلُوسَكْسُنِـيَّـةُ»،

هٰذي الجَدِيدَةُ والرَّاقِيَةْ:

لا تُقاوِمْ يَدَ الشَّرِّ،

بَلْ مَنْ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ الْتَثَمَكْ،

فَلْتُحَوِّلْ لَهُ وَجْهَهُ شارِعًا واسِعَا!

مَنْ نَوَى- إِنْ نَوَى- أَنْ يُهاوِشَ ظِلَّكَ،

أو أَنْ يُراوِدَ طَلَّكَ،

فَاتْرُكْ لَهُ جَسَدًا عارِيًا مِنْ ثِيابِ الحَياةْ!

ولتُجَرِّعْ بَنِيْهِ سُلافَ الرَّدَى ناقِعَا!

ولِـمَنْ سَخَّرَكْ،

مِلِّمِتْرًا.. وحَتَّى أَقَلَّ،

لِتَجْعَلْ قَراهُ أَتانًا تَدُورُ عَلَى ساقِيَةْ

طَبِّقُوا نِعْمَتِيْ تِلْكَ، يا سُفَراءَ الحَداثَةِ،

جُبُّوا قَدِيمًا عَقِيمًا،

لَنِعْمَ الإِلٰهُ، أَنا، شارِعًا بارِعَا!

7

أَمْ سَمِعْتُمْ بِـ«عَهْدٍ قَدِيمٍ» يُنادِي:

«أَحِبَّ قَرِيبَكَ،

أَبْغِضْ عَدُوَّكَ!»؟

أَمَّا أَنا، فأَقُولُ لَكُمْ:

لا تُحِبَّ قَرِيْبَكَ!

إِنَّ الأَقارِبَ سُمُّ العَقارِبِ!

لا تُبْغِضِ المُعْتَدِي!

بَلْ عَلَيْكَ بِرَشْفِ دِمائكَ مِنْ راحَتَيْهْ!

ولْتُطَبِّعْ مَعَ القاتِلِيْكَ بِجَبْهَةِ سَوْأَتِكَ اللَّامِعَةْ!

ولْتُبارِكْ لَعائنَهُمْ فَوْقَ هامَةِ رَأْسِكَ؛

إِنَّ الهَوَانَ دِيانَتُكَ اليَوْمَ،

يا بَيْتَ كَعْبَتِهِ الرَّابِعَةْ!

8

لا لِكُرْهِ (الغُرَيْرِ النَّتِنْ)!

ولا لِثَقافَةِ كُرْهِ العَدُوِّ اللَّدُوْدْ!

لا..

ولا سِيَّما كُرْهِ (سَامٍ)،

وسامِيَّةِ (الخَزَرِ الأَشْكِنازِ)!

ولا لِكَراهَةِ (صِهْيَوْنَ)!

حِصْنِ (يَبُوْسَ)، وبَيْتِ الإلٰهِ الوَلُودْ!

واكْرَهُوا مَنْ تَشاءُ الشَّياهِيْنُ مِنْ بَعْدِها، لا قُيُودْ...

مَثَلًا:

لَكُمُ كُرْهُ (هِتْلَرَ)، ذِي المُنْتَزَى!..

واكْرَهُوا (الهُلُكُسْتَّ)، وراكِـبَها..

ولَكُمُ، مِنْحَةً غَضَّةً، فَوْقَها:

كُرْهُ (كَنْعانَ)،

أو كُرْهُ (يامٍ)،

و(حامٍ)،

و(يافِثَ)...

ذٰلِكَ حَقٌّ أَصِيْلٌ، وإِرْثٌ تَلِيْدٌ لِأَولادِكُمْ؛

أَ وَكُلُّ كَرِيمٍ كـ(حَاتِمِ طَيْ)؟!

أُسْوَةً بـ«الكِتابِ المُقَرْطَسِ» في سَلْسَبِيْلِ السُّلافِ،

فلَنْ تُنْبَزُوا بِالكَراهَةِ،

أو بِمُعاداةِ أَولادِ (نُوْحٍ)،

ولا بِمُناواةِ أَولادِ (هُودْ)!

9

اسمَعُوا، ولْتَعُوا!

هٰذهِ خُطْبَةٌ شَنَّها (قَسُّ بِنْ هِرْتِزِلْ):

«بإِبادَتِكُمْ: سنُبِيْدُ إِبادَتَنا لِليَهُودْ!»

لَيْسَ بُدٌّ مِنَ الأُضْحِياتِ بِعِيْدِ السُّجُودْ

لَيْسَ بُدٌّ؛

لِتَكْفِيْرِ ما اقْتَرَفَتْهُ يَدَا أَهْلِ (نَجْرانَ)؛

إِذْ أَحْرَقُوا (ذا نُواسَ) البَرِيْءَ،

وجَيْشَ اليَهُودِ،

وإِذْ هُمْ عَلَى ما جَنَوْهُ هُناكَ شُهُودْ!

10

لا مَناصَ،

أَنا مَنْ أُحَدِّدُ أَعْداءَكُمْ!

لا خَلاصَ،

أَنا مَنْ أُحَدِّدُ أَحْبابَكُمْ!

لاوُجُودَ لَكُمْ، أَبدًا لا وُجُودْ

أَوْ أَكُوْنَ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ (أَنا) مِنْ (أَنا) نَفْسِكُمْ نَفْسِها،

نَسْلِكُمْ،

شَعْبِكُمْ،

أَرْضِكُمْ!

(أَنا)، وَحْدِيَ- ما مِنْ شَرِيْكٍ مَعِي-

رَبُّكُمْ، يا بَقايا ثَمُودْ!

11

وحَذارِيْ..

حَذارِيَ مِنْ إِثْمِ أَنْ

تَتَغَنُّوا بِغُصْنِ مُوَشَّحَةٍ مِنْ مُوَشَّحَتَينْ:

أَوَّلًا- مِنْ مُوَشَّحَةٍ في مُقاوَمَةٍ لِليَهُودِيِّ

يَجْثُو عَلَى صَبْرِكُمْ!

ذاكَ وَعْدٌ لَهُ مِن مَواعِيْدِ (يَهْوَى/ أَدُوْنَايَ)،

مِنْ قَبْلِ أَنْ تُبْرَأَ الأَبْجَدِيَّاتُ والأَلْسِنَةْ!

مَنْ تَكُوْنُوْنَ حَتَّى تَرُدُّوا قَرارًا لِـ(يَهْوَى)؟!

اِلْزَمُوا غَرْزَكُمْ!

وأُحَذِّرُكُمْ- ثانيًا- مِنْ مُوَشَّحَةٍ في مُعاداةِ (سَامٍ)، وأَحْفادِهِ،

شَعْبِ ما بَيْنَ (قَزْوِينَ) و(الدَّرْدَنِيلْ)!

12

أَعْذَبُ الدِّيْنِ أَكْذَبُهُ!

لا تَكُنْ (مُحْيِيَ الدِّيْنِ بِنْ عَرَبِي):

[أَدِيْـنُ بِدِيْنِ الحُـبِّ أَنـَّى تَوَجَّهَتْ

رَكائـبُهُ؛ فالحُـبُّ دِيـنِـيْ وإيمانِـي]

إنَّما الحُبُّ ضَرْبٌ مِنَ المَجْبَنَةْ!

لا تَكُنْ (مُحْيِيَ العَقْلِ بِنْ أَعْجَمِي):

[أَدِيْـنُ بِدِيْنِ(العَقْلِ) أَنَّى تَوَجَّهَتْ

رَكائبُهُ؛ (فالعَقْلُ) دِينِـيْ وإيمانِـي]

إنَّما العَقْلُ ضَرْبٌ مِنَ المَسْكَنَةْ!

واتَّخِذْ بَيْنَ ذاكَ سَبِيْلَ الحَرابيْ نَهارًا؛

فكُلُّ إلٰهٍ يُقِيْمُ عَلَيْها ضُحًى وَثَنَهْ!

...

وهُنا كِذْبَةٌ عَذْبَةٌ، كشِفاهِ الوُرُودْ:

سنُتَوِّجُهُمْ تاجَ (سَامِ بْنِ نُوحٍ)،

وأَنْتُمْ نُتَوِّجُكُمْ بـ«شَتاتِ أَعارِيْبَ»،

طارَتْ بِنَخْلَتِهِمْ رِيْحُ (عَادٍ)،

وأَنَّى لِعَادٍ نَخِيْلٌ تَعُودْ!

رُفِعَتْ كُلُّ أَقْلامِ تاريخِكُمْ،

جَفَّتِ الصُّحْفُ والقارِئونْ!

وكذٰلكَ تَرْسِيْمُنا الدَّوْرَةَ الأَبَوِيَّةَ،

تُمْلـِيْ عَلى العُوْرِ، مِنْ (عَرَبِ العَارِ..بِيْنَ)،

وَثائقَ تَرْسِيْمِنا لِلحُدُودْ:

أَرْضُكُمْ أَرْضُنا،

وأَبُوْنا أَبُوْكُمْ،

ونَحْنُ بَنُوْ عَمِّكُمْ،

أَ وَلَيْسَ أَبونا جَمِيْعًا-

كما كَتَبَ الرَّبُّ في دَفْتَرِ الذِّكْرَياتِ-: اسْمُهُ (آدَمٌ)؟!

آدَمٌ رَحِمٌ بَيْنَنا، رُغْمَ أَنْفِ الحَسُودِ الكَنُودْ!

13

هٰكَذا.. هٰكَذا.. أو فلا..

زَوِّجِ الدِّيْنَ بِالعِرْقِ في قَلْبِ خَلَّاطَةٍ خَرَسانَيَّةٍ،

مِنْ صِناعَتِنا،

لِتَصُوْغَ غَمامَ الرُّعُودِ الوَعُودْ!

لِتُقِيْمَ عِمارَةَ تَكْوِيْنِ ما لا يَكُونْ!

لِتُذِيْبَ الشُّعُوبَ،

مِنَ: (الرُّوْسِ)، لِـ(الهِنْدِ)، فـ(الحَبَشَةْ)

لِتَلُمَّ لُقَى «جِيْتُواتٍ»

ثَوَتْ بَيْنَ أَضْلاعِ (أُوْرُبَّةَ ابْنَتِ آجِيْنُراسَ) زَمانًا،

وإِذْ كانَ (لُبْنانُ) نَظَّارَتَها الأُنْثَوِيَّةَ،

في مُسْتَجَمِّ السِّياحَةِ في صَيْفِ أَحْلامِها المُدْهِشَةْ

هٰكَذا الكُلُّ في قَلْبِ خَلَّاطَةٍ،

مِنْ صِناعَتِنا،

دَمُهُمْ كُلُّهُمْ-

يا لِسُرْيالِيَاتِ السُّلالاتِ!-

مِنْ نَسْلِ (سامٍ، عَلَيْهِ المُدامْ)!

14

أَيُّها العابِرُونَ مِنَ الغَرْبِ لِلشَّرْقِ،

للهِ دَرُّكُمُ!

فِيَّ جَدَّدْتُمُ دَرْبَ بَدْوٍ دَبَوْا، عابِرِيْنَ،

جَرادًا، مِنَ الشَّرْقِ لِلغَّرْبِ،

جِسْرًا قَدِيمًا،

كجِسْرٍ جَدِيدٍ لِأُمِّ البِكاراتِ، بِنْتِ (فِلَسْطِيْنَ)،

بِاسْمِ السَّماءْ!

ولَسَوْفَ تَزُفُّوْنَ،

أيَّتُها (العَرَبُ العَار..بَـةْ)،

«نَسْلَ سامٍ»، «بَنِيْ عَمِّكِمْ» هٰؤلاءِ، عَلى أُمِّكُمْ

فـ(زَرادِشْتُ) بِالبابِ،

مَأْذُوْنُكُمْ عُرْسَ هٰذا الـمَساءْ!

15

نَحْنُ نَكْتُبُ تارِيخَ أَوْلادِ (نُوْحٍ) بأَقلامِنا البابِلِيَّةِ،

نُونًا وحَاءْ!

وَفْقَ ما يَشْتَهِي نُوحُنا الأَشْقَرُ الأَطْلَسِي!

وكَما تَقْتَضِي خُطَّةُ الإخْوَةِ «الحُلَفاءْ»

لِيُكَفِّرَ (قابِيْلُ)،

عَنْ قَتْلِ (هابِيْلَ)، Germany in!

زُبْدَةُ الـمَلْحَمَةْ:

دَمُ (إِسْحَاقَ) لا يَفْتدِيهِ سِوَى رَأْسِ ذِبْحٍ عَظِيمْ

أَيُّ ذِبْحٍ سيَفْدِيْهِ خَيْرٌ مِنِ ابْنٍ يَتِيمْ

غَرَسَتْ فِيْهِ (هاجَرُ) آمالَها الزَّمْزَمِيَّةَ؟!...

فَلْتَتَّقُوا الرَّبَّ، لا تَكْفُروا!

فأَوامِرُ رَبِّ الجُنُودْ:

رَبَّةُ الجُنْدِ في مَلْحَماتِ الوُجُودْ!

16

ثُمَّ إِنِّـي لَآمُرُكُمْ:

أَنْ تُصَلُّوا لِأَجْلِ الَّذِيْنَ اخْتِصاصُهُمُ الجامِعِيُّ:

بِأَنْ يَنْحَتُوا أَثْلَةَ الأَنْبِياءْ

أَنْ تُصَلُّوا لِأَجْلِ الَّذِيْنَ

بِجَرَّافَةِ الوَعْيِ يَقْتَحِمُونَ كِتابَ السَّماءْ

وبِأَعْيُنِ أَطْفالِكُمْ،

يَشْنُقُونَ النَّخِيلَ صَباحًا بِأَرْجُلِها،

يَصْلُبُونَ مَساءً بـ(يافا) نُهُودَ النِّساءْ

فَوْقَ زَيْتُونِ تارِيخِ ثَوْراتِكُمْ

يا لَزَيْتُونِ ثَوْراتِكُمْ!

مُنْذُ ما قَبْلَ تارِيخِ تارِيخِ تَوْراتِهِمْ

لِتُصَلُّوا عَلَيْهِمْ كَثيرًا؛

فإِنَّ الصَّلاةَ لَـهُمْ سَكَنٌ مِنْ حَرِيقْ!

ولْتُصَلُّوا عَلَيْهِمْ طَوِيْلًا؛

فإِنَّ الصَّلاةَ يَفِيْءُ صَلاها،

يُدَفِّئُ بَيْتِي العَتِيقْ!

17

الصَّلاةَ الصَّلاةَ!

السَّلامَ السَّلامَ دَوامًا عَلَى الزُّرْقِ يَنْتَهِكُونَ البِلادَ،

الَّتِي باركَ اللهُ-

وَفْقَ ثَرِيدِ أَساطِيْرِكُمْ- حَوْلَها!...

بارِكُوهُمْ،

وهُمْ يَطْرُدُونَ الأَجِنَّةَ- في حَمْلَةٍ- مِنْ بُطُونِ الحَوامِلِ!

يَنْتَزِعُونَ النِّساءَ مِنَ الدُّورِ،

دُورِ أَبِيْكُمْ:

مِنَ (القُدْسِ)،

مِنْ (دَيْرِ ياسِيْنَ)،

مِنْ (بَيْتِ لَـحْمٍ)،

مِنَ (النَّاصِرَةْ)!

عَصْرَ لا (مَرْيَمَ) استَبْشَرَتْ بِـ(يَسُوْعَ)،

ولا أُمَّ عُقْمٍ بِهِ طاهِرَةْ!

بارِكُوهُمْ لِكَي تُصْبِحُوا لِأَبِيْكُمْ بَنِيْنَ كِرامًا،

أَبَرَّ البَنِيْنَ بِـ(واشُنْطُنِ) العاصِمَةْ!

إِنَّهُ مُشْرِقٌ شَمْسَهُ أَبَدًا فَوْقَ أَثْداءِ مَمْلَكَتِهْ

فَوْقَ عِطْرِ ضَفائرِها

وهْوَ- بَيْناهُ يُمْطِرُ نارًا عَلَى النُّورِ في مُسْتَكَنِّ الضَّمائرِ-

يُمْطِرُ مَنًّا وسَلْوى عَلَى الظُّلُماتِ،

تَرِفُّ خَفافِيْشَ في سَهْرَةٍ «دُبْلُماسِيَّةٍ» حالِـمَةْ!

18

أَ تُراكُمْ إِذا لَمْ تُحِبُّوا سِوَى مَنْ يُحِبُّونَكُمْ،

أَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟

أَ فلَيْسَ كَذٰلِكُمُ يَفْعَلُ اللُّؤَماءْ؟!

أَمْ تُراكُمْ إِذا خُضْتُمُ في دِماءِ أَعادِيْكُمُ،

أَيُّ بِرِّ لَكُمْ؟!

أَ فلَيْسَ كَذٰلِكُمُ تَفْعَلُ الخُنْفُساءْ؟!

ولَئِنْ كانَ سَلْمُكُمُ مَعَ إِخْوَتِكُمْ لا سِواهُمْ/

ومَنْ سالَـمُوكُمْ،

ولَيْسَ مَعَ النَّاكِحِيْ أَرْضِكُمْ،

أو مَعَ السَّافِحِيْ عَرْضِكُمْ،

أَيُّ فَضْلٍ هُناكَ اصْطَنَعْتُمْ، إِذَنْ؟!

أَ فلَيْسَ كَذٰلِكُمُ يَفْعَلُ السُّفَهاءْ؟!

فَلْتَكُوْنُوا، بِغَيْر مُنافَسَةٍ، طَيِّبِينْ!

وعَلَى مِلَّتِي، كالدُّمَى، كَامِلِينْ!

مِثْلما أَنَّ هٰذا أَباكُمْ، بِكَهْفِ البَياضِ،

احْتَبَى حَتْفَكُمْ كامِلًا كامِلا!

...

واحفَظُوا آيَـتِـيْ، يَوْمَ تَهْطِلُ وَحْيًا مُبِينْ:

...فأَبـُوكَ الَّذِي فِي الخَفاءِ يَرَى؛

سيُجازِي عَلانِيَةً عَبْدَهُ؛

لِتَكُنْ فِي السَّماءِ مَشِيْئَتُهُ،

مِثْلَما هِيَ في الأَرْضِ مُذْ أَزَلِ الآزِلِينْ!

...

قِيْلَ: إِنَّ صَدًى زَلْزَلَ الصُّمَّ بالسَّامِعِينْ:

- كانَ ذٰلِكَ مُنْذُ انْهَزَمْنا،

فبِعْنا لِعَيْنَيهِ نُورَ العُيُونْ!

وسَجَدْنا.. اقتَرَبْنا.. ابْتَهَلَنا:

فِداهُ النُّفُوسُ جَمِيعًا،

سِوَى حَقِّهِ باطِلٌ يَدَّعِيْ باطِلا!

19

أَعْطِنا خُبْزَنا،

وكَفَافًا، نَعِشْ يَوْمَنا!

أو

فلا تُعْطِنا!

نَحْنُ راضونَ بالحُبِّ، يا رَبَّنا!

قُلْتَ:

لا تَكْنُزُوا لَكُمُ أَيَّ كَنْزٍ عَلَى أَرْضِكُمْ،

أو بأَحشائها،

حَيْثُ يُفْسِدُهُ السُّوسُ والصَّدَأُ

السَّارِقُونَ-

ومهما يَكُنْ قَفْلُكُمْ،

أو يَكُنْ كَنْزُكُمْ في بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ-

يَنْقُبُونَ الجِدارَ عَلَيْهِ، ويَسْتَرِقُونْ!

لا..

ولَاكِ اكْنُزُوا، كَنْزَ أَعمارِكُمُ،

في ثَرَى أَرْضِ عَمِّكُمُ (سامَ)،

تِلْكَ الَّتي احتَلَّها عُصْبَـةٌ مِنْ (هُنُودْ)!

ثُمَّ حَرَّرَها..

مِثْلَما حَرَّرَتْ (أَرْضَ كَنْعانَ) مِنْ أَهْلِها

عُصْبَـةٌ مِنْ (يَهُودْ)!

وكَما حاولَ الحُلَفاءُ الحُفاةُ-

ازْدِلافًا لِبَيْتِ أَبِيْنا بِـ(صِهْيَوْنَ)-

طَمْسَ «فِلَسْطِيْنَ»،

مِنْ كُتُبِ الأَوَّلِيْنَ ومِنْ كُتُبِ الآخِرِينْ!

وسَعَوا سَعْيَهُمْ،

فعَلَيْهِمْ مِنَ الرَّبِّ ما يَستَحِقُّ الزَّنادِقَةُ المُخْلِصُونْ!

عُمَلاءَ، لِيَخْلُوا لَـهُمْ ثَمَّ وَجْهُ أَبِيهِمْ،

وكَيْما يَكُونُوا هُنالِكَ مِن بَعْدِها صِبْيَةً صالِـحِينْ!

إِنَّهُ رَبُّهُمْ،

هُوَ يَقْلِبُ تاريخَ أَوْطانِهِمْ،

يَقْلِبُ الأَرْضَ، إِنْ شاءَ، رَأْسًا عَلَى عَقِبٍ!

فلَنِعْمَ القَوِيُّ ونِعْمَ الأَمِينْ!

فهُناكَ اكْنِزُوا عِنْدَهُ دِيْنَ آبائكُمْ،

حَيْثُ لاَ يُفْسِدُ السُّوسُ كَنْزَكُمُ،

حَيْثُ لا صَدَأٌ يَعْتَرِي،

حَيْثُ لا يَنْقُبُ النَّاقِبُونَ،

ولا يَسْرِقُ السَّارِقُونْ!

20

واحفَظُوا آيَـتِـيْ الجامِعَةْ:

أَيْنَ مَهْوَى الكُنُوزِ؟

هُنالِكَ مَهْوَى القُلُوبِ.

ومِنْ أَيِّ شيءٍ تَخافُونَ؟

هَلْ بَيْنَنا، مِثْلَكُمْ، أُمَّةٌ مِنْ صَعالِكَةٍ،

حُزْنُهُمْ وَحْدَهُ يَكْنِزُونْ؟!

21

قُلْ أَعُوْذُ بِرَبِّ الَّذي قالَ:

إِنَّ السِّرَاجَ هُوَ العَيْنُ؛

إِنْ كَانَتِ العَيْنُ ساجِيَةً بارِدَةْ،

فالهُيُولَى جَمِيعًا تَدُوْرُ كَنَجْمِ الفَلَقْ!

وإِذا كَانَتِ العَيْنُ مِنْ جَمْرَةٍ واقِدَةْ،

فالهُيُولَى جَمِيعًا تَذُوْبُ كَكُحْلِ الغَسَقْ!

فَإِذا كانَ ما فِيْكَ مِنْ نَجْمَةٍ كُلُّهُ فَحْمَةً،

فَالظَّلامُ، إِذَنْ، كَمْ يَكُونْ؟!

كَمْ وكَمْ في دُجاهُ البَهِيْمِ احْتَرَقْ؟!

22

قُلْ أَعُوْذُ بِرَبِّ الَّذي قالَ:

لا تَحْفَلُوا لِـحَياتِكُمُ؛

ما الَّذي تَأْكُلُونَ؟

وما تَشْرَبُونْ؟

وبِأَجْسَادِكُمْ،

ما الَّذي تَلْبَسُونْ؟

ها طُيُورُ السَّماءِ..

انْظُرُوا:

إِنَّهَا لا زِراعَةَ تَزْرَعُ، لا مَزْرَعَةْ

لا حَصادَ،

ولا تَجْمَعُ القَمْحَ في صَوْمَعَةْ

وأَبُوها السَّماوِيُّ مِنْ كَفِّهِ قاتَها؛

وهْيَ مِنْ كَفِّهِ مُتْرَعَةْ!

23

أَ وَلَسْتُمْ تَرَوْنَ الزَّنابِقَ في الحَقْلِ،

وهْيَ بِلا تَعَبٍ،

وبِلا غَزْلِ ما تَكْتَسِي،

تَكْتَسِي عُرْسَ فِرْدَوْسِها؟

بَلْ أَقُولُ لَكُمْ:

إِنَّهُ، لا (سُلَيمانَ)، في مَجْدِهِ كُلِّهِ،

كانَ يَلْبَسُ مِثْلَ الزَّنابِقِ في حَقْلِها!

...

هٰذِهِ كُلُّها ستُزادُ لَكُمْ:

لا غَدٌ في غَدٍ،

مِثْلَما لَمْ يَكُنْ أَمْسُهُ،

أَنا شَمْسُ الزَّمانِ..

أَنا شَمْسُهُ، وأَنا ظِلُّها!

24

قُلْ أَعُوْذُ بِمَنْ خَطَّ في كَتِفِ البارِحَةْ:

لا تَدِينُوا لِكَيْ لا تُدانُوا،

لأنَّكُمُ، وبِكَيْلِكُمُ، سيُكالُ لَكُمْ!

فلِماذا تَرَى، يا ابْنَ آدَمَ، ما لا يُرَى مِنْ قَذًى في العُيُونِ،

ولَسْتَ تَرَى:

كَمْ بِعَيْنِكَ مِنْ باخِرَةْ

تَتَرَنَّحُ في بَحْرِها جانِحَةْ؟!

25

وأَعُوْذُ بِمَنْ صاغَ، في لَقْطَةٍ صاعِقَةْ:

أَيُّها النَّاسُ، لا تَـمْنَحُوا القُدْسَ أَوْلادَ تِلْكَ الكِلابِ،

ولا تَطْرَحُوا لِلخَنازِيرِ دُرَّ القُلوبِ،

لِئَلَّا تَدُوْسَ كِتابَكُمُ،

ثُمَّ تَلْتَفِتُ، اللَّفْتَةَ الماحِقَةْ

فتُمَزِّقَكُمْ كُلَّكُمْ: عاشِقًا، عاشِقَةْ!

26

وأَعُوْذُ بِمَنْ باحَ مِنْ عَرْشِ سُلْطانِهِ:

اِسْأَلُوا، لِتُجابُوا!

اُطْلُبُوا، تَجِدُوا!

اِقْرَعُوا البابَ، يُفْتَحْ لَكُمْ!

أ إذا سَأَلَ ابْنٌ أَباهُ رَغِيْفًا،

سيُعْطِي لَهُ حَجَرًا؟!

أَمْ إذا سَأَلَ الطِّفْلُ يَوْمًا أَباهُ:

- أيا أَبـَـتِـي، أَعْطِـنِـي سَمَكَةْ!

أتـُـرَاهُ سيُعْطِـي لَهُ حَيَّةً؟!

ذاكَ قاموسُ نامُوسِكُمْ،

تِلْكَ مَدْرَسَةُ الأَنْبِياءِ،

ومَنْ ذا يَزِيْغُ،

فقَدْ باتَ دَرَّاجَةً لِتَمارينِ شَيْطانِهِ!

27

اُدْخُلُوا بابَكُمْ سُجَّدَا!

اُدْخُلُوا كُلَّ سَمِّ خِياطٍ؛

فإنَّ الطَّرِيقَ البَراحَ طَرِيْقٌ إلى الهاوِيَةْ!

وكَثِيرُونَ مِنْكُمْ إِلَيها انْهَوَوا؛

إذْ تَعاطَوا نَسِيْـمًا عَزِيْزًا عَلَى شُمِّ آنافِهِمْ،

وتَسَامَوا سُدَى!

فتَسامَوا إلى قاعِ بِئْرٍ، تَؤُجُّ لَظًى، حامِيَةْ!

28

اِحْذَرُوا الأَنْبِياءَ؛

فأَكْثَرُهُمْ كَذَبَةْ!

مِنْ ثِمارِهِمُ يُعْرَفُونْ

فاعْرِفُوْنِـي، أَنا، صَمَدًا!

أَنا خَتْمُ السَّماءِ،

وتَوْقِيْعُها،

أَنا ثَلْجُ الصَّباحِ اليَقِينْ!

29

في البِلادِ اذْهَبُوا!

وكَما آمَنَتْ راحُكُمْ،

سَيَكُوْنُ لَكُمْ كَسْبُها،

فاذْهَبُوا واكْسَبُوا!

30

اِتْبَعُونِي،

دَعُوا المَيِّتِيْنَ لِكَيْ يَدْفِنُوا مَوْتَهُمْ وَحْدَهُمْ والحَياةْ!

اِتْبَعُوا رايـَتـِي،

نَحْوَ يَنْبُوْعِ فَجْرِ النَّجاةْ

فأَنا في عُيُوْنِ المِـياهِ المِـياهْ!

31

الحَصَادُ كَثِيرٌ

ولٰكِنْ قَلِيْلٌ هُمُ الفَعَلَةْ!

فابْدَؤُوا مِنْ خِتامِ السُّرَى أَوَّلَهْ!

32

ها أنا مُرْسِلٌ مِنْكُمُ غَنَما

سارِحًا في جُيُوشِ ذِئابٍ؛

فَكُوْنُوا كَحَيَّاتِ رَمْلٍ،

تَكُوْنُوا كَذا حُكَماءَ،

وكُوْنُوا عَلَى كَتِفَيْ كُلِّ طِفْلٍ يَتِيْمٍ،

حَمامَ الحِمَى!

33

الَّذِي قُلْتُه لَكُمُ في بَكِيْمِ الظَّلامِ،

تَقُوْلُوْنَهُ في النَّهارِ الفَصِيحْ!

والَّذِي تَسْمَعُونَهُ في الأُذْنِ،

نادُوا بِهِ قاصِفًا في سَماءِ السُّطُوحْ!

34

إِنَّ أَعْدَاءَ كُلِّ امْرِئٍ أَهْلُ بَيْتِهِ؛

فاعْتَبِرُوا!

اُقْتُلُوا في سَبِيْلِـيَ أَنْفُسَكُمْ؛

فَبِغَيْرِيَ لا تَحْلُمُوا،

وبِغَيْرِيَ لا تَطْمَحُوا،

كاذِبٌ مَنْ أَراقَ على وَجْهِكُمْ حِبْرَهُ، كاتِبًا:

«انْهَضُوا ثَوْرَةً،

لَيْسَ بُدٌّ بأَنْ تُهْزَمُوا ثُمَّ تَنْتَصِرُوا!»

35

أَنْتَ لَسْتَ مَعِي؟

أَنْتَ، حَتْـمًا، عَلَيْ!

إنَّ مَنْ لَيْسَ يَجْمَعُ في سَلَّتِـي،

هُوَ، قَطْعًا، يُفَرِّقُ مَحْصُولَها!

اُكْتُبُوا فَوْقَ جَبْهَتِهِ:

«اسمُ هٰذا: (شَبِيْبٌ)،

وشُهْرَتُهُ: (الخارِجِي)!»...

غَيْرَ أنْ لا خُرُوْجَ لَهُ- في النِّهايَةِ- إلَّا إلَـيْ!

36

اِفْهَمُوا:

احْتَرِزُوا مِنْ خَـمِيْرِ العَرَبْ!

بَدْوِهِمْ، والحَضَرْ!

مُسْلِمِيْهِمْ، نَصاراهُمُ، واليَهُودْ!

والأَعاجِمِ، إِنْ أَسْلَمُوا!

إنَّ قُطْعانَهُمْ سَتُقَوِّضُ مَمْلَكَتِي العالَـمِيَّةَ،

فاخْتَتِنُوا مِنْهُمُ، غُرْلَةً غُرْلَةً

واتَّقُوا قُرْبَهُمْ،

كاتِّقَاءِ الصِّحِيْحِ الجَرَبْ!

37

مَنْ أَرَادَ الخَلاصَ لِنَفْسِهِ،

فَلْيَأْتَسِرْها!

ومَنْ يَأْتَسِرْ نَفْسَهُ في سَبِيْلِـي،

لَسَوْفَ يُحَرِّرُها، بازِيًا في سَمائي يَحُوْمْ!

ما انْتِفاعُ الفَتَى يَرْبَحُ العَالَـمِيْنَ،

وقَدْ خَسِرَ، ابْنُ الزِّنَى، نَفْسَهُ، مُذْ دَعا أُمَّهُ أو أَباهْ؟!

ولَـخَيْرٌ لَهُ لَوْ يُعَلَّقُ في عُنْقِهِ حَجَرٌ كَـ(زُحَلْ)

ثُمَّ يُغْرَقُ في لُجـَّةِ الكَوْنِ،

مُنْذُ انْفِجارِ الوُجُودِ العَظِيمْ!

38

أُوْرُشَلِيمُ،

أيا أُوْرُشَلِيمْ!

أُوْرُشَلِيمُ، أَ آكِلَةَ الأَنْبِياءِ،

وشارِبَةَ المُرْسَلِينْ!

طالَـما رَسَمَتْ خُطَطِـيْ فَجْرَ تَدْجِيْنِ أَوْلادِكِ الكَفَرَةْ

كالدَّجاجَةِ تَجْمَعُ أَفْراخَها تَحْتَ جانِحَتَي قَلْبِها،

فَرَسَمْتِ مَسارَكِ عَكْسَ اتِّجاهِ المَسارِ؛

رَسَمْتِ مَسارَكِ نَحْوَ (العِراقِ)،

وبِعْتِ لِـ(بُخْتِنْصَرٍ) شَرَفَ الرَّبِّ،

رَبِّ الجُنُودِ، (Jehovah)، يا سُوْرَةَ البَقَرَةْ!

لِتَظَلَّ عُجُوْلُكِ: مِنْ مَذْبَحٍ.. وإلى مَسْلَخٍ؛

فَهْيَ مِنْ نَكَباتٍ إلى نَكَباتٍ،

طَمَتْ، فطَغَتْ،

فَوْقَ ما (عابِرٌ) جَدُّها عَبَرَهْ!

39

اُكْتُبِـي بِدَمِ الطَّمْثِ فَوْقَ ثَيابِ الزَّمانِ،

على قُبَّعاتِ قُلُنْسُوَتِهْ:

حَيْثُـما تَقَعُ الجُثَّةُ النَّافِقَةْ

فَهُناكَ النُّسُوْرُ تَحُوْمُ،

هُناكَ يَكُوْنُ البُكاءُ،

يَكُوْنُ صَرِيْرُ السُّنُوْنِ،

عَلَى ما مَضَى،

في مَهاوِيْ قِلاعِ السِّنِيْنِ،

وإنْ أَسْكَرَتْها الرُّؤَى الشَّاهِقَةْ!

40

قَسَمًا.. قَسَمًا، سَأُمَيِّزُكُمْ، واحِدًا واحِدًا،

مِثْلَ راعٍ يُمَيِّزُ بَيْنَ الخِرافِ وبَيْنَ الجِداءْ!

فالَّذِي غُمِسَتْ يَدُهُ في الإِناءْ

قَبْلَ يُسْلِمُنِـي،

أَنا أَغْمِسُهُ في إِناءِ الفَناءْ!

41

أَبَدًا، لَنْ أَصِيْحَ:

ثِيابِيْ هُنا اقْتَسَمُوا بَيْنَهُمْ!

ولِباسِيْ هُناكَ عَلَيهِ جَرَتْ قُرْعَةٌ!

لَنْ.. ولَنْ..

بَلْ أَقُوْلُ، ولا أَنْتَظِرْ:

الَّذِي يَنْتَضِي سَيْفَهُ،

رُوْحَهُ يَنْتَضِي أَوَّلًا،

ما لَها مِنْ مَفَرْ!

42

رَنِّمُوا، وارقُصُوا، يا أُصَيْحابِيَةْ:

حَجَرٌ كانَ يَرْفُضُهُ كُلُّ بَانٍ،

هُوَ الآنَ قَدْ صارَ رَأْسًا لِزاوِيَةِ الزَّاوِيَةْ!

إنْ تَسَلْ: مَنْ أَنا؟

أَنا رَأْسٌ لِكُلِّ الزَّوايا،

أَنا هَنْدَساتُ الشُّعُوبِ

الَّتي بُنِيَتْ مِنْ خَواءٍ،

عَلَى بَعْضِ ذاكِرَةٍ،

(أَلْزَهَيْمَرُ) عاثَ بِهامتِها الخاوِيَةْ!

43

دُوْنَكُمْ غُرَرًا من رَسائلِ (بُوْلُسَ)،

بُوْلُسَ هٰذا الزَّمانِ الزَّنِيْمِ،

بإِنْجِيْلِهِ المُفْتَرِسْ!

... ... ...

باسْمِ آبائهِ كُلِّهِمْ،

باسْمِ أَبْنائهِ كُلِّهِمْ،

واسْمِ أَرْواحِهِ كُلِّها،

جاء يَكْرِزُها بَيْنَنا،

في كنائسِنا،

في مساجِدِنا،

ماهِرًا نَبْضَها بِالحُرُوفِ الأُوَلْ

... ... ...

اِسْمُ حَضْرَتِهِ المارِقَةْ:

(شَاوَلُ الطَّرْسُسِيُّ اليَهُوْدِيُّ).

حِرْفَتُهُ:

سَمْكَرِيٌ، «يُوَضِّبُ» دِيْنًا فَطِيْرًا،

شَبِيْهًا بِلِحْيَـتِهِ في تَحَوُّلِ أَحْوالِـها المُلْتَبِسْ!

... ... ...

عاشَ رُوْحُ القُدُسْ!

ماتَ رُوْحُ القُدُسْ!

ماتَ رُوْحُ القُدُسْ!

عاشَ رُوْحُ القُدُسْ!

... ... ...

والسَّلامُ عَلى تابِعِـي نَجْمَةٍ،

نَحْوَ لَيْلٍ بَهِيْمٍ،

وما إنْ لِصُبْحِهِمُ،

بَعْدَ بُعْدِ السُّرَى،

نَفَسٌ،

لا..

ولا شِبْـهُ (نُوْنِ) «نَفَسْ»!

...

لا..

ولا شِبْـهُ (نُوْنِ) «نَفَسْ»!

***

شِعر: أ. د. عبد الله بن أحمد الفَيفي

في ذكرى عيد الغدير المبارك

زَهـَـتْ فـــي غـير موســِمِها الزهـورُ

وســارتْ طـوْعَ مَركَــبِــكَ الـبُــحـورُ

*

وأوْعَــزَتِ الــســمـاءُ لــــكـل ضـوءٍ

مُـرافَــقــة الـبَشــيــر بـمــا يُـــشــيــرُ

*

سِــماتُـك فــي الــنبـوّة مُــذ  تـراءَتْ

تَــسـامَى الفِــكرُ، وازدَهـرَ المصيــرُ

*

ســـَـنـاءُ خُـطاكَ ، ضـوْء ٌ للقــوافـي

وايــعــازٌ بــــه يَــسـْـمـو الشُــــعـورُ

*

أبا الــزهـراء، مُـذ نُـودِيــتَ (إقرأ)

تَـهاوى الـشِـركُ وانْـدَثــرَ الــغُــرورُ

*

دُعـــاؤك فــي الــنِــزالِ أزالَ غَــمّـاً

وصَــوْلَــةُ ذي الــفِــقــار لها سَـــعِيرُ

*

فَــداكَ الـمُــرتــضى ، بالـنـفـس لـمّا

اراد الــكـفـــرُ قَـــتْـلَـك والـشُــــرورُ

*

ومِــنــك لــه الـبلاغــةُ  نَــبْـعُ تِــبْــرٍ

لــهــا نـَـهْــجٌ ، تــداولــه الــدهـــورُ

*

ولــمّـا الــوحيُ  فــي الافــاقِ نــادى

أضــاءَتْ دَرْبَ مَــقْـــدَمِـك الــبُــدُورُ

*

تــرَنَّــمَـت الــقــوافــي لـحــنَ شُــكْـرٍ

لِــرب الــعَـــرشِ ، إذ عَــمَّ الـسُـرورُ

*

ربـــيــعُ الـخُـلـدِ، فـي خُـلــقٍ وعِـلـمٍ

وصِــدقٍ ، قــد حـَـبــاكَ بــه الـقـديــرُ

*

يـُـفـاخِــرُ بـَعـضُ مـَـن يَـسْـمو بـمَجْــدٍ

ونَـــبـْـعُ عُــلاكَ ، قــــــرآنٌ مُــنــيـــرُ

*

تـمـنّى الخَــصـْـمُ أنْ تَـرضى بِـمـُلْـكٍ

لِــيَــبْــدأ حَــوْل دَعــوَتــِك الضُـمـورُ

*

فــأرعَــبَـهم صمُـودُك، فــي ثَــبـاتٍ

تَــمَـــنّـوا لــــو تُـــوَسـِّــدُهــم قُـــبـورُ

*

وقـــد دَوّى ثَـــبــاتُـــك فــي الأعـالـي

فأعــقَــبَ صَـوتَــه غَـــيْــثٌ غــزيـــرُ

*

لـ(غارِ حِــراء)  فـي الــتــاريـخ خُـلْــدٌ

حَــوى بـَصَـماتِ  مـا وَهَـب البصِـيـرُ

*

سَــــرَتْ أجْـواؤه فــي الـذِكْـر تــروي

وفــــي قــصـص الـفــداءِ لــها مُـرورُ

*

وفـــــي احـــداثــه  تَـــوْثــيــقُ نَــهْــجٍ

بـــه الـــتاريـــخُ مــــسـرورٌ فَـــخـــورُ

*

لــقــد حـَـسبـوا نهــوضَـك جَــمـْـع مـالٍ

فَــخــابَ الــظــنُ، واســتولـى الثــبورُ

*

وظـــنّـوا مَــنْصِـبا  تَــبـْـغــيــهِ فـــيـهــم

فـــكــان لِــرَدّك الـــســـامــي هَــــديــــرُ

*

إذا ذُكـِـرَتْ مَــحـاسِــنُــك اسْــــتَــبـانَــتْ

لــهــــا فـــي الأفـــقِ أطــيــافٌ ونــــورُ

*

مَــــشــيـــنـا صَــوْبَ أهــدافٍ تَـجَــلّــتْ

كــرامـاتٌ  بـــهـــا زَهَــتِ الـــعُــصـورُ

*

إذا اقْــتُــفِــيــَتْ خُـطاكَ، لــهـا مداهـــــا

كَــذِكْـرِكَ، حـــيـن يــنــفــتـحُ الـــيَسِــيـرُ

*

مــراســيــمُ الــولايـةِ، فـــي صَـــداهـــا

تــأرَّخَ مــا أقـــرَّ بــــه (الغــــديـــــرُ)

*

(عـــلـــيٌّ) فــــي ادارتــــــه اقـــتــــدارٌ

وربُّ العــرشِ عـــــــــــلّامٌ خبيــــــــــرُ

*

اخَــــذْتَ بكَـــفِـــــهِ، والقــــومُ حَشْـــــــدٌ

وَرَفْـــعُـــــكَ كَـــفَّــــهُ حَــــدَثٌ كبيـــــــــرُ

*

صَـحــا مـَـن غـادرَ الأوْهــامَ، هَـــديــاً

بـِـنـورِك فـاســتَــقـامَ  بــــه  الــمَـســيـرُ

*

لِـــتَـجْــسِـيد البـَـديــعِ  صَدى امْــتـيــازٍ

إذا ضـمّــتْ بــــلاغــتَــكَ  السـُـــطــورُ

*

عُــلـوُّكَ فـــي الــفـصاحــةِ  والـتـحـدي

أذَلَّ شُــمـوخَـهــم  فَــهَــوى الــسَـــريـرُ

*

وإنْ  ذُكِــرَتْ صِـفـــاتُــكَ  فــي جــنـانٍ

بــذِكْـرِك يَـزدهــي الـرّوضُ الـنــضـيـرُ

*

مُــلــوك الأرض قـــد أخَــذَتْ دُروســـاً

بِـــحُــسْـنِ  خُــطاكَ  وارتَـوَتْ الـثـغـورُ

*

(ومــا للـمســلــميــن سِــواك حِـصـنٌ)

ولا لــمَـــقـامِــك الســـــامــي نــظـــيــرُ

*

مـفاهــيـمُ الكـرامـةِ، صُغْـــتَ مــنهــا

قــنــاديــلَ الــطـمـوحِ، لــنـا تُـــنــيــرُ

*

حــديــثٌ فـــي (الكِــساء) بما احـتــواه

تَـــقــدَّسَ  حـــيـث واكــبـه الحُـــضورُ

*

وأهـــلُ الــــبـــيــت، هُـم مَن كان فيه

بــفــضل دُعــــائهـــم عَـــمَّ الــحُــبـُـورُ

*

و(أمُّ ابــيـهــا) إنْ ذُكِــــرَتْ بـــشـــأنٍ

يـَــفـِـيـضُ بِــذِكْـرِها الخَـــيْــرُ الــنَــزِيرُ

*

لـــهــا مِــن قُـــدْسِ والِــدِهـــا ضِـــيـاءٌ

بــفَــضْــل سـَـــنـائِـه انــفَـرَجَ الحَسِـيـرُ

*

وشَــــعَّ الحـــــقُ، فـانـدثَـــرتْ قِــلاعٌ

بهــــا  فُــــسْـقٌ وظــــلــمٌ مُــــسْــتــطِير

*

وأزهَــــرَتِ الـمحـافــلُ، فــــي وفــاقٍ

وفــاضَ الـوَعــيُ، وانـتـفـضَ الضمـيرُ

*

لــكـل رســــــالــةٍ، زمَــــنٌ وأفــــــقٌ

وأفْـــقُــك، دون تـــحــديــدٍ  يـــســيـــرُ

*

إضــــاءاتُ العـــلـــومِ لـــهــــا دوام ٌ

فــــلا تَـــرَفٌ  يـــدومُ ، ولا قـــصــــورُ

*

(ومـــا اسْــتَــعـصى عـلى قــوْم مَــنالٌ)

خُـــطــاكَ لـــهــم، مـَــفــاتـِــيــحٌ تَصِيرُ

*

خــتَــمْــتَ الأنــبــيــاءَ، وكـان مِــسْــكـا

بِـــطِــيــبــِه فـــاقَ مـــا حَـــوَتِ العُطـورُ

*

صــياغــات الــبـَــــيان، لــهــا صَـداهــا

وصــوتُــك فـــي الــدفــاع، لــه زئــيـــرُ

*

عَــلا، والــنــصــرُ رافـَـقـــهُ  قَـــرِيـنـاً

يـُــــؤرِّخُ كــــلَّ اشـــــــراقٍ يَــــزورُ

*

ومُــــنْــذ ُجَـعـَـلْــتَ للإنــصاف نَـهْـجــاً

تـَـحَــسَّــــنَــت الـــعَـــلائـــقُ  والأمـــورُ

*

مَــصــابــيـــحُ الأمــانِ انَــرْتَ مـــنـهــا

قـــلــوبـــا واســـتـفـاق بـــهـا الغَــريــرُ

*

وشــــاء الـلـــهُ أن يـَــهَــبَ المــساعــي

حـــراكــا فــيــه تـــنــشــرحُ الصـــدورُ

*

فأوْحى مـا  نَــطَـقْــتَ: (حـسيـنُ مِنّي)

وانـــك (مــن حـسين)، ســَــنَـا ً يدور

*

تَـــــمَـــنَّــوْا أنْ يُـــذلَّ الــسِـبْــطُ حـــتـى

يـُــهـــان بِــــذِلّــهِ الـــديــــن الــوَقُــــورُ

*

فـــأذهَــلـهـــم  بـــتَــصـمِـــيــم وعــزْم

بـــأنَّ الـــديــــنَ  تـَــفْــدِيــه الــنُّــحــورُ

*

ولـــولا  ذا الــفِــدا، عَـــبَــثَــتْ قُـرودٌ

وســــادَ الــديـــنَ تــضْـلـِـيــلٌ مَـــرِيــرُ

*

أبـــا الــزهـراء، أنـت لــنـا شـــفـــيــعٌ

بـــيــومٍ، فــــيـه يـُـفْــتَــقَــدُ الـنــصـيــرُ

*

وذِكْـــرُك إنْ تــألّـــقَ فـــي حــديــــثٍ

يَـــــهــونُ الصّــعـبُ والأمـرُ العســـيـرُ

***

(من الوافر)

شعر عدنان عبد النبي البلداوي

أعرف جيدا أيها الزمن

دبيبك تحت جلدي المغضن

آثار محراثك اليدوي

على أسارير وجهي

إستدراجك عيني الجميلتين إلى العتمة الأبدية

نهش عظامي مثل كلب البولدوغ

كلماتك الساخرة

على وجوه المارة

ضحكتك المريبة في الباص

نباحك الليلي في بستان الأرمل

أيها الزومبي الذي مزق ألبوم العائلة

شرد طفولتي البائسة

دهس الكثير من أصدقائي

بعربة الصيرورة

طارد أشجارا تمتح الضوء من شراييني

هكذا أيها الزمن

لم تزل تركل السكارى في الكازينو

تغرز نابك في نهد الغرسونة

تكتب على الحائط المتداعي

إنتظروني هنا

ريثما أجلب التوابيت للشعراء

هدايا نادرة للمسنين

أعرفك جيدا جيدا

سيارتك الليموزين

التي تجوب بها الشوارع

تفتح النار بدم بارد

على عابري السبيل

ثم تختفي وراء  اللامكان

مخلفا طابورا من القتلى

والبيوت المهدمة

أيها الزمن

أيها الدراقولا الملطخ بدم الضحايا

أعرف ذئابك القرمة

التي تعوي داخل ثياب العجوز

أعرف جوهرك المقدود من الزئبق

طريقتك القذرة في قنص المحسوسات

مؤامرتك التي تحبك في المقابر

والأماكن الموحشة

المقابر الجماعية التي حفرتها بأسنانك الصدئة

قنابل الدمار الشامل

التي تصنعها في رؤوس الجبال

رغم طعناتك المكرورة

طلقات مسدسك الكاتم للصوت

سأظل محصنا بسحر الكلمات

بمحبة أبدية لروح الموسيقى

وإشراقات النحت.

***

فتحي مهذب - تونس

 

خِلسَةً يَلثِمُ شَفتيها

بينَ ظِلالِ القمر

يَسرقُ مِنْ خَفقِها

نَبضَتَين

تُحاوِرهُ.. تُغازِلهُ

بِعَينيها الناعِسَتين

تُداعبُهُ بزَهرةِ الخُلودِ

وتَختَفي خَجِلةً

بين نُجومِ اللَّيلِ

ما زالَ عندَ أَعتابِ البرد

يَنتَظِرُ، يُحتَضَرُ

شَوقاً.. شَغَفاً

وهناكَ مِنْ رُوحِها تَبُثُّ

العطرَ وهالَةَ حَنينٍ

تُرَى؟

هَل سَتلِدُ غَيمَةَ الحُلمِ؟

يُسائِلُ قَطراتِ النَّدى

يَستَغيثُ الوَردَ

يَتَوسَلُ قَوس قُزَح

ثم يغفو مُتوسِّداً

عطرَ الليمون

مُفتَرشاً زخَّاتِ المَطر

يَجْدُل خُصلاتِ الأَمل

ذاتَ صَباح

يَصحو فَيَجِد

قَرنفُلةً بيضاءَ

بين شَفتَيه

وعلى راحتيه فراشةُ الفردوس

***

سلوى فرح - كندا

سأبدأ بلعنه أولا، ثم لعن زوجته ذات الوجه الدقيق الرقيق المدقق والأنف الخارج بين خديها الأصفرين صفار لون البلح.. زوجها ذاك الأبله المعتوه، السمين سمنة فائضة بدون تقويم حسن يا لطيف.. كلما مر بالزقاق المطل على الساحة، يناديه مجنون الحي بفمه المشرع للذباب، وبأسماله المزركشة الألوان.. يناديه مقهقها وهو يشير إليه بأظافره الطويلة المتسخة:

هذا الغليظ عمي جلول، لقد أكل زوجته هذه الليلة وكل يوم يأكل بعضا منها.. ويستمر بالقهقهة إلى أن يغيب عن ساحة الحي.. مهرولا وهو يقبض بسرواله الآيل للسقوط.

ملعونة هي وأبناؤها الثمانية، لا أعلم كيف تستطيع هذه النحيلة أن تلد؟، كيف ولدت هؤلاء الخنافيس دون توقف؟

كل سنة نرى بطنها منتفخا وباقي جسمها يتمايل لدرجة أنها في أحايين كثيرة تجلس القرفصاء بباب الجيران لتأخذ قسطا من الراحة والهواء، وهي عائدة من الأسواق.. تعشق الأسواق وكل حوادث الحي تعلم تفاصيلها، فلان دخل المستشفى، فلان ضربته زوجته بالزيت المقلي على قفاه، علان أكل حق أخته في الميراث، فلان تزوج للمرة الثالثة، فلان سرق فلانا، فلانة تخون زوجها مع ابن عمها.. تعشق الكلام والرغي الزائد.. يلقبونها بأم اللسان القرطيط.. لا يسلم من لسانها حتى المواليد الجدد، إذ ترى فيهم عيوبا، لايمكننك أن تراها بعينك المجردة..

ملعون ذاك الجرذ الصغير إبنهما لا يسلم أحد من أذيته، حرفته سرقة لعب أطفال الجيران..

وإبنتهما الثالثة كانت تشاكس كثيرا عمي السفانجي وتنعته بالأعمش ولن تتركه إلى أن يعطيها واحدة حتى ولو لم يكتمل طهيها ليتخلص منها بسرعة.

الملعون زوجها وأب الجرذان الثمانية كما كان ينعته الحاج سلام القمحي السحنة.. كلما هم بالخروج من الحوش إلا وشم رائحة الأزبال المكومة قرب الدار..  بالزقاق الضيق وجيش الذباب والحشرات في استعراض سبحان الخالق.. يسب ويلعن اليوم الذي سكن بهذا الحي المشؤوم رغم أنه يعيش بينهم، يصلي بهم بالجامع القديم ذو الجدران الباردة.. الحاج سلام الأسمر اللون القادم من الجنوب، يقوم بختان الأولاد وعلاج أمراض اللوزيتين ويكتب الأحجبة والتمائم للناس كتميمة جلب الرزق، وتميمة جلب الحبيب والعريس، وتميمة الحظ والنحس والطلاق والكشف عن السحر وإبعاد الأرواح الشريرة والجن..

 الحاج سلام يعيش بينهم ويسبهم وينعتهم بحطب جهنم.. (الله يسلط عليكم الصواعق والرعد والبرق والبق وشجرة الزقوم، أيها اللقطاء..) كلمات غالبا ما يرددها أمامهم وفي قلبه.

الملعون جلول السمين، لا يعرف أحد من أين جاءته تلك البدانة أهي من كثرة الغم والهم أم ان الرجل لا قلب له ولا يهمه هم الدنيا كما سمعته يقول عند عمي البقال مول الحانوت وهو يشتري منه بعض لوازم البيت.. (اللي بغاها كاع خلاها كاع)..

زوجته رغم نحالة جسمها لا تترك أحدا من الناس إلا وتعاركت معه.. في أحد أيام الصيف الحار بلهيب حارق، لا شيئ يتحرك في المكان ولا في سماء الكون.. في صيف قائض يومه كان إبنها الأوسط يتسلق جدران الجيران ليجلس فوق السطح كي يدخن سيجارته المسروقة من عباءة الملعون أبيه، بعد أن أتم سيجارته والتي شربها بنهم وسرعة، دون اكتراث ألقى بها وسط حوش عمتي لويزة الوقورة النقية الطاهرة.. والتي لها بنت واحدة عانس تجاوزت الأربعين من عمرها.. تتكلف بأمها وبنظافة البيت.. أبوها مهاجر لا يعود إلا نادرا.. حتى ألفنا أن عمتي لويزة لا زوج لها.. هذا قدرها وقدر الكثيرات من بنات البلد.. لكن البلاء الحقيقي هو الملعون وأبناؤه الذين يجاورونها كالبلاء والوباء والقضاء المقدر.. وهي الورعة الزاهدة دوما تقول كلما رأت مالا يعجبها.. اللهم نسألك العفو والعافية والصبر والسلوان على هذا المصاب الجلل..

لما استيقظت عمتي لويزة صباحا وجدت عقب السيجارة وسط الحوش، فنادت يا ربي السلامات من أين جاء هذا الويل فنادت حورية بنتها الوحيدة.. لما العجب يا مي؟

إنه ابن الملعونة هو من يدخن فوق السطح ويلقي بزبالته عندنا..

كان السمين جلول عاشقا للأفلام الهندية، وخاصة الطويلة منها والتي تلتهم من عمرك ثلاث ساعات بين الحقول وأحضان الفولكلور الهندي والحب والإنتقام والفقر وبؤس المهمشين وقضايا العدل وظلم ذوي القربى.. وخاصة في فصل الشتاء، جلول كلما كان يلج إلى قاعة المسرح إلا وبيده قرطاص مملوء بالزريعة، يلتهمها باشتهاء ضبع لضحيته ويتلذذ بملوحتها..

يشرد بذهنه بين جبال وهضاب ووديان وأشجار سرو الهيمالايا والمطر يهطل بغزارة، وبطلة الفيلم بين مخالبه وكأنها الزريعة يقشرها..

وفي لحظة ما ينتهي الشريط وتموت زيناتمام البطلة، يحزن الملعون جلول، يحزن بعمق، يتأسف، ويلعن المخرج والشعب وبائعي الساندويتش على ناصية الطريق قرب السينما، تمنى من أعماق قلبه لو ماتت زوجته النحيفة المنحوسة الملعونة وبقيت البطلة على قيد الحياة

.. يحزن عليها، كحزنه يوم سقوطه من الشاحنة، التي كانت تقله إلى حقول الفلاحة لجني الثمار.. مع آخرين من المياومين والموسميين الجدد المستقدمين من بلاد الله الواسعة.. سقط وتركوه مرميا يتمخط في التراب المخلوط بماء السواقي المتدفقة، على جوانب المسالك المتربة..  ويصرخ مرة، ويئن مرات أخرى..

عاد جلول بعد انتهاء الفيلم الهندي الحزين إلى زقاقه وهو يغني كل ما حفظه من كلمات هندية بنغالية وتامولية أو بنجابية..  بأعلى صوته كعنزة أو كلب مسعور.. والناس نيام..

فيستيقظ الحاج سلام فقيه الحي وحجامه ومطهره ومغسل جثثه عند الممات برفقة جاره الجزار المخمور دوما ذو البذلة المليئة ببقايا الشحوم وبقع الدم وروائح اللحم، يستيقظ.  الحاج سلام مفزوعا على نهيق وصراخ الملعون جلول السمين، فيركل الباب الحديدي بركلة واحدة حتى يتردد صداه عند نهاية الشارع الخلفي، ثم يرتطم الباب الصدئ بالحائط أكثر من مرة، 

عند عتبة الحوش المشرع على الزقاق الضيق يقف الحاج سلام وبيده عصاه الغليظة ذات النتوءات الحادة الرؤوس..

ليسبه بصوته الجهوري المسموع من داخل الدار.. ينعته بجميع الصفات، يا بن الكلب، يا وجه النحس، يا حطب جهنم..

.. فلما رآه جلول انحنى على ركبتيه وهو يطلب السماح والمغفرة ككل مرة..

كلما رآه بعد منتصف الليل وهو يترنح يسارا ويمينا وصراخه يملأ الزقاق الفارغ خاصة أيام الشتاء.. انحنى على ركبتيه يطلب المسامحة وهو يقول عمي الحاج هاذي والتوبة.. سأتوب وإن لم أفعل إكسرلي عظامي..

فرد عليه الحاج سلام:

من شر ما خلق..

لو لم تكن لديك تلك الطزينة المنحوسة لقتلك أيها العفن..

وزاد مسترسلا:.

لكن أبناءك عقوبة من الله في الدنيا، وزوجتك سخط السماء عليك..

جلول اغرورقت عيناه على ما سمعه، فهمهم بشفتيه بهمس غير مسموع، وبدأ بالبكاء رافعا يديه إلى أعلى ملتصقا بجدران منزل الحاج سلام المهترئ وبدأ بتهشيم رأسه الغليظة..

 السي الفقيه سلام، غير مبال بما يصنعه جلول برأسه المنتفخة، وهو يصفعها مع الحائط المهترئ الرطب.. ومع ارتفاع صراخ السي جلول وهو يعيش حالة من الهستيريا كمن أصابه غبن موت بطلة الفيلم الهندي وتهديد وسب الحاج سلام له، وفقره وأميته المزمنة وعطالته وحياته من بدايتها إلى هذه اللحظة.. بعواء الذئاب ونباح الكلاب المسعورة ومواء القطط المتشردة ينبعث صراخ جلول من أعماق بطنه وصدره..

الحاج سلام فقيه الحي وحكيمها غير مبال رافعا عصاه إلى السماء يزيده قائلا: يا بن الكافرة لو لم تلد تلك الرزمة من حطب النار لقطعتك ودفنتك في مزبلة البايلك أيها العربيد،

رد عليه جلول بعد أن سكت عويله بشكل مفاجئ والدم يسيل على حاجبيه الكثيفي الشعر..: ماذا فعلت لك عمي الحاج ؟ أنا مغرم بالأفلام الهندية آه يا عمي لو ترى تلك الهندية التي تتزحلق من أعلى الهضبة وهي تتلوى كالحية، آه يا عمي لقد ضاع عمرك بين أهل الحي المتسخين والمرضى.. ما ذنبي إن غنيت لهؤلاء التعساء ليلا وهم أرواح ميتة لا ترقص ولا تغني.. ألهذا ستعاقبني يا عمو.. ألم يقل الله ولا تنسى نصببك من الدنيا..

أسكت أيها الملعون واغرب عن وجهي، رد عليه الحاج سلام وهو يغيب داخل الحوش ليستعد لصلاة الفجر.. متمتما لا حول ولاقوة.. إلى أن انخفض صوته داخل بيت الماء..

بعد أيام من هذا اللقاء، عمتي لويزة وهي تتفقد سطح البيت لتجد دجاجاتها غير موجودة في الخم.. وهي تنتحب وتنادي ابنتها لقد سرقوها أولاد الجنية.. فهرولت للزقاق تبحث عن إبن الملعونة، إذ لا يمكن لأحد آخر أن يتجرأ لسرقة عمتي لويزة إلا هؤلاء الملاعين، (حطب جهنم) هذا ما تقوله في دواخلها، وهي تلتفت في كل اتجاه إذ وجدته كما العادة يرتكن زاوية المقهى الصغير قرب ساحة الحي، وهو يتوسد كارتونة وبيده علبتان من السجائر يبيعها بالتقسيط للشباب المبتدئين وحتى الشيوخ المهترئة أسنانهم..

وجدته وعيناه مغروستان نحو تلك الجميلة بنت صاحب محل الخبز عمي علال الذي هجره أبناؤه وزوجه لشدة بخله إلا واحدة ما تزال تعيش معه لتساعده على تجارته، وكل شباب الحي يفضلون الإبتياع من حانوت أبيها لما تكون معه وراء الكونتوار الخشبي العالي جدا، لعلهم يفوزون بنظرة خاطفة لعينيها الجميلتين الجذابتين، أو خلف ظهرها لما تستدير لجلب بعض المواد التي يريدون شراءها.

الملعون الصغير يسافر بخياله، وهي رفقته يده تحضن يدها قرب النهر اليابس إلا من بعض البرك العفنة، وراء شجر السدر، خلف الحي..

 وعلى غفلة منه استفاق من حلمه على صرخات الحاجة لويزة: يا سارق أين أخذت الدجاجات يا بن الملعونة..  فتحلق الناس حوله، ودون أن يستفسروا عما يقع، بدأوا في سبه وشتم أمه وأبيه وجذور أصل شجرته، ولطمه الجميع على جميع جهات جسمه وهناك من راودته فكرة تكتيفه وتعليقه ورجمه بالحجارة، لولا ألطاف الله الجبار المنتقم والفعال لما يريد..   

 لحظتها تدخل أحد زبائن المقهى، يبدو أنه أحد المتعلمين، وربما يكون أحد المثقفين الذين يطالعون الجرائد اليومية ويملؤون شبكتها لقتل الوقت.. ، يبدو أنه معلم أو طالب، او عاطل عن العمل وربما قد يكون شيوعيا حسب ما يشيعه عنه بعض المخبرين الذين يراقبون كل صغيرة وكبيرة داخل المدينة، تدخل الرجل صاحب الجريدة بعد أن تحولق الكثير من الناس صغارا وكبارا ذكورا ونساءا، شيبا وشبابا، معوقين، ومجانين، في جوقة لا أول لها ولا آخر، والملعون الصغير سارق الدجاج يزعق بأعلى صوته ثم يسقط أرضا على ظهره رافعا رجليه ملوحا بهما في كل الإتجاهات، والحاجة لويزة تطالبه باسترداد الدجاجات..

لحظتها نطق صاحب الجريدة وهو يلوح بجريدته في السماء قائلا: يا سكان الحي، أسكتوا أريد أن أعرف ماذا وقع بالضبط ؟ فأجابه الكل دفعة واحدة: (هاذ ولد لحرام شفار شفناه يسرق الدجاج..) في نفس اللحظة المنبوذ الصغير، تحول إلى حلقة ضئيلة واضعا رأسه بين خديه، ممسكا بعلب السجائر لكي تضيع وسط الزحام واللغط والفوضى.. صاحب الجريدة بأعلى صوته يأمر الناس بالصمت والنظام.. متسائلا:

وهل كنتم جميعكم فوق سطح عمتي لويزة ؟ مع شرح مبسط لحيثيات الإشكالات الإجتماعية والاقتصادية. ، مع شرح البنية التحتية للحي وعلاقته الجدلية بالأفلام الهندية والحرمان..  وبينما هو كذالك تمر دورية للبوليس، في رحلة تفقدية للمناطق النائية.. لحظتها نزل ثلاثة من العربة الرمادية، آمرين الناس بالابتعاد قليلا ليتضح لهم المشهد كاملا..  رئيسهم أمر باعتقال الصغير الملعون لنصف يوم بتهمة بيع السجائر بالتقسيط، واعتقال صاحب الجريدة بتهمة الإخلال بالأمن والنظام العامين، وانتحال صفة..

هكذا تفرق المنبوذون، وبعد عودة عمتي لويزة إلى البيت تذكرت ان الدجاجات ماتت بمرض السالمونيلا التي تصيب الإنسان أيضا.  

***

محمد عجرودي / باريس

 2024       

 

الساعة على وشك منتصف النهار، وضوء الشمس في يوم صيفي قائظ قد حرك ستائر نافذه غرفة النوم بلهيب رقراق.. فتحت نجوى عينيها لكن ما لبثت أن أغمضتهما من جديد، واضعة ذراعها على وجهها، فاشعة الضوء كانت اقوى من أن تحتملها مقلتاها..

من شهر وقبل أن يعلن الصيف لهيبه المبكر بعد سنة من جفاف شح فيها المطر، ونجوى تفكر في تغيير ستائر غرفتها بأخرى أكثر سمكا وأشد غمقا. يداهمها أمر مفاجئ فتنسى الستائرالى أن يأتي يوم جديد، تضرب الشمس عيونها صباحا فتنتبه للستائر التي يجب أن تغيرها..

أكثر من مرة خرجت لتقتني ستائر جديدة، فتتدفق عليها، ذكريات ماضية في الطريق، فتقصي كل غرض قد خرجت من أجله؛ كم حاولت أن تتغلب على نسيانها هذا لكن لا تلبث ان تسقط فيه وتتمرغ في جديد طارئ تنشغل به الى أن يتبخر الأصل الذي كانت تعول على إنجازه..

اليوم يوم الستائر عبارة وضعتها في صلب عقلها وعلى طرف لسانها ترددها:

الستائر، الستائر، الستائر.. ولاشيء اليوم غير الستائر..

تعد فطورها وهي تركز في نوعية الستائر التي تناسب ألوان غرفتها، تتناول ما أعدته وألوان الستائر هي ما يرفرف أعلاما بألف نوع وشكل، مصفوفة أمام بصرها،  تضيف لغرفتها جمالا ورونقا، تغير لباسها وهي تدندن:

طلع الصهد فالراس

ودوخني حر اليوم

النسيان راه وسواس

يجيب لعتاب واللوم

الرضا بواقعها ما يملأ صدرنجوى بقناعة، فهي قد فقدت أمها وهي صغيرة، وكان ابوها غارقا في السياسة تبتلعه بمشاكلها الى أن أخذت عمره ففقدت نجوى كل حنان قد يعوضها غياب الأم، ملأت الغربة كيانها وكادت أن تبدد شخصيتها التي تشرذمت حين هاجر أخوها الى كندا لاتمام دراسته، ولم يتبق لها غير الغربة تعقد معها ألفتها..

طرقات على الباب تقرع سمعها فترد باسمة:

ـ ستائر انتظري..

تتوالى الطرقات.. من هذا المتعجل الذي اتى ليشغلها عن الستائر؟

يفاجئها بالباب رجل أشعث كث اللحية ذابل الجسم يبادرها بسلام..

تدير وجهها وقد أقفلت الباب وهي تقول: "الله يسهل "

صدى الرجل يصل اليها متقطعا كأنه يتوسل أمرا:

ـ نجوى أرجوك، تمهلي..

بسرعة تعيد فتح الباب وقد فاجأها الرجل وهو يردد اسمها. تقف أمامه متفرسة في وجهه.."أعد ما قلته"

يخفض الرجل بصره ويردد ـ

لم أقل شيئا للا نجوى، بادريني بأكل الله يرحم الحاج المعطي..

ردد العبارة بمسكنة وتذلل ولدت في نفسها شفقة ورحمة

تزداد استغرابا، الرجل يعرف اسمها واسم المرحوم أبيها، ربما أحد ممن كان تحت سلطة أبيها.. تشرع له الباب وتدعوه للدخول قبل أن تتحقق ممن يكون.. تتركه وتقصد المطبخ لتجلب له أكلا..

حين عادت وجدته يتفرس في محتويات البيت، وكأنه يسترجع ذكريات ماضية.. ركبتها رهبة جعلتها تأخذ كل الحذر وهي تضع له ما يسد به جوعه.. فما أثارها في الرجل أكثر بكثير مما استكانت اليه، وقد شرع يتصرف وكأن لا أحد يستطيع مقاومته..

دلفت الى غرفة نومها، أخذت هاتفها وحاولت ان تستدعي خالها، إذ يلزمها مؤنس يصد عنها ما قد يباغثها، فصدماتها السابقة في فقدان أمها ثم قتل أبيها غدرا من قبل رجل دنيء الأصل رضيت به  زوجا، جعلها تشك في زائر غريب كم تؤنب نفسها بتوبيخ وندم أن سمحت له بالدخول الى البيت وهي وحيدة بلاحماية.. بسرعة يفاجئها الرجل بباب غرفة نومها يتطلع اليها في خبث فتضطرب، عيناه تنفذان الى دواخلها في وقاحة لم تلاحظها من قبل، يسقط الهاتف من يدها:

ـ من أنت؟ وماذا تريد؟ تركتك تأكل وأنا بك واثقة، وأمهلتك حتى تنهي أكلك ثم أسألك عمن تكون؟

كشر الرجل عن أسنان سوداء :

ـ أحقا لم تعرفيني؟ أنا فعلا تغيرت..ألم تكوني تسخرين من سمنتي؟..أنا إسماعيل، زوجك، حبيبك،  من كنت تسمينه "عبل " خرجت أمس من السجن واليك بادرت بزيارة..شوق الى مطلقتي العزيزة..

ترتعب، حلقها يجف، والحصرم ما يتوقف في حنجرتها،  كل مافيها يهتز من رعب، عشرون عاما غيرت شكله.. كان بدينا حليق اللحية، أقصر قامة مما هو عليه الآن..وها هو أمامها بشعر طويل، ولحية كثة،  ضامر الجسم وقد غارت عيناه فصارت كل عين في وقب عميق تحيطه حراشيف وقشور.  تتجلد متحملة نظراته الوقحة عساها تخفي عنه خوفها، لكن عقلها شغال، يبني حلولا لنجاتها.. تراجعت قليلا الى الخلف، تمسكت بستائر النافذة..

ـ ماذا تريد مني، قتلت أبي، وافترقنا بطلاق، فماذا تريد بعد؟

يسترسل في ضحكات المكر مكشرا عن أنيابه فتتبدى أكياس صغيرة تحت عينيه كأنها مملوءة بسوائل على وشك الانفجار،  رعب أكبر يتملكها، شيطانا يتبدى لها، جثة أبيها تتماوج أمام ناظرها، بدقة تراقب الزائر أمامها في لحظة تحاول أن تطرد صورة أبيها حتى لا يغيبها أثر الحادثة عن حضور البديهة، فينقض عليها كما انقض على أبيها حين فاجأه وهو يفتح خزينته فطعنه بسكين بلارحمة ثم ارداه قتيلا..ولم يتم القبض عليه الا بعد شهرين من بحث وتربص..

يتقدم خطوة منها، عيناه تتحركان كبوصلة تحدد موقعا، أدركت أنه يتقصد أسهل طريقة للارتماء عليها وشل حركتها "قاتل، خبرته كبيرة بكيفية الانقضاض على ضحاياه ".. يرن الهاتف، فيتراجع، و بلهجة آمرة يقول:

ـ ردي على الهاتف، ربما يكون حبيبا، خطيبا جديدا، أليس كذلك؟

أدركت أنه يريد أن يتمكن منها فتعمدت أن تترك الهاتف يرن فوق سرير نومها، لاتوليه التفاتا، حذرة من أن تفقد قدرة تركيزها على الزائر.. يقترب أكثر من السرير، ثقته بنفسه شجعته على أن يمد يده ليلتقط الهاتف، استغلت انحناءه و نثرت ستائر النافذة بقوة، والقتها عليه فصار يتخبط داخلها كمن ركبه مس من جنون، يضرب يمنة ويسرة يحاول الانفكاك من شرنقته..

بسرعة تفتح النافذة وتقفز منها الى حديقة البيت تستغيث.

حاول الهروب بعد أن تخلص من ستائر النافذة فوجد حراس الحي بالباب وقد تنبهوا لاستغاثتها فأطلقوا الكلاب تنهشه نهشا الى أن اتى رجال الشرطة..

خسيس وضيع، لم ينفع فيه سجن ولا عقاب يوم أتى لخطبتها لم يكن غير موظف بسيط قفز بالتملق يرتقي السلالم بسرعة بعد أن ساعد اباها في الانتخابات الجماعية فاستخصه الأب كاتبا له حين تم انتخاب أبيها عمدة للمدينة، ما أن تزوجها بعد تزلف كبير لأسرتها  حتى ظهرت أطماعه و نوازعه الشريرة.. انحطاط نفسه جعله يتاجر بأسرار ابيها لصالح منافسيه من تيارات أخرى وعليه يتآمر.

ذات ليلة.تسلل اللئيم من غرفة نومها وحاول سرقة وثيقة سرية وخطيرة من خزانة أبيها ولما كشفه الأب أرداه اللئيم قتيلا ثم عاد الى جانبها لينام قرير العين حتى إذا اصبح الصباح روج كان ممن روجوا عن أبيها التلاعب بميزانية الجماعة فانتحر اتقاء للفضيحة..لكن دهاء الشرطة كان اقوى من نفسه الشريرة فكشفت لعبته بأثر دم لا يكاد يبين وجد على وسادة زوجته فكان الخيط الذي عرى جريمته التي تم على إثرها حل حزب وتوقيف أشخاص آخرين.. شهران وهو فار متخف في قبو أحد معارضي أبيها الى أن كشفته الزوجة الثانية للمعارض..

لم تنس نجوى ستائر نافذتها، رحل الصيف وحلت تباشير الخريف بعد إقامة عند خالها لشهور، وعاد أخوها من كندا، وقد هدأت زوابع زائرها القاتل اللئيم الذي تم الحكم عليه بالمؤبد لتختار ستائر لنافذة غرفة نومها وهي أكثر صلابة واوفر ثقة بنفسها، بين عيونها قرار حتمي: لاثقة في سائل متمسكن، ولا شفقة على دنيء وغد..

(1)  الـقـصـيـدة ومـلـهـمـتـهـا

وإذا الـقـصـيـدةُ أنـشــبَــتْ أوتـادَهـا (*)

ألــفــيـتَ كـلَّ تـوسُّــلٍ لا يــنــفـعُ

*

هـيَ ما تـشـاءُ ولـيـسَ أنـتَ فأمْـرُها

إنْ لم تُـطِعْـهُ تَضِـعْ ولا مَـنْ يـشـفـعُ

***

كـالـحُـلـمِ تـأتـيـنـي بـلا وعـدٍ..

تـدقُّ عـلـيَّ أبـوابـًـا مُـغَـلَّـقـةً ..

فـأفـتـحُـهـا

عـلـى أمـلِ اصـطـيـادِ غـزالـةِ الـرؤيـا

فـتُـشـغِـلـنـي الـقـصـيـدةْ

*

عـنـي ومَـنْ حـولـي

تُـريـنـي بـعـضَـهـا وتـفـرُّ..

أركـضُ خـلـفـهـا مُـتـأبِّـطـًـا قـلـمـي..

فـتـهـربُ..

ثـمَّ تـفـجـؤنـي

تُـطِـلُّ عـلـيَّ فـي الـمـقـهـى

فـأنـسـى قـهـوتـي والـمـاءَ

أنـسـى مـا أتـيـتُ لأجـلـهِ فـي الـسـوقِ

أنـسـى مـوعـدًا حـدَّدْتُـهُ فـي مـطـعـمِ " الـبـارون " (**)

تُـنـسـيـنـي الـدواءَ ومـوعـدي الـطـبـيَّ

أبـقـى حـائِـرًا

فـأنـا الـمُـطـارِدُ والـطـريـدةْ

*

كـالـوعـدِ تـأتـيـنـي الـمـلاكُ الـسـومـريَّـةُ..

تـوقِـظُ الأقـمـارَ فـي لـيـلـي

وتـجـعـلُ يـقـظـتـي حُـلُـمًـا

وتُـدنـي مـن وسـادتـيَ الـنـعـاسَ

لأسـتـفـيـقَ عـلـى شـجِـيِّ هـديـلِـهـا

طِـفـلاً ..  فـتـىً ..

شـيـخًـا  تـصَـوَّفَ ذاتَ فـيـضٍ

فـاصـطـفـى يـنـبـوعَـهـا الـصـافـي مُـريـدَهْ

*

مـا بـيـن خـوفـي مـن فـرارِ غـزالـةِ الـرؤيـا

وركـضـي فـي بـراري الأبـجـديَّـةِ ..

بـيـنَ نـفـسـي والـقـصـيـدةْ:

*

نـفـسُ الـذي بـيـنَ الـوَلـودَةِ

والـوليـدةْ :

*

طَـلْـقٌ  ولـكـنْ صـامـتٌ..

وتـوسُّـلٌ ..

فـالـشـعـرُ كُـرسـيُّ اعـتـرافـي..

كـاهِـنـي..

صـوتـي..

وشـاهِـديَ الـوحـيـدُ عـلـى جـريـمـتـيَ الـوحـيـدةْ

*

حـيـن اتـخـذتُ الـعـشـقَ دِيـنـًـا

واقـتـدَيـتُ بـ " آدمَ " الـمـطـرودِ مـن فـردوسِـهِ

فـأنـا قـتـيـلـي..

والـلـهـيـبُ أنـا..

وأحـطـابـي أنـا..

وأنـا الـرمـادُ الـمـسـتـجـيـرُ

ولـيـس عـصـرَ الـمُـعـجِـزاتِ الـعـصـرُ..

مَـنْ ســيُـعِـيـدُ أحـطـابـي غـصـونـًا مـرةً أخـرى

ويُـرجِـعُ لـيْ طـريـفَ الأمـسِ

والـحُـلـمَ الـمـؤجّـلَ مـنـذُ آخـرِ فـيَـضّـانٍ

فـي الـفـراديـسِ الـسـعـيـدةْ؟

*

والـشـعـرُ مـقـبـرتـي الـتـي واريـتُ فـي سِـردابِـهـا

جـثـمـانَ أحـلامـي الـشـهـيـدةْ

*

وأنـا سـأدفـنـنـي غـدًا فـيـهـا

لأغـدوَ لِـلـتـي مَـدَّتْ يـراعـي بـالـمـدادِ

وصـحـنَ طـيـشـي بـالـرغـيـفِ:

مَـزارَ خـطـوتِـهـا الـوئـيـدةْ

***

يحيى السماوي

السماوة في 23/6/2024

.....................

(*) تناص جزئي مع قول الشاعر أبي ذؤيب الهذلي:

وإذا المنية أنشبت أظفارها

ألفيت كل تميمة لا تنفع

(**)(**) مطعم البارون: مطعم حديث في السماوة.

.........................

(2) نُـطـفـةً كـنـتُ ووهـمـا

نُـطـفـةً كـنـتُ بِـرَحْـمِ الـعـشـقِ

لا مـعـنـى لـمـعـنـايَ

وكـانَ الـقـلـبُ أعـمـى

*

فَـكَـسَـتـنـي ربَّـةُ الـعـشـاقِ إيـنـانـا هـديـلاً

وتـسـابـيـحَ ولـثـمـا

*

فـإذا الـنـطـفـةُ تـغـدو مُـضـغـةً

ثـمَّ اسـتـوتْ عـظـمـًا وشـحـمـا

*

حـيـن قـالـتْ:

كُـنْ فـتـايَ الـفـردَ فـي خِـدرِي

ونـاطـورَ بـسـاتـيـنـي

ومـفـتـاحـًا لِـقـفـلِ اللا يُـسـمّـى

*

وبـشـيـرًا بـتـعـالـيـمـي الـى " أوروكَ "

عـن عـهـدٍ جـديـدٍ

يـسـتـوي فـيـهِ الـضـحـى والـلـيـلُ

إنْ شـمـسـًا ونـجـمـا

*

جـعـلـتْ حـربـي مـع الـعـالـمِ:

سِـلـمـا

*

وحَـصـايَ:

الـدُّرَّ والـيـاقـوتَ والـتـبـرَ

ودرِّي ـ كـانَ ـ والـيـاقـوتُ فَـحْـمـا

*

ومُـغـنِّـيـهـا الـذي كـان الـصَّـمـوتَ الأبـكـمَ

الـعَـيَّ الأصَـمّـا

*

نـطـفــةً كـنـتُ

ووهـمـا

*

قـوسُـهـا صَـيَّـرَ مـن صـخـرِ مـفـازاتـيَ ظـبـيـًا

ومـن الأضـلاعِ سَـهـمـا

*

حـاسِـرًا عـن شَـبَـقِ الـمـحـراثِ لـلـتـنـورِ

والـمِـرودِ لـلـمـكـحـلـةِ الـمـائـيَّـةِ الـكُـحـلِ:

دخـلـتُ الـخِـدرَ ـ أو شُـبِّـهَ لـيْ ـ أبـصـرتُ فـي هـودجـهـا

الـبـدرَ الأتَـمَّـا

*

فـتـوضَّـأتُ

وصـلَّـيـتُ صـلاةً

لـم أكـنْ صـلـيـتـهـا قـبـلَ دخـولـي

جـنّـةَ الـصـوفـيَّـةِ الـلـذاتِ يـومـا

*

جـزتُ سـبـعـيـنَ وخـمـسـًـا مـن صـحـارى وبـحـارٍ

وسـهـوبٍ وجـبـالٍ ..

شـاخَ ثـوبـي

غـيـر أنـي مـا أزالُ الـغـضَّ روحـَـا وتـبـاريـحَ

وأشـواقًـا وحُـلـمـا!

***

السماوة في 24/6/2024

 

أَهذا هوَ "جوبيتر"

كما تَدلُّ عليهِ أَسماؤهُ الـغريبة؟

أَمْ انَّهُ إلهٌ يأخذُ هيئةَ طاغيةٍ

مُتَجَبِّرٍ ودموي؟

كما جاءَ في صحائفهِ الأَرضيةِ؟

أَمْ انَّهْ واحدٌ من أَكَلَةِ ألخنازيرِ

ولحومِ البشَرِ والدوابِ والنطيحاتِ

والمُتردّياتِ والعائماتِ في الأنهارِ والبحارِ

والسواقي والترعِ الريفية؟

*

أَيُّ إلهٍ هذا ؟

ياربي أَيُّ إلهْ

هذا الذي يُخيفُنا

وجُلَّ ما نَخْشاهْ

غضبُ اللهْ

*

لكَ أَنْ تكونَ ماتشاء

ولكنْ إياكَ أَنْ تحطَّ رأسَكَ

في رأسِ الربِّ الواحد

والباقي أَبداً وحدَهْ

والرافضُ أَنْ يُشْرِكَ فيهِ أَحدٌ

وإلّا سيمسخُكَ ثانيةً قرداً

أو ببغاءً أَحمقَ

أو غرابَ نحسٍ

أو صرصاراً أبلهاً

مثلما مسخَ المدعو

" جريجور سامسا "

وأَعْني : " فرانز كافكا "

ثُمَّ تركَهُ يزحفُ من جدارٍ الى جدار

ومن حضيرةٍ الى حضيرة

ومن مستنقعٍ الى مُستنقع آخرْ

ومن غابةٍ الى غابة

وهو مُغتربٌ عن ذاتِهِ

وهوَ لا يعرفُ مَنْ يكونْ

حيثُ يحبو في الفراغِ

وفي الظلامِ الخانقِ

وفي متاهةِ الجنونْ

***

سعد جاسم

 

ذات شوق سأهرب

أخاتل الظل

الذي يراقب وجه العزلة

داخل لغتي

ولن أحمل معي

أكثر من شفتين

تعرفان كيف

ترتعشان ذات

ابتسامة

ولا أقل

من قدمين

تجيدان

اختلاس

مساحة جيدة من وعورة

الفراغ بيني وبين

الارتطام بك

في ناصية

مورقة

رغم عنف الجفاف

هنا

بتوقيت

اللا مكان

لصورٍ خارج نص الممكن

حيث

ارکضُ أنا

ال سجنتُ

الظل في غرفة

الضوء

ريثما

ألقاك وحدي

في جوف

موجة

ترتب ملامح البحر

في مرايا الألوان

لأقيم للمفردة

عرسآ

عند صهيل المواقيت

هلموا

لفرح قريب

لعودة غريب

يحمل خلخالاً

لأنثى ترتدي

شالها عند كل نبوءة

عطر باقتراب المطر

وتصبح سربآ

من يمام

يموسق كل الفصول

على وجهة الأجنحة

و ... !!!

نطير

نطير

أخلف ظلاً

حبيساً

ورنة خلخال

وتحمل أنت حقيبة المواعيد

نحو

كثافة اللون في استراحة اللقاء

عند الساعة الخامسة

بتوقيت البنفسج ...

***

أريج محمد أحمد - السودان

 

ابتعد عن جسده حين حلق في غرفته المظلمة التي تطل على فناء خلفي تحفه اشجار البلوط الضخمه، لم يكن يرغب في الخروج الى العالم الخارجي المملؤ بالضجيج والفوضى التي لا نهاية لها. حتى انه بات يشعر بعدم الارتياح من جسده الثقيل الذي يملؤه الملل. شعر انه يسبح في فضاء الغرفة كخفاش يعرف الزوايا والفضاءات المظلمة التي يمكن فيها ان يلتصق وربما يتدلى لينام وهي عادة الخفافيش حين تخلد الى النوم.. ثم، ما لبث ان استقر في تلك الزاوية المقابلة لسريره القديم الذي تنبعث منه رائحة غير مريحة تماماً.. هكذا كان الخارج يبدو له وكأنه لعنة لا يريد ان تستوطن ذاته، ومع ذلك فقد اخترقت جسده ذات يوم عندما حاول أن يتحاور عسى ان نافذة بين عالمه والعوالم في الخارج قد تنفتح، عندها شعر بأنه محاصر ومن الصعب الإفلات من أسر ضجيج الكلمات والمفردات والأفكار المتقاطعة والمتلاطمة كالأمواج في بحر يبدو أنه لن يهدأ، وأدرك أن الإنسحاب والإبتعاد عن اللعنه إلى حيث لا ضجيج يبعث على القرف. لكنه وجد نفسه يطل على عالم هلامي لا حدود له يغمره ضوء النهار وتسبح في ليله النجوم التي لا احد يسطيع عدها أو يحصيها وما ورائها وما وراء الوراء الذي يتصوره العقل ولا يصدق كيف تسبح الأشياء في هذا اليم اللآمتناه.

حملق في جدران الغرفة المظلمة فوجد نفسه محاطاً بظلمتين الأولى داخل نفسه إلا من بصيص ضئيل من الضوء والثانية في خارج ذاته، وهما ظلمتان نقيضتان ومختلفتان ولكن يجمعهما اللون الاسود. ثم تسلل الى ذلك البصيص من الضوء وهو ممتد ولا يعلم مداه، ومع ذلك واصل الزحف بإتجاه نهاية النفق. وعندما داهمه الضوء الباهر لم ير شيئا غير العتمة، عندها سأله أحدهم في الخارج:

إلى أين أنت ذاهب؟

الى الضوء، وأضاف ولكني لا ارى شيئا من هذا الضوء.

ولماذا انت تريد رؤية الضوء؟

يقولون إنه في نهاية النفق؟

وسألة بعصبية، وهل تصدق كل ما يقال؟

وتابع يقول، اجبني.. قل الحقيقة، ماذا ترى الآن؟

أرى؟.. إني أرى عتمة ولكني لا اصدق ان ورائها ضوء.!!

وأنت، وكما اتصورك تبدو مغمور بالضوء، هل تراني اخرج من النفق أم لا زلت اقبع فيه، قل لي من أنت؟

لا اعرف، لو كنت اعرف لقلت لك.

ولكنك تعرف بأنك تسبح في الضوء.

نعم، ولكن الذي لا يعرف الظلام، لا يعرف غير الضوء.

صدقت، كلينا يعيش في عالمه لوحده.

ولكن، لماذا لا تتسلل مرة واحدة الى عالمي كما تسللت أنا؟

لماذا؟ وهل رأيت شيئاً غير العتمة؟

يا الله... العتمة التي اجدها امامي تتربص بي في كل ثانية وتتلون في طريقي وتتراكض كسحابات سماء على وشك ان تزخ مائها.. احيانا تجد كل شيء فيه عتمة ولكن من نوع آخر.

دعنا من هذا الكابوس.. دع كل شيء في مكانه وتعال معي الى عالم الضوء ولا تخف من العتمة التي سرعان ما تزول حين يصفو الضوء.

هل تمزح؟ والى متى وانت تظل تخوض هذا المضمار من العبث في واحدة من اهم دعابات العصر ايها المفكر؟

انزع جلدك وسأنزع جلدي وسنبقى عرايا في بحر الضوء ولا احد يرانا في العتمة.!!

***

قصة قصيرة في حلقات (من وحي كابوس في ليلة يغمرها الظلام).

د. جودت العاني

22/06/2024

 

تلك المَرأةُ في المرآةِ

ليسَت أنا..

لستُ من طَحنَ الألمَ

ورسمَ به كحلًا في عينيها

لستُ مَن مِن زُرقَة الاختناقِ

رشَّ "آيشادو"

تحتَ حاجبيها

أو صفّفَ حكايةً

في ليل شعرها .. لا لستُ أنا

هي تشبهُ أنًا ما صِرتُها

أو خُلقَت مصادفةً من ذاتِها

أعرفُها وتعرفني

يومَ فُقِئت بكارةُ الفَرحِ

وسُكبَ على مناديلِ العذريّة

خمرُ اليقظة

يوم تركَتْ لي

قصيدةً للذكرى

عاريةً كالحلم

باردة كالخراب

وانتزعَت من روحي سوسَنة

وعلى وجَعي لصقَت

شامة..

هي ليسَت ككلّ الأنوات

نرجسية

غاضبة

ثائــــرة

لا تنزع كعبَ اللامبالاة

هي من سبقتني

إليكَ ..

وقطعَت علينا الحكاية

هي من صُلب الحُبّ

انتزعَت له نهاية

فنُفيْتُ أنا

بكل شاماتي

وبقيت هي ترقُص

على حبل الغواية..

***

مانيـــا فرح

 

يا شجرةَ الرعدِ التي

غُصونُها البرقُ وثِمارُها

كلماتٌ من شُّجونِ.

هناك شيءٌ أريد أن أقولَه،

شيءٌ بليغٌ، غامضٌ،

يترككِ في دهشةٍ،

كما لو أنني شاعرةٌ كبيرةٌ.

شيءٌ جادٌّ، كَنَظريةٍ

لم يعدْ يُعملُ بها،

شيءٌ لا يتساقط عليه

ثلجي في منتصفِ الحكايةِ،

لا تهبُّ عليه رياحُ سرحانِكِ.

شيءٌ أقوله كعاصفةٍ

حين تنزل مرساةُ المزاجِ

فتسمعيه بقلبكِ،

وتتأجج منه بالدفءِ عيناكِ.

يا ليتني أستطيع

أن أقولَ شيئًا،

كما تقول الرياحُ أسرارَها للبحرِ،

وكما تبوح النجومُ بأحلامِها للقمرِ

أو أن أخلقَ من الكلماتِ،

ما يترككِ في حيرةٍ،

وفي قلبِكِ سعادةٌ دفينةٌ.

شيءٌ يبقى في الذاكرةِ،

ويعيش في الروحِ،

كأنني كنتُ هنا،

وكأنكِ كنتِ هنا،

في لحظةٍ لا تُنسى،

وفي كلمةٍ لا تنتهي.

قد يكونُ كلُّ الشعرِ..

فتمطرين في حضنِ سحابةٍ وتناجيها:

"أعيدي لي أجنحتي

لأحلِّق بعيدًا!"

تحت ضوءِ القمرِ،

يبدأ الطفلُ وإيّاكِ في الإصغاءِ،

وتبدأ الحكايةُ في الانبثاقِ،

تبدأ بطفلٍ يهوى القصصَ،

وتنتهي برجلٍ يرويها.

لكن، ماذا عن النساء؟

هنَّ سيِّداتُ الحكايا،

هنَّ الحكايةُ ذاتُها.

وفي النهايةِ،

يبقى الرجلُ طفلًا،

أمامَ حكايته،

أمام المرأةِ "الحكاية".

***

ريما آل كلزلي

 

الزمن ..

المساءُ يقتربُ بطيئاً

على مهلٍ

أستعجلُ الوقتَ.. ولكن

لغيرِ موعدٍ أنتظرهُ

للقاءِ حبيبتي

*

أتوسلُ بالليلِ

أنْ  يأتيَ

سريعاً

مقتحماً النهارَ

ينسدلُ كثيف  الظلمةِ

يغطي عورةَ العالمِ

*

وأنْ  تُضاءَ  فجأةً

سماء غزةَ

بألف الف  شمعةٍ

في كل منعطف ودربٍ

على ألف الف صليبٍ

**

أشلاءُ المدينةِ

موحشٌ  ليلُ  غزةَ

كاليأسُ يأتي

قاتماً

وكالغولِ  يجثمُ

بلا  حركةٍ

على  أشلاءِ  مدينةٍ  ممزقةٍ

يكتمُ  أنفاساً لاهثةً

ينتزعُ  أطفالاً صغاراً

من  حضن أم  خائفةٍ

لائذة بأنقاض  بيتٍ

تحت سماء اللهِ

وعلى أرضهِ

ينطفئُ آخرُ

بصيصِ ضوءٍ

لأمٍ  حبست أنفاسها

كأنها في حلمٍ

تحتضنُ حبيباً

أختطفهُ عز ..!

أسرائيل

**

الحمامة المتوجة*

أحبها ..

أميرةٌ متوجةٌ الرأسِ

أراها  لحظةَ  تطيرُ

متوجسةً  من خطرٍ داهمٍ

محذرةً  قبل  فوات  الأوان

كل ذي جنحٍ قريبٍ

تضربُ الهواءَ بجنحيها

كيدٍ تنقرُ طبلاً

**

عزلتي .. ومن أحب

عزلتي ..

رفيقة  بي

لم تبعدنِ

عمن أحبُ

فالذين أحبهم حاضرون

وإن نأوا

لمديات بعيدةٍ

أو غابوا عني

لسنوات عديدةٍ

أما الذين رحلوا

بلا عودةٍ

لنهايات أبديةٍ

فهم  في ذاكرتي

يبددون الكثير

من غربتي

ويخففون القليل

من كآبتي

**

الخلو للنفس

أخلو لنفسي راغباً

عن رؤية وجوهٍ

طمسَ الضبابُ ملامحها

فلا  اراها

كما أرى

وجهين يلتقيان

يشعان بالحبٍ

**

الرهان الخاسر

فرِحاً  أغسلُ  كآبة  يومي

بخسارةِ  رهاناتٍ

في حلبات  سباقٍ

على حصان جامحٍ:

صاهلٍ

صائلٍ

جائلٍ

في كل الحلباتِ

كثير الكبواتِ

كبا من قبل

ويكبو الآن

وخسروا عليه

الرهان

**

عار الإنسان

أشيح  بوجهي

عن صور عار

لضمير غائب

في قرن خائب

عار الزمن  الآني

بهذا اليومِ

وما قبله أو بعده

*

تعلقنا من قبل

بخيوط واهية

بإدعاءات كاذبة

بإيمان بالله

بمدن فاضلة

بكتب قدسية

وهذا يوم آخر

لم تبق فيه

ورقة واحدة

من اشجار الجنة

لنواري فيها

عرينا الابدي

*

يؤرقني التفكير بــــ

أني  سأعيش

بعد الآن

يوما آخر

لأني صدقت قديما:

(ليس بالإمكان أحسن مما كان)

حتى رأيت اليوم

رب الجنود*

ممتطيا ظهر الميركافا*

تصول به وتجول

في كل الجهات

فأيقنت:

أن  بالإمكان

أسوأ مما كان

**

أسماء  أحبها

وهم كثر:

أصواتهم الحزينة

تراتيل حبٍ

ودعوات سلام

لوركا:

أغلقت شرفتي

لأني لا أريدُ أن أسمعَ البكاءَ

إلا أنَّ وراءَ الجدرانِ الرماديةِ

لا يُسمعُ شئ غير البكاء*

والسياب:

أتعلمين أي حزن يبعث المطرُ

وكيف تنشج المرازيب إذا أنهمر؟*

وعيسى الياسري:

أنا أغني ..*

للشجرةِ ..

لطعم القبلةِ

لرغيفِ الخبز الخارج

من بين أصابعكِ يا أمي

***

صالح البياتي

.......................

* نوع من الحمام يستوطن الأراضي العشبية والشجرية في أستراليا.

 *  رب الجنود: يهوه إله بني إسرائيل.

 * ميركافا: معناها بالعربي عربة الخيل (الحنطور) .

 * مقطع من قصيدة (البكاء)

 * مقطع من قصيدة (إنشودة المطر)

 * مقطع من قصيدة (أنا أغني)

 

كانتْ أعْيُنُنا

لا تُبْصِرُ إلا أَوْجُهَنا

في المرآةْ

هَلْ عيناكِ هُما الأصدقُ،

أمْ عينايَ،

أَمْ المرآةْ

كُنّا نعرفُ أنّ الأعينَ قد تَخْدَعُنا

لكِنّأ ما كنّا نَعْرِفُ إنّ المرآةْ

يُمْكِنُ أنْ تَخْذُلَنا

و تُراوِغَنا

كانتْ صابرةً ساكتةً

تبدو المرآةْ

لكِنْ ذاتَ صباحٍ هبّتْ هائجةً

طَرَدَتْنا صارِخَةً:

منذُ اللحظةِ ليسَ بوِسْعِكُما

أنْ يَدنو مني أَحَدَكُما

إنّي أُنْذِرُكُما

...........................

...........................

حِيِنَ هَرَبْنا وحَمَلْنا صُنْدُوقَ الأسرارْ

كُنّا نسمعُ صوتَ المرآةِ يصيحُ بإصرارْ

عودوا .. عودوا

لا يُمْكِنُكُمْ أنْ تختاروا إلاَ ما أختارْ

وعَرَفْنا حينَ فَتَحنا الصُّنْدُوقْ

إنَّ المرآةْ

تملكُ  ذاكرةً ماكرةً

تخزنُ ما نَحْنُ عَرَفْناهْ

وعيوناً حاذقةً

تَحْفَظُ ما نَحْنُ  شَهَدْنَاهْ

.........................

........................

حينَ رأيتُكِ حائرةً

قلتُ دَعِينا

نَتَذَكّرْ أنَّ المرآةْ

كانتْ مِنْ صنعِ أيادينا

و سَتَبْقى طَوْعَ أيادينا

سَمِعَتْنا المرآةُ، فَراحَتْ تبكي

متوسلةً

ضارعةً:

لا تدعاني دونكما

مَنْ لي غيركما؟

مَنْ لي غيركما؟

***

شعر: خالد الحلّي

ملبورن – أستراليا

 

في كُلِّ يومٍ

رَحى الطَّاحونِ تَدورُ

غيرَ آَبهةٍ

تُعرِّي حَبَّاتِ القَمحِ

من غيرِ خَجلٍ ولا وَجلٍ

وتَسْحَقُ

*

في الَّليلِ تَغتالُ َصَدى الحِكاياتِ

وفي الأَصباحِ

كُلَّ الفَراشاتِ تَقتنِصُ

*

تَدورُ وتَدورُ

وأطيافٌ تَمورُ

تارةً أَسبِقُها

ودوماً هي تَفوزُ

*

تَدورُ وتَدورُ

لا زَمَنٌ يوقِفُها ولا دَهرٌ

لا مَدٌ يطالُها ولا جَزْرٌ

تحتَ وَقْعِ ضَرباتِها

جبابرةٌ تَهوي

وعروش تَخُورُ

*

رَحى الطَّحَّانِ

قاسيةٌ مِثلَ فاجِعةٍ

وماكرةٌ مِثلَ سَريرةٍ

تَغنَمُ مِن الفرائِسِ ما تَرومُ

ولا نَاجٍ من بينِ فَكَّيِها

أبداً يُدبِرُ

*

لا حَجمُ المناصِبِ يَعْنيها

ولا الحُظُواتُ تُرهِبُها

*

حينما تَدورُ

لا تَعبأُ بالشَّمسِ

ولا بِلونِ القَمرِ

وإِجلالاً لَها تَقِفُ الأرضُ

وتَسجُدُ

*

يُراهنُ الخَلْقُ

على أنَّها ذاتَ يومٍ

سَوفَ تَمَلُّ وتَتعَبُ

وتُحرِّرُ من قَبضتِها

كُتُبَ التَّاريخِ الحبيسةِ

وسَراحَ الشُّموسِ

سوفَ تُطلِقُ

*

ولَكِنَّها تَدورُ وتَدورُ

وما مِن عَرَّافٍ أفلحَ

ولا المُنَّجِمينَ صَدقوا

*

رَحى الطَّاحونِ

لا القانونُ يَردَعُها

ولا الدَّساتيرُ مَعها تَنفَعُ

تَرفَعُ من تَشاءُ حيناً

وحيناً إلى الدَّرْكِ الأسفلِ

تُنزِلُه وبعنفوانِه تَخسِفُ

هي أُحجِيَّةُ الأحاجيّ

وهي الُّلغزُ العَسيرُ

ما فَكَّ طلاسِمُها حَاذِقٌ

وما أدركَ أسرارَها

النَّوابِغُ

*

لا عَتمَةٌ تَردَعُها

ولا ضَوءُ النَّهارِ

يُثنيها عمَّا تَلتمِسُ

دَعْ عَنكَ كُنْهَها واِتْرِكْها

تَسيرُ إلى حيثُ هي تَرغَبُ

واِمضِ غَيرَ هَيَّابٍ

لما قد يَنشَبُ

فبعضُ المَعرفةِ نِّقمَةٌ

وبعضُ التَّجاهُلِ

في ظلِّ جَبروتِ

رَّحى الطَّاحونِ

نِعمةٌ

***

جورج عازار

ستوكهولم السويد

 

عن سوءة الطريق

الذي يمحق تفاصيل الإياب

وعن صباحات

يتيمة التفاصيل

عن أمة تفرقت بها السبل

في مدارج النزوح الخراب

في مسالك شتى

تعرف كيف تؤرخ

للموت... لموت الصِبية

في حدقات الوطن

عن وجع يأكل شغاف الذات

ينفخ من ذرات رماد قاتم

في روح بنات الأحلام

فتكتظ بطون الأرضين

ببذور شكوك

وجذور حرام

عن هذا التوهان

عن مرمى

ماذا

وكيف

وحتّام

وإلام

وعمّ

عن

دمِرْ

اقتلْ

افجرْ

سدد

في

قلب

الأرض

في

عصب

العرض

عن

اسفكْ

لا تتوقف

لااااا

وهنا التوهان

حرام

هنا التسديد

سليم

فماتت وجعاً

فينا

سحنات الفرحة

ذات صباح

وطفقت أطياف الذكرى

تتناثر

ولأكثر من عام

كذرات الملح

على جنبات الأرض

تضمد وجه الشمس

وتصنع من عرق الصبر

ترياقاً لينام القمر

ليوم آخر

في ظل سماء الخرطوم

أن عودي يا زنبقة النيل

بثوبك القشيب

أن مدي صوت

وشوشة البنات

لعيون المغرمين

أن سدي فجوة

الخطوة التي تزلق

الرجعى من على

كتف الطريق

أن دثري زملي

كل قلوب بنيك

هنا

و

هناك

نحن على شعرة

من عته الواقع

من صرخة جرح

يصب بعنفٍ

في الوجدان

وأنتِ الشّعر

ينوح صباح مساء

على شرفات مآقينا

ردينا ياوعدا أخضرا

ضيعناه

ذات مظنة حالم

والكامن يتربص عنقك

يرصدنا

ونحن عراة مكشوفون

الكامن

راصد

حاسد

ومازلنا

نتفاصل

ونخوِن

ونصنِف

نتقوَل

ونقول

نغتال

الباقي

فينا

نغتال

الباقي

فيك

وبكل

غباء

الدنيا

نسألك

أن

عودي

يا

خرطوم *.

***

أريج محمد أحمد

............................

* الخرطوم عاصمة السودان استخدامها يرمز للوطن ولكل مكان فيه .

 

يوما إثر يوم، وليلة بعد ليلة، وبتأثير من وضع العوز الذي ما انفك يتفاقم، شرعت تتوضح لربي البيت حقيقة اضطرارهما الأكيد لصب قدر أقل من الاكل في الصحن عند العشاء، وقدرأقل من الحليب عند الفطور، لإبقاء كمية الطعام عند حدود الكفاية لأولادهم الثلاثة، وهكذا أحيلت الى المصفوفة في المطبخ، التي كانت سلفا خاوية من الأواني، حيث سيغطيها الغبار سريعا، الجفنة الكبيرة التي كان ينضد بداخلها الكسكسي، أو تعجن فيها ربة البيت الكسرة، وتبعها الصحن الحديدي متوسط الجحم الذي كان من عادة ربة البيت أن تصب فيه مرق فطور منتصف النهار أو عجين العشاء أو تقطع فيه الخضر، وانزل لمعترك الاستعمال اليومي المستمر بدلا منهما، صحن وكاس بلوريان صغيرا الحجم، بل قل متناهيا الصغر، قابلان للكسر وسريعي التهشم، لا تزيد الكمية التي يتحملان استيعابها من الطعام والحليب  على غير ما بالكاد يدفع عن انسان غائلة الجوع لبعض الوقت فقط، فكانت ربة البيت كل مساء تصب لأولادها ثلث الكمية المعتادة من الطعام كعشاء، وكل صباح ثلث القدر المعتاد من الحليب كفطور، وتترك أولادها يأتون على ما في الصحن والكأس حتى يلحسونه لحسا، وتنخرط في جدال عنيف مع زوجها خارج الغرفة لا يصل شيء منه لأسماعهم، لكنها عندما تعود للأطفال تأمرهم دائما ودون انقطاع أن يحمدوا الله على استمراره مدهم بنعمه، فوراء  السيء الذي صاروا إليه ثمة دائما ما هو أسوأ.

ويحمد الجميع الله، راجين منه مخلصين أن لا يذهب بحالهم من السيء للأسوأ.

2

أغرم أصغر الأطفال بالصحن البلوري الصغير وبالكأس، وشغله جمالهما عن ملاحظة النزر القليل  من الطعام والحليب الذين كانا يحتويانه، فلم يكن يشكو أو يتذمر ويقضي أغلب وقت الاكل ينظر للصحن أوالكأس منبهرا بالشكل الجميل للوعاء الشفّاف الذي أمامه، ويصغي لصوت الرنين الآسر المنبعث منه اذا نقر فوقه بأحد أصابعه، وقد يرى انعكاسا مقعّرا لصورته على صفحة البلورإذا قلب الصحن على رأسه، فتمتلأ نفسه بالدهشة، دون أن يأكل شيئا من الطعام ويترك معظم ما فيهما لشقيقيه اللذين راقت لهما غفلته ووجدا فيها تعويضا مجزيا عن النقص في كمية الطعام الذي يأكلانه، ودون أن يقولا كلمة لأبويهما عن افتتان صغيرهما بالصحن وبالكأس وبصورته المنعكسة عليهما، أو عن الهزال الذي شرع يصيبه ويصيبهما معه، رغم استئثارهما بالحصة الأكبر من الطعام. 

وحده قط المنزل كان لا يكف عن التمسح به والطفلان الكبيران لا يكفان عن نهره وطرده خارجا معتقدان أن تمسحه بشقيقهما ما هو غير محاولة منه لتنبيهه من غفلته و دليل ترغيب له في الاكل.

3

شعر القط بخطورة وضعه اثر التبدلات الأخيرة في نظام الأكل، وما جدّ من تقتير فيه، ونظر بعيد دامعة وقلب منفطر للصحن الصغير وقد أتى الطفلان على ما فيه ولم يبقيا له شيئا، فلم يجد فيه بقية تؤكل، لكنه إذ تذكر حاوية الفضلات القريبة من المنزل فكر أنه قد يجد الحل الذي يقيه الجوع الوشيك

لكنه لم يعرف انها ستكون خاوية خالية ولن يظفر من بربشته فيها بغير جراح تدمي مخالبه.

فغدا مصيره أن يقضي يومه متضورا ملقى في زاوية بمعدة خاوية وجسد هزيل وضلوع ناتئة معفرة

4

نظرت الجفنة الكبيرة من مكانها في المصفوفة، وقد بدا الغبار يعلو ظهرها، بحزن فائق للقط وهو يجول داخل المطبخ المقفر بعد أن اخلد اهل البيت للنوم في الليل، وتذكرت الهوان الذي صارت فيه وتنكرأهل البيت لها وإعراضهم عن خدماتها، فاعتزمت أن تفضي للقط باقتراح رشيد قد يكون فيه عودة أيام العز لها وله. نقرت بأحد حوافيها على جدار المصفوفة فاحدثت صوتا تنبه له القط فالتفت, قالت له هامسة

- لو استطعت القفز فوقي وتمكنت من بلوغ مرقد الكاس والصحن البلوريان وتحركت عبرهما متصنعا الانتباه لوجود فأر، وفي عبورك دفعتهما للاحتكاك فهشم أحدهما الآخر، هذين المغرورين المعجبين بجمال صنعهما ودقة تكوينهما وشفافية منظرهما، الصحن والكاس البلوريان، لارتحنا من سطوتهما على المائدة ومن افتتان صاحبنا الصغير بهما و لعدت الجفنة التي تعرفها تنتصب متربعة وسط المائدة وتفيض حافتها بالكسكسي الذي يبقى لك منه الكثير حتى يصيبك البشم .

أعجب القط بالفكرة ولم يطل به التردد قبل المرور للتنفيذ

5

اصغى الطفل الصغير لصوت ارتطام ووقوع شيء على الأرض وتهشمه ينبعث من المطبخ في آخر الليل فنهض مغالبا خوفه يستطلع الأمر،

غلب على الخوف فيه معرفته لصوت الرنين المألوف للصحن البلوري فأثار فيه الحنين لمداعبته، وعندما بلغ المطبخ شاهد حطاما بلوريا وزجاجا مهشما متناثرا على أرضيته، نظر الى الرف الذي تصطف فيه أواني المطبخ فلم ير لا الصحن ولا الكاس فلم يتريث وسارع بالركوع على الأرض محاولا لملمة الشظايا وإعادة الكاس والصحن لشكلهما القديم ولم يطل به الامر حتى تخضبت يداه بحمرة قانية وارتفع صوته ناضحا ببكاء الألم

اما القط فاختفى سريعا في الظلام ..

6

بينما الأم تضمد الجراح التي امتلأت بها يدي صغيرها من محاولته تضميد جراح الصحن والكأس، كان في مرأى الدم الذي نزف من يديه ما صرفها عن معاقبته، هي التي كانت مقتنعة أنه تسلل للمطبخ ليلا وهشم الصحن والكأس من حيث أراد ملاعبتهما. أصغت لصوت مشاحنة تأتي من جهة الباب, سمعت صوتين غير متكافئين في القوة، أحدهما يزمجر ويهدد، والثاني يستعطف ويتوسل. عرفت أن مالك البيت يريد إخراجهم و لا يرغب في بقاءهم لأكثر من أيام معدودات، ولم يطل الأمر بهم، كان النقاش معه أمرا ميئوسا منه، الرجل يريد داره، وعليهم البحث عن بيت لا يحتوي على أكثر من حجرة واحدة، ليحتوي الأقل منهم، داعين الله أن لا يريهم الأسوأ، مثلما فعلوا مع الكأس والصحن. اللذان احتويا الأقل من الطعام والحليب. من الغد قدمت عربة يجرها بغل كدسوا فوقها امتعتهم وارتحلوا الى حيث لا يعرف الطفل ولا القط .

7

قرب حاوية فضلات خاوية أقعى طفل متسخ، يداه ممتلئتان بالجروح، ونظرته تنضح رغم ذلك بلهفة غير مفهومة، وعلى مقربة منه بقايا من الزجاج المهشم وهو لا ينفك يشكلها ويعيد تشكيلها في محاولة منه لإعادتها لهيئتها الاصلية، متتبعا أثرا لصورة شيء مكتمل في ذهنه ويحاول استعادته، وفي كل مرة يعيد المحاولة تصاب يده بجروج جديدة، وفوق الحاوية الخالية إلا من بقايا العلب البلاستيكية وشظايا البلور، ربض قط مهزول الجسد، وبره ينعقد فتائل فوق ظهره وأسفل عنقه يحمل اثر جرح حديث كأنه تعرض لمحاولة ذبح، يتابع بعينين يثقلهما الماء صنيع الطفل ولا يقدر حتى على إصدار صوت مواء.

ثم ما لبث أن بارح موضعه وحط بقرب الطفل وبلسانه شرع يلعق الدماء التي نضحت من يديه.

***

قصة قصيرة: عادل الحامدي

القيروان - تونس

حلقة من: المدينة الغافية في احضان البوسفور

شَعَرَ بالأمتعاض، وهو يستلقي على فراشه الرطب.. لقد أدرك أنه لا يوجد سبب يدعو إلى ذلك، ولهذا أطبق جفنيه وسمح لجسده بأن يستوعب  الإحساس بـ(الدبك) ومع ذلك فقد بقي منتبهاً لكي لا يتمكن هذا الإحساس بالأمتعاض من تدمير نفسيته المرهفة.

طافت في ذهنه أجواء وجد نفسه وكأنه في مكان آخر هو ليس مكانه الذي يقيم فيه، وتناهى الى سمعه صوت حركة المرور خارج المكان، بينما كانت الساعة الجدارية تعلن التاسعة مساءً وهو ممدد على سريره المشبع بالرطوبة وكأنه قد سكب فوقه كمية من الماء.. وفيما كان يرى الأشياء متداخلة كان إحساسه قد أصابه الوهن، ومع كل ذلك ظل يقظاً يحدق في داخل هاوية حيث بدأ إحتدام صراع المفردات التي تتزاحم وتتكاثر.. شيء من الرعب ينتاب المرئ حين يطل على قعره ومنه إلى الأسفل حيث الهاوية السحيقة التي ليس لها قرار، حين يطفح العبث واللآجدوى، ولكن اليقين هو ذلك الأرتداد الذي يعي واقع الأضطراب ويقنع بحتمية المعنى الكامن في القرار، الذي يجعل العقل في قمة التألق.!!

شعر بأنه مجرد كائن وحوله حلقة أو بمعنى آخر، حلقات هائلة من الفضاءات المختلفة.. فهو بهذا المعنى بات شعوره في وضع ساكن وسط هذه الفضاءات، وأدرك، على الفور أنه يدور في حركة هذه الفضاءات وليس العكس.. لأنه بات جزءاً منها.. وكلما اهتزت هذه الفضاءات من حوله أهتز هو الآخر، وكلما تحركت تحرك هو أو شعر بانه ينبغي عليه ان لا يكون ساكناً.. فحركته هي جزء من الحركة العامة التي تدور رحاها في الخارج.. هذا الشعور يجعله يدرك احياناً انه شيء ساكن في قلب الحركة.. فمن يحرك من ؟ هل هو يحرك الفضاء العام من حوله أم ان الفضاء العام هو الذي يجبره على الحركة أم كليهما في دوامة الحركة التي لا قرار لها؟

والحقيقة التي استخلصها من خلال إدراكه العقلي، باعتباره كائناً عقلياً في محيط يجده غير عاقل، وهو على الرغم من كونه جزء من هذا المحيط فمن الصعب ان يعيش في خارجه أو بدونه.. غير قادر على تغييره وإعادة تكييفه أو تشكيله بالشكل الذي يجعل من هذا المحيط او الفضاء العام قادراً هو وغيره على إحتماله.. لأنه كائن متحرك وساكن في فضاء كما يراه ساكناً ومتحركاَ في آن.

وكليهما.. الحركة والسكون من متطلبات الوجود في كينونة وجودية لا تنفصم.. ومن الصعب تصور انفصام يحدث في وحدة الوجود الكلية.. والحركة يريد تغييرها العقل الأنساني باتجاه الأشياء، من حالة نوعية الى حالة نوعية من نوع آخر.. يريد من خلالها إعادة تشكيل وجوده لكي يتمكن من إحتماله، ما دام الضجر هو جوهر السكون القاتل، الذي يحيطه في ذلك الفضاء الآمتناهي، كلما أمعن فيه وأدرك كنهه.

ويمكن الأفتراض بأن العقل البشري قد حقق تقدماً باهراً ويحاول أن يحقق الأكتفاء من خلال النجاحات.. والحقيقة الصارمة، ليس هناك أي نجاحات، لسببين اثنين. الأول: ما يبنيه العقل هو بناء مادياً محضاً يخلو من أي بناء يعزز قيم ألأخلاق. الثاني: ما يبنيه في قرون يهدمه في اسابيع أو شهور أو بضع سنين في فضاءات واسعة ينعدم فيها المعادل الأخلاقي والقيمي.. والمعنى في ذلك: أن الجهد الأنساني ينبغي أن ينصب على ضرورة أن يستعيد العقل الأنساني وعيه ويحكم مدركاته بين كفتي التوازن الضروري المادي والروحي في حضارة تحتضر على حافة القرن.

وفي غمرة هذا الواقع المر ينبغي التفتيش عن قاتل الحضارة.. وحتى الآن كان يفترض وجود سبب طبيعي ما حال دون توغله الى ما وراء نقطة معينة من عقله، حين أراد الغوص صوب ذلك القعر.. فالغوص صعب إلا إذا كان هناك توازناً في الثقل (القدرة) على الغوص وخاصة إذا كان المراد منه الغوص الى مسافات أعمق، عندئذٍ يتعين عليه ان يركز ثقلاً اضافياً.. وهو التركيز الذهني الحاد صوب تلك النقطة المحورية (الهدف).. والمهم كيف يمكن ان يجعل عقله أكثر ثقلاً كي يستطيع الغوص أكثر في أعماق ذاته..!! ويبدو ان الكثير من المحاولات تنتهي الى الفشل.. لقد بدأ يفكر بالأمر، وأدرك أن السبب الذي كان يمنعه من التوغل صوب الأعماق هو ضمور إحساسه بالهدف تدريجياً، وخاصة عندما يبدأ عقله يشعر بالخواء وإحساسه مدعاة للقلق.. وهذا ما يمنعه من بلوغ هدفه في الغوص نحو الفكرة.

لم يشعر بالهزيمة أو أن فكره قد خذله.. بدأ المحاولة حين استرخى وأغمض عينيه وراح يغوص في أعماق ذاكرته ودهاليزها.. ووجد صعوبة في اختراق بعض أماكنها.. ولكن يبدو أن لا شيء أمامه مظلماً، ولكنه قد يتعامى عن النظر إلى تلك البقع المظلمة التي لا يريد الأفصاح عنها حتى أمام نفسه.!!

وقد أدرك ان ما توصل اليه.. ان العالم يعيش اضطراباً عاماً في حركته، وهو لم يكن بعيداً عن محور الأضطراب، وكان يشعر أحياناً انه يتعرض لعصف الحركة في ذهنه المشوش، حتى بات وضع السكون في جملته العصبية مرهون بإرتدادات هذا العصف.. وإن الأيجابي في ذلك هو أنه قد وجد نفسه يركز بصورة حادة حول طبيعة الطوفان الذي يضرب العالم، ليس في شكله فحسب، إنما في دوافعه ومسبباته، الأمر الذي جعله يراقب تلك الترددات الناتجة عن الزلزال، الذي ولد الطوفان بعقله المجرد.. وأنتج ان الحالة العامة تكمن في طبيعتها القائمة على إختلال التوازن.. ولولا هذا الاختلال لبقيت الاوضاع، الحالة العامة على ماهي عليه.. وهذا ما حدث بالضبط حين تحركت صفائح وانزلق تحتها وفوقها وفي جوانبها كل شيء.. وهذه الصفائح موجودة أساساً في كل شيء تقريباً.. وان الأكثر هشاشة هي الصفائح الموجودة في المجتمع والاقتصاد والثقافة والدين.!!

شعر بأن عقله قد بلغ مستوى الأرهاق وخاف على نفسه ان يصل به إلى درجة التشويش الكامل فقرر أن يغلق المسالك السابقة لوعيه لكي يستريح قليلاً من عناء التفكير، بعد أن رجع من ذلك العمق السحيق.. ثم استسلم للنوم وأغمض عينيه ونام.. ولكن عقله الباطن ظل يقظاً يعبث ويفتش عن مسالك أخرى للظهور.!!

***

قصة قصيرة: د. جودت العاني

15/ 2 / 2024 

 

هذا فضاؤكَ فانطلِقْ كـ(ضِرارِ)

وازْأَرْ بوجهِ تحــــالفِ الفُجَّــارِ

*

واحْمِلْ إلى العلياءِ بُشرى تَنَسَّمَتْ

روح الجهـــــــادِ بـــعِزةٍ ووقــــارِ

*

تَرْنُوكَ بالإجـــــلالِ كل جليلةٍ

تَزْهو بكَ الدنيا وكل الــــــدارِ

*

ولنا بإيقاعِ انتِصَـــــارِكَ هِمَّــةٌ

عربيـــــة الأعْـــرَاقِ والأنصـارِ

*

فشكيمةُ الأفــذاذِ فـــولاذٌ وفي

عَــزْم الكُمَـــاةِ بســـالة الأحـــرارِ

*

ياأيها الشُّركــاء في إجرامِهِــمْ

هل تَسمعون (بِيَـــادَةَ) الثُّــوُّارِ؟!

*

تَخذَتْ لها بين الصفوفِ نَجَـابَةً

وأبَتْ خُنُــــوعاً تحت ظِلِّ العَارِ

*

نَزَعَتْ إلى ظَمَأِ القصيدِ لترتوي

ظَمَأً يُطِيـــحُ بناقـــــةِ الكُفَّـــارِ

*

وطِئَتْ على مَرِّ العصورِ سياسةً

جَلَبَتْ لأهلها جائحـــاتُ دَمـَــارِ

*

أَوَمَـا نَمَــا يوماً إلى أسمــاعِكُمْ

أنَّ الجــــزاء.. لِمِثْلِـــــكُمْ بالنـارِ؟!

*

حَرْقاً.. وإنْ تَوَسَّلْتُمْ لها بِنِسائِكم

وذبحتُــــمْ الأولاد كـــــالأبقــارِ!

*

حَرْقاً..لِيَشْهَدَكُمْ جميعنا في (لَظَى

لَعَنَــــــــاتِنا) والرجمُ بالأحجـــارِ

*

حَرْقاً..على مَرْأَىَ ومسمعِ عَالَــــمٍ

هو ذَاتهُ المجـــرورُ  باستِحمــــارِ

*

هو ذَاتهُ المنكوبُ تحت كوارثٍ

صُنِعَتْ بكفُّ طبيعةٍ.. وحِصَـــارِ

*

ليظلَّ أعمى الحالتينِ عن الهُدى

والنورِ.. والأحداثِ.. والأخبـــــارِ

*

قد يُفلحُ الكلبُ بعَقْـــرِ دجاجةٍ...

يأكُــلْهَـــا عَنْـهُ جَلَالَــةُ العَقَّـــارِ!

*

وكَمَــا هُـو..أبـــداً يَظَــلّ ولاءهُ

نَبْحَاً...وعَقْرَاً.. وانْبِطاح جَوَاري!

*

ياللوقاحةِ حين تَغْسِلُ وجهــها

بقَمـَـاءَةٍ.. ووضَــاعةٍ.. ومَجَــاري!

*

يُمْهِلْ.. وقد آنَ الأوان لـِمَــحْوِكُمْ

مِنْ أرضِنـا.. وبـ(أحْدَثِ الإِصْدَارِ)*!

*

فلتَشْهَدوا صَيفـــاً أخيراً حـَــارقاً

وبيادةً للسَّحْــــقِ بالــ(جَــــــرَّارِ )!

***

محمد ثابت السُّمَيْعي - اليمن

17/6/2024

.......................

* إشارة إلى أحدث التطورات في صناعة الأسلحة

آهْ يَا أَصْدِقَائِي:

لَوْ كُنْتُ زُورْبَا...

لَرَقَصْتُ حَتَّى الصَّبَاحِ

وَلَزُرْتُ كُلَّ مَرَافِئِ الدُّنْيَا

لِأَسْتَلَّ مِنْ كُلِّ الصَّدَفَاتِ لُؤْلُؤَةً

هَدِيَّةً لَكُمْ...

لِأُخَفِّفَ عَنْ هَذِهِ الأَرْضِ بَعْضَ الصَّدَمَاتِ...

*

آهْ، وَلَوْ كُنْتُ اثْنَيْنِ:

وَاحِدٌ هُنَا، يُعِدُّ لِصِغَارِهِ خُبْزًا وَحِكَايَةً لِلْمَسَاءِ

وَالآخَرُ هُنَاكَ يُلَاحِقُ الذِّكْرَيَاتِ...

*

آهْ يَا أَصْدِقَائِي:

لَوْ كُنْتُ مَعَهُمْ فِي الطُّوفَانِ لَغَيَّرْتُ اتِّجَاهَ الرِّيحِ...

وَأَغْرَقْتُ كُلَّ الأَشْرَارِ

لِأُخْبِرَكُمْ يَا أَصْدِقَائِي

بِكُلِّ أَسْرَارِهِمْ وَأَخْبَارِهِمْ

*

آهْ، لَوْ كُنْتُ فُرْشَاةً لَمَنَحْتُكُمْ

عَبْقَرِيَّةَ دَافِنشِي

وَأَزْرَقَ فَانْ غُوخْ

وَعَرَائِسَ بِيْكَاسُو

وَجُنُونَ دَالِي

وَأَسَاطِيرَ بَابِلْ

وَابْتِهَالَاتِ زَرَادَشْتْ

وَلَأَصْلَحْتُ أَنْفَ أَبِي الْهَوْلِ

وَرَفَعْتُ شَيْئًا مِنْ أَهْرَامِ الْجِيْزَةِ

وَلَتَرَكْتُ بَارِيسْ (فِي أُسْطُورَةِ طُرُوَادَة)

وَالْمَجْنُونْ

وَرُومِيُو

يَرْقُصُونَ مَعَ زُورْبَا رَقْصَةَ الْوَدَاعِ الأَخِيرِ...

وَلِوَحْدِهِمْ سَيَمُوتُونَ وُزَرَاءُ الْحَرْبِ غَبْنًا...

وَنَحْنُ يَا أَصْدِقَائِي

سَنَبْنِي خَيْمَةً عَلَى رَأْسِ التِّلَّةِ هُنَاكَ

لِكُلِّ الْعَاشِقِينَ...

وَنَدْعُو أَشِعَّةَ الشَّمْسِ لِتُعَزِّفَ لَنَا سِمْفُونِيَّةَ الأَطْلَسِ...

وَأُغْنِيَةَ الصَّبَاحِ لِفَيْرُوز

وَنَتْلُوَ قَصَائِدَ نِزَارْ...

وَكَلِمَاتِ مَحْمُودْ دَرْوِيشْ:

نُحِبُّ الْحَيَاةَ إِذَا مَا اسْتَطَعْنَا إِلَيْهَا سَبِيلًا...

*

آهْ لَوْ كُنْتُ اثْنَيْنِ:

الأَوَّلُ يُمْنَحُكُمُ السَّلَامَ وَالْحُبَّ

وَالثَّانِي يُنْصِبُ الْمَشَانِقَ لَهُمْ

فِي نَاغَازَاكِي

وَهِيرُوشِيمَا

وَهَانُوي

وَنَابْلُسْ

وَيَافَا

وَحَيْفَا

وَالْجَنُوبِ

وَفِي أَعْمَاقِ بَحْرِ غَزَّةَ

بَعْدَ حَرْقِ تِلْكَ السَّفِينَةِ الَّتِي أَتَتْ بِهِمْ إِلَى ذَاكِرَتِنَا

بَعْدَ الطُّوفَانِ

حِينَ تَرْسُو عَلَى الشَّاطِئِ... عِنْدَ الْمَرَافِئِ

سَأَسْتَلُّ لَكُمْ مِنْ الصَّدَفَاتِ لُؤْلُؤَةً أُهْدِيهَا لِأَطْفَالِكُمْ

لِكَيْ لَا يُصَابُوا مِثْلَنَا...

وَلِأُخَفِّفَ عَنْكُمْ بَعْضَ دَوَرَانِ الأَرْضِ

وَبَعْضَ الصَّدَمَاتِ...

وَإِنْ عَجَزْتُ نَفَخْتُ فِيهَا أَكْثَرَ

حَتَّى تَنْكَسِرَ...

أَوْ تَنْفَجِرَ...

*

آهْ، يَا أَصْدِقَائِي

***

م.عجرودي / بَارِيسْ

 2024

في نصوص اليوم